البداية
"ها هي سالبة لبه، تختال في مشيتها، تمنح رصاصات الفتنة بلا رحمة، مسقطة قلوب معجبيها بالمئات تحت قدميها، لكنه لم يبالي، أو في الحقيقة ارتدى قناع اللامبالاة، لأنه يعلم جيدا، إن هي علمت عن عشقه لها، لكان دهس قلبه تحت قدمي غرورها كما دهس السابقين في عالم حبها"
"صباح الخير معاذ، هل أنت هنا بمفردك أم قد جاء معك موسى هو أيضا؟!"
ذلك السؤال هو علمه جيدا قبل أن تنطق به حتى، بالطبع هي تسأل عن موسى، يقسم بالله في داخله أنه لولا موسى ما كانت ألقت عليه التحية يوما قط!
بنبرة ساخرة كعادته معها في الحديث هو قال:
"كما ترين زاد، أنا هنا بمفردي، جئت من أجل التمرين، أما موسى فقد ذهب لعمله في الصباح الباكر كالعادة، ألم يفعل أخيك المثل يا جميلة؟!"
نظراتها إليه مزدرءة، لا تعلم سر تلك النبرة الساخرة التي يتحدث بها معها على الدوام، حسنا هي ليست لدي طاقة اليوم لمجادلته أو الحديث معه، سوف تنسحب بهدوء حفاظا على سلامها النفسي.
"حقا، كنت أود أن أراه، لا بأس بذلك، ربما أراه في وقت لاحق، إلى اللقاء معاذ، كنت أود لو جلست معك لتناول كوبا من العصير لكنني تذكرت موعد مع صديقة لي بعد عشر دقائق من الآن"
نطقت بتلك الكلمات بينما تستقيم واقفة من على المقعد الذي قد جلست عليه سابقا، رسمت على وجهها ابتسامة زائفة بينما تلوح بيدها إليه في إشارة وداع، ليبادلها هو نفس البسمة، ولكن النية غير، فهو لم يكن في قلبه لها سوى عشقا يزاحم الجبال ثقلا.
*******************************
مزاجه اليوم عكرا، رغم أنه صُبح بمحياها، لكن تبقى اللوعة تأكل قلبه أكلا، بات يمقت الحب حقا، ويخاف أن يمقتها، زاده لا تشتهيه، وهو يكاد يموت شوقا لكلمة حب منها.
أدائه في التمرين لم يعجب مدربه الذي وجه له كما من الملاحظات، وبخه قليلا، طلب منه التركيز و عدم التشتت، حائر هو! كيف يخبره أن سبب ما هو فيه دائم، لا نهاية له إلا إن شاء الله وحدثت معجزة من السماء فتحت له أبواب قلبها.
تنهيدة يائسة خرجت منه بينما يتناول كوب من الشاي الساخن، لقد انتهى التمرين منذ دقائق، لكن لا رغبة لديه في العودة إلى المنزل الآن، فموسى على وشك العودة لتناول الغداء الذي اعتاد أن يعود للمنزل من أجل تناول الغذاء سويا.
يعلم أنه سوف يقوم بمهاتفه حينما يلاحظ تغيبه، الأمر ليس بيده، حبه لموسى يضاهي حب الطفل لوالده، لكن حب زاد جعلها صعبة عليه، اختارت موسى ولم تختاره، لا ذنب موسى في ذلك، لكن القلوب لا تفقه ذلك.
*************************************
"أوف، لقد اُنهكت حقا اليوم، العمل كان كثيرا، احتاج لأخذ راحة الآن، عقلي بدأ يفقد تركيزه!"
ضحكات ساخرة انطلقت في المكان، جعلته ينظر لذلك القابع أمامه على الكرسي، ذلك الأبله هارون يضحك عليه ويسخر منه، بنبرة مغتاظة سأله:
"ما الأمر هارون، أخبرني ما المضحك كي اضحك معك أنا الآخر بدلا من أن تضحك وحيدا هكذا؟!"
من وسط ضحكاته المرحة، أجاب على صديقه قائلا بنبرة مازحة:
"ألا ترى المزحة هنا يا صديقي؟! موسى الراعي يتذمر من العمل و يشكو منه!! لا لا تلك مزحة وليست حقيقة! ألا توافقني الرأي يا راعي؟!"
رغما عنه ضحك هو الآخر، لقد عرف عنه أنه مدمن للعمل، لا يفوت وقتا إلا إن عمل فيه بكل طاقته، لكن اليوم هو مجهد حقا، ربما قلة النوم والأرق الذي أصابه بسبب التفكير العميق في حالة معاذ أخيه الصغير الذي تبدل كثيرا معه في الآونة الأخيرة.
رمق صديقه بسخرية من طرف عينه بينما يقول:
"تراها مزحة ها! حمدا لله أنها ليست عادة يا سيد هارون! ألا توافقني الرأي أنت الآخر؟!"
أخبره بتهكم ثم غمز له بعينه مازحا هو الآخر، لتعود الضحكات من جديد تعلو، الاثنان في وقت واحد.
*************************************
"أمي، يا أمي، أريد النقود التي أخبرتك عنها ليلة أمس، هناك شيء هام أريد شراءه على الفور، لقد كاد العرض ينفذ يا أمي"
"يا ولي الصابرين صبرني على تلك الفتاة الطائشة!"
كلمات قالتها بقلة حيلة داعية الله أن يمنحها الصبر على ابنتها التي ظنت يوما أن تخرجها من الجامعة قد يمنحها بعد التعقل، لكن ها هي الآن تجلس على الأريكة في غرفة المعيشة، تطالع الهاتف بيدها، عينيها تبرقان بلمعة شديدة، بينما تشاهد عرضا جديدا عن مجموعة عناية بالبشرة تغرق ذلك المدعو (الفيسبوك).
"ما الأمر رجوة، عرض جديد مغري كالعادة؟! ثم ماذا؟! خدعة كبرى مصيرها سلة القمامة مثل كل مرة! متى تدركين أن كل تلك العروض خلقت لخداع الغر مثلك من الفتيات الطائشات!"
بنفاذ صبر وضيق شديد من رعونة ابنتها نطقت بتلك الكلمات لتستمع بعدها لشكوى ابنتها التي تقول بنبرة مغتاظة:
"هكذا أنت على الدوام، لا تحبين شيئا مثل تكديري واصابتي بالإحباط واليأس، فتيات كثيرات يطلبن تلك العروض ويجدنها فعالة جدا، ليس معنى أنني قد أخفقت في عرض أو اثنان قد أصبحت طائشة يا أمي!"
نظرات ساخرة متهكمة هي ما وجهتها لابنتها تلك الشاكية، وبسخرية تامة هي ردت عليها قائلة:
"لا سمح الله ابنتي العاقلة الراشدة، لكنهم كانوا عشرة عروض وليس اثنان إن كنت تذكرين! والآن دعيني أعود واستكمل طعام الغداء، فقد اقترب موعد عودة والدك وأخويك للمنزل"
قالت ذلك ثم استقامت واقفة تريد التوجه لغرفة الطهي، تنهي الطعام الذي بدأت في تحضيره منذ حين، لتردد بصوت هامس بعدها وهي تضرب كفا على كف بحسرة شديدة:
"عرض جديد قال، و أنا التي ظننت أنها تريد النقود من أجل شراء هدية لموسى"
تمتمت لنفسها بتلك الكلمات غير مدركة لتلك التي تنصت لهمسها بتعجب شديد ثم تجري نحوها، تسألها بصوت حائر:
"نقود من أجل موسى! لمّا ذلك أمي؟! هل هناك شيء لا أعلمه عن ابن عمتي؟!"
لا تعلم بما تجيب على خائبة الرجاء تلك كما تطلق عليها دائما، حتى أنها علقت قائلة:
"ربي لا أسألك رد القضاء"
أكملت دعاؤها، ثم نظرت لابنتها شذرا بينما تقول:
"لو كنت تعيشين معنا في نفس العالم لكنت علمت أن يوم مولد موسى هو اليوم، سوف يقيم أصدقاؤه له حفلا في الخارج، والدك كان ينوي شراء هدية مولد له هو الآخر، لكن كما تعلمين أن تعيشين في عالم الالالاند كما يقولون، استمري في هذا صغيرتي، و أقسم بالله لن تجدي خاطبا واحد يطرق بابنا بسببك!"
رغم أن كلام والدتها الساخر والمتهكم جعلها تشعر بالضيق، لكنها اعتادت عليه، تعلم جيدا أن نوايا والدتها حسنة ولا تقصد سوءا منه، بنبرة ساخرة هي أجابت والدتها:
"موسى، أنت تعلمين جيدا أنني لا اطيقه، لو كان معاذ لكنت فعلت ذلك وجلبت له هدية مولد تليق به، ليس موسى ذلك المتعجرف السمج!"
"متعجرف و سمج، الله الله على تلك الثقافة و الألفاظ الواثقة، لقد أثمر فيك التعليم على ما يبدو، سبحان الله تلك الكلمات هي نفسها ما يقولها عنك موسى حينما نكون بصحبته، على ما يبدو هناك توارد أفكار عال بينكما يا رجوة"
فوجئت رجوة بتهكم والدتها على حديثها مرة أخرى، هي تعلم جيدا مدى نفورها من موسى، تلك الحالة من عدم التقبل السائدة بينهما، حتى أن هناك من يقول عنهما أنهما مثل "ناقر ونقير"
حينما يتواجدا سويا
لطالما هزأت والدتها منها على ذلك الأمر، بل زاد عن ذلك بأنها تعايرها بمدى تعلقها بموسى دون غيره في صغرها، مقسمة أنها كانت تلتصق به على الدوام.
بضيق زائف أخبرت والدتها:
"أنت هكذا دوما، تفضلين موسى علي أنا ابنتك، لدرجة أنني شككت يوما أنه هو ابنك وليس أنا! حسنا سوف اذهب إلى غرفتي محاولة أن أواسي نفسي على ذلك الظلم الذي أتعرض له في منزل والدي، على يد والدتي الحبيبة"
قالت ثم نهضت من جلستها، سارت بخطوات سريعة نحو غرفتها، راسمة على وجهها تعبير حزين، لتنظر والدتها في إثرها بقلة حيلة، عالمة أن ما تقوم به ابنتها الآن ما هو سوى حيلة جديدة كي تنفذ من مساعدتها في تحضير الغداء.
*************************************
"يا الله، لقد أحببت ذلك الثوب كثيرا، سوف اشتريه بكل تأكيد! يا فتاة، تعال إلى هنا، خذي هذا الثوب، لقد نويت شراءه"
ناولت فتاة المتجر الثوب الأحمر الصارخ الذي اختارت شراؤه، نظرت بعدها نحو صديقتها جانا التي أتت معها لذلك المتجر، استمعت لها وهي تقول بنبرة حائرة:
"لم تخبريني حتى الآن، ما الذي جعلك تغيرين رأيك وتهاتفيني من أجل اللقاء الآن وليس الثالثة عصرا كما اتفقنا ليلة أمس؟!"
بنفاذ صبر أجابت زاد على تطفل صديقتها جانا، فهي رغم أنها تحب صحبتها، لكنها تعلم مدى ثرثرتها، فلن تخبرها عن السبب الحقيقي وراء تقديم الموعد، وأنها لم تشأ الجلوس لفترة أطول مع ذلك السمج معاذ، الذي تتعجب كثيرا كونه الشقيق الأصغر لساكن قلبها موسى الراعي!
"لا شيء غير من رأي جانا، لكنني فكرت أن الذهاب مبكرا أفضل حيث نستطيع تجربة أكثر من مكان حتى نجد ما يثير اهتمامي!"
"هكذا إذا، حسنا، حمدا لله أنك وجدت ما يعجبك سريعا، أقصد بالطبع ذلك الثوب الأحمر الرائع، أتمنى أن أشاهدك به قريبا، فأنا أعلم جيدا أنك لا تنوي تجربته هنا في المتجر، أليس كذلك؟!"
أومأت زاد بضيق لجانا الساخرة، التي تعلم كالجميع رفض زاد تجربة أي شيء خارج منزلها، فهي تعلم مدى الحيل القذرة التي حذرها هارون منها حول قذارة أصحاب المتاجر الذين يضعون كاميرات في أماكن القياس لمراقبة النساء الراغبات في شراء الاثواب وقطع الملابس.
"آنستي، الحساب هو،،،، هل تنوين الدفع نقدا أم هناك بطاقة دفع مسبق؟!"
"هناك بطاقة فيزا ذهبية، هاك، قومي بخصم ثمن الثوب ثم اعيدي إياها إلي بعدها"
أومات الفتاة بطاعة إلى زاد التي كانت ترسم على وجهها ابتسامة هادئة بينما تناولها البطاقة، لم تعتاد التكبر يوما في التعامل مع نادل أو بائع، هكذا هي متمردة ربما، متعجرفة أحيانا لكنها ليست متكبرة على الإطلاق.
بينما جانا كانت رغما عنها تنظر بغيرة نحو زاد، تلك الفتاة التي حصلت على الكثير من متع الحياة، كونها فتاة وحيدة لا يوجد غيرها بصحبة شقيقها هارون بعدما توفيا والديهما، وحرص هارون على تدليلها وها هي تمتلك بطاقة ذهبية تستطيع شراء ما يخطر على بالها في أي وقت حتى لو كان قصر منيف!
************************************
على صوت غلق باب المنزل خرج موسى من غرفة الطهي حاملا في يده صنية بها عدة أطباق من الطعام، نظر نحو أخيه بنظرات قلقة بينما يسأله بنبرة حانية:
"ما الأمر معاذ! لقد قلقت عليك حقا، ليس من عادتك غلق الهاتف في هذا الوقت من اليوم! قمت بمهاتفتك خمس مرات وفي كل مرة يأتيني ردا بأن الهاتف مغلق، لولا طمأنة الكابتن لي لكنت الآن أجوب النادي باحثا عنك في جميع أنحائه؟!"
تنهيدة متعبة خرجت منه بينما يغمض عينيه معتصرا إياهما بقوة ويأس، لقد نوى حقا عدم العودة و تناول الغداء مع موسى، لكن تذكره أنه يوم مولده هو ما جعله يعود للمنزل، فلن يريد تعكير مزاجه لأخيه يوم المولد خاصته، بنبرة مثقلة بالهم هو قال:
"عذرا موسى، لقد نفذ شحن البطارية ولم أضعه لتلقي الشحن أثناء التدريب، لقد سهوت عن ذلك حقا"
قال ذلك، ليردد بعدها في داخله أن سامحني يا الله على تلك الكذبة البيضاء.
أنصت لكلمات أخيه الذي يبدو عليه البؤس الشديد، لم يشأ أن يجادله الآن، أومأ إليه بتفهم ثم قال بنبرة حانية:
"لا تهتم كثيرا، اذهب لغرفتك، غير ثيابك ثم تعال لتناول الغداء معي، ولا أريد سماع أية أعذار منك، فأنت تعلم جيدا أني لا أعود لتناول الغداء في المنزل إلا من أجلك أنت فقط"
واللعنة هو يعلم ذلك، لكم يود أن يركض بقوة نحو أخيه معانقا إياه بشدة، شاكيا له سبب حزنه وبؤسه، يخبره أنه السبب في معاناته، لكنه لن يفعل، موسى لا يستحق منه ذلك، أن يعلم كونه سبب في ضياع حاله.
بهدوء شديد أومأ إليه ثم سار بخطوات متمهلة نحو غرفته، لينفذ طلب أخيه وعدوه في العشق.
************************************
"هيا، هيا يا كسول، ألم أخبرك أن الحفل سيكون في الثامنة، لقد جعلتك تعود للمنزل حاصلا على إجازة من العمل كي تحصل على قسط وفير من الراحة ثم الاستعداد باكرا للحفل وها هي الساعة قد أضحت السابعة وأنت على ما يبدو لم تستيقظ بعد من النوم!"
نظر موسى بعدم تصديق نحو شاشة الهاتف في يده بعد تصريح هارون ذاك، لم يصدق كلماته حول أنها قد أضحت السابعة مساءا، لن يعقل أنه نام لخمس ساعات متواصلة! محال، لكنها كانت حقيقية واقعة.
خانته ضحكة ساخرة خرجت منه، وصلت لذلك المتباهي في الناحية الأخرى من الهاتف، ينظر لنفسه في المرآة، يتأمل تصفيفة شعره التي انتهى منها للتو بزهو شديد، ضحك هو الآخر ثم قال بنبرة متهكمة:
"يبدو أن يوم مولدك هذا موسى ليس مثل أي يوم، هناك نوادر كثر حدثت به، هيا قم من فراشك واحصل على حماما منعش، فالاصدقاء يلحون في اتصالاتهم منذ بداية اليوم، قم يا راعي قم"
ضحك الراعي مجددا وهو ينظر للهاتف المغلق أمامه بعد إنهاء هارون المكالمة كي يتيح الفرصة له للبدء في تجهيز نفسه لحفل مولده ذاك.
بعد عدة دقائق كان يمد يده نحو خزانة ملابسه، يختار بذلة مناسبة لتلك السهرة، و حينما احتار في اثنان، سار بهما نحو الخارج حيث معاذ يجلس في غرفة المعيشة يشاهد مباراة كرة قدم.
ذوق معاذ في اختيار الملابس للمناسبات لا تشوبه شائبة، لطالما حرص موسى على سؤاله رأيه حول أي بذلة هو يختار، والآن يفعل، ليختار معاذ بذلة بلون أزرق داكن، ليرسم موسى ابتسامة رضا بعدها و هو يعود لغرفته كي يبدأ في ارتداؤها.
بعد الانتهاء خرج من غرفته، وصل حيث يجلس معاذ، نظر نحوه بحيرة، سأله في تعجب قائلا:
"ما الأمر معاذ! لما لم تستعد إلى الآن، لقد أوشكت الساعة على أن تصبح الثامنة و أنت مازلت ترتدي ثياب المنزل، ألم أخبرك أن تستعد باكرا أثناء الغداء؟!"
يعلم أن لا ذنب لأخيه في مزاجه العكر ذاك، لكنه لا يستطيع الذهاب لأي احتفال اليوم، فوجع رأس شديد داهمه منذ ساعة تقريبا ولا طاقة له بحضور أي حفل، بنبرة حزينة هو قال:
"أنا آسف حقا موسى، لكن وجع الرأس قد أصابني وأنا لا أريد أن أكون عبئا عليك في الحفل وجعلك تقلق بشأني، لذا لن أستطيع الذهاب معك، اعدك سوف نحتفل غدا سويا به، لكن اليوم أريد أن أحصل على قسط وافر من النوم"
بقلق شديد نظر موسى لأخيه، كاد يخبره أنه لن يذهب هو الآخر لكنه تذكر هارون وما بذله في إعداد ذلك الحفل، كذلك الأصدقاء الذين يريدون رؤيته والاحتفال معه، بقلة حيلة هز رأسه بتفهم ثم قال له بنبرة حانية:
"سلامتك معاذ، كنت أود الجلوس معك هنا في المنزل لكنني وعدت هارون والأصدقاء بالحضور، سوف أحرص على العودة مبكرا كي اطمئن عليك"
نظر إليه معاذ بمؤازرة ثم قال:
"لا بأس موسى، عد متى شئت، سوف أعد لي كوب مركز من القهوة التي تذهب ذلك الوجع، أنت تعلم أن علاجها ذاك، ثم اشاهد تلك المباراة المملة كما ترى"
ضحكة ساخرة خرجت في نهاية حديثه ليشاركه موسى الضحك، يومئ له بحنو، ينظر إليه بشفقة، يعود أدراجه حيث غرفته، يصفف شعره، يضع محفظته الجلدية، هاتفه في جيبه، يمسك مفتاح سيارته الالكتروني ثم يسير للخارج، يلقي التحية على معاذ، يفتح باب المنزل، يعبر من خلاله، يغلقه خلفه بهدوء.
نهاية الفصل.
"صباح الخير معاذ، هل أنت هنا بمفردك أم قد جاء معك موسى هو أيضا؟!"
ذلك السؤال هو علمه جيدا قبل أن تنطق به حتى، بالطبع هي تسأل عن موسى، يقسم بالله في داخله أنه لولا موسى ما كانت ألقت عليه التحية يوما قط!
بنبرة ساخرة كعادته معها في الحديث هو قال:
"كما ترين زاد، أنا هنا بمفردي، جئت من أجل التمرين، أما موسى فقد ذهب لعمله في الصباح الباكر كالعادة، ألم يفعل أخيك المثل يا جميلة؟!"
نظراتها إليه مزدرءة، لا تعلم سر تلك النبرة الساخرة التي يتحدث بها معها على الدوام، حسنا هي ليست لدي طاقة اليوم لمجادلته أو الحديث معه، سوف تنسحب بهدوء حفاظا على سلامها النفسي.
"حقا، كنت أود أن أراه، لا بأس بذلك، ربما أراه في وقت لاحق، إلى اللقاء معاذ، كنت أود لو جلست معك لتناول كوبا من العصير لكنني تذكرت موعد مع صديقة لي بعد عشر دقائق من الآن"
نطقت بتلك الكلمات بينما تستقيم واقفة من على المقعد الذي قد جلست عليه سابقا، رسمت على وجهها ابتسامة زائفة بينما تلوح بيدها إليه في إشارة وداع، ليبادلها هو نفس البسمة، ولكن النية غير، فهو لم يكن في قلبه لها سوى عشقا يزاحم الجبال ثقلا.
*******************************
مزاجه اليوم عكرا، رغم أنه صُبح بمحياها، لكن تبقى اللوعة تأكل قلبه أكلا، بات يمقت الحب حقا، ويخاف أن يمقتها، زاده لا تشتهيه، وهو يكاد يموت شوقا لكلمة حب منها.
أدائه في التمرين لم يعجب مدربه الذي وجه له كما من الملاحظات، وبخه قليلا، طلب منه التركيز و عدم التشتت، حائر هو! كيف يخبره أن سبب ما هو فيه دائم، لا نهاية له إلا إن شاء الله وحدثت معجزة من السماء فتحت له أبواب قلبها.
تنهيدة يائسة خرجت منه بينما يتناول كوب من الشاي الساخن، لقد انتهى التمرين منذ دقائق، لكن لا رغبة لديه في العودة إلى المنزل الآن، فموسى على وشك العودة لتناول الغداء الذي اعتاد أن يعود للمنزل من أجل تناول الغذاء سويا.
يعلم أنه سوف يقوم بمهاتفه حينما يلاحظ تغيبه، الأمر ليس بيده، حبه لموسى يضاهي حب الطفل لوالده، لكن حب زاد جعلها صعبة عليه، اختارت موسى ولم تختاره، لا ذنب موسى في ذلك، لكن القلوب لا تفقه ذلك.
*************************************
"أوف، لقد اُنهكت حقا اليوم، العمل كان كثيرا، احتاج لأخذ راحة الآن، عقلي بدأ يفقد تركيزه!"
ضحكات ساخرة انطلقت في المكان، جعلته ينظر لذلك القابع أمامه على الكرسي، ذلك الأبله هارون يضحك عليه ويسخر منه، بنبرة مغتاظة سأله:
"ما الأمر هارون، أخبرني ما المضحك كي اضحك معك أنا الآخر بدلا من أن تضحك وحيدا هكذا؟!"
من وسط ضحكاته المرحة، أجاب على صديقه قائلا بنبرة مازحة:
"ألا ترى المزحة هنا يا صديقي؟! موسى الراعي يتذمر من العمل و يشكو منه!! لا لا تلك مزحة وليست حقيقة! ألا توافقني الرأي يا راعي؟!"
رغما عنه ضحك هو الآخر، لقد عرف عنه أنه مدمن للعمل، لا يفوت وقتا إلا إن عمل فيه بكل طاقته، لكن اليوم هو مجهد حقا، ربما قلة النوم والأرق الذي أصابه بسبب التفكير العميق في حالة معاذ أخيه الصغير الذي تبدل كثيرا معه في الآونة الأخيرة.
رمق صديقه بسخرية من طرف عينه بينما يقول:
"تراها مزحة ها! حمدا لله أنها ليست عادة يا سيد هارون! ألا توافقني الرأي أنت الآخر؟!"
أخبره بتهكم ثم غمز له بعينه مازحا هو الآخر، لتعود الضحكات من جديد تعلو، الاثنان في وقت واحد.
*************************************
"أمي، يا أمي، أريد النقود التي أخبرتك عنها ليلة أمس، هناك شيء هام أريد شراءه على الفور، لقد كاد العرض ينفذ يا أمي"
"يا ولي الصابرين صبرني على تلك الفتاة الطائشة!"
كلمات قالتها بقلة حيلة داعية الله أن يمنحها الصبر على ابنتها التي ظنت يوما أن تخرجها من الجامعة قد يمنحها بعد التعقل، لكن ها هي الآن تجلس على الأريكة في غرفة المعيشة، تطالع الهاتف بيدها، عينيها تبرقان بلمعة شديدة، بينما تشاهد عرضا جديدا عن مجموعة عناية بالبشرة تغرق ذلك المدعو (الفيسبوك).
"ما الأمر رجوة، عرض جديد مغري كالعادة؟! ثم ماذا؟! خدعة كبرى مصيرها سلة القمامة مثل كل مرة! متى تدركين أن كل تلك العروض خلقت لخداع الغر مثلك من الفتيات الطائشات!"
بنفاذ صبر وضيق شديد من رعونة ابنتها نطقت بتلك الكلمات لتستمع بعدها لشكوى ابنتها التي تقول بنبرة مغتاظة:
"هكذا أنت على الدوام، لا تحبين شيئا مثل تكديري واصابتي بالإحباط واليأس، فتيات كثيرات يطلبن تلك العروض ويجدنها فعالة جدا، ليس معنى أنني قد أخفقت في عرض أو اثنان قد أصبحت طائشة يا أمي!"
نظرات ساخرة متهكمة هي ما وجهتها لابنتها تلك الشاكية، وبسخرية تامة هي ردت عليها قائلة:
"لا سمح الله ابنتي العاقلة الراشدة، لكنهم كانوا عشرة عروض وليس اثنان إن كنت تذكرين! والآن دعيني أعود واستكمل طعام الغداء، فقد اقترب موعد عودة والدك وأخويك للمنزل"
قالت ذلك ثم استقامت واقفة تريد التوجه لغرفة الطهي، تنهي الطعام الذي بدأت في تحضيره منذ حين، لتردد بصوت هامس بعدها وهي تضرب كفا على كف بحسرة شديدة:
"عرض جديد قال، و أنا التي ظننت أنها تريد النقود من أجل شراء هدية لموسى"
تمتمت لنفسها بتلك الكلمات غير مدركة لتلك التي تنصت لهمسها بتعجب شديد ثم تجري نحوها، تسألها بصوت حائر:
"نقود من أجل موسى! لمّا ذلك أمي؟! هل هناك شيء لا أعلمه عن ابن عمتي؟!"
لا تعلم بما تجيب على خائبة الرجاء تلك كما تطلق عليها دائما، حتى أنها علقت قائلة:
"ربي لا أسألك رد القضاء"
أكملت دعاؤها، ثم نظرت لابنتها شذرا بينما تقول:
"لو كنت تعيشين معنا في نفس العالم لكنت علمت أن يوم مولد موسى هو اليوم، سوف يقيم أصدقاؤه له حفلا في الخارج، والدك كان ينوي شراء هدية مولد له هو الآخر، لكن كما تعلمين أن تعيشين في عالم الالالاند كما يقولون، استمري في هذا صغيرتي، و أقسم بالله لن تجدي خاطبا واحد يطرق بابنا بسببك!"
رغم أن كلام والدتها الساخر والمتهكم جعلها تشعر بالضيق، لكنها اعتادت عليه، تعلم جيدا أن نوايا والدتها حسنة ولا تقصد سوءا منه، بنبرة ساخرة هي أجابت والدتها:
"موسى، أنت تعلمين جيدا أنني لا اطيقه، لو كان معاذ لكنت فعلت ذلك وجلبت له هدية مولد تليق به، ليس موسى ذلك المتعجرف السمج!"
"متعجرف و سمج، الله الله على تلك الثقافة و الألفاظ الواثقة، لقد أثمر فيك التعليم على ما يبدو، سبحان الله تلك الكلمات هي نفسها ما يقولها عنك موسى حينما نكون بصحبته، على ما يبدو هناك توارد أفكار عال بينكما يا رجوة"
فوجئت رجوة بتهكم والدتها على حديثها مرة أخرى، هي تعلم جيدا مدى نفورها من موسى، تلك الحالة من عدم التقبل السائدة بينهما، حتى أن هناك من يقول عنهما أنهما مثل "ناقر ونقير"
حينما يتواجدا سويا
لطالما هزأت والدتها منها على ذلك الأمر، بل زاد عن ذلك بأنها تعايرها بمدى تعلقها بموسى دون غيره في صغرها، مقسمة أنها كانت تلتصق به على الدوام.
بضيق زائف أخبرت والدتها:
"أنت هكذا دوما، تفضلين موسى علي أنا ابنتك، لدرجة أنني شككت يوما أنه هو ابنك وليس أنا! حسنا سوف اذهب إلى غرفتي محاولة أن أواسي نفسي على ذلك الظلم الذي أتعرض له في منزل والدي، على يد والدتي الحبيبة"
قالت ثم نهضت من جلستها، سارت بخطوات سريعة نحو غرفتها، راسمة على وجهها تعبير حزين، لتنظر والدتها في إثرها بقلة حيلة، عالمة أن ما تقوم به ابنتها الآن ما هو سوى حيلة جديدة كي تنفذ من مساعدتها في تحضير الغداء.
*************************************
"يا الله، لقد أحببت ذلك الثوب كثيرا، سوف اشتريه بكل تأكيد! يا فتاة، تعال إلى هنا، خذي هذا الثوب، لقد نويت شراءه"
ناولت فتاة المتجر الثوب الأحمر الصارخ الذي اختارت شراؤه، نظرت بعدها نحو صديقتها جانا التي أتت معها لذلك المتجر، استمعت لها وهي تقول بنبرة حائرة:
"لم تخبريني حتى الآن، ما الذي جعلك تغيرين رأيك وتهاتفيني من أجل اللقاء الآن وليس الثالثة عصرا كما اتفقنا ليلة أمس؟!"
بنفاذ صبر أجابت زاد على تطفل صديقتها جانا، فهي رغم أنها تحب صحبتها، لكنها تعلم مدى ثرثرتها، فلن تخبرها عن السبب الحقيقي وراء تقديم الموعد، وأنها لم تشأ الجلوس لفترة أطول مع ذلك السمج معاذ، الذي تتعجب كثيرا كونه الشقيق الأصغر لساكن قلبها موسى الراعي!
"لا شيء غير من رأي جانا، لكنني فكرت أن الذهاب مبكرا أفضل حيث نستطيع تجربة أكثر من مكان حتى نجد ما يثير اهتمامي!"
"هكذا إذا، حسنا، حمدا لله أنك وجدت ما يعجبك سريعا، أقصد بالطبع ذلك الثوب الأحمر الرائع، أتمنى أن أشاهدك به قريبا، فأنا أعلم جيدا أنك لا تنوي تجربته هنا في المتجر، أليس كذلك؟!"
أومأت زاد بضيق لجانا الساخرة، التي تعلم كالجميع رفض زاد تجربة أي شيء خارج منزلها، فهي تعلم مدى الحيل القذرة التي حذرها هارون منها حول قذارة أصحاب المتاجر الذين يضعون كاميرات في أماكن القياس لمراقبة النساء الراغبات في شراء الاثواب وقطع الملابس.
"آنستي، الحساب هو،،،، هل تنوين الدفع نقدا أم هناك بطاقة دفع مسبق؟!"
"هناك بطاقة فيزا ذهبية، هاك، قومي بخصم ثمن الثوب ثم اعيدي إياها إلي بعدها"
أومات الفتاة بطاعة إلى زاد التي كانت ترسم على وجهها ابتسامة هادئة بينما تناولها البطاقة، لم تعتاد التكبر يوما في التعامل مع نادل أو بائع، هكذا هي متمردة ربما، متعجرفة أحيانا لكنها ليست متكبرة على الإطلاق.
بينما جانا كانت رغما عنها تنظر بغيرة نحو زاد، تلك الفتاة التي حصلت على الكثير من متع الحياة، كونها فتاة وحيدة لا يوجد غيرها بصحبة شقيقها هارون بعدما توفيا والديهما، وحرص هارون على تدليلها وها هي تمتلك بطاقة ذهبية تستطيع شراء ما يخطر على بالها في أي وقت حتى لو كان قصر منيف!
************************************
على صوت غلق باب المنزل خرج موسى من غرفة الطهي حاملا في يده صنية بها عدة أطباق من الطعام، نظر نحو أخيه بنظرات قلقة بينما يسأله بنبرة حانية:
"ما الأمر معاذ! لقد قلقت عليك حقا، ليس من عادتك غلق الهاتف في هذا الوقت من اليوم! قمت بمهاتفتك خمس مرات وفي كل مرة يأتيني ردا بأن الهاتف مغلق، لولا طمأنة الكابتن لي لكنت الآن أجوب النادي باحثا عنك في جميع أنحائه؟!"
تنهيدة متعبة خرجت منه بينما يغمض عينيه معتصرا إياهما بقوة ويأس، لقد نوى حقا عدم العودة و تناول الغداء مع موسى، لكن تذكره أنه يوم مولده هو ما جعله يعود للمنزل، فلن يريد تعكير مزاجه لأخيه يوم المولد خاصته، بنبرة مثقلة بالهم هو قال:
"عذرا موسى، لقد نفذ شحن البطارية ولم أضعه لتلقي الشحن أثناء التدريب، لقد سهوت عن ذلك حقا"
قال ذلك، ليردد بعدها في داخله أن سامحني يا الله على تلك الكذبة البيضاء.
أنصت لكلمات أخيه الذي يبدو عليه البؤس الشديد، لم يشأ أن يجادله الآن، أومأ إليه بتفهم ثم قال بنبرة حانية:
"لا تهتم كثيرا، اذهب لغرفتك، غير ثيابك ثم تعال لتناول الغداء معي، ولا أريد سماع أية أعذار منك، فأنت تعلم جيدا أني لا أعود لتناول الغداء في المنزل إلا من أجلك أنت فقط"
واللعنة هو يعلم ذلك، لكم يود أن يركض بقوة نحو أخيه معانقا إياه بشدة، شاكيا له سبب حزنه وبؤسه، يخبره أنه السبب في معاناته، لكنه لن يفعل، موسى لا يستحق منه ذلك، أن يعلم كونه سبب في ضياع حاله.
بهدوء شديد أومأ إليه ثم سار بخطوات متمهلة نحو غرفته، لينفذ طلب أخيه وعدوه في العشق.
************************************
"هيا، هيا يا كسول، ألم أخبرك أن الحفل سيكون في الثامنة، لقد جعلتك تعود للمنزل حاصلا على إجازة من العمل كي تحصل على قسط وفير من الراحة ثم الاستعداد باكرا للحفل وها هي الساعة قد أضحت السابعة وأنت على ما يبدو لم تستيقظ بعد من النوم!"
نظر موسى بعدم تصديق نحو شاشة الهاتف في يده بعد تصريح هارون ذاك، لم يصدق كلماته حول أنها قد أضحت السابعة مساءا، لن يعقل أنه نام لخمس ساعات متواصلة! محال، لكنها كانت حقيقية واقعة.
خانته ضحكة ساخرة خرجت منه، وصلت لذلك المتباهي في الناحية الأخرى من الهاتف، ينظر لنفسه في المرآة، يتأمل تصفيفة شعره التي انتهى منها للتو بزهو شديد، ضحك هو الآخر ثم قال بنبرة متهكمة:
"يبدو أن يوم مولدك هذا موسى ليس مثل أي يوم، هناك نوادر كثر حدثت به، هيا قم من فراشك واحصل على حماما منعش، فالاصدقاء يلحون في اتصالاتهم منذ بداية اليوم، قم يا راعي قم"
ضحك الراعي مجددا وهو ينظر للهاتف المغلق أمامه بعد إنهاء هارون المكالمة كي يتيح الفرصة له للبدء في تجهيز نفسه لحفل مولده ذاك.
بعد عدة دقائق كان يمد يده نحو خزانة ملابسه، يختار بذلة مناسبة لتلك السهرة، و حينما احتار في اثنان، سار بهما نحو الخارج حيث معاذ يجلس في غرفة المعيشة يشاهد مباراة كرة قدم.
ذوق معاذ في اختيار الملابس للمناسبات لا تشوبه شائبة، لطالما حرص موسى على سؤاله رأيه حول أي بذلة هو يختار، والآن يفعل، ليختار معاذ بذلة بلون أزرق داكن، ليرسم موسى ابتسامة رضا بعدها و هو يعود لغرفته كي يبدأ في ارتداؤها.
بعد الانتهاء خرج من غرفته، وصل حيث يجلس معاذ، نظر نحوه بحيرة، سأله في تعجب قائلا:
"ما الأمر معاذ! لما لم تستعد إلى الآن، لقد أوشكت الساعة على أن تصبح الثامنة و أنت مازلت ترتدي ثياب المنزل، ألم أخبرك أن تستعد باكرا أثناء الغداء؟!"
يعلم أن لا ذنب لأخيه في مزاجه العكر ذاك، لكنه لا يستطيع الذهاب لأي احتفال اليوم، فوجع رأس شديد داهمه منذ ساعة تقريبا ولا طاقة له بحضور أي حفل، بنبرة حزينة هو قال:
"أنا آسف حقا موسى، لكن وجع الرأس قد أصابني وأنا لا أريد أن أكون عبئا عليك في الحفل وجعلك تقلق بشأني، لذا لن أستطيع الذهاب معك، اعدك سوف نحتفل غدا سويا به، لكن اليوم أريد أن أحصل على قسط وافر من النوم"
بقلق شديد نظر موسى لأخيه، كاد يخبره أنه لن يذهب هو الآخر لكنه تذكر هارون وما بذله في إعداد ذلك الحفل، كذلك الأصدقاء الذين يريدون رؤيته والاحتفال معه، بقلة حيلة هز رأسه بتفهم ثم قال له بنبرة حانية:
"سلامتك معاذ، كنت أود الجلوس معك هنا في المنزل لكنني وعدت هارون والأصدقاء بالحضور، سوف أحرص على العودة مبكرا كي اطمئن عليك"
نظر إليه معاذ بمؤازرة ثم قال:
"لا بأس موسى، عد متى شئت، سوف أعد لي كوب مركز من القهوة التي تذهب ذلك الوجع، أنت تعلم أن علاجها ذاك، ثم اشاهد تلك المباراة المملة كما ترى"
ضحكة ساخرة خرجت في نهاية حديثه ليشاركه موسى الضحك، يومئ له بحنو، ينظر إليه بشفقة، يعود أدراجه حيث غرفته، يصفف شعره، يضع محفظته الجلدية، هاتفه في جيبه، يمسك مفتاح سيارته الالكتروني ثم يسير للخارج، يلقي التحية على معاذ، يفتح باب المنزل، يعبر من خلاله، يغلقه خلفه بهدوء.
نهاية الفصل.