الفصل السادس

لمس وجهها ليبث بعض الدفء لها، لمس شفتيها
الكرزية التي لطالما حلم بقطفها وتقبيلها، مسد وجنتها ليوقظها، سقطت دموعه على وجهها
فتحولت لبلورات لامعه، احتضنها، وهو يبكي
فراقها:
-آهٍ من بعادك حبيبتي، لم أنسكِ يوما واحداً ولا
ساعة، دائماً كنتِ رفيقتي ومؤنسة ليلي، عشتُ معكِ أياما طوال وأنا أقطف من شهدك وأرتوي، لِمَ هربتِ وتركتني؟! ليتكِ أخبرتني يوما أنكِ كنت تريدين العمل بالتمثيل، كنت سأوافق، وأعمل لديكِ خادما إن أردتِ، لِمَ هربتِ بقلبي؟ لِمَ عبستِ في وجهي عندما أتيتُ
إليكِ؟ أنا لم أعشق أحدا غيركِ، ولن أعشق سواكِ...
-عمارة يكفي هذا، هيا بنا..
-دعني معها قليلا، دعني أملأ عيني من وجهها الذي سأحرم منه باقي حياتي، دعني أبث لجسدها بعضا من الدفء؛ فهي تكره البرودة..
كان يحدثه والدموع تتساقط من عينيه كالشلالات
-يكفي هذا، دعها ترقد في سلام، هي الآن بين
يدي الله..
حاول إبعاده وإغلاق الدرج عدة مرات، لكن في كل مرة كان يطلب منه الانتظار قليلا؛ فهو يخشى عليها تلك البرودة والوحدة.
-يكفي، لمَ تفعل كل هذا هي تركتك وهربت؟
-هل لك حكم على قلبك لتنصحني بنسيان حبها،
هي مَن ملكت قلبي منذ أن رأتها عيني، سلبت عقلي وقلبي وهي ابنة الثالثة عشر، ضحكتها تطن داخل
أذني حتى الآن..
-  هوّن عليك أخي، واطلب لها الرحمة..
خرج عمارة بشق الأنفس تاركا قلبه بداخل ذلك الدرج إلى جوارها.
*****
اتصل آسر بزوجته للاطمئنان عليها:
-  كيف حالكِ اليوم وحال صغيرنا؟
-  نحن بخير، كيف حالك أنت؟ هل عرفت القاتل؟
-  لازال التحقيق مستمرا؛ فهي شخصية معروفة، وكان لها العديد من العلاقات والمعارف، أخبريني يا
ريم هل لازالت علاقتك طيبة بهنادي؟
-  أجل، لِمَ السؤال؟
-   سؤال عابر
-  هل ستأتي اليوم؟
-  إن شاء الله
-  سوف أنتظرك على العشاء.
أنهى مكالمته، ثم هتف قائلا بمحمد الذي وصل
لتوه:
-  ما أخبار المراقبة؟
-  نرجس زارت اليوم الفنان تامر فؤاد.
تعجب آسر من زيارتها له:
-  تُرى ما الصلة التي تجمعهما؟
-  لا أعلم، قبل قتل سوزي كانت هناك إشاعة عن وجود علاقة وقصة حب بين سوزي وتامر، وأنهما كانا سيرتبطان..
-  أريد كافة المعلومات عنه، هل حصلت على
تسجيلات الكاميرات؟
-  حاضر، تسجيلات الكاميرات سوف يحضرها فؤاد من فني المعمل الجنائي.
فتح آسر متصفح جوجل للبحث عن الأخبار المتعلقة
بسوزي، ما إن كتب اسمها حتى ظهرت أمامه
العديد من الأخبار والصور التي تجمعها مع بعض
المشاهير من الفنانين ورجال الأعمال وبعض الصور مع المخرج (حسام الدين)، والبعض الآخر مع رجل
الأعمال والمنتج الشهير فايز الألفي، بين هذه الأخبار والصور وجد ما لفت انتباهه وهو صورة تجمعها مع
الممثل الشاب تامر على أحد اليخوت الموجودة
بشاطئ البحر الأحمر، وتحتها كُتب قصة حب جديدة
بين الأمواج الهادئة.. تابع تصفحه ففوجئ بصورة
أخرى تجمعهما بأحد الملاهي الليلية وهما يرقصان معاً، وتحتها كُتب سوزي تحتفل بعيد ميلادها مع
صديقها الجديد، أنهى آسر قراءة تلك الأخبار ليتصل
بعدها مباشرة بفؤاد يطلب منه معلومات كاملة عن فايز الألفي وتامر فؤاد وكل مَن له علاقة بسوزي.
حمل بين يديه ذلك المظروف ليفض ما بداخله من أوراق، التهمت عيناه الأسطر سريعا، وتوقفتا عند سبب الوفاة، عيار ناري أُطلق من سلاح ناري مفرد تعذر
تحديد نوعه، أو نوع الطلقة التي اخترقت الصدر من
الأمام إلى الخلف، وأحدثت كسورا بعظام الصدر،
وتهتكا بالرئة اليسرى ونزيفا بالداخل.
تضمن التقرير أيضا يوجد عدة بصمات بخلاف بصمات
القتيلة، استدعى آسر فؤاد:
-  أريد منك إحضار الحارس، وصديقه، ونرجس،
وصابر، وكل مَن تعامل مع سوزي؛ أريد معرفك لمَن هذه البصمات، أيضا أريد عنوان تامر الممثل والمنتج
فايز الألفي.
قالها ثم غادر إلى منزله؛ فهو مهلك القوى..
استقبلته ريم بحنان وهي تضمه:
-  اشتقت إليك، هل وجدت الجاني؟
-  لا، هذه القضية ليست سهلة كما يعتقد البعض؛ سوزي متعددة العلاقات؛ وهذا يجعل أصابع الاتهام
تتجه نحو العديد من الأشخاص المحيطين بها
(المنتج، شقيقها، مساعدتها، حرامي، أو أي شخص
آخر..)
-  إن شاء الله تستطيع حل هذه القضية كما تفعل دائما.
-  يا رب.
تركها آسر، ودلف إلى الحمام؛ علَّ الماء الساخن يزيل ذلك التوتر والإجهاد الذي يشعر به، ما إن أنهى
حمامه، وخرج منه حتى وجدها قد أعدت العشاء
ليتناولاه معاً:
-  كيف كان يومكِ؟
-  كما الأمس، بعض الأعمال الخفيفة ومتابعة
المرضى، ثم العودة إلى المنزل.
انتهيا من تناول طعامهما، ثم ساعدها في غسيل
الأطباق وترتيب الشقة بعدها دلفا إلى غرفة النوم
لينالا قسطاً من الراحة، برغم حملها إلا أنها لازالت
تتمتع بقوام مثير ضمها إلى ذراعيه لينهل من شهدها غابا معاً عن العالم، وضع هاتفه على الوضع
الصامت حتى لا يزعجه أحد؛ لمساتها تزيح توتره
تجعله دائما يتوق لها ولا يستطيع الابتعاد عنها
، ارتخى جسده، شعر بالنعاس يداعب جفونه، ضمها
إلى صدره العاري، لفَّ ذراعه على تكوير بطنها
محتضناً إياها وجنينهما ثم غفى.
**********
جلس عصام يفرغ المعلومات التي جمعها عن
سوزي، وعن عائلتها، والحي الذي عاشت به، قدمه
بعدها إلى رئيس التحرير الذي مدحه على هذا
الجهد..
************
استيقظ آسر ليجد محمد اتصل مرتين، فتح عينيه بثقل باحثاً عن علبة السجائر التي لا تفارقه، عاود الاتصال
به مرة أخرى:
-  صباح الخير محمد، ماذا حدث؟
-  صباح النور آسر، أحضرت عنوان تامر وفايز.
سجل العنوانين، ثم أخبر محمد أنه سيذهب إلى
مقابلتهما
أنهى المكالمة ليجد ريم تقف أمامه بوجهها
البشوش، وبين يديها فنجان القهوة الخاصة به،
شكرها فهو بحاجة إليه ليساعده على التركيز و
الإفاقة..
ارتدى ملابسه بعد أن أنهى حمامه الصباحي، ثم
اتجه نحو العنوان الأول، أمام أحد القصور الضخمة
بالمقطم وقف آسر بجانب الحارس، قدَّم له إحدى
سجائره الخاصة:
-  هل هذا قصر فايز الألفي؟
-  أجل.
-  هل أستطيع مقابلته؟
-  أنه خارج البلاد.
-  هل تعرف الفنانة سوزي سالم؟
-  ومن في مصر أو الوطن العربي لا يعرفها؟!
-  ما علاقتها بفايز الألفي؟
نظر له الحارس بوجل؛ فايز رب عمله، ولا يستطيع
التحدث عنه بسوء، فهم آسر نظراته، وما يقلقه:
-  لا داعي للخوف؛ فلن يعرف أي شخص أنك
تحدثت معي، بالمناسبة ما اسمك؟
-  عرابي.
-  ماذا تعرف عنهما؟
نظر حوله ليتأكد من خلو المكان، ثم اقترب منه قائلاً:
-  هما متزوجان أو بينهما علاقة والله أعلم، إنها
أعراض ولا يصح أن نخوض فيها.
-  كيف عرفت بعلاقتهما؟
-  قبل عدة أشهر كانت تقيم هنا بشكل شبه دائم، وكثيرا ما كان يطلب فايز بك توصيلها إلى الأستوديو وجميع مَن بالقصر يعملون تحت إمارتها إلى أن حدث خلاف كبير بينهما على إثره خرجت، ولم تعد من
بعدها.
-  متى حدث هذا الخلاف؟
-  ليلة رأس السنة، خرجا معا لقضاء السهرة مع
بعض المشاهير ورجال الأعمال لكن فايز بك حضر
إلى القصر بمفرده بعد ساعتين من خروجهما غاضبا، صرخ يومها في وجهي فقط لأنني كنت أجلس داخل غرفتي، ولم أفتح البوابة قبل أن يطلق بوق السيارة.
-  أكمل وماذا حدث بعدها؟
-  عند الثانية صباحا عادت السيدة سوزي بسيارة
أخرى، حينما دلفت إلى الفيلا نشبت مشادة كبيره
بينهما بعدها خرجت ملابسها ممزقة وشعرها
مبعثر، اتصلت بأحد ما، ثم غادرت معه، ولم تحضر إلى القصر.
-  هل تتذكر ملامح مَن أتى لاصطحابها.
-  للأسف لا.
شكره، ثم غادر بعدما أعطاه رقم هاتفه، وأخبره أنه إذا تذكر أي شيء عليه الاتصال به فورا.
اتجه آسر بعدها إلى عنوان شقة تامر، لكن قبل أن
يصعد وجد محمد يتصل به، ويطلب منه العودة لأمر هام.. فعاد أدراجه إلى القسم فورا، وهتف بمحمد:
-  ما هذا الأمر الهام الذي لا يحتمل الانتظار؟
-  اقرأ هذا الخبر، وانظر إلى الصورة المرفقة معه.
حمل آسر عنه الجريدة، ليطالع ذلك الخبر فوجد مقالا عن حادث مقتل سوزي، وعن نشأتها، وعائلتها،
ومعه بعض الصور لأفراد أسرتها؛ نظر له متسائلا:
-  ما المشكلة، من الطبيعي أن يتم نشر خبر
وفاتها.
أشار محمد نحو صورة تجمع فتاتين، ووضع حولهما
دائرة، قبل أن يتابع قائلا، وعلى وجهه تبدو أمارات
التفكير:
-  انظر لهاتين الفتاتين بتلك الصورة وسط الدائرة، إنهما نفس الفتاتان صاحبتا الصورة داخل فيلا
سوزي، ومن المحتمل أن يكونا لهما يد في حادث
القتل، أو على الأقل يكونا سببا في حادث مقتلها؛
احتمال كبير أن يكون والد أو أخ إحدى الفتاتين هو مَن قام بقتلها بدافع الحفاظ على الشرف؛ خوفا من
أن تسلك الفتاتان أو إحداهما نفس مسار سوزي في طريق الضياع، وبالأخص أن سوزي سبقتهما بالهروب، وفكرة أنهما تتبعان نفس مسارها فكرة واردة.
نظر آسر إلى الصورة مشيدا بملاحظة محمد:
-  وجهة نظر لابد من أخذها في الاعتبار، هيا بنا.
-  إلى أين؟
-  إلى منزل أهل سوزي، أقصد سنية.
خرجا معا متجهان نحو حي السيدة زينب حيث يسكن أهل القتيلة، وجدا والدها يجلس كعادته أمام المنزل حاملاً بين يديه رفيقته الدائمة (النرجيلة) ينفث مع
دخانها همومه ومشاكله، اقترب منه آسر وعرفه
بنفسه، فرد عليه الأب بصوت خافت يشوبه الجمود:
-  أهلاً وسهلاً.
-  أريد أن أطرح عليك بعض الأسئلة..
لم يجب عثمان عن سؤال آسر؛ لذا قرر الأخير أن يباغته بالدخول في صلب الموضوع مباشرة، ويرى ردة فعله، في نفس اللحظة التي وصل فيها صابر، ووقف بجوار والده صامتا، وقد عقد ذراعيه أمام صدره:
-  وصلتني معلومة عن وجود خلافات حادة بينك
وبين ابنتك، وأنك قمت بطردها من المنزل عدة
مرات.
أجابه صابر قبل أن ينطق والده:
-  كل المنازل يحدث بها خلافات، وكثيرا ما يغضب الآباء من الأبناء.
ضحك آسر، وهو يجيبه:
-  نعم.. ولكن ليس كل الآباء يقدمون على قتل
أبنائهم..
قاطعه الأب صارخا بغضب، وقد رفع حاجبيه:
-  ما هذا التخريف؟ وهل تظن أنني قتلت ابنتي؟!
تقبل آسر إهانته دون أن يبدي أيَّ ردة فعل ليكمل:
-  توجد أيضا مقولة (قطع الغصن المريض أفضل
لحماية الشجرة).
-  أنا لم أقتلها، كيف أقتل ابنتي ثم إنني لا أعرف
كيف أستخدم السلاح الناري؟!
-  أريد مقابلة باقي أفراد عائلتك.
-  يكفي ما أصابنا، وما نالته أسرتي من هذه الفتاة، ابحث عن القاتل في مكان آخر، لن تجد ضالتك هنا.
-  إلى الآن أنا أتعامل بصفة ودية، فلا تجعلني ألجأ
إلى طريق القانون؛ لأن في هذه الحالة سوف تحضر
أنت وعائلتك للتحقيق في قسم الشرطة، تستطيع
سؤال ابنك عن القسم، وما يتم فيه أثناء التحقيق؛
هو عليم بتلك الأمور؛ ويعرف كيف نستخرج
المعلومات، أليس كذلك يا صابر؟
نظر عثمان إلى ولده ليجده يؤكد كلمات آسر بعينيه، فلم يجد حينها سبيلا سوى الرضوخ إلى طلبه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي