27
شعور الأمان الذي تملك كاتيا وهي بقرب ريان، ادخل السكينة إلى قلبها وجعلها مرتاحة إلى أقصى درجة، وهي تغدو هادئة بدون قلق.
وبقيت كاتيا طوال الليل نائم على كتف ريان، وهو لم تغفوا عيناه، بقي متيقظ في حال حدث أي شيء، وهو يراقب عيناها النعسنتين، ويتأمل أنفاسها الهادئة.
حتى بدأت أشعة الشمس تقترب وكأن النور سوف يطل على الارض من جديد.
بدأ ريان يحاول ان يجعل كاتيا تستيقظ، بهدوء وبطريقة لطيفة حدثها وقال لها: ألن تنهضي اليوم؟ هيا لقد بدأ كتفي يؤلمني، كم أنت ثقيلة.
على تلك الكلمة نهض فزع وقالت: من ثقيل؟ أنا؟! هل هكذا تتحدث عن يا ريان؟ حسنا دعني وشأني لا أريد أن تتحدث معي ثانية
وبدأت تشد جسدها بعد تلك النومة الطويلة، وتتثاءب وهو يضحك بجانبها، ثم قال: لقد انتهت المصالح في ما بيننا.
بعد أن شعرت كاتيا بأنها اصبحت اكثر نشاط قالت له: إلى أين الآن؟
رد عليه ريان وقال: سوف نغادر المكان في غضون ساعة، بدأت حركة الناس في المكان.
وهم يترقبون وينتظرون اللحظة المناسبة، وبعد مدة معينة من الوقت قال ريان: سوف ننطلق الآن، هل أنت جاهزة.
قالت له: نعم أنا على أتم الاستعداد.
أمسك ريان يدها ونهضت عن الأرض وبدأت رحلتهما في السوق للبحث عن وجهتهما للانتقال إلى المدينة المجاورة دون أن يلحظهما أي أحد.
مرو بين الناس في أرجاء السوق ينظرون إلى الخضار والفواكه بكل الاشكال والاصناف، وكانت طازج شهية، لكن للاسف لم يكونوا يملكون المال حتى يشتروا أي شيء.
مروا من أمام أحد الباعة وقال لهم: هل أنتما غربان عن المدينة؟
سأله ريان: كيف عرفت؟
رد عليه البائع: انا أبيع هنا منذ سنوات ولم أراكم، وسهل جدا أن اميز بين سكان المدينة والزوار فيها.
ابتسم ريان وقال له: لديك دقة ملاحظة قوية يا عم، نعم نحن هنا عابروا سبيل ليس أكثر.
فقام البائع بختيار افضل حبات الفواكه الموجودة على البسطة التي يبع عليه وقام بتقديمها لهما، وقال: تفضلا بتذوق هذه.
قالت له كاتيا: لا داعي لهذا يا عم، شكراً لك
لكن الرجل أصر على أن يأخذوها، ويتناولها، فقام ريان باخذها منه وشكره جداً على حسن تصرفه، ثم قال له: عمي أريد الذهاب للمدينة المجاورة كيف أصل لها؟
فقام الرجل البسبط بمساعدته وشرح الطريق له بسهولة، دون أي تكلف او تعقيدات.
من ثم كرر الشكر له وانصرف ريان وكاتيا في طريقهما، وكانا سعيدين جدا بحبات البرتقال التي قام الرجل باعطاءها لهم.
فقالت له كاتيا: كنت أظن بأننا سوف نموت جوعاً أو عطشا.
قال ريان وهو يقشر حبات البرتقال اللذيذة: لا يترك الله عبد من عباده مضى في طريق صادق نحوه.
صمتت كاتيا وانزلت رأسها، ظنت بأن ريان يقصدها بكلامه هذا.
وهو شعر بأنه اوصل لها قصد سيء، فقال: كاتيا ان لم أكن أعني أي سوء بكلامي.
ما كتت أقصده حينها هو أن كل مراء في دنيا يتعثر، ثم ينهض ويقترب من طريق الصواب وبتاكيد الله سوف يساعده ويكون معه في خطواته حتى وإن كانت بطيئة لكنها سوف تكون راسخة ثابتة مثل الجبال.
أومأت كاتيا رأسها وقالت له: لقد فهمت ما تعنيه، لكنني قد أكون حساسة في هذا الوقت لذا أبالغ في فهمي للأمور.
كان ريان قد انتهى من تقشير البرتقال فقدما لها واحد وقال: هذه لك تذوقيها.
قالت كاتيا: ماذا عنك؟
رد ريان يوجد المزيد سوف اتناول واحدة، قامت كاتيا بتذوق وقالت : اممم، إنها لذيذة جدا وحلوة المذاق.
وجلسوا في مكان جميل حتى تناولوا تلك البرتقالات ثم أكملوا طريقهم نحو المكان الذي يقصدونه.
وفي كل خطوة يقتربون فيها من المدينة، يقرع قلب ريان وهو يسأل نفسه: هل ما زالت كاتيا مصرة على ان تتركني وتذهب بمفردها؟
ثم يحدث نفسه ويقول: لا لربما قالت ذلك في لحظة غضب، وقد انقضى الأمر الآن.
وكان ريان يخشى أن يسألها عن أي شيء كي لا تظن بأنه يريد منها أن تذهب حقا وقد قام بسؤالها بغرض تذكيرها.
ثم قرر أن يبقى صامت حتى الوصول، ومن ثم يرى ما الذي قد يحدث بعدها.
لم يكن الأمر بعيد عن تفكير كاتيا فهي أيضاً تسأل نفسها: متى يمكنني ان اعتمد على نفسي؟ ماذا سوف يحصل لي عند ما يتركني ريان؟
ثم تنهدت بصمت وقالت: لكن لا بد لي أن أقوم بالاعتماد على ذاتي وأحمل عبء نفسي، فهو لم يكن مسؤول عني ويجب أن اكون اكثر التزام بنفسي.
ثم دمعت عينها دون ان تشعر، وحرصت على أن تخفي ذلك قبل ان يراها ريان ويسألها.
فهي لم تحب يوما أن يشفق عليها أحد، او أن يعاملها أحد كأنه يتصدق عليها، لذا كانت مصرة على أن تفعل ذلك دون أن تتراجع رغم حاجتها لوجوده معها طوال الوقت.
على مشارف المدينة الجديدة وصلوا، وقد شعروا بأنهم أصبحوا بمأمن ولم يعد الخطر محدق بهما.
عندها قالت له كاتيا بصوت خافت متقطع: رياان.
التفت لها وقال لها: نعم.
قالت له: لقد وصلنا.
ريان: أنا اعرف هذا، لكن ما الجديد؟
قالت كاتيا وهي تحاول ابتلاع تلك الدمعات التي تخنقها: يجب أن نفترق الآن.
حاول ريان ادعاء النسيان لعلها تبدل الموضوع: ولماذا؟ أخشى أن يفترسك نمر أو يلتهمك أسد.
ردت عليه كاتيا: هذا اتفاقنا منذ البداية وارجو منك أن تحترمه وتلتزم به فأنا لم أعدل عن رايي ووافقت على المجيء معك لانني اثق بك جدا
لم يكن لدى ريان ما يقوله فكل كلامها صحيح، لقد كان اتفاق منذ البداية، فقال له: لكن إلى أين سوف تذهبين؟
ردت عليه ورفعت أكتافها: لا أعرف ليس لدي وجهة معينه، لكن سوف أمضي وحيدة في طريق غربتي، وسوف أجد الدليل حين أكون في الإتجاه الصحيح.
قال ريان بتردد: هذا يعني أنك لن تقبلي بالبقاء معي؟!
هزت رأسها وقالت: لا استطبع هذا يكفي، علينا أن ننفصل كل منا في طريقه، يكفي ما حل بنا.
لم يكن بيد ريان أي حيلة ويخشى من الضغط عليها اكثر وقد تنفر منه ويصعب عليه ارضاؤها بعد ذلك، لم يدري ما يفعل ولكن لم يجد أمامه أي خيار أخر سوى تحقيق ما طلبت.
وقفت كاتيا مقابلة له وقالت: هل تسمح لي بأن اعانقك؟
توسعت حدقتا عيني ريان وقال بتردد: لماذا؟
ابتسمت والدمعة تلمع في مقلتها وقالت: اعتبرها أمنية لشخص ميت، امنية أخيرة، هل يمكنك تحقيقها.
صمت لبرهة يطالعها ويتأمل حالها بحرقة، ففتح يديه دون أن يتكلم اقتربت منه بهدوه وارتمت بين ذراعيه، وعانقته بقوة.
وكأنها ترغب أن تدخل بين أضلاعه، كان ريان مرتبك جدا لم يدري ماذا يفعل، لكنه فعل مثلها كي تشعر بطمأنينة أكثر.
وكانت قد أغمضت عيناها وتنفست بعمق شديد، وكأنها تلتقط أنفاسها الاخيرة قبل أن تختنق، لقد بدا عليها الحزن جدا في تلك اللحظة ولم تتمالك نفسها، واجهشت بالبكاء.
حاول أن يدعمها لكن ما باليد حيلة، أمضت عدة دقائق تحتضنه، ولكن كان لابد لها أن تنهي الحديث والعناق كي تنصرف، رغم أنها تتمنى أن تبقى بين ذراعي ريان فهي تعلم بأن اي سوء لن يمسها وهي معه.
قالت له: شكرا على كل شيء، لقد فعلت الكثير من اجلي وانا ممتنة لك كثيرا، لن تكفيك كلمات الشكر كلها، لكن لا أملك أي شيء آخر.
رد ريان: لا داعي لهذا فأنا أيضاً ممتن لك لو لم تكوني موجودة لما كنت أنا على قيد الحياة الآن، مدين لك بحباتي كلها اشكرك كاتيا أنت فتاة قوية.
كانت تلك اخر الكلمات، حينها لفت ظهرها وبدأت المسير باتجاه آخر بغيد عن ريان، أما هو فقد كان واقف يراقب خطواتها الثقيلة.
والخيبة ملئت قلبه، رغم رغبته بالبقاء معا لكنها لحياة لا تترك لنا أحد مهما كان حبنا له او تعلقنا به قوي فهءا لن يكفي علينا بذل المزيد.
بعد أن غابت عن ناظره كان عليه أن يبدأ مسيرته أيضاً في مكان أخرى وحده، غريب لا يعرف أحد ولا يعلم أين يذهب بنفسه فهو لا يملك المال ولا المأوى أصلا.
قرر الذهاب الى البلدية المسؤولة عن المنطقة لعله يجد مأوى وبعض الطعام، لقد خارت قواه من شدة التعب والجوع والبرد أيضا.
في مركز البلدية كان المسؤول عنها وبعض الموظفين متواجدين وكان الدوام على وشك الانتهاء.
حين وصل ريان وكان حاله بأس، رفض الحارس أن يسمح له بدخول، وقال له: هذا ليس مركز للتسول اذهب من هنا لا نستطيع ان نستقبلك.
على صوت ريان وهو يصرخ في الخارج يريد مقابلة المدير، او أحد المسؤولين القادرين على مساعدته.
وهو يحاول ان يكتم صوته، لكن لا جدوى، وصل الصوت إلى غرفة المدير، فخرج ليرى ما الذي قد حدث فقال: ما كل هذه الجلبة؟
حين رآه ريان أدرك أنه موظف مهم فقال له: سيدي أرجوك ساعدني.
ثم أضاف: انا لست متسول ولا اشحد المال، لكنني جئت من مكان بعيد ارجوك ساعدني.
طالعه المدير وقال: ما الذي تريده؟
قال له ريان: بعض الطعام والمأوى حتى استطيع تدبر أموري لايام معدودة أرجوك ان تساعدني.
رد عليه المدير: هذا ليس مركز ايواء.
ثم هم بالدخول إلى المبنى، لكن ريان كان يتوسل بشدة حتى أنه انحنى عند قدميه، وحاول أن يقبلها وهو يقول: أرجوك لا تتركني في الشارع.
أشفق المدير عليه وشعر أنه بحاجة إلى المساعدة حقا.
فقال للحارس: دعه يدخل.
وقال لريان هيا اتبعني.
ارتسمت السعادة على وجه ريان، وبدأ يردد ويكرر عبارات الامتنان والشكر الهالصة إلى المدير، بعد أن وافق على احتواءه لبعض الوقت وهذا كان مل ما يتمناه حسنها.
يتب ع
وبقيت كاتيا طوال الليل نائم على كتف ريان، وهو لم تغفوا عيناه، بقي متيقظ في حال حدث أي شيء، وهو يراقب عيناها النعسنتين، ويتأمل أنفاسها الهادئة.
حتى بدأت أشعة الشمس تقترب وكأن النور سوف يطل على الارض من جديد.
بدأ ريان يحاول ان يجعل كاتيا تستيقظ، بهدوء وبطريقة لطيفة حدثها وقال لها: ألن تنهضي اليوم؟ هيا لقد بدأ كتفي يؤلمني، كم أنت ثقيلة.
على تلك الكلمة نهض فزع وقالت: من ثقيل؟ أنا؟! هل هكذا تتحدث عن يا ريان؟ حسنا دعني وشأني لا أريد أن تتحدث معي ثانية
وبدأت تشد جسدها بعد تلك النومة الطويلة، وتتثاءب وهو يضحك بجانبها، ثم قال: لقد انتهت المصالح في ما بيننا.
بعد أن شعرت كاتيا بأنها اصبحت اكثر نشاط قالت له: إلى أين الآن؟
رد عليه ريان وقال: سوف نغادر المكان في غضون ساعة، بدأت حركة الناس في المكان.
وهم يترقبون وينتظرون اللحظة المناسبة، وبعد مدة معينة من الوقت قال ريان: سوف ننطلق الآن، هل أنت جاهزة.
قالت له: نعم أنا على أتم الاستعداد.
أمسك ريان يدها ونهضت عن الأرض وبدأت رحلتهما في السوق للبحث عن وجهتهما للانتقال إلى المدينة المجاورة دون أن يلحظهما أي أحد.
مرو بين الناس في أرجاء السوق ينظرون إلى الخضار والفواكه بكل الاشكال والاصناف، وكانت طازج شهية، لكن للاسف لم يكونوا يملكون المال حتى يشتروا أي شيء.
مروا من أمام أحد الباعة وقال لهم: هل أنتما غربان عن المدينة؟
سأله ريان: كيف عرفت؟
رد عليه البائع: انا أبيع هنا منذ سنوات ولم أراكم، وسهل جدا أن اميز بين سكان المدينة والزوار فيها.
ابتسم ريان وقال له: لديك دقة ملاحظة قوية يا عم، نعم نحن هنا عابروا سبيل ليس أكثر.
فقام البائع بختيار افضل حبات الفواكه الموجودة على البسطة التي يبع عليه وقام بتقديمها لهما، وقال: تفضلا بتذوق هذه.
قالت له كاتيا: لا داعي لهذا يا عم، شكراً لك
لكن الرجل أصر على أن يأخذوها، ويتناولها، فقام ريان باخذها منه وشكره جداً على حسن تصرفه، ثم قال له: عمي أريد الذهاب للمدينة المجاورة كيف أصل لها؟
فقام الرجل البسبط بمساعدته وشرح الطريق له بسهولة، دون أي تكلف او تعقيدات.
من ثم كرر الشكر له وانصرف ريان وكاتيا في طريقهما، وكانا سعيدين جدا بحبات البرتقال التي قام الرجل باعطاءها لهم.
فقالت له كاتيا: كنت أظن بأننا سوف نموت جوعاً أو عطشا.
قال ريان وهو يقشر حبات البرتقال اللذيذة: لا يترك الله عبد من عباده مضى في طريق صادق نحوه.
صمتت كاتيا وانزلت رأسها، ظنت بأن ريان يقصدها بكلامه هذا.
وهو شعر بأنه اوصل لها قصد سيء، فقال: كاتيا ان لم أكن أعني أي سوء بكلامي.
ما كتت أقصده حينها هو أن كل مراء في دنيا يتعثر، ثم ينهض ويقترب من طريق الصواب وبتاكيد الله سوف يساعده ويكون معه في خطواته حتى وإن كانت بطيئة لكنها سوف تكون راسخة ثابتة مثل الجبال.
أومأت كاتيا رأسها وقالت له: لقد فهمت ما تعنيه، لكنني قد أكون حساسة في هذا الوقت لذا أبالغ في فهمي للأمور.
كان ريان قد انتهى من تقشير البرتقال فقدما لها واحد وقال: هذه لك تذوقيها.
قالت كاتيا: ماذا عنك؟
رد ريان يوجد المزيد سوف اتناول واحدة، قامت كاتيا بتذوق وقالت : اممم، إنها لذيذة جدا وحلوة المذاق.
وجلسوا في مكان جميل حتى تناولوا تلك البرتقالات ثم أكملوا طريقهم نحو المكان الذي يقصدونه.
وفي كل خطوة يقتربون فيها من المدينة، يقرع قلب ريان وهو يسأل نفسه: هل ما زالت كاتيا مصرة على ان تتركني وتذهب بمفردها؟
ثم يحدث نفسه ويقول: لا لربما قالت ذلك في لحظة غضب، وقد انقضى الأمر الآن.
وكان ريان يخشى أن يسألها عن أي شيء كي لا تظن بأنه يريد منها أن تذهب حقا وقد قام بسؤالها بغرض تذكيرها.
ثم قرر أن يبقى صامت حتى الوصول، ومن ثم يرى ما الذي قد يحدث بعدها.
لم يكن الأمر بعيد عن تفكير كاتيا فهي أيضاً تسأل نفسها: متى يمكنني ان اعتمد على نفسي؟ ماذا سوف يحصل لي عند ما يتركني ريان؟
ثم تنهدت بصمت وقالت: لكن لا بد لي أن أقوم بالاعتماد على ذاتي وأحمل عبء نفسي، فهو لم يكن مسؤول عني ويجب أن اكون اكثر التزام بنفسي.
ثم دمعت عينها دون ان تشعر، وحرصت على أن تخفي ذلك قبل ان يراها ريان ويسألها.
فهي لم تحب يوما أن يشفق عليها أحد، او أن يعاملها أحد كأنه يتصدق عليها، لذا كانت مصرة على أن تفعل ذلك دون أن تتراجع رغم حاجتها لوجوده معها طوال الوقت.
على مشارف المدينة الجديدة وصلوا، وقد شعروا بأنهم أصبحوا بمأمن ولم يعد الخطر محدق بهما.
عندها قالت له كاتيا بصوت خافت متقطع: رياان.
التفت لها وقال لها: نعم.
قالت له: لقد وصلنا.
ريان: أنا اعرف هذا، لكن ما الجديد؟
قالت كاتيا وهي تحاول ابتلاع تلك الدمعات التي تخنقها: يجب أن نفترق الآن.
حاول ريان ادعاء النسيان لعلها تبدل الموضوع: ولماذا؟ أخشى أن يفترسك نمر أو يلتهمك أسد.
ردت عليه كاتيا: هذا اتفاقنا منذ البداية وارجو منك أن تحترمه وتلتزم به فأنا لم أعدل عن رايي ووافقت على المجيء معك لانني اثق بك جدا
لم يكن لدى ريان ما يقوله فكل كلامها صحيح، لقد كان اتفاق منذ البداية، فقال له: لكن إلى أين سوف تذهبين؟
ردت عليه ورفعت أكتافها: لا أعرف ليس لدي وجهة معينه، لكن سوف أمضي وحيدة في طريق غربتي، وسوف أجد الدليل حين أكون في الإتجاه الصحيح.
قال ريان بتردد: هذا يعني أنك لن تقبلي بالبقاء معي؟!
هزت رأسها وقالت: لا استطبع هذا يكفي، علينا أن ننفصل كل منا في طريقه، يكفي ما حل بنا.
لم يكن بيد ريان أي حيلة ويخشى من الضغط عليها اكثر وقد تنفر منه ويصعب عليه ارضاؤها بعد ذلك، لم يدري ما يفعل ولكن لم يجد أمامه أي خيار أخر سوى تحقيق ما طلبت.
وقفت كاتيا مقابلة له وقالت: هل تسمح لي بأن اعانقك؟
توسعت حدقتا عيني ريان وقال بتردد: لماذا؟
ابتسمت والدمعة تلمع في مقلتها وقالت: اعتبرها أمنية لشخص ميت، امنية أخيرة، هل يمكنك تحقيقها.
صمت لبرهة يطالعها ويتأمل حالها بحرقة، ففتح يديه دون أن يتكلم اقتربت منه بهدوه وارتمت بين ذراعيه، وعانقته بقوة.
وكأنها ترغب أن تدخل بين أضلاعه، كان ريان مرتبك جدا لم يدري ماذا يفعل، لكنه فعل مثلها كي تشعر بطمأنينة أكثر.
وكانت قد أغمضت عيناها وتنفست بعمق شديد، وكأنها تلتقط أنفاسها الاخيرة قبل أن تختنق، لقد بدا عليها الحزن جدا في تلك اللحظة ولم تتمالك نفسها، واجهشت بالبكاء.
حاول أن يدعمها لكن ما باليد حيلة، أمضت عدة دقائق تحتضنه، ولكن كان لابد لها أن تنهي الحديث والعناق كي تنصرف، رغم أنها تتمنى أن تبقى بين ذراعي ريان فهي تعلم بأن اي سوء لن يمسها وهي معه.
قالت له: شكرا على كل شيء، لقد فعلت الكثير من اجلي وانا ممتنة لك كثيرا، لن تكفيك كلمات الشكر كلها، لكن لا أملك أي شيء آخر.
رد ريان: لا داعي لهذا فأنا أيضاً ممتن لك لو لم تكوني موجودة لما كنت أنا على قيد الحياة الآن، مدين لك بحباتي كلها اشكرك كاتيا أنت فتاة قوية.
كانت تلك اخر الكلمات، حينها لفت ظهرها وبدأت المسير باتجاه آخر بغيد عن ريان، أما هو فقد كان واقف يراقب خطواتها الثقيلة.
والخيبة ملئت قلبه، رغم رغبته بالبقاء معا لكنها لحياة لا تترك لنا أحد مهما كان حبنا له او تعلقنا به قوي فهءا لن يكفي علينا بذل المزيد.
بعد أن غابت عن ناظره كان عليه أن يبدأ مسيرته أيضاً في مكان أخرى وحده، غريب لا يعرف أحد ولا يعلم أين يذهب بنفسه فهو لا يملك المال ولا المأوى أصلا.
قرر الذهاب الى البلدية المسؤولة عن المنطقة لعله يجد مأوى وبعض الطعام، لقد خارت قواه من شدة التعب والجوع والبرد أيضا.
في مركز البلدية كان المسؤول عنها وبعض الموظفين متواجدين وكان الدوام على وشك الانتهاء.
حين وصل ريان وكان حاله بأس، رفض الحارس أن يسمح له بدخول، وقال له: هذا ليس مركز للتسول اذهب من هنا لا نستطيع ان نستقبلك.
على صوت ريان وهو يصرخ في الخارج يريد مقابلة المدير، او أحد المسؤولين القادرين على مساعدته.
وهو يحاول ان يكتم صوته، لكن لا جدوى، وصل الصوت إلى غرفة المدير، فخرج ليرى ما الذي قد حدث فقال: ما كل هذه الجلبة؟
حين رآه ريان أدرك أنه موظف مهم فقال له: سيدي أرجوك ساعدني.
ثم أضاف: انا لست متسول ولا اشحد المال، لكنني جئت من مكان بعيد ارجوك ساعدني.
طالعه المدير وقال: ما الذي تريده؟
قال له ريان: بعض الطعام والمأوى حتى استطيع تدبر أموري لايام معدودة أرجوك ان تساعدني.
رد عليه المدير: هذا ليس مركز ايواء.
ثم هم بالدخول إلى المبنى، لكن ريان كان يتوسل بشدة حتى أنه انحنى عند قدميه، وحاول أن يقبلها وهو يقول: أرجوك لا تتركني في الشارع.
أشفق المدير عليه وشعر أنه بحاجة إلى المساعدة حقا.
فقال للحارس: دعه يدخل.
وقال لريان هيا اتبعني.
ارتسمت السعادة على وجه ريان، وبدأ يردد ويكرر عبارات الامتنان والشكر الهالصة إلى المدير، بعد أن وافق على احتواءه لبعض الوقت وهذا كان مل ما يتمناه حسنها.
يتب ع