8

تتوالى المحن وتنكشف الأمور التي يحاول المرء كثيرا كي تبقى طي الكتمان.


محاولة أخفاء مشاعر دفينة في القلب تشبه محاولة أخفاء جثة تحت السرير، لن يفلح الأمر كثير سوف تملئ الرائحة النتنة المكان، ويظهر كل ما هو مخفي للعلن..

قال ياسر لصديقه معتذرا: يبدو أنني قمت ببعض الاشياء الخاطئة، أو ربما تفوهت بأمور مخجلة.

رد عليه ريان متهكم: لقد قلت الحقيقة يا صديقي لا عليك كل الأمور تسير بالنحو الصحيح.

إلى حد ذلك الوقت لم يكن ياسر يدرك حجم الإحراج الذي كان قد حدث لريان بسببه.

أما ميرا كانت تجلس في الغرفة التي يفترض أن يصل إليها والدها، كانت تتوق لرؤيته.

وبالفعل لم تمر سوى بعض الدقائق حتى وصل والدها عاصم وهو لا يزال ممدد على سرير يجره ممريضين.

ركضت نحوه تريد مساعدتهم فهو والدها الذي تحب، لكن الأمر لم يكن بحاجة مجهودها.

وهي تقول بنبرة اغرقها الفرح: أبي، هل أنت بخير؟ هل كل شيء على ما يرام؟

ثم قال لها أحد الممرضين: لا تكثري عليه في الكلام، يجب أن يبقى بحال مستقر نفسياً وجسدياً أيضاً.

قالت له مؤكدة حرصها على هذا: حسنا سوف أفعل ذلك بالتأكيد.

وما إن انصرف الممرض وزميله، حتى اقتربت ميرا من والدها تتحسس وجهه البارد، ثم أمسكت يده وهي تقبلها وتقول له: لم أخشى فقدان شيء كما خشيت فقدانك بالأمس.

رفع يده يربت على كتفها تارة، ويتحسس شعرها الحريري تارة أخرى، وقال بصوت منهك: كيف لي أن أرحل واترك طفلتي الجميلة وحدها.

ثم قالت ميرا بنبرة غضب: أعلم أن كل ما حدث لك كان بسبب تلك الشمطاء.

سألها: ومن تقصدين!؟

قالت ميرا: ومن غيرها، تلك التي تدعى ديمة.

هنا تذكر عاصم وجودها لقد كان قد نسي ذلك أساس، فقال لها: أين ديمة الآن!؟

ردت عليه ميرا: لا يهمني، ولا أدري دعها تذهب أين ما تريد.

قال عاصم مستفسرا من ابنته: ما الذي تعنيه يا ميرا؟

أجابته: لقد طلبت منها المغادة فأنا لا أريد أن أرى وجهها هنا.

قال الأب مستنكر فعل ابنته: ولماذا فعلتي مثل هذا التصرف يا ميرا؟

أجابته: لقد حدث لك ما حدث عند ما كنت تتناول الطعام الذي أعدته هي، ولربما وضعت لك سم أو ما شابه ذلك في الطبق، ومن يدري ما غاية لك المرأة.


هنا مر في رأس عاصم بعض الأمور وحاول أن يربط الأحداث مع بعضها، لكنه كان مقتنع بأن ديمة لم يكن لهت أي دور بما حدث.

وفي هذه الأثناء، طرق باب الغرفة ثم تم فتحه، وإذا هي ديمة، انحنت على ركبتها بقرب سرير زوجها الذي كان طريح الفراش.

قالت له والدمعة قد وقفت على بوابة عينيها: الحمد لله على سلامتك يا حبيبي.

ثم أكملت: كاد قلبي ينفطر من شدة خوفي عليك، لم أكن استطيع تخيل حياتي خالية من صوتك.

هنا قاطعت ميرا حديث ديمة الرومنسي وقالت: لماذا وضعت له السم في الطعام إذا؟

شهقت ديمة مستنكرة وقالت: إن كنت لا تحبين وجودي في المنزل، هذا لا يعطيكي الحق بأن تقومي باتهامي في مثل هذه التهمة المقيتة.

وكان عاصم يسمع المشادة الكلامية بينهما، وهو متعب لا يقوى على اسكاتهم.

وبين شد ورد بين ديمة وميرا، لاحظا أن عاصم كان واضح عليه الضيق وأن حاله قد تغيير.

هنا سكتت كلاهما وقدما الاعتذار له لعله يهدأ قليلا وقالت ميرا: أن اعتذر يا أبي لقد كان كلامي قاس.

وخرجت لترى الطبيب و إن كانت النتائج المتعلقة بوالدها قد ظهرت أم لا.

وبقيت ديمة بجانب زوجها وهي تحاول دعمه معنويا، وتظهر حبها واهتمامها به.

وبعد أن سألت ميرا الطبيب وقالت: هل وصلت النتائج الخاصة بالتحاليل؟

كان وجه الطبيب باهتاً شاحبا، أدركت ميرا حينها بأن أمر ما قد حدث ولم يكن شيء جيد.

أعادت ميرا السؤال على الطبيب عن أحوال والدها الصحية وما قد حدث بعد أن ظهرت النتائج، لقد بدا التوتر واضح على تصرفات ميرا وهي تتحدث.

قال الطبيب يسألها: أين هي السيدة ديمة؟

ردت ميرا تسأله: وما شأن ديمة في هذا؟

أجاب الطبيب بعد تنهيدة طويلة أطلقها قائلا: من الضروري أن تكون موجودة سوف يكون ذلك أفضل.

رغم رفض ميرا إلا أن إلحاح الطبيب كان أقوى بإصرار لذا ذهبت ميرا إلى الغرفة عائدة تقول لديمة: هل يمكنك القدوم معي؟

سألتها ديمة بطريقة جافة: ولماذا يجب عليي أن اذهب معك؟

ردت ميرا بتأفف: هناك أمر مهم يجب أن تعرفيه.

شعرت ديمة بأهمية الأمر، وتركت عاصم بعد أن قبلت جبهته وقالت: سوف أعود لك بعد دقائق يا حبي، لن يطول انتظارك .

وما إن خرجت حتى أمسكت ميرا من يدها تسألها: ماذا تريدين؟

قالت ميرا: لست أنا من يريد.

لم تفهم ديمة ما قصدها فقالت: من؟

قالت ميرا بطريقة لا مبالاة فيها، وهي تمشي نحو المكان الذي تقصده: هيا اتبعيني إلى غرفة الطبيب.

كان الطبيب بنتظارهما، وقد وضع بعض الاوراق والصور على طاولته يحاول التأكد من الأمور التي يراها، لكن واضح جداً بأن الأمور صحيحة.

قالت ديمة للطبيب: ماذا هناك حضرة الطبيب؟ هل كل شيء على ما يرام؟!

رفع الطبيب حاجبيه وقال: ليس تماماً.

ثم قال لميرا هل يمكنك أن تتركيني وحدي مع السيدة ديمة: فقالت له ميرا: هذا غير وارد أريد معرفة ما الذي حدث لأبي.

ثم قالت وكأنها كشفت الخطة: لقد كان سم صحيح، تحاول أن تخفي عني الحقيقة وتتعاون مع هذه اللعينة، بماذا وعدتك؟

لم يقل الطبيب شيء وكان يتفهم حال ميرا المضطرب وهي وحيدة والدها وقال لها: إذن اجلسي بهدوء واسمعي ما الذي حدث.

وبالفعل تمالكت ميرا نفسها وجلست كي لا يتم إخراجها إلى الخارج مرغمة.

وهنا بدأ الطبيب حديثه وقال: أنا آسف لاخباركم بمثل هذا الكلام، لكنه واجبي ولا يمكنني أن أخفي عنكما وأنت الاشخاص المعنيون بالأمر.

قالت ديمة والقلق واضح في كلماتها: تفضل أبدا بالكلام أرجوك لقد ازداد الحال توترا.

وهنا كانت الفاجعة التي لم تخطر على بال أحد ولم يتوقعها أحد، بل أنها لم تكن من ضمن الخيارات أصلا ولم تكن من سياق التوقعات التي كان مشكوك فيها.

بنبرة حزينة يملئها الأسف قال الطبيب: التحليلات تفيد بأن السيد عاصم لديه سرطان في نقي العظام.

وما إن أكمل كلماته تلك وكأنه ألقى ثقل الجبال على عاتق ميرا كادت تنهار من هول ما سمعت.

أما ديمة قد كانت في حال من الذهول وكأنها مغيبة تماما، وغاب معها ادراكها لكل الامور حوالها وكانت غير قادرة على التفوه بأي كلمة.

ميرا صرخت أبي، لماذا حل هذا المصاب الكبير به، لا أريد أن يموت.

كان الطبيب يحاول معهما أن يكونا أكثر هدوء ووعي لما يجب عليهما القيام به والتصرف على أساس صحيح منذ البداية كي يتمكنوا من تدار ما يمكن تداركه في هذا الامر الصعب والقاس.

أما ريان قد خرج من البيت لرؤية ذلك الرجل الذي يعزف ويغني معه، وهو لا يزال غاضبا بعض الشيء من الأمر الذي حدث ليلة أمس.

فقال يحدث نفسه: كل ما كنت أرجوه أن اساعد صديقي كي يقف على قدميه في هذا البلد البارد.

تنهد بحسرة وقال ليس كل النوايا الصادقة تصل، والمشكلة ليست مني، إنما نحو من وإلى من قد منحتها يجب عليي أن أكون اكثر وعيا في المرة القادمة.

بينما هو شارد كان قد وصل إلى وجههت وقد قاطع أفكاره تلك صوت صفارة اطلقها الشاب ليراه ويقترب نحو المكان الذي كان يتواجد فيه.

انتبه لوجوده واسرع نحوه سلم عليه وقال له: ما بال حالك يا رجل لما كل هذا البؤس على وجهك.

قال له ريان لا شيء لقد تخاصمت مع صديقي.

قهقه الرجل وقال له: لقد.ظننت بأن حبيبتك قد تركتك.

هز ريان رأسه ساخر وقال؛ من هي التي تقبل بمتسول مثلي؟

ثم أكمل هيا دعنا لا نطل الحديث والكلام الفارغ، لنبدأ عملنا أفضل لنا من الحب والصداقة.

قال الرجل وافقا له: معك الحق، الصديق يغدر بك، والحبيب يخون الثقة التي تمنحه أياها.

ثم قال بمكر وهو يضرب على جيبه: أما المال هو فقط من يقدم لك المعونة عندما تحتاج له ويساعدك دون أن يتفوه بأي ثرثرة لا فائدة منها ولا تنظير.

قال ريان له وهو يحمل الكيتار يداعب اوتاره: لقد صدقت يا صديقي.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي