البارت الثالث والعشرون
احيانا يكون زواج الغرباء افضل بكثير من زواج الأقارب أو المعارف، ولكن هذا يعتمد على أخلاق الغريب ونشأته وتربية عائلته، لكن دائما ما يقال أن من نعرفه افضل ممن لا نعرفه، بالفعل هذا القول هو ما آمنت به سهيلة لاحقاً، بعدما عاشت مع آثر وعائلته وتعرفت على طباعهم.
في بداية الأمر كان كل ما يجمعها بهم هو مكالمات هاتفية، لا تراهم ولا ترى معاملتهم لبعض ولم تعاشرهم قط، فالقرب من الأشخاص يظهر نواياهم وطباعهم.
فقبل أن نقترب من شخص ما كل القرب، ونعطية مكانة كبيرة في حياتنا، لابد وأن نتعرف عليه اولا؛ لأن مشاعرنا احيانا تخوننا ولا ترى سوى الظاهر فقط، تنخدع عندما تقترب وتتعرف على الباطن.
عندما اتت عائلة آثر في ثالث يوم لزواج سهيلة، دخلو عليها فارغي الأيدي، حتى أنهم لم يجلبوا لها هدية صغير او زجاجة مشروب بارد او ما شابه، من الطبيعي أننا عندما نزور أحدا ما نأخذ معنا شيئاً في زيارتنا، تلك هي عادات المجتمع، وما نأخذه يدل على قيمتنا وزوقنا وتقديرنا لمن نزور.
لاحظت سهيلة ذلك لكنها لم تدقق في هذا الشيء فهي ترى أنهم عائلة واحدة لاتفرق معها تلك التفاصيل البسيطة، وبالرغم من برودهم في جلوسهم مع عروس لثالث يوم في زفافها كل هذه المدة، لم يكتفوا بل انتظروا حتى تعد لهم الطعام وياكلوا.
كان آثر يعلم بقدومهم ويعلم ايضاً بأنهم سيتناولون الطعام هناك، الوحيدة التي لم تكن تعلم ووضعت أمام الأمر الواقع هي سهيلة.
قال آثر يخفي حقيقة ما بأفكاره ويستدرج سهيلة في الحديث؛ لتفعل ما يدور في رأسه برضا، تنتظر سهيلة سؤاله:
-اريد أن اسألك سؤال؟
-ماذا؟
-هل إن تم تركيب الموقد اليوم وعمل؟ يمكنك تحضير الطعام لنا، اريد تناول الطعام من يدك بشدة.
ابتسمت سهيلة وقالت:
-بالطبع يا حبيبي احضر لك ما تريد، لكن بعد رحيل إخوتك، بالرغم من ان الوقت سيصبح متأخرا لكن لا عليك ساطهوا لاجلك.
قبل يدها وقال لها:
-شكرا لكِ يا حبيبتي.
خرجت منال من الغرفة ورأت آثر وهو يقبل يدها، علا صوتها مزاحا وتمسك بآثر وسهيلة تضرب بهم:
-ماذا تفعلون ونحن هنا، اخجلوا قليلاً ايها الحمقى.
قالت سهيلة وهي تضحك:
-لم نفعل شيئاً يا فتاة لقد قبل يدي فقط وليس شيئاً آخر.
قالت منال ضاحكة:
-هذا ما ينقص إذا إن يقبل شيئا آخر ونحن هنا.
ضحكت سهيلة خجلاً من حديثها، اتى رجل التصليح وقام بتركيب الموقد، وتنتظر سهيلة ذهاب عائلته لكنهم لا يذهبون، قمة البرود وجد فيهم في هذا اليوم، هم باقون ويعلم آثر بذلك ولم يخبرها وتفاجأت عندما قال آثر:
-هيا يا سهيلة حضري الطعام ستتناول العشاء سويا.
تفاجأت سهيلة ورمقته بنظرات استغراب ولوم ثم قالت:
-كيف ساحضر الطعام، ليس لدينا اوان للطهي يا آثر.
فقالت منال:
-حسنا اذهب الى المنزل برفقة شهد واجلب بعض اواني الطهي وزجاجة زيت طعام وكيس من السكر.
ذهب آثر دون تردد وبالفعل قامت سهيلة بتحضير الطعام، وتناول الجميع الطعام وبعد الانتهاء جلست شهد ومنال في غرفة الاطفال يتبادلون الحديث، بينما كانت سهيلة تنظف مكان الطعام وتغسل يديها.
سمعتهم سهيلة وهم يقولون:
-لم نرى حاجتها بعد، كيف لوالدتها ان تذهب هكذا يوم زفافها دون ان تنتظر لتطمئن على ابنتها؟
اجابتها شهد:
-لا اعلم لكنه امر غريب.
اجابت منال:
-لقد قال ابي ذلك، إنه شيء غريب.
دخلت سهيلة وقالت:
-ما هو الغريب الذي تحدث عنه والدك، وما هي حاجتي التي تريدون رؤيتها؟
خجلت منال وشهد لسماعها حديثهم، ثم قالت منال بجرأة:
-اجل يا سهيلة لم نطمئن على حاجتك لاجل اخي حتى الآن، لم لم تنتظر والدتكِ حتى تطمئن عليك قبل رحيلها يوم الزفاف.
وبكل جرأة جاوبت سهيلة أيضاً وهي تقف عاقدة زراعيها:
-وهل هذا أمر يعنيك او يعني والدكِ؟! أنه سر بيني وبين زوجي ليس مسموح لأحد بمناقشتي به، والدتي وعائلتي جميعها اين ستنتظر؟! إن كانت عائلتي لم تجد من يستقبلها أو حتى يضايفهم بكوب من الماء، والدك لم يحضر الزفاف من الأساس وهرب حتى لا يدفع جنيهاً واحداً من تكاليفه، لم يتساءل الآن عن الأمر، في الحقيقة الغريبة هي أفكاركم وطباعكم.
سمعها آثر من الداخل وهي تتحدث معهم بصوت واضح، ذهب إليها وقال:
-ما الامر ماذا هناك؟
قالت سهيلة بسخرية:
-استمع يا زوجي العزيز ما يتحدثون به عني، والدك يقول إنه شيء غريب الا تنتظر امى لتطمئن على حاجتي، على اساسا أنه قام بضيافتها على أكمل وجه وهي رفضت ذلك.
قال آثر يريد انهاء الحديث:
-يكفي إذا التحدث بهذا الأمر.
علمت سهيلة من طريقة كلامه أنه سمع هذا الكلام سابقا، ليست المرة الأولى التي يقال هذا امامه، نظرت إليه بتعجب وقالت:
-ولم يا آثر؟ لم لم تخبرهم بما يريدون معرفته، انت زوجي وانت من كنت معي في غرفة نومي، لم لم تخبرهم بذلك.
-يكفي يا سهيلة.
بصوت منفعل تتحدث سهيلة، أنه عرضها الذي يخوضون فيه، لقد وصل بهم الامر الى هنا دون خجل يشككون في أخلاقها، لم تصمت سهيلة وتتغاضى عن الأمر مثل كل مرة، بل دافعت عن نفسها بكل شجاعة وقالت:
-لا يا آثر لا يكفي، لقد وصل الأمر بوالدك أن يخوض بعرضي، اقسم بالله من يتحدث بعرضي كلمة واحدة أضعه اسفل قدمى.
اشاحت بنظرها إلى منال وقالت:
-اخبري والدك باني فتاة تربيتها في بيت اهلها تكفي هذه البلد بأجمعها.
ابتسمت منال بلئم وقالت إدارة عن الأمر وتحاول تغيير الموضوع:
-سهيلة لا تأخذي حديث والدي على محمل الجد أنه رجل كبير السن.
اجابت سهيلة ما أثار غضبهم وقالت:
-كبير السن؟ تعني أنه بدأ يفقد عقله ويتفوه بتخاريف؟
نظرت منال لآثر والى شهد تتعجب من جرأة سهيلة وحديثها دون خجل أو تراجع، بالطبع انها فتاة حرة تثق في تربيتها وفي أخلاقها، هذه ليس إهانة لها فقط وانما يمس الأمر عائلتها بأكملها، دافعت عن نفسها وعن عائلتها بكل شرف وشجاعة، هذا ما على الفتيات فعله التصدي لاصحاب النفوس المريضة دون خوف، يدافعون عن أعراضهم وأنفسهم وعائلاتهم دون تردد.
فقالت منال:
-هل تهينين والدي؟
-انت من قال أنه كبر في سنه، إذا تعلمين أنه يعاني تخاريف، ولم يتحدث أحد منكم عندما اهانني بحديثه هذا، نهاية الأمر هذا الأمر يعنيني فقط وزوجي ولا علاقة لكم به.
خرجت سهيلة من الغرفة فوجدت ابنة منال تفتش فى الاغراض، تفتح نوافذ المطبخ وتفتح الثلاجة، طاحت بها سهيلة وقالت:
-ماذا تفعلين؟ لم تفتشين في الأشياء هكذا دون استئذان؟ ماذا تريدين؟
نظرت إليها الفتاة الصغيرة التي لا يتعدى عمرها الثلاث سنوات كأنها شخص تخطي العشرين، رمقتها بنظرات حادة وهي تقف أمامها دون خوف أو خجل، نزلت الفتاة الى اسفل وامسكت بالحذاء ورفعته على سهيلة، اشتاطت سهيلة غضبا وصرخت بها وقالت:
-ضعي الحذاء جانباً والا كسرت يدك، إياك أن ترفعي الحذاء بوجهي مرة أخرى، ضعي الحذاء.
خافت الطفلة من صرخة سهيلة بها ورمت الحذاء على الأرض، فقالت لها سهيلة:
-هيا اذهبي الى امك.
ركضت الطفلة إلى الداخل، خرج آثر يعاتب سهيلة بصوت منخفض ويقول:
-لم فعلت ذلك يا سهيلة؟ انها فتاة صغيرة لا تفهم شيئاً، لقد غضبت منال من ذلك.
رفعت سهيلة صوتها حتى تسمع الجميع وقالت:
-بدلا من أن تخبرني انها فتاة صغيرة أخبرها أن ما فعلته خطأ لا يصح، عليها احترام من هو أكبر منها سنا، هل ساسكت عن ذلك أن فعله أحد اخواتي الصغار، كنت كسرت رأسه، انا أعلمها ما عليها فعله واعلمها الصواب الذي يبدوا أنها لا تعرفه كما تقول فهي صغيرة ولا تفهم شيئاً وعلينا تعليمها.
سكت آثر ولم يتفوه بكلمة فهو يرى كم سهيلة غاضبة مما حدث ومن حديث والده، يعلم أن الأمر سيزداد سوءاً أن تحدث أكثر أو عاندها، ذهبت منال وشهد وانتهي اليوم بكل ما فيه، جلست سهيلة مع آثر تعاتبه عما قاله والده، اكتشفت أنه حتى آثر يشك في الأمر.
لم تكن هذه الصدمة الأولى وانا صدمتها الاقوى على الاطلاق، والتي حفرت جرحا عميقا في قلبها دام حتى الممات.
تتوقع المرأة من اي شخص في الكون تعرفه أو لا تعرفه أن يجرحها، لكن ما لا تتوقعه أن يكون هذا الجرح من زوجها من هو أقرب إليها من نفسها، هو أيضا يشك بأخلاقها، لماذا؟!
قالت سهيلة باستغراب:
-من الذي سمح لهم التحدث بهذا الامر؟
تقلقل آثر في حديثه وقال بتوتر:
-لقد تسألت منال عندما ذهبت إلى هناك، فاخبرتها أنه كل شي بخير، أرادت روية حاجتك، وقالت إنها بواقي لعادتك الشهرية.
كأن سهيلة وهي تسمع هذا الكلام تصعق بشحنات كهربائية، عائلة ليس هناك خجل ولا حياة بين أفرادها، تتحدث المرأة مع الرجل في اي كان دون حياة، ما هذه الأخلاق؟ وتذمون ويشككون بأخلاق غيرهم.
فقالت سهيلة تنتظر رده:
-وانتِ ماذا اجبتها، انت من كنت معي بغرفة نومي.
حتى هو زرعت به منال ووالدها الشكوك نحوها:
-لا اعلم يا سهيلة لكن لم لم يكن الأمر واضحاً اكثر؟
وقفت سهيلة منتفضة، ليس هذا الرد الذي كانت تنتظره منه، فقالت بغضب وانفعال شديدين:
-ماذا تقول؟! ما هذا الذي لم يكن واضحاً يا آثر، لقد كان كل شيء أمام عينيك، هل هذا آخر ما اتلاقاه منك، ضربة قوية تقسم ظهري، انت ايضا تشكك بي.
وقف آثر وقال:
-لالالا ليس الامر كذلك.
تساقطت دموع سهيلة بغزارة وقالت:
-ليس ماذا. ليس ماذا؟ ليتني لم اتزوجك يوماً، سحقا لك ولعائلتك.
دخلت سهيلة إلى غرفتها باكية حزينة، ترقد على فراشها وتتوالى الأحداث أمام عينيها من بداية اليوم حتى نهايته بتلك الكلمات التي سمعتها من زوجها وعشقها واختيارها، بئسا لهذا الإختيار.
ظلت سهيلة تردد في داخلها:
-انا المخطئه وانا من فعلت ذلك بنفسي، ليتني سمعت لامي وأبي، ليتني لم اتزوج به، حقا لقد حدث ما اخبروني به، تستحقين أكثر من ذلك يا سهيلة تستحقين، هذا هو اختيارك هيا تحملي قدر ما تشائين من الزل والاهانات، ستعودين إلى والدكِ؟! بما ستخبريه؟! سامحني يا والدي كان لديك حق، وماذا سيقول وكيف سيتقبلك بعدما فعلته بهم لأجل الزواج من آثر؟
ظلت هكذا طوال الليل تفكر وتتحدث وتجيب على نفسها، شعرت بباب الغرفة يفتح بهدوء كان آثر مازال مستيقظا، دخل إلى جوارها، ادعت النوم حتى لا تتحدث إليه، وضع يده حول خصرها يحتضنها ويقول:
-سهيلة هل انت نائمة؟
لم تجبه ولم تتحرك، آثر آثر أن يوقظها هو يلعم انها ليست نائمة:
-سهيلة؟
دفعت بيده بعيدا عن خصرها وتحركات إلى الداخل قليلاً تبتعد عنه، اقترب منها أكثر ووضع يده على خصرها وضمها اليه، عاودت الكرة حتى حصرت نفسها بينه وبين الحائط، فقال لها:
-أين ستذهبين؟ اما انا أو الحائط.
قالت بحزن:
-اتركني يا آثر من فضلك اريد النوم.
-لا لن اترككِ، اريد النوم معك ايضاً.
-حسنا نم السرير امامك.
-لا اريد ان انام بحضنك.
زفرت سهيلة بضيق ولم تجبه، عاود عليها الحديث:
-انتي يا فتاة الم تسمعيني؟ اريد النوم بحضنك.
اعتدلت سهيلة تعطيه وجهها وقالت:
-حسنا هيا نم.
ظل آثر يتكفل عليها حتى بدأت تهدأ، أخبرها أنه لم يقصد ما قاله وان والده يتحدث هكذا من غضبه منهم، وصفيت سهيلة كالعادة عندما تلقت جرعة من السحر الذي لا ينتهي.
في بداية الأمر كان كل ما يجمعها بهم هو مكالمات هاتفية، لا تراهم ولا ترى معاملتهم لبعض ولم تعاشرهم قط، فالقرب من الأشخاص يظهر نواياهم وطباعهم.
فقبل أن نقترب من شخص ما كل القرب، ونعطية مكانة كبيرة في حياتنا، لابد وأن نتعرف عليه اولا؛ لأن مشاعرنا احيانا تخوننا ولا ترى سوى الظاهر فقط، تنخدع عندما تقترب وتتعرف على الباطن.
عندما اتت عائلة آثر في ثالث يوم لزواج سهيلة، دخلو عليها فارغي الأيدي، حتى أنهم لم يجلبوا لها هدية صغير او زجاجة مشروب بارد او ما شابه، من الطبيعي أننا عندما نزور أحدا ما نأخذ معنا شيئاً في زيارتنا، تلك هي عادات المجتمع، وما نأخذه يدل على قيمتنا وزوقنا وتقديرنا لمن نزور.
لاحظت سهيلة ذلك لكنها لم تدقق في هذا الشيء فهي ترى أنهم عائلة واحدة لاتفرق معها تلك التفاصيل البسيطة، وبالرغم من برودهم في جلوسهم مع عروس لثالث يوم في زفافها كل هذه المدة، لم يكتفوا بل انتظروا حتى تعد لهم الطعام وياكلوا.
كان آثر يعلم بقدومهم ويعلم ايضاً بأنهم سيتناولون الطعام هناك، الوحيدة التي لم تكن تعلم ووضعت أمام الأمر الواقع هي سهيلة.
قال آثر يخفي حقيقة ما بأفكاره ويستدرج سهيلة في الحديث؛ لتفعل ما يدور في رأسه برضا، تنتظر سهيلة سؤاله:
-اريد أن اسألك سؤال؟
-ماذا؟
-هل إن تم تركيب الموقد اليوم وعمل؟ يمكنك تحضير الطعام لنا، اريد تناول الطعام من يدك بشدة.
ابتسمت سهيلة وقالت:
-بالطبع يا حبيبي احضر لك ما تريد، لكن بعد رحيل إخوتك، بالرغم من ان الوقت سيصبح متأخرا لكن لا عليك ساطهوا لاجلك.
قبل يدها وقال لها:
-شكرا لكِ يا حبيبتي.
خرجت منال من الغرفة ورأت آثر وهو يقبل يدها، علا صوتها مزاحا وتمسك بآثر وسهيلة تضرب بهم:
-ماذا تفعلون ونحن هنا، اخجلوا قليلاً ايها الحمقى.
قالت سهيلة وهي تضحك:
-لم نفعل شيئاً يا فتاة لقد قبل يدي فقط وليس شيئاً آخر.
قالت منال ضاحكة:
-هذا ما ينقص إذا إن يقبل شيئا آخر ونحن هنا.
ضحكت سهيلة خجلاً من حديثها، اتى رجل التصليح وقام بتركيب الموقد، وتنتظر سهيلة ذهاب عائلته لكنهم لا يذهبون، قمة البرود وجد فيهم في هذا اليوم، هم باقون ويعلم آثر بذلك ولم يخبرها وتفاجأت عندما قال آثر:
-هيا يا سهيلة حضري الطعام ستتناول العشاء سويا.
تفاجأت سهيلة ورمقته بنظرات استغراب ولوم ثم قالت:
-كيف ساحضر الطعام، ليس لدينا اوان للطهي يا آثر.
فقالت منال:
-حسنا اذهب الى المنزل برفقة شهد واجلب بعض اواني الطهي وزجاجة زيت طعام وكيس من السكر.
ذهب آثر دون تردد وبالفعل قامت سهيلة بتحضير الطعام، وتناول الجميع الطعام وبعد الانتهاء جلست شهد ومنال في غرفة الاطفال يتبادلون الحديث، بينما كانت سهيلة تنظف مكان الطعام وتغسل يديها.
سمعتهم سهيلة وهم يقولون:
-لم نرى حاجتها بعد، كيف لوالدتها ان تذهب هكذا يوم زفافها دون ان تنتظر لتطمئن على ابنتها؟
اجابتها شهد:
-لا اعلم لكنه امر غريب.
اجابت منال:
-لقد قال ابي ذلك، إنه شيء غريب.
دخلت سهيلة وقالت:
-ما هو الغريب الذي تحدث عنه والدك، وما هي حاجتي التي تريدون رؤيتها؟
خجلت منال وشهد لسماعها حديثهم، ثم قالت منال بجرأة:
-اجل يا سهيلة لم نطمئن على حاجتك لاجل اخي حتى الآن، لم لم تنتظر والدتكِ حتى تطمئن عليك قبل رحيلها يوم الزفاف.
وبكل جرأة جاوبت سهيلة أيضاً وهي تقف عاقدة زراعيها:
-وهل هذا أمر يعنيك او يعني والدكِ؟! أنه سر بيني وبين زوجي ليس مسموح لأحد بمناقشتي به، والدتي وعائلتي جميعها اين ستنتظر؟! إن كانت عائلتي لم تجد من يستقبلها أو حتى يضايفهم بكوب من الماء، والدك لم يحضر الزفاف من الأساس وهرب حتى لا يدفع جنيهاً واحداً من تكاليفه، لم يتساءل الآن عن الأمر، في الحقيقة الغريبة هي أفكاركم وطباعكم.
سمعها آثر من الداخل وهي تتحدث معهم بصوت واضح، ذهب إليها وقال:
-ما الامر ماذا هناك؟
قالت سهيلة بسخرية:
-استمع يا زوجي العزيز ما يتحدثون به عني، والدك يقول إنه شيء غريب الا تنتظر امى لتطمئن على حاجتي، على اساسا أنه قام بضيافتها على أكمل وجه وهي رفضت ذلك.
قال آثر يريد انهاء الحديث:
-يكفي إذا التحدث بهذا الأمر.
علمت سهيلة من طريقة كلامه أنه سمع هذا الكلام سابقا، ليست المرة الأولى التي يقال هذا امامه، نظرت إليه بتعجب وقالت:
-ولم يا آثر؟ لم لم تخبرهم بما يريدون معرفته، انت زوجي وانت من كنت معي في غرفة نومي، لم لم تخبرهم بذلك.
-يكفي يا سهيلة.
بصوت منفعل تتحدث سهيلة، أنه عرضها الذي يخوضون فيه، لقد وصل بهم الامر الى هنا دون خجل يشككون في أخلاقها، لم تصمت سهيلة وتتغاضى عن الأمر مثل كل مرة، بل دافعت عن نفسها بكل شجاعة وقالت:
-لا يا آثر لا يكفي، لقد وصل الأمر بوالدك أن يخوض بعرضي، اقسم بالله من يتحدث بعرضي كلمة واحدة أضعه اسفل قدمى.
اشاحت بنظرها إلى منال وقالت:
-اخبري والدك باني فتاة تربيتها في بيت اهلها تكفي هذه البلد بأجمعها.
ابتسمت منال بلئم وقالت إدارة عن الأمر وتحاول تغيير الموضوع:
-سهيلة لا تأخذي حديث والدي على محمل الجد أنه رجل كبير السن.
اجابت سهيلة ما أثار غضبهم وقالت:
-كبير السن؟ تعني أنه بدأ يفقد عقله ويتفوه بتخاريف؟
نظرت منال لآثر والى شهد تتعجب من جرأة سهيلة وحديثها دون خجل أو تراجع، بالطبع انها فتاة حرة تثق في تربيتها وفي أخلاقها، هذه ليس إهانة لها فقط وانما يمس الأمر عائلتها بأكملها، دافعت عن نفسها وعن عائلتها بكل شرف وشجاعة، هذا ما على الفتيات فعله التصدي لاصحاب النفوس المريضة دون خوف، يدافعون عن أعراضهم وأنفسهم وعائلاتهم دون تردد.
فقالت منال:
-هل تهينين والدي؟
-انت من قال أنه كبر في سنه، إذا تعلمين أنه يعاني تخاريف، ولم يتحدث أحد منكم عندما اهانني بحديثه هذا، نهاية الأمر هذا الأمر يعنيني فقط وزوجي ولا علاقة لكم به.
خرجت سهيلة من الغرفة فوجدت ابنة منال تفتش فى الاغراض، تفتح نوافذ المطبخ وتفتح الثلاجة، طاحت بها سهيلة وقالت:
-ماذا تفعلين؟ لم تفتشين في الأشياء هكذا دون استئذان؟ ماذا تريدين؟
نظرت إليها الفتاة الصغيرة التي لا يتعدى عمرها الثلاث سنوات كأنها شخص تخطي العشرين، رمقتها بنظرات حادة وهي تقف أمامها دون خوف أو خجل، نزلت الفتاة الى اسفل وامسكت بالحذاء ورفعته على سهيلة، اشتاطت سهيلة غضبا وصرخت بها وقالت:
-ضعي الحذاء جانباً والا كسرت يدك، إياك أن ترفعي الحذاء بوجهي مرة أخرى، ضعي الحذاء.
خافت الطفلة من صرخة سهيلة بها ورمت الحذاء على الأرض، فقالت لها سهيلة:
-هيا اذهبي الى امك.
ركضت الطفلة إلى الداخل، خرج آثر يعاتب سهيلة بصوت منخفض ويقول:
-لم فعلت ذلك يا سهيلة؟ انها فتاة صغيرة لا تفهم شيئاً، لقد غضبت منال من ذلك.
رفعت سهيلة صوتها حتى تسمع الجميع وقالت:
-بدلا من أن تخبرني انها فتاة صغيرة أخبرها أن ما فعلته خطأ لا يصح، عليها احترام من هو أكبر منها سنا، هل ساسكت عن ذلك أن فعله أحد اخواتي الصغار، كنت كسرت رأسه، انا أعلمها ما عليها فعله واعلمها الصواب الذي يبدوا أنها لا تعرفه كما تقول فهي صغيرة ولا تفهم شيئاً وعلينا تعليمها.
سكت آثر ولم يتفوه بكلمة فهو يرى كم سهيلة غاضبة مما حدث ومن حديث والده، يعلم أن الأمر سيزداد سوءاً أن تحدث أكثر أو عاندها، ذهبت منال وشهد وانتهي اليوم بكل ما فيه، جلست سهيلة مع آثر تعاتبه عما قاله والده، اكتشفت أنه حتى آثر يشك في الأمر.
لم تكن هذه الصدمة الأولى وانا صدمتها الاقوى على الاطلاق، والتي حفرت جرحا عميقا في قلبها دام حتى الممات.
تتوقع المرأة من اي شخص في الكون تعرفه أو لا تعرفه أن يجرحها، لكن ما لا تتوقعه أن يكون هذا الجرح من زوجها من هو أقرب إليها من نفسها، هو أيضا يشك بأخلاقها، لماذا؟!
قالت سهيلة باستغراب:
-من الذي سمح لهم التحدث بهذا الامر؟
تقلقل آثر في حديثه وقال بتوتر:
-لقد تسألت منال عندما ذهبت إلى هناك، فاخبرتها أنه كل شي بخير، أرادت روية حاجتك، وقالت إنها بواقي لعادتك الشهرية.
كأن سهيلة وهي تسمع هذا الكلام تصعق بشحنات كهربائية، عائلة ليس هناك خجل ولا حياة بين أفرادها، تتحدث المرأة مع الرجل في اي كان دون حياة، ما هذه الأخلاق؟ وتذمون ويشككون بأخلاق غيرهم.
فقالت سهيلة تنتظر رده:
-وانتِ ماذا اجبتها، انت من كنت معي بغرفة نومي.
حتى هو زرعت به منال ووالدها الشكوك نحوها:
-لا اعلم يا سهيلة لكن لم لم يكن الأمر واضحاً اكثر؟
وقفت سهيلة منتفضة، ليس هذا الرد الذي كانت تنتظره منه، فقالت بغضب وانفعال شديدين:
-ماذا تقول؟! ما هذا الذي لم يكن واضحاً يا آثر، لقد كان كل شيء أمام عينيك، هل هذا آخر ما اتلاقاه منك، ضربة قوية تقسم ظهري، انت ايضا تشكك بي.
وقف آثر وقال:
-لالالا ليس الامر كذلك.
تساقطت دموع سهيلة بغزارة وقالت:
-ليس ماذا. ليس ماذا؟ ليتني لم اتزوجك يوماً، سحقا لك ولعائلتك.
دخلت سهيلة إلى غرفتها باكية حزينة، ترقد على فراشها وتتوالى الأحداث أمام عينيها من بداية اليوم حتى نهايته بتلك الكلمات التي سمعتها من زوجها وعشقها واختيارها، بئسا لهذا الإختيار.
ظلت سهيلة تردد في داخلها:
-انا المخطئه وانا من فعلت ذلك بنفسي، ليتني سمعت لامي وأبي، ليتني لم اتزوج به، حقا لقد حدث ما اخبروني به، تستحقين أكثر من ذلك يا سهيلة تستحقين، هذا هو اختيارك هيا تحملي قدر ما تشائين من الزل والاهانات، ستعودين إلى والدكِ؟! بما ستخبريه؟! سامحني يا والدي كان لديك حق، وماذا سيقول وكيف سيتقبلك بعدما فعلته بهم لأجل الزواج من آثر؟
ظلت هكذا طوال الليل تفكر وتتحدث وتجيب على نفسها، شعرت بباب الغرفة يفتح بهدوء كان آثر مازال مستيقظا، دخل إلى جوارها، ادعت النوم حتى لا تتحدث إليه، وضع يده حول خصرها يحتضنها ويقول:
-سهيلة هل انت نائمة؟
لم تجبه ولم تتحرك، آثر آثر أن يوقظها هو يلعم انها ليست نائمة:
-سهيلة؟
دفعت بيده بعيدا عن خصرها وتحركات إلى الداخل قليلاً تبتعد عنه، اقترب منها أكثر ووضع يده على خصرها وضمها اليه، عاودت الكرة حتى حصرت نفسها بينه وبين الحائط، فقال لها:
-أين ستذهبين؟ اما انا أو الحائط.
قالت بحزن:
-اتركني يا آثر من فضلك اريد النوم.
-لا لن اترككِ، اريد النوم معك ايضاً.
-حسنا نم السرير امامك.
-لا اريد ان انام بحضنك.
زفرت سهيلة بضيق ولم تجبه، عاود عليها الحديث:
-انتي يا فتاة الم تسمعيني؟ اريد النوم بحضنك.
اعتدلت سهيلة تعطيه وجهها وقالت:
-حسنا هيا نم.
ظل آثر يتكفل عليها حتى بدأت تهدأ، أخبرها أنه لم يقصد ما قاله وان والده يتحدث هكذا من غضبه منهم، وصفيت سهيلة كالعادة عندما تلقت جرعة من السحر الذي لا ينتهي.