البارت السادس عشر
عندما نحصل على مانريد نعتقد أننا ملكنا الكون، وربما نقول في خاطرنا لقد حبونا هكذا ولا نحتاج إلى شيء آخر من الدنيا، نكتفي بحصولنا على اكبر امنياتنا؛ هذا لاننا لم نرى بعد عواقب حصولنا عليها او نتائج ما بعد الحصول، هل ستجلب لنا السعادة أم تكون عبئنا علينا فوق اعبائنا؟
لقد كان حلم سهيلة وامنيتها الاكبر في حياتها بعدما أُغرمت بآثر أن تحصل عليه، تركت كل طموحاتها واحلامها قبل ذلك جانبا واصبح هذا ماتتنماه في الحياة فقط، وبالفعل حصلت عليه.
في يوم التاسع عشر من يوليو عام الفان وسبعة عشر ميلاديا ١٩/٧/٢٠١٧م، كان عقد قران سهيلة على آثر، اتصل بها آثر صباحاً ليوقظها من نومها حتى تستعد، كان في طريقه إليها هو وعائلته عبر سفر لساعات، اجابت سهيلة:
-صباح الخير يا عريس.
-صباح الخير يا عروسه الجميلة، هيا قومي لقد بقي القليل حتى اصل إليكِ.
-من أتى معك غير والدك؟
-انت معي منال اختي منال، وأكرم وزوجته شهد، وابي.
لقد تزوج أكرم شقيقه التوأم بطريقة غريبة، من فتاة تعرف إليها ايضاً عبر السوشيال ميديا، بعد مشاجرات دارت بينه وبين اهلها في خلال فترة خطوبة سهيلة وآثر، وتزوج أكرم بشهد دون علم اهلها؛ ذلك لرفضهم له رفضاً قطعيا لسوء خلقه، وفي الحقيقة اتضح انهم يتشابهون في هذا، زوجته وهو وعائلتها، بعد خطأ اكرم مع زوجته قبل الزواج بها، اخذها وتزوج بها دون علمهم حتى يضعهم أمام الامر الواقع.
ليس هناك مجالاً للرفض لقد اخذ منها اعز ما تملك وهذا ما اراده، لكن آثر اخبره بالا يتركها بعدما حدث بينهما، جعله يشعر بتأنيب الضمير، وبالفعل تزوج بها وعاش بنفس الشقة التي كان يعيش بها آثر وإخوته وشقيقته وابنتها الصغيرة.
حملت شهد بطفلتها الاولى بعد الزواج مباشرة، لم يكن يعلم أكرم أنه سيحمل كل هذه المسؤولية، اعتقد ان الحياة سهلة وبسيطة، يحارب ويعشق كروميو، يتزوج ليستمتع ويلبي رغباته المكبوته، وقتما يشاء يتخلص من حمله بكلمة واحدة، لكن خاب ظنه وانقلب الامر عليه، وعانى من نواياه السيئة التي اصبحت تعاقبه الآن بانقلابها على رأسه.
تكمل سهيلة حديثها مع آثر عبر الهاتف وهي تفيق من نومها بسعادة:
-حسنا اخبرني عندما تصل إلى المدينة.
-حسنا، وداعاً.
-وداعاً.
قامت سهيلة وجدت الجميع في المنزل في انتظارها وعندما خرجت من غرفتها، وجدت عائلتها مجتمعة في الداخل، خالاتها وعماتها وزوجات خلانها، وفتيات العائلة بمن فيهم رباب واسيل، وعند طلت وقالت:
-صباح الخير.
هلت الزغاريد من الجميع، إذا بفرحة عارمة وابتسامة عريضة تملأ وجهها حتى جعلتها تزرف دموعها بفرح شديد، تلك الاصوات التي تمنت سماعها وتلك الفرحة التي تمنت ان تشعر بها بعد عناء دام لاكثر من عامين منذ أن تعرفت على آثر.
هذه اللحظة التي تمنى قلبها أن تغمره ويشعر بها، اصوات الاغاني والزغاريد تملأ المكان، قامت رباب تمسك بيدها وتراقصها، الجميع يصفقون ويهللون، لا تتوقف الزغاريد.
بعد قليل ذهبت سهيلة إلى الداخل فوجدت خالتها الكبرى ووالدتها تجلسان، يقومون بتقطيع الدجاج والخضار لتجهيز الغداء للجميع وعائلة العريس، فقالت خالتها الكبرى:
-صباح الخير يا عروس، ما شاء الله لقد اصبح وجهك يشع نوراً اليوم، بالطبع وكيف الا يكون كذلك لقد حصلت على آثر.
ضحكت سهيلة وقالت:
-اجل يا خالتي حمداً لله، لقد عانيت كثيراً حتى هدأذا اليوم.
قالت والدتها وهي منشغلة بتجهيزات الطعام:
-أين هو الآن هل تحدثتِ إليه؟
-اجل يا امي قال أنه في طريقه، عندما يصل إلى المدينة سيخبرني.
-ومتى ستذهبين إلى صالون التجميل لقد اصبحت الساعة التاسعة الآن؟
-سارسم الحنة واذهب بعدها مباشرة، لقد أتت أم احمد رسامة الحنة، ساندي عليك بعدما انتهي.
-ولم هل سارسم أنا الحنة؟!
اقبلت عليها سهيلة تعانقها من خلفها وتقبل خدها:
-بالطبع ستفعلين، وإن لم تفعلي فلن أرسم أنا ايضاً.
ضحكت والدتها وقالت:
-واخواتك؟
-اخبرتها عن الجميع، ساذهب انا قبل ذهاب الوقت.
أمسكت خالتها بطرف جلباب سهيلة وقالت لها:
-اليوم عقد قرانك يا سهيلة، لقد انتهى الامر وحصلتي على آثر، لا داعي لأن تظلي مقاطعة شقيقتكِ رهف بيوم كهذا، هيا اذهبي وسلمي عليها، ستغادرين المنزل بعد ساعات معدودة، ومن يعلم متى ستلتقون مرة أخرى، نحن دائماً نقول أنك فتاة عاقلة، هيا يا عزيزتي ارضي والدتكِ، ولا تجعليها في حيرة من أمرها بينكم.
تنهدت سهيلة وهي تستمع بانصات إلى خالتها بعدما انتهت من حديثها وقالت بكل هدوء ورضا:
-حسنا يا خالتي سأفعل.
-حسنا يا ابنتي، اتم الله يومك بخير وكتب لكِ السعادة اينما كنتِ.
-اللهم آمين، ساخرج انا.
ذهبت سهيلة إلى الخارج لتقوم برسم الحنة على يديها وقدميها كأي عروس، تلك هي العادات الجميلة التي توارثتها الاجيال جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا، والتي لايعطى معنى للعرس دونها، فمهما تقدمت الاجيال والعصور تظل تلك العادات من اسس الاعراس العربية في كل مكان انها كالتراث والآثار العتيقة التى اينما وجدت تظل شيئا يرغب به الجميع.
اثناء خروج سهيلة إلى غرفتها وجدت باب المنزل يفتح، تدخل منه شقيقتها الكبرى واطفالها، ظنت رهف أنها لن تجيب على سلامها كالعادة، كما ظلت علاقتهما منقطعة لمدة العام تقريباً، دخلت رهف وتوقف سهيلة حتى اقتربت منها، قالت رهف:
-كيف حالك يا سهيلة.
اجابتها سهيلة:
-مرحبا يا رهف.
فرحت رهف كثيراً عندما اجابتها، اقتربت منها سهيلة وقامت بضمها وبكت رهف حتى جعلت سهيلة تدمع عيناها، فقالت سهيلة مبتسمة:
-يا ادخلي وجدي شيئا تفعلينه ايتها الحمقاء، إنه يوم زفافي ولا اريد أن ينفقصني شيئاً.
-ضحكت رهف وقالت:
-مبارك عليك يا عروس.
دخلت رهف واخبرت والدتها أنها تصالحت مع سهيلة وها هي فرحة الام اكتملت الآن بفرح بناتها، خرجت سهيلة وجلست لمراسم الحنة، والجميع منشغل كل فرد بشيء ما، انتهت سهيلة وقامت بالاستحمام وتبديل ملابسها استعداداً للخروج والذهاب إلى صالون التجميل.
انتهت سهيلة وعندما كانت خارجة من باب المنزل وقف الجميع خلفها، بالزغاريد والطبل والاغاني التراثية القديمة، التي يتداولها الإناث في الافراح، ولكن ترافقه هذه الفرحة الدموع من الجميع، في كل مرة تخرج بها العروس من منزل والدها في اخر ايام قبل الزفاف، سواء لصالون التجميل او لعرسها يوزعها الجميع بمسأشاعر الحب والفرحة والحزن معا، على فراقها ومغادرتها منزل العائلة.
سبحان مقلب القلوب، تعيش الابنة وتنشأ في بيت والدها حتى تصير عروسا، وكأنه يزرع شجرة ثم تنبت ويبقى على تربيتها ونموها حتى تكتمل؛ ليكون لديها استعداد لتنتج ثمارها، ومن هنا تنتقل إلى مرحلة اخرى، تنهي مهمة الوالدين ويأتي من يكمل المهمة الاخرى؛ لذلك شبه الله تعالى المرأة في كتابه العزيز بالحرث وهي الارض التي تلقي فيها البذور لتنبتها.
تبكي سهيلة وهي تذهب الى سيارة عمها الذي سيوصلها إلى صالون التجميل، خرجت معها رباب وشقيقتها الصغرى.
اثناء الذهاب في طريق صالون التجميل اتصل آثر:
-سهيلة لقد وصلت إلى المدينة، هل سيأتِ احد لاخذنا؟
استغربت سهيلة لسؤاله وقالت:
-كيف ذلك؟! من سيأت لاخذكم يا آثر؟! أنا الآن في طريقي إلى صالون التجميل، استقل سيارة اجرة يا عزيزي، وانت تعلم طريق المنزل.
انفعل آثر، ذهب بهاتفه بعيداً عن اهله وقال بغضب:
-ماذا يعني هذا؟! من المفترض أن تكون هناك سيارة في انتظارنا.
باستغراب وسخرية تقول:
-حقا؟! لم أكن أعلم أن هذا يحدث، هل أنت العروس أم أنا؟! ما اعرفه أن العريس من يأت لاصطحاب العروس، جد سيارة تحضرك الى هنا.
نشب شجار بينهما عندما اخبرها آثر إن لم تأتي سيارة لاصطحابهم، سيعود ولن يكمل الزفاف، وبكل ثقة وبخته سهيلة قائلة:
-عد يا حبيبي كما تريد، لم يعد يهمني ولن يكون هناك فرق بالنسبة لي، افعل ما تشاء.
اغلقت سهيلة الخط في وجهه وعندما سمعها عمها الاصغر "رائد" قال لها:
-بهدوء يا سهيلة، تحدثي بهدوء يا ابنة اخي، لا يمكنك التحدث مع رجل بهذه الطريقة، نحن الرجال لا نحب العند ولا نتقبله، لا تعانديه في شيء، فقط تفاهمي معه وحاولي إقناعه بمحبة، اجعلي السياسة هي مبدأ للتعامل بينكما.
قالت رباب وهي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة بمزاح:
-افرحي يا سهيلة لقد حصلتي على نصائح الام في يوم زفافك الآن من عمك هههه.
ضحك الجميع وقال رائد ارباب:
-اليس ما اقوله صحيح يا رباب؟
-بالطبع يا رائد انهم حقا لا يحبون العناد، سهيلة إن كان آثر قد اقترب من المدينة؟ ها هو عمك ينتظره ويجلبه معه.
قال عمها رائد:
-اجل بعدما اوصلكم انتظره واجابه معي في طريقي للعودة، اخبريه يا سهيلة واعطني رقم هاتفه اتواصل معه.
-حسنا يا عمي كما ترون.
اخرجت سهيلة هاتفها من حقيبتها واتصلت بآثر تقول:
-الو أين انت الآن؟
-لقد اوشكت على الوصول إلى المدينة.
-حسنا سيأتي عمي لاقلالكم، سأعطيه رقم هاتفك ويتصل بك بعد أن يوصلنا، انتظره بعدما تصل.
-حسنا اعطيه الرقم، وداعاً.
-وداعاً.
وصلت سهيلة إلى صالون التجميل ووصل آثر إلى منزلها برفقة اهله، رحب بهم الجميع ووالد سهيلة، ودخل في جناح الضيوف، وضعوا لهم طاولة طعام فخمة وراقية، مليئة من خيرات الله، وبعد الإنتهاء من تناول الطعام، جلس الرجال في غرفة استقبال الضيوف، ما يسمونه بمقعد الضيوف في بلدتهم، وجلس النساء مع النساء.
اتى المأذون الشرعي؛ لاتمام عقد القران وكتب كتابهم، جلس والد آثر وآثر وشقيقه التوأم أكرم، ووالد سهيلة وأخوالها واعمامها، فقال والد آثر:
-هل لديك طلبات اخرى تريد اضافتها؟
قال ذلك موجهاً حديثه إلى والد سهيلة، فقال والدها مجيبا:
-لا ليس سوى ما اتفقنا عليه سابقاً، كما قلت أن قائمة المنقولات بمائة وخمسون الف جنيهاً، وقيمة الذهب وهي مائة جرام اي كان ثمنها، هذا ما اريده، أما بالنسبة إلى شقته فانا لم آخذ منه مهرا؛ لانه اخبرني أنه سيقوم بكامل التجهيزات اللازمة لفرش شقته وتجهيزها.
تبادل والد آثر النظرات مع آثر وشقيقه التوأم أكرم وقال في خاطره ربما تكون فرصة لإنهاء هذا الزفاف، كيف لهذا الرجل أن يشترط علي كيفما يشاء وانا فقط علي القبول؟! لا لن يحدث، جهر بصوت حديثه قائلاً:
-لا لن يحدث هذا.
تلك الكلمات جعلت قلب آثر يسقط بين اقدامه، يضرب بشدة بين ضلوعه خوفا من تصرفات والده، لقد اخبرها آثر أن يجلس بين الناس بصفته والده وليس له أنه يعترض على شيء؛ لانه غير مسؤول عن شيء من تكاليف الزفاف ولن يساعد آثر بشيء.
لكن كيف له الا يصنع لنفسك قيمة بين اشخاص تتحدث عنهم قيمتهم ومكانتهم ومظهرهم قبل حديثهم، فقال والد سهيلة يتهكم:
-وما الذي سيحدث اذا؟
قال والده بثقة:
-ستكون قائمة المنقولات بقيمة المائة الف جنيها لاغير، أما الذهب فسيكون بقدر ستون الف جنيهاً، ليس إلا، انهم شباب في بداية حياتهم، ابني مازال يبني حياته، نحن نريد إتمام الزواج بدون خلافات.
نظر والد سهيلة إلى آثر وقال له:
-لنتحدث على انفراد يا آثر قليلاً من فضلك.
-اجل يا عمي.
خرج آثر ووالد سهيلة إلى غرفته، قال والدها:
-ليس هذا ما اتفقنا عليه يا آثر، اخبرتني أن والدك سيأت برفقتك أمام الناس ولأجلي؛ حتى لا يتحدث الناس ويقولون أين والده؟ لكنك لم تخبرني أن سيتحدث في تفاصيل، ومايقوله مرفوض بشدة.
قال آثر بتوتر، يخشى أن ينتهي الزفاف بسبب والده، يريد إرضاء والد سهيلة بكل الطرق:
-استمع الي يا عمي ارجوك، انا اعلم ابي وافعاله، انا المسؤول أمامك عن سهيلة، ما تريده أنا ستفعله لكن لا تخبر أبي.
جلس والدها وفكر في أن يتم الامر دون خلافات مادام آثر يريد سهيلة وسيفعل مايطلبه، اقترح عليه حلاً وسط وقال:
-حسنا انا لن اتحدث معه لأجلك انت، هناك حلا لذلك، سنقوم بعمل قائمتين للمنقولات، إحداهما امام والدك لترضيه وهذه لن تكون الاصلية، والاخرى ستوقع عليها انت كمسؤول أمامي وأمام الجميع.
-حسنا أنا اوافق على ذلك، سأفعل ما تريده.
خرج آثر ووالد سهيلة إلى الجميع وفعلوا ما اتفقوا عليه أمام والده، وقام آثر بالتوقيع على قائمة منقولات اخرى لوالدها في غرفته، وتم عقد القران وفي انتظار توقيع سهيلة.
كانت سهيلة في صالون التجميل تضع يدها على قلبها خوفاً من أن يحدث خلاف بينهم وينتهي الزفاف، قامت بالاتصال برهف حتى تخبرها بالتفاصيل:
-رهف اخبريني كيف الاوضاع لديكِ؟ هل تم العقد أم ماذا؟
-لا تقلقي يا سهيلة لقد تم الامر، اخبرنا والدك منذ قليل أنهم عقدوا قرانك على آثر، فقط ينتظرون توقيعك بعد قدومك.
لقد كان حلم سهيلة وامنيتها الاكبر في حياتها بعدما أُغرمت بآثر أن تحصل عليه، تركت كل طموحاتها واحلامها قبل ذلك جانبا واصبح هذا ماتتنماه في الحياة فقط، وبالفعل حصلت عليه.
في يوم التاسع عشر من يوليو عام الفان وسبعة عشر ميلاديا ١٩/٧/٢٠١٧م، كان عقد قران سهيلة على آثر، اتصل بها آثر صباحاً ليوقظها من نومها حتى تستعد، كان في طريقه إليها هو وعائلته عبر سفر لساعات، اجابت سهيلة:
-صباح الخير يا عريس.
-صباح الخير يا عروسه الجميلة، هيا قومي لقد بقي القليل حتى اصل إليكِ.
-من أتى معك غير والدك؟
-انت معي منال اختي منال، وأكرم وزوجته شهد، وابي.
لقد تزوج أكرم شقيقه التوأم بطريقة غريبة، من فتاة تعرف إليها ايضاً عبر السوشيال ميديا، بعد مشاجرات دارت بينه وبين اهلها في خلال فترة خطوبة سهيلة وآثر، وتزوج أكرم بشهد دون علم اهلها؛ ذلك لرفضهم له رفضاً قطعيا لسوء خلقه، وفي الحقيقة اتضح انهم يتشابهون في هذا، زوجته وهو وعائلتها، بعد خطأ اكرم مع زوجته قبل الزواج بها، اخذها وتزوج بها دون علمهم حتى يضعهم أمام الامر الواقع.
ليس هناك مجالاً للرفض لقد اخذ منها اعز ما تملك وهذا ما اراده، لكن آثر اخبره بالا يتركها بعدما حدث بينهما، جعله يشعر بتأنيب الضمير، وبالفعل تزوج بها وعاش بنفس الشقة التي كان يعيش بها آثر وإخوته وشقيقته وابنتها الصغيرة.
حملت شهد بطفلتها الاولى بعد الزواج مباشرة، لم يكن يعلم أكرم أنه سيحمل كل هذه المسؤولية، اعتقد ان الحياة سهلة وبسيطة، يحارب ويعشق كروميو، يتزوج ليستمتع ويلبي رغباته المكبوته، وقتما يشاء يتخلص من حمله بكلمة واحدة، لكن خاب ظنه وانقلب الامر عليه، وعانى من نواياه السيئة التي اصبحت تعاقبه الآن بانقلابها على رأسه.
تكمل سهيلة حديثها مع آثر عبر الهاتف وهي تفيق من نومها بسعادة:
-حسنا اخبرني عندما تصل إلى المدينة.
-حسنا، وداعاً.
-وداعاً.
قامت سهيلة وجدت الجميع في المنزل في انتظارها وعندما خرجت من غرفتها، وجدت عائلتها مجتمعة في الداخل، خالاتها وعماتها وزوجات خلانها، وفتيات العائلة بمن فيهم رباب واسيل، وعند طلت وقالت:
-صباح الخير.
هلت الزغاريد من الجميع، إذا بفرحة عارمة وابتسامة عريضة تملأ وجهها حتى جعلتها تزرف دموعها بفرح شديد، تلك الاصوات التي تمنت سماعها وتلك الفرحة التي تمنت ان تشعر بها بعد عناء دام لاكثر من عامين منذ أن تعرفت على آثر.
هذه اللحظة التي تمنى قلبها أن تغمره ويشعر بها، اصوات الاغاني والزغاريد تملأ المكان، قامت رباب تمسك بيدها وتراقصها، الجميع يصفقون ويهللون، لا تتوقف الزغاريد.
بعد قليل ذهبت سهيلة إلى الداخل فوجدت خالتها الكبرى ووالدتها تجلسان، يقومون بتقطيع الدجاج والخضار لتجهيز الغداء للجميع وعائلة العريس، فقالت خالتها الكبرى:
-صباح الخير يا عروس، ما شاء الله لقد اصبح وجهك يشع نوراً اليوم، بالطبع وكيف الا يكون كذلك لقد حصلت على آثر.
ضحكت سهيلة وقالت:
-اجل يا خالتي حمداً لله، لقد عانيت كثيراً حتى هدأذا اليوم.
قالت والدتها وهي منشغلة بتجهيزات الطعام:
-أين هو الآن هل تحدثتِ إليه؟
-اجل يا امي قال أنه في طريقه، عندما يصل إلى المدينة سيخبرني.
-ومتى ستذهبين إلى صالون التجميل لقد اصبحت الساعة التاسعة الآن؟
-سارسم الحنة واذهب بعدها مباشرة، لقد أتت أم احمد رسامة الحنة، ساندي عليك بعدما انتهي.
-ولم هل سارسم أنا الحنة؟!
اقبلت عليها سهيلة تعانقها من خلفها وتقبل خدها:
-بالطبع ستفعلين، وإن لم تفعلي فلن أرسم أنا ايضاً.
ضحكت والدتها وقالت:
-واخواتك؟
-اخبرتها عن الجميع، ساذهب انا قبل ذهاب الوقت.
أمسكت خالتها بطرف جلباب سهيلة وقالت لها:
-اليوم عقد قرانك يا سهيلة، لقد انتهى الامر وحصلتي على آثر، لا داعي لأن تظلي مقاطعة شقيقتكِ رهف بيوم كهذا، هيا اذهبي وسلمي عليها، ستغادرين المنزل بعد ساعات معدودة، ومن يعلم متى ستلتقون مرة أخرى، نحن دائماً نقول أنك فتاة عاقلة، هيا يا عزيزتي ارضي والدتكِ، ولا تجعليها في حيرة من أمرها بينكم.
تنهدت سهيلة وهي تستمع بانصات إلى خالتها بعدما انتهت من حديثها وقالت بكل هدوء ورضا:
-حسنا يا خالتي سأفعل.
-حسنا يا ابنتي، اتم الله يومك بخير وكتب لكِ السعادة اينما كنتِ.
-اللهم آمين، ساخرج انا.
ذهبت سهيلة إلى الخارج لتقوم برسم الحنة على يديها وقدميها كأي عروس، تلك هي العادات الجميلة التي توارثتها الاجيال جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا، والتي لايعطى معنى للعرس دونها، فمهما تقدمت الاجيال والعصور تظل تلك العادات من اسس الاعراس العربية في كل مكان انها كالتراث والآثار العتيقة التى اينما وجدت تظل شيئا يرغب به الجميع.
اثناء خروج سهيلة إلى غرفتها وجدت باب المنزل يفتح، تدخل منه شقيقتها الكبرى واطفالها، ظنت رهف أنها لن تجيب على سلامها كالعادة، كما ظلت علاقتهما منقطعة لمدة العام تقريباً، دخلت رهف وتوقف سهيلة حتى اقتربت منها، قالت رهف:
-كيف حالك يا سهيلة.
اجابتها سهيلة:
-مرحبا يا رهف.
فرحت رهف كثيراً عندما اجابتها، اقتربت منها سهيلة وقامت بضمها وبكت رهف حتى جعلت سهيلة تدمع عيناها، فقالت سهيلة مبتسمة:
-يا ادخلي وجدي شيئا تفعلينه ايتها الحمقاء، إنه يوم زفافي ولا اريد أن ينفقصني شيئاً.
-ضحكت رهف وقالت:
-مبارك عليك يا عروس.
دخلت رهف واخبرت والدتها أنها تصالحت مع سهيلة وها هي فرحة الام اكتملت الآن بفرح بناتها، خرجت سهيلة وجلست لمراسم الحنة، والجميع منشغل كل فرد بشيء ما، انتهت سهيلة وقامت بالاستحمام وتبديل ملابسها استعداداً للخروج والذهاب إلى صالون التجميل.
انتهت سهيلة وعندما كانت خارجة من باب المنزل وقف الجميع خلفها، بالزغاريد والطبل والاغاني التراثية القديمة، التي يتداولها الإناث في الافراح، ولكن ترافقه هذه الفرحة الدموع من الجميع، في كل مرة تخرج بها العروس من منزل والدها في اخر ايام قبل الزفاف، سواء لصالون التجميل او لعرسها يوزعها الجميع بمسأشاعر الحب والفرحة والحزن معا، على فراقها ومغادرتها منزل العائلة.
سبحان مقلب القلوب، تعيش الابنة وتنشأ في بيت والدها حتى تصير عروسا، وكأنه يزرع شجرة ثم تنبت ويبقى على تربيتها ونموها حتى تكتمل؛ ليكون لديها استعداد لتنتج ثمارها، ومن هنا تنتقل إلى مرحلة اخرى، تنهي مهمة الوالدين ويأتي من يكمل المهمة الاخرى؛ لذلك شبه الله تعالى المرأة في كتابه العزيز بالحرث وهي الارض التي تلقي فيها البذور لتنبتها.
تبكي سهيلة وهي تذهب الى سيارة عمها الذي سيوصلها إلى صالون التجميل، خرجت معها رباب وشقيقتها الصغرى.
اثناء الذهاب في طريق صالون التجميل اتصل آثر:
-سهيلة لقد وصلت إلى المدينة، هل سيأتِ احد لاخذنا؟
استغربت سهيلة لسؤاله وقالت:
-كيف ذلك؟! من سيأت لاخذكم يا آثر؟! أنا الآن في طريقي إلى صالون التجميل، استقل سيارة اجرة يا عزيزي، وانت تعلم طريق المنزل.
انفعل آثر، ذهب بهاتفه بعيداً عن اهله وقال بغضب:
-ماذا يعني هذا؟! من المفترض أن تكون هناك سيارة في انتظارنا.
باستغراب وسخرية تقول:
-حقا؟! لم أكن أعلم أن هذا يحدث، هل أنت العروس أم أنا؟! ما اعرفه أن العريس من يأت لاصطحاب العروس، جد سيارة تحضرك الى هنا.
نشب شجار بينهما عندما اخبرها آثر إن لم تأتي سيارة لاصطحابهم، سيعود ولن يكمل الزفاف، وبكل ثقة وبخته سهيلة قائلة:
-عد يا حبيبي كما تريد، لم يعد يهمني ولن يكون هناك فرق بالنسبة لي، افعل ما تشاء.
اغلقت سهيلة الخط في وجهه وعندما سمعها عمها الاصغر "رائد" قال لها:
-بهدوء يا سهيلة، تحدثي بهدوء يا ابنة اخي، لا يمكنك التحدث مع رجل بهذه الطريقة، نحن الرجال لا نحب العند ولا نتقبله، لا تعانديه في شيء، فقط تفاهمي معه وحاولي إقناعه بمحبة، اجعلي السياسة هي مبدأ للتعامل بينكما.
قالت رباب وهي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة بمزاح:
-افرحي يا سهيلة لقد حصلتي على نصائح الام في يوم زفافك الآن من عمك هههه.
ضحك الجميع وقال رائد ارباب:
-اليس ما اقوله صحيح يا رباب؟
-بالطبع يا رائد انهم حقا لا يحبون العناد، سهيلة إن كان آثر قد اقترب من المدينة؟ ها هو عمك ينتظره ويجلبه معه.
قال عمها رائد:
-اجل بعدما اوصلكم انتظره واجابه معي في طريقي للعودة، اخبريه يا سهيلة واعطني رقم هاتفه اتواصل معه.
-حسنا يا عمي كما ترون.
اخرجت سهيلة هاتفها من حقيبتها واتصلت بآثر تقول:
-الو أين انت الآن؟
-لقد اوشكت على الوصول إلى المدينة.
-حسنا سيأتي عمي لاقلالكم، سأعطيه رقم هاتفك ويتصل بك بعد أن يوصلنا، انتظره بعدما تصل.
-حسنا اعطيه الرقم، وداعاً.
-وداعاً.
وصلت سهيلة إلى صالون التجميل ووصل آثر إلى منزلها برفقة اهله، رحب بهم الجميع ووالد سهيلة، ودخل في جناح الضيوف، وضعوا لهم طاولة طعام فخمة وراقية، مليئة من خيرات الله، وبعد الإنتهاء من تناول الطعام، جلس الرجال في غرفة استقبال الضيوف، ما يسمونه بمقعد الضيوف في بلدتهم، وجلس النساء مع النساء.
اتى المأذون الشرعي؛ لاتمام عقد القران وكتب كتابهم، جلس والد آثر وآثر وشقيقه التوأم أكرم، ووالد سهيلة وأخوالها واعمامها، فقال والد آثر:
-هل لديك طلبات اخرى تريد اضافتها؟
قال ذلك موجهاً حديثه إلى والد سهيلة، فقال والدها مجيبا:
-لا ليس سوى ما اتفقنا عليه سابقاً، كما قلت أن قائمة المنقولات بمائة وخمسون الف جنيهاً، وقيمة الذهب وهي مائة جرام اي كان ثمنها، هذا ما اريده، أما بالنسبة إلى شقته فانا لم آخذ منه مهرا؛ لانه اخبرني أنه سيقوم بكامل التجهيزات اللازمة لفرش شقته وتجهيزها.
تبادل والد آثر النظرات مع آثر وشقيقه التوأم أكرم وقال في خاطره ربما تكون فرصة لإنهاء هذا الزفاف، كيف لهذا الرجل أن يشترط علي كيفما يشاء وانا فقط علي القبول؟! لا لن يحدث، جهر بصوت حديثه قائلاً:
-لا لن يحدث هذا.
تلك الكلمات جعلت قلب آثر يسقط بين اقدامه، يضرب بشدة بين ضلوعه خوفا من تصرفات والده، لقد اخبرها آثر أن يجلس بين الناس بصفته والده وليس له أنه يعترض على شيء؛ لانه غير مسؤول عن شيء من تكاليف الزفاف ولن يساعد آثر بشيء.
لكن كيف له الا يصنع لنفسك قيمة بين اشخاص تتحدث عنهم قيمتهم ومكانتهم ومظهرهم قبل حديثهم، فقال والد سهيلة يتهكم:
-وما الذي سيحدث اذا؟
قال والده بثقة:
-ستكون قائمة المنقولات بقيمة المائة الف جنيها لاغير، أما الذهب فسيكون بقدر ستون الف جنيهاً، ليس إلا، انهم شباب في بداية حياتهم، ابني مازال يبني حياته، نحن نريد إتمام الزواج بدون خلافات.
نظر والد سهيلة إلى آثر وقال له:
-لنتحدث على انفراد يا آثر قليلاً من فضلك.
-اجل يا عمي.
خرج آثر ووالد سهيلة إلى غرفته، قال والدها:
-ليس هذا ما اتفقنا عليه يا آثر، اخبرتني أن والدك سيأت برفقتك أمام الناس ولأجلي؛ حتى لا يتحدث الناس ويقولون أين والده؟ لكنك لم تخبرني أن سيتحدث في تفاصيل، ومايقوله مرفوض بشدة.
قال آثر بتوتر، يخشى أن ينتهي الزفاف بسبب والده، يريد إرضاء والد سهيلة بكل الطرق:
-استمع الي يا عمي ارجوك، انا اعلم ابي وافعاله، انا المسؤول أمامك عن سهيلة، ما تريده أنا ستفعله لكن لا تخبر أبي.
جلس والدها وفكر في أن يتم الامر دون خلافات مادام آثر يريد سهيلة وسيفعل مايطلبه، اقترح عليه حلاً وسط وقال:
-حسنا انا لن اتحدث معه لأجلك انت، هناك حلا لذلك، سنقوم بعمل قائمتين للمنقولات، إحداهما امام والدك لترضيه وهذه لن تكون الاصلية، والاخرى ستوقع عليها انت كمسؤول أمامي وأمام الجميع.
-حسنا أنا اوافق على ذلك، سأفعل ما تريده.
خرج آثر ووالد سهيلة إلى الجميع وفعلوا ما اتفقوا عليه أمام والده، وقام آثر بالتوقيع على قائمة منقولات اخرى لوالدها في غرفته، وتم عقد القران وفي انتظار توقيع سهيلة.
كانت سهيلة في صالون التجميل تضع يدها على قلبها خوفاً من أن يحدث خلاف بينهم وينتهي الزفاف، قامت بالاتصال برهف حتى تخبرها بالتفاصيل:
-رهف اخبريني كيف الاوضاع لديكِ؟ هل تم العقد أم ماذا؟
-لا تقلقي يا سهيلة لقد تم الامر، اخبرنا والدك منذ قليل أنهم عقدوا قرانك على آثر، فقط ينتظرون توقيعك بعد قدومك.