مظلة شرعية

"وما هو شرطك آنسة سلسبيل؟! هل اخبرتني به الآن من فضلك؟!"

حاولت أن تهدئ من حالة غضبها تلك، اخفضت نبرة صوتها حينما قالت بصوت هادئ:

"أن ما يحدث بيننا يكون تحت مظلة شرعية، زواج عرفي نوقع على ورقته نحن الاثنان مع شهود ما، وفي حالة رفضك لذلك الشرط سوف تعتبر الصفقة لاغية"

ضحكات عالية وجد نفسه يخرجها من فمه بينما تنهي هي حديثها، الفتاة حمقاء بالكامل، هل ظنت أنه سوف يفعلها معها بدون زواج، هي لا تعرف عنه شيئا إذا! أخبرها بنبرة نزقة، متشدقا بكلمات فخورة:

"عزيزتي أنا لا افعلها إلا تحت مظلة شرعية، ورقة زواج عرفي بالطبع، وحينما ننتهي امنحك الطلاق مع المبلغ الذي تريدين وكلا منا يذهب في طريقه! هناك شرط واحد بالطبع من قبلي، عليك أن توقعي ورقة بعدم التحدث عن ما حصل بيننا لأي أحد وإلا سوف يكون عقابك بائس بكل تأكيد!

نظرت إليه بينما يتبجح بتمسكه بتلك الشرعية الواهية، هي تعلم جيدا أن تلك الورقة لن تسمن ولا تغني من شرف، لكنها ورقة لربما تحتاجها إن قررت الزواج يوما ما، مع انها أكيدة أنها لن تفعل ذلك أبدا!

وجدت نفسها تخبره بنبرة هادئة بينما ينتظر جوابها على شرطه ذاك، هي قالت:

"سوف أوقع على ذلك الشرط"

"إذا تم الأمر، بينما تتناولين كأس العصير ذاك سوف أهاتف محامي الخاص كي يعد لنا الوثيقة، ويحضر لنا شاهدين معه كي ننهي الأمر!"

رمقته بعدم اهتمام، هي اتفقت على بيع نفسها، المشتري أكثر من راضي، الثمن على وشك أن تقبضه وتنفذ حياة والدتها، بقى القليل فقط، وعليها الإنتظار.





الأمر لم يستغرق ساعة واحدة حتى كانت تجلس بجواره في سيارته حيث يتوجه بها إلى شقة خاصة به، لابد أنه قام بشرائها من أجل نزواته الخاصة أو زيجاته الخاصة إن صح الأمر، الطريق لم يأخذ الكثير من الوقت، حينما وصلا إلى تلك الشقة كانت الساعة السابعة مساء، علمت ذلك حينما أبصرت الهاتف، تريد معرفة إن كانت هناك رسالة أو مكالمة ما من أم سليم، حمدت ربها أنه لا يوجد!

الثمن الذي قبضته كي تكون هنا ليس هينا حقا، لقد كان ربع المليون، كانت من الممكن أن تطلب المزيد، ولكنها اختارت أن تحتفظ بباقي من الكرامة لما يبقى من أيام، فتلك الأموال كافية لإجراء جراحة والدتها وثمن العلاج في فترة النقاهة أيضا!

انصتت إليه بينما يخبرها بنبرة بدت ودودة وهادئة:

"اعتبري هذه الشقة منزلك و تصرفي على طبيعتك، سوف أذهب للحصول على حماما منعش في داخل حمام غرفة المعيشة، بينما تستطيعين أنت الحصول على حمام غرفة النوم، كما أنه هناك ملابس في الخزانة يمكنك الاختيار منها على حسب ذوقك بالتأكيد"

استمعت له، أومأت برأسها موافقة على اقتراحه لها، شيعته بعينين قلقتين بينما يدلف لداخل الحمام، بعد تردد منها دلفت إلى غرفة النوم التي أشار إليها قبل ذهابه، بخطوات متمهلة هي دلفت إليها، أخذت ترمقها بنظرات مشمئزة، تلك الشقة التي شهدت جولاته بداخلها، نظرت حيث الخزانة التي أخبرها عنها، وحينما فتحتها تمنت لو لم تفعل، جميعا ملابس فاضحة، غلالات نوم لا تستر جسدا، أغلقت الخزانة فورا بعد أن بصقت عليها بقوة، لاعنة اليوم الذي رأته فيه.

قررت أن تأخذ حماما وترتدي المئذر الخاص به، وبينما هي تكاد تخطو لداخل المرحاض فوجئت برنين هاتفها المحمول، هرعت نحوه بسرعة، أخرجته من داخل الحقيبة، نظرت إلى الشاشة، فوجئت باسم أم سليم يتصاعد أمامها، القلق أكلها أكلا، فتحت المكالمة على الفور، صعقت من صوت أم سليم الباكي بينما تخبرها بنبرة باكية:

"أمك ماتت يا سلسبيل، ماتت"

لا تدري كيف تركت كل شيء خلفها، هرعت نحو باب الشقة، فتحته بكل قوة تملك، عبرت من خلاله، تاركة الباب غير مغلق وراءها!!


الهدوء الذي يملأ المكان من حوله لم يعجبه، خطى بخطواته نحو غرفة النوم لكنه فوجئ بينما هو في طريقه إليها بباب الشقة مفتوح عن آخره، الشك تسرب إلى عقله، أسرع نحوه، نظر إلى الخارج باحثا عن وجود شخص ما قد يكون قد حاول اقتحام شقته الخاصة، حتى تذكر شيئا ما، تلك الفتاة سلسبيل، من المفترض أن تكون قد أنهت حمامها، تنتظره في داخل غرفة النوم، هرع من جديد لغرفة النوم، وتلك المرة دلف إليها، وجدها فارغة لا أثر فيها لأحد، اسرع نحو المرحاض، بحث في داخله، لا أحد هناك أيضا، حتى أكتشف الطامة الكبرى، لقد وقع ضحية نصب من قبل فتاة بعد أن حصلت على ربع مليون جنيه مقابل لا شيء! هو هارون العاصي ضحك عليه من قبل فتاة!!
رغما عنه قهقهات عالية خرجت من فمه بينما يجلس على الفراش الفارغ إلا من جسده هو!!



هل مر ثلاثة أسابيع على خطبتها الراعي حقا! لما تشعر أنها قد خطبت إليه بالأمس فقط؟! كم ودت لو تطول أيامهما معا، لكنها باتت تخشى أنه سوف يفك تلك الخطبة بينهما بعد زواج أخيه اليوم والذي سيكون نهاية وعده لها!
لقد حاولت كثيرا أن تلتقي به، تجذبه إليها، لكنه في كل مرة كان يصدها، وكأنه يعلم بما تنتويه، حتى أنها في مرة طلبت من والدتها أن تقوم بهزيمته على العشاء لديهم، لبى هو تلك الدعوة حينها، حاولت أن تجلس معه في الشرفة بمفردهما بعد انتهاء العشاء لكنها فوجئت به يخبرها أنه لديه موعد عمل هام وعليه اللحاق به.
منذ ذلك اليوم و شعرت باليأس وقرب الاستسلام منه ومن صده ذاك لها، وها هي ترتدي ذلك الزي بلون الكراميل مثل عينيها، تتزين له، لعله يلقي نظرة عليها ويشعر بها، رغم أنها تشك في ذلك، وسط انشغاله بزفاف أخيه وترتباته تلك.

"اللعنة عليها، تلك الفتنة التي تسير على الأرض غير عابئة بما تخلفه من ورائها من فتنة!"

تطلع موسى بعينين هائمتين بسارقة لبه تلك، تضع يدها في يد أخيها تسير نحوه، على وجهها ابتسامة قاتلة، ترتدي ثوبا يماثل لون عينيها، يكاد يجزم أن لا امرأة تمتلك فتنة وجمال مثل فتنتها!
كان خاله هو من ألقى التحية عليه في البداية وعانقه، ربت على كتفه، بارك له على زفاف أخيه ثم دعا الله له أن يكون زفافه هو عن قريب على رجوته، ليتطلع هو نحوها بنظرات مبهمة، متسألا في داخله هل سترغب هي في ذلك حقا!

ليذوب هو بعدها مرتين، مرة من نظراتها إليه، ومرة من لمسة يدها له بينما تصافحه مهنيا إياه بزفاف أخيه حتى خيل إليه أنه يقوم بخطفها بعيدا عن ذلك المكان أجمع، تاركا كل شيء خلفه، واللعنة على معاذ وكل شيء آخر، فقط هو وهي!
يصرح لها بعشقه، أن تلك الأيام التي مضت وحاول أن يتجنبها بها كانت كالجحيم بالنسبة له، هو لم يكن سوا خائفا، من أن عن رغبتها في الابتعاد عنه، وها هو قد جاء اليوم الذي سوف تطلبها منه بكل تأكيد ولن يستطيع أن يرفض بالطبع، لقد أعطاها وعدا، والراعي لا يخلف وعده أبدا! ولو عنى ذلك عذاب قلبه!





أما لذلك الكابوس أن ينتهي! ها هو قد جاء يوم زفافها على ذلك النذل، سوف سوف ترحل معه إلى الخارج، كي يقضيا بضعة أيام كشهر عسل لهما قبل انضمامه هو لمعسكر الفريق الوطني!

تطلعت من حولها في المكان، ذلك الحفل الصاخب، لقد وعد أخيها بجعل الزفاف حفلا أسطوري وقد فعل ذلك حقا، لو لم يكن ما حدث قد حدث! والزوج غير الزوج لكانت سعادتها لا توصف! لكانت الآن تملأ الأرض رقصا وطربا ،لكن هيهات هيهات كل أمنيتها تلك لن تتحقق يوما.

نظر إليها بينما تتطلع بغير رضا عما يحدث من حولها وكأنها تريد ترك كل شيء والرحيل! فقط شيء واحد يمنعها هو يعلمه جيدا، أخيها هارون والفضيحة التي قد تجعله إن هي فعلت! هو الآخر يود لو يترك كل شيء ويرحل، يبحث عن آلة زمن تعيده للوراء قبل حدوث ما حدث بينهما! ذلك محال هو يعلم جيدا لكن ليس هناك لديه سوا الحلم والتمني.

فذلك الصخب لا يطيقه، ما يجعله يصبر على كل ذلك أن الحفل الباهظ التكاليف ذاك قد اقترب من الانتهاء بالساعة تجاوزت الواحدة صباحا، وقد لمح خاله قبل قليل يتحدث مع موسى وهارون، لابد أنه يخبرهما على ضرورة إنهاء الحفل وزف العروسين إلى جناحهما بالفندق والذي سبق وحجزه لهما هارون كهدية زفاف لهما، هدية يعلم جيدا أنه لن يتمتع بها على الإطلاق فما بات يجمعه مع زاد ليس سوى الكره من ناحيتها له والندم و الحسرة من ناحيته لها.

***********************************
الحفل انتهى، بعدما تمت زفة العروسين إلى جناحهما، لا يعلم كيف سيكون التعامل بينهما، ولا يريد أن يعلم حتى، يكفيه تلك الأيام المريرة التي قضاها في محاولة إصلاح الامر، على معاذ الآن تحمل عواقب فعلته و على زاد أن تحاول التكيف مع وضعها الجديد معه ريثما تحصل على حريتها منه.

بينما العروسين موضع الفكر ذاك، قررا أن يلتزم كل منهما الصمت، هي اختارت أن تدلف إلى غرفة النوم مغلقة الباب من خلفها بقوة ثم غلقه جيدا بالقفل، أما هو أختار سلام الأريكة في غرفة المعيشة بالجناح للحصول على نوم غاب عنه طويلا، طويلا جدا.

عاد هارون لمنزله وحيدا، تاركا تلك الفتاة التي راعها صغيرة وقد أضحت اليوم عروس رائعة الجمال، لقد كانت زاد مثل أميرة من الحكايات كما حرص أن تكون، وكيف لا وهي صغيرته الوحيدة، السعادة لا تكاد تساع قلبه اليوم، بقى شيء واحد ينغص عليه سعادته! تلك الزوجة المفقودة والتي لا يعرف عنها شيئا!

حرصت أفراد العائلة جميعا على توديع العروسين في المطار قبل رحيلهما إلى الولايات المتحدة حيث شهر العسل خاصتهما، والبطولة التي سوف يخوضها معاذ لصالح البلاد من بعدها.
البسمة ملئت وجوه الجميع بينما يلوحون لهما، ليقررا بعدها العودة، فقط نظرات رجوة لموسى جعلته يدرك أن حديث هام لابد أن يجرى بينهما، ليأخذ بعدها الأذن من خاله كي يذهبا لمقهى ما كي يتبادلا الحديث، بارك الخال الأمر ولم يعترض، ليتركا الجميع يعودون إلى المنزل ويذهبا هما حيث مصير علاقتهما لابد أن يقرر، هل هناك أمل أن تحيا؟! أم كتب عليها الموت!


نهاية الفصل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي