111111111111

عيون معلقة بباب المستشفى، تُراقبه في أمل، لا تعرف رقمه أو عنوانا له حتى، تشعر بالقلق عليه، وكأنها تعرفه منذ زمن، يشغل تفكيرها كثيرًا، وعلى الرغم من ذلك هو النافذة الوحيدة التي يتسلل من خلالها الأمل إلى قلبها، لا تعرف إن كان حبًا أم تعلقًا؟ ولكن كيف ذلك؟، وهي لم تره سوى بالأمس فقط، ولعل الفضل يرجع في ذلك إلى أختها، فما لبثت أن ركضت خوفًا للبحث عنها، تركتها مع العم قدري منذ البارحة، فهي لم تنتبه للوقت، تجلس هكذا منذ رحيل كريم، مر الليل على عجل، وأشرق الصباح، وهي على نفس حالتها.
-هدى، يا هدي، أين أنتِ؟
تبحث عنها هنا وهناك في كل الأرجاء، والعم قدري يبحث عنها هي، بعد ما تركته وذهبت بعد الشجار مع إبراهيم، لا يعرف أين مكانها؟، فقد كانت تجلس بالخارج، ليقول لها في قلق، حين رآها:
- حرام عليكِ يا ابنتي، لقد أقلقتيني عليكِ كثيرًا، وزرعت المستشفى جيئةً وذهابًا؛ بحثا عنكِ، فأين ذهبتِ؟
تنظر له فريدة في حزن، ما زلت مستاءة مما حدث بينهما، كان يجب عليه تركها، تريه مقامه، لكنه تدخل بينهما، يمنعها من فعل ذلك، لتُجيبه باقتضاب في جملة واحدة:
- لقد كنت بالخارج، ولم أنتبه قط لمرور الوقت.
العم قدري في لطف:
- لا بأس يا حبيبتي، الحمد لله إنك بخير، تعال لنتناول الفطور معًا، فقد أحضرت الممرضة الطعام، وأنا أنتظرك بداخل الغرفة منذ زمن.
- أين هي هدى؟، ولمَّ لا أراها معك؟
تسأله في حدة عن أختها، فأدرك بأنها لن تسامحه بسهولة، ذهب معها نحو الغرفة التي توجد بها أختها، فهدى في غرفة أخرى، لا يريدها أن ترى نور على هذه الحالة، وكذلك وجود إبراهيم معها، لن يُرضي فريدة، ففعل ذلك لأجل كلاهما.
تفتح عيناها فتجده أمامها, ما زال حاضرًا إذن, لم يُفارقها قط, ينظر إليها دون كلل أو ملل, يتأملها بحب, وكأنه يعوض ما فاته من سنوات بعيدًا عنها, أو يحفر ملامحها بداخلها, فقد آلمه الفراق لسنوات, أحبها من أعماقه, ولم يكتشف ذلك الحب العظيم إلا حين بادرته بالغياب, وكأن ذلك الشيء لم يتوقعه قط, يقول لها في آسف:
ـ سامحيني يا نور أرجوك, فكم عانيت والله في غيابك,  وشهدت من أصناف العذاب أنواعًا, واقتربت من الموت الذي يبدو بأنه كان قريبًا منك, ولكنه لم يفعل لأجل هذه اللحظة, تعود المياة إلى مجاريها, وتجمعنا الحياة معًا ثانية, فلا نفترق قط.
تنظر إليه سحر في غير تصديق, وهي تستمع إلى ما يقوله, هو الآخر عانى, لم يكن بخير كما ظنت, وإن ادعى أمام الآخرين العكس, فهو يختلف عنها, يُجيد التمثيل, ويعرف جيدًا كيف يُخفي شعوره على العكس منها, ترقرقت العبرات في عينيها عند معرفة الحقيقة, وانهارت في البكاء بين يديه, ظنت بأن ذلك القلب الذي ينبض بين خافقيه, لم يُبادلها الحب قط, إلا أنها كانت مُخطئة, فكم أحبها إبراهيم, ولم يعرف السبيل للعيش دونها أبدًا, فكان الألم بينهما متصل, وإن غاب عن الآخر.
ـ أنا آس..
يُوقفها إبراهيم, لا يسمح لها أن تُكمل, يضع يده على شفتيها بكل حب, ويقول لها في حنان بالغ:
ـ لا تتعبي نفسك يا حبيبتي بالحديث, فأنا أفهم عليكِ من نظرات عينيك, ما من داعٍ أبدًا لقول شيء, كوني بخير فقط يا نور, وعودي إلي.
ساد بينهما صمت طويل, يتبادلون النظرات, ويعتمل الشوق بداخل قلوبهم, فتتدفق مشاعرهم الجياشة, فاقترب إبراهيم منها, وكاد أن يُقبلها, لولا أن دفعته عنها في آخر لحظة, تنظر له في لوم, فكيف استطاع فعل ذلك؟, ليُغادر إبراهيم الغرفة على عجل في خجل, يشعر بالندم الشديد, فماذا ستقول نور عنه الآن؟, ولو أنها لم تمنعه, لما سامحته قط, فتعود الأمور بهم إلى الخلف, وتسير على عكس إرادته, فشكر الله بأنها تدخلت, ولم تسمح له.
ـ أستاذ إبراهيم, أستاذ إبراهيم, لحظة من فضلك.
تًناديه الممرضة بناءً على أمر الطبيب, يستدعيه في مكتبه, يريد أن يتحدث معه في بعض الأمور, يطلب منه الجلوس في لطف قائلًا, وهو يشير إليه بيديه:
ـ تفضل يا أستاذ إبراهيم.
إبراهيم في قلق:
ـ ماذا هناك يا دكتور؟, هل حدث شيء سيء لا سمح الله؟
استوعب الطبيب قلقه، يقول له في هدوء:
- أعلم بأن الوضع كما أخبرتك من قبل، لا يُبشر بالخير أبدًا، ولكن طلبتك اليوم كي أبشرك، فالحمد لله هناك تحسن ملحوظ في حالة الأستاذ محمد، وإن أردت أن أخبرك كيف ذلك؟، ستجد بأنني والله، ليس لدي إجابة، ولكن سبحانه وتعالى يصنع المعجزات، وما من شيء يقف أمام إرادته.
يسمع إبراهيم في غير تصديق، فالأمر حقًا
معجزة، لم يكد يخبره الطبيب بأنه على عتبة الموت، ليتبدل الحال اليوم، ويقول له عكس ذلك، فقد يفوق في أي لحظة، ويستقبل الحياة.
يخر إبراهيم لله سجدًا، ويلهج لسانه بعبارات الشكر، يقبل رأس الطبيب، ويقول له في فرح:

- الحمد لله الذي استجاب، فلم يكف لساني عن الدعاء، أرجوه في كل حركة وسكنة أن يكشف الغمة، ويرفرف الفرح فوق رؤوس هذه العائلة ثانية.
في بيت العائلة الفسيح الرحب، الذي يسع كل الأشخاص باستثناء أهله، تذهب حبيبت السيد جيئةً وذهابًا، تفرك أصابعها بيديها في قلق، وتُردد كلمات غير مفهومة، تشعر بالحنق الشديد، فقد أوقعتها سهيلة في الحديث، لتبوح بالمكنون، ما كان من أحد يعلم بأنها تحب محمد باسثنائه هو والعم قدري، والآن أصبح شخص ثالث يعلم الحقيقة، ولكن ما لبثت أن نفضت عن رأسها تلك الخواطر السيئة، فزوجها معمي بحبها، ولا يُصدق أحد غيرها، ويكره سهيلة إلى أبعد الحدود، وبالتالي ما من داعٍ للخوف أبدًا.
ـ حبيبتي، أين أنتِ؟، يا حبيبتي، أين أنتِ؟
جاء زوجها من الخارج، يُنادي عليها أكثر من مرة، ولكن دون استجابة، فشعر بالقلق عليها، ودلف إلى داخل الغرفة، فوجدها شاردة، وكأنها منهمكة في التفكير، احتضنها من الخلف، يُقبل خدها في حب، ويقول لها في حنان:
ـ ما بكِ يا حبيبتي؟، ومن هذا الذي تجرأ على شغل تفكيرك؟
ارتعبت من حديثه، وسرت قشعرة في جسدها، استطاع أن يشعر بها، تخشي مما يقصده، فهل حقًا قام بتصديق سهيلة، لتدعي البراءة، وهي تقول له في حزن مصطنع:
ـ والله يا حبيبي، سهيلة كاذبة وما قالته ليس بحقيقة.
فسألها في استنكار:
ـ من تقصدين؟، ولمَّ أشعر بأنك خائفة؟، هل تُخفين عني أمرًا؟، وهناك من يقوم بتهديك به.
تهز رأسها في نفي، وهي تُدافع عن نفسها قائلة:
ـ لا والله يا حبيبي، سهيلة تدعي علي، وكل ما تقوله كذب والله، فأنت تعلم مقدار حبي لك.
انتفخت أوداجه عند سماع اسمها، وتتطاير شرارة الغضب من عينيه، فكيف تجرأت على القدوم إلى هنا، يسألها في استنكار:
- سهيلة كانت هنا!، كيف ذلك؟، ومن الذي سمح لها بالدخول؟
ارتعدت من طريقته، ولأول مرة تراه هكذا، فماذا ستكون ردة فعله إن صدق الأخرى، لتلتف حوله كالأفعي، تُثير عواطفه، وتقبل خده في حب، تهمس في أذنيه بأجمل كلمات الحب، لتختفي شرارة الغضب، وتخمد النيران بداخل صدره، ليلتف إليها، ويستسلم للسحر في عينيها.
تختبأ سهيلة في أحد الشوارع بالخارج، جسدها متعب للغاية، وتتألم من آثار الخدوش التي سببتها لها تلك الشريرة؛ كنتيجة لتلك الوقعة، وكذلك تورم خدها من سطوة ذلك القلم الذي لم تتوقعه، وباغتتها به، فلم تمهلها فرصة للدفاع عن نفسها حتى، تُكمل عليها بإلقائها خارجًا، فشُجت رأسها، وأخذ الدماء يسيل منها، ولم تُفكر سهيلة قط في تضميد جراحها أو وضع حفنة من التراب على رأسها، لوقف نزفها، لتسقط مغشيًا عليها بعد دقائق معدودة، وتظل على هذه الحالة حتى قدوم المساء، فاقدة للوعي في أحد الزوايا، وما من أحد يشعر بها.
البدر يُنير السماء هذه الليلة، يبدو في أبهى صوره حين يكون مكتملًا، والهدوء الذي يأتي بقدومه، يُهييء الجو للتأمل، والنجوم في تناغم جميل تلتف حوله، لوحة فنية لو تعمقت في معانيها، لأدركت عظمة الخالق، وإبداعه البهي الذي يوحي بمدى قدرته، فتردد في ذهنك كلمة واحدة، لا تلبث أن تكررها من شفتيك في تعجب: سبحانك ربي ما أعظمك!
عيون لامعة عند انعكاس نظرتها، تبث الأمل في قلبها، وتجمع ما اندثر مع مرور الأيام، عاد الشعور من جديد، وأصبح في قمة عنفوانه، لا تحتمل نور غيابه، لا تطيق صبرًا بقائه بالخارج أم هل المعقول بأنه رحل؟، ولكن هي التي يحق لها أن تغضب، فقد أساء التصرف معها، ولكن لعل الشوق قد عظم داخله كحالها، وتنكسر أمامه كل القيود، ولولا خوفها من الله لانجرفت معه، لم يكف لسانها عن اللهج باسمه حتى بعد انقطاع الأسباب، ولعل كل ما حدث تدبير من الله لجمعهما، فكيف تعصي الله بحبه إذن؟، وحده من يملك مفاتيح القلوب يفتحها لمن شاء، ويغلقها متى شاء، أخذت تدعو الله في رجاء أن يُعيده إليها، ولا يفجعها بالفقد ثانية، فقد أصبحت تستمد منه القوة الآن لمواجهة ظروفها.
وبينما هي شاردة في التفكير، إذ به يدخل عليها، وعينيه تلمع من الفرح، يقول لها في سعادة بالغة:
- الحمد لله يا نور، عمي حالته في تحسن، وفي أي لحظة قد يعود إلينا، فاستبشري خيرًا ولا تحزني ثانية.
طارت نور من السعادة، لا تُصدق ما تسمعه بأذنيها، تقول له من بين دموعها، وهي تنظر إليه في امتنان:
كم أنت جميل يا إبراهيم، فو الله إني أحبك، ولم أتوقف ليلة واحدة عن التفكير بك، الحمد لله الذي رزقني بشخص مثلك.
تُلقي على مسامعها من الكلمات أجملها، فيطرب لها سمعًا، وكأنه يستمع إلى لحن فريد، عُزف خصيصًا لأجله، فيهز أوتار قلبه، هكذا يفعل الحب بقلوب العشاق، ترفرف قلوبهم وتطير عقولهم، تسرح بهم بعيدًا في عالم الخيال، ظل كلا منهما تائها في عين الآخر، النافذة التي يطلوا بها على الداخل، فالقلب مشتاق، والروح هائمة، ولكن الحب لا يبلغ بهائه إلا في النور، يشرق الحبيبن وسط الحضور في جمع كريم، ليشهدون حفل ارتباطهما الأبدي، وهذه اللحظة غالية؛ ولأجل ذلك يتلهف لها كل حبيب.

أطرقت نور رأسها إلى الأسفل في خجل، اليوم حدث بينهما تجاوزات عدة، وهذا ليس بصحيح، إن لم يكن حبيبها أمام الجميع، يظفر بها وتصبح أميرة على عرش بيته، وإلا لن تكون قريبة أبدًا.
- لمَّ تبتعدين عني يا نور؟، وتخفين عني مشاعرك، دعيها تتدفق كما شاءت، فهي والله وصلت بي إلى حد عظيم.
تعلثمت نور، وارتبكت في الحديث، وخاصة مع وهج نظراته التي لا تكف عن النظر إليها، ليُكمل قائلًا:
- والله إني لأحبك يا نور، ولم أحب ولن أحب فتاة غيرك، فهل تقبلين بي زوجًا؟
قالها في ثقة، والصدق يفوح من نبرة صوته، لن يُخيب ظنها هذه المرة، يطلب منها نسيان الماضي بكل قسوته، وفتح معًا صفحة جديدة، يرجوها ألا ترفض أو تعطيه ردًا الآن، فهو يعلم بأن الوقت غير مناسب، ولكن أراد أن يُخبرها بأنه ما زال يحبها، فقلبه يُحدثه بشعور سيىء، ولا يعرف له سببًا، إلا أنه عقد العزم بألا يتراجع حتى تصبح ملكة في بيته، ويظللهما سقف واحد، وكل شيء يصبح قِسمةً بينهما.
في الغرفة الأخرى، تجلس فريدة شاردة، ويظن العم قدري بأنها ما زلت غاضبة منه، فيُمازحها قائلا:
- كان الله في عونه يا ابنتي، سيتزوج فتاة صعبة المراس، لا يسهل إرضائها أبدًا.
فريدة في عفوية:
- ولكن أين هو؟، لم يأت بعد، وأشعر بالقلق الشديد عليه.
تبدلت قسمات وجهه من المزح إلى العبوس، وهو يسألها في جدية:
- عن من تتحدثين يا فريدة؟، هل هناك شيئًا لا أعرفه.
ارتبكت فريدة، ولم تعرف بما تُجيبه، استرسلت في الحديث، وفاض لسانها بما يعتمل داخل القلب، فنهضت من مكانها في توتر، تقول له في صوت خافت:
- أشعر بالعطش الشديد، سأذهب لإحضار قنينة ماء، ولن أتأخر أبدًا.
هرولت نحو الخارج، لم تنتظر رده، أو تعطيه فرصة حتى، تلوم نفسها في شدة كيف أخطأت أمامه بهذا الشكل؟، أ يفعل الحب ذلك، يجعل المرء يتحدث بما يُخفيه، وتخرج منه تصرفات عفوية لا قبل له بها، قادتها قدماها للجلوس في نفس المكان الذي التقوا فيه بالأمس، تدعو الله وتنظر إلى السماء في رجاء قائلة:
- يارب اجعلني أراه، اجمعني به يارب مرة ثانية.
- ومن يكون ذلك الشخص؟
صوت مألوف، القلب يخفق بشدة، سرت قشعريرة في أطرافها، الدم يتدفق بغزارة، فاكتست وجهها الحمرة، لم تمتلك الشجاعة لتلتفت إليه، ليقف هو قبالتها في مزح قائلًا:
- يبدو بأنه استجاب يا نور، أتمنى لو أكون الشخص المذكور.
تطرق رأسها إلى الأسفل، لا ترفع عينيها إليه، هربت الحروف، وتبخرت الكلمات، فلم تعد تجد ما يسعفها لتقوله، فيُغير كريم الحديث قائلًا:
- اليوم يبدو رائعًا، أ ليس كذلك يا نور؟، نسمات الهواء العليل تلفح الوجوه في حنان بالغ، والسكون يعم المكان، فما من صوت مزعج أو صراخ، يلوث الأجواء، وهذا أمر غريب على المستشفيات، فحين تطأها بقدميك، تُشاهد أمورًا لم تعهدها، فترى حقيقة الحياة، وتدرك كم النعم التي تمتلكها، وحُرم منها غيرك، فتتوقف عن المقارنة، لكل ابتلائه الخاص، ولا يغريك تلك الابتسامات الزائفة التي هي ستار، يخفي بها الكثيرون آلامهم، يحتملون في صمت، ويصطبرون على العكس من بعض منهم، مجرد خدش بسيط يهولون الأمر، ويرون بأن ألمهم عظيم، وليس هناك من يعاني كحالهم.
- هل ستظلين صامتة هكذا أم أنني أتحدث مع نفسي؟
- أنا، أنا كن..
يحاول كريم أن يقطع جو الصمت، ولكن رحمة تشعر بالخجل الشديد منه، لا تعرف ماذا تقول؟ أو بمَّ تُخبره، تعلق قلبها به بشدة منذ اللقاء الأول، لتدرك الآن كيف أن الحب يحمل كلا النقيضين الألم والسعادة في نفس الوقت، يسعد المرء جوار حبيبه، ويرى من العذاب أصنافًا لو غاب عن ناظريه، فيقول:
- لمَّ أنتِ مرتبكة يا فريدة؟، هل هناك شيئًا ما يُزعجك؟، هل أقوم بالرحيل؟
- لا، لا
قالتها في عفوية، لتخجل ثانية من طريقتها، فيمزح معها كريم قائلًا:
- لا، لا، اذهب أم لا تذهب، حددي موقفك سريعًا، أنهى لا، تُريدين، يبدو بأنه يومك لقول لا على الكثير من الأمور.
فضحكت فريدة، وتلألأت صفوف اللولي من بين شفتيها، ليُكمل قائلًا:
- جميلة جدا ابتسامتك، ويا لها من عرض رائع إن عملنا إعلان لسنسوداين، سنجني الكثير من الأموال والله.
علت صوت ضحكاتها، ليقع كريم قتيلًا في سحرها، وتنفذ السهام إلى داخل القلب مباشرة، وتطوف به السعادة من كل الجوانب، إلا أنها لم تلبث أن تبخرت، فهذه البسمة قد تبهت، وتختفي اللمعة من عينيها إن كان كوالده، يخشى أن يكون مثله، فهذا الشعور غريبًا عليه، ولا يعرف ما قد يفعله بها، هناك من الصفات تنتقل إلينا بالوراثة، ولكونه لم يحب تلك المادة خلال رحلته الدراسية، ليس بإمكانه التمييز إن كان الغدر منها أم أنه فعل مُكتسب، فاعتمل القلق داخله، وتكالبت عليه الخواطر والهواجس السيئة، تعصف به دون رحمة، وتطيح بفرحته ضرب الرياح.

- لا حول ولا قوة إلا بالله، من هذه السيدة؟، وما هذا الدم؟، يبدو بأن شخص ما قد آذاها.
يدور حوار سريع بين عقله وضميره:
- اذهب بسرعة، ولا تلتفت، فقد تكون قد فارقت الحياة، وتلتصق بك الجريمة.
- لا، لا يمكنني فعل ذلك، ماذا إن كانت على قيد الحياة.
- سيتهمونك إذن، فأنت تعلم كيف يُفكرون؟، وكم راح من أشخاص ضحايا لكونهم فقط قدموا المساعدة.
- ولكن لا يسعني تركها.
- سيسجوننك.
- لا، لست بمتهم، حتى وإن حدث يكفي بأنني قد ساعدت في إنقاذ حياة إنسان.
يحتدم الحوار داخل رأسه، فيهزها في نفي، ليبعدها عنه ثم يقوم بحملها، ويركض بها مسرعًا؛ يوقف أحد السيارات في رجاء، لتأخذهم إلى المستشفى في عجل
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي