11

كان الغضب جامح في نفس الرجل، بدون سبب يذكر رغم أن ريان لا شأن له بكل الترهات التي يقولها.

نهض ريان من فراشه وهو يجر نفسه من التعب وقد كان مرهق بالفعل لم يكتف من الراحة.

اجتماع الاشخاص المتواجدين في المكان بسبب صراخ الرجل الغريب، وسأله أحدهم: ما الحاجة لكل هذا الضجيج؟

قال ريان وعيناه بالقوة يفتحها: إن علمت السبب أخبرني به.

حضر الشخص المسؤول عن العمل وقال: أنا هنا ما الذي حدث؟

رد عليه الرجل الغاضب بنبرة حادة: هذا العامل نائم منذ الصباح لا يفعل أي شيء ويقول عمله في ليل فقط.

سأل المدير: أي واحد تقصد منهم؟!

أشار الرجل بيده نحو ريان وقال: ذاك النعسان.

تنهد المدير وقال له: هون عليك يا صاح، إنه الحارس الليلي ولهذا ينام الآن، لقد انتهى من عمله عندما استيقظت أنت.

قال ريان لهم: حاول اخباره بهذا لكنه لم يقتنع، لم يفهم ما أقوله حتى.

شعر الرجل بالغضب أكثر، كيف يكون هو في موقف محرج كهذا بسبب حارس..

صفق المدير المسؤول بيده وهو يقول: هيا عودوا إلى أعمالكم لا داعي لتجمهر هنا، انتهى المشكلة .

انفض الجميع وانصرف الناس، نظر ريان إلى الرجل بطريقة ساخرة ثم استدار عائد إلى مكانه، قال له الرجل: سوف تندم يا هذا.

لم يلق ريان له بال وقال: أفعل ما يحلو لك هذا عملي ولا شأن لك بي.

حل المساء، وكان على ريان العودة إلى عمله تناول طعامه وأعد إبريق من الشاي ثم ذهب كي يبدء يومه الليلي.

وبعد منتصف الليل بينما ريان يراقب الوضع ويهتم بالحال والأمان في ذلك المكان المشبوه.

لاحظ حركة غريبة لبعض الرجال، رغم أنه من الطبيعي تواجد رجال في المنطقة إلا أن ريان كان يشعر ببعض الشك في هذا.

النظرات والترقب والمطالعة لم تكن مريحة ابد،وبدون أي سبب اقترب أحد منهم إليه يقول له: لماذا تراقبني بهذه الطريقة؟

أجابه ريان وأين أضع عيناي؟

قال الغريب: أين ما تريد سوى أن تكون تتبعني.

رد عليه ساخراً: هل تخجل مثل الفتيات يا هذا؟

انقض الرجل على ريان بغضب ودفعه أرضا بدون سابق إنذار لقد كان ضخم الجسد قوي البنية طويل القامة، على عكس ريان الذي كان أقل منه بكثير.

ثم ركله عدة مرات وهو يقول له: من تظن نفسك يا هذا، إنك شخص عديم القيمة.

ريان يحاول النهوض لكن لا فائدة من الأمر كان ذلك الرجل حريص على عدم قيامه كي لا يقاوم ابدا.

بينما يظن نفسه قادر على إنهاء حياة ريان تحت قدمه، ومن دون أن يشعر باغته أحدهم بضربة قوية على رأسه.

ثقت عصا غليظة على مؤخرة رأسه فسقط ارضا مغشي عليه دون حراك.

رفع ريان يده عن وجهه بعد أن خبئه كي لا يتشوه بسبب لكمات المصارع الثور، بهدوء يرفع نظره من أسفل إلى الأعلى بشكل تدريجي.

كان المفاجأة كبيرة بالنسبة له لم يكن يتوقع، لقد كانت فتاة!

ومن تلك الفتاة التي تجرأ على ضرب رجل بهذه القامة، ولأجل من؟ من أجل ريان؟! يا للغرابة.

كانت الإضاءة خافتة وكان نظر ريان مشوش قليلا بسبب الضرب الذي تلقاه.

يحاول معرفة هويتها، وإذا به تكون تلك الفتاة التي جاءت إليه بالأمس تحدثه وتتطفل عليه كما كان يقول.

رمت الفتاة المجهولة تلك العصا على الأرض بعد أن تأكدت من أن رجل قد غاب عن الوعي بشكل كامل.

واقتربت من ريان يساعده على نهوض تقول له بلهفة: هل أنت بخير؟!

بينما ريان يراقبها ويتأمل ذلك الاندفاع الذي تمتلكه وهو لا يعلم سببه أو من أين جاء.

أعادت الفتاة سؤالها بعد أن انتظرت دون أي إجابة من ريان.

فقال لها بنبرة فيها صدمة: من أنت؟

تركت يده بعد أن كانت تشدها لمساعدته على النهوض، وقالت له بعد أن اغلقت اجفانها قليلا: هل هذا ما يهمك الآن، دعنا نذهب من هنا ثم أخبرك بما تريد.

أومأ ريان رأسه ورفع يده لها كي تساعده مرة أخرى وقال: حسنا إذا اتفقنا، رغم أنني لا أحب الغموض والسرية في مثل هذه المواقف.

بعد أن ابتعد الفتاة وريان عن المكان قليلا اتصلت بأحد الاشخاص كي يأتي لرؤية الشخص الممدد على الأرض كي لا يسوء حاله أكثر.

أما الفتاة فقالت لريان: هل يوجد لديك إصابات؟

رد عليها وهو يطالع يديه وقدميه: لا أظن ذلك، لربما بعض الخدوش والرضوض لا أكثر.

ثم اكمل وقال: أشكرك من كل قلبي على هذا الجميل الرائع كاد يقتلني ذلك الضخم لو لا تدخلك في اللحظة المناسبة.

قالت الفتاة وهي تحاول إخفاء خجلها قليلا بالقول: لا شكر على واجب كان علي فعله بسرعة لعلي انقذ حياتك من ذاك الشر المحيط بك.

ثم خطر في باله ذات السؤال وقال لها: من أنت؟ من تكونين؟

ضحكت قليلاً ثم قالت له: أنا كاتيا.

تبادرت أسئلة أكثر في ذهن ريان وقال لها: هل أنت من هذا البلد( لندن ).

هزت رأسها تنفي الأمر وقالت له: لا لست هنا، لقد جئت إلى هنا من بلد فيه فقر وجوع و ماتت عائلتي ونحن في طريقنا إلى هنا.

تربعت علامة الدهشة على وجه ريان وقال: ماتوا جميعا! كيف؟ ما الذي حصل؟

تصنعت كاتيا تلك الابتسامة والدمعة تتأرجح في عينها وقالت: لقد كان طريقنا إلى هنا بوسائل غير شرعية لذ، ولم يكن أمن على الإطلاق وكنا نعلم بهذا، ولم ينجو أحد منهم إلا أنا.

طئطئ ريان رأسه من شدة حزنه بسبب تلك الكلمات التي سمعها عن معاناة كاتيا، وشعر بأن كل ما لديه من مشاكل كان سخافات لا تستحق الحديث عنها مقارنة بحال تلك الفتاة الضعيف.

بعد صمت دام لبرهة قالت كاتيا: هون عليك هذا قدر ومكتوب لا يمكننا رفضه أو إنكاره.

تنهد ريان وقال: هذا صحيح لكن لم يخيل لي شيء كهءا.

ثم تابع سؤاله لها: وأين تعيشين الآن؟

أشارت بيدها نحو المبني الذي فيه المحال الخاصة لعرض النساء والتجارة بهن وقالت: في ذلك المكان.

زادت حيرة ريان أكثر وقال: هل أنت ..

لم يكمل كلامه لربما لخشيته أن يكون صحيحاً وأن يكون ما يشك فيه واقع..

لم يكن حال كاتيا أفضل، أشاحت بنظرها عنه وقالت له بنبرة فيه شيء من الندم: نعم، أنا اعمل هناك في المتاجر الخاصة ببيع أجساد النساء.

ابتلع ريان ريقه الجاف، لم يكن يدري ماذا يقول لها أو كيف يخفف عنها، لكن السؤال الأكثر أهمية بالنسبة له هو: لماذا؟ لماذا فتاة صغيرة جميلة تقوم بفعل مثل تلك الأمور البشعة؟

قاطع كلامها افكاره حين قالت: أعلم بأنك تقول لنفسك الآن يا لها من فتاة ساقطة باعت نفسها من أجل حفنة من النقود.

وقبل أن تكمل قال ريان: لم أقل هذا لذا لا تتهميني.

طالعته هي وكأنها تقرأ عينيه ثم قالت: لست الوحيد من يقول هذا أو يظن مثل هذا الأمر.

ثم أكملت بالقول: هناك الكثير منهم من قام بهذا الشك، ودائما أرى نظرة القرف والاشمئزاز مني في عيون الناس، حتى الزبائن منهم.

قال ريان لها: لا تكملي يكفي ما قلته.

تنهدت كاتيا وقالت: كأنني لحم رخيص، ملئت رائحته المكان دون أن يتم الحفاظ عليه، اسمع اقسى العبارات وأكبر الشتائم.

قاطعها ريان مجدداً ليقول: لم أطلب منك كل هذه التفاصيل لما تخبرينني بها؟

أجابته وهي تبتسم: صدقني إن قلك أنتي لا اعرف ما هو السبب الذي دفعني للكلام بكل ما لدي، ربما بسبب التراكم الكبير لهذه المشاعر ولهذا الحزن في قلبي.

رد عليها ريان وقال: هوني عليك، لكل أمر سبب، وأنا متأكد بأن ما قمت به كان وراه سبب مهم او كبير لم تسطيع تجاوزه.

فتحت عيناها بشكل كبير، وكانت الصدمة واضحة على محياها لم تصدق ما كان يقوله فقالت له وفي نبرتها حتى الكثير من الغرابة: هل ما قلته أنت الآن حقيقي؟

لم يفهم ريان سبب تلك الدهشة الكبيرة وقال لها: نعم، أليس هذا هو الواقع والمنطق أيضا؟

سرحت كاتيا في خيالها لبعض الوقت ثم قالت له: لم أسمع كلام مثل هذا في حياتي.

سأله ريان يحاول فهم الأمور: ماذا تعني بهذا؟!

أجابته كاتيا بحزن وألم: كل من يعرف بأنني أقوم بهذا العمل يتخيل له بأن هذا من اختياري وأن القيام به رغبة مني وحب للقيام بهذا.

وهي تكمل كلامها تسابقت بعض الدموع على خديها وقالت: لا أحد يعلم كم اكره نفسي في كل مرة أكون مجبرة على فعل هذا الأمر.

تنهدت بعمق وهي تضيف: تمنيت كثيرا أن لا تخرج الشمس إلا وقد أكون غادرت هذه الدنيا التي مزقت قلبي وجسدي، ليس هي فقط بل عيون الناس وكلماتهم أيضا.

قال لها ريان يحاول التخفيف عنها، لأنه واضح له حجم الحزن الذي تشعر به فقال: ترغمنا الأقدار أحيانا على افعال وتصرفات لا تشبهنا أبدا ولا تليق بنا ولم بكن يخيل لنا الوصول إليه في يوم من الأيام.

هزت رأسها كاتيا موافقة إلا أنها قالت له: رغم أن ما تقوله صحيح لكنه ليس مبرر كافي لنا للقيام بمثل هذا، يتوجب علينا الكفاح والسعي وراء تحقيق ما هو أفضل لانفسنا وأن لا نسمح لها الوصول إلى القاع.

قال ريان لها: ليس الأمر السيء أن يصل بنا الحال إلى القاع، السيء أن نستقر فيه، لربما من هذا الحضيض ننهض أقوى وأقسى ونندفع إلى الأمام.

سألته كاتيا: هل تظن بأن لدي فرصة للاندفاع نحو الأمام والحياة بطريقة نظيفة أما لا؟

اجاب ريان بنبرة فيها دعم وقوة: هذا أمر أكيد لا تقلقي لديك الكثير لتفعليه وتحقيقه، فأنت تستطيعين إنجاز الكثير من الأمور، ويجب أن تكون البداية في السعي للخروج من هنا.

قاطعته كاتيا وهي مترددة وقالت: لكن كيف يكون هذا الأمر؟ من أبن يجب علي أن أبدأ، لا أعرف الوجهة ولا أملك بوصلة كي أجد الطريق.

ابتسم ريان وقال: دعيني ارد لك بعض الجميل الذي فعلته لي.

لم تفهم كاتيا قصده فقالت: ماذا تعني؟

قال لها ريان: أنا هنا كي اساعدك لا تقلقي، سوف نبدأ بشكل تدريجي بعد أن نضع خطة ممتازة لا تفشل ولا نتوه بعدها.

كانت كاتيا متحمسة لهذا الكلام، فهي الآن وللمرة الأولى تجد من يدفعها ويرفع من معنوياتها ويحاول دعمها بعد كل ما عاشته من ألم وحزن وظنون سيئة.

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي