الفصل السابع مات
فتحت بيلا عينيها وهي تشعر بالكثير من الألم في سائر جسدها، التقت عينيها بأعين بدر لتحاول أن تعتدل لكنها صرخت بألم، وضع بدر كلتا يديه أمامها وهو يتحدث إليها برجاء:
-لا تتحركِ يا بيلا سوف تتألمين، أبقي كما أنتِ مرتاحة.
تحدثت إليه بصوت مرتجف والدموع بعينيها:
-أنا أشعر بالألم يا بدر، لا أستطيع التحرك.
لا يعلم بدر ما الذي يجب أن يقوله، لا يعلم كيف تجرأ شقيقه وتعامل معها بتلك الطريقة ولماذا؟ داخل رأسه الكثير من الأسئلة ولكنه يعلم كل العلم أن هذا ليس المكان المناسب أو الوقت المناسب للحديث في أي شيء:
-هذا الأمر طبيعي يا بيلا أنتِ مجروحة كما أن ذراعكِ مكسور لا تتحركِ ارتاحي حتى تسمح الطبيبة لكِ بالخروج.
تساقطت دموعها وهي تبعد وجهها حتى لا تواجهه، لا تعلم كيف تحول أنس إلى هذا الشخص البشع، لا يمكنها أن تبقي معه بعد كل شيء حدث، يجب أن يطلقها ويتركها وشأنها، نظرت إلى بدر برجاء وتحدثت بصوت مرتجف:
-إذا سمحت يا بدر اجعله يتركني وشأني، أرجوك أجعله يطلقني، لم أعد أستطيع العيش معه صدقني، لا يمكنني البقاء معه بعد كل شيء حدث، من الممكن أن يقوم بقتلي أنا أعلم هذا.
حرك بدر رأسه بنفي وهو يتحدث إليها بلين عكس المعتاد:
-اطمئني لن يحدث شيء، كل شيء سوف يكون على ما يرام صدقيني.
حركت بيلا رأسها بنفي وقد تحدثت من بين انهيارها بألم شديد:
-أنا لم أعد اريده، هو كان يحاول قتلي، قام بتهديدي وجعلني أخشى مجرد الحديث، هذا الشخص مريض ولم أعد أريد رؤية وجهه حتى يا أخي.
لم يكن بدر مدرك لكل شيء حدث بينهم، لا يعلم لماذا انقلب كل شيء رأس على عقب، تحدث إليها بهدوء:
-اهدئي يا بيلا حتى نستطيع الحديث واخبريني لماذا قام بضربكِ؟ لماذا قولتي له أنه ليس رجل، ما الذي حدث بيكم ليجعل الأمور تصل إلى هذا الحد؟!
ابتلعت ما بحلقها وهي تتذكر تهديد أنس لها بعدم التحدث، لا تعلم ما الذي يجب أن تفعله، في النهاية هو شقيقه ولا يمكنه أن يفعل شيء معه، هي من ستتأذى من زوجها وربما يرفض أن يطلقها ويتركها وشأنها! تحدث بدر من جديد وهو يقترب ويحاول جعلها تهدأ:
-اهدئي يا بيلا واخبريني ما الذي حدث؟!
ابعدت وجهها عنه في تصريح منها بعدم التحدث، لا يعلم ما الذي يفعله ولكنه قرر التزام الصمت وجعلها تهدأ، مر الوقت وهو معها بالمستشفى، شعر بالضيق الشديد وهو يكره أجواء المستشفيات تلك، وجد هاتفه يرن وكانت هذه والدته ليجيبها ظنًا منه أنها تريد الأطمئنان على حالة بيلا، لكن الشيء الذي صدمه حقً هو بكائها الشديد الذي تحول إلى انهيار وهي تقول:
-أين أنت يا بدر؟ لقد قام أنس بعمل حادث وانفجرت سيارته، اتصلوا أصدقائه برقم المنزل وهو بالقاهرة، لقد انفجرت السيارة التي من المفترض أن يكون بها.
احتلت الصدمة كيان بدر بأكمله وهو يشعر بالعالم بأكمله يدور به، يشعر أنه داخل كابوس مزعج من الصعب الخروج منه، لاحظت بيلا تغير ملامحه والدموع التي خيمت على عينيه لتعتل قليلًا رغم شعورها بالألم:
-ما الذي حدث؟ اخبرني يا بدر ما الأمر هل أمي أسماء بخير؟!
يومين مروا كانت أسوء أيام حياتهم، لقد انفجرت السيارة ولا وجود لأنس، البعض يقول أنه سقط بالنيل مع الأنفجار والبعض الآخر يقول أن جسده قد انفجر ولم يعد له وجود وما زال التحقيق مستمر، الكثير من الأشخاص يأتوا إلى منزل بدر ليقوموا بمواساته، أما هو فكان صامت طوال الوقت، وصلت أمل زوجته برفقة شقيقته بيري وما إن رأته حتى اقتربت منه لتقوم بضمه تحت أنظار الجميع.
لم يبقى بدر ثابتًا بل قام بضمها وهو يدفن وجهه بها وقد سمح بدموعه أن تتساقط، تحدثت أمل وهي تربت على ظهره:
-لقد عرفنا بالخبر ليلة أمس في المساء، كان عليك أن تتصل بي لتخبرني يا بدر، أنا أسفة لم أكن بجوارك، سامحني يا بدر.
تحدث بصوت مرتجف وهو يشعر بالألم يعتصر قلبه:
-لقد فقدت أخي يا أمل، لم أكن أتخيل أن هذا سوف يحدث، أشعر انني داخل كابوس مزعج وليس واقع أعيش به.
ابتعدت أمل لتنظر له وهي تمسح دموعه، حركت رأسها بنفي وهي تتحدث إليه بلين:
-لا تبكي يا بدر، أنت تعلم أن هذا قدر، لا يمكننا أن نفعل شيء، كنت صابر دائمًا كما اعتدت عليك.
كانت تمسح دموعه وعينيها مسلطة على بيلا الواقفة بالخلف، لم تجف دموعها ويبدو على وجهها أثار جروح كما أن ذراعها بالجص، اقتربت بيري من بدر بعد أن غادرت أحضان والدتها الباكية لتضم بدر:
-أخي أنا لا أصدق ما حدث، أشعر أنني على وشك الموت، ليتني لم أذهب وبقيت هنا حتى أراه، على الأقل كنت سأودعه.
ضمها بدر وهو يربت على ظهرها، لم يكن لديه المزيد من الكلمات ليواسي بها أحد، شعر أن العالم بأكمله يضيق به، لا يوجد لديه أي شيء ليقدمه، لقد كان داعم لهذه العائلة دائمًا أما الآن هو يشعر أنه تائه تمامًا!
اقتربت أمل من بيلا ليتنظر لها بحيرة:
-أنتِ من تكوني؟
اجابتها بيلا وهي تقوم بمسح دموعها:
-بيلا زوجة أنس.
تعجت أن بدر لم يخبرها بهذا الشيء ولم يخبرها بالتفاصيل، حتى أن العالم بالخارج لا تعرف أن شقيقه أنس قد تزوج! اخبرت نفسها أن هذا ليس وقته، على كل حال الأيام قادمة وسوف يكون بامكانهم الحديث، اقتربت لتقوم بضمها وهي تواسيها:
-هذا قدره، عليكِ أن تكوني قوية يا فتاة.
اقتربت بيري التي كانت تعلم بوجودها بعد أن اخبرتها أسماء ونبهت أن تلتزم الصمت ولا تخبر أي شخص حتى أمل؛ فهي لا تضمن أن تلتزم الصمت أمام عائلتها بالقرى المجاورة.
انتهى اليوم وكان صعب للغاية على الجميع، وجدت بيلا هاتفها يرن وهي داخل غرفتها تبكي وتشعر أن الحياة بأكملها تقف ضدها، حاولت الهدوء عندما وجدت اسم منار صديقتها ينير شاشة الهاتف، اجابتها من بين دموعها:
-مرحبًا يا منار.
تحدثت منار إليها بحنان وهي تتمنى أن تكون بخير:
-مرحبًا يا بيلا، حبيبتي أرجوكِ أريد منكِ أن تكوني هادئة، أعلم أن الشيء الذي حدث صادم ولا يمكن لأي شخص أن يتغاضى عنه، لكن اعلمي أن هذا النصيب وهذا قدره، عليكِ أن تكوني قوية يا بيلا، ارسلي لي الموقع أنا سوف أتي لكِ في أقرب فرصة.
انهارت بيلا في البكاء وهي تتحدث إليها بألم:
-أنتِ لا تعرفي الشيء الذي حدث بيننا في الفترة الأخيرة، لا تعرفي كل شيء مررت به، لكنني لم أكن أتوقع أنني سوف اتألم بتلك الطريقة إن اصابه شيء، أشعر أن حياتي بأكملها تدمرت، روحي تؤلمني كثيرًا، لا أعلم ما الذي يجب أن أفعله، كل شيء يتدمر وأنا أقف في مكاني عاجزة، لا يمكنكي أن تشعري بكل شيء أشعر به.
تحدثت منار إليها من جديد وهي تقدر الحالة التي سقطت بها صديقتها بين يوم وليلة:
-أنا أعلم جيدًا أن مهما كان غضبكِ من أنس أنتِ تحبيه وكنتِ تريدي أن يبقى بخير دائمًا، لكنني أريد منكِ أن تعرفي أن هذا نصيبه يا بيلا، عليكِ أن تهتمي بنفسكِ، لا تدعي الحزن يدمركِ، لا يوجد مانع من البكاء أو الغضب، لكن عليكِ أن تهتمي بصحتكِ أرجوكِ يا بيلا.
اومأت بيلا وهي لا تستطيع السيطرة على دموعها، تحدثت إلى منار وهي لا ترغب في الخوض في أي نقاش الآن:
-سوف أغلق الآن انا أحتاج إلى الراحة يا منار، دعينا نتحدث فيما بعد.
لم تمنعها منار وهي تعلم أن حالتها ليست مستقرة وتحتاج إلى الراحة، اغلقوا المكالمة وخرجت منار من غرفتها لتتحدث مع أخيها كارم:
-كما تعلم يا كارم لقد توفى أنس، عليك أن تنجز عملك لنسافر ونرى بيلا، حالتها ليست جيدة أبدًا، هي منهارة للغاية لا يمكنني أن أتجاهل حالتها.
استرخى كارم وهو يسند ظهره على الأريكة ويتحدث بضيق شديد:
-أنا لا أصدق أنها وافقت على عقد قيرانها على هذا الرجل والسفر معه إلى قرية ريفية، كانت تعلم أنني أريد الزواج بها ولم تهتم.
نظرت منار له بضيق شديد وتحدثت برجاء من بعدها:
-إذا سمحت يا كارم توقف عن التحدث بتلك الطريقة، بيلا لا تنظر إليك بتلك الطريقة، هي جلست معنا وقت لا بأس به وتعتبرك أخيها مثلي تمامًا.
تحدث كارم بانزعاج شديد:
-أظن أن الوقت حان لتقوم بتغيير فكرتها السخيفة تلك يا منار، اخبريني صحيح هل قاموا بعمل الزفاف أم..
صمت في انتظارها لتتابع حديثها بينما هي اجابته بضيق شديد وعدم رضا عن تفكيره:
-لم يقوموا بعمل الزفاف بعد، لم يكن هناك وقت حتى للتفكير، ها قد قام بحادث وانتهى أمره، لا تفكر بشكل يزعجها، أريدها أن تبقى على راحتها، إن ارادت القدوم لتأتي وإن لم تريد فلا تأتي.
انتبه كارم لها وهو يبتسم ساخرًا:
-وهل تظنين أنني سوف أقوم باغصابها على المجيء يا ترى؟ ربما تكون اقتنعت بأمر زواجنا وسوف توافق في النهاية من يدري؟
تأففت منار وهي تنظر له بنفاذ صبر:
-المهم أن نزورها في أقرب وقت يا كارم.
اجابها كارم وهو يشعر بالحماس الشديد:
-دعيها تهدأ أولًا ويهدأ منزلها حتى تستطيع أن تفكر بعقل يا حبيبتي، أعدكِ سوف أخذ إجازة عندما أجد الوقت المناسب.
لم يكن منها سوى الصمت وهي تعلم كم أن شقيقها الأكبر عنيد والأسوء من هذا مطاردته لبيلا حتى ابتعدت عنه وذهبت مع أنس، تمنت أن يكون كل شيء على ما يرام وأن تتحسن حالة صديقتها ولا يعود كارم ليضايقها.
مروا يومين آخرين، اجتمعوا حول المائدة وتحدث بدر إلى أسماء بلين:
-أمي إذا سمحتِ تناولي طعامكِ حتى تأخذي الدواء الخاص بكِ، لا نريد لحالتكِ أن تزداد سوءً.
اومأت أسماء دون كلمة عكس عادتها، تحدثت أمل وهي تشر إلى بدر على الصحن الخاص به:
-تناول طعامك أنت أيضًا يا بدر، عليك أن تهتم لصحتك، في خلال يومين تغير وجهك، أنتِ أيضًا يا بيري تناولي الطعام، عليكم أن تهتموا إلى صحتكم أكثر من هذا.
كانت بيلا شاردة، حتى إن ارادت تناول الطعام يمنعها ألم فكها وذراعيها، فواحد مازال يحيط الجص به والآخر تملأه الكدمات، لا يمكنها أن تتخطى هذا الألم الذي تركه لها قبل موته، لاحظ بدر شرودها وتحدث إليها بضيق:
-إلى متى ستجلسين بتلك الطريقة يا بيلا؟ تناولي طعامكِ هيا.
وقفت بيلا على الفور وقد شعرت بالكثير من الارتباك من حدة بدر في الحديث إليها:
-لقد انتهيت لن أجلس.
تعجبت أمل من طريقة بدر معها ونظرت إليه بعتاب، تدارك بدر نفسه وأعاد الحديث غليها:
-لم أقصد ازعاجكِ يا بيلا أردت أن أقول تناولي طعامكِ، أنتِ لم تأكلي شيئًا طوال الفترة الماضية، عليكِ أن تتناولي شيء.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تشعر بالكثير من الارتباك:
-لقد شبعت شكرًا لك، لم أعد جائعة.
اسرعت بالذهاب إلى الغرفة وكان من الصعب عليها الاستمرار في البقاء معهم رغم كل شيء يحدث، تحدثت بيري بحزن وقد تساقطت دموعها دون إرادة منها:
-بيلا لا تستطيع أن تتجاوز الأمر حقًا، أنا أشعر بالحزن تجاهها يا أخي، إذا سمحت كن لطيف معها، هي تبدو طيبة القب للغاية.
تحدث بدر وهو يشعر بالضيق الشديد:
-لم أتعمد احراجها، تحدثت بعفوية وأنا أراها شاردة وغير منتبهة لأي شيء من حولها، اكملوا طعامكم أنا سوف أخذ الصحن الخاص بها وأصعد لها.
نظرت امل له وهي غير راضية عن هذا، نعم هي استنكرت طريقته الفظة معها، لكنها لا ترغب في رؤيته يهتم إليها! لم ينتبه لها وأخذ صحن بيلا ليصعد إليها، قام بطرق الباب لتسمح له بالدخول ومن ثم دلف إلى الغرفة، لم تتوقع أن يكون هو وقد كانت تمشط شعرها بعد أن قامت بنزع فستانها لتبقى بالمنامة المنزلية، انتفضت مبتعدة عن السرير وقد تألمت بسبب ذراعها، تحدث إليها بهدوء:
-لقد أتيت إلى هنا من أجل اعطائكِ هذا يا بيلا، عليكِ أن تتناولي الطعام، الحزن لا يمكننا أن نمنعه، لكن عليكِ أن تعتني بنفسكِ وتهتمي بصحتكِ يا بيلا.
ابتلعت ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، نظرت له وهي تسأله بقلق يبدو أنه نبع من أعماق قلبها:
-هل ستقوم بطردي من هنا يا بدر؟
نظر لها بانتباه ويبدو أنها ما زالت تنتظر اجابته، حرك رأسه باستنكار وهو يسألها بحيرة:
-لماذا أقوم بطردكِ يا بيلا؟
تساقطت دوعها وهي تنظر إلى الأسفل، شعر بدر بالتشتت وهو يتساءل هل كان مخطأ بشأنها منذ البداية يا ترى؟ اقترب ليقف أمامها وهو يمد لها الصحن:
-هيا تناولي طعامكِ وتوقفي عن هذا الحديث.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تسأله من جديد:
-اخبرني أولًا يا بدر هل تنوي أن تقوم بطردي من هذا المنزل؟
حرك رأسه بنفي وهو يجيبها بصدق:
-في الحقيقة لم أفكر في هذا حتى، ما الذي ادرانا من الممكن أن تكوني حامل!
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تنظر له بصدمة:
-ما الذي تقوله أنت؟ اخبرني يا بدر كيف تقول مثل هذا الشيء؟ أنا وأنس لم نقوم بعمل الزفاف ولم يكتمل زواجنا حتى تقول هذا الشيء!
-لا تتحركِ يا بيلا سوف تتألمين، أبقي كما أنتِ مرتاحة.
تحدثت إليه بصوت مرتجف والدموع بعينيها:
-أنا أشعر بالألم يا بدر، لا أستطيع التحرك.
لا يعلم بدر ما الذي يجب أن يقوله، لا يعلم كيف تجرأ شقيقه وتعامل معها بتلك الطريقة ولماذا؟ داخل رأسه الكثير من الأسئلة ولكنه يعلم كل العلم أن هذا ليس المكان المناسب أو الوقت المناسب للحديث في أي شيء:
-هذا الأمر طبيعي يا بيلا أنتِ مجروحة كما أن ذراعكِ مكسور لا تتحركِ ارتاحي حتى تسمح الطبيبة لكِ بالخروج.
تساقطت دموعها وهي تبعد وجهها حتى لا تواجهه، لا تعلم كيف تحول أنس إلى هذا الشخص البشع، لا يمكنها أن تبقي معه بعد كل شيء حدث، يجب أن يطلقها ويتركها وشأنها، نظرت إلى بدر برجاء وتحدثت بصوت مرتجف:
-إذا سمحت يا بدر اجعله يتركني وشأني، أرجوك أجعله يطلقني، لم أعد أستطيع العيش معه صدقني، لا يمكنني البقاء معه بعد كل شيء حدث، من الممكن أن يقوم بقتلي أنا أعلم هذا.
حرك بدر رأسه بنفي وهو يتحدث إليها بلين عكس المعتاد:
-اطمئني لن يحدث شيء، كل شيء سوف يكون على ما يرام صدقيني.
حركت بيلا رأسها بنفي وقد تحدثت من بين انهيارها بألم شديد:
-أنا لم أعد اريده، هو كان يحاول قتلي، قام بتهديدي وجعلني أخشى مجرد الحديث، هذا الشخص مريض ولم أعد أريد رؤية وجهه حتى يا أخي.
لم يكن بدر مدرك لكل شيء حدث بينهم، لا يعلم لماذا انقلب كل شيء رأس على عقب، تحدث إليها بهدوء:
-اهدئي يا بيلا حتى نستطيع الحديث واخبريني لماذا قام بضربكِ؟ لماذا قولتي له أنه ليس رجل، ما الذي حدث بيكم ليجعل الأمور تصل إلى هذا الحد؟!
ابتلعت ما بحلقها وهي تتذكر تهديد أنس لها بعدم التحدث، لا تعلم ما الذي يجب أن تفعله، في النهاية هو شقيقه ولا يمكنه أن يفعل شيء معه، هي من ستتأذى من زوجها وربما يرفض أن يطلقها ويتركها وشأنها! تحدث بدر من جديد وهو يقترب ويحاول جعلها تهدأ:
-اهدئي يا بيلا واخبريني ما الذي حدث؟!
ابعدت وجهها عنه في تصريح منها بعدم التحدث، لا يعلم ما الذي يفعله ولكنه قرر التزام الصمت وجعلها تهدأ، مر الوقت وهو معها بالمستشفى، شعر بالضيق الشديد وهو يكره أجواء المستشفيات تلك، وجد هاتفه يرن وكانت هذه والدته ليجيبها ظنًا منه أنها تريد الأطمئنان على حالة بيلا، لكن الشيء الذي صدمه حقً هو بكائها الشديد الذي تحول إلى انهيار وهي تقول:
-أين أنت يا بدر؟ لقد قام أنس بعمل حادث وانفجرت سيارته، اتصلوا أصدقائه برقم المنزل وهو بالقاهرة، لقد انفجرت السيارة التي من المفترض أن يكون بها.
احتلت الصدمة كيان بدر بأكمله وهو يشعر بالعالم بأكمله يدور به، يشعر أنه داخل كابوس مزعج من الصعب الخروج منه، لاحظت بيلا تغير ملامحه والدموع التي خيمت على عينيه لتعتل قليلًا رغم شعورها بالألم:
-ما الذي حدث؟ اخبرني يا بدر ما الأمر هل أمي أسماء بخير؟!
يومين مروا كانت أسوء أيام حياتهم، لقد انفجرت السيارة ولا وجود لأنس، البعض يقول أنه سقط بالنيل مع الأنفجار والبعض الآخر يقول أن جسده قد انفجر ولم يعد له وجود وما زال التحقيق مستمر، الكثير من الأشخاص يأتوا إلى منزل بدر ليقوموا بمواساته، أما هو فكان صامت طوال الوقت، وصلت أمل زوجته برفقة شقيقته بيري وما إن رأته حتى اقتربت منه لتقوم بضمه تحت أنظار الجميع.
لم يبقى بدر ثابتًا بل قام بضمها وهو يدفن وجهه بها وقد سمح بدموعه أن تتساقط، تحدثت أمل وهي تربت على ظهره:
-لقد عرفنا بالخبر ليلة أمس في المساء، كان عليك أن تتصل بي لتخبرني يا بدر، أنا أسفة لم أكن بجوارك، سامحني يا بدر.
تحدث بصوت مرتجف وهو يشعر بالألم يعتصر قلبه:
-لقد فقدت أخي يا أمل، لم أكن أتخيل أن هذا سوف يحدث، أشعر انني داخل كابوس مزعج وليس واقع أعيش به.
ابتعدت أمل لتنظر له وهي تمسح دموعه، حركت رأسها بنفي وهي تتحدث إليه بلين:
-لا تبكي يا بدر، أنت تعلم أن هذا قدر، لا يمكننا أن نفعل شيء، كنت صابر دائمًا كما اعتدت عليك.
كانت تمسح دموعه وعينيها مسلطة على بيلا الواقفة بالخلف، لم تجف دموعها ويبدو على وجهها أثار جروح كما أن ذراعها بالجص، اقتربت بيري من بدر بعد أن غادرت أحضان والدتها الباكية لتضم بدر:
-أخي أنا لا أصدق ما حدث، أشعر أنني على وشك الموت، ليتني لم أذهب وبقيت هنا حتى أراه، على الأقل كنت سأودعه.
ضمها بدر وهو يربت على ظهرها، لم يكن لديه المزيد من الكلمات ليواسي بها أحد، شعر أن العالم بأكمله يضيق به، لا يوجد لديه أي شيء ليقدمه، لقد كان داعم لهذه العائلة دائمًا أما الآن هو يشعر أنه تائه تمامًا!
اقتربت أمل من بيلا ليتنظر لها بحيرة:
-أنتِ من تكوني؟
اجابتها بيلا وهي تقوم بمسح دموعها:
-بيلا زوجة أنس.
تعجت أن بدر لم يخبرها بهذا الشيء ولم يخبرها بالتفاصيل، حتى أن العالم بالخارج لا تعرف أن شقيقه أنس قد تزوج! اخبرت نفسها أن هذا ليس وقته، على كل حال الأيام قادمة وسوف يكون بامكانهم الحديث، اقتربت لتقوم بضمها وهي تواسيها:
-هذا قدره، عليكِ أن تكوني قوية يا فتاة.
اقتربت بيري التي كانت تعلم بوجودها بعد أن اخبرتها أسماء ونبهت أن تلتزم الصمت ولا تخبر أي شخص حتى أمل؛ فهي لا تضمن أن تلتزم الصمت أمام عائلتها بالقرى المجاورة.
انتهى اليوم وكان صعب للغاية على الجميع، وجدت بيلا هاتفها يرن وهي داخل غرفتها تبكي وتشعر أن الحياة بأكملها تقف ضدها، حاولت الهدوء عندما وجدت اسم منار صديقتها ينير شاشة الهاتف، اجابتها من بين دموعها:
-مرحبًا يا منار.
تحدثت منار إليها بحنان وهي تتمنى أن تكون بخير:
-مرحبًا يا بيلا، حبيبتي أرجوكِ أريد منكِ أن تكوني هادئة، أعلم أن الشيء الذي حدث صادم ولا يمكن لأي شخص أن يتغاضى عنه، لكن اعلمي أن هذا النصيب وهذا قدره، عليكِ أن تكوني قوية يا بيلا، ارسلي لي الموقع أنا سوف أتي لكِ في أقرب فرصة.
انهارت بيلا في البكاء وهي تتحدث إليها بألم:
-أنتِ لا تعرفي الشيء الذي حدث بيننا في الفترة الأخيرة، لا تعرفي كل شيء مررت به، لكنني لم أكن أتوقع أنني سوف اتألم بتلك الطريقة إن اصابه شيء، أشعر أن حياتي بأكملها تدمرت، روحي تؤلمني كثيرًا، لا أعلم ما الذي يجب أن أفعله، كل شيء يتدمر وأنا أقف في مكاني عاجزة، لا يمكنكي أن تشعري بكل شيء أشعر به.
تحدثت منار إليها من جديد وهي تقدر الحالة التي سقطت بها صديقتها بين يوم وليلة:
-أنا أعلم جيدًا أن مهما كان غضبكِ من أنس أنتِ تحبيه وكنتِ تريدي أن يبقى بخير دائمًا، لكنني أريد منكِ أن تعرفي أن هذا نصيبه يا بيلا، عليكِ أن تهتمي بنفسكِ، لا تدعي الحزن يدمركِ، لا يوجد مانع من البكاء أو الغضب، لكن عليكِ أن تهتمي بصحتكِ أرجوكِ يا بيلا.
اومأت بيلا وهي لا تستطيع السيطرة على دموعها، تحدثت إلى منار وهي لا ترغب في الخوض في أي نقاش الآن:
-سوف أغلق الآن انا أحتاج إلى الراحة يا منار، دعينا نتحدث فيما بعد.
لم تمنعها منار وهي تعلم أن حالتها ليست مستقرة وتحتاج إلى الراحة، اغلقوا المكالمة وخرجت منار من غرفتها لتتحدث مع أخيها كارم:
-كما تعلم يا كارم لقد توفى أنس، عليك أن تنجز عملك لنسافر ونرى بيلا، حالتها ليست جيدة أبدًا، هي منهارة للغاية لا يمكنني أن أتجاهل حالتها.
استرخى كارم وهو يسند ظهره على الأريكة ويتحدث بضيق شديد:
-أنا لا أصدق أنها وافقت على عقد قيرانها على هذا الرجل والسفر معه إلى قرية ريفية، كانت تعلم أنني أريد الزواج بها ولم تهتم.
نظرت منار له بضيق شديد وتحدثت برجاء من بعدها:
-إذا سمحت يا كارم توقف عن التحدث بتلك الطريقة، بيلا لا تنظر إليك بتلك الطريقة، هي جلست معنا وقت لا بأس به وتعتبرك أخيها مثلي تمامًا.
تحدث كارم بانزعاج شديد:
-أظن أن الوقت حان لتقوم بتغيير فكرتها السخيفة تلك يا منار، اخبريني صحيح هل قاموا بعمل الزفاف أم..
صمت في انتظارها لتتابع حديثها بينما هي اجابته بضيق شديد وعدم رضا عن تفكيره:
-لم يقوموا بعمل الزفاف بعد، لم يكن هناك وقت حتى للتفكير، ها قد قام بحادث وانتهى أمره، لا تفكر بشكل يزعجها، أريدها أن تبقى على راحتها، إن ارادت القدوم لتأتي وإن لم تريد فلا تأتي.
انتبه كارم لها وهو يبتسم ساخرًا:
-وهل تظنين أنني سوف أقوم باغصابها على المجيء يا ترى؟ ربما تكون اقتنعت بأمر زواجنا وسوف توافق في النهاية من يدري؟
تأففت منار وهي تنظر له بنفاذ صبر:
-المهم أن نزورها في أقرب وقت يا كارم.
اجابها كارم وهو يشعر بالحماس الشديد:
-دعيها تهدأ أولًا ويهدأ منزلها حتى تستطيع أن تفكر بعقل يا حبيبتي، أعدكِ سوف أخذ إجازة عندما أجد الوقت المناسب.
لم يكن منها سوى الصمت وهي تعلم كم أن شقيقها الأكبر عنيد والأسوء من هذا مطاردته لبيلا حتى ابتعدت عنه وذهبت مع أنس، تمنت أن يكون كل شيء على ما يرام وأن تتحسن حالة صديقتها ولا يعود كارم ليضايقها.
مروا يومين آخرين، اجتمعوا حول المائدة وتحدث بدر إلى أسماء بلين:
-أمي إذا سمحتِ تناولي طعامكِ حتى تأخذي الدواء الخاص بكِ، لا نريد لحالتكِ أن تزداد سوءً.
اومأت أسماء دون كلمة عكس عادتها، تحدثت أمل وهي تشر إلى بدر على الصحن الخاص به:
-تناول طعامك أنت أيضًا يا بدر، عليك أن تهتم لصحتك، في خلال يومين تغير وجهك، أنتِ أيضًا يا بيري تناولي الطعام، عليكم أن تهتموا إلى صحتكم أكثر من هذا.
كانت بيلا شاردة، حتى إن ارادت تناول الطعام يمنعها ألم فكها وذراعيها، فواحد مازال يحيط الجص به والآخر تملأه الكدمات، لا يمكنها أن تتخطى هذا الألم الذي تركه لها قبل موته، لاحظ بدر شرودها وتحدث إليها بضيق:
-إلى متى ستجلسين بتلك الطريقة يا بيلا؟ تناولي طعامكِ هيا.
وقفت بيلا على الفور وقد شعرت بالكثير من الارتباك من حدة بدر في الحديث إليها:
-لقد انتهيت لن أجلس.
تعجبت أمل من طريقة بدر معها ونظرت إليه بعتاب، تدارك بدر نفسه وأعاد الحديث غليها:
-لم أقصد ازعاجكِ يا بيلا أردت أن أقول تناولي طعامكِ، أنتِ لم تأكلي شيئًا طوال الفترة الماضية، عليكِ أن تتناولي شيء.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تشعر بالكثير من الارتباك:
-لقد شبعت شكرًا لك، لم أعد جائعة.
اسرعت بالذهاب إلى الغرفة وكان من الصعب عليها الاستمرار في البقاء معهم رغم كل شيء يحدث، تحدثت بيري بحزن وقد تساقطت دموعها دون إرادة منها:
-بيلا لا تستطيع أن تتجاوز الأمر حقًا، أنا أشعر بالحزن تجاهها يا أخي، إذا سمحت كن لطيف معها، هي تبدو طيبة القب للغاية.
تحدث بدر وهو يشعر بالضيق الشديد:
-لم أتعمد احراجها، تحدثت بعفوية وأنا أراها شاردة وغير منتبهة لأي شيء من حولها، اكملوا طعامكم أنا سوف أخذ الصحن الخاص بها وأصعد لها.
نظرت امل له وهي غير راضية عن هذا، نعم هي استنكرت طريقته الفظة معها، لكنها لا ترغب في رؤيته يهتم إليها! لم ينتبه لها وأخذ صحن بيلا ليصعد إليها، قام بطرق الباب لتسمح له بالدخول ومن ثم دلف إلى الغرفة، لم تتوقع أن يكون هو وقد كانت تمشط شعرها بعد أن قامت بنزع فستانها لتبقى بالمنامة المنزلية، انتفضت مبتعدة عن السرير وقد تألمت بسبب ذراعها، تحدث إليها بهدوء:
-لقد أتيت إلى هنا من أجل اعطائكِ هذا يا بيلا، عليكِ أن تتناولي الطعام، الحزن لا يمكننا أن نمنعه، لكن عليكِ أن تعتني بنفسكِ وتهتمي بصحتكِ يا بيلا.
ابتلعت ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، نظرت له وهي تسأله بقلق يبدو أنه نبع من أعماق قلبها:
-هل ستقوم بطردي من هنا يا بدر؟
نظر لها بانتباه ويبدو أنها ما زالت تنتظر اجابته، حرك رأسه باستنكار وهو يسألها بحيرة:
-لماذا أقوم بطردكِ يا بيلا؟
تساقطت دوعها وهي تنظر إلى الأسفل، شعر بدر بالتشتت وهو يتساءل هل كان مخطأ بشأنها منذ البداية يا ترى؟ اقترب ليقف أمامها وهو يمد لها الصحن:
-هيا تناولي طعامكِ وتوقفي عن هذا الحديث.
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تسأله من جديد:
-اخبرني أولًا يا بدر هل تنوي أن تقوم بطردي من هذا المنزل؟
حرك رأسه بنفي وهو يجيبها بصدق:
-في الحقيقة لم أفكر في هذا حتى، ما الذي ادرانا من الممكن أن تكوني حامل!
حركت بيلا رأسها بنفي وهي تنظر له بصدمة:
-ما الذي تقوله أنت؟ اخبرني يا بدر كيف تقول مثل هذا الشيء؟ أنا وأنس لم نقوم بعمل الزفاف ولم يكتمل زواجنا حتى تقول هذا الشيء!