الفصل الثاني والعشرون تريد الطلاق
كانت بيلا تشعر بالكثير من الضيق، لم تتحمل البقاء في الغرفة وقررت الخروج من المنزل بأكمله، قامت بتبديل ثيابها لترتدي فستان يصل للركبة وذات أكمام قصيرة، عزمت على جعل بدر يشعر بالشيء التي تشعر به، إن كان يهتم لأمرها لن يستطيع أن يجعلها تغادر هكذا.
هبطت وهي تقوم بتعديل شعرها لتجعله منسدل على ظهرها، رأت أمل تجلس ويدها في يد بدر، تتحدث معه ومع باقي العائلة، شعرت أن هذا المكان لا ينتمي إليها، اوشكت على الخروج ليوقفها صوت بدر:
-انتظري يا بيلا، إلى أين أنتِ ذاهبة في هذا الوقت يا ترى؟!
توقفت في مكانها وسمعت خطوات أقدامه تقترب، شعرت أنها غير مستعدة لمواجهة عينيه، وقف أمامها مباشرة واستطاعت أن ترى كم هو غاضب:
-ما الذي تفكرين فيه أنتِ؟ كيف تهبطين بتلك الهيئة يا بيلا، هل ترغبين في جعلي أفقد عقلي؟!
تحدثت بثبات وهي تنظر إلى عينيه مباشرة:
-ليس لكِ شأن بي، توقف عن التدخل في شؤوني، سوف أخرج أمام المنزل، أريد أن أسير بجوار الأراضي لن يحدث شيء.
اوشكت على تجاوزه ليقوم بسحب ذراعها والغضب يسيطر عليه:
-هل فقدتي عقلكِ يا بيلا؟ انظري إلى نفسكِ ما الذي ترتديه أنتِ؟!
حاولت سحب ذراعها منه وهي تلاحظ كيف ينظر الجميع تجاههم، تحدثت إليه بغضب:
-إن كنت لا تريد أن تخسر زوجتك دعني الآن يا بدر.
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب:
-ما الذي حدث لكِ؟ لماذا انقلب حالكِ هكذا يا بيلا؟ ألم نكن معًا وتناولنا الطعام في الخارج؟
نظرت لن ونيران الغيرة تتطاير من خلال نظراتها:
-أنا لست فتاة سيئة لأقبل بزواج السر هل تسمعني؟
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب وهو يلاحظ انفعالها الشديد:
-من قال أن الزواج في السر يا بيلا؟ الغالبية هنا يعرفون أنكِ زوجتي، نحن كنّا نسير معًا في القرية أمام الجميع اليوم يا بيلا، عقد الزواج على وشك أن يصل لنا ولا يوجد ما تقوليه.
نظرت له وهي تحاول أن تتمالك أعصابها:
-أنت لم تخبر أمل بالأمر، هي زوجتك ولا يمكنني القبول بهذا الشيء.
حرك بدر رأسه باستنكار وهو ينظر لها بضيق شديد:
-بيلا توقفي عن التفكير بتلك الطريقة، تعلمين أن لزواجنا سبب وأنتِ لم تدبري أموركِ بعد، سوف أشرح كل شيء إلى أمل اليوم، لا تفكري في هذا الأمر، أنا حقًا لا أعلم ما علاقة عدم اخباري لأمل بتلك الأفعال التي تقومين بها؟!
نظرت له لبعض الوقت، لاحظ صدمتها وهي تنظر له، سألها بتعجب وهو يفكر في حديثه ويحاول البحث عن أي خطأ:
-ما الذي اخطأت فيه يا بيلا؟ لماذا تنظرين لي بتلك الطريقة؟!
كانت بيلا تشعر بالكثير من الضيق، لا تقوى على أخذ أنفاسها، تتساءل هل الشيء الذي قاله صحيح، هو متزوج بها من أجل مساعدتها ولكن لماذا قال إلى أنس أنه يحبها؟ هل يحاول أن يخفي هذا الأمر عنها؟!
اقتربت أمل وهي حاول أن تداري غضبها الشديد:
-ما الذي حدث يا بدر؟ لماذا وجهها قد تغير لونه واصبحت الفتاة على وشك البكاء؟ هل قولت لها شيء تسبب في مضايقتها يا ترى؟!
نظرت بيلا إلى بدر وهي لا تعلم ما الذي يجب أن تقوله، خرجت من المنزل وأوشك بدر على الخروج خلفها لتمسك به أمل وهي تتحدث إليه باستنكار:
-ما الذي تريد أن تفعله أنت يا بدر؟ لا يمكنك أن تخرج خلفها بتلك الطريقة ماذا يقولوا الناس وهم يشاهدونك وأنت تركض خلفها؟ بيري إذا سمحتِ ارتدي حجابكِ والحقي بها، لا أعلم ما الذي حدث إلى عقلها؟!
وقف أنس ومن ثم خرج ليتبعها، نظر بدر إلى أمل وهو غير منتبه إلى أنس:
-دعينا نذهب إلى غرفتنا، يجب أن تعلمي شيء مهم.
علمت أمل أنه سوف يخبرها بزواجه من بيلا، عليها أن تكون هادئة وتستطيع التعامل معه:
-حسنًا يا بدر كما تريد.
ذهبوا إلى الغرفة وهو يضع في باله رد فعلها وكيف ستنفعل، من الطبيعي لن يكون رد فعلها هين أبدًا:
-كما تعلمين لقد تذكرنا أن أنس قد مات يا أمل، لم يكن هناك أي شيء يرشدنا أنه على قيد الحياة، لقد ظلم بيلا كثيرًا، تسبب في مجيئها إلى هنا وكما تعرفين سبب لها الكثير من الأذى، لم يكن هناك مكان آخر لتذهب إليه، ولم يكن من الجيد أن تبقى هنا ونحن غرباء عنها.
كانت تنظر له وهي صامتة تمامًا، لم ترد على حديثه بل انتظرت منه أن يكمل كل شيء يريد أن يقوله:
-في الحقيقة يا أمل أنا كنت أرفض كل شيء كان سيقوله أي شخص بالقرب منّا وهو الزواج من بيلا، أنا لم أكن أفكر في الأمر حتى، لكن ما حدث أن تم عقد قراني أنا وبيلا عندما ذهبتِ من هذا المنزل، لا أعلم هل كنت أحاول مساعدتها أم أنتقم لرحيلكِ!
لا تعلم لماذا شعرت بهذا الكم من الغضب رغم أنها كانت تعلم أن كل هذا سوف يحدث، حاولت أن تتمالك أعصابها بقدر المستطاع، تذكرت كيف كان يعاملها والدها طوال جلوسها في منزله، لا تعلم من أين أتى هذا الكم من الدموع وانهارت باكية في نهاية الأمر.
لم تعتاد على جعله يراها وهي تبكي، قامت بإخفاء وجهها بيديها وهو شعر أنه قد ظلمها ولم يكن هذا الفعل جيد منه أبدًا، قام بسحبها وهو يضمها ليستمع من بعدها إلى الشهقات التي بدأت في مغادرة صدرها:
-لا تبكي يا أمل، أنا أسف، صدقيني لم أكن أفكر في شيء كهذا، أنا طوال حياتي كلها لم أفكر في زوجة ثانية، حتى أن زواجي بها ليس حقيقي أبدًا.
ابتعدت وهي تجفف دموعها، حركت رأسها بنفي:
-أنت تحاول أن تعاقبني، لقد بحثت جيدًا عن شيء بإمكانه أن يكسرني ولقد نجحت يا بدر في النهاية، الآن أنا أشعر بالضيق الشديد.
حرك بدر رأسه بنفي ومن ثم قام بضمها من جديد، تحدث إليها برجاء:
-لا تفكري في أي شيء يا أمل، هذا الزواج لن يبقى للأبد أنا أرغب في مساعدة الفتاة، لم أحبها ولم تعجبني حتى، أنا سوف أوفر لها حياة جيدة بدلًا عن كل شيء عاشته مع أخي، سامحيني ولا تبكي لا أستطيع أن أرى دموعكِ.
في هذا الوقت كانت دموع بيلا تتساقط وهي تقف أمام أرض زراعية وبجوارها بيري تربت على ظهرها:
-الجو بارد على الملابس التي ترتديها، أرجوكِ يا بيلا توقفي عن البكاء ولا تقفي في هذه الأجواء وإلا ستمرضين.
حركت بيلا رأسها بإيجاب وكل ما ترغب فيه أن تتوقف بيري عن الحديث:
-يمكنكِ ان تذهبي يا بيري وأنا سوف ألحق بكِ لا يوجد داعي أبدًا للقلق.
حركت بيري رأسها بنفي وهي تشعر بالحزن عليها:
-لن أترككي يا بيلا ألم تعتبريني صديقتكِ؟ يمكنكِ التحدث معي وأعدكِ لن يعرف أي شخص بهذا الأمر أبدًا.
تساقطت دموع بيلا بألم وهي تحرك رأسها بنفي:
-لن تستطيعي أن تفهمي الشيء الذي أشعر به أنا، من الصعب عليّ التحدث ومن الصعب عليكم جميعًا أن تفهموا هذا الأمر صدقيني.
نظرت بيري لها وهي تحرك رأسها بنفي:
-أستطيع أن أفهمكِ لا تفكري بتلك الطريقة يا بيلا، اخبريني ما الذي تفكرين به يجعلكِ تصلين إلى هذه المرحلة، أنتِ تبكين بحزن شديد، لا يمكنني أن أترككي هكذا.
نظرت بيلا لها ومن ثم مسحت دموعها، لكن هذا لم يجدي نفعًا وبدأت في البكاء من جديد، تحدثت من بين دموعها:
-سوف أتحدث معكِ بصراحة يا بيري، أنا أثق بكِ، لكن لا تخبري أي شخص.
كان أنس يراقب من بعيد كل شيء يحدث، لم يقترب حتى لا تبتعد ويذهبوا بعيدًا عنه، اكتفى بالتنصت من خلف شجرة بالأرض الزراعية وهو يستمع إلى حديثهم، بدأت بيلا بالتحدث إلى بيري:
-أنا لم أكن مقربة من بدر أبدًا، لم أكن أعرف طباعه حتى، عندما أتيت إلى هذا المنزل رأيته شخص قاسي وغاضب دائمًا، لكن في الحقيقة لم أهتم للأمر حتى، بعد كل شيء فعله أنس معي استطعت أن أفهم شخصية بدر أكثر.
أخذت نفس عميق وهي تستمر في إزالة دموعها:
-لقد فهمت كيف يقلق ويراعي أي شخص يخصه، لقد كان يخشى على مشاعري من أقل فعل يقوم به، لقد تقربنا من بعضنا البعض، لم يعد يراني فتاة مزعجة أو سيئة ولم أعد أراه شخص غليظ أو قاسي، كنت أعتبره أخ وصديق لي، لكن لا أعرف ما الذي حدث من بعدها؟!
كانت بيري تنظر لها وقد فهمت ما الذي تعنيه، استطاعت أن ترى داخل عينيه الشيء الذي على وشك أن تبوح به:
-نعم لقد احببته، لا أعلم كيف بهذه السرعة، لا أعرف كيف فعلت هذا وهو رجل متزوج ومن المستحيل أن أتقبل هذا الأمر، من المستحيل أن أبقى معه في وجود فتاة أخرى ومن الصعب والمؤلم على قلبي أن أطلب منه ترك زوجته، لا يوجد لدي خيار يا بيري، هذا أكثر شيء يؤلمني.
اجتمعت الدموع داخل أعين بيري وهي تراها كيف ارتجفت وكيف خرج صوتها المتألم، تابعت بيلا الحديث وهي تنظر لها بأعين اصبحت حمراء اللون:
-لقد تدمر كل شيء يا بيري، لطالما شعرت أنني وجدت الحياة التي يمكنني أن أعيشها لم يمر يوم وأجد نفسي أخسرها، لا يمكنني البقاء معه من بعد الآن، مشاعري تطورت بسرعة لم أدركها من قبل، أرغب في اكمال حياتي معه، هذا صعب.
مسحت دموع قد تمردت عليها وهي ترجع شعرها إلى الخلف:
-سوف يكون كل شيء على ما يرام، سوف يكون كل شيء بخير، هذا ما أخبر به نفسي دائمًا، حتى لو لم ينطق لساني هذا فقلبي يستمر في الترديد، لكن هذه المرة قلبي ليس بخير يا بيري، هو مُصاب، اخبريني يا صديقتي ما الذي كنتِ ستفعلينه إن كنتِ مكاني؟!
ابتلعت بيري ما بحلقها وهي لا تجد الرد المناسب الذي يُمكنها أن ترد به عليها، حاولت أن تستجمع الكلمات ولكنها فشلت لتقوم بضمها:
-من الصعب السيطرة على القلب يا بيلا، إنه أمر صعب للغاية، لكن لا يوجد خيار لنا، لا يمكننا أن نفعل شيء حيال هذا يا بيلا سوى التحكم في مشاعرنا، أنا لا أتحدث معكِ بصفتي شقيقة بدر، بل نتحدث كأصدقاء، هو لن يترك أمل مهما حدث، من الصعب عليه فعلها يا بيري.
حاولت أن تهون عليها ولكنها كانت تواجهها بالحقيقة الموجودة حولها:
-أمل تضايقه في كثير من الأوقات، كما ترين تترك المنزل إن عارضها في شيء ما وتخبره أن هذا حقها، هو لا يريد أن يضايقها لأنه يعلم أنها تتألم من كون أنها لم تصبح أمًا، هو يعلم أنها ليست سيئة ولا أحد يمكنه أن يقول أنها سيئة، أخي لا يمكنه أن يظلم أي شخص يا بيلا.
نظرت بيلا لها وهي تومأ بتفهم:
-عليه أن يبتعد عني حتى لا تزداد الأمور سوءً، لا يمكنني التنبؤ بالشيء الذي سيحدث إن بقى بالقرب مني يا بيري، أنا لن أستطيع تحمل هذا الأمر وربما أجعله يتألم بطريقة ما وهو لم يفهم شيء سيء معي، على العكس كان يحاول مواساتي.
تذكرت عندما سمعته يتحدث إلى أنس ويخبره بوضوح أنه يحبها، لا تعلم ما الذي جعله يقول شيء كهذا، لا تعلم إن كان يشعر بهذا الأمر أم لا ولكنها تعلم إن كان هذا صحيح فهي لن تسمح به:
-أنا سوف أتحدث معه، من الضروري أن يحدث هذا.
حركت بيري رأسها بنفي وهي تشعر بالقلق عليها:
-أنتِ لستِ بخير يا بيلا، من الأفضل أن تقومي بتأجيل هذا الأمر، استمعي لي يا بيلا أنتِ لا يوجد مكان آخر لتذهبي إليه الآن، سوف يكون الوضع صعب عليكِ.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تشعر بالاختناق الذي يقودها إلى الهرب من هذا المنزل دون رجعة:
-لا يمكنني تحمل هذا، لا تخبري بدر بأي شيء، كما قولت لكِ أنا أتحدث معكِ لأنني أثق بكِ، لا تجعلي هذه الثقة تتلاشى هل هذا ممكن؟
اومأت بيري لها وهي تشعر بالحزن عليها، تحدثت والضيق يسيطر عليها:
-لن أقول شيء إلى أي شخص يا بيلا، لكن لا يمكنني أن أترككِ تذهبين ولا أعلم شيء عن المكان الذي سوف تجلسين فيه، لا أريدكِ أن تخاطري وتتعذبين في النهاية.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تحاول أن تجعلها تطمئن:
-لن يحدث أي شيء يا بيري، لا داعي للقلق، ربما أذهب إلى منزل منار ومن بعدها أغادر البلاد، لا داعي للقلق، اعتدت على التعامل.
نظرت بيري لها وقد استطاعت أن ترى الحزن داخل عينيها، قامت بضمها وهي تربت على ظهرها:
-سوف يكون كل شيء على ما يرام يا بيلا، أنتِ فتاة قوية وتستطيعي أن تفعلي أي شيء ترغبين فيه أليس كذلك؟
ابتعدت بيلا وهي تومأ لها وتستمر في إزالة دموعها، تفكر كيف ستتحدث مع بدر وما الذي سوف تقوله، هل سيتركها تغادر ببساطة أم عليها أن تقوم بحيلة ما ليتركها وشأنها؟
هي تعلم، سيكون هذا الأمر صعب عليها، لا يمكنها أن تتحمل فكرة الوقوف أمامه والتعامل معه بأريحية فماذا سيحدث في الواقع عندما تقف أمامه وتخبره أنها تريد الطلاق من أجل الرحيل؟!
كان أنس لا يصدق أنه يراها في هذه الحالة بسبب حبها إلى بدر، شعر بالصدمة وهو يراها تبكي من أجله، يتساءل ما الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة وهي لا تعرف بدر جيدًا، لم تعيش معه كثير من الوقت حتى تعشقه بتلك الطريقة؟
ابتسم ساخرًا وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-لا أظن أبدًا أن بدر يحبكِ بهذا القدر يا فتاة، لن يترك أمل من أجلكِ يا بيلا، تكوني فتاة غبية إن فكرتي أن هذا سوف يحدث.
هبطت وهي تقوم بتعديل شعرها لتجعله منسدل على ظهرها، رأت أمل تجلس ويدها في يد بدر، تتحدث معه ومع باقي العائلة، شعرت أن هذا المكان لا ينتمي إليها، اوشكت على الخروج ليوقفها صوت بدر:
-انتظري يا بيلا، إلى أين أنتِ ذاهبة في هذا الوقت يا ترى؟!
توقفت في مكانها وسمعت خطوات أقدامه تقترب، شعرت أنها غير مستعدة لمواجهة عينيه، وقف أمامها مباشرة واستطاعت أن ترى كم هو غاضب:
-ما الذي تفكرين فيه أنتِ؟ كيف تهبطين بتلك الهيئة يا بيلا، هل ترغبين في جعلي أفقد عقلي؟!
تحدثت بثبات وهي تنظر إلى عينيه مباشرة:
-ليس لكِ شأن بي، توقف عن التدخل في شؤوني، سوف أخرج أمام المنزل، أريد أن أسير بجوار الأراضي لن يحدث شيء.
اوشكت على تجاوزه ليقوم بسحب ذراعها والغضب يسيطر عليه:
-هل فقدتي عقلكِ يا بيلا؟ انظري إلى نفسكِ ما الذي ترتديه أنتِ؟!
حاولت سحب ذراعها منه وهي تلاحظ كيف ينظر الجميع تجاههم، تحدثت إليه بغضب:
-إن كنت لا تريد أن تخسر زوجتك دعني الآن يا بدر.
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب:
-ما الذي حدث لكِ؟ لماذا انقلب حالكِ هكذا يا بيلا؟ ألم نكن معًا وتناولنا الطعام في الخارج؟
نظرت لن ونيران الغيرة تتطاير من خلال نظراتها:
-أنا لست فتاة سيئة لأقبل بزواج السر هل تسمعني؟
حرك بدر رأسه بعدم استيعاب وهو يلاحظ انفعالها الشديد:
-من قال أن الزواج في السر يا بيلا؟ الغالبية هنا يعرفون أنكِ زوجتي، نحن كنّا نسير معًا في القرية أمام الجميع اليوم يا بيلا، عقد الزواج على وشك أن يصل لنا ولا يوجد ما تقوليه.
نظرت له وهي تحاول أن تتمالك أعصابها:
-أنت لم تخبر أمل بالأمر، هي زوجتك ولا يمكنني القبول بهذا الشيء.
حرك بدر رأسه باستنكار وهو ينظر لها بضيق شديد:
-بيلا توقفي عن التفكير بتلك الطريقة، تعلمين أن لزواجنا سبب وأنتِ لم تدبري أموركِ بعد، سوف أشرح كل شيء إلى أمل اليوم، لا تفكري في هذا الأمر، أنا حقًا لا أعلم ما علاقة عدم اخباري لأمل بتلك الأفعال التي تقومين بها؟!
نظرت له لبعض الوقت، لاحظ صدمتها وهي تنظر له، سألها بتعجب وهو يفكر في حديثه ويحاول البحث عن أي خطأ:
-ما الذي اخطأت فيه يا بيلا؟ لماذا تنظرين لي بتلك الطريقة؟!
كانت بيلا تشعر بالكثير من الضيق، لا تقوى على أخذ أنفاسها، تتساءل هل الشيء الذي قاله صحيح، هو متزوج بها من أجل مساعدتها ولكن لماذا قال إلى أنس أنه يحبها؟ هل يحاول أن يخفي هذا الأمر عنها؟!
اقتربت أمل وهي حاول أن تداري غضبها الشديد:
-ما الذي حدث يا بدر؟ لماذا وجهها قد تغير لونه واصبحت الفتاة على وشك البكاء؟ هل قولت لها شيء تسبب في مضايقتها يا ترى؟!
نظرت بيلا إلى بدر وهي لا تعلم ما الذي يجب أن تقوله، خرجت من المنزل وأوشك بدر على الخروج خلفها لتمسك به أمل وهي تتحدث إليه باستنكار:
-ما الذي تريد أن تفعله أنت يا بدر؟ لا يمكنك أن تخرج خلفها بتلك الطريقة ماذا يقولوا الناس وهم يشاهدونك وأنت تركض خلفها؟ بيري إذا سمحتِ ارتدي حجابكِ والحقي بها، لا أعلم ما الذي حدث إلى عقلها؟!
وقف أنس ومن ثم خرج ليتبعها، نظر بدر إلى أمل وهو غير منتبه إلى أنس:
-دعينا نذهب إلى غرفتنا، يجب أن تعلمي شيء مهم.
علمت أمل أنه سوف يخبرها بزواجه من بيلا، عليها أن تكون هادئة وتستطيع التعامل معه:
-حسنًا يا بدر كما تريد.
ذهبوا إلى الغرفة وهو يضع في باله رد فعلها وكيف ستنفعل، من الطبيعي لن يكون رد فعلها هين أبدًا:
-كما تعلمين لقد تذكرنا أن أنس قد مات يا أمل، لم يكن هناك أي شيء يرشدنا أنه على قيد الحياة، لقد ظلم بيلا كثيرًا، تسبب في مجيئها إلى هنا وكما تعرفين سبب لها الكثير من الأذى، لم يكن هناك مكان آخر لتذهب إليه، ولم يكن من الجيد أن تبقى هنا ونحن غرباء عنها.
كانت تنظر له وهي صامتة تمامًا، لم ترد على حديثه بل انتظرت منه أن يكمل كل شيء يريد أن يقوله:
-في الحقيقة يا أمل أنا كنت أرفض كل شيء كان سيقوله أي شخص بالقرب منّا وهو الزواج من بيلا، أنا لم أكن أفكر في الأمر حتى، لكن ما حدث أن تم عقد قراني أنا وبيلا عندما ذهبتِ من هذا المنزل، لا أعلم هل كنت أحاول مساعدتها أم أنتقم لرحيلكِ!
لا تعلم لماذا شعرت بهذا الكم من الغضب رغم أنها كانت تعلم أن كل هذا سوف يحدث، حاولت أن تتمالك أعصابها بقدر المستطاع، تذكرت كيف كان يعاملها والدها طوال جلوسها في منزله، لا تعلم من أين أتى هذا الكم من الدموع وانهارت باكية في نهاية الأمر.
لم تعتاد على جعله يراها وهي تبكي، قامت بإخفاء وجهها بيديها وهو شعر أنه قد ظلمها ولم يكن هذا الفعل جيد منه أبدًا، قام بسحبها وهو يضمها ليستمع من بعدها إلى الشهقات التي بدأت في مغادرة صدرها:
-لا تبكي يا أمل، أنا أسف، صدقيني لم أكن أفكر في شيء كهذا، أنا طوال حياتي كلها لم أفكر في زوجة ثانية، حتى أن زواجي بها ليس حقيقي أبدًا.
ابتعدت وهي تجفف دموعها، حركت رأسها بنفي:
-أنت تحاول أن تعاقبني، لقد بحثت جيدًا عن شيء بإمكانه أن يكسرني ولقد نجحت يا بدر في النهاية، الآن أنا أشعر بالضيق الشديد.
حرك بدر رأسه بنفي ومن ثم قام بضمها من جديد، تحدث إليها برجاء:
-لا تفكري في أي شيء يا أمل، هذا الزواج لن يبقى للأبد أنا أرغب في مساعدة الفتاة، لم أحبها ولم تعجبني حتى، أنا سوف أوفر لها حياة جيدة بدلًا عن كل شيء عاشته مع أخي، سامحيني ولا تبكي لا أستطيع أن أرى دموعكِ.
في هذا الوقت كانت دموع بيلا تتساقط وهي تقف أمام أرض زراعية وبجوارها بيري تربت على ظهرها:
-الجو بارد على الملابس التي ترتديها، أرجوكِ يا بيلا توقفي عن البكاء ولا تقفي في هذه الأجواء وإلا ستمرضين.
حركت بيلا رأسها بإيجاب وكل ما ترغب فيه أن تتوقف بيري عن الحديث:
-يمكنكِ ان تذهبي يا بيري وأنا سوف ألحق بكِ لا يوجد داعي أبدًا للقلق.
حركت بيري رأسها بنفي وهي تشعر بالحزن عليها:
-لن أترككي يا بيلا ألم تعتبريني صديقتكِ؟ يمكنكِ التحدث معي وأعدكِ لن يعرف أي شخص بهذا الأمر أبدًا.
تساقطت دموع بيلا بألم وهي تحرك رأسها بنفي:
-لن تستطيعي أن تفهمي الشيء الذي أشعر به أنا، من الصعب عليّ التحدث ومن الصعب عليكم جميعًا أن تفهموا هذا الأمر صدقيني.
نظرت بيري لها وهي تحرك رأسها بنفي:
-أستطيع أن أفهمكِ لا تفكري بتلك الطريقة يا بيلا، اخبريني ما الذي تفكرين به يجعلكِ تصلين إلى هذه المرحلة، أنتِ تبكين بحزن شديد، لا يمكنني أن أترككي هكذا.
نظرت بيلا لها ومن ثم مسحت دموعها، لكن هذا لم يجدي نفعًا وبدأت في البكاء من جديد، تحدثت من بين دموعها:
-سوف أتحدث معكِ بصراحة يا بيري، أنا أثق بكِ، لكن لا تخبري أي شخص.
كان أنس يراقب من بعيد كل شيء يحدث، لم يقترب حتى لا تبتعد ويذهبوا بعيدًا عنه، اكتفى بالتنصت من خلف شجرة بالأرض الزراعية وهو يستمع إلى حديثهم، بدأت بيلا بالتحدث إلى بيري:
-أنا لم أكن مقربة من بدر أبدًا، لم أكن أعرف طباعه حتى، عندما أتيت إلى هذا المنزل رأيته شخص قاسي وغاضب دائمًا، لكن في الحقيقة لم أهتم للأمر حتى، بعد كل شيء فعله أنس معي استطعت أن أفهم شخصية بدر أكثر.
أخذت نفس عميق وهي تستمر في إزالة دموعها:
-لقد فهمت كيف يقلق ويراعي أي شخص يخصه، لقد كان يخشى على مشاعري من أقل فعل يقوم به، لقد تقربنا من بعضنا البعض، لم يعد يراني فتاة مزعجة أو سيئة ولم أعد أراه شخص غليظ أو قاسي، كنت أعتبره أخ وصديق لي، لكن لا أعرف ما الذي حدث من بعدها؟!
كانت بيري تنظر لها وقد فهمت ما الذي تعنيه، استطاعت أن ترى داخل عينيه الشيء الذي على وشك أن تبوح به:
-نعم لقد احببته، لا أعلم كيف بهذه السرعة، لا أعرف كيف فعلت هذا وهو رجل متزوج ومن المستحيل أن أتقبل هذا الأمر، من المستحيل أن أبقى معه في وجود فتاة أخرى ومن الصعب والمؤلم على قلبي أن أطلب منه ترك زوجته، لا يوجد لدي خيار يا بيري، هذا أكثر شيء يؤلمني.
اجتمعت الدموع داخل أعين بيري وهي تراها كيف ارتجفت وكيف خرج صوتها المتألم، تابعت بيلا الحديث وهي تنظر لها بأعين اصبحت حمراء اللون:
-لقد تدمر كل شيء يا بيري، لطالما شعرت أنني وجدت الحياة التي يمكنني أن أعيشها لم يمر يوم وأجد نفسي أخسرها، لا يمكنني البقاء معه من بعد الآن، مشاعري تطورت بسرعة لم أدركها من قبل، أرغب في اكمال حياتي معه، هذا صعب.
مسحت دموع قد تمردت عليها وهي ترجع شعرها إلى الخلف:
-سوف يكون كل شيء على ما يرام، سوف يكون كل شيء بخير، هذا ما أخبر به نفسي دائمًا، حتى لو لم ينطق لساني هذا فقلبي يستمر في الترديد، لكن هذه المرة قلبي ليس بخير يا بيري، هو مُصاب، اخبريني يا صديقتي ما الذي كنتِ ستفعلينه إن كنتِ مكاني؟!
ابتلعت بيري ما بحلقها وهي لا تجد الرد المناسب الذي يُمكنها أن ترد به عليها، حاولت أن تستجمع الكلمات ولكنها فشلت لتقوم بضمها:
-من الصعب السيطرة على القلب يا بيلا، إنه أمر صعب للغاية، لكن لا يوجد خيار لنا، لا يمكننا أن نفعل شيء حيال هذا يا بيلا سوى التحكم في مشاعرنا، أنا لا أتحدث معكِ بصفتي شقيقة بدر، بل نتحدث كأصدقاء، هو لن يترك أمل مهما حدث، من الصعب عليه فعلها يا بيري.
حاولت أن تهون عليها ولكنها كانت تواجهها بالحقيقة الموجودة حولها:
-أمل تضايقه في كثير من الأوقات، كما ترين تترك المنزل إن عارضها في شيء ما وتخبره أن هذا حقها، هو لا يريد أن يضايقها لأنه يعلم أنها تتألم من كون أنها لم تصبح أمًا، هو يعلم أنها ليست سيئة ولا أحد يمكنه أن يقول أنها سيئة، أخي لا يمكنه أن يظلم أي شخص يا بيلا.
نظرت بيلا لها وهي تومأ بتفهم:
-عليه أن يبتعد عني حتى لا تزداد الأمور سوءً، لا يمكنني التنبؤ بالشيء الذي سيحدث إن بقى بالقرب مني يا بيري، أنا لن أستطيع تحمل هذا الأمر وربما أجعله يتألم بطريقة ما وهو لم يفهم شيء سيء معي، على العكس كان يحاول مواساتي.
تذكرت عندما سمعته يتحدث إلى أنس ويخبره بوضوح أنه يحبها، لا تعلم ما الذي جعله يقول شيء كهذا، لا تعلم إن كان يشعر بهذا الأمر أم لا ولكنها تعلم إن كان هذا صحيح فهي لن تسمح به:
-أنا سوف أتحدث معه، من الضروري أن يحدث هذا.
حركت بيري رأسها بنفي وهي تشعر بالقلق عليها:
-أنتِ لستِ بخير يا بيلا، من الأفضل أن تقومي بتأجيل هذا الأمر، استمعي لي يا بيلا أنتِ لا يوجد مكان آخر لتذهبي إليه الآن، سوف يكون الوضع صعب عليكِ.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تشعر بالاختناق الذي يقودها إلى الهرب من هذا المنزل دون رجعة:
-لا يمكنني تحمل هذا، لا تخبري بدر بأي شيء، كما قولت لكِ أنا أتحدث معكِ لأنني أثق بكِ، لا تجعلي هذه الثقة تتلاشى هل هذا ممكن؟
اومأت بيري لها وهي تشعر بالحزن عليها، تحدثت والضيق يسيطر عليها:
-لن أقول شيء إلى أي شخص يا بيلا، لكن لا يمكنني أن أترككِ تذهبين ولا أعلم شيء عن المكان الذي سوف تجلسين فيه، لا أريدكِ أن تخاطري وتتعذبين في النهاية.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تحاول أن تجعلها تطمئن:
-لن يحدث أي شيء يا بيري، لا داعي للقلق، ربما أذهب إلى منزل منار ومن بعدها أغادر البلاد، لا داعي للقلق، اعتدت على التعامل.
نظرت بيري لها وقد استطاعت أن ترى الحزن داخل عينيها، قامت بضمها وهي تربت على ظهرها:
-سوف يكون كل شيء على ما يرام يا بيلا، أنتِ فتاة قوية وتستطيعي أن تفعلي أي شيء ترغبين فيه أليس كذلك؟
ابتعدت بيلا وهي تومأ لها وتستمر في إزالة دموعها، تفكر كيف ستتحدث مع بدر وما الذي سوف تقوله، هل سيتركها تغادر ببساطة أم عليها أن تقوم بحيلة ما ليتركها وشأنها؟
هي تعلم، سيكون هذا الأمر صعب عليها، لا يمكنها أن تتحمل فكرة الوقوف أمامه والتعامل معه بأريحية فماذا سيحدث في الواقع عندما تقف أمامه وتخبره أنها تريد الطلاق من أجل الرحيل؟!
كان أنس لا يصدق أنه يراها في هذه الحالة بسبب حبها إلى بدر، شعر بالصدمة وهو يراها تبكي من أجله، يتساءل ما الذي جعلها تصل إلى هذه الحالة وهي لا تعرف بدر جيدًا، لم تعيش معه كثير من الوقت حتى تعشقه بتلك الطريقة؟
ابتسم ساخرًا وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-لا أظن أبدًا أن بدر يحبكِ بهذا القدر يا فتاة، لن يترك أمل من أجلكِ يا بيلا، تكوني فتاة غبية إن فكرتي أن هذا سوف يحدث.