البارت السابع
صدمة.
عندما يعتقد الإنسان أنه حصل على ما يريد وتمكن منه، يحدث مالا يتوقعه، فليس هناك شيء باقِ ولا مضمون، كل شخص لدية قوة داخلية تخرج فقط عندما يحتاجها بشدة، واحيانا يتعجب هذا الشخص من قدرته المفاجئة، فلا تعتمد على ثقتك بنفسك وانك تمكنت من شخص ما، فربما تخرج قوة هذا الشخص يوما ويتحرر من قيودك إلى الابد، وتبقى انت أثيره.
بعد انتهاء العزاء ومغادرة آثر إلى منزله بعدة ايام، بقيت سهيلة تفكر ليلا ونهارا فيما حدث بينها وبين آثر، لم تكن في حالتها الطبيعية، تجلس في غرفتها وسط الظلام تفكر فقط، تنظر إلى الهاتف وهو يرن بمكالماته ولا تجيب، استمرت هذه الحالة يومين حتى رأت رسائله الالكترونيه وهو يقول فيها أنه متعب وقلق عليها وإن لم تجيب على مكالماته سيتصل بوالدتها او والدها.
استفزتها تلك الرسائل، تزفر بضيق وتمسك هاتفها وتتصل به:
-اجل، ما هذا الذي كتبته عبر رسائلك؟!
بصوت قلق ومنفعل:
-لم لا تجيبين على مكالماتي يا سهيلة؟! ماذا هناك؟! كدت أن أموت من القلق.
بسخرية تجيبه وصوت غاضب:
-حقا؟! لا تعلم لم لا اجيب على مكالماتك؟! وانا أيضاً لا اعلم يا آثر، عندما تعلم أخبرني ارجوك.
استفز من طريقة كلامها وبرودها المبالغ فيه، والذي لم يعتاد عليه، بضيق تحدث منفعلا:
-سهيلة؟ تحدثي جيداً معي، مع من تتحدثين بهذة الطريقة، هل جننتي؟!
-اجل يا آثر جننت.
بتأثر ونبرة ندم:
-جننت؛ لانني وثقت بك يوماً، جننت؛ لانني كنت اعتقد اني حصلت على الرجل المناسب، والذي لا مثيل له، جننت؛ لاني احببتك يوما يا آثر.
-ماذا حدث لكل ذلك؟! ماذا فعلت انا حتى اسمع منك هذا الكلام؟!
بصوت حزين وباكِ:
-خلتك تحبني حقا، لكن يبدو انني كنت مخطئة.
باستغراب يتحدث:
-لم تبكين انا لا افهم شيئا؟! لحظة هل انتِ غاضبة مني مما حدث بيننا ذلك اليوم؟
لم تجبه وصمتت لبعض الوقت حتى أعاد عليها السؤال مرة أخرى:
-سهياة تجيبيني من فضلك، هل أنتِ غاضبة مني من أجل ذلك، هيا ردي؟
تنهدت بصمت للحظات ثم تحدثت قائلة بهدوء:
-وهل الأمر بسيط بالنسبة إليك ام انك اعتدت على فعله؟!
بصوت واضح:
-انتبهي لكلامك.
ثم تحدت بمزاح قائلاً:
-كل هذا الغضب لأجل ذلك، لم أكن اعلم انك حساسة لهذه الدرجة، سهيلة لقد فعلت ذلك لاني احبكِ.
بضيق تتحدث:
-تحبني؟! من يحب أحدا يحافظ عليه، يخاف عليه من نفسه قبل الجميع، لكنك لم تفعل ذلك يا آثر.
تنهدت بحزن قائلة:
-لأ فائدة من الكلام، لقد اخذت ما تريده أليس كذلك؟ ارحل هيا ودعني وشأني.
ضحك آثر بصوت مرتفع، حتى استفزها صوت ضحكه وأغلقت الخط، اتصل بها آثر مرة أخرى وقالت:
-هل انتهيت من الضحك وسخريتك؟ لم تضحك؟
بصوت ضاحك يقول:
-انتِ حقا بلهاء، ما هذا الذي أخذته؟ يا الهي لا أستطيع أن أتمالك نفسي من الضحك، كل هذا لاني قبلتك واحتضنتك يا سهيلة.
-وهل هذا الأمر بالنسبة إليك مضحك وبسيط؟
-لا ليس مضحك بل أنتِ المضحكة، لقد جعلتني أشعر اني ارتكبت جريمة أو ما شابه، هل انا اغتصبتكِ وانا لا اعلم ههههه يا الهي انتِ حقا غريبة.
صمتت سهيلة من ضيقها، تركته يتحدث حتى لاحظ صمتها، وقال:
-سهيلة؟ سهيلة؟ حسنا حسنا ساتحدث بجدية اجيبي، سنتحدث معا اعدكِ.
تحمحمت سهيلة دون كلام، ثم قال بجدية وهدوء:
-استمعي الي يا سهيلة، كل ما فعلته هو اني اقتربت منكِ أكثر من اللازم اعلم ذلك واعرف أنه أمر غير مقبول، لكني لم اقم بايذائك يا حبيبتي، من قال اني لم أحافظ عليكِ لقد احتضنتك فقط وقمت بتقبيلك ما الجريمة التي ارتكبتها؟!
لقد كانت هذه المرة الأولى التي اراكِ فيها بعد خطبتنا، كنت اشتاق إليكِ كثيراً، لا تنزعجي مني رجاءا، اقسم لكِ اني فعلت ذلك لاني احبك واشتاق إليكِ، فانا لم اراكِ منذ أشهر، الم تشتاقي اليّ ايضاً؟
تنهدت سهيلة وقالت:
-بالطبع اشتاق إليك، لكن هذا خطأ يا آثر، ماذا لو دخل أحد ورآنا، انا لا احب هذه الطريقة ولا احب هذا الشيء.
وكالعادة بدأت فقرات السحر والاقناع التي دائماً ما تكون لصالحه:
-سهيلة انت زوجتي أمام الله ام انك نسيتي ذلك؟
-لا يا آثر لم انس، لكنك وعدتني بالا تفعل شيئا من هذا ام نسيت؟
-لا لم انسى ولكن أخبرتك اني كنت مشتاق اليك، وفي حقيقة الأمر كنت اود أن أفعل أكثر من ذلك.
بمزاح قالت وبخجل:
-آاااثر؟
-حسنا حسنا يا زوجتي العزيزة اخجلي قدر ما تشائين فلن يكون هناك خجلا لاحقاً.
رددت ثانية بخجل:
-آاااااثر؟
-حسنا حسنا لن افعلها ثانية اتفقنا، لا تغضبي مني ارجوكِ.
-حسنا لن افعل اسامحك.
وها هي طريقة الشيطان في الحصول على ما يريد دون عناء، وبرغبة كاملة من فريسته أيضاً:
-لكني اشتاق إليكِ ماذا افعل؟
بحسن نية تتحدث تلك الملاك البريء:
-حسنا كلما اشتقت الي سارسلك لك صورتي.
ابتسم وراء الهاتف وكأنه يقول:
-لقد قربت علي الطريق، واعطائي ما اريد، يا لها من فكرة.
ثم جهر بصوت أفكاره يحدثها:
-انها فكرة جيدة حقا، حسنا انا اشتاق اليك الان كثيراً ارسلي لي صورة ولكن أريد أن أرى ما رأيته ذلك اليوم.
بانفعال وضيق قالت:
-آثر ليس ثانية.
بانفعال قال:
-ماذا تريدين مني يا سهيلة؟ أنتِ زوجتي أمام الله وهذه هي ابسط حقوقي أن أرى زوجتي، لقد غضبتِ مني لما فعلته ولا تريدين إخماد نار شوقي اليكِ، هذا ليس عدلا.
بدأت تهدأ وتتحدث بهدوء عندما سمعت طريقة حديثه معها:
-آثر اخفض صوتك، سيسمعك أحد.
رفع صوته أكثر وقال:
-لن اخفض صوتي ولا يهمني احد، انت زوجتي أمام الله، وانا لا اريد منك شيئا يا سهيلة، شكرا لكِ لا اريد ان اراكِ حتى نتزوج هل انتِ سعيدة الان لقد سئمت الأمر وداعاً.
اغلق آثر الخط في وجهها فهو يعلم كيف يعيدها إليه وكيف يقنعها بتلبية رغباته وتنفيذ طلباته.
ظلت لا يتحدث إليها عدة أيام، تتصل به مرات عديدة ويرى هاتفه ويرى رسائلها لكنه لا يجيب عليها، طرأت لها خاطرة أنها إذا أرسلت إليه صورتها سيتحدث إليها، ولكنه رأى صورتها بملابس المنزل ولم يجيب ايضاً، بالطبع فليس هذا ما يريده، خباياه الخبيثة وعشقها الغير محدود له جعل الأمر سهل عليه.
ظلت ترسل الرسائل وتتصل إلى أن سئمت الامر، ضاق بها زرعا، وارسلت إليه رسالة وقالت فيها:
-حسنا كما تريد لن اتصل ثانية، ظل هكذا يا آثر، افعل ما تشاء لقد سئمت الأمر.
عندما رأى رسالتها فكر قليلاً وقال انها تفعل ذلك حتى اجيبها ولم يبالي، لم يعرها انتباه حتى لاحظ أنها لم تتصل به حتى نهاية اليوم.
ظل منتظرا اتصالها لكن تلك المرة خيبت ظنه وخالفت اعتقاده، اتصل بها وكانت المفاجأة ليس أنها لم تجبه بل اغلقت الخط في وجهه، يا لها من جرأة، بالرغم من خضوع المرأة لحبها أحياناً وانكسارها لعشقها، إلا أنها عندما تمل وتشعر بعدم الاهتمام أو الإهانة تفعل ما لا يخطر على بال اي رجل.
كانت الحياة بين آثر وسهيلة عبر الهاتف، كل شيء يدور بينهما عبر الهاتف، لم تكن تراه ولا تعلم صادق هو أم كذاب، كانت أحياناً تأخذ اكلها داخل غرفتها وتأكل معه وهي يحدثها عبر الهاتف، تفعل أشياء غريبة عجيبة، بالرغم من انتقادها لاصدقائها على معاملتهم لخطابهم، وأصبحت هي أكثر منهن بعد خطبتها، بدأت سهيلة تعامل الجميع كما كان يعاملها سابقا.
من كان يعاملها بلطف تعامله ومن أساء إليها ترد بالمثل على غير طبيعتها، هذا ما تعلمته من عشرتها لآثر، حتى خسرت الكثير والكثير واول ما خسرته هي نفسها التي كانت يمدح بها طوب الأرض وما عليها، أصبحت منعزلة لا تخرج كثيرا وان خرجت كان يبقا معها على الهاتف حتى تعود، الأمر غريب لكنها اعتادت عليه.
بعد اسبوع من وفاة عم سهيلة مرضت والدة آثر كثيراً؛ لأنها كانت تعاني من مرض السكر، اشتد عليها مرضها وارتفعت نسبة السكر في الدم حتى تسببت في تسمم بالدم، نقلت إلى المشفى عبر سيارة الإسعاف، كانت ترفض الذهاب وتقول وهي على الناقلة تنزل عبر الدرج لسيارة الإسعاف:
-لا تأخذوني إلى أي مكان دعوني اموت في فراشي.
كانت ترافقها ابنتها منال وقالت وهي تبكي خلفها:
-لا تقولي ذلك يا امي، كفاكِ الله شر الموت، ستكونين بخير إن شاء الله.
التم الجيران على صوت سيارة الإسعاف وتسائلوا ماذا هناك، وبدأ الجميع يدعي لها بالشفاء عندما علموا أنها هي المريضة، كانت سيدة جميلة، خلوقة يحلف الجميع بأخلاقها وشهامتها، كانت الوحيدة من بينهم التي لا تقبل الخطأ ولا تقبل الظلم وهذا ما عرفته سهيلة عنها طوال معرفتها بها.
علم آثر بما حدث لوالدته وهو في العمل، تحدث إلى سهيلة واخبرها بمرض والدته، ظلت تدعي لها وتقرأ القرآن لاجلها بنية الشفاء، حتى كانت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل.
ذهب آثر إلى المشفى وهو يتحدث إلى سهيلة بطريقة طبيعية تعجبت منها، كيف له أن يكون بهذا البرود ووالدته بين الحياة والموت:
-انا في المشفى الان يا سهيلة ساطمئن عليها واهاتفكِ.
-حسنا يا آثر انا انتظرك، إن كانت تستطيع الحديث دعني اتحدث إليها من فضلك؟
-حسنا رجاءا اقرأي القرآن لاجلها يا سهيلة.
-لم اترك المصحف من يدي منذ أن اخبرتني بمرضها، ستكون بخير إن شاء الله لا تقلق.
-انا لن أتأخر ساطمئن عليها واذهب الى المنزل؛ لاني متعب للغاية.
-الن تبقى معها الليلة في المشفى؟!
-وماذا ستفعل في المشفي، هنا منال وباقي إخوتي، اقول لك اني متعب الا تفهمين، لقد فعلت ما علي الان وجئت لاطمئن عليها، هيا أحدثكِ لاحقا وداعا.
اغلق الخط وظلت تتعجب منه، تضرب كفا على كف وتردد:
-لا اله إلا الله سيدنا محمد رسول الله، ما هذه البشر يا ربي، لا اعلم اي نوع من البشر هذ الأشخاص، لطفا يا الله رحماك.
بعد حوالي الساعة تقريبا اتصل بها آثر واخبرخا أنه في سيارة الاجرة يتجه إلى المنزل، وإن والدته بخير، لم تمض الخمس دقائق على مكالمته واتصل بها مرة أخرى أخبرها أنه سيعود إلى المشفى ثانية؛ لأنهم أخبروه أن حالة أمه خطيرة للغاية.
عاد إلى المشفى مسرعاً واتصل بسهيلة وهو على باب المشفى، للمرة الأولى يصدق آثر في مشاعره، بالرغم من سوء طباعه الا انها والدته، انها الام التي يقف أمامها كل شيء تعظيما لها ولمكانتها، يرخص لها كل نفيس، ويرتجف القلب لها وان كان حجرا، وتخضع لها النفس وان كانت متمردة، بصوت حزين وقلق وخائف يتحدث آثر:
-انا داخل المشفى الان يا سهيلة، لعلها تكون بخير.
-اهدأ يا آثر ستكون بخير إن شاء الله، تمالك نفسك حتى لا تراك بهذه الحالة.
-انتظري قليلاً ها هو اخي محمد و مصطفى ايضاً يقفان هناك انتظري معي.
عبر الهاتف سمعت حديثهم سهيلة، قال محمد انها تعبانة للغاية وأن الطبيب إرادتهم أن يوقعوا على إقرار باخلاء مسؤولية المشفى مما حدث معها وأنها تلقت العناية اللازمة، اخبروهم أن هذا الأمر روتين تتبعه المشفى مع الجميع، لكن في حقيقة الأمر أنهم علموا أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة وأنها لم تتلقى العناية اللازمة؛ لسوء حالة المشفى ونقص معداته.
وهناك أيضا سببا اقوى من ذلك وهو ابنتها منال!
عندما يعتقد الإنسان أنه حصل على ما يريد وتمكن منه، يحدث مالا يتوقعه، فليس هناك شيء باقِ ولا مضمون، كل شخص لدية قوة داخلية تخرج فقط عندما يحتاجها بشدة، واحيانا يتعجب هذا الشخص من قدرته المفاجئة، فلا تعتمد على ثقتك بنفسك وانك تمكنت من شخص ما، فربما تخرج قوة هذا الشخص يوما ويتحرر من قيودك إلى الابد، وتبقى انت أثيره.
بعد انتهاء العزاء ومغادرة آثر إلى منزله بعدة ايام، بقيت سهيلة تفكر ليلا ونهارا فيما حدث بينها وبين آثر، لم تكن في حالتها الطبيعية، تجلس في غرفتها وسط الظلام تفكر فقط، تنظر إلى الهاتف وهو يرن بمكالماته ولا تجيب، استمرت هذه الحالة يومين حتى رأت رسائله الالكترونيه وهو يقول فيها أنه متعب وقلق عليها وإن لم تجيب على مكالماته سيتصل بوالدتها او والدها.
استفزتها تلك الرسائل، تزفر بضيق وتمسك هاتفها وتتصل به:
-اجل، ما هذا الذي كتبته عبر رسائلك؟!
بصوت قلق ومنفعل:
-لم لا تجيبين على مكالماتي يا سهيلة؟! ماذا هناك؟! كدت أن أموت من القلق.
بسخرية تجيبه وصوت غاضب:
-حقا؟! لا تعلم لم لا اجيب على مكالماتك؟! وانا أيضاً لا اعلم يا آثر، عندما تعلم أخبرني ارجوك.
استفز من طريقة كلامها وبرودها المبالغ فيه، والذي لم يعتاد عليه، بضيق تحدث منفعلا:
-سهيلة؟ تحدثي جيداً معي، مع من تتحدثين بهذة الطريقة، هل جننتي؟!
-اجل يا آثر جننت.
بتأثر ونبرة ندم:
-جننت؛ لانني وثقت بك يوماً، جننت؛ لانني كنت اعتقد اني حصلت على الرجل المناسب، والذي لا مثيل له، جننت؛ لاني احببتك يوما يا آثر.
-ماذا حدث لكل ذلك؟! ماذا فعلت انا حتى اسمع منك هذا الكلام؟!
بصوت حزين وباكِ:
-خلتك تحبني حقا، لكن يبدو انني كنت مخطئة.
باستغراب يتحدث:
-لم تبكين انا لا افهم شيئا؟! لحظة هل انتِ غاضبة مني مما حدث بيننا ذلك اليوم؟
لم تجبه وصمتت لبعض الوقت حتى أعاد عليها السؤال مرة أخرى:
-سهياة تجيبيني من فضلك، هل أنتِ غاضبة مني من أجل ذلك، هيا ردي؟
تنهدت بصمت للحظات ثم تحدثت قائلة بهدوء:
-وهل الأمر بسيط بالنسبة إليك ام انك اعتدت على فعله؟!
بصوت واضح:
-انتبهي لكلامك.
ثم تحدت بمزاح قائلاً:
-كل هذا الغضب لأجل ذلك، لم أكن اعلم انك حساسة لهذه الدرجة، سهيلة لقد فعلت ذلك لاني احبكِ.
بضيق تتحدث:
-تحبني؟! من يحب أحدا يحافظ عليه، يخاف عليه من نفسه قبل الجميع، لكنك لم تفعل ذلك يا آثر.
تنهدت بحزن قائلة:
-لأ فائدة من الكلام، لقد اخذت ما تريده أليس كذلك؟ ارحل هيا ودعني وشأني.
ضحك آثر بصوت مرتفع، حتى استفزها صوت ضحكه وأغلقت الخط، اتصل بها آثر مرة أخرى وقالت:
-هل انتهيت من الضحك وسخريتك؟ لم تضحك؟
بصوت ضاحك يقول:
-انتِ حقا بلهاء، ما هذا الذي أخذته؟ يا الهي لا أستطيع أن أتمالك نفسي من الضحك، كل هذا لاني قبلتك واحتضنتك يا سهيلة.
-وهل هذا الأمر بالنسبة إليك مضحك وبسيط؟
-لا ليس مضحك بل أنتِ المضحكة، لقد جعلتني أشعر اني ارتكبت جريمة أو ما شابه، هل انا اغتصبتكِ وانا لا اعلم ههههه يا الهي انتِ حقا غريبة.
صمتت سهيلة من ضيقها، تركته يتحدث حتى لاحظ صمتها، وقال:
-سهيلة؟ سهيلة؟ حسنا حسنا ساتحدث بجدية اجيبي، سنتحدث معا اعدكِ.
تحمحمت سهيلة دون كلام، ثم قال بجدية وهدوء:
-استمعي الي يا سهيلة، كل ما فعلته هو اني اقتربت منكِ أكثر من اللازم اعلم ذلك واعرف أنه أمر غير مقبول، لكني لم اقم بايذائك يا حبيبتي، من قال اني لم أحافظ عليكِ لقد احتضنتك فقط وقمت بتقبيلك ما الجريمة التي ارتكبتها؟!
لقد كانت هذه المرة الأولى التي اراكِ فيها بعد خطبتنا، كنت اشتاق إليكِ كثيراً، لا تنزعجي مني رجاءا، اقسم لكِ اني فعلت ذلك لاني احبك واشتاق إليكِ، فانا لم اراكِ منذ أشهر، الم تشتاقي اليّ ايضاً؟
تنهدت سهيلة وقالت:
-بالطبع اشتاق إليك، لكن هذا خطأ يا آثر، ماذا لو دخل أحد ورآنا، انا لا احب هذه الطريقة ولا احب هذا الشيء.
وكالعادة بدأت فقرات السحر والاقناع التي دائماً ما تكون لصالحه:
-سهيلة انت زوجتي أمام الله ام انك نسيتي ذلك؟
-لا يا آثر لم انس، لكنك وعدتني بالا تفعل شيئا من هذا ام نسيت؟
-لا لم انسى ولكن أخبرتك اني كنت مشتاق اليك، وفي حقيقة الأمر كنت اود أن أفعل أكثر من ذلك.
بمزاح قالت وبخجل:
-آاااثر؟
-حسنا حسنا يا زوجتي العزيزة اخجلي قدر ما تشائين فلن يكون هناك خجلا لاحقاً.
رددت ثانية بخجل:
-آاااااثر؟
-حسنا حسنا لن افعلها ثانية اتفقنا، لا تغضبي مني ارجوكِ.
-حسنا لن افعل اسامحك.
وها هي طريقة الشيطان في الحصول على ما يريد دون عناء، وبرغبة كاملة من فريسته أيضاً:
-لكني اشتاق إليكِ ماذا افعل؟
بحسن نية تتحدث تلك الملاك البريء:
-حسنا كلما اشتقت الي سارسلك لك صورتي.
ابتسم وراء الهاتف وكأنه يقول:
-لقد قربت علي الطريق، واعطائي ما اريد، يا لها من فكرة.
ثم جهر بصوت أفكاره يحدثها:
-انها فكرة جيدة حقا، حسنا انا اشتاق اليك الان كثيراً ارسلي لي صورة ولكن أريد أن أرى ما رأيته ذلك اليوم.
بانفعال وضيق قالت:
-آثر ليس ثانية.
بانفعال قال:
-ماذا تريدين مني يا سهيلة؟ أنتِ زوجتي أمام الله وهذه هي ابسط حقوقي أن أرى زوجتي، لقد غضبتِ مني لما فعلته ولا تريدين إخماد نار شوقي اليكِ، هذا ليس عدلا.
بدأت تهدأ وتتحدث بهدوء عندما سمعت طريقة حديثه معها:
-آثر اخفض صوتك، سيسمعك أحد.
رفع صوته أكثر وقال:
-لن اخفض صوتي ولا يهمني احد، انت زوجتي أمام الله، وانا لا اريد منك شيئا يا سهيلة، شكرا لكِ لا اريد ان اراكِ حتى نتزوج هل انتِ سعيدة الان لقد سئمت الأمر وداعاً.
اغلق آثر الخط في وجهها فهو يعلم كيف يعيدها إليه وكيف يقنعها بتلبية رغباته وتنفيذ طلباته.
ظلت لا يتحدث إليها عدة أيام، تتصل به مرات عديدة ويرى هاتفه ويرى رسائلها لكنه لا يجيب عليها، طرأت لها خاطرة أنها إذا أرسلت إليه صورتها سيتحدث إليها، ولكنه رأى صورتها بملابس المنزل ولم يجيب ايضاً، بالطبع فليس هذا ما يريده، خباياه الخبيثة وعشقها الغير محدود له جعل الأمر سهل عليه.
ظلت ترسل الرسائل وتتصل إلى أن سئمت الامر، ضاق بها زرعا، وارسلت إليه رسالة وقالت فيها:
-حسنا كما تريد لن اتصل ثانية، ظل هكذا يا آثر، افعل ما تشاء لقد سئمت الأمر.
عندما رأى رسالتها فكر قليلاً وقال انها تفعل ذلك حتى اجيبها ولم يبالي، لم يعرها انتباه حتى لاحظ أنها لم تتصل به حتى نهاية اليوم.
ظل منتظرا اتصالها لكن تلك المرة خيبت ظنه وخالفت اعتقاده، اتصل بها وكانت المفاجأة ليس أنها لم تجبه بل اغلقت الخط في وجهه، يا لها من جرأة، بالرغم من خضوع المرأة لحبها أحياناً وانكسارها لعشقها، إلا أنها عندما تمل وتشعر بعدم الاهتمام أو الإهانة تفعل ما لا يخطر على بال اي رجل.
كانت الحياة بين آثر وسهيلة عبر الهاتف، كل شيء يدور بينهما عبر الهاتف، لم تكن تراه ولا تعلم صادق هو أم كذاب، كانت أحياناً تأخذ اكلها داخل غرفتها وتأكل معه وهي يحدثها عبر الهاتف، تفعل أشياء غريبة عجيبة، بالرغم من انتقادها لاصدقائها على معاملتهم لخطابهم، وأصبحت هي أكثر منهن بعد خطبتها، بدأت سهيلة تعامل الجميع كما كان يعاملها سابقا.
من كان يعاملها بلطف تعامله ومن أساء إليها ترد بالمثل على غير طبيعتها، هذا ما تعلمته من عشرتها لآثر، حتى خسرت الكثير والكثير واول ما خسرته هي نفسها التي كانت يمدح بها طوب الأرض وما عليها، أصبحت منعزلة لا تخرج كثيرا وان خرجت كان يبقا معها على الهاتف حتى تعود، الأمر غريب لكنها اعتادت عليه.
بعد اسبوع من وفاة عم سهيلة مرضت والدة آثر كثيراً؛ لأنها كانت تعاني من مرض السكر، اشتد عليها مرضها وارتفعت نسبة السكر في الدم حتى تسببت في تسمم بالدم، نقلت إلى المشفى عبر سيارة الإسعاف، كانت ترفض الذهاب وتقول وهي على الناقلة تنزل عبر الدرج لسيارة الإسعاف:
-لا تأخذوني إلى أي مكان دعوني اموت في فراشي.
كانت ترافقها ابنتها منال وقالت وهي تبكي خلفها:
-لا تقولي ذلك يا امي، كفاكِ الله شر الموت، ستكونين بخير إن شاء الله.
التم الجيران على صوت سيارة الإسعاف وتسائلوا ماذا هناك، وبدأ الجميع يدعي لها بالشفاء عندما علموا أنها هي المريضة، كانت سيدة جميلة، خلوقة يحلف الجميع بأخلاقها وشهامتها، كانت الوحيدة من بينهم التي لا تقبل الخطأ ولا تقبل الظلم وهذا ما عرفته سهيلة عنها طوال معرفتها بها.
علم آثر بما حدث لوالدته وهو في العمل، تحدث إلى سهيلة واخبرها بمرض والدته، ظلت تدعي لها وتقرأ القرآن لاجلها بنية الشفاء، حتى كانت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل.
ذهب آثر إلى المشفى وهو يتحدث إلى سهيلة بطريقة طبيعية تعجبت منها، كيف له أن يكون بهذا البرود ووالدته بين الحياة والموت:
-انا في المشفى الان يا سهيلة ساطمئن عليها واهاتفكِ.
-حسنا يا آثر انا انتظرك، إن كانت تستطيع الحديث دعني اتحدث إليها من فضلك؟
-حسنا رجاءا اقرأي القرآن لاجلها يا سهيلة.
-لم اترك المصحف من يدي منذ أن اخبرتني بمرضها، ستكون بخير إن شاء الله لا تقلق.
-انا لن أتأخر ساطمئن عليها واذهب الى المنزل؛ لاني متعب للغاية.
-الن تبقى معها الليلة في المشفى؟!
-وماذا ستفعل في المشفي، هنا منال وباقي إخوتي، اقول لك اني متعب الا تفهمين، لقد فعلت ما علي الان وجئت لاطمئن عليها، هيا أحدثكِ لاحقا وداعا.
اغلق الخط وظلت تتعجب منه، تضرب كفا على كف وتردد:
-لا اله إلا الله سيدنا محمد رسول الله، ما هذه البشر يا ربي، لا اعلم اي نوع من البشر هذ الأشخاص، لطفا يا الله رحماك.
بعد حوالي الساعة تقريبا اتصل بها آثر واخبرخا أنه في سيارة الاجرة يتجه إلى المنزل، وإن والدته بخير، لم تمض الخمس دقائق على مكالمته واتصل بها مرة أخرى أخبرها أنه سيعود إلى المشفى ثانية؛ لأنهم أخبروه أن حالة أمه خطيرة للغاية.
عاد إلى المشفى مسرعاً واتصل بسهيلة وهو على باب المشفى، للمرة الأولى يصدق آثر في مشاعره، بالرغم من سوء طباعه الا انها والدته، انها الام التي يقف أمامها كل شيء تعظيما لها ولمكانتها، يرخص لها كل نفيس، ويرتجف القلب لها وان كان حجرا، وتخضع لها النفس وان كانت متمردة، بصوت حزين وقلق وخائف يتحدث آثر:
-انا داخل المشفى الان يا سهيلة، لعلها تكون بخير.
-اهدأ يا آثر ستكون بخير إن شاء الله، تمالك نفسك حتى لا تراك بهذه الحالة.
-انتظري قليلاً ها هو اخي محمد و مصطفى ايضاً يقفان هناك انتظري معي.
عبر الهاتف سمعت حديثهم سهيلة، قال محمد انها تعبانة للغاية وأن الطبيب إرادتهم أن يوقعوا على إقرار باخلاء مسؤولية المشفى مما حدث معها وأنها تلقت العناية اللازمة، اخبروهم أن هذا الأمر روتين تتبعه المشفى مع الجميع، لكن في حقيقة الأمر أنهم علموا أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة وأنها لم تتلقى العناية اللازمة؛ لسوء حالة المشفى ونقص معداته.
وهناك أيضا سببا اقوى من ذلك وهو ابنتها منال!