عرض زواج بالأكراه

الفصل الخامس .....

قد أتى على الإنسان زمانٍ لا يدرى فيه من السند حين يغيب السند الحقيقي، ف صلة الدم قد لا تكفى أحياناً.

أنتهت أيام العزاء سريعة على بعضهم وبطيئة جداً على البعض الأخر .

كانت ورد كعادتها مؤخراً تجلس بجوار والدتها على الفراش لما أصاب الأخيرة من وعكة صحية من حزنها على زوجها، ف سمعت خبط خفيف على الباب لأحدهم .

_ أدخل .

دخلت مدبرة المنزل ب زيها الأسود الذى لم يفارقها منذ وفاة رب عملها.

_ ست ورد، منذر بيه ومدام رجاء تحت وطالبينك .

_ طيب، أنا هنزلهم .

_ تمام بعد إذنك .

نظرت ورد لوالدتها بقلق :
_ غريبة من بعد أيام العزاء محدش فيهم فكر يتصل بيا حتى يطمن علينا .

_ حبيبتى، ماتفكريش كتير وأنزلى شوفيهم .

قبلتها فى رأسها وتحركت لتنفيذ أمرها، بمجرد دخول ورد المكان وقفت رجاء لتحتضنها ببكاء، أو تدعي ذلك .

_ حبيبتى بنت الغالى، وحشتينى أوى والله اللى منعنى عنكم الشديد القوى .

أبتسمت ورد بتكلف وهزت رأسها تحاول مجاراتها فى مشاعرها المزيفة، أما عن منذر .

_ بنت أخويا، كان عندى صعوبة كبيرة فى أنى أبص على المصانع والشركات بتاعة مصطفى الله يرحمه وشغل فيها بالكوم، علشان كده غبت عنكم .

جلست ورد أمامهم لترد بهدوء.
_ بس حضرتك ليه كنت بتبص عليهم ؟

_ هه، دا علشان أشوف الشغل عامل إزاى، وكمان علشان الموظفين والعمالة يعرفوا أن مكان مصطفى لسه مليان .

ابتسمت ورد بتهكم .
_متقلقش يا عمو، كل شىء تمام .

_ إزاى يا بنتى وأنتى قاعده هنا جنب والدتك مش فاهمه حاجة ولا عارفه بيتصرفوا من وراكى إزاى ؟

_ ماتقلقيش يا عمتو، تقارير الشغل كلها بتوصلنى كل يوم تقريباً وكمان أستاذ عماد بيجيلي كل يومين علشان أمضي على الأوراق المطلوبة وأراجع عليهم، وكمان مدام سهير معايا يومياً على الفون.

_هه، طيب إذا كان كده يبقي تمام، عموماً أحنا كنا جاينلك فى حاجة تانية .

_ خير يا عمتو ؟

_ بصي يا بنت الغالى، أنا وعمك منذر عندنا شغلنا وحياتنا، وأنتى دلوقت لوحدك من غير حد وطبعاً ريحان ربنا يشفيها وضعها لا حول له ولا قوة ، ف أحنا قررنا قرار بخصوصك علشان نبقي مطمنين عليكي .

نظرت لها ورد بتعجب من حديثها المريب .
_ قررتوا ؟

رد منذر بضحكة سمجة سريعة :
_ هى تقصد أننا فكرنا فى حاجة علشان نطمن عليكي .

_ تمام، إيه بقى اللى قررتوه أو فكرتوا فيه ؟

جلست رجاء بجوارها ومسكت يدها وتحدثت بصوت هادىء ك فحيح الأفعى :
_ دلوقت أنتى بنت جميلة وألف من يتمناكى، وأحنا مش عايزين من الألف دول غير واحد بس، هو اللى هنقدر نطمن عليكي معاه وهيحافظ عليكى وعلى أملاكك .

هزت ورد رأسها بإبتسامة متهكمة .
_ والحد ده مين؟ رياض ابن عمى مثلاً ؟

_ عليكي نور يا حبيبتى، رياض بيحبك من زمان وأنتى عارفه كده ومصطفى كمان كان عارف وهو أكتر حد هيحافظ عليكي .

_ عمتو رجاء، أخو حضرتك اللى هو والدى لسه متوفى من أقل من شهر وحضرتك جاية عايزانى أتجوز .

أقترب منذر من ورد بعد وقوفها بعيداً عن عمتها .

_ يا حبيبتى إحنا خايفين عليكي وعايزين نطمن أن فى حد هيحميكي .

_ أسفه يا عمو، اولاً ده مش وقته علشان نتكلم فى حاجة زى دى وثانياً أنا أصلا مش عايزه أتجوز .

وقف منذر أمامها ليتحدث بغضب :
_ هو إيه اللى أنتى بتقوليه ده ؟ زى ما عمتك قالت فى الأول ده قرار يعنى شئتى أم أبيتى هتتجوزى رياض، مش بعد كل ده هسيبك تضيعى ثروة بملايين الدولارات ولا ترميها لأى حد غريب .

ضحكت ورد بتهكم واضح على معالمها وألم يعتصر قلبها .
_ هو ده كل اللى فارق مع حضرتك ؟ الملايين !

وقفت رجاء بجوارهم ترمق منذر بنظرات مغتاظة ولكنها ذات معنى .
_ لا لا يا حبيبتى طبعاً، أحنا خايفين عليكي وعايزين مصلحتك .

_ وأنا بقول لحضرتك مش موافقة يا عمتو .

_ كده ؟ يبقي أنتى أختارتى طريق مش حلو معانا يا ... يا بنت الغالى .

قالها منذر وهو يرمقها بغضب بالغ متجاهلاً دم أخيه الذى لم يبرد بعد، خرج من المكان بعدما طلب من رجاء مرافقته التى وافقت على مضض .

وقفت رجاء قليلاً أمام ورد وقالت بهدوء:
_ ورد أنا ههديه وهديكى وقت تفكرى، أنا من رأيي وافقى علشان أنتى عارفه عمك ممكن يعمل إيه، باى .

وقفت ورد تنظر فى أثرهم وأخيراً منحت الحرية لدموعها بعد أن حبستها كثيراً.
_ يارب خليك معايا يارب .


تجلس فى محل عملها تداعب طفلها الصغير وتطعمه بعض الحلوى، لتجد من يقف أمامها دون أى أستئذان .

_ خطفتيه منى يا خطافة الرجالة.

أنقبض قلبها أثر صريخ التى أمامها فوقعت من يدها قطعة الحلوى الخاصة بالطفل فبدأ الطفل ايضاً بالبكاء على حلواه الملقاه على الأرض .

حملته سريعاً لتهدئه لكنه كان يأبى ذلك .

_ من فضلك وطى صوتك شوية الولد أتخض، وأحنا فى الشارع مايصحش اللى بتعمليه ده .

_ مش أنتى اللى تعرفينى إيه يصح وإيه مايصحش، حتة جاهلة زيك ولا تفهم حاجة فى الدنيا لا راحت ولا جات تاخد منى أنا، سمر شاهين، جوزها؟ أنا اللى كانت شركات كبيرة بتعملى ألف حساب وأنا اللى كان مقدمات برامج كبيرة بيتمنوا بس منى كلمة، واحدة زيك محدش يعرفها غير ابنها تاخد منى جوزى ؟

ردت سارة بهدوء عكس ما تحمله من غضب وحزن على حالها .
_كم من مشهور فى الأرض مجهول فى السماء .

_ لا والله، بلاش دور ست الشيخة اللى أنتى عايشاه ده ولمى جناحاتك اللى بتخبط فى السقف، لو مطلبتيش الطلاق من يزيد أنا هعرفك هعمل فيكي إيه، سامعه .

تجمع قليل من الناس خارج المحل، منهم من حزن على سارة وحالها ومنهم من لم يأبه لما يحدث ومنهم من تدخل فور سماع الصريخ .

_ فى إيه يا سارة؟ وانتى مالك يا سمر بتعملى فى البنت كده ليه ؟

_ وأنتى مين كمان علشان تدخلى كده ؟

قالتها سمر ثم وجهت حديثها ل سارة .
_ أنا قولت اللى عندى لو يزيد مجاش بيته وسط ولاده وقالى أنه طلقك يبقي أنتى اللى أختارتى.

خرجت سمر بعاصفة قوية متجهة نحو منزل والدها أما سارة ف جلست بيأس تحتضن ابنها الباكى وتبكى .

_ يلا يا جماعة خلاص خلصت، بعد إذنكم.

أنفض الجمع بحزن على ما أصاب جارتهم .

_ أهدى يا سارة وسيبك منها، كده كده يزيد لو عرف هيبهدلها .

_ أنا غلط يا أم عمر ؟

_ لا والله ما غلطتى ثم أنتى ما أخدتيهوش، أنتوا قربتوا لشهر متجوزين زاركم مرتين وكان هنا فى المحل ومشي بسرعة، هاتى الولد ده أهديه علشان طول ما هو شايفك كده مش هيسكت وأنتى أطلعى ريحى شويه وأنا هقفل المحل .
_ تمام .

صعدت سارة إلى شقتها لتحدث صورة زوجها الراحل ثم جلست لتناجى ربها وتطلب منه العون والرحمة وتصحيح الخطأ إن كان ما فعلته خاطىء .


فى مكان ما يتحدث يزيد مع شخص ما فى هاتفه .

_ تمام هنفذ اللى طلبته إن شاء الله ماتقلقش عليها.
_ ......
_ أيوا نفذت اللى قولتهولك وعارف أن اللى جاى صعب بس ربنا هييسر إن شاء الله.
_ .....
_ وأنت هترجع أمتى إن شاء الله.
_......
_ تمام، وأنا هستناك يا حبيبى .

ليغلق هاتفه مع المتحدث ويفكر فيما هو أت .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي