البارت الحادي والعشرون
ليس هناك شخص هانئ البال حتى وإن حصل على ما يتمنى، فقبل الحصول عليه يظل منشغلا به حتى بلوغه، وعندما يبلغ غايته يظل منشغلا من أن يخسرها يوما، وإن خسرها يظل منشغلا بخسارته وكيف سيعوضها، تلك هي طبيعة البشر وطبيعة الحال، وهذا ما جعل الدنيا في صراع دائم، وسببها أن لا احد يحمد الله على ما حصل عليه وما يملكه، دائما يتطلع الشخص إلى من حوله، اريد ان اكون مثل هذا وأبلغ منصب هذا واحصل على ما حصل عليه هذا، وهذا وهذا وهذا إلى أن تنهي الحياة.
لكن على المرأ أن يكون لديه القناعة والرضا النفسي، حتى يستطيع إكمال حياته هانئ البال، لا ينظر إلى غدا ولا يقلق مما سيقدم عليه، فقط يعيش يوما سعيدا مطمئناً لا يحمل هم غدا.
بالرغم مما عاناه سهيلة كانت لديها قناعة باختيارها لآثر، فهي لم تعد تملك الإختيار، عليها تقبل ما صارت لأجل الحصول عليه بكل قناعة ورضا.
في يوم الزفاف بالرغم من وجودها في صالون التجميل إلا أن بالها كان منشغلا بالكثير، بعدما انتهت من تجهيز نفسها، اتت منال وشهد لتجهيز أنفسهن أيضاً، لقد كان عليهم الوصول مبكراً عن ذلك حتى لا تنتظر سهيلة وقتا أطول بين الأدخنة وحرارة الجو، والتي أفسدت مكياجها، وقامت بتحسينه مرة اخرى، أثناء جلوس سهيلة تنتظر آثر شعرت بالملل والزهق.
هاتفها لا يهدأ رنات مستمرة من والدتها وشقيقتها، عائلتها تنتظر منذ أكثر من ساعة في قاعة الزفاف، وأخبرته شقيقتها أنه لا يوجد احد بالقاعة سواهم، فقالت سهيلة بتوتر:
-ربما لم تأتِ الناس بعد يا زينب، ابقي انت ووالدتي في استقبالهم حتى يأت احد من عائلة آثر.
اغلقت سهيلة الخط وقالت لمنال بتهكم:
-اليست هناك أحد من عائلتكِ في استقبال عائلتي يا منال بقاعة الزفاف؟! تخبرني شقيقتي أن لا احد هناك سواهم.
قالت منال ببرود وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها، بعد ثوان من سؤال سهيلة:
-وما ادراني انا من هناك، لا اعلم ربما ستأت الناس بعد قليل.
قالت سهيلة باستغراب شديد:
-الم تخبري أحدا من عائلتك بأمر الزفاف؟! خالاتكِ وعماتكِ حتى والدكِ ليس هناك، أليس غريباً هذا؟!
صمتت منال لدقائق وقالت تتدعي أنها لم تسمع جيداً:
-ماذا قلت يا سهيلة؟ كنت منشغلة لم اسمعك جيداً.
فهمت سهيلة من تعابير وجهها أنها لم تخبر أحداً وأنها كانت تقصد ذلك، فقالت لها:
-لا شيء.
ثم أعادت شهد عليها الحديث وقالت لها:
-تتسائل سهيلة عن اهلك، أهل والدتك ووالدكِ لا يوجد احد منهم في قاعة الزفاف.
قالت منال ببرود:
-اه أجل لا اعلم انا أخبرتهم.
زفرت سهيلة بضيق، لم تعد تحتمل تلك الأساليب المستفزة، اتصلت بآثر وقالت منفعله:
-أين انت يا آثر؟ كل هذا الوقت انتظرك، لا احد هناك يستقبل عائلتي من أهلك، وانا منتظرة هنا.
-ما الامر يا سهيلة؟ لم ترفعين صوتك هكذا؟
-لقد مللت من الإنتظار.
-هل انت إليكِ منال وشهد؟
قالت سهيلة بكل جرأة فبدي وجه منال:
-لا دخل لي بهن، لم ينته من تجهيز أنفسهن بعد، لقد أخبرتهم أن يأتوا الى هنا الساعة السادسة، واتو إلى هنا الثامنة، هيا تعال وخذني على الفور، وهن ينهون تجهيز أنفسهن على مهل.
-حسنا حسنا انا قادم.
بعد حوالي النصف ساعة تنتظر سهيلة أتى آثر، فتح الباب فوجدها تنتظره بثوب زفافها الابيض المرصع بالكريستال الذي يشع ضوءا، بخيوط مطرزة ومتشابكة تشبه خيوط العنكبوت، وحجابها الأبيض الذي يتدلى خلفها حتى يصل إلى الأرض، تجره خلفها وكأنها ملكة في يوم تتويجها.
نظرت سهيلة إلى آثر ودخلت الفرحة إلى قلبها عندما رأته ببذلته السوداء الانيقة، وشعره المهندم الذي يلمع كالزجاج، نسيت غضبها عندما رأته، ابتسم لرؤيتها وقال:
-هل انتهيت؟
قالت عاملة صالون التجميل تمزح معه:
-اجل لكننا لن نعطيك إياها بسهولة.
قال ضاحكاً:
-انتِ لا تعلمين كم عانيت حتى احصل عليها، اصمتي.
ضحكت وقالت:
-اسعدكم الله واتم لكم على خير، حسنا اريد خمسمائة جنيهاً ثمن المكياج والزينة.
دفع لها آثر وقال وهو يمسك يد سهيلة يستعد للخروج:
-منال الن تأتي معنا؟
دفعت به سهيلة للخارج وقالت:
-لم تنتهي بعد، ستأتي خلفنا.
وقفت سهيلة على الباب وصدمت بما تراه، سيارة اجرة تأخذها إلى زفافها؟! أين هي سيارة العروس المزينة بالورود؟ سيارة اجرة؟! يا لها من صدمة اخرى تحط على رأسها، تغاضت سهيلة عن تلك النقطة عندما تذكرت أن آثر لا يملك المال، لكن ما اثار غضبها اكثر عندما كانت تخرج من باب صالون التجميل قالت الفتاة التي تعمل به:
-هيا يا شقيقة العريس زغرودة من فضلك؟
لكن منال تجاهلت الامر كأنها لم تسمع شيئاً، ابتسمت سهيلة وقالت:
-ربما أكل القط لسانها.
فقالت العاملة:
-حسنا سافعلها انا.
شعرت سهيلة بالسعادة لهذا الموقف الشهم من العاملة، بالرغم من انها غريبة عنها لا تعرفها ولم تراها مطلقاً، الا انها جعلتها تشعر بالسعادة بفعلها شيء صغير كهذا، بالفعل الاصل لا يشترى بالمال، فهناك اناس يظهر اصلهم النقي ومعدنهم الصافي من افعالهم، وهناك اناس سيماهم على وجوههم من كثرة الدنائة.
خرجت سهيلة إلى السيارة وصعدت إليها وذهبت في طريقها إلى قاعة الزفاف، عند وصولها ورؤيتها الاضواء والانوار المعلقة بجميع الالوان، وبعض اناس من عائلتها، بنات خالها واختها الصغيرة "ندى" ولمحت جزء من وجه والدتها.
خرج الجميع لاستقبالها، ظنت سهيلة أن القاعة مملوءة بالناس، ترجلت من السيارة وساعدتها ابنة خالها في حمل الفستان حتى تمكنت من النزول والوقوف على اقدامها، لحظة سعادة تنسيها ما قبلها من صدمات وهكذا ظلت سهيلة طوال اليوم، كلما تتعرض لصدمة ما تنسيها لحظة سعادة تشعر بها بعدها، كأن الله يعلم بها وبحالتها ويعطيها إشارات وهي مازالت مستمرة.
وقفت سهيلة أمام باب القاعة تستعد للدخول، تلتقط كاميرا الفيديو لهما بعض اللقطات، وكانت اللحظة الحاسمة عندما دخلت سهيلة اول خطوة من باب القاعة ورأت القاعة فارغة، ليس بها سوى عائلتها فقط، اشخاص لايتعدى عددهم الخمسون شخصاً ربما اقل، انها صدمة ليس بعدها صدمة، تجمدت سهيلة بارضها وتغيرت ملامح وجهها.
كأن احد ما اسقط عليها دلوا من الماء المثلج، تسارعت ضربات قلبها واذداد توترها وقلقها، ظلت تتحدث الى نفسها وهي تبتسم أمام الناس حتى تداري صدمتها.
فقالت بصوت واضح لآثر:
-أين المعازيم يا آثر؟! اين الناس؟! القاعة فارغة.
لم يجبها آثر من توتره وضيقه من الموقف، لقد شعر بالحزن لاجل سهيلة، كادت أن تسقط دموعها حزنا على يوم زفافها الذي لم تجد به ما ظلت تتمناه طوال حياتها.
قمة الالم والمعاناة التي شعر بها قلبها، مر شريط أمامها لعلاقتها مع آثر طوال فترة الخطوبة حتى الآن، لقد ارتدت في هذه اللحظة أن تنهي الزفاف وتهرب إلى بلدها ومنزل والدها، لكن قد فات الاوان، فكرت بالناس وكلامهم عنها إن فعلت ذلك، فكرت بآثر عندما نظرت إليه بحزن ورأت ملامح وجهه المتعبة والباهتة، قالت في خاطرها:
-ماذا سيحدث له إن تركته الآن؟ لقد عانى ايضا الكثير، ماذا سيقول الناس عندي إن تركت زفافي؟ سيقولون هربت من زفافها، يا الهي ماذا افعل؟
ثم عاودت النظر إلى آثر بلوم وعتاب وقالت في خاطرها ايضاً:
-لكنه المسوؤل عن كل هذا، لم يصارحني بشيء، كلما سألته عن شيء ما كان يكذب علي حتى رسم لي خيالاً واوهام صدقتها وليست موجودة بالواقع، ماذا سيحدث لو كنت صارحتني؟ هل كنت تخاف من أني اتركك؟ إنه حقي، لا فائدة مما افعل الآن، عليك التمالك يا سهيلة والصمود، ستأخذين حقكِ منه لاحقاً بطريقتكِ، لتكملي ليلة زفافكِ البائسة وتنتهي هذه المعاناة.
دخلت سهيلة إلى القاعة واكملت الزفاف بكل تفاصيله، لكنها لم تشعر بها قط كأنها ليلة حفل عادي، رغم نظرات الناس إليها وتودود افراد عائلتها عليها وعلى زفافها، صارعت سهيلة تلك الحمم البركانية التي انفجرت داخلها حتى تمنعها من الخروج، تكتم في نفسها وقلبها حتى انتهى الزفاف وذهبت إلى شقتها برفقة عائلتها وآثر وعائلته.
صعدت خالتها وزوجة خالها إلى شقتها، لكنهم صدموا من مظهرها، ليس هناك سجاد على الارض، السرائر عارية دون فرش، دخلت زينب شقيقتها اكملت فرش السرائر، فقالت سهيلة لآثر:
-الم تخبرني أن شهد ومنال سيكملون ما تبقى من فرش الشقة؟! اين باقي الاغراض؟!
-قال آثر بصوت منخفض:
-انا لا اعلم ما هذا الذي يفعلونه؟! انتظري فقط حتى تذهب الناس، سيحاسب كل شخص على افعاله.
ودعت سهيلة عائلتها لكن لم تجد والدتها من بينهم، بحثت عنها واخبروها انها لم تصعد، ظلت تنتظر في السيارة لأن قدميها تؤلمها، بدلت سهيلة فستان زفافها وارتدت عبائة تسهل عليها الحركة؛ لتذهب إلى والدتها.
لكن عمها قام بمنعها واقسم عليها إلا تنزل الى اسفل لتوديع والدتها، فهو يعلم كيف كانت علاقتهم ويعلم أن البكاء لن يتوقف إن نزلت سهيلة، بقيت سهيلة بين احضان عمها تبكي لبضع دقائق، انها تودع الجميع لكن ليس بتلك السعادة التي تكون في مثل هذه اللحظات، انها تودعهم بقهر والم وحزن ليس فقط على فراقهم وانما مما عانته في هذين اليومين الماضيين.
خرج الجميع من شقتها واغلق آثر الباب، دخل فوجد سهيلة تقف في النافذة تنظر إلى سيارت عائلتها وهي تغادر وتتركها وحيدة.
اقترب منها آثر يضمها من الخلف إليه يواسيها ويهدأ من حالتها الحزينة:
-كفاكِ بكاء يا سهيلة رجاءا؟
اغلق آثر النافذة وجلس جوارها في الغرفة على سرير الاطفال:
-هل هدأتِ الآن، الست جائعة؟
نظرت إليه سهيلة باعينها الحمراء من شدة البكاء، حاولت أن تخفف عن نفسها وقالت:
-اجل اموت جوعاً لم آكل شيئاً منذ الصباح.، لكن اين هو الطعام؟ انت لا تملك المال، حتى الموقد لم يعمل بعد لتحضير الطعام.
ربت على قدمها وقال:
-لا تقلقي، ساتصرف انا، هيا قومي بدلي ملابسكِ.
قامت سهيلة ودخلت تبدل ملابسها لترتدي روب نوم ابيض اللون، ناعم الملمس، خصلات شعرها الاسود المسدول، وخرجت عليه كأميرة مثيرة، يظهر الثوب بعض من مفاتن جسدها، نظر إليها آثر وقال:
-الم يكن هذا الثوب لدخلتنا؟!
-اجل.
-لم ترتدينه اليوم؟ فانتِ لست جاهزة بعد.
ابتسمت سهيلة وقالت:
-ربما اكون كذلك سأرى.
وقف آثر وكأنه ينتظر قدوم طفله الاول، يذهب ويعود امام باب الحمام حتى رن جرس الباب، ذهب إليه وفتح الباب وجد عامل توصيل الطلبات قد جلب لهم الطعام.
اخذه منه وعندما دخل إلى الغرفة ليضع الطعام على الطاولة وجد سهيلة خلفه، امسك بها وقال متحمساً:
-اخبريني ما الامر؟
تجاهلت سهيلة حديثه كأنها لم تسمع شيئاً لتستفزه، ذهب إلى شنطة الطعام خلفه مباشرة وقالت:
-يا الهي لقد وصل الطعام انا جائعة للغاية.
فتحت الشنطة وقالت باستغراب:
-ما هذا؟! بيتزا؟ هل سأتناول يوم زفافي بيتزا على العشاء؟!
رفعت يداها الى اعلى ثم قالت بمزاح:
-أين انتِ يا امي؟ لو كنت تزوجت بجوارك لكنت اكل الآن الحمام والبط.
نظر إليها آثر وقال:
-تعالي الى هنا، انا ستجعلك تأكلين كل ما تريدينه.
امسك بها من زراعتها وقال لها:
-اخبريني اولا هل سيتم الامر أم ماذا؟
شردت سهيلة لعدة ثوان خوفا من تلك الليلة، مما سمعته عنها من احاديث باطلة، وهذا ايضا ما يجعل اغلب الفتيات تعاني رعباً من ليلة الزفاف؛ وذلك لسوء ثقافتهم عن الامر، وما يتداوله الشباب والفتيات من افكار واحاديث خاطئة دون وعي او تثقيف، حتى إنه في بعض الحالات تؤدي هذه الثقافات الخاطئة إلى مضاعفات حادة ربما تصل إلى فقدان الحياة.
لا حياء في العلم ولا حياء في الدين وهذا ما اقرت به جميع الاديان السماوية، ووصف الاسلام تلك العلاقة باجمل كلمات وهي الود والرحمة، فقط على الإنسان إلا يستمع إلى ما يتداوله البعض من خرافات تحرض على العنف او ما شابه.
على جميع الفتيات والشباب قبل الزواج إن يلجوا لثقافة صحيحة وصحية، من شخص مختص وليس من اي كان، مما يؤدي إلى خوض تجربة صحيحة وسليمة بعيدة عن التقاليع والافكار الخاطئة، ونتيجة ذلك نشا قويم ومتحضر وعلاقة متحضرة تبقى كذلك طوال العمر.
لكن على المرأ أن يكون لديه القناعة والرضا النفسي، حتى يستطيع إكمال حياته هانئ البال، لا ينظر إلى غدا ولا يقلق مما سيقدم عليه، فقط يعيش يوما سعيدا مطمئناً لا يحمل هم غدا.
بالرغم مما عاناه سهيلة كانت لديها قناعة باختيارها لآثر، فهي لم تعد تملك الإختيار، عليها تقبل ما صارت لأجل الحصول عليه بكل قناعة ورضا.
في يوم الزفاف بالرغم من وجودها في صالون التجميل إلا أن بالها كان منشغلا بالكثير، بعدما انتهت من تجهيز نفسها، اتت منال وشهد لتجهيز أنفسهن أيضاً، لقد كان عليهم الوصول مبكراً عن ذلك حتى لا تنتظر سهيلة وقتا أطول بين الأدخنة وحرارة الجو، والتي أفسدت مكياجها، وقامت بتحسينه مرة اخرى، أثناء جلوس سهيلة تنتظر آثر شعرت بالملل والزهق.
هاتفها لا يهدأ رنات مستمرة من والدتها وشقيقتها، عائلتها تنتظر منذ أكثر من ساعة في قاعة الزفاف، وأخبرته شقيقتها أنه لا يوجد احد بالقاعة سواهم، فقالت سهيلة بتوتر:
-ربما لم تأتِ الناس بعد يا زينب، ابقي انت ووالدتي في استقبالهم حتى يأت احد من عائلة آثر.
اغلقت سهيلة الخط وقالت لمنال بتهكم:
-اليست هناك أحد من عائلتكِ في استقبال عائلتي يا منال بقاعة الزفاف؟! تخبرني شقيقتي أن لا احد هناك سواهم.
قالت منال ببرود وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها، بعد ثوان من سؤال سهيلة:
-وما ادراني انا من هناك، لا اعلم ربما ستأت الناس بعد قليل.
قالت سهيلة باستغراب شديد:
-الم تخبري أحدا من عائلتك بأمر الزفاف؟! خالاتكِ وعماتكِ حتى والدكِ ليس هناك، أليس غريباً هذا؟!
صمتت منال لدقائق وقالت تتدعي أنها لم تسمع جيداً:
-ماذا قلت يا سهيلة؟ كنت منشغلة لم اسمعك جيداً.
فهمت سهيلة من تعابير وجهها أنها لم تخبر أحداً وأنها كانت تقصد ذلك، فقالت لها:
-لا شيء.
ثم أعادت شهد عليها الحديث وقالت لها:
-تتسائل سهيلة عن اهلك، أهل والدتك ووالدكِ لا يوجد احد منهم في قاعة الزفاف.
قالت منال ببرود:
-اه أجل لا اعلم انا أخبرتهم.
زفرت سهيلة بضيق، لم تعد تحتمل تلك الأساليب المستفزة، اتصلت بآثر وقالت منفعله:
-أين انت يا آثر؟ كل هذا الوقت انتظرك، لا احد هناك يستقبل عائلتي من أهلك، وانا منتظرة هنا.
-ما الامر يا سهيلة؟ لم ترفعين صوتك هكذا؟
-لقد مللت من الإنتظار.
-هل انت إليكِ منال وشهد؟
قالت سهيلة بكل جرأة فبدي وجه منال:
-لا دخل لي بهن، لم ينته من تجهيز أنفسهن بعد، لقد أخبرتهم أن يأتوا الى هنا الساعة السادسة، واتو إلى هنا الثامنة، هيا تعال وخذني على الفور، وهن ينهون تجهيز أنفسهن على مهل.
-حسنا حسنا انا قادم.
بعد حوالي النصف ساعة تنتظر سهيلة أتى آثر، فتح الباب فوجدها تنتظره بثوب زفافها الابيض المرصع بالكريستال الذي يشع ضوءا، بخيوط مطرزة ومتشابكة تشبه خيوط العنكبوت، وحجابها الأبيض الذي يتدلى خلفها حتى يصل إلى الأرض، تجره خلفها وكأنها ملكة في يوم تتويجها.
نظرت سهيلة إلى آثر ودخلت الفرحة إلى قلبها عندما رأته ببذلته السوداء الانيقة، وشعره المهندم الذي يلمع كالزجاج، نسيت غضبها عندما رأته، ابتسم لرؤيتها وقال:
-هل انتهيت؟
قالت عاملة صالون التجميل تمزح معه:
-اجل لكننا لن نعطيك إياها بسهولة.
قال ضاحكاً:
-انتِ لا تعلمين كم عانيت حتى احصل عليها، اصمتي.
ضحكت وقالت:
-اسعدكم الله واتم لكم على خير، حسنا اريد خمسمائة جنيهاً ثمن المكياج والزينة.
دفع لها آثر وقال وهو يمسك يد سهيلة يستعد للخروج:
-منال الن تأتي معنا؟
دفعت به سهيلة للخارج وقالت:
-لم تنتهي بعد، ستأتي خلفنا.
وقفت سهيلة على الباب وصدمت بما تراه، سيارة اجرة تأخذها إلى زفافها؟! أين هي سيارة العروس المزينة بالورود؟ سيارة اجرة؟! يا لها من صدمة اخرى تحط على رأسها، تغاضت سهيلة عن تلك النقطة عندما تذكرت أن آثر لا يملك المال، لكن ما اثار غضبها اكثر عندما كانت تخرج من باب صالون التجميل قالت الفتاة التي تعمل به:
-هيا يا شقيقة العريس زغرودة من فضلك؟
لكن منال تجاهلت الامر كأنها لم تسمع شيئاً، ابتسمت سهيلة وقالت:
-ربما أكل القط لسانها.
فقالت العاملة:
-حسنا سافعلها انا.
شعرت سهيلة بالسعادة لهذا الموقف الشهم من العاملة، بالرغم من انها غريبة عنها لا تعرفها ولم تراها مطلقاً، الا انها جعلتها تشعر بالسعادة بفعلها شيء صغير كهذا، بالفعل الاصل لا يشترى بالمال، فهناك اناس يظهر اصلهم النقي ومعدنهم الصافي من افعالهم، وهناك اناس سيماهم على وجوههم من كثرة الدنائة.
خرجت سهيلة إلى السيارة وصعدت إليها وذهبت في طريقها إلى قاعة الزفاف، عند وصولها ورؤيتها الاضواء والانوار المعلقة بجميع الالوان، وبعض اناس من عائلتها، بنات خالها واختها الصغيرة "ندى" ولمحت جزء من وجه والدتها.
خرج الجميع لاستقبالها، ظنت سهيلة أن القاعة مملوءة بالناس، ترجلت من السيارة وساعدتها ابنة خالها في حمل الفستان حتى تمكنت من النزول والوقوف على اقدامها، لحظة سعادة تنسيها ما قبلها من صدمات وهكذا ظلت سهيلة طوال اليوم، كلما تتعرض لصدمة ما تنسيها لحظة سعادة تشعر بها بعدها، كأن الله يعلم بها وبحالتها ويعطيها إشارات وهي مازالت مستمرة.
وقفت سهيلة أمام باب القاعة تستعد للدخول، تلتقط كاميرا الفيديو لهما بعض اللقطات، وكانت اللحظة الحاسمة عندما دخلت سهيلة اول خطوة من باب القاعة ورأت القاعة فارغة، ليس بها سوى عائلتها فقط، اشخاص لايتعدى عددهم الخمسون شخصاً ربما اقل، انها صدمة ليس بعدها صدمة، تجمدت سهيلة بارضها وتغيرت ملامح وجهها.
كأن احد ما اسقط عليها دلوا من الماء المثلج، تسارعت ضربات قلبها واذداد توترها وقلقها، ظلت تتحدث الى نفسها وهي تبتسم أمام الناس حتى تداري صدمتها.
فقالت بصوت واضح لآثر:
-أين المعازيم يا آثر؟! اين الناس؟! القاعة فارغة.
لم يجبها آثر من توتره وضيقه من الموقف، لقد شعر بالحزن لاجل سهيلة، كادت أن تسقط دموعها حزنا على يوم زفافها الذي لم تجد به ما ظلت تتمناه طوال حياتها.
قمة الالم والمعاناة التي شعر بها قلبها، مر شريط أمامها لعلاقتها مع آثر طوال فترة الخطوبة حتى الآن، لقد ارتدت في هذه اللحظة أن تنهي الزفاف وتهرب إلى بلدها ومنزل والدها، لكن قد فات الاوان، فكرت بالناس وكلامهم عنها إن فعلت ذلك، فكرت بآثر عندما نظرت إليه بحزن ورأت ملامح وجهه المتعبة والباهتة، قالت في خاطرها:
-ماذا سيحدث له إن تركته الآن؟ لقد عانى ايضا الكثير، ماذا سيقول الناس عندي إن تركت زفافي؟ سيقولون هربت من زفافها، يا الهي ماذا افعل؟
ثم عاودت النظر إلى آثر بلوم وعتاب وقالت في خاطرها ايضاً:
-لكنه المسوؤل عن كل هذا، لم يصارحني بشيء، كلما سألته عن شيء ما كان يكذب علي حتى رسم لي خيالاً واوهام صدقتها وليست موجودة بالواقع، ماذا سيحدث لو كنت صارحتني؟ هل كنت تخاف من أني اتركك؟ إنه حقي، لا فائدة مما افعل الآن، عليك التمالك يا سهيلة والصمود، ستأخذين حقكِ منه لاحقاً بطريقتكِ، لتكملي ليلة زفافكِ البائسة وتنتهي هذه المعاناة.
دخلت سهيلة إلى القاعة واكملت الزفاف بكل تفاصيله، لكنها لم تشعر بها قط كأنها ليلة حفل عادي، رغم نظرات الناس إليها وتودود افراد عائلتها عليها وعلى زفافها، صارعت سهيلة تلك الحمم البركانية التي انفجرت داخلها حتى تمنعها من الخروج، تكتم في نفسها وقلبها حتى انتهى الزفاف وذهبت إلى شقتها برفقة عائلتها وآثر وعائلته.
صعدت خالتها وزوجة خالها إلى شقتها، لكنهم صدموا من مظهرها، ليس هناك سجاد على الارض، السرائر عارية دون فرش، دخلت زينب شقيقتها اكملت فرش السرائر، فقالت سهيلة لآثر:
-الم تخبرني أن شهد ومنال سيكملون ما تبقى من فرش الشقة؟! اين باقي الاغراض؟!
-قال آثر بصوت منخفض:
-انا لا اعلم ما هذا الذي يفعلونه؟! انتظري فقط حتى تذهب الناس، سيحاسب كل شخص على افعاله.
ودعت سهيلة عائلتها لكن لم تجد والدتها من بينهم، بحثت عنها واخبروها انها لم تصعد، ظلت تنتظر في السيارة لأن قدميها تؤلمها، بدلت سهيلة فستان زفافها وارتدت عبائة تسهل عليها الحركة؛ لتذهب إلى والدتها.
لكن عمها قام بمنعها واقسم عليها إلا تنزل الى اسفل لتوديع والدتها، فهو يعلم كيف كانت علاقتهم ويعلم أن البكاء لن يتوقف إن نزلت سهيلة، بقيت سهيلة بين احضان عمها تبكي لبضع دقائق، انها تودع الجميع لكن ليس بتلك السعادة التي تكون في مثل هذه اللحظات، انها تودعهم بقهر والم وحزن ليس فقط على فراقهم وانما مما عانته في هذين اليومين الماضيين.
خرج الجميع من شقتها واغلق آثر الباب، دخل فوجد سهيلة تقف في النافذة تنظر إلى سيارت عائلتها وهي تغادر وتتركها وحيدة.
اقترب منها آثر يضمها من الخلف إليه يواسيها ويهدأ من حالتها الحزينة:
-كفاكِ بكاء يا سهيلة رجاءا؟
اغلق آثر النافذة وجلس جوارها في الغرفة على سرير الاطفال:
-هل هدأتِ الآن، الست جائعة؟
نظرت إليه سهيلة باعينها الحمراء من شدة البكاء، حاولت أن تخفف عن نفسها وقالت:
-اجل اموت جوعاً لم آكل شيئاً منذ الصباح.، لكن اين هو الطعام؟ انت لا تملك المال، حتى الموقد لم يعمل بعد لتحضير الطعام.
ربت على قدمها وقال:
-لا تقلقي، ساتصرف انا، هيا قومي بدلي ملابسكِ.
قامت سهيلة ودخلت تبدل ملابسها لترتدي روب نوم ابيض اللون، ناعم الملمس، خصلات شعرها الاسود المسدول، وخرجت عليه كأميرة مثيرة، يظهر الثوب بعض من مفاتن جسدها، نظر إليها آثر وقال:
-الم يكن هذا الثوب لدخلتنا؟!
-اجل.
-لم ترتدينه اليوم؟ فانتِ لست جاهزة بعد.
ابتسمت سهيلة وقالت:
-ربما اكون كذلك سأرى.
وقف آثر وكأنه ينتظر قدوم طفله الاول، يذهب ويعود امام باب الحمام حتى رن جرس الباب، ذهب إليه وفتح الباب وجد عامل توصيل الطلبات قد جلب لهم الطعام.
اخذه منه وعندما دخل إلى الغرفة ليضع الطعام على الطاولة وجد سهيلة خلفه، امسك بها وقال متحمساً:
-اخبريني ما الامر؟
تجاهلت سهيلة حديثه كأنها لم تسمع شيئاً لتستفزه، ذهب إلى شنطة الطعام خلفه مباشرة وقالت:
-يا الهي لقد وصل الطعام انا جائعة للغاية.
فتحت الشنطة وقالت باستغراب:
-ما هذا؟! بيتزا؟ هل سأتناول يوم زفافي بيتزا على العشاء؟!
رفعت يداها الى اعلى ثم قالت بمزاح:
-أين انتِ يا امي؟ لو كنت تزوجت بجوارك لكنت اكل الآن الحمام والبط.
نظر إليها آثر وقال:
-تعالي الى هنا، انا ستجعلك تأكلين كل ما تريدينه.
امسك بها من زراعتها وقال لها:
-اخبريني اولا هل سيتم الامر أم ماذا؟
شردت سهيلة لعدة ثوان خوفا من تلك الليلة، مما سمعته عنها من احاديث باطلة، وهذا ايضا ما يجعل اغلب الفتيات تعاني رعباً من ليلة الزفاف؛ وذلك لسوء ثقافتهم عن الامر، وما يتداوله الشباب والفتيات من افكار واحاديث خاطئة دون وعي او تثقيف، حتى إنه في بعض الحالات تؤدي هذه الثقافات الخاطئة إلى مضاعفات حادة ربما تصل إلى فقدان الحياة.
لا حياء في العلم ولا حياء في الدين وهذا ما اقرت به جميع الاديان السماوية، ووصف الاسلام تلك العلاقة باجمل كلمات وهي الود والرحمة، فقط على الإنسان إلا يستمع إلى ما يتداوله البعض من خرافات تحرض على العنف او ما شابه.
على جميع الفتيات والشباب قبل الزواج إن يلجوا لثقافة صحيحة وصحية، من شخص مختص وليس من اي كان، مما يؤدي إلى خوض تجربة صحيحة وسليمة بعيدة عن التقاليع والافكار الخاطئة، ونتيجة ذلك نشا قويم ومتحضر وعلاقة متحضرة تبقى كذلك طوال العمر.