24

كانت ميرا غاضبة من تصرفات زوجة أبيها، لكنها تبتعد عن استفزازها من أجل والدها، وكي يبقى الجو هادئ في المنزل قدر الامكان.

انهت ديمة ما كانت تعده، وذهبت حيث كان يوجد زوجها تجلس بقربه تحاول النقاش معه عن شركة وفهم ما يدور فيها من مشاريع وأعمال وأين يكون الإستثمار الأكبر.

وكل همها حينها بأن تعلم المزيد عن خبايا الشركة وما يدور خلف كواليسها.

وكان عاصم يشرح لها ويعطيها بعض النصائح والتعليمات التي يجب عليها أن تتبعهم حين تبدأ العمل كي لا تقع في المتاعب أو تتسبب بخسائر للشركة دون قصد ويكون ضريبتها كبير تدفع من مخزون الشركة ويقلل من سعر الاسهم.

وفي صبيحة اليوم التالي استيقظ عاصم، لم يجد ديمة بجانبه على غير العادة.

فهو يعلم بأنه لا تنهض باكراً، وحتى أنها تتأخر في اعداد القهوة والجلوس من الفراش.

انتظر لبعض الوقت ظنن منه أنها قد تكون في الحمام أو تفعل شيء ما، لكنها لم تأتي.

نهض هو من فراشه، نظر إلى الساعة التي كانت بجانبه، واذا هي تشير إلى الساعة الثامنة والنصف.

ثم بدأ يبحث عنها لم يجدها في الحمام ولا في المطبخ، والغريب أنها لم تكن في الصالة أيضاً.

سأل نفسه: وأين تكون هذه يا ترى؟ أين ذهبت في مثل هذا الوقت من الصباح الباكر؟! إنه غريب .



اتصل بها على هاتفها، لتجيبه بصوت مشرق مليئ بالحيوية والنشاط: صباح الخير يا عزيزي، هل استيقظت؟

رد عليه وهو لم يفهم شيء وقال: نعم لقد استيقظت، أين أنت؟؛

ردت عليه ديمة بنبرة ودودة: لقد تركت لك فطورك على الطاولة في المكتب.

قال لها بحزم وقد بدأ يشعر بالقلق: أقل لك أين انت الآن؟ أجيبي؟!

ردت عليه ديمة: أنا هنا ذاهبة إلى العمل.

عقد عاصم حاجبيه وقال: أي عمل هذا؟؛

أجابته ديمة: إلى الشركة، أم أنك نسيت ما عليي فعله يا حبي.

عندها بدأت الصورة تصبح أكثر وضوح بالنسبة لعاصم وقال لها: لماذا لم تخبريني عن ذهابك؟

قالت له: لقد خشيت أن أفسد نومك.

شعر عاصم بالغضب فهو لم يعتد أمر مثل هذا، فقال لها: عودي من حيث أنت.

استنكرت ديمة طلب زوجها ولم تكن تتوقعه أبدا، فقللت له: ولماذا أعود؟ ما الذي حدث؟

على صوت عاصم حينها قال: قلت لك عودي من حيث أنت ولا تجادلي.

ثم أغلق الهاتف، وجلس ينتظرها، أما ديمة فكانت تشتعل لهب من نار غيظها، ولم تكن تدري ناذا تفعل وهل حقا تعود أم أنها لا تلقي بال لما يحدث، وعند المساء سوف يحل كل شيء.

وبعد تفكير عميق قررت أن لا تكترث وتستمر في وجهتها، لن يتمكن من فعل شيء بل سيكون تغير مزاجه إلى المساء.

ولكن بعد مرور ساعة من الوقت أيقن عاصم أنها لن تعود إلى البيت إلا بعد انتهاء الدوام.

فقرر أن يذهب هو إليها ويحضرها، وخطة ديمة كانت في حال عودتها وغضبه أن تقوم ببعض الأساليب التي تجيدها فهي تتقن جدا الطرق المحببة لقلب الزوجها.

بعد ان تجهز كانت ميرا قد استيقظت، راته وهو خارج قالت له: إلى أين يا أبي؟

لم يجبها إنما أشار لها بأنه سوف يعود، ذهبت تبحث عن دينة لم تجدها علمت حينها بأنها هي سبب ما يحدث منذ الصباح.

وبعد ما خرج تفاجئ بأن السيارة ليست موجودة، ومن المؤكد بأن ديمة من استقلتها عند ذهابها صباحاً.

هذا ما زاد من حدة غضبه أكثر، وجلعه يتحدث مع نفسه غاضب ويقول بعض الشتائم والكلمات القبيحة.

ذهب إلى الطريق العام واوقف سيارة أجرة تقله إلى حيث كان ينوي الذهاب حيث الشركة.

وكان يتأفف طوال الطريق ويشعر بضيق في أنفاسه، حاول ضبط نفسه ولكن الأمر يزداد سوء.

وما هي إلا بضع دقائق حتى وصل وجهته المنشودة، نزل من السيارة نحو الشركة، وكان الغضب واضح على محياه.

لم يلقي التحية على أحد، بل كان يقصد مكان واحد لا غير، وما إن وصل إلى مكتب الإدارة سأل عنها وقال: هل ديمة هنا؟!

أجابت الموظفة المسؤولة عن المكان بنعم.

دخل إليها بسرعة دون أن يطرق الباب حتى، بل كانت طريقة هجومية واضحة.

ارتعدت ديمة من الخوف وقالت لها بنبرة فيها عجب: عاصم! ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هل كل شيء على ما يرام؟!

رد عليه ساخراً: أتيت بسيارة أجرة، زوجتي المصون أخذت السيارة وخرجت من البيت دون علم مني.

قالت له: أرجوك لا تعقد الأمور وتدعي صعوبتها، أنا هنا في الشركة أعمل لم اذهب لزيارة أحد او لشرب القهوة.

رد عليها عاصم: طلبت منك أن تعودي إلى البيت لم تستجيبي.

قالت له: أهذا ليس عملي؟ وأنت من وافق عليه؟ لما تعارض الآن ما الذي تغير في نظرك؟ أم أنك تخشى أن اكون ناجحة قوية لا احتاج إلى وجودك؟!

ضربت الطاولة بقوة وقال لها: سوف نغادر الآن إلى المنازل، هيا.

قالت ديمة وهي مصممة على قرارها: لا لن أفعل ولا تريد الذهاب إلى أي مكان.

رد عليه وهو متماسك قليلا يكتم غيظه: دعينا نعود إلى البيت، ولا ندع الأمور تتفاقم هنا.

بين صد ورد بينهم شعرت ديمة يأن الأمر لن يفلح هكذا ويتوجب عليها أن تسمع طلب زوجها وتغادر، قبل أنزتعلو الأصوات أمام الناس، وسوف تتشوه صورتها أمامهم.

وبالفعل قامت باخذ أغراضها، وخرجت أمام عاصم وكأن أمر لم يكن، والقت التحية على الموظفة الموجودة وغادرت.

تبع خطواتها عاصم وغادر خلفها، إلا أن خلافهما مان واضح للعيان ولا يحتاج لشرح.

في السيارة صعدت ديمة، وكتفت نفسها، لقد كانت مستاءة جدا من تصرف عاصم.

صعد عاصم وهو من سوف يقوم بقيادة السيارة، طرق الباب بقوة وكان غاضب جدا.

قالت له ديمة: هل كان لائق ما فعلته هنا؟

التفت إليها وقال: وهل كان جيد ما فعلته؟

اتتفضت تقول: لا ترد على سؤالي بسؤال.

ضغط عاصم عندها على دواسة البنزين وزاد من سرعة سيارته، شعرت ديمة بالقلق وقالت له قلل السرعة لا تفعل مثل هذا، ولا تتصرف بطريقة هوجاء.

إلا أنه لم يلقي لها بال وقال: هل تخافين على نفسك مني يا عزيزتي؟ كل شيء على ما يرام.

بدأت ديمة تصرخ وتتوسل له، ارجوك توقف هذا ليس تحدي سرعة، أنا خائفة.

لكن عاصم لم يلقي لما قالته أي اهتمام.

بل قال لها: ألم اطلب منك العودة؟ لم تستجيبي لطلبي، ما الذي يجبرني الآن على الانصياع لما تريدين؟

قال له ديمة: أنا اسفة ارجوك لا تفعل هذا كف عن السرعة، اعتذر، لقد ارتكبت خطأ في حقك ولن اكرر الأمر أبدا.

لكنه لم يكترث أيضا، وكان عاصم يحرك السيارة يمين وشمال بطريقة قاسية تزيد من حدة الخوف في نفس ديمة.

وعندما اقتربوا نن الوصول إلى البيت، بدأ يخفف بشكل تدريجي سرعة قيادته، حتى وصل للحد الطبيعي وتنفست ديمة الصعداء.

نزلت ديمة من السيارة مسرعة وهي تبكي بحرقة وغضب، فقال لها عاصم: هذا المرة سأكتفي بما حدث، أما المرة القادمة لن ينتهي الأمر بسهولة.

كانت ميرا بحالة دهشة، ما الذي حصل؟ كيف حدث هذا ما سر الخوف الكبير الذي تراه في عيني ديمة، ماذا فعلت حتى أشعلت غضب والدها.

سألته قائلة: ابي ما الذي حدث؟

لم يكن عاصم قادر على الإجابة، لقد كان متعب جدا، وحاله سيء رغم تحذيرات الطبيب له بأنه يجب عليه الابتعاد عن نوبات الغضب والحزن الشديد إلا أن حاله متخبط، لم يعد على طبيعته.

أدركت ميرا بأن والدها يمر بحال صحي سيء، ركضت بسرعة كي تحضر الدواء الذي وصفه الطبيب له في مثل هذه الحالات الطارئة.

وبعد أن شرب دواءه حاولت أن تجعل جسده أكثر راحة كي يصله الأوكسجين بطريقة جيد.

إلا أنه قال لها: لا تقلقي لكن احتاج لبعض الوقت كي يعود الحال إلى طبيعته.

لم تقتنع ميرا بهذا الكلام فقامت بالاتصال بشكل فوري على الطبيب، وطلبت منه حل وقالت: حضرة الطبيب، لقد تعرض أبي لنوبة غضب وهو متعب والارهاق باد على وجهه ماذا يتوجب عليي أن أفعل؟

سألها الطبيب بعض الأسئلة للسريعة وقامت بالإجابة عليها، ثم قال لها: عليك مراقبته لمدة ست ساعات بشكل دقيق إذا بقي على هذا الحال يجب أن يأتي الينا بشكل سريع.

وفي حال تحسنه لا بأس، لكن يجب أن تجعل موعد زيترته أقرب من الذي حدد له، وعلى هذا الاساس اتفق الطبيب مع ميرا.

وبقيت ميرا طوال الوقت بجوار والدها لا تفارقه أبدا، بل على العكس تطالع كل حركة مهما كانت صغيرة أو اشارة بسيطة حتى لا يغيب عن بالها..

وهنا غط عاصم في نوم عميق، وبقيت ميرا بجواره، بعد مرور ساعتين نزلت ديمة إلى الطابق الذي يوجد فيه عاصم وابنته.

وقالت لها: ما حاله؟

ردت ميرا وهي تنظر بطرف عينها: وهل يهمك؟

ردت عليها ديمة: بالطبع هذا زوجي.

ضحكت ميرا متهكمة: لم يصل زوجك إلى هذا الحالة إلى بفضل جهودك أيتها السيدة المهتمة.

ردت عليه ديمة: ليس من ضروري ان تري اهتمامي وماذا افعل من أجل والدك أنا افعل واجبي، ولربما أكثر.

قالت ميرا: وها واجبك أن تجعليه يفقد عقله، وهذا اكثر ما يضر بصحته ويزد حاله سوء؟ عن أي اهتمام تتحدثين؟

قطعت ديمة النقاش حينها فهي تعلم بأنها مذنبة، وعادت إلى غرفتها تجر اذيال الخيبة والغضب من كلام ميرا الذي سمعته.

وفي الغرفة، تصول وتجول وهي تفكر بمكيدة، وقالت ديمة محدثة نفسها: عليي أن استغل الوضع وأن احقق كل ما أريد قبل أن يلاحظ عاصم، وافقد زمام الأمور وتخرج عن سيطرتي، وانا يطبع لن أسمح بهذا مهما كلف.

كل ما يهم ديمة في ذلك الوقت ما سوف تخرج به من ورثة بعد وفاة عاصم، فهي تتمنى أن يكون مرضه هذا قاض له.

وبهذا تكون قد حصلت على أموال كثيرة، وتخلصت منه وتعود لتتزوج بحبيبها السابق.

حبيبها السابق؟!

قبل خمس سنوات كانت ديمة على علاقة مع شاب فس نفس عمرها تقريبا.

واستمروا معا، ما يقارب السنة والنص أو ربما أكثر، وكان يقول لها: أتمنى أن تكوني زوجتي في يوم من الأيام.

لتسأله هي: وما الذي يمنع من تحقيق هذه الأمنية؟

ليخبرها حينها قائلاً: عائلتي.

لم تفهم ديمة فقالت: ولماذا قد ترفضني عائلتك؟

تنهد وقال الشاب: أنت في نفس عمري، ومن خارج العائلة، لذا لن تناسبي عائلتي.

قالت ديمة مستنكرة: وماذا يعني كل ما قلته مجرد أشياء بسيطة لا داعي للوقوف عندها أساس.

ليخبرها الشاب حينها: بل هذه اساسيات بالنسبة لنا، وأنا اعرف هذا جيدا، لذا ارجوك لا تنتظري مني أي خطوة جدية في إطار هذا الموضوع في قادم الأيام.

ومع مرور الوقت تفهمت ديمة حاله، ولم تطالبه بأي شيء، رغم هذا فهي لم تكن قادرة على التخلي عنه، فقد وصل بها الحال أن تكون متيمة به ولا تقوى فراقه.

وقبلت ان تكون معه حتى النهاية، ودائما تخشى ان يأتي اليوم الذي يخبرها فيه بأن موضوع زواجه من فتاة اخرى قد اقترب ..

وحدث ذلك حين ..

يتبع .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي