الفصل التاسع عاشقًا أم

أيقنت أن ذلك السفاح يراقبني، لذلك سمح لي بالعودة إلى منزلي، لقد كان على يقين إنني لن استطيع فعل شيء.

دلفت أمي إلى غرفتي ولاحظت بكائي، دنت مني وقامت بمعانقتي ثم تحدثت إلي وقالت:
-حبيبتي، ما الذي يبكيكِ هكذا؟!

لم استطع اخبار أمي بشيء، لم يكْ أمامي سوى الكذب عليها واخبارها بأنني قد تشاجرت مع هبة.

أمي، أرجوا أن تسامحيني؛ فذلك المجرم لم يترك لي خيارًا آخر، إما حياتي أو حياة من أحب، أعلم أن الخيار صعب لكنني اخترت حياتكم أنتم، لذا فليس أمامي سوى أن اتخلص من نفسي حتى يبتعد عنكم ذلك الحقير، لقد ألقيت بنفسي في براثن ذلك الشيطان.

چيلان، أعلم أنكِ ستقرئين مذكراتي أرجوا أن تعذريني لم أجد حلًا آخر سوى التخلص من حياتي خوفًا على حياتكم.

أختي الحبيبة لا تغضبي ولا تحاولي البحث عن ذلك المجرم حتى لا تقعي في براثنه، ولكنني أعلم إنك أكثر ذكاءً مني لذلك أردت أن أكشفه لكِ؛ حتى لا تنخدعي فيه إن حاول التقرب منكِ، ولكنه لحسن الحظ لم يعرف أن لي شقيقة.

چيلان، أحبك كثيرًا وسأشتاق إليكِ كثيراً. "

انهت چيلان قراءة مذكرات شقيقتها وعد ودموعها تنهال على خديها.

أغلقت چيلان المفكرة وعلقت قائلة:
- وعد، أعدك يا حبيبتي إنني سوف ابحث عن ذلك المجرم وسأنتقم منه جزاءً على ما فعله بكِ.

بعد أن أنهت چيلان قراءة المفكرة أغمضت عينيها فذهبت في ثبات عميق، ولكنها لم تسلم من الكوابيس المزعجة، فما إن غرقت في نومها حتى شاهدت ذلك السفاح يرتدي قناعًا على وجهه و يقوم بتقطيع وعد، ثم يشوي لحمها ويقدمها لها لتأكله.

استيقظت چيلان وقد سيطر عليها الخوف والفزع،  أسرعت إلى المرحاض وظلت تتقيأ.

سمع الأم صوت ابنتها فأسرعت إليها لتجدها تقوم بالتقيؤ.

الأم وقد بدى عليها القلق والخوف على ابنتها:
-چيلان، ما الذي يحدث معكِ؟  لابد أن نذهب للطبيب لنطمئن عليكِ وحتى نعرف سبب هذا التقيؤ.

چيلان وهي تجفف وجهها بالمنشفة علقت قائلة:
-أمي، لا داعي للقلق فالسبب في ذلك هو الآثار الجانبية للدواء الذي تناولته قبل النوم.

استدعت الأم رضا وتحدثت إليها قائلة:
-رضا، اسرعي بعمل مشروب ساخن لجيلان؛ لقد تقيأت للتوه.

رضا وقد بدى عليها القلق نظرت إلى چيلان وقالت:
-چيلان، هل أنتِ بخير؟

أومأت چيلان برأسها وعلقت قائلة:
-أجل، إنني بخير لا داعي للقلق ولا تقومي بعمل شيء سأعاود نومي.

غادرت الأم ورضا الغرفة حتى تستطيع چيلان النوم.

چيلان التي أغمضت عينيها تظاهرًا بالنوم ما إن غادرت والدتها الغرفة اعتدلت في الجلوس على فراشها وهمست قائلة:
-أيها السفاح المجرم لقد شعرت اليوم مدى المعاناة التي تسببت فيها لشقيقتي.

مع بزوغ شمس يوم جديد، استيقظت رضا لإعداد وجبة الإفطار، لكنها فوجئت بچيلان داخل المطبخ تقوم بإعداد فنجان من القهوة.
نظرت رضا إلى چيلان وقالت:
-چيلان، أنتِ لازلتي مستيقظة إلى الآن هل أنتِ بخير؟!

نظرت چيلان إليها وقد بدى على وجهها الشحوب والإجهاد وقالت:
-رضا، لن أخفي عليكِ لقد راودني كابوسًا مخيفًا ليلة أمس، ومنذ ذلك الحين والنوم يجافي عيوني، ولكن لا تخبري أمي بذلك رجاءً.

أومأت رضا برأسها وقالت:
-لا عليكِ لن أخبرها فهي قلقة للغاية بشأنك، ولكنني لاحظت عليكِ السهر لوقت متأخر والشرود الدائم، لا أحب التدخل في حياتك إنما أخشى أن يصيبك ما أصاب شقيقتك.

ربتت چيلان على ذراع رضا وقالت:
-لا تقلقي بشأني إنني أعرف كيف أدبر أموري وأواجه العقبات التي تقف في طريقي بكل شجاعة وقوة.

بعد قليل اجتمعت چيلان بوالدتها على مائدة الأفطار، نظرت الأم إلى ابنتها وقالت:
-چيلان، ما رأيك في أن نبتعد عن هنا لبعض الوقت؟

نظرت چيلان إلى والدتها وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
-أمي،  هل حقًا تريدين أن تبتعدي عن هنا أم أن هذا نوع من جس النبض؟!

أخذت الأم نفسًا عميقًا ثم قالت:
-لا بل إنني جادة فيما أقوله، فكل ركن هنا يذكرني بوعد وبما حدث لها.

شعرت چيلان بمدى المعاناة التي تعيشها والدتها فتحدثت إليها وقالت:
-أمي،  ما رأيك أن تأتي لتعيشي معي في منزلي بأمريكا؟ أعتقد أن الفرصة اصبحت سانحة لذلك، تبتعدين عن هنا واتابع أنا عملي.

نظرت الأم إلى ابنتها وشردت قليلًا لتحدث نفسها:
-أعلم إنني في حالة ذهابي معكِ إلى هناك سيكون أمر عودتي إلى هنا صعب للغاية، لم اقصد  بالابتعاد عن هنا سوى تغيير الجو لعدة أيام فقط وليس الابتعاد بشكل نهائي.

لاحظت چيلان شرود والدتها فعلقت قائلة:
-أمي، أعرف أن الأمر يبدو صعب ولكن ما إن تذهبي إلى هنا ستجدين الوضع مختلف تماماً.

انتبهت الأم من شرودها وقالت:
-حبيبتي، لايمكنني الابتعاد عن هنا كثيراً، هنا بيتي وأهلي وجيراني، هنا ذكرياتي مع والدك وذكرياتي لا يمكن تجاهلها بالابتعاد.

ابتسمت چيلان وعلقت قائلة:
-حسنًا أمي، الآن فهمت ما تعنيه، سوف أعد لرحلة قصيرة نذهب فيها إلى الساحل الشمالي لقضاء عدة أيام ثم نعود إلى هنا مرة أخرى.

أومأت الأم برأسها وقالت:
-حسنًا،، هذا جيد.

تناولت چيلان الإفطار ثم نظرت إلى الهاتف فإذا بجلال يرسل إليها الموقع الخاص بالمطعم الذي سوف يتناولون فيه العشاء.

نظرت چيلان إلى والدتها وقالت:
-أمي، إنني مدعوة اليوم على العشاء بالخارج.

تعجبت الأم وقالت:
-من الذي قام بدعوتك؟! هل أحد من أصدقائك القدامي أم إنه شخص آخر؟

ابتسمت چيلان وعلقت قائلة:
-بل هو شخص آخر تعرفت عليه بالأمس وكان شديد النبل والكرم معي لذلك لم يكْ أمامي سوى الموافقة على  دعوته لي على العشاء.

بادلت الأم ابنتها بإبتسامة رقيقة وقالت:
-حسنًا حبيبتي، إنني أثق أن ابنتي لديها من العقل والحكمة ما تستطيع به أن تحكم على الغير بما يستحقونه ولا يمكن خداعها من قبل أي شخص.

ربتت چيلان على يد والدتها ثم وضعت قبل حانية على يدها وهي تقول:
-أمي، لا داعي للقلق فهذا مجرد عشاء مع شخص لا يعني لي شيء فهو عندي كعشاء العمل.

وفي الموعد المرتقب، غادرت چيلان منزلها واستقلت سيارتها ثم اتجهت صوب المطعم.

وفي طريقها إلى المطعم استقبلت اتصالًا هاتفيًا من جلال يطمئن عليها فحدثته قائلة:
-إنني في طريقي إلى الموقع الخاص بالمطعم، دقائق معدودة وسوف أكون هناك.

ابتسم جلال وعلق قائلًا:
-إنني في انتظارك، شكراً لكِ على تلبية دعوتي.

انهت چيلان المكالمة بعد أن أخبرت جلال إنها في طريقها إليه.

لم يمضي وقت طويل حتى وصلت چيلان إلى المطعم وفوجئت بجلال يقف أمام المطعم ينتظر وصولها.

نزلت من سيارتها واتجهت صوبه وقد علت الابتسامة وجهها.

ما إن رأها جلال حتى اسرع إليها، وقام بإستقبالها استقبالًا حارًا، فأشار إلى الفرقة الموسيقية التي كانت تنتظر لحظة وصول چيلان لتقوم بالعزف استقبالًا لها.

دلفت چيلان إلى داخل المطعم وفوجئت بالمطعم خاويًا ليس به سواها هي وجلال.

نظرت إلى جلال وقد بدى عليها التعجب والذهول ثم قالت:
-
جلال، لقد قمت بإستقبالي بطريقة لم يستقبلني بها أحدٍ من قبل؛ فرقة موسيقية تستقبلني بالعزف كضيف هام يأتي إلى المطعم، ليس هذا فحسب لقد فوجئت بالمطعم خاويًا من الرواد، هل قمت بحجز المكان بأكمله لنا نحن الإثنين فقط؟!

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-قبولك دعوتي ووجودك هنا هو حدث عظيم لابد أن يُحتفل به.

ثم نهض جلال من مكانه وأشار للنادل الذي جاء ببعض العصير ووضعه أمام چيلان وقال:
-أما عن حجزي للمطعم بأكمله فهذه رغبتي ألا يزعجني أحد وأن يكون المكان بأكمله يعمل على خدمتنا نحن فقط.

شعرت چيلان بالذهول وقالت:
-جلال، لا يستحق الأمر كل ما فعلته فهذا ليس سوى عشاء كأي عشاء آخر.

ابتسم جلال وعلق قائلًا:
-هذا بالنسبة لك أنتِ ِ، أما بالنسبة لي فالأمر مختلف تمامًا، لقد أردت أن استقبلك استقبالًا يليق بكِ.

شردت چيلان قليلًا وتذكرت هذا الشاب الذي إلتقت به بالأمس وكان يعمل نادلًا في أحد المقاهي ثم حدثت نفسها وقالت:
- كيف لشاب كهذا أن يقوم بحجز هذا المكان الفخم عن بكرة أبيه؟!

نظر جلال اليها وقد لاحظ التعجب الذي بدى على ملامح وجهها فعلت الابتسامة وجهه وقال:
-اعلم أن الأمر يثير دهشتك، ولكن ليس كل من يعمل يكون بحاجة للمال.

تعجبت چيلان وعلقت قائلة:
-جلال، أتعني بذلك إنك تعمل كنادل دون حاجتك لهذا العمل.

ابتسم جلال قال:
-آنسة چيلان، من الذي قال إنني لست بحاجة إلى ذلك العمل؟! إنني أعمل لأكتسب خبرات قد انتفع بها فيما بعد.
شعرت چيلان بالأعجاب بشخصية جلال وعلقت قائلة:
-جلال، أنت على حق، ولكن هل تكتفي بالعمل كنادل في ذلك المقهى أم أنك تعمل في عمل آخر.

ابتسم جلال ابتسامة ماكرة وقال:
-بالطبع فأما أعمل كمنقذ، هل نسيتي ذلك؟!

ضحكة چيلان وبادلها جلال الضحك ثم تحدث إليها وقال:
-آنسة چيلان، لدي سؤال أريد أن اطرحه عليكِ وأخشى أن تعتقدي أنني شخص متطفل.

ابتسمت چيلان وحاولت أن ترفع الجرج عن جلال فقالت:
-أولًا، لا أرى داعيًا لقول آنسة چيلان؛ لقد صرنا أصدقاء فلا داعي للألقاب، ثانيًا تستطيع أن تسألني عن أي شيء تريد معرفته.

ابتسم جلال ابتسامة هادئة وعلق قائلًا:
-حسنًا، هل تعلمين أن لديكِ ضحكة رائعة تبعث السعادة في قلب كل من ينظر إليكِ؟

ابتسمت چيلان وقالت:
-شكرًا لك، ولكن هل هذا هو السؤال الذي كنت تود طرحه علي؟!

ضحك جلال وقال:
-بالطبع لا، لقد لفت انتباهي ارتدائك للملابس السوداء، هل هذا حداد أم أنكِ تحبين هذا اللون؟

تلألأت الدموع في عين چيلان وقالت:
-لقد فقدت شقيقتي الصغرى منذ عدة أيام.

نظر جلال إليها وقد بدى عليه التأثر وعلق قائلًا:
-البقاء لله، اعتذر عن سؤالي هذا.

وعلى الفور تحدثت چيلان وقالت:
-لا داعي للإعتذار أنت لك تقصد أن تثير حزني على شقيقتي.

حاول جلال أن يخرج چيلان من حالة الحزن هذه فتحدث إليها وقال:
-ما رأيك في أن أطهو لكِ استيك مشوي على طريقتي الخاصة فإنني بارع في طهي اللحوم؟

تذكرت چيلان ما قرأته في المذكرات الخاصة بشقيقتها فشعرت بعثيان شديد.

نظرت إليه وقالت:
-جلال، اعتذر إليك ولكنني في حاجة شديدة للذهاب إلى المرحاض.

ابتسم جلال وقال:
-حسنًا سوف أعد الإستيك إلى أن تعودي.

أشارت چيلان له بالنفي وقالت:
-لا، لا يمكنني تناول اللحوم.

وفي هذه اللحظة شعرت بحاجتها للتقيؤ فأسرعت إلى المرحاض وظلت تتقيأ.

جلس جلال يفكر فيما حدث ويتسائل قائلًا:
-لقد بدى عليها الإعياء ترى هل لازالت تعاني من عدم التوازن؟!

لم يمر وقت طويل حتى عادت چيلان وقد بدت بشكل أفضل.

وقف جلال في مكانه ليستقبلها وقد بدى عليه القلق بشأنها ثم تحدث إليها وقال:
-چيلان، هل أنتِ بخير؟

أومأت چيلان برأسها وعلقت قائلة:
-جلال، اعتذر إليك ولكنني لا أحب أكل اللحوم وما إن تأتي سيرتها أمامي أصاب بحالة من العثيان والقيء.

شعر جلال بالدهشة لذلك وعلق قائلًا:
-هذا شيء عجيب للغاية، لم أقابل في حياتي امرأة تكره أكل اللحوم، ولكن هل هناك سببًا لذلك أم أنكِ امرأة نباتية؟!

تذكرت چيلان وعد شقيقتها وهي تصف نفسها عندما أجبرها سليم بأكل قطعة اللحم البشرية فأغمضت عينيها وقالت:
-جلال، من فضلك لا داعي للحديث في هذا الأمر.

شعر جلال بأن چيلان لا تحب أم تتحدث في هذا الأمر فعلق قائلًا:
-حسنًا، لا عليكِ ما الذي ترغبين في تناوله؟

ابتسمت چيلان وقالت:
-يمكنني أن اتناول السي فود فإنني عاشقة لها.

ابتسم جلال وأشار للنادل وقال:
-أريد افضل ما لديكم من الأسماك والجمبري بالإضافة إلى شوربة السي فود ولا تنسى الكثير من المقبلات.

ابتسم النادل وعلق قائلًا:
-حسنًا سيدي، لحظات وسيصبح الطعام أمامكم.

نظرت چيلان إلى جلال وقد بدى عليها التعجب وقالت:
-جلال، ما كل هذا الطعام الذي طلبته، أنا لم اطلب سوى شربة السي فود فقط؟!

ابتسم جلال وقال:
-لا عليكِ لقد طلبت لكي السي فود أما باقي الطعام فهو لي.

تبادل الأثنان الضحك وبحركة تلقائية عبث جلال بأنامله متخللًا بعض خصلات شعره.

نظرت چيلان إلى يده فإذا به يرتدي ساعة سوداء تأخذ طابعًا غريبًا، يبدو عليها أنها ساعة قيمة كتلك التي يورثها الأجداد لأحفادهم.

فجأة حدث ما لم أكْ اتوقعه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي