اغتيال الروح

"ما تلك المصيبة التي حطت على رأسنا في تلك الساعة، ابن عمتي موسى يتصل بي! إذا لابد أن هناك كارثة وليست مصيبة فقط! أعلم مقدار بغضه لي! فلماذا يقوم بمهاتفتي أنا وليس أحد آخر من باقي العائلة؟! لأجيب عليه وأعلم السبب، فالفضول داء مميت وسوف يجعلني أقع في الكوارث على الدوام"



"أجل موسى، ماذا؟! تريدني أن أصعد إلى شقتكم الخاصة الآن دون أن أخبر أحد؟! هل جننت ابن عمتي؟! لا بالطبع؟! ماذا؟! هناك شيء ما تود أن تعطيني إياه؟! ولكن!! حسنا سوف آت على الفور!"

"ألم أقل أن فضولي سوف يقتلني يوما ما!! ها أنا وافقت على الصعود إلى شقة أبناء عمتي الخاصة من أجل فضولي اللعين نحو شئ ما لم آراه بعد"

تمتمت لنفسها بتلك الكلمات ثم بعدها حاولت التسلل من وراء والدتها كي تستطيع الصعود إلى شقة موسى، نجحت في الأمر، استقلت المصعد، ضربت الأرقام على لوحة مفاتيح المصعد، زفرت بضيق، تمنت في داخلها أن يكون الأمر كما أخبرها على الهاتف، مع أنها تشك في صدقه!


تلك الفتاة المجنونة، لم يكن علي الاتصال بها، لكنها أقرب فتاة إلى منزلنا، كما أنها رغم عقلها الصغير استطيع أنا أئتمنها على ذلك السر العفن الذي لابد أن يخفى عن الجميع وأول شخص في القائمة هو هارون!

اسرع لفتح باب المنزل حينما وصل إلى سمعه رنين جرس الباب، وصل إليه وفتحه، تطلع نحوها بضيق، جذبها من يدها لتدخل إلى داخل الشقة، كادت تهتف بكلمات غاضبة من فعلتها تلك، لكنه أشار إليها بعلامة الصمت، جرها من يدها بالمعني الحرفي للكلمة حتى وصل إلى غرفة أخيه، رغم رائحة الخيانة التي تغلغلت إلى أنفه إلا أنه استكمل طريقه إلى هناك.

ترك يدها، أخبرها بنبرة آمرة

"ساعديها رجوة! خذيها إلى المرحاض كي تغتسل ثم سوف أجلب لك شيء ما كي ترتديه! من فضلك اسرعي! سوف أخبرك بكل شيء فيما بعد، لكن الآن لا وقت لدينا لذلك! حياة أحدهم تتوقف على مساعدتك تلك! لذا أرجوك!"

الصدمة التي تلقتها ليس لها مثيل، تلك الفتاة الراقدة على الفراش في وضع لا تتمناه لأي فتاة هي تعرفها جيدا، لطالما نشبت بينهما الشجارات فيما مضى، أنها زاد تلك الفتاة المهووسة بابن عمتها موسى، الجميع يعلم بذلك ما عداه هو!
ي لطالما اتهمتها الفتاة بعشق موسى في الخفاء وهي نفت ذلك بقوة، ومنذ آخر شجار بينهما هي لم تلتق بها مرة أخرى، بل تجنبتها كتجنب الطاعون! لكن ما يحدث أمامها جعلها تكاد تبكي حزنا من أجلها، التفت بجزع إليها، وبينما تفعل فوجئت بابن عمتها معاذ قادم من الخارج، يقترب من الفراش بينما يقول بنبرة مقتضبة

"سوف اساعدك في نقلها إلى المرحاض"

الصراع الذي كاد يحدث أمامها بين الأخوين اخافها حقا، فموسى لم يكن منتبها لدخول معاذ، كان منشغلا برنين هاتفه المحمول، لكن عندما انتبه له و لإقترابه من الفراش هو هرول نحوه، حاول منعه مما ينوي فعله، ليصرخ فيه معاذ بصوت ثائر، معذب، يحمل ندم العالم

"دعني اساعدها موسى، زاد من تلك اللحظة زوجتي، سوف اتزوجها، اعطيها اسمي، أعلم أنه لن يفيد بشئ لكن هي تستحق أن يزال عنها الدنس ولو من الخارج فقط! فقط دعني تبا لك!!"

زعاق معاذ بتلك الطريقة اخافها، جعل موسى يتراجع أيضا، هناك بعض الحقائق وصلت إلى فهمها، معاذ اعتدى على زاد! رغم حبه لها فعل! أجل هي تعلم عن عشقه لها ولكن تلك المسكينة لا تعلم شيئاً!"

نفذ وعده لها، بعد ثوان قليلة كانت هي وزاد في الداخل حيث المرحاض، بينما زاد قابعة في حوض الاستحمام بسكون الموتى، وهي تشرف عليها من أعلى تحاول نزع ما عليها من باقي ثيابها الممزقة، حينما نجحت في ذلك بدأت في إدارة مرذاذ المياه من فوقها!


"في غياهب النسيان هي دخلت، و يا ليتها كانت الآن في عداد الموتى بدلا من ذلك الموت الحي! هي قد قتلت، نزعت عنها روحها، جسدها دنس، باتت زاد عفن! مسموم، ملوث بجرثومة خبيثة اسمها معاذ! لم تكن تحسبه يوما أنه قد يغدر بها، يخون ثقتها به، يقتلها بيده، يمنحها لقب عاهرة على فراشه هو!!"


الصراع لم ينتهي بينهما، أنتظر انتهائه من مساعدة رجوة على إدخال زاد إلى الحمام ثم أمسك به وجره معه إلى الخارج حتى وصل به إلى الردهة، عاد يصرخ في وجهه بصوت زاعق:

"من أي نوع من الرجال أنت؟! بل الحقيقة أنت لست برجل! أنت مجرد كلب نجس! كيف لك أن تفعلها؟! تخون الثقة! الأمانة؟! كيف لك أن تفعلها أخبرني؟"

زعق في وجهه بتلك الكلمات، عاد يلكمه في فكه من جديد بينما يزعق به بكلمة نابية لعل غضبه يسكن! لكن ذلك محال بالتأكيد!

بعدما انتهى من ضربه أخذ يشير إليه بسبابته بينما يخبره بنبرة آمرة:

"لولا أنني أخاف من الفضيحة وارغب في سترة الفتاة لكنت قتلتك بيدي! أنت حكمت على نفسك معاذ، سوف تتزوج زاد لمدة شهران ثم تطلقها وترحل بعيدا عنا، فنحن لا نتشرف بوجود حقير مثلك في عائلتنا"

أنهى حديثه، لم يجد ردا على كلماته، ليسير مبتعدا عنه عائدا إلى تلك الغرفة المشؤومة، بدا يبحث في خزانة الخائن عن شئ تستطيع الفتاة ارتدائه ثم سار نحو باب المرحاض، طرق عليه بضع طرقات، آتاه الرد من ابنة خاله، أخبرها بعدها عن رغبته في اعطائها ملابس من أجل الفتاة، فتحت الباب، تناولت الملابس من يده ثم أغلقت الباب من خلفها، نظرت نحو الفتاة بحزن شديد ورغم عنها باتت تبكي من أجلها!

حاولت بكل ما تملك من قدرة أن تساعد الفتاة، جعلتها تغتسل، ثم اخرجتها من حوض الاستحمام، بدأت تلبسها تلك البذلة الرياضية السوداء، ورغم كبر حجم البذلة لكنها وفت بالغرض، لتخرج بصحبتها من المرحاض إلى الخارج، بعيدا عن تلك الغرفة بأكملها.


يعلم أنها تشعر بذل كبير وقهر، لكن ذلك الحديث لابد منه، عليه أن يطلب منها، يرجوها أن تلتزم بالصمت، ليس من أجل أخيه، لا فهو لا يستحق بل من أجلها هي، فهي فتاة رغم كل شيء ولها سمعتها التي لابد أن تحافظ عليها.
بدأ يتلو عليها القرار الذي توصل إليه، قرار حاسم لابد منه لحفظ كرامتها أمام الجميع
"سوف تتزوجين معاذ"

حينما ابلغها بذلك القرار كان الارتجاف والزعاق هي فاعلته تلك المرة، حينما انتفضت من جلستها الساكنة وهي تصرخ بصوت عال:

"محال، محال أن أتزوج بذلك النجس! لقد قتلني! أخيك قتلني موسى وأنت تريدني أن أتزوج منه!"

"من فضلك زاد اهدئ! لو كان قتله سوف يفيد بشئ أو يعيد إليك حقك لكنت قتلته أمامك ها هنا الآن! لكنه لن يفيد بشئ صدقيني! فقط أرجوك اقبلي طلبي ذاك وأعدك صغيرتي أن أجعله يطلقك بعد فترة قصيرة من زواجكما! تذكري زاد ذلك الأمر لا يتعلق بك أنت فقط! بل بأخيك هارون وسمعته، كرامته وشرفه!"

أرادت أن تصرخ في وجه موسى، تسأله عن أي شرف هو يتحدث! لقد ضاع شرف أخيها وأضحى في الوحل! والسبب ذلك الذئب البشري الذي يقف منكس الرأس أمامها! القهر بلغ منها مبلغه، بقوة كامنة ملكتها نهضت من على الأريكة الجالسة عليها، ركضت نحوه، أخذت تخرمش وجهه بأظافرها حتى بات يدمي من شدة ضرباتها، وما زاد حنقها منه أكثر أنه كان ساكنا، لم بتحرك، لم يحاول صدها، بل تركها تفعل في وجهه ما تشاء لعل ذلك يخفف من وجع روحها!!


الغضب لن يجدي نفعا الآن، عليه أن يوقفها عما تفعله، هي فقط تستنزف من قدرتها على الصمود، أقترب منها بخطوات سريعة، أمسك بها من خصرها، أبعدها بقوة عن أخيه ذاك المستسلم لها بدرجة مغيظة، أخبرها بنبرة آمرة:

"اهدئي زاد، غضبك ذاك لن يحل الأمر، علينا أن نضع خطة لما سيحدث، من فضلك اهدئي قليلا"

أخبرها بتلك الكلمات لعلها تسكن، وهي سكنت، وكأن قواها قد خارت حقا بين يديه، أبعدت يديها عنها بكفين مهتزتين، دموع جديدة بدأت تتدفق على وجنتيها، سارت بخطوات ثقيلة نحو الأريكة من جديد، جلست عليها، نكست رأسها، بصوت حمامة ذبيحة قالت:

"أريد العودة إلى المنزل الآن!"

وهو كان أكثر من متفهما لحالتها تلك، زاد هي شقيقته الصغرى التي لم ينجبها أبواه، هز رأسه موافقا على طلبها ذاك، أخبرها بنبرة هادئة:

-  ربما ذلك أفضل شيء نستطيع فعله الآن، لكن عليك أن تكوني موقنة أنني سوف اتولى ذلك الأمر، ذلك وعد شرف مني زاد، أقسم لك بذلك.

لم تعلق على حديثه، اكتفت بالصمت، تطلع إليها بنظرات مشفقة بينما يقول:

"هيا بنا زاد، لقد اعتذرت لهارون عن حضور الحفل، من الجائز أن يعود إلى المنزل مبكرا، لذا من الأفضل أن نسرع بإيصالك إلى المنزل"

بهدوء شديد تبعته بينما يسير نحو الخارج، عبرت الباب من خلفه، صعدت بصحبته إلى المصعد الذي اوصلهما إلى الطابق الأرضي في أقل من دقيقتين، أخبرها أنه سوف يسبقها في الوصول إلى سيارته الخاصة كي يقوم بتشغيلها سريعا، لم تكن في وضع يسمح لها بالحديث، عقلها فعل وضع إيقاف التشغيل على ما يبدو، كإنسان آلي خطت نحو الخارج حيث هو ينتظرها في سيارة حالما دلفت إليها انطلق بهما على الفور.



تطلعت نحوه بنظرات قاتلة، لم تكن تظن يوما أن معاذ ذلك الشاب المثالي قد يصدر منه ذلك التصرف الوحشي الهمجي، الأمر الذي دفعها لتتسأل في داخلها، ما الذي قد يدفع شاب مثله لتلك الفعلة الدنيئة مع فتاة من المفترض أنه يحبها بل يعشقها، هزت رأسها يمنة ويسرة بعدم رضا، شعور مقيت تملك منها نحوه، تحولت نظراتها للإزدراء، قررت الرحيل على الفور، فتلك المهمة الشائنة التي قامت بها قد انتهت، تبقى فقط مشاهد أليمة حفرت في عقلها إلى الأبد.



تطلع من حوله في المكان الذي أصبح خاليا من سواه هو، لم تفت عليه نظرات الاحتقار التي تطلعت بها ابنة خاله قبل أن تغادر الشقة خاصته، الجميع بات موقنا أنه شاب فاسد عديم الأخلاق حتى النخاع، منتهك للعرض والشرف، انتهك فتاة بريئة بدون ندم!
لكن هل يعلم أحدهم بذلك البركان الثائر في داخله، يقينه أنه قد خسر فتاته التي يعشقها إلى الأبد، أنه قتل أي فرصة له معها في أن تبادله الحب يوما ما! حتى في ظل تصريحها في وجهه بأنها تحب أخاه موسى ظن أنه ربما سوف يأت يوم وتدرك أن ذلك مجرد افتتان ليس أكثر، أن تشعر بما يعتمره قلبه لها من عشق!!

ضحكة مريرة أطلقها فمه هازئا من أفكاره تلك، متسألا بتهكم وسخرية

"وهل للعشق مكان في قصة بدأت بإغتيال الروح والجسد معا؟!"

تهكم بداخله، سخر من قلبه الذي كان يتمنى قربها، سمعه يرد عليه سخريته بينما يخبره بمرارة:

"هنيئا لك معاذ! لقد أصبحت زاد لك! لكن مع كره كبير تحمله لك في داخل قلبها!"


دمعات حارة انسابت من عينيه، شعر بروحه تنسحب منه حتى كادت تصل إلى الحلقوم، لم يعد يستطيع المكوث في ذلك المكان الذي شهد جريمته في حقها، بخطوات تكاد تكون ركضا هو هرب من شقته، و كأن هناك جان يلاحقه.

نهاية الفصل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي