23
كلام ريان كان ملغوم، شتت حال كاتيا وزاد من حيرتهت، فتارة يكون متأفف منها ويشعر بثقلها، وتارة أخرى يخشى فقدها وأن يمسها سوء لو ابتعدت.
إلا أن كاتيا بقيت في حال حزين وقررت الاعتماد على ذاتها والتخلص من عبء وضع مسؤوليتها عن كاهل ريان.
بعد أن تم الإتفاق بينهما على كل شيء، كان ريان يحاول تقدير وقت مناسب من أجل الخروج من الفندق والبدء برحلة جديدة من التخفي والاختباء.
وفي ساعات الليل الأولى قال ريان لكاتيا: كوني على استعداد في غضون دقائق علينا المغادرة.
قالت له كاتيا: هل أنت متأكد من هذا؟
رد عليها: ليس تماماً، لكن يجب أن نغادر، ولا نطيل الوقت هنا أكثر.
لم يكن هناك ما تقوله كاتيا، فهي تثق بما يفعله ريان بالإضافة إلى أنه لا يوجد لديه طريقة أخرى، أو أي حل أخر غير أن تتبعه حتى تصل إلى بر الأمان.
وبالفعل لم يمضي الكثير من الوقت، حتى خرج ريان وكاتيا من الغرفة بطريقة عادية دون أن يظهر عليهم أي أمر مريب أو مشبوه قد يلاحظه أحد في الممر أو عند خروجهم بشكل كامل.
بهدوء حذر يراقب كل المكان حوله من حركات وسكنات الناس، خشية أن يكون أحد منهم من اتباع مسعود.
عند موظف الاستقبال قاموا بتسليم المفتاح، وغادروا الفندق دون حدوث أي أمور مثيرة للريبة.
وما إن خرج من الفندق أمسك ريان يد كاتيا، وقال لها: سوف تبقين ملاصقة لي طوال الوقت حتى نصل.
خففت خطها وقالت له: أمرك استاذ ريان.
قال بنبرة جافة: هذا الوقت ليس مناسب لمثل هذه المزحات.
لم تنطق كاتيا بشيء وبحيطة شديدة كانت خطواتهما، يطالعون حولهم دون أن يثيروا شكوك من حولهم.
وهم لايزالون في منطقة قريبة من المكان، لاحظ أشكالهم شخص يملك دكان صغيرة في إحدى الشوارع الضيقة.
وقد كان يعمل لصالح مسعود، يبحث عن الفتيات اللاتي يمكن تسخيرهم للعمل معه في سوق نخاسته، أو تحت مسمى الحريات.
كانت المرة الأولى التي يرى فيها كاتيا وريان، علم بأنهما غريبن عن المكان.
وعند ما رأت كاتيا الدكان طلبت من ريان أن يطلبوا منه شرب الماء، فأمامهم طريق طويل.
ورغم خشية ريان إلا أنه وافق ولم يرفض طلبها، وتوجها نحو الرجل صاحب الدكان الصغير.
ألقى ريان التحية وقال: مرحبا يا عم.
رد عليه الرجل: اهلا.. تفضل؟!
قال ريان: نريد شرب الماء لو أمكن.
كانت نظرات الرجل مشكوك فيها وقد شعر ريان بريبة منه، لكنه لم يستطيع الانسحاب بل تمالك نفسه وحاول أن يكف عن التوهم.
من الابريق الذي وضع على الطاولة سكب لهم كأس الماء، وقدمه لريان الذي قام بإعطائه لكاتيا.
وهمس لها: اشربي بسرعة.
وعلى الفور شربت الماء دفعة واحدة، واعادت الكأس للرجل وقالت له: شكراً لك يا عم.
فأسرع ريان يمسك يد كاتيا وقال: نشكرك.
وقبل أن يقول الرجل أي شيء انصرفوا، وبدت خطوتهم سربعة، والرجل يطالعهم ويراقب طريقهم.
وعلى الفور، قام بالاتصال بأحد رجال مسعود وأخبره بما حدث وأن ما جرى حدث لتو.
فطلب الرجل من صاحب دكان، وعندما وصف له أشكالهم أكد بأنهما ريان وكاتيا.
وقام بإيصال الأمر لمسعود وفراس، وذهبوا نحو تلك المنطقة حيث قيل لهما عن تواجدهم.
وما إن وصلوا حتى أخبرهم الرجل عن وجهتهم وفي أي طريق ساروا.
أما ريان بعد أن شعر بالخطر وشك تمكن من أوصال قلبه، غير اتجاه مسيره حين ابتعد عن أنظار الرجل إلى جهة أخرى.
سألته كاتيا ما الذي حدث لك يا ريان؟
قال لها: علينا مغادرة المكان بسرعة، قد يصل مسعود او رجاله في أي وفت.
وبدون تفكير أو تردد بدأوا بالركض معا، إلا أن كاتيا كانت مرهقة بسبب الركض المتواصل وتريد أن تتوقف قليلاً حتى تلتقط أنفاسها.
أما ريان فهو يحاول أن يدعمها ببعض الكلمات ويشدها للبقاء صامدة تواصل المسير معه.
وبعد أن قطعوا القرية الأولى ودخلوا بالثانية تمكنوا من الاختباء والجلوس قليلاً حتى يستعيدوا بعض الطاقة التي نفذت من الركض المتواصل.
كانت كاتيا منهكة جداً، وريان لا يكاد يشعر بقدميه من شدة التعب، ولم يكونا قادرين على التواصل او التحدث مع بعضهم من شدة الإرهاق.
في وقت اخر..
كان عاصم يرتب بعض حسابته ويحاول أن ينظم وضع الشركة، ويتخذ بعض التدابير المهم للحفاظ على نظام القوانين في حين غيابه.
والأهم من هذا كان أن يعوض أمر تسليم ديمة لادارة الشؤون وأن يضع حدود لصلاحيتها التي تملكها، حتى يستطيع من ضبط أي فعل قد يعود بالضر عليه وعلى الشركة.
وهو غارق في أوراقه وأعماله، طرقت ميرا الباب ودخلت إلى مكتب والدها تطمئن عليه إن كان يحتاج شيء أم أن كل ما يطلبه على ما يرام.
سلمت على والدها وقالت له: كيف حالك الآن يا أبي؟!
أجابها عاصم: أنا بخير يا ابنتي، وأقوم ببعض الأعمال.
ردت عليه ميرا: ارجوك لا تتعب نفسك يا أبي، ابقى مرتاح هذه الفترة لا تجهد فكرك بأي شيء.
ابتسم عاصم بلطف وقال لبنته: لا عليك يا ابنتي، كل شيء على ما يرام، بل غلى العكس أنا أقوم بتخفيف عن نفسي في هذه الطريقة، وفي الوقت ذاته أكون على اطلاع بكيفية سير العمل في الشركة.
قال ميرا مازحة: دع هذه الأمور لي أنا سوف اتولى كل شؤون شركتك سوف أديرها وكل الامور تحت السيطرة.
وقبل أن تكمل كلامها كانت ديمة قد دخلت وقالت لها بستهزاء: لقد تأخرتي يا ميرا الأميرة، لقد سبقتك في هذا.
نظرت ميرا إلى والدها والدهشة على وجهها رُسمت، ثم قالت لها: على ماذا سبقتني؟
جلست ديمة قرب زوجها تمسك يده ووضعت رأسها على كتفه وقالت: حبيبي وزوجي أعطاني إدارة الشركة حتى يستعيد صحته بشكل كامل.
ثم وجهت له السؤال: أليس كذلك حبي؟؛
قال عاصم: نعم، هذا صحيح.
فنظرت ديمة إلى ميرا بطريقة مليئة بالخبث والمكر، دون أن تقول أي شيء.
لكن عاصم أكمل كلامه بالقول: لكن هذا لا يعني بأنك المالكة لهذه الشركة، إنها مجرد إدارة والقرارات المهمة عليك الرجوع إلى المحامي الذي يتولى جميع الأمور المتعلقة بالشركة والعمل.
أبعدت نفسها عنه قليلا، وقالت له: لم تقل هذا الكلام حينما كاز المحامي هنا، ما الذي تغير؟!
رد عليها: لم يتغير شيء لكن أضفت بعض الأمور، وإن كنت لا ترغبين فيها يمكنك الرفض بشكل كلي لست مجبرة على مثل هذا يا حبيبتي.
عندها نظرت ميرا بذات الطريقة التي رمتها فيها قبل أن تسمع رد والدها، اشتعل بركان الغيظ في نفس ديمة من الأمرالذي حصل فهي لم تتوقع أن يفعل عاصم أمر مثل هذا.
فهي كانت تعتقد بأنها على دراية تامة بكل ما يحدث وهي تحت السيطرة دون اي عقبات أو شروط.
رغم أن الأمر اشعل نار الحق والغضب في نفسها، إلا أنها تظاهرت بعكس هذا، وقالت: لا مانع ان تفعل مثل هذا يا حبيبي، هذا من حقك طبعا.
ثم أضافت انا على يقين تام بأن كل ما تفعله يصب في مصلحة حياتنا وعملنا وكل ما يخصنا، فهذه شركتنا التي نريد بأن تكبر وتتطور باجمل الطرق وتصبح من الشركات المنافسة في ميدان السوق والتجارة.
ثم قالت: سوف أحضر لك كوب من العصير ريثما تنهي عملك، وما إن نهضت حتى قالت لها ميرا: ولا تنسي أن تعدي واحد لي أيضاً.
لم تجب ديمة بأي كلمة بل ذهبت من فورها وهي تتنفس السم وكأنها تختنق من فرط غيظها ولكن لا جدوى من الجدال والنقاش، بل هذا سيكون مضرة لها ولن يكون منفعة أبدا.
وهي في المطبخ تحدث نفسها وتقول: يظن بأنه قادر على ايقافي كلا لن يحدث هذا أبدا، وسوف احقق ما أريد وحين أصل إلى مرادي لن أشفق على أحد.
ثم صكت أسنانها بغيظ وقالت: وعلى وجه الخصوص تلك الفتاة اللعينة ميرا.
أما ميرا عند والدها قالت له: أبي صحيح بأنني صغيرة في السن، لكنني أخشى عليك وأشغر بأنني امك.
ابتسم عاصم وربت على كتف ابنتها وقال لها: أشعر بحبك وحنانك وكأنك أمي حقا يا ميرا.
أكملت ميرا الكلام: لا ارجو حياة تخلو من صوتك يا أبي أو من كلامك ونصائحك حتى من غضبك.
ثم أضافت: لكن يا أيي ارجوك ابقى على مسافة أمان من تلك المرأة لا أشعر بالأمان معها، ولدي حدس كبير يخبرني بأن ما يجري مدرب وما هو إلا فخ أو مكيدة.
تنهد عاصم وقال لميرا: لقد صدقتي القول يا ابنتي، كل ما حاولت التريث وعدم الوقوع في فخ مشاعري فشلت في هذا وسقطت امامها، ودائما ما احقق لها كل ما تريد دون التفكير بأي توابع قد تأتي من خلال هذا الأمر.
حاولت ميرا التخفيف عن والدها وقالت: لا داعي أن تلوم نفسك يا أبي يكفي بأنك تدرك الأمور قبل فوات الأوان، أو حدوث مشاكل يصعب حلها.
ودار نقاش بين ميرا وأبيها عن حال ديمة المتقلب وكيفية التصرف معها، وكان عاصم يطلب من ابنته أن لا تبالغ بكرهها لديمة، وأن ديمة ليست والدتها هذا صحيح لكن هذا لا يعني بأنها عدوة لها.
فقالت له ميرا: أعلم بأنك لا تحب الحديث عن هذا لكن أريد أن اخبرك بأن أمي تحدث معي اليوم.
تغير وجه عاصم وكأنه سمع خبر سوء، وقال لها: ماذا تريد منك وما سر الإتصال المفاجىء؟
ردت عليه ميرا ونظرات الحنين في عينها وقالت: لقد كانت تطمئن عن حالتك.
قال عاصم بنبرة جافة: وكيف وصل لها الخبر عن حالتي؟
أجابته ميرا: الأمور التي تشبه هذه ليست سر وتشاع بين الناس بسرعة وعلى الرغم من هذا لا يهم كيف وصل لها الخبر.
قاطعها عاصم وقال: ما هو المهم إذا؟
ردت عليه وقالت: اهتمامها بالسؤال عنك وأنت في محنة كهذه.
قال عاصم ساخراً: اهتمام؟ ماذا عن زوجها؟
اجابت ميرا مبررة له: لقد بقيت وحدها لسنوات، وحاولت العودة لك، لكنك كنت قد أغلقت جميع الطرق في وجهها، وهذا لا يعني أن تعيش حياتها وحيدة بدون مؤنس ورفيق.
امتعض عاصم من تبريرات ميرا وقال: هذا يعني بأن زواج أمك من أخر لا يؤثر فيك؟
ردت عليه ميرا بسؤال يشبهه وقالت: ماذا عن زوجك يا ابي؟ لماذا لم تبقى وحدك بدون أحد في مثل هذا السن بل كنت تسعى للأمر منذ زمن حتى تم .
حينها شعر عاصم بأنه ادخل نفسه في مشادة مع ابنته وهو لا يريد هذا الأمر، فحاول أن يغلق الحدث ويكف عن توسعته والنقاش فيه أكثر.
فقال له: دعك من هذا الآن واذهبي لديمة، انظر ماذا حدث معها.
ضحكت ميرا وقالت له: إنه كوب عصير وليس تحضير وجبة طعام أو اختراع جهاز جديد لهذا الكوكب.
ثم انصرفت إلى المطبخ لترى ديمة، على مهلها تعد الفواكه وتحضر كل شيء بهدوء دون أن تزعج نفسها.
فقالت ميرا لها: هل يمكنك أن تسرعي؟
ردت عليها ديمة دون أن تنظر لها: وما شأنك؟
قالت ميرا: والدس ينتظرك.
ضحكت ديمة وقالت: سوف ينتظر كثير.
يتبع .. .
إلا أن كاتيا بقيت في حال حزين وقررت الاعتماد على ذاتها والتخلص من عبء وضع مسؤوليتها عن كاهل ريان.
بعد أن تم الإتفاق بينهما على كل شيء، كان ريان يحاول تقدير وقت مناسب من أجل الخروج من الفندق والبدء برحلة جديدة من التخفي والاختباء.
وفي ساعات الليل الأولى قال ريان لكاتيا: كوني على استعداد في غضون دقائق علينا المغادرة.
قالت له كاتيا: هل أنت متأكد من هذا؟
رد عليها: ليس تماماً، لكن يجب أن نغادر، ولا نطيل الوقت هنا أكثر.
لم يكن هناك ما تقوله كاتيا، فهي تثق بما يفعله ريان بالإضافة إلى أنه لا يوجد لديه طريقة أخرى، أو أي حل أخر غير أن تتبعه حتى تصل إلى بر الأمان.
وبالفعل لم يمضي الكثير من الوقت، حتى خرج ريان وكاتيا من الغرفة بطريقة عادية دون أن يظهر عليهم أي أمر مريب أو مشبوه قد يلاحظه أحد في الممر أو عند خروجهم بشكل كامل.
بهدوء حذر يراقب كل المكان حوله من حركات وسكنات الناس، خشية أن يكون أحد منهم من اتباع مسعود.
عند موظف الاستقبال قاموا بتسليم المفتاح، وغادروا الفندق دون حدوث أي أمور مثيرة للريبة.
وما إن خرج من الفندق أمسك ريان يد كاتيا، وقال لها: سوف تبقين ملاصقة لي طوال الوقت حتى نصل.
خففت خطها وقالت له: أمرك استاذ ريان.
قال بنبرة جافة: هذا الوقت ليس مناسب لمثل هذه المزحات.
لم تنطق كاتيا بشيء وبحيطة شديدة كانت خطواتهما، يطالعون حولهم دون أن يثيروا شكوك من حولهم.
وهم لايزالون في منطقة قريبة من المكان، لاحظ أشكالهم شخص يملك دكان صغيرة في إحدى الشوارع الضيقة.
وقد كان يعمل لصالح مسعود، يبحث عن الفتيات اللاتي يمكن تسخيرهم للعمل معه في سوق نخاسته، أو تحت مسمى الحريات.
كانت المرة الأولى التي يرى فيها كاتيا وريان، علم بأنهما غريبن عن المكان.
وعند ما رأت كاتيا الدكان طلبت من ريان أن يطلبوا منه شرب الماء، فأمامهم طريق طويل.
ورغم خشية ريان إلا أنه وافق ولم يرفض طلبها، وتوجها نحو الرجل صاحب الدكان الصغير.
ألقى ريان التحية وقال: مرحبا يا عم.
رد عليه الرجل: اهلا.. تفضل؟!
قال ريان: نريد شرب الماء لو أمكن.
كانت نظرات الرجل مشكوك فيها وقد شعر ريان بريبة منه، لكنه لم يستطيع الانسحاب بل تمالك نفسه وحاول أن يكف عن التوهم.
من الابريق الذي وضع على الطاولة سكب لهم كأس الماء، وقدمه لريان الذي قام بإعطائه لكاتيا.
وهمس لها: اشربي بسرعة.
وعلى الفور شربت الماء دفعة واحدة، واعادت الكأس للرجل وقالت له: شكراً لك يا عم.
فأسرع ريان يمسك يد كاتيا وقال: نشكرك.
وقبل أن يقول الرجل أي شيء انصرفوا، وبدت خطوتهم سربعة، والرجل يطالعهم ويراقب طريقهم.
وعلى الفور، قام بالاتصال بأحد رجال مسعود وأخبره بما حدث وأن ما جرى حدث لتو.
فطلب الرجل من صاحب دكان، وعندما وصف له أشكالهم أكد بأنهما ريان وكاتيا.
وقام بإيصال الأمر لمسعود وفراس، وذهبوا نحو تلك المنطقة حيث قيل لهما عن تواجدهم.
وما إن وصلوا حتى أخبرهم الرجل عن وجهتهم وفي أي طريق ساروا.
أما ريان بعد أن شعر بالخطر وشك تمكن من أوصال قلبه، غير اتجاه مسيره حين ابتعد عن أنظار الرجل إلى جهة أخرى.
سألته كاتيا ما الذي حدث لك يا ريان؟
قال لها: علينا مغادرة المكان بسرعة، قد يصل مسعود او رجاله في أي وفت.
وبدون تفكير أو تردد بدأوا بالركض معا، إلا أن كاتيا كانت مرهقة بسبب الركض المتواصل وتريد أن تتوقف قليلاً حتى تلتقط أنفاسها.
أما ريان فهو يحاول أن يدعمها ببعض الكلمات ويشدها للبقاء صامدة تواصل المسير معه.
وبعد أن قطعوا القرية الأولى ودخلوا بالثانية تمكنوا من الاختباء والجلوس قليلاً حتى يستعيدوا بعض الطاقة التي نفذت من الركض المتواصل.
كانت كاتيا منهكة جداً، وريان لا يكاد يشعر بقدميه من شدة التعب، ولم يكونا قادرين على التواصل او التحدث مع بعضهم من شدة الإرهاق.
في وقت اخر..
كان عاصم يرتب بعض حسابته ويحاول أن ينظم وضع الشركة، ويتخذ بعض التدابير المهم للحفاظ على نظام القوانين في حين غيابه.
والأهم من هذا كان أن يعوض أمر تسليم ديمة لادارة الشؤون وأن يضع حدود لصلاحيتها التي تملكها، حتى يستطيع من ضبط أي فعل قد يعود بالضر عليه وعلى الشركة.
وهو غارق في أوراقه وأعماله، طرقت ميرا الباب ودخلت إلى مكتب والدها تطمئن عليه إن كان يحتاج شيء أم أن كل ما يطلبه على ما يرام.
سلمت على والدها وقالت له: كيف حالك الآن يا أبي؟!
أجابها عاصم: أنا بخير يا ابنتي، وأقوم ببعض الأعمال.
ردت عليه ميرا: ارجوك لا تتعب نفسك يا أبي، ابقى مرتاح هذه الفترة لا تجهد فكرك بأي شيء.
ابتسم عاصم بلطف وقال لبنته: لا عليك يا ابنتي، كل شيء على ما يرام، بل غلى العكس أنا أقوم بتخفيف عن نفسي في هذه الطريقة، وفي الوقت ذاته أكون على اطلاع بكيفية سير العمل في الشركة.
قال ميرا مازحة: دع هذه الأمور لي أنا سوف اتولى كل شؤون شركتك سوف أديرها وكل الامور تحت السيطرة.
وقبل أن تكمل كلامها كانت ديمة قد دخلت وقالت لها بستهزاء: لقد تأخرتي يا ميرا الأميرة، لقد سبقتك في هذا.
نظرت ميرا إلى والدها والدهشة على وجهها رُسمت، ثم قالت لها: على ماذا سبقتني؟
جلست ديمة قرب زوجها تمسك يده ووضعت رأسها على كتفه وقالت: حبيبي وزوجي أعطاني إدارة الشركة حتى يستعيد صحته بشكل كامل.
ثم وجهت له السؤال: أليس كذلك حبي؟؛
قال عاصم: نعم، هذا صحيح.
فنظرت ديمة إلى ميرا بطريقة مليئة بالخبث والمكر، دون أن تقول أي شيء.
لكن عاصم أكمل كلامه بالقول: لكن هذا لا يعني بأنك المالكة لهذه الشركة، إنها مجرد إدارة والقرارات المهمة عليك الرجوع إلى المحامي الذي يتولى جميع الأمور المتعلقة بالشركة والعمل.
أبعدت نفسها عنه قليلا، وقالت له: لم تقل هذا الكلام حينما كاز المحامي هنا، ما الذي تغير؟!
رد عليها: لم يتغير شيء لكن أضفت بعض الأمور، وإن كنت لا ترغبين فيها يمكنك الرفض بشكل كلي لست مجبرة على مثل هذا يا حبيبتي.
عندها نظرت ميرا بذات الطريقة التي رمتها فيها قبل أن تسمع رد والدها، اشتعل بركان الغيظ في نفس ديمة من الأمرالذي حصل فهي لم تتوقع أن يفعل عاصم أمر مثل هذا.
فهي كانت تعتقد بأنها على دراية تامة بكل ما يحدث وهي تحت السيطرة دون اي عقبات أو شروط.
رغم أن الأمر اشعل نار الحق والغضب في نفسها، إلا أنها تظاهرت بعكس هذا، وقالت: لا مانع ان تفعل مثل هذا يا حبيبي، هذا من حقك طبعا.
ثم أضافت انا على يقين تام بأن كل ما تفعله يصب في مصلحة حياتنا وعملنا وكل ما يخصنا، فهذه شركتنا التي نريد بأن تكبر وتتطور باجمل الطرق وتصبح من الشركات المنافسة في ميدان السوق والتجارة.
ثم قالت: سوف أحضر لك كوب من العصير ريثما تنهي عملك، وما إن نهضت حتى قالت لها ميرا: ولا تنسي أن تعدي واحد لي أيضاً.
لم تجب ديمة بأي كلمة بل ذهبت من فورها وهي تتنفس السم وكأنها تختنق من فرط غيظها ولكن لا جدوى من الجدال والنقاش، بل هذا سيكون مضرة لها ولن يكون منفعة أبدا.
وهي في المطبخ تحدث نفسها وتقول: يظن بأنه قادر على ايقافي كلا لن يحدث هذا أبدا، وسوف احقق ما أريد وحين أصل إلى مرادي لن أشفق على أحد.
ثم صكت أسنانها بغيظ وقالت: وعلى وجه الخصوص تلك الفتاة اللعينة ميرا.
أما ميرا عند والدها قالت له: أبي صحيح بأنني صغيرة في السن، لكنني أخشى عليك وأشغر بأنني امك.
ابتسم عاصم وربت على كتف ابنتها وقال لها: أشعر بحبك وحنانك وكأنك أمي حقا يا ميرا.
أكملت ميرا الكلام: لا ارجو حياة تخلو من صوتك يا أبي أو من كلامك ونصائحك حتى من غضبك.
ثم أضافت: لكن يا أيي ارجوك ابقى على مسافة أمان من تلك المرأة لا أشعر بالأمان معها، ولدي حدس كبير يخبرني بأن ما يجري مدرب وما هو إلا فخ أو مكيدة.
تنهد عاصم وقال لميرا: لقد صدقتي القول يا ابنتي، كل ما حاولت التريث وعدم الوقوع في فخ مشاعري فشلت في هذا وسقطت امامها، ودائما ما احقق لها كل ما تريد دون التفكير بأي توابع قد تأتي من خلال هذا الأمر.
حاولت ميرا التخفيف عن والدها وقالت: لا داعي أن تلوم نفسك يا أبي يكفي بأنك تدرك الأمور قبل فوات الأوان، أو حدوث مشاكل يصعب حلها.
ودار نقاش بين ميرا وأبيها عن حال ديمة المتقلب وكيفية التصرف معها، وكان عاصم يطلب من ابنته أن لا تبالغ بكرهها لديمة، وأن ديمة ليست والدتها هذا صحيح لكن هذا لا يعني بأنها عدوة لها.
فقالت له ميرا: أعلم بأنك لا تحب الحديث عن هذا لكن أريد أن اخبرك بأن أمي تحدث معي اليوم.
تغير وجه عاصم وكأنه سمع خبر سوء، وقال لها: ماذا تريد منك وما سر الإتصال المفاجىء؟
ردت عليه ميرا ونظرات الحنين في عينها وقالت: لقد كانت تطمئن عن حالتك.
قال عاصم بنبرة جافة: وكيف وصل لها الخبر عن حالتي؟
أجابته ميرا: الأمور التي تشبه هذه ليست سر وتشاع بين الناس بسرعة وعلى الرغم من هذا لا يهم كيف وصل لها الخبر.
قاطعها عاصم وقال: ما هو المهم إذا؟
ردت عليه وقالت: اهتمامها بالسؤال عنك وأنت في محنة كهذه.
قال عاصم ساخراً: اهتمام؟ ماذا عن زوجها؟
اجابت ميرا مبررة له: لقد بقيت وحدها لسنوات، وحاولت العودة لك، لكنك كنت قد أغلقت جميع الطرق في وجهها، وهذا لا يعني أن تعيش حياتها وحيدة بدون مؤنس ورفيق.
امتعض عاصم من تبريرات ميرا وقال: هذا يعني بأن زواج أمك من أخر لا يؤثر فيك؟
ردت عليه ميرا بسؤال يشبهه وقالت: ماذا عن زوجك يا ابي؟ لماذا لم تبقى وحدك بدون أحد في مثل هذا السن بل كنت تسعى للأمر منذ زمن حتى تم .
حينها شعر عاصم بأنه ادخل نفسه في مشادة مع ابنته وهو لا يريد هذا الأمر، فحاول أن يغلق الحدث ويكف عن توسعته والنقاش فيه أكثر.
فقال له: دعك من هذا الآن واذهبي لديمة، انظر ماذا حدث معها.
ضحكت ميرا وقالت له: إنه كوب عصير وليس تحضير وجبة طعام أو اختراع جهاز جديد لهذا الكوكب.
ثم انصرفت إلى المطبخ لترى ديمة، على مهلها تعد الفواكه وتحضر كل شيء بهدوء دون أن تزعج نفسها.
فقالت ميرا لها: هل يمكنك أن تسرعي؟
ردت عليها ديمة دون أن تنظر لها: وما شأنك؟
قالت ميرا: والدس ينتظرك.
ضحكت ديمة وقالت: سوف ينتظر كثير.
يتبع .. .