فراق السند

الفصل الرابع ....

سرادق مهيب ملىء بالشخصيات المعروفة وأصحاب النفوذ القادمين لأداء واجب العزاء، منهم من كان حزنه بادياً على وجهه بحق عرفاناً بخيرات هذا الرجل الكريم و أفضاله ومنهم من يشعر بلذة الأنتصار فى قلبه حتى وإن نزلت دموعه كالسيل .
أما هى ف تشعر بالعجز والوحدة، جالسه لا حول لها ولا قوة ضعيفة مليئة بالحسرة، ف ها هو سندها فى الحياة قد فارقها .
تجلس بين المعزيات بوجه ذابل خلت منه الحياة، تحاول البكاء فلا تستطع كأن دموعها أبت أن تهدىء من ألمها قليلاً، تنظر بعيون ساهمة إلى والدتها تارة وإلى عمتها تارة أخرى .
تحاول التماسك فقط من أجل والدتها حتى وإن كان الألم يعتصر قلبها عصراً، تذكرت لحظة وصولها إلى المشفي برفقة عمها الوحيد (منذر)، كيف كان والدها مغطى بكل تلك الأسلاك الآتية من أجهزة تحيطه، كم كان وضعه صعب فملامحه تكاد تكون أختفت من أثر الصدمات التى تعرض لها .

ظلت تبكى وتصرخ تنادى بأسم والدها ولكن لا يأتيها أى رد، إلى أن أتى الطبيب مشفقاً على حالتها ف طلب من أحدى الممرضات إعطائها حقنة مهدئة، لتغفو قليلاً لتستيقظ على أسوأ خبر قد تسمعه يوماً، عمها يقف فى ممر المشفي يتحدث مع أحد موظفيها عن إجراءات ما .
تحركت نحوه ببطىء لتسأله عن وضع والدها .
_ عمو، بابا عامل إيه ؟

فألتفت الأخر بملامح جامده لا تفسر فجذبها نحوه وقام بأحتضانها وتحدث باكياً :
_ راح، سابنا وراح .

أبتعدت عنه قليلاً تحاول تفسير ما يقوله.
_ مش .. مش فاهمه، حضرتك تقصد إيه ؟ بابا راح فين ؟ خرجوه يعنى ولا إيه ؟

_ البقاء لله يا ورد، إنا لله وإنا إليه راجعون، مصطفى راح للى خلقه .

لحظات سكون تحاول إستيعاب ما يقال بعدها صرخة مدوية بإسمه.

_البقاء لله.

قالتها إحدى المعزيات فأنتشلتها من ذكرياتها لتنظر لها بعيون خاويه تهز رأسها فقط لا تقوى على الكلام .

مر وقت العزاء وأنصرف الجميع وتبقي معها والدتها وعمتها الوحيدة وزوجة عمها منذر .

_ أطلعى أوضتك شوية ريحى يا ورد وأنا هطلع مامتك أوضتها ماتخافيش .

نظرت إلى والدتها التى تبكى فى صمت بألم مكبوت .

_ بابا مشي وسابنا يا عمتو .

_ الله يرحمه ويغفر له يا حبيبتى ويصبرنا على فراقه، يلا ريحي وأنا هطلعها أنا ونيرمين .

_ لا شكراً لحضرتك أنتى وطنط نيرمين بس أنا هطلعها فوق .

أقتربت من والدتها رافضه لمساعدة عمتها وزوجة عمها، متذكرة حديث والدها السابق والأخير معها .

صعدت بوالدتها لغرفتها ونقلتها إلى الفراش ثم جلست بجوارها تحتضن رأسها، وأخيراً .. أطلقت لدموعها العنان .
_ بابا راح يا ماما .

تبكى الأخرى بنحيب على فراق رفيق دربها وحبيبها الأول والأخير .

_ ربنا يرحمه ويصبرنا، ربنا يكون فى العون على اللى جاى، فراقه كسرنى يا ورد، أنا مش هقدر أعيش من غيره .

_ وأنا يا ماما؟ عايزه تسيبينى زى ماهو سابنى ؟

شددت والدتها من أحتضانها أكثر .
_ ربنا يبارك فيكي يا ورد، اللى جاى صعب أوى واللى تحت دول لو ماتكلموش الليلة ف هيتكلموا بكرة، ما تتغريش بالوش اللى لابسينه .

_ عارفه، عارفه يا حبيبتى لكن ربنا معايا إن شاء الله.

عادت ورد إلى غرفتها بعد حديث قليل مع والدتها .
جلست ورد على فراشها تبكي وكأن كل ما أرادت هو الأختلاء بنفسها، تحركت تلقائياً نحو شرفتها ف فتحتها وبدون وعى ظلت تنظر إلى غرفته المظلمة، وضعت يدها على قلبها و أزدادت دموعها فى الأنهمار .
_ روحت فين وسبتنى أنت كمان يا ياسين؟


بعد يومين من عقد القران، كان الوضع مثل سابقه ما زاد عليه فقط هو أطمئنان يزيد على سارة ومالك .
كانت تقف فى محلها الصغير بجوارها مالك على الكرسي المخصص له تبيع لأحد الأطفال بعض الحلوى .

_لأ بس حلوة المفاجأة دى، تتجوزى يزيد علشان تخلعى منى .. دا بعينك يا حلوة وبكرة سمر تجبره يطلقك ويرجع لحضنها وحضن بناته .

نظرت له بإشمئزاز، هو من أجبرها على الموافقة على الزواج من يزيد خوفاً من سوء أخلاقه و محاصرته الدائمة لها منذ وفاة زوجها.

_ معلم سعيد من فضلك أطلع بره المحل، أنا مش عايزه مشاكل .

_ مشاكل؟ وأنتى لسه شوفتى مشاكل، دى سمر أختى ناويالك على نية سودا على خطفك جوزها، منا كنت قدامك رايدك وشاريكى وأنا كمان متجوز وعادى يعنى، على الأقل القرش فى إيدى زى الرز، ودليلة مكنتش هتقدر تنطق بحرف واحد.

_ اه من تجارة المخدرات اللى بتدمر بيها الشباب الصغير .

ضحك بسخرية على جملتها الأخيرة و مسح بطرف إصبعة على نهاية فمه ورد قائلاً:
_ تعجبينى لما تخربشي يا قطة، ثم الناس كلها عارفه أنى تاجر خردة قد الدنيا .

_ معلم سعيد بعد إذنك أطلع برة علشان دا مكان أكل عيش وأنا مش فاضيالك .

_ وماله، همشي بس لما سمر تجيلك ماتجيش تعيطى .. سلام .

خرج من المحل تاركاً خلفه قلباً خائفاً مما يحدث ونادماً على قراره بالزواج .

عند يزيد .

_ بقي أنا تتجوز عليا يا يزيد ؟ شوفت منى إيه أنا علشان تعمل فيا كده ؟ مش كفاية خدماك أنت وعيالك وراضية بقرفهم وفقركم وشايله فى قلبي وساكته .

_ معلش فقر إيه اللى أنتى راضيه بيه ؟ من أمتى النبرة دى إن شاء الله. أنتى طلباتك كلها مجابه حتى لو مكانش معايا وعيالك مين هيخدمهم غيرك ؟

_ أيوااا طلعنى أنا غلطانه ياحبيبي بعد عملتك السودا .

_ بيتهيئلى أنا حكيتلك أنا كتبت عليها ليه وعارفه أنى مش هسيب لحم أخويا كل شوية حد عايز ينهش فيه .

_ يا سلااام تقوم أنت الشهم تتجوزها ، على أساس أنى مش حاسة أن عينك منها من زمان أوى، السوسة السهونة دى .

_ سمر ، أحترمى نفسك، الست ماشوفناش منها غير كل خير فمتجيش تلغبطى فى الكلام .

_ بقى أنا بعد ما أسيب شغلى وأقعد علشانك وعلشان قرف عيالك وأبيع الناس اللى وقفوا معايا سنين تقوم تعمل فيا كده .

_ااااه طالما وصلتينى لكده يبقي مش هخلص .

_ أيوااا أنت كنت أخدنى مديرة علاقات عامة فى شركة قد الدنيا ودلوقت روحت اتجوزت الجاهلة أم شهادة ثانوية عامة دى ، أنا بنت المعلم شاهين وأخت المعلم سعيد أكبر تجار خردة فى المنطقة كلها تتجوز عليا اللى ملهاش أصل دى .

_ سمر، أنا خارج علشان عارف أن كلامنا ملهوش حل، محسسانى أنه عبد الغفور البرعى على أساس مش عارفين هو تجارته الأصلية إيه .

خرج يزيد وهو يتمتم بعض الأذكار ليهدأ أما الأخرى ...

_ ماشى ، أنا هوريكي يا ست سارة هعمل فيكى إيه .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي