111111111111111

- كيف حالك يا كريم؟، ولمَّ لا تأتي إلى المستشفى لزيارتنا؟
- جدتي مريضة للغاية يا فريدة، ولا يُعطي العلاج معها أي مفعول والله؟
فريدة في قلق:
- ولمَّ ذلك؟، ما هذا الذي أصابها؟
- جدتي مريضة سكر وضغط وقلب، وكما تعلمين ليس هناك من مفر أمام هموم الحياة، كلما حدث شيئًا على غير هواها، فوجئت بها مغشيًا عليها، لا تحتمل أي ضيق قط، ولأجل ذلك لا تستقر أحوالها.
- يبدو بأنك تُحبها كثيرًا يا كريم، شفاءً طهورًا إن شاء الله، كيف تحزن وأنت جوارها يا كريم؟، تخشى عليها وتخاف عليها بذلك الشكل، لو أمامي لأخبرتها.
يشعر كريم بالحزن من نفسه، تظن به غير الحقيقة، فيغلق معها المكالمة على عجل، وتعود بها الذاكرة إلى الوراء، لذلك المشهد الذي حُفر داخلها جيدًا، وكلما حاول التخلص منه، لم ينفلت من قبضته قط، لتقترب الصورة أكثر، ويصبح المشهد واضحًا.
السيدة سميرة في ألم:
- ألمَّ أخبرك يا سامر بأنها ستعيد فعلتها؟، طالما استطاعت مرة، لن يحول دون تكرارها للأمر شيء، فلما لم تستجب لكلماتي، ولعلي أخطأت حقًا حين قمت بكشف ذلك السر أمامك.
كريم في استنكار:
- تكون أمي على قيد الحياة، وتأخذين معكِ دومًا لزيارة قبرها، ما هذه الجرأة؛ بل القسوة التي تحملينها في قلبك أيتها السيدة؟
- جرأة، قسوة!، أ لم يكن ذلك أفضل من سوء حالتها الآن؟، تشعر بالاستياء لكون تزور غير قبرها، اليوم بسببك يا كريم ستزور قبرها الحقيقي، حالتها هذه الأمر لا تُبشر بالخير أبدًا، يبدو بأن الولد كأبيه وها أنت ذا تُعيد الكرة.
قذفته بقسوة كلماته، وهو الآخر لم يرحمها، فيضغط على حزنها أكثر قائلًا:
- أنتِ لست بأم، بل عار على الأمهات جميعهم، ولسوء الحظ بأنه تجمعني بك صلة قرابة، ودم ولكن الذي يسري في عروقك ليس مثلك، وإني لأستحي والله أن أناديك بجدتي بعد الآن، أتبرأ منك اليوم، وأخبرك بأنني أقطعك كل الصلات، لن يكون بيننا شيء، ولن تري أمي ثانية.
يعصف كريم بأحلامها، ويُفسد زرعتها، تمنت أن يكون عونًا لها؛ لتحصد عكس بذورها؛ بل وكأن النيران قد أتت على محصولها كاملًا، ويحرمها من اللحظات الأخيرة، فلا تقضيها جوار ابنتها، حيث يقف قبالتها، ويمنعها من الدخول، ضربات متتالية تجدها منه، وألم تلو الآخر حتى انهد حيلها، خارت قواها، ولم تعد بحالة جيدة، فأصبح جسدها مستعمرة بالأمراض، تغزوها من كل اتجاه، فجاءها ذلك الثلاثي دفعة واحدة (القلب والضغط والسكر)، فلم يُفارق الذنب كريم منذ يومها، ودفن مع أمه جزءًا منه، فلم تكن هي فقط من ماتت؛ بل أخذت معها شيئًا وهي راحلة، فقد كريم الثقة بنفسه، وأخذ عنها صورة خاطئة، فهو شخص مؤذي، لم تسلم والدته منه، وكذلك لحق الضرر بجدته، ولأجل ذلك كان يُحاول أن يُبعد فريدة عنه، يخشى الحب، ولكنه مع الآسف لم يجد مفرًا منه، يحدث دون استئذان، ولا يقف دونه حائلًا، تُخرجه جدته من وقع الذكريات القاسية، وهي تقول له في لطف:
- ما هو اسمها يا كريم؟
كريم في عفوية:
- فريد...
لم يُكمل كريم الاسم، فقد أدرك ما قاله، لتُكمل عنه جدته قائلة:
- فريدة، يا له من اسم جميل.
ينهض كريم من مكانه، يتهرب من نظراتها، ويحاول تغيير الموضوع قائلًا:
- لم تتناولي طعامك يا جدتي، تعلمين بأن العلاج شديد عليكِ، ورغم ذلك لا تبالين بالأمر، فلا أجدك إلا فاقدة للوعي.
ثم يتركها، ويُغادر مسرعًا، لا تُفارق فريدة لبه، وإن كذب الشعور أو أخفاه عنها، ما زال قلبه ينبض باسمها، استوطنت داخله، ولا قوة له على عدم التفكير لها، الأمر يحدث رغمًا عنه كحالها، دخلت في سنة دراسية حرجة، ورغم الظروف التي عصفت بعائلتها، لم تطلب تأجيلًا قط، تذهب إلى بيت صديقتها لتستذكر الدروس معها، ليس لديها أي شيء قد يُعينها على فعل ذلك حتى استلام كتبها، لا تملك المال لأخذها، ولم تُكلف أختها فور طاقتها بطلب المال، يكفيها ما تفعله لأجل والديها، وذلك الإيجار الذي يُكهل ظهرها مع تكاليف المستشفى، وذلك الاتصال كان من هاتف صديقتها التي أخذت تُخبرها بأن ذلك الأمر ليس بصحيح أبدًا، تُخرجها من شرودها قائلة:
- هذا الأمر ليس صواب يا فريدة، فكما تعلمين يلعب الشباب بعقول الفتيات، وهذا الشاب لن يكون فارقًا عنهم.
تهز فريدة رأسها في نفي قائلة:
- لا والله يا ندى، كريم ليس مثلهم.
ندى في استنكار:
- وما الفارق بينه وبينهم، وهو يتحدث معكِ في الخفاء؟، وك...
تُقاطعها فريدة قبل أن تُكمل، تدافع عنه قائلة:
- ولكن أنا من أتحدث معه، يا ليته كان يفعل، ويتذكرني حقًا، أشعر وكأنه يتهرب مني.
ندى في ثقة:
- ولمَّ لا يفعل ذلك؟، يبدو بأنه قد أصابه الملل من تلك اللعبة، فلم يعد يشكل فارقًا وجودها حوله.
لتوكزها فريدة في حدة، وهي تُبرر لها قائلة:
- لا والله، تظلمينه يا ندى، جدته مريضة، ولأجل ذلك الشيء لا يُحدثني.
- شفاها الله وعافاها يارب، ولكن هذا ليس بصحيح ما تفعلينه معه يا فريدة.

فانتفضت فريدة من وقع كلماتها، وأخذت تزرع الغرفة جيئةً وذهابًا، وهي تستنكر ما تقوله، وتشرح لها قائلة:
- نحن نتحدث فقط يا ندى، والجميع يفعل ذلك، وهو حقًا ما يُعيني على المواصلة؛ بل يعطيني أملًا وسط ظروف عائلتي القاسية.
ندى في حزن:
- لا تحزني مني يا فريدة، كيف هو حال عمي محمد الآن؟، وهل تحسنت حالة والدتك؟
فريدة في ألم:
- الحمد لله على كل حال، الله لطيف وأعلم بأن الجبر لنا جميعًا سيكون قريبًا.
لتضمها ندى إلى أحضانها بحب، تحنو عليها وتعاملها كأختها، فكم افتقدت هي وعائلتها كل هذه المشاعر الدافئة.
في المستشفى ....
يجلس عمر أمام غرفة سهيلة، ما زلت لا تتذكر من هي؟، يشعر بالخوف الشديد على أخيه، لا تُبشر الأمور بالخير أبدًا، وسجنه يطول، يُحاول عمر معها بشتى الطرق، فيسألها هذه المرة حين تُخبره الممرضة باستيقاظها قائلًا:
- السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، كيف حالك اليوم؟
هي في حزن:
- الحمد لله، ما زلت لا أتذكر والله شيئًا.
تشعر بالأسف الشديد، فقد أخبرها بما حدث مع أخيه، ولكن بعد أن استجوبها الشرطي، فلم تُبد لا نفي ولا إيجاب حين سألوها عنه، ولو علمت من قبل، لشهدت في صفه، أمر الضابط باستمرار سجنه، وسارت الأمور على ما كانت عليه قبل استيقاظها.
- أنا آسفة للغاية، فيا ليت بإمكاني تقديم شيء ما كانت لأتأخر، ولكن كما ترى لم يستجب المُحقق لي حين غيرت أقوالي، وخاصة حين أخبره الطبيب بأنني لم أستعد بعد ذاكرتي.
عمر في حزن:
- ما من داعٍ للاعتذار أبدًا، وإن شاء الله ستكونين في أفضل حال، وعن قريب جدا ستستعيدين ذاكرتك، فلا تحزني قط.
تنظر له سهيلة في امتنان، ثم ما تلبث أن تطرق رأسها إلى الأرض في خجل، فعينيه لا تُفارقها قط، كاختراق أنفاسه لها، يلازمها في كل اتجاه، فشعور ما قد نما في داخله لأجلها، جديد عليه، ورغم قسوته إلا أنه لذيذ، فمن ذا الذي يحب امرأة لا يعرف عنها شيئًا، وماذا إن كانت متزوجة؟، مشاعر مختلطة تحتاجه إلا أنه لم يستطع منع نفسه، وأحبها من أعماقه؛ بل أصبح لا يرى الحياة إلا من خلال نظراتها، توقفت الحياة بالنسبة له خارجًا، يرن هاتفه بإلحاح، يبدو بأن الأمر جلل، ويلح المتصل عليه كثيرًا ليُجيب، فغادر على عجل حتى دون أن يستأذن منها، فشعرت بالقلق عليه، ودار حوار بينها وبين نفسها:
- يا تُرى ما الذي حدث، وجعله يُغادر مسرعًا بهذا الشكل؟
- يبدو بأنه قد أصابه الملل منكِ، ولم يعد يجد في جوارك أي أمل، طوال هذه الشهور الماضية وهو يعتني بكِ دون تذمرًا أو شكوى، يكفي إلى هنا، لم يعد يحتمل أمر مسؤوليتها أكثر.
ترقرقرت العبرات في عينيها من سطوة تلك الكلمات، تهز رأسها في نفي قائلة:
- لا والله، هذا ليس بصحيح، فهو شخص جيد، وأعلم بأنه سيظل معي، ولن يرحل عني بذلك الشكل.
انهارت في البكاء رغم محاولاتها مغالبة العبرات، إلا أنها هزمتها، ليسمع صوت بكائها فتاة صغيرة أثناء مرورها من أمام الغرفة، فتطرق الباب، وتدخل عند سماح الأخرى لها قائلة:
- تفضل بالدخول.
مسحت سهيلة الدموع على عجل، وتبدل حالها عند طرق الباب، فقد ظنته هو، ولكن فوجئت بها، تُعرف عن نفسها قائلة:
- أنا اسمي هدى، سمعت بكائك وأنا بالخارج، فجئت لأقول لكِ لا تبكي ولا تحزني، فحين أصيب والدي في حادث، كنت أبكي أنا واخوتي مثلك هكذا، ولكن حين لم نجد من يمسح لنا تلك الدموع، توقفنا وتعاهدنا على ألا نفعل ثانية، نصبح أقوياء ونقف جوار أبي وأمي.
تجول هدى بعينيها في الغرفة، فلم تجد أحدًا؛ لتُكمل قائلة:
- لا تخافي، أنا سأكون هنا معكِ، أمسح عن وجنتيك الدموع كما فعلت معي أختي نور، هي الكبري وتليها فريدة التي ألقبها بالمشاكسة، نور أهدى منها كثيرًا، ولا أكف أنا وفريدة عن الشجار قط.
ضحكت سهيلة من براءتها وطريقتها غير المعهودة، لتضمها إلى أحضانها، فيغزوها شعور غريب، لا تفهمه، إلا أنها سعيدة للغاية، فقد أصبح لديها اليوم صديقة جيدة، تتسامر معها، وتقضي عندها أغلب الأوقات، ثم تعود في المساء إلى والدتها.
- أين كنتِ يا هدى؟، حرام عليكِ يا ابنتي، لا تُقلقيني عليكِ.
هدى في لطف بالغ:
- لا تخافي يا أمي، فأنا لست بصغيرة، وكنت عند صديقتي.
والدتها في استغراب:
- صديقتك!!
ثم تتغير نبرتها، وتقول لها في خوف ممزوج باللوم:
- ألمِّ أطلب منكِ عدم الخروج من المستشفى؟، وأين ذهبتِ لمقابلة هذه الصديقة التي لا أعرفها؟، من تكون؟
فصعدت هدى إلى فراش والدها، وتعلقت بكتفيه؛ لتُبعدها والدتها عنه في حدة قائلة:
- ما هذا الذي تفعلينه؟، بابا ما زال مريضًا، فلا تقربي منه هكذا ثانية.
ارتعبت هدى من طريقتها، ووجدت الدموع طريقها في التدفق من عينيها، فتدخل والدها، يقول لزوجته في عتاب:
- دعيها يا سمية، فيبدو بأنها اشتاقت إلى اللعب معي، تعالي يا حبيبتي، افعلي ما تشائين.
السيدة سمية في خوف:
- ولكن..
- من دون ولكن، فهدى هي صغيرتنا، ولم تأخذ من الحنان ما يكفي كما فعلنا مع أختيها.
فتقول له هدى بحب:
- لا يا أبي، أنت ما زلت مريضًا، لم تتحسن حالتك بعد، ولا تخف حين تكون قويًا سوف أتي للعب معك.
أخذت هدى تمزح مع والدها، فتناست والدتها السؤال عن تلك الصديقة الجديدة، وانتقل القلق على فريدة، تشعر بالحزن عليها والتقصير تجاهها، سنة تحديد المستقبل بالنسبة إليها، بدأت مختلفة تحمل بين طياتها الألم لها، وحزن العالم بأكمله يربض على صدرها، فلا تجد مجالًا للتنفس قط، ولولا صديقتها لاضطرت إلى الإعادة، الحمد لله الذي أرسلها، تحكي لزوجها قائلة:
- الله لطيف بعباده حقًا يا محمد، أ تعلم بأن ندى ابنة جارتنا حبيية، زميلة لابنتنا فريدة، معها في نفس الصف الدراسي.
الأستاذ محمد في استغراب:
- حبيبة جارتنا من؟، ومن تكون ندى؟
تنظر له زوجته في استنكار قائلة:
- زوجة الأستاذ إسلام، معقول لا تعرفه.
- لا والله يا سمية، لا أعرفه.
- وكيف ذلك؟، تفصلنا عنه فقط بضعة شوارع، ما هذا الحال؟، لقد أصبحنا في زمن لا يعرف فيه القريب عن قريبه، فكيف بالجار يا محمد؟، ولا ألومك والله.
- معكِ حق يا حبيبتي، اعذريني والله، هموم الحياة لم ترحم أحدًا، وكأنها قد أطبقت بالمقصلة من كل الاتجاهات، فيكفي على المرء حاله، ولكن مشكورين والله، الله يوفقها ابنتي الحبيبة.
صمتت للحظات ثم أردف قائلًا:
- كم أن الحياة غير مضمونة، فمن الذي يُصدق بأن ذلك سيكون حالنا؟، وتُصبح المستشفى مأوى لنا.
- لا تحزن يا حبيبي، فالحال يتبدل في ثانية واحدة، وهكذا أصبح حال أحبائنا في الوطن الحبيب، فرج الله كربهم يا رب.
- يا رب يا حبيبتي.
وأخذ يسمع منها الحكاية كاملة، يبدو بأنه قد فاته الكثير، يطمئن على أحوال فتياته، فما الذي حدث لهم في غيابه؟، وأنى لهم بالمال؟، وما هذا العمل الذي تذهب إليه نور؟، وتقضي فيه أغلب الأوقات، فلا تعود إلا متأخرة.
نور في عملها، لا يكف المدير عن تكديرها، فهي تصد كل محاولاته للتودد إليها؛ فيلجأ إلى هذه الطريقة كي يثير حنقها، وتتحدث معه، إلا أنها فهمت لعبته جيدًا، ولم تبد أي رد فعل لحاجتها إلى ذلك العمل، فهي تعلم بأن والدها لم يكن ليوافق أبدًا عليه، وهذا يُثير استيائها، ولا تجد من المعاملات ما يُريح فؤادها، إلا أنها تحتمل، تقف شاردة وسط المنتجات، فيقوم طفل صغير بالعبث بها، وما أن يراه المدير، يقوم بتوبيخها قائلا:
- ما هذا الاستهتار أم أنكِ لا ترين؟
- أنا، أنا، لم أفعل شيئً...
- لا تتحدثي بأي شيء، فقط أنصتي إلي، فهذه الفترة لا يعجبني عملك أبدًا.
يُقاطعها قبل أن تُكمل، ويجلدها بسوط كلماته أمام الحضور بلا رحمة، فشعرت بالحزن على نفسها، والاستياء من الحال الذي وصلوا إليه، فلو كان أبيها بحالة جيدة لما وافق على ذلك العمل، وما تعرضت للإهانة أبدًا، آلمتهم الحياة كثيرًا، ولم يرأف بحالهم أ قريب كان أم بعيد، الكل ينهش فيهم بلا رأفة، وكانت الحياة لتُظلم كليةً لولا وجود الأحبة.
فريدة تسير شاردة، فلم تنتبه أثناء المرور لتلك السيارة العابرة، التي كادت أن تصطدم بها لولا ذلك الشخص الذي أرسله الله إليها في الوقت المناسب، وحين نظرت إليه، لمعت عيناها، وهي تقول له في غير تصديق:
- كريم، هذا أنت معقول، ما الذي جاء بك إلى هنا؟
يُجيبها كريم في خوف:
- هل أنتِ بخير؟، وما هذا الاستهتار؟، لمَّ لا تهتمين أثناء عبورك للطريق؟
فريدة في آسف:
- سامحني يا كريم أرجوك، فقد كنت مستغرقة في التفكير.
كريم في استنكار:
- وما الذي قد يُشغل تفكيرك؟، ويكون أهم من حياتك، فقد كدت تموتين.
تعلو نبرة صوته، يفوح الغضب منها؛ بل ويتطاير من عينيه، لتقول له من بين دموعها في عفوية:
- كنت أفكر بك...
لم تُكمل حديثها، فقد انتبهت لما قالته، لتهرب منه قبل أن تنتظر ردًا منه، وضربات قلبها تتسارع، ركضت بعيدًا عنه إلى داخل المستشفى، فألقت بسهام عينيها نظرة إلى الخلف، ففهم حينها ماهية الشعور الذي كبر بينهما، وضحت الصورة جيدًا، فهذا الطريق ذو اتجاهين حين يكون الحب متبادلًا.
تُجاهد فريدة لالتقاط أنفاسها، تلهث بشدة، فانتبهت إليها أختها هدى، تسألها في خوف قائلة:
- ما بكِ يا فريدة؟، ما الذي حدث؟، رأيت وأنتِ تركضين من الخارج، هل من المعقول بأن صاحب الشوال سار ورائك، وأراد اختطافك داخله كما أخبرتنا والدتنا.
تضحك منها فريدة، ولعلها من ساعدتها، واستطاعت بفضلها أن تستكين، لتدلف إلى غرفة والديها قائلة:
- السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، كيف أصبح حال والدي يا أمي، وأنتِ كيف حالك؟
والدتها في حدة:
- لمَّ تأخرت يا فريدة؟، وما هذه الهيئة التي أنتِ عليها؟
سحبها كريم من أمام السيارة، ووقعت معه أرضًا، فقد كان الاصطدام وشيكًا لولا أن تدخل، فكانت هيئتها غير مرتبة، وملابسها قد اتسخت، وجهها شاحب، ولونها مخطوف، وكأنها رأت الموت يمر على مقربةمنها، لم تستطع التبرير لوالدتها أو حتى الحديث معها، فتقبلت كل ما قالته في صمت، ثم وضعت رأسها على تلك الأريكة التي تنام عليها هي وأختيها في نفس غرفة والديهم، لم يعدا يناموا خارجًا، ليلتم شمل العائلة ثانية.
فزفرت في ضيق، وبدأت الحديث معه قائلة:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كيف حالك يا نور؟، ولمَّ لم تتصلي بي كما أخبرتك عند الانتهاء من العمل؟
نور في حزن:
- نسيت والله يا إبراهيم.
- نور، ما بكِ؟، لمَّ صوتك حزينًا؟، فهل هناك ما تقومين بإخفائه عني؟
- لا، أنا بخير، لا تقلق علي، فكما أخبرتك لقد اعتدت على العمل.
- ولكنني لا أرتضيه لكِ يا نور.
- وماذا أفعل يا إبراهيم؟، أنت تعلم ظروف عائلتي، ولا أرى من العيب أبدًا العمل في أي وظيفة طالما تُرضي الله ورسوله.
طال الحديث بينهما، ولم تُجد أي من محاولات إبراهيم معها، فهي عفوفة النفس، لن تقبل منه قرشًا واحدًا، فأغلق معها المكالمة، وهو يردد اسمها أكثر من مرة، ويوصيها بالانتباه إلى نفسها، لتتقد إحدى العيون بالشرار عند سماع اسمها، لا تُصدق ما تسمعه بأذنيها، فهل من المعقول بأنها ترى كابوسًا أم هي حقًا تشهده واقعًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي