8دراجون

صوفيا
واهٍ ، إذا أعتقد أنني سأقبل بأن أسجن مرة أخرى ، انقطعت بي السبل ، ولم أجد مهرباً سوى القفز من خلال النافذة ، وأنا أعلم أن مشقة هروبي هذه المرة لن تقارن بسابقتها.

وكما توقعتُ ، فحينما نظرتُ خلفي ريثما لامست أقدامي عشب الحديقة الخاصة بقصره ، وجدتُ مَن يدعوه بچاك قد تبعني بنفس الطريقة التي سلكتها ، وصوته الغليظ يصيح بأمر ،
- "هاااي !! أنتِ ؟! توقفي ، هل تظنين حالكِ قادرةً على الهروب من هنا ؟! "

لم التفتُ إليه ، وإنما استكملتُ طريقي أراوغه ، وأنا أعدو بين الأشجار مسرعة ، وإذا بصوت نفير بوق مزعج ، تراشق الحرس بعد صدوره يزحفون نحوي من كل حدبٍ وصوب.

ولتكتمل مأساتي ، استمعتُ إلى صوت صهيل جواد يعتليه البغيض ألكساندر ، غامزاً إياه بباطن قدمه ، فانطلق الجواد باتجاهي ملبياً إشارة صاحبه.

توقفتُ لبرهة ، أُغمض أجفاني بعصبية اعتصرهما ، وأنا أُحاول إيجاد حل لهذه الورطة.

رفعتُ رأسي إلى السماء ، وكأنها استجابت لتضرعي ، فعندما نظرتُ لأعلى ، وجدتني أقف أسفل شجرة يانعة بالقرب من سور الحديقة ، أغصانها السميكة تميل إلى الخارج.

لم أفكر لثانية ، وإنما تسلقتُها بطرفة عين ، وتعلقتُ بأحد أغصانها ، وبعدها تركتُ جسدي ليهوِ ، مجتازةً تلك الأسوار الحصينة.

سحقاً !! على ما يبدو أنني قد أصبتُ بالتواءٍ في كاحلي ، ولكن لا بأس ما دمتُ قد ابتعدتُ عنهم.

ماتت ابتسامة النصر التي بدأت في الظهور على ثغري ، عندما التقطتْ مسامعي صوت صرير بوابة حظي العسر ، وحوافر جواده تدك الأرض أسفلها.

تحاملت على قدمي المصابة ، أركض نحو الغابة التي مررتُ بها قبل قدومي إلى القرية.

زفرتُ بضيق ، وأنا ألقي نظرة خاطفة باتجاه مَن يطاردني ، وإذا بجواد ألكساندر قد حظى برفقة ، فهذا ال چاك يمطي جوادًا آخراً ينطلق بمحاذاة قائده ، وأعين كليهما ينبعث منها إصرار مستميت للإيقاع بي.

حسناً ، فليأملا بالمستحيل ، أنا أبداً لن أستسلم ، وإذا حالفهما الحظ وأمسكا بي ، سيكون ذلك بعد أن تفارق الروح جسدي ، وليس قبل هذا.

وكأنما المصائب لا تأتي فرادى ، إذ تسلل إلى آذاني صوت خافت قادم من الجهة الشرقية للغابة ، وشعار أعرفه محفور على نصل رمح بيد أحدهم يخص قطيعنا ، وحامل الرمح يصحبه سرية من جماعات الاستكشاف التابعة لأبي.

ابتسمت بتهكم ؛ فمَا من مخلوق أتعس حظ مني ؟!

غيرتُ وجهتي ، أطلق العنان لساقيَّ اللتان تئن إحداهما بألمٍ ، أسلك الجهة المغايرة.

ولكن تلاشت العزيمة بداخلي ، عندما آل بي الحال إلى العراء ولا أشجار استتر بها ، فقط العشب وشجيرات صغيرة متناثرة على مسافاتٍ بعيدة.

أصبحت أشبه بالشاه التي هاجمتها الضباع بعد أن ضلت طريقها.

سيطر اليأس على حواسي ، ولكنني عدوت بتخبط وخطوات عثرة.

صوت أنفاسي المتلاحقة يصم آذاني ، والعرق يتصبب على جبيني ووجنتاي ، وها قد غامت السماء من فوقي ، وشيء ما حجب عني ضوءها.

أخذت أدور حول نفسي بعد أن رفعت بصري لأتبين ما في الأمر ، وقبل أن أستوعب ما يدور ، وجدت جسدي معلق في الهواء ، وطوق يحاوط خصري.

وعلى أثر تلك الفاجعة أجفلتُ أغمض عيني ، وصرخة فزع علت بالجوار تبين فيما بعد أنني مصدرها.

تحسست قيدي بإيدٍ مرتجفة ، وإذا بكل خلية بي تنكمش بتقزز ، فملمس ما وقعت عليه أناملي شيء لزج ذو حراشيف تشبه جلد الزواحف ، أفرجت عن أهدابي بتروٍ ، والهواء يداعب بشرتي.

نظرت إلى أسفل رأيت الأرض على بعد أميال وبراح الغابة التي كنت أركض بها ، لاح من الأفق الأعلى وكأنه بقعة خضراء مستديرة ، يتوسطها خائبي الرجاء اللذان ترجلا عن جوادهما ، يرفعان رأسهما للسماء بأكتاف متهدلة تدل على العجز وقلة الحيلة ، حيث .......

ما هذا الهراء !!

ألن يمر ذاك اليوم الصاخب ؟! ألا يكفي ما عانيته خلال الأيام الماضية ، لتُختتم آخر لقطة بحياتي بكوني محمولة على ساعد تنين مجنح !!
ترى أي ذنب اقترفت لألقى حتفي بهذه الطريقة الشنيعة ؟!

تشبثت بخاطفي لا إلا أقع من ارتفاع كهذا ، ولكن ما نهاية كل ما أُقحِمت فيه دون إرادة ؟!

تردد صوت ألورا الساخر ، وهي تهمس من خلال الرابط الذي بيننا ، تقول بتهكم ،
- " لا تأملي يا سبب المصائب ، ماذا فيها إذا كنت قد استمعتِ إلى صوت العقل ، وهادنتِ رفيقنا الأحمق ، حتى أطحنا بعروسه الشمطاء ؟!

- أسعيدة بغباءك الآن ؟! نهاية ما وضعتنا به ستكون بأن نصير مأدبة عشاء لتنين سيبتلعنا دفعة واحدة ، لنستقرا سوياً داخل أمعاءه التي ستعتصرنا كحبة بندورة ."

لعنتُ تحت أنفاسي ، أُعقِّب على ما قالته ألورا بإيجاز ، وأنا أوقن أن هذه هي خاتمة مشهد هروبي الأهوج ،
- " وكأن المصائب لا تعرف السبيل إلا إلي !! "

لحظات مرت ، وهذا الكائن يرفرف بجناحيه ، يسابق الريح ، حتى قطع مسافة كبيرة في وقت قياسي.

ريثما تخطى سلسلة عالية من الجبال ، بدأ في التخفيف من سرعته ، يقترب من أعلى قلعة عتيقة ، لكن شكلها الخارجي يوحي بالترف.

تدحرجت أعلى سطح القلعة بعد أن أطلق سراحي ، ولم يوقف حركة جسدي سوى سور منخفض يحاوط السطح.

التفتتُ نحوه بتوجس ، ولا أعلم إذا كان هذا المخلوق المخيف سيفهم ما سأقول أم لا ، ولكنني استرسلت أتمتم بصوت مهزوز ،
- " أشكرك على مساعدتي ، هل يمكنني الرحيل من هنا ؟"

انفرج فكيه ، يدير رأسه إلى الجهة الأخرى ، وكتلة من النيران انبعثت من جوفه ، لو طالتني ألسنتها لتفحم جسدي على الفور.

ألورا بامتعاض ،
- "يبدو أن اقتراحك لم يعجبه على الإطلاق ، ترى كيف يحبذ وجباته ؟! قطع لحم مشوي أم يلتهم صيده دون عناء إشعال الحطب ؟! ".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي