الفصل الخامس والعشرون هربت
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تنظر له:
-لا يوجد شيء يا بدر، لماذا تسأل؟!
حرك بدر رأسه بنفي وهو يعلم أن التوتر ينال منه هذه الأيام، كانت تنظر له وهي تخبر نفسها أنها ستحترم قلبها هذه المرة، لن تجعل غضبها منه يتحكم بها، سوف تودعه بطريقة تليق بحبها، قامت بضمه لتشعر بتصلب جسده:
-ماذا تفعلين يا بيلا؟ من الممكن أن يمر أحد من هنا في أي لحظة.
شعرت بتمزق قلبها لتبتعد عنه وما زالت تبتسم كما لو كانت تشعر بالراحة، لم يكن يريدها أن تبقى هنا حتى لا ترى أمل وربما تقول لها شيء من الممكن أن يضايقها:
-اصعدي إلى غرفتكِ يا بيلا، لدي شيء سأفعله في الخارج وأعود.
اومأت له وهو يلاحظ نظراتها له، لا يعلم ما الذي حدث لها، لقد كانت مختلفة هذا اليوم كثيرًا، كانت هادئة ولكن هدوئها هذا اقلقه، صعدت بالفعل ولكنها التقت بأمل التي قامت بارتداء ملابس مناسبة للخروج، لم تغفل أمل عن بيلا وتحدثت إليها على الفور:
-ألا ترغبين في شيء لأجلبه معي أنا وبدر عندما نعود؟
نظرت بيلا لها وهي تحرك رأسها بنفي، اوشكت على الصعود لتتابع أمل حديثها:
-سوف نتناول الغداء في الخارج يا بيلا فكري هل تريدي أن نجلب لكِ طعام خاص؟
حركت بيلا رأسها بنفي والتفتت لها قائلة:
-شكرًا لكِ يا أمل.
ذهبت بيلا إلى الغرفة وهي تحيط رأسها بيديها، لا تعلم هل اخطأت في حق أمل بسبب ضعفها أمام أمل أم أنها الضحية الوحيدة هنا؟! شعرت بالكثير من الضيق وقررت أن الوقت المناسب للهروب هو عندما يذهب بدر لصلاة الفجر، وقتها هي سوف تأخذ الحقيبة وسيكون المنزل هادئ ويمكنها الهرب وقتها.
من الجيد أنها تحفظ الطرق بسرعة، لقد كادت أن تخرج من القرية مع بيري عدة مرات وتعلم الطريق إلى الخارج، تمنت لو كل شيء يسير كما خططت له ولا يحدث شيء يُفسد ما كانت تخطط له.
بالفعل خرج بدر مع أمل وقد طال وقت جلوسهم في الخارج، هبطت بيلا للجلوس مع أسماء وبيري، تعلم أنها سوف تشتاق إليهم وتحاول أن تشبع عينيها من رؤيتهم، كانت أسماء تنظر إلى الساعة وهي تشعر بالكثير من الضيق، سألتها بيلا بحيرة:
-ما الأمر يا أمي؟ اخبريني هل هناك شيء خاطئ؟!
حركت أسماء رأسها بنفي وهي تبتسم، تعجبت من هدوء بيلا وعدم ظهور أي شيء على وجهها، تساءلت ألا تشعر بالغيرة على بدر يا ترى؟ دلف أنس في هذا الوقت وابتسم عندما رأى بيلا لتتجاهل النظر إليه تمامًا، تحدث وهو ينظر لها:
-من الغريب جلوسكِ هنا في هذا الوقت يا بيلا!
تحدثت إليه أسماء بتحذير:
-لا تزعجها يا أنس لا يوجد لك شأن بها.
اقترب أنس وهو يبتسم ومن ثم جلس بجوارها على الأريكة:
-لن أزعجها يا أمي، لقد تعلمت الدرس عندما قام بدر بضربي، حتى أنني خفت هل لاحظتِ هذا الأمر يا بيلا؟
لم تنظر له بيلا ولم تتحدث معه، كانت تخبر نفسها أن رحيلها سوف يجعلها ترتاح من رؤية وجه أنس دون شك، سمعته يسأل من جديد:
-أين بدر يا ترى؟ هل نام هو وأمل باكرًا؟!
حركت أسماء رأسها بنفي واجابته بيري:
-لقد خرجوا لتناولوا الغداء معًا وإلى الآن لم يعودوا.
ابتسم أنس وهو يعيد النظر إلى بيلا غامزًا لها:
-يبدو أن بوجود أمل هنا بدر سوف ينسى أمركِ تمامًا.
انفعلت أسماء وهي تنظر له وترغب في الوقوف وتسديد له الضربات:
-ما الذي أصاب عقلك يا أنس؟ ألا تفهم معنى حديثي أم ماذا؟ لا تزعجها بكلماتك التافهة تلك.
نظر أنس إلى الباب المفتوح ولاحظ أن بدر وأمل على وشك الدخول، قرر أنه سيستفز بدر من جديد، قام بوضع يده على وجنة بيلا وهي تعجبت من فعلته، تحدث إليها بلين عكس العادي:
-أنا أمزح معكِ يا بيلا، لا تشعري بالضيق أرجوكِ.
امسكت بيده لتبعدها ولكنها تفاجأت به يربت على شعرها:
-اهدئي ولا تغضبي مني إذا سمحتِ.
سمعوا صوت بدر وهو ينادي بيلا بصوته الجهوري:
-بيلا تعالي إلى هنا حالًا.
وقفت بيلا بعفوية وهي لا تعلم ما الذي حدث له ليجعله يأتي إلى المنزل وهو في قمة غضبه، نظرت أمل له وكان وجهها غاضب، يبدو أن اليوم لم يكن لطيف كما توقعوا جميعًا!
اقتربت بيلا من بدر ليقوم بسحب ذراعها:
-ما الذي تفعليه أنتِ هنا يا بيلا؟
ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، لا تعلم بماذا اخطأت حتى يتحدث معها بتلك الطريقة؟ اجابته بارتباك شديد:
-لا أفعل شيء، أنا كنت جالسة هنا ولم أفعل أي شيء.
نظر إلى أنس بغضب ومن ثم قام بسحبها إلى غرفتها، ضحك أنس بعد صعوده واقتربت أمل منهم لتسمعه يهمس بنصر:
-لقد غار عليها، أنا واثق من هذا.
دلف بدر إلى الغرفة ومن ثم قام بصفع الباب بقوة:
-ألم يسبق لي التحذير من جلوسكِ مع هذا الشخص في مكان واحد؟ لماذا لا تسمعين حديثي يا بيلا؟!
ابتلعت ما بحلقها وهي على وشك البكاء من طريقته، ابتعدت عنه وهي لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله، قام بسحب ذراعها من جديد وهو يحركها بانفعال:
-اخبريني لماذا عليكِ أن تكوني بهذا العند؟ لا تضعين في بالكِ أنني أحترق من أفعالكِ تلك؟ أنا حقًا أحترق.
حاولت الابتعاد عنه ليعيد تثبيتها أمامه من جديد:
-لا تتحركي وتجعليني أفقد عقلي يا بيلا، أنا لا أريد سوى أن تتوقفي عن فعل الأشياء التي تغضبني، هل هذا طلب صعب يا ترى؟!
نظرت إلى عينيه مباشرة وهي تشعر بالضيق الشديد، ارادت أن تجعل آخر لقاء معه مميز، لكنه أفسد كل شيء ليجعل قلبها يتمزق، قام بترك ذراعها وهو لا يستطيع تحمل نظراتها له بتلك الطريقة، بينما هي حركت رأسها بنفي والضيق يسيطر عليها:
-أنا لا أريد التحدث معك الآن، إذا سمحت أخرج.
اقترب منها وهو يحرك رأسه بنفي، قام بإحاطة وجهها وهو يقترب منها:
-يا حبيبتي أنا فعلت كل هذا من أجل غيرتي عليكِ، لا تعلمين كم أن الأمر صعب يا بيلا، أنا أشعر بالاختناق كلما رأيت أحد بالقرب منكِ، حتى إن كان هذا الشخص أخي.
ابتعدت بيلا من جديد وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا أريدك أن تقترب مني، ابتعد يا بدر إذا سمحت، لا تجعل الأمور بيننا تزداد سوءً، لم أعد أريد البقاء هنا لقد قررت الذهاب.
حرك بدر رأسه باستنكار:
-لن يحدث شيء سيء بيننا يا بيلا، لماذا تقولين هذا الحديث؟ أنتِ زوجتي ولن يقولوا أي شيء عنكِ يا بيلا.
ابتعدت عنه ولاحظ نفورها، لا يعلم هل هناك ما يبعدها عنه أم أنه أصبح لا يطيق فراقها؟ لاحظت نظراته، لقد كان لا يريد الخروج من الغرفة، تحدثت إليه برجاء:
-إذا سمحت أذهب.
ارادت أن تخبره أن وجودها لا يفعل شيء سوى جعلها تتألم، لكنها لم تستطيع أن تصارحه بهذا، لم تستطيع أن تخبره أنها باتت لا ترغب في رؤيته طوال حياتها.
خرج وهو لا يشعر بالراحة لتجلس من بعدها فوق سريرها ودموعها تتساقط بضيق:
-لطالما كنت أستاذ في جعل الأمور تزداد صعوبة على قلبي يا بدر، لا أعلم حقًا كيف يمكنني أن أتعامل معك.
أخذت نفس عميق وهي تشعر بأن حمل العالم بأكمله على صدرها، لم تستطيع النوم هذه الليلة، انتظرت حتى تأكدت من رحيل بدر للصلاة وعلى الفور حملت حقيبتها وهبطت بهدوء بعد أن تأكدت أنها وضعت المرسال التي قامت بكتابته فوق السرير، عينيها كانت تتأمل كل ركن في هذا المنزل.
لقد اضطرت إلى المغادرة وقلبها معلق بالبعض هنا، تمنت لو كان بإمكانها أن تضم أسماء التي شعرت من كل قلبها أنها كوالدتها، تمنت لو استطاعت أن تجالس بيري وتخبرها أنها كانت كالأخت لها، تمنت لو تبكي بين أيديهم وهي تغادرهم، حاولت أن لا تبكي وهي تسير مبتعدة عن البيت في سرعة.
شعرت بيد تمسك بذراعها، لتلتفت شاهقة بصدمة، لكن ما صدمها أكثر هو وجود أنس أمامها:
-إلى أين أنتِ ذاهبة يا بيلا؟
ابتعدت عنه وهي تبتلع ما بحلقها بصعوبة، تمنت لو يتركها وشأنها ولا يفعل شيء من الممكن أن يهدم تخطيطها:
-أنا أريد الذهاب إلى القاهرة، لا تقف في طريقي يا أنس.
ابتسم وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-هاربة إذًا يا مدام بيلا، أليس غريب هذا الأمر؟
نظرت مباشرة إلى عينيه وهي ترمقه بازدراء:
-أنا أريد أن أعرف ما جنسك أنت؟ ما الذي تفكر فيه يجعل منك شخص بهذه البشاعة يا أنس؟ لماذا لا يمكنك أن تتركني وشأني؟ كل شيء سيء أنا فيه بسببك أنت ومع ذلك تتحدث وكأنني تسببت في جرح لك!
كان يرى نظراتها ولكنه لم يغفل عن الدموع الموجودة داخل عينيها ووجهها الذي لا يدل على شيء سوى بكائها:
-أرجوك يكفي كل شيء حدث، قولت أنني مشردة، قولت أنني فتاة رخيصة، جعلتني أشعر بجميع المشاعر السيئة في هذا العالم، اتركني الآن أذهب ولن تراني من جديد، سوف أخرج من حياتك كما تريد يا أنس، يمكنك أن تحتفل الآن.
تساقطت دموعها وهي تلقي نظرات أخيرة على منزل بدر الذي ظهر على مسافة منهم:
-لم أفعل شيء يضر أحد، أتمنى أن تسامحني أمل إن تسببت في شعور سيء لها، لكن هذا أيضًا لم يكن بإرادتي، لقد احببت بدر، لقد ظننت أنه يستحق الحب، لكن يبدو أن هذا العالم بأكمله لا يوجد فيه شخص يستحق الحب.
نظر أنس إلى حقيبتها ومن ثم نظر لها، لا يعلم لماذا أهتز بتلك الطريقة، أما هي تحدثت بصدق إليه:
-لم أعد أريد شيء آخر، أرجوك أنسى أنك يومًا عرفت فتاة تدعى بيلا، أنا لا أرغب في تذكر أي شيء عن هذه الفترة، حتى أنني قد سامحتك يا أنس، لم أعد أريد أن يربطني شيء بهذا المكان والأشخاص الموجودين به، وداعًا.
انتهت من حديثها الأخير وهي تبكي ومن ثم ذهبت حاملة حقيبتها التي تحتوي على أشياءها الضرورية وبعض الملابس التي تستعملها بكثرة، لم يمنعها أنس عكس ما توقعت، خرجت من القرية واوقفت سيارة أجرة لم تتخيل أن تجدها في هذا الوقت.
لا تنكر انها ترتجف خوفًا، لا يمكنها أن تنكر أن قلبها على وشك الخروج وهي ترى هذا السائق يسير في طرق فارغة لم تراها من قبل وقد ساعد الظلام على جعل كل شيء يبدو مخيف، كانت تستمر في مسح دموعها ومن ثم اخرجت هاتفها لتصور الطريق.
حاولت الثبات وهي تمثل التحدث عبر الهاتف:
-لقد ارسلت الموقع المباشر لك، يمكنك أن تتابعني حتى أصل، عندما أرى سيارتك على الطريق سوف أخبرك.
اغلقت الهاتف من بعدها وهي تتمنى من الله أن تصل على خير إلى منزل منار في القاهرة، لقد ضاقت بها الحياة ولم يعد لديها مكان آخر، ربما يقبل كارم مساعدتها هذه المرة ويجعلها تنتقل إلى منزل آخر إن وُجد حتى لا يضايقها بدر بمطاردته لها، إن كان يهتم إلى أمرها كثيرًا.
استندت برأسها على النافذة وهي تتذكر الأيام القليلة التي عاشتها مع بدر في سعادة، لا يمكنها أن تنكر أنها كانت أجمل أيام حياتها منذ أن توفت والدتها.
انتهى بدر من صلاة الفجر وذهب إلى غرفة بيلا، وجدها مرتبة ولا أثر لها، تعجب من هذا واقترب من الحمام ليقوم بطرق الباب، لكنه لم يجد أي رد في المقابل، ازدادت حيرته وعاد إلى الأسفل على أمل أن تكون هناك ولم ينتبه لها، لكنه لم يجد لها أي أثر.
صعد إلى غرفة والدته وقام بطرق الباب، فتحت له ويبدو أنها انتهت من صلاة الفجر ولم تنم بعد:
-صباح الخير يا بدر، كيف حالك يا حبيبي؟
أومأ بدر لها وهو يشعر بالكثير من القلق:
-هل رأيتِ بيلا تصلي؟
حركت أسماء رأسها بنفي وهي تشعر بالتعجب من رؤية القلق على وجهه:
-لم أخرج من الغرفة لماذا تسأل يا بدر؟
حرك بدر رأسه بنفي وذهب إلى غرفتها من جديد، كان يشعر بالقلق وهو يقترب لتفقد خزانتها وهو يتمنى أن يكون مخطأ، لم يجد حقيبتها ولم يجد بعض ملابسها، حرك رأسه بصدمة وهو يتذكر حديثها في آخر لقاء بينهم، يتساءل هل كانت تتحدث بجدية عندما اخبرته أنها سوف تذهب؟!
حرك رأسه بنفي وهو يرفض تصديق هذا، التفت ورأى الظرف على السرير، قام بأخذه وعلى الفور خرج من الغرفة لعله يلحق بها ويجدها، رأى والدته أمامه وهي تسأله بقلق:
-ما الذي حدث يا بدر؟ أين بيلا ولماذا أنت متوتر هكذا؟!
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب:
-لقد ذهبت بيلا يا أمي، لا أعلم كيف فعلتها ومتى استطاعت أن تخرج دون أن يراها أحد، سوف أخرج ربما الحق بها.
دلف أنس إلى المنزل وما إن رأى وجه بدر وتوتر والدته حتى فهم أن الأمر متعلق ببيلا، اقتربت أسماء منه على الفور:
-اخبرني يا أنس هل رأيت بيلا عندما كنت بالخارج؟
اجابهم أنس إجابة غير واضحة قائلًا:
-لقد كنت خارج القرية وعدت للتو يا أمي، ما الذي يحدث هنا يا ترى؟
تجاهله بدر وعلى الفور خرج من المنزل، لا يعلم ماذا يفعل وإلى أين يذهب؟ أخرج هاتفه وحاول الاتصال بها ولكن هاتفها مغلق، شعر بأن العالم بأكمله يضيق به ولا يوجد شيء في يده حتى يفعله!
وصلت بيلا أخيرًا إلى منزل صديقتها، لا تعلم لماذا اصابها ارهاق مضاعف عكس العادي، كانت تتمنى أن تنتهى من هذا الكابوس وها قد انتهت من بدر ومنزله والجميع.
قامت بطرق الباب ولم تمر ثوانِ حتى رأت كارم أمامها:
-أخيرًا يا بيلا!
-لا يوجد شيء يا بدر، لماذا تسأل؟!
حرك بدر رأسه بنفي وهو يعلم أن التوتر ينال منه هذه الأيام، كانت تنظر له وهي تخبر نفسها أنها ستحترم قلبها هذه المرة، لن تجعل غضبها منه يتحكم بها، سوف تودعه بطريقة تليق بحبها، قامت بضمه لتشعر بتصلب جسده:
-ماذا تفعلين يا بيلا؟ من الممكن أن يمر أحد من هنا في أي لحظة.
شعرت بتمزق قلبها لتبتعد عنه وما زالت تبتسم كما لو كانت تشعر بالراحة، لم يكن يريدها أن تبقى هنا حتى لا ترى أمل وربما تقول لها شيء من الممكن أن يضايقها:
-اصعدي إلى غرفتكِ يا بيلا، لدي شيء سأفعله في الخارج وأعود.
اومأت له وهو يلاحظ نظراتها له، لا يعلم ما الذي حدث لها، لقد كانت مختلفة هذا اليوم كثيرًا، كانت هادئة ولكن هدوئها هذا اقلقه، صعدت بالفعل ولكنها التقت بأمل التي قامت بارتداء ملابس مناسبة للخروج، لم تغفل أمل عن بيلا وتحدثت إليها على الفور:
-ألا ترغبين في شيء لأجلبه معي أنا وبدر عندما نعود؟
نظرت بيلا لها وهي تحرك رأسها بنفي، اوشكت على الصعود لتتابع أمل حديثها:
-سوف نتناول الغداء في الخارج يا بيلا فكري هل تريدي أن نجلب لكِ طعام خاص؟
حركت بيلا رأسها بنفي والتفتت لها قائلة:
-شكرًا لكِ يا أمل.
ذهبت بيلا إلى الغرفة وهي تحيط رأسها بيديها، لا تعلم هل اخطأت في حق أمل بسبب ضعفها أمام أمل أم أنها الضحية الوحيدة هنا؟! شعرت بالكثير من الضيق وقررت أن الوقت المناسب للهروب هو عندما يذهب بدر لصلاة الفجر، وقتها هي سوف تأخذ الحقيبة وسيكون المنزل هادئ ويمكنها الهرب وقتها.
من الجيد أنها تحفظ الطرق بسرعة، لقد كادت أن تخرج من القرية مع بيري عدة مرات وتعلم الطريق إلى الخارج، تمنت لو كل شيء يسير كما خططت له ولا يحدث شيء يُفسد ما كانت تخطط له.
بالفعل خرج بدر مع أمل وقد طال وقت جلوسهم في الخارج، هبطت بيلا للجلوس مع أسماء وبيري، تعلم أنها سوف تشتاق إليهم وتحاول أن تشبع عينيها من رؤيتهم، كانت أسماء تنظر إلى الساعة وهي تشعر بالكثير من الضيق، سألتها بيلا بحيرة:
-ما الأمر يا أمي؟ اخبريني هل هناك شيء خاطئ؟!
حركت أسماء رأسها بنفي وهي تبتسم، تعجبت من هدوء بيلا وعدم ظهور أي شيء على وجهها، تساءلت ألا تشعر بالغيرة على بدر يا ترى؟ دلف أنس في هذا الوقت وابتسم عندما رأى بيلا لتتجاهل النظر إليه تمامًا، تحدث وهو ينظر لها:
-من الغريب جلوسكِ هنا في هذا الوقت يا بيلا!
تحدثت إليه أسماء بتحذير:
-لا تزعجها يا أنس لا يوجد لك شأن بها.
اقترب أنس وهو يبتسم ومن ثم جلس بجوارها على الأريكة:
-لن أزعجها يا أمي، لقد تعلمت الدرس عندما قام بدر بضربي، حتى أنني خفت هل لاحظتِ هذا الأمر يا بيلا؟
لم تنظر له بيلا ولم تتحدث معه، كانت تخبر نفسها أن رحيلها سوف يجعلها ترتاح من رؤية وجه أنس دون شك، سمعته يسأل من جديد:
-أين بدر يا ترى؟ هل نام هو وأمل باكرًا؟!
حركت أسماء رأسها بنفي واجابته بيري:
-لقد خرجوا لتناولوا الغداء معًا وإلى الآن لم يعودوا.
ابتسم أنس وهو يعيد النظر إلى بيلا غامزًا لها:
-يبدو أن بوجود أمل هنا بدر سوف ينسى أمركِ تمامًا.
انفعلت أسماء وهي تنظر له وترغب في الوقوف وتسديد له الضربات:
-ما الذي أصاب عقلك يا أنس؟ ألا تفهم معنى حديثي أم ماذا؟ لا تزعجها بكلماتك التافهة تلك.
نظر أنس إلى الباب المفتوح ولاحظ أن بدر وأمل على وشك الدخول، قرر أنه سيستفز بدر من جديد، قام بوضع يده على وجنة بيلا وهي تعجبت من فعلته، تحدث إليها بلين عكس العادي:
-أنا أمزح معكِ يا بيلا، لا تشعري بالضيق أرجوكِ.
امسكت بيده لتبعدها ولكنها تفاجأت به يربت على شعرها:
-اهدئي ولا تغضبي مني إذا سمحتِ.
سمعوا صوت بدر وهو ينادي بيلا بصوته الجهوري:
-بيلا تعالي إلى هنا حالًا.
وقفت بيلا بعفوية وهي لا تعلم ما الذي حدث له ليجعله يأتي إلى المنزل وهو في قمة غضبه، نظرت أمل له وكان وجهها غاضب، يبدو أن اليوم لم يكن لطيف كما توقعوا جميعًا!
اقتربت بيلا من بدر ليقوم بسحب ذراعها:
-ما الذي تفعليه أنتِ هنا يا بيلا؟
ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، لا تعلم بماذا اخطأت حتى يتحدث معها بتلك الطريقة؟ اجابته بارتباك شديد:
-لا أفعل شيء، أنا كنت جالسة هنا ولم أفعل أي شيء.
نظر إلى أنس بغضب ومن ثم قام بسحبها إلى غرفتها، ضحك أنس بعد صعوده واقتربت أمل منهم لتسمعه يهمس بنصر:
-لقد غار عليها، أنا واثق من هذا.
دلف بدر إلى الغرفة ومن ثم قام بصفع الباب بقوة:
-ألم يسبق لي التحذير من جلوسكِ مع هذا الشخص في مكان واحد؟ لماذا لا تسمعين حديثي يا بيلا؟!
ابتلعت ما بحلقها وهي على وشك البكاء من طريقته، ابتعدت عنه وهي لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله، قام بسحب ذراعها من جديد وهو يحركها بانفعال:
-اخبريني لماذا عليكِ أن تكوني بهذا العند؟ لا تضعين في بالكِ أنني أحترق من أفعالكِ تلك؟ أنا حقًا أحترق.
حاولت الابتعاد عنه ليعيد تثبيتها أمامه من جديد:
-لا تتحركي وتجعليني أفقد عقلي يا بيلا، أنا لا أريد سوى أن تتوقفي عن فعل الأشياء التي تغضبني، هل هذا طلب صعب يا ترى؟!
نظرت إلى عينيه مباشرة وهي تشعر بالضيق الشديد، ارادت أن تجعل آخر لقاء معه مميز، لكنه أفسد كل شيء ليجعل قلبها يتمزق، قام بترك ذراعها وهو لا يستطيع تحمل نظراتها له بتلك الطريقة، بينما هي حركت رأسها بنفي والضيق يسيطر عليها:
-أنا لا أريد التحدث معك الآن، إذا سمحت أخرج.
اقترب منها وهو يحرك رأسه بنفي، قام بإحاطة وجهها وهو يقترب منها:
-يا حبيبتي أنا فعلت كل هذا من أجل غيرتي عليكِ، لا تعلمين كم أن الأمر صعب يا بيلا، أنا أشعر بالاختناق كلما رأيت أحد بالقرب منكِ، حتى إن كان هذا الشخص أخي.
ابتعدت بيلا من جديد وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا أريدك أن تقترب مني، ابتعد يا بدر إذا سمحت، لا تجعل الأمور بيننا تزداد سوءً، لم أعد أريد البقاء هنا لقد قررت الذهاب.
حرك بدر رأسه باستنكار:
-لن يحدث شيء سيء بيننا يا بيلا، لماذا تقولين هذا الحديث؟ أنتِ زوجتي ولن يقولوا أي شيء عنكِ يا بيلا.
ابتعدت عنه ولاحظ نفورها، لا يعلم هل هناك ما يبعدها عنه أم أنه أصبح لا يطيق فراقها؟ لاحظت نظراته، لقد كان لا يريد الخروج من الغرفة، تحدثت إليه برجاء:
-إذا سمحت أذهب.
ارادت أن تخبره أن وجودها لا يفعل شيء سوى جعلها تتألم، لكنها لم تستطيع أن تصارحه بهذا، لم تستطيع أن تخبره أنها باتت لا ترغب في رؤيته طوال حياتها.
خرج وهو لا يشعر بالراحة لتجلس من بعدها فوق سريرها ودموعها تتساقط بضيق:
-لطالما كنت أستاذ في جعل الأمور تزداد صعوبة على قلبي يا بدر، لا أعلم حقًا كيف يمكنني أن أتعامل معك.
أخذت نفس عميق وهي تشعر بأن حمل العالم بأكمله على صدرها، لم تستطيع النوم هذه الليلة، انتظرت حتى تأكدت من رحيل بدر للصلاة وعلى الفور حملت حقيبتها وهبطت بهدوء بعد أن تأكدت أنها وضعت المرسال التي قامت بكتابته فوق السرير، عينيها كانت تتأمل كل ركن في هذا المنزل.
لقد اضطرت إلى المغادرة وقلبها معلق بالبعض هنا، تمنت لو كان بإمكانها أن تضم أسماء التي شعرت من كل قلبها أنها كوالدتها، تمنت لو استطاعت أن تجالس بيري وتخبرها أنها كانت كالأخت لها، تمنت لو تبكي بين أيديهم وهي تغادرهم، حاولت أن لا تبكي وهي تسير مبتعدة عن البيت في سرعة.
شعرت بيد تمسك بذراعها، لتلتفت شاهقة بصدمة، لكن ما صدمها أكثر هو وجود أنس أمامها:
-إلى أين أنتِ ذاهبة يا بيلا؟
ابتعدت عنه وهي تبتلع ما بحلقها بصعوبة، تمنت لو يتركها وشأنها ولا يفعل شيء من الممكن أن يهدم تخطيطها:
-أنا أريد الذهاب إلى القاهرة، لا تقف في طريقي يا أنس.
ابتسم وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-هاربة إذًا يا مدام بيلا، أليس غريب هذا الأمر؟
نظرت مباشرة إلى عينيه وهي ترمقه بازدراء:
-أنا أريد أن أعرف ما جنسك أنت؟ ما الذي تفكر فيه يجعل منك شخص بهذه البشاعة يا أنس؟ لماذا لا يمكنك أن تتركني وشأني؟ كل شيء سيء أنا فيه بسببك أنت ومع ذلك تتحدث وكأنني تسببت في جرح لك!
كان يرى نظراتها ولكنه لم يغفل عن الدموع الموجودة داخل عينيها ووجهها الذي لا يدل على شيء سوى بكائها:
-أرجوك يكفي كل شيء حدث، قولت أنني مشردة، قولت أنني فتاة رخيصة، جعلتني أشعر بجميع المشاعر السيئة في هذا العالم، اتركني الآن أذهب ولن تراني من جديد، سوف أخرج من حياتك كما تريد يا أنس، يمكنك أن تحتفل الآن.
تساقطت دموعها وهي تلقي نظرات أخيرة على منزل بدر الذي ظهر على مسافة منهم:
-لم أفعل شيء يضر أحد، أتمنى أن تسامحني أمل إن تسببت في شعور سيء لها، لكن هذا أيضًا لم يكن بإرادتي، لقد احببت بدر، لقد ظننت أنه يستحق الحب، لكن يبدو أن هذا العالم بأكمله لا يوجد فيه شخص يستحق الحب.
نظر أنس إلى حقيبتها ومن ثم نظر لها، لا يعلم لماذا أهتز بتلك الطريقة، أما هي تحدثت بصدق إليه:
-لم أعد أريد شيء آخر، أرجوك أنسى أنك يومًا عرفت فتاة تدعى بيلا، أنا لا أرغب في تذكر أي شيء عن هذه الفترة، حتى أنني قد سامحتك يا أنس، لم أعد أريد أن يربطني شيء بهذا المكان والأشخاص الموجودين به، وداعًا.
انتهت من حديثها الأخير وهي تبكي ومن ثم ذهبت حاملة حقيبتها التي تحتوي على أشياءها الضرورية وبعض الملابس التي تستعملها بكثرة، لم يمنعها أنس عكس ما توقعت، خرجت من القرية واوقفت سيارة أجرة لم تتخيل أن تجدها في هذا الوقت.
لا تنكر انها ترتجف خوفًا، لا يمكنها أن تنكر أن قلبها على وشك الخروج وهي ترى هذا السائق يسير في طرق فارغة لم تراها من قبل وقد ساعد الظلام على جعل كل شيء يبدو مخيف، كانت تستمر في مسح دموعها ومن ثم اخرجت هاتفها لتصور الطريق.
حاولت الثبات وهي تمثل التحدث عبر الهاتف:
-لقد ارسلت الموقع المباشر لك، يمكنك أن تتابعني حتى أصل، عندما أرى سيارتك على الطريق سوف أخبرك.
اغلقت الهاتف من بعدها وهي تتمنى من الله أن تصل على خير إلى منزل منار في القاهرة، لقد ضاقت بها الحياة ولم يعد لديها مكان آخر، ربما يقبل كارم مساعدتها هذه المرة ويجعلها تنتقل إلى منزل آخر إن وُجد حتى لا يضايقها بدر بمطاردته لها، إن كان يهتم إلى أمرها كثيرًا.
استندت برأسها على النافذة وهي تتذكر الأيام القليلة التي عاشتها مع بدر في سعادة، لا يمكنها أن تنكر أنها كانت أجمل أيام حياتها منذ أن توفت والدتها.
انتهى بدر من صلاة الفجر وذهب إلى غرفة بيلا، وجدها مرتبة ولا أثر لها، تعجب من هذا واقترب من الحمام ليقوم بطرق الباب، لكنه لم يجد أي رد في المقابل، ازدادت حيرته وعاد إلى الأسفل على أمل أن تكون هناك ولم ينتبه لها، لكنه لم يجد لها أي أثر.
صعد إلى غرفة والدته وقام بطرق الباب، فتحت له ويبدو أنها انتهت من صلاة الفجر ولم تنم بعد:
-صباح الخير يا بدر، كيف حالك يا حبيبي؟
أومأ بدر لها وهو يشعر بالكثير من القلق:
-هل رأيتِ بيلا تصلي؟
حركت أسماء رأسها بنفي وهي تشعر بالتعجب من رؤية القلق على وجهه:
-لم أخرج من الغرفة لماذا تسأل يا بدر؟
حرك بدر رأسه بنفي وذهب إلى غرفتها من جديد، كان يشعر بالقلق وهو يقترب لتفقد خزانتها وهو يتمنى أن يكون مخطأ، لم يجد حقيبتها ولم يجد بعض ملابسها، حرك رأسه بصدمة وهو يتذكر حديثها في آخر لقاء بينهم، يتساءل هل كانت تتحدث بجدية عندما اخبرته أنها سوف تذهب؟!
حرك رأسه بنفي وهو يرفض تصديق هذا، التفت ورأى الظرف على السرير، قام بأخذه وعلى الفور خرج من الغرفة لعله يلحق بها ويجدها، رأى والدته أمامه وهي تسأله بقلق:
-ما الذي حدث يا بدر؟ أين بيلا ولماذا أنت متوتر هكذا؟!
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب:
-لقد ذهبت بيلا يا أمي، لا أعلم كيف فعلتها ومتى استطاعت أن تخرج دون أن يراها أحد، سوف أخرج ربما الحق بها.
دلف أنس إلى المنزل وما إن رأى وجه بدر وتوتر والدته حتى فهم أن الأمر متعلق ببيلا، اقتربت أسماء منه على الفور:
-اخبرني يا أنس هل رأيت بيلا عندما كنت بالخارج؟
اجابهم أنس إجابة غير واضحة قائلًا:
-لقد كنت خارج القرية وعدت للتو يا أمي، ما الذي يحدث هنا يا ترى؟
تجاهله بدر وعلى الفور خرج من المنزل، لا يعلم ماذا يفعل وإلى أين يذهب؟ أخرج هاتفه وحاول الاتصال بها ولكن هاتفها مغلق، شعر بأن العالم بأكمله يضيق به ولا يوجد شيء في يده حتى يفعله!
وصلت بيلا أخيرًا إلى منزل صديقتها، لا تعلم لماذا اصابها ارهاق مضاعف عكس العادي، كانت تتمنى أن تنتهى من هذا الكابوس وها قد انتهت من بدر ومنزله والجميع.
قامت بطرق الباب ولم تمر ثوانِ حتى رأت كارم أمامها:
-أخيرًا يا بيلا!