الفصل الثامن سفاح أم ضحية؟

أجبرني على الدلوف إلى داخل ذلك المنزل الغريب، المكان موحش للغاية، يخيم عليه الظلام على الرغم من أن الليل لم يحل بعد.

شعرت بقبضة أصابت قلبي كأنني أُساق إلى الجحيم، مازال يجذبني بقوة حتى عبرنا ردهة المنزل المخيف، المكان موحش ومظلم تنتشر بداخله رائحة غريبة وكريهة.

قام بتشغيل مولد الكهرباء ليضىء المكان نظرت أمامي وفوجئت بلوحة معلقة على الجدار لإمرأة في ريعان شبابها سألت نفسي قائلة:
-ترى من تكون هذه المرأة صاحبة الصورة؟!.

وكأنه علم بما يدور في عقلي أو استمع لحديث نفسي فعلق قائلًا:
-أنها والدتي، لقد حرمت منها في وقت مبكراً، أما الصورة الآخرى فلوالدي كم إنك محظوظة لأنك لم تحظى بمقابلته وإلا لكان مصيرك كمصير كل فتاة حاولت الأقتراب مني.

نظرت إليه بتعجب وقلت:
-وما الذي كان يفعله بأي فتاة تقترب منك؟

ضحك ضحكة عالية سمعت صداها في أرجاء المنزل وقال:
-كنت أعلم أن فضولك سيدفعك إلى هذا السؤال، تعالِ معي لأريكِ ما الذي كان يفعله بهم.

عاود جذبي من ذراعي مرة أخرى متجهًا بي إلى أحدى الغرف المتواجدة بنهاية الردهة.

دلف إلى داخل الغرفة فإذا برائحة الشواء تملأ المكان للدرجة التي تجعلك لا تتحملها وتنفر منها، فالبداية ظننت أن هذه الغرفة تابعة للمطبخ، فإذا به يشير إلى فرن كبير في نهاية الغرفة.

نظرت إليه بتعجب وعلقت قائلة:
-ما الأمر، ما علاقة هذا الفرن بما كنا نتحدث فيه؟!

علت الابتسامة وجهه وقال:
-بداخل هذا الفرن كان يكتب أبي نهاية كل فتاة تطمع في الأقتراب مني أو تحاول كسب محبتي.

فالبداية كنت اعتقدت أنه يحاول أن يثير خوفي، ولكن لم يمضي وقت طويل حتى بدأ الأمر يتكشف أمامي لتظهر لي الحقيقة واضحة.

لقد كان والده يقوم بقتل أي فتاة تحاول الأقتراب منه حتى لو كان هو نفسه يحبها، ليس هذا فحسب بل إنه كان يقوم بإحراقهن داخل ذلك الفرن لإخفاء جريمته وهذا ما يفسر تلك الرائحة التي تملأ المكان.

ما إن علمت بذلك حتى ارتجف جسدي وفقدت وعيّ، لأستعيد وعي بعد ذلك فأجد نفسي بمفردي بداخل إحدى الغرف التي  اصطحبني إليها عقب فقداني للوعي.

جلست افكر فيما اخبرني به، ولكنني حاولت أن اقنع نفسي بأنه ليس له ذنب فيما حدث فوالده هو المذنب، لقد كان متعلقًا به بشكل جنوني، فعلى ما يبدو أنه انسان مريض نفسيًا ولكن أين هو والده؟

همست في نفسي قائلة:
-إنه يحاول إخافتي؛ لأبتعد عنه لخوفه علي، ولكنني لن ابتعد عنه فهو ليس له ذنب بما فعله والده ذلك السفاح المجرم.

فجأة سمعت أصوات تأتي من الغرفة المجاورة، لقد خشيت أن يكون هذا الصوت يعود لوالده السفاح.

تسللت دون أن يشعر بي أحد وعندما اقتربت من الغرفة لم يكْ بابها موصدًا بشكل جيد، حاولت اختلاس النظر لعلي أعرف من الذي يتحدث مع سليم بالداخل، ولكن حدث ما لم أكْ اتوقعه؛ لقد تبين لي أن ذلك الشخص هو رجل من رجال سليم بل ذراعه اليمنى كما يقولون.

استرقيت السمع فوجدت ذلك الرجل يتحدث إلى سليم ويقول: "متى ستسلمني البضاعة الجديدة؟ ".

حينها أجابه سليم وقال:
-تلك الغبية قامت برسم الوشم الخاص بنا، كما تعلم لا يمكنني قتل فتاة تحمل الوشم المقدس، لكن هناك أخرى في المبرد تستطيع أخذها.

لم اتحمل ذلك الحوار القاسي، سليم هو أيضًا سفاح قاتل! ولكن ما الذي يفعلوه بالفتايات بعد قتلهم؟!

انتهزت فرصة ذهاب سليم والرجل الآخر إلى المطبخ وتسللت خلفهم دون أن يشعرا بي، وصلت إلى المطبخ لأراهم يقومون بتقطيع تلك الضحية ووضع اللحم الخاص بها في ثلاجات خاصة.

لم أستطيع منع نفسي لقد انتابتني حالة من التقيؤ جعلتهم يلتفتون إلي ويكتشفون وجودي.

أسرع إلي وقبض على عنقي بقوة وهو يقول:
-أيتها الحقيرة تبا لكِ لقد قمتِ بكشفي.

كادت روحي أن تغادر جسدي ولكن الرجل الآخر جعله يفلتني عندما ذكره بأمر الوشم وقال:
-سليم، لا يمكنك قتلها ذلك يتنفافي مع قانون الجماعة لقد حماها الوشم المقدس.

نظر سليم إلي نظر حادة مغلولة وتحدث بنبرة وعيد وقال:
-اقسم لكِ إنني سوف أجعلك تتمني الموت فلا ترينه، إياك أن يعرف أحد ما رأيتيه هنا.

نظرت إليه وجسدي يرتعد خوفًا:
-لا تقلق اقسم لك لن اخبر أحد بما رأيته.

نظر سليم إلي الرجل وقال:
-مهران، هذه الفتاة لقد وضعت الوشم دون أن تعلم شيء عنه وبذلك صارت تحت حمايته، والآن لابد أن تشاركنا أول الطقوس الخاصة بنا هيا اسرع.

علت الابتسامة وجه مهران وأسرع إلى المطبخ ولم يمر وقت طويل حتى عاد وفي يده طبق من اللحم المشوي.

نظر سليم إلي وقال:
-كي تغادري هذا المكان دون أن يصيبك مكروه عليكِ أن تتناولي قطعة اللحم هذه.

فكرت قليلًا وقلت لنفسي: "سوف اتناولها واغادر دون أن يقوم أحدهم بإذائي.

أسرعت إلى قطعة اللحم وقمت بتناولها لاكتشف فيما بعد أنه قام بتصويري.

بعد أن انتهيت من قطعة اللحم نظرت إلى سليم وقلت:
-لقد فعلت ما أردت من فضلك أريد أن أعود لمنزلي.

أومىء سليم برأسه وقال:
-بالطبع سوف تعودين لمنزلك ولكن في المرة القادمة عندما تشتهين لقطعة أخرى من اللحم فعليك دفع الكثير من المال فهي ليس كأي قطعة لحم عادية.

نظرت إليه بتعجب وقلت:
-هل يمكنني أن أعرف نوع هذا اللحم ليكون مميزًا لهذه الدرجة؟!

نظر إلي سليم ثم دنا مني وهمس قائلًا:
-إنها قطعة لحم من تلك القطع التي كنا نقوم بتقطيعها منذ قليل.

مهما وصفت فلن أصف الحالة التي كنت عليها بعد علمي بهذا الآمر، عادت حالة التقيؤ إلي مرة أخرى.

رافقني سليم إلى خارج ذلك المنزل الملعون وطلب مني ركوب سيارته، لم يكْ أمامي سوى الإنصياع لآوامره حتى أعود إلى منزلي.

في الطريق طلب مني شيء جعل الدموع تنهال من عيني بشدة عندما قال:
-عليكِ اصطحاب هبة صديقتك واحضارها إلى هنا.

نظرت إليه وعلقت قائلة:
-وما الذي تريده من صديقتي هبة؟!

ابتسم سليم ابتسامة ماكرة وعلق قائلًا:
-إن لم تحضري صديقتك وتقومي بتسليمها إلي سوف أرسل إليكِ قطعة لحم رائعة ولكن هذه المرة من جسد السيدة الوالدة.

يا إلهي ماذا أفعل أي جحيم دفعني إليه عشقي لهذا السفاح؟! لقد تحول العشق بداخلي إلى بغض وكره ولكن ماذا أفعل الآن؟

أخيراً لجأت إلي حيلة، سوف اتظاهر بالموافقة وما إن أصل إلى منزلي سوف أقوم بإبلاغ الشرطة عن هذا السفاح القاتل.

وصلنا إلى حيث تقف سيارتي قبل أن استقل معه سيارته.

أسرعت إلى سيارتي لاستقلها إلى منزلي.

في الطريق اصابتني نوبة من البكاء الشديد.

وصلت إلى منزلي وأسرعت إلى غرفتي.

بدأت حالتي تهدأ فغادرت غرفتي ونظرت إلى أمي فوجدتها تتناول شطيرة من اللحم فتحدثت إليها وقلت:
-أمي، من الآن فصاعد لا أريد رؤية اللحوم في هذا المنزل؛ لن اتناول أية لحوم بعد اليوم.

نظرت إلي أمي وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
-لا تريدين تناول اللحوم وتقومين بطلبها لنا من الخارج!

أسرعت إلى أمي متسائلة:
-أمي، من أين جئتي بقطعة اللحم هذه؟!

وبدون تردد علقت أمي قائلة:
-جاء عامل الدليفري منذ قليل واخبرني أنكِ قمتِ بطلبها لي، ما إن رأيتها لم استطيع مقاومتها وبالفعل فهي أطعم قطعة لحم تذوقتها في حياتي.

فجأة سمعت رنين هاتفي فأسرعت إلى الهاتف لأجده سليم يتحدث إلي ويقول:
-بالهناء والشفاء لقد شاركتك والدتك في نفس قطعة اللحم التي قمتِ بتناولها منذ قليل.

أغمضت عيني تمنيت لو أن كل ما يحدث لم يكْ سوى كابوسًا مخيفًا.

أعدت فتح عيناي على صوته يهددني ويتوعد جميع من حولي، أسرعت إلى غرفتي وانفجرت في البكاء فعاود اتصاله وقال:
-لن تحل الامور بالبكاء قومي بتنفيذ ما طلبته منك في صباح الغد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي