الفصل الثاني

-ومَن يحرس الفيلا في هذين اليومين؟
-لا أحد، توجد كاميرات، والمدام خلال هذين اليومين تكون مسافرة أو خارج الفيلا.
-ما عنوان نرجس؟
أملاه العنوان ورقم الهاتف المسجل على هاتفه
-غادر الآن، ولكن لا تسافر إلا بعلمي.
-حاضر.
خرج من المكتب، ثم دلف الحارس الآخر، لم تختلف
أقوالهما كثيرا؛ فمتولي أيضاً أكد أن القتيلة كانت
حسنة المعاملة مع جيرانها ومع العاملين؛ فمَن كان يطلب منهم أن يسلم عليها أو يتصور معها كانت
تقبل ولا تتكبر، غادر الحارسان بعدما أخبرهما محمد بعدم السفر خارج البلاد ولا المحافظة إلا بعلمه، نظر إلى فؤاد الذي يجلس على الكرسي المقابل له:
-تابع أحداث القضية وتقرير الطبيب الشرعي لحين
عودتي.
-إلى أين أنت ذاهب؟
-سوف أذهب لأحضر آسر كما طلب مني اللواء محسن.
-حسناً.
جمع أغراضه وخرج لإحضار صديقه؛ فهو يعلم أين
يختفي حينما يحصل على إجازة.
*****
أمام أحد شواطئ البحر الأحمر الرائعة جلس آسر بسروال من اللون الزهري يعتليه قميص صيفي من اللون الأبيض يظهر عضلات جسده الرياضي يتأمل تمايل
الأمواج وتلاقيها مع الرمال البيضاء كما تتلاقى أيدي العشاق في خلسة من الزمان.. كانت الشمس تعكس لون عيونه البندقية الساحرة وشعره الفحمي يتطاير كلما داعبته نسمات البحر، تقدمت نحوه بثوب من
الشيفون لونه وردي مزركش بالورود، عيونها كعيون المها تحمل البحر بهما، شعرها سلاسل من الحرير
الذهبي، شفتاها كحبات الكرز، بطنها منتفخة قليلاً، قصيرة القامة نسبياً:
-اشتقت إليك كثيراً؛ طالت غيبتك هذه المرة.
أغمض عينيه وهو يجيب:
-سامحيني يا حبيبتي؛ فظروف العمل شاقة، الإجازات تعتبر محرمة على أمثالي من رجال الشرطة، قضايا
القتل التي توكل لي تحرمني قربك، لكن لا تقلقي
لقد حصلت على إجازة لمدة شهر سوف نقضيها هنا
بعيداً عن العمل وضغوطه، لن يحرمني أحد قربك،
فأنا لكِ وحدكِ طوال هذه الإجازة.
-كيف حال صغيرنا؟ ألا زال يؤلمكِ بضرباته الصغيرة؟
شعر بيدها الصغيرة تفترش كتفه، فمال برأسه لينعم بملمسها الناعم.
-لا يكف عن الضرب.. أعتقد أنه سوف يصبح لاعب كرة قدم ماهر.
ابتسم آسر وهو يتوسد الرمال جوارها:
-أرجو الله أن يشبهكِ، فأنت هبة الله لي، أنتِ لون
حياتي وشراع سفينتي، بدونكِ أنا حرف تائه لا إعرا لي، متى يحين لقائي به فقد اشتقت إليه؟ إنه نتاج قصة
حبنا وثمرت شجرة عائلتي؛ فهو حامل الراية من بعدي، أتمنى أن يصبح ضابطا ماهرا مثلي؛ ليحقق العدالة وينصر المظلومين.
-وَمَن قال لك أنه سيصبح ضابطاً، ابني سوف يصبح طبيبا ماهرا مثلي يداوي القلوب، يعالج الفقراء، فأنا
أخشى عليه مخاطر وظيفتك.
ضحك وهو يحتضنها: الآن لا تحبين وظيفتي وتخشين على طفلنا مخاطر الالتحاق بها؟! أشعر الآن أن عرشي بقلبك تخلخل قبل وصول ولي العهد، بدأت أشعر
بالغيرة منه قبل وصوله، ألم تكن هذه الوظيفة سبب حبك وارتباطك بي؟ ألم تكن تلك الرصاصة التي
اخترقت صدري وقمتِ بإخراجها بكل مهارة هي
سبب لقائنا، لولا هذا الوظيفة ما كنت تعرفت عليكِ يا ملاكي.
ضحكت لغيرته من جنينها
- لن يستطيع أحد أن يحتل عرش قلبي سواك، حبي
لصغيرنا جزء من حبي لك، فأنا أحببتك منذ وقعت
عيناي بعينك، دمائي تجري بعروقك، فأنا بداخلك
مهما حدث وأنت نفسي وكل حياتي.
-بارك الله لنا فيه، وجعله خلفًا صالحًا ورزقنا بره وطيبة قلبه.
-آمين يا رب العالمين.
تقدم نحوهما محمد بجسده الضئيل نسبياً، كان يرتدي نظارة شمسية، وسروالا من الجينز الأسود، وقميصا باللون الموف يعلوهما جاكت أسود، مجعد الشعر،
حنطي البشرة، وهتف به في ضيق:
-آسر.. لمَ لا ترد على الهاتف؟ متى ستكف عن أفعالك هذه واختفاءك وإغلاق هاتفك؟ لقد دبَّ الخوف
في قلبي ونهش التفكير عقلي خشيت أن يكون
أصابك مكروه، أو هاجم المخاض ريم وأنتما بمفردكما.
التفت إليه ليبادله الحديث وهو يبتسم:
-نحن بخير لا تقلق، كيف حالك محمد؟
-كيف يكون حالي وأنا وحدي، والعمل كله يُرمى على أكتافي وأنت هنا تتمتع بالبحر والوجه الحسن.
-لقد حصلت على إجازتي؛ لأعتني بريم بعدما أنهيت
قضية اغتيال الوزير السابق؛ فأنا لم أحصل على إجازة منذ ما يقرب من ستة أشهر.
ربتت ريم على يده لتخبره:
-أنت ضابط كفء لذا يؤول لك كافة القضايا الهامة، مؤكد قدوم محمد اليوم له علاقة بقضية جديدة؛ سوف أعد العشاء لضيفنا اليوم، أترككما تتحدثان معاً.
غادرتهما ريم بعدما ساعدها زوجها في النهوض
ونفض الرمال عن فستانها، ثم عاد لرفيقه.
حاول محمد إخباره عن سبب قدومه إلا أنه مدد جسده على الرمال ليستمتع بالهواء العليل، صوت الأمواج وهي تداعب بعضها البعض.
-  سوف نتحدث على العشاء، الآن استرخ فقط؛
فالطريق شاق ولابد أنك مجهد من القيادة كل هذه
الساعات، انظر للبحر وروعته، هل تعلم أنني كلما
استعصى علىَّ أمر أو قضية ما كنت أجلس هنا لأصفي ذهني؛ حتى أستطيع الوصول للحل المناسب.
-أنت ماهر يا آسر، والكل يشهد لك بهذا.
-أعلم هذا جيداً، ما الجديد!
-يا لك من مغرور! تعلم مدى براعتك وتفتخر بها أمام الجميع برغم صغر سنك إلا أنك استطعت الترقي سريعًا وذاع صيتك بكافة المديريات.
-سوف أخبرك سرًا، عند عودتي من الإجازة سوف أتقدم بطلب نقل لأي إدارة أخرى، فأنا أريد أن أنعم بالبقاء بين ريم وطفلنا في هدوء.
-هل تعلم ريم هذا القرار؟
-لم أخبرها بعد أوشكت الشمس على المغيب، هيا
بنا لنستمتع بالعشاء مع ملكة قلبي، فقد اشتقت
إلى قربها، أشعر كأنني طفل فقد والديه في زحام
الطريق عندما تغيب عني.
ابتسم محمد، ونفض الرمال عن ملابسه، ثم توجها
إلى الشاليه لتناول وجبة العشاء.
أعدت ريم طاولة العشاء بكل ما لذ وطاب من أصناف شهية من المعكرونة، الدجاج المشوي، سلطة
الطحينة، الأرز، الخضار المبخر، اللحم المشوي
و العصائر
الطازجة.
كانت رائحة الطعام شهية للغاية، اقترب آسر منها
ليلثم وجنتها و يدها.
-سلمت يدكِ حبيبتي، أرهقتِ نفسكِ كثيراً اليوم
-محمد ضيفنا ولابد من الترحاب به جيداً.
تقدم محمد باتجاههما وهو يتغزل في رائحة الطعام الرائع
- الطعام يبدوا شهياً ورائعاً سلمت يدك ريم، كم أتمنى أن أجد زوجة ماهرة مثلك، تهتم بشأني، وترعى
حالي، هنيئاً لك آسر بهذه الزوجة الرائعة.
نظرت له ريم بود.
-قريباً سوف يمنحك الله هذه الزوجة الصالحة، فأنتَ طيب القلب.
-أرجو ذلك من كل قلبي، حتى يرحمنا من هذا الحسد البين.
ضحكت ريم من تعليق آسر، ثم لكزته في كتفه حتى يكف؛ فقد خجل محمد من تعليقه.
تشارك ثلاثتهم الطاولة، وهم يتبادلون أطراف الحديث، لتبدأ ريم الحديث:
-أخبرني مَن الضحية هذه المرة؟
نظر لها آسر، وهتف محمد بإعجاب:
-يبهرني ذكاؤكِ وفطنتكِ كلَّ مرة يا زوجة أخي، هنيئاً لك بها آسر، هل تعرفين الفنانة الشهيرة سوزي سالم؟
-مصر والوطن العربي كله يعرفها، أيضاً قابلتها في عدة حفلات؛ فهي صديقة رفيقتي هنادي.
-أنت تعرفها يا آسر؛ فهي حضرت حفل زفافنا.
-اعذريني حبيبتي، لا أتذكرها جيداً.
-انتظر سوف أحضر صورتي معهما.
دلفت للغرفة لإحضار الصورة المنشودة من صندوق مجوهراتها، خرجت وهي تحمل بيدها صورة تجمعها مع سيدتين، إحداهما ترتدي فستانا ذهبي اللون مُرصَّع بالأحجار، شعرها أحمر غجري، ضحكتها خلابة تأسر القلوب، عيناها كالليل الحالك، قوامها بض كانت هذه السيدة هنادي، بينما السيدة الأخرى ترتدي فستان
باللون الأحمر القرمزي، شعرها أسود لامع، عيناها
كحبات القهوة، قوامها ممشوق كانت هذه السيدة سوزي.
لُقطت لهم هذه الصورة في إحدى الحفلات الخيرية التي أقامتها السيدة سعاد غالي.
التقط آسر الصورة من يدها، وبجانبه محمد يتمعن
بوجه هنادي وجمالها الأخَّاذ، ليبادرها بالسؤال: هل
هنادي صديقتكِ يا ريم؟
-نعم, هي صديقتي، ورفيقتي منذ كنا في المرحلة
الثانوية.
-وهل صديقتكِ مرتبطة؟!
ضحكت ريم وآسر من سؤال محمد، ليسأله آسر: وما
سبب السؤال؟
-سوف أتقدم لخطبتها.
-هل جننت؟ لقد شاهدتها للتو، كيف تتقدم لخطبتها؟ فأنت لا تعرف عنها سوى اسمها الأول فقط.
-بما أنها صديقة ريم إذا هي تملك نفس أخلاقها.
-محمد حبيبي الزواج لا يأتي هكذا أبداً.
-لكن ما دخل سوزي بالقضية؟
-للأسف سوزي هي الضحية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي