الفصل الثالث يقوم بجرحها
ذهب بدر بعد أن ودع صديقه، لم يكن خائف من أن يمرض كما قال، كل ما كان يشغل عقله أنه يريد أن يوقف هذا النقاش؛ فلا شيء بيده ليفعله، عليه أن ينتظر فقط ليرى ما الذي تخبأه له الأيام وإلى أي مدى سوف يصل شقيقه!
أخرج هاتفه وتحدث مع زوجته التي تجلس في أحد القرى المجاورة عند عائلتها، والتي ذهبت من أجل زفاف هناك لأحد أقاربها تريد أن تحضره بينما بدر لا يفضل شيء كهذا.
دلف للمنزل وسمع ضحكات بيلا الرنانة، يبدو أن هناك أشياء كثيرة عليه أن يعتاد عليها منذ اليوم، يتساءل ما الذي سوف يحدث عندما تعود زوجته، هو يعلم أن وقتها سوف تزداد المشاكل بينهم أكثر وربما يقوم بتطليقها مرة أخرى! اقترب وما إن رأته أسماء حتى ابتسمت وهي تشير له بالأقتراب:
-تعالى يا بُني لقد كنت أنا وبيلا نشاهد ألبوم صور العائلة، كنا نضحك عليك أتذكر تلك الصورة التي كنت ترتدي فيها فستان وتضع مساحيق التجميل لتبدو كالدمى؟!
سألته والدته لتنفجر ضاحكة من جديد، ضحكت بيلا معها حتى اوشكت دموعها على التساقط، أثار هذا الشيء إحراج وأنفعال بدر في وقت واحد:
-أمي أنا لم أفعل شيء كهذا، أنتِ من كنتِ تفعلين أشياء غريبة في صغرنا، ليس ذنبنا أنكِ لم ترزقي بفتاة!
ضحكت أسماء وهي تعلم أنه يريد أن يزعجها كما تسببت في ازعاجه، لكنها تعلم أيضًا أنه لن ينجح، كانت بيلا تستمر في تقليب الصور وهي تتأمل كل صورة بتمعن وتحاول منع ضحكاتها، سحب بدر ملف الصور من يدها صارخًا:
-ليس من حقكِ أن تشاهدي هذا على راحتكِ، من تكونِ أنتِ لتتدخلين وتقتحمي خصوصيتنا!
نظرت بيلا له وقد بدأت إبتسامتها في التلاشي شيئًا فشيئًا، لاحظت أسماء هذا لتقف وهي تنظر له بغضب شديد:
-ما الذي تفعله أنت يا بدر هل فقدت عقلك؟ اخبرني ما الذي حدث؟ ألم تشاهده أمل أم ماذا!
غضب بدر عندما وجد أن والدته تقارن بين أمل زوجته وبين بيلا التي يشعر تجاهها بكثير من النفور، صعد إلى غرفته دون أن يتحدث بالمزيد، اقتربت أسماء من بيلا وهي تحاول أن تجعلها تتجاهل حديث بدر وطريقته الفظة، حركت رأسها بغيظ:
-لا تأخذي حديثه على محمل الجد يا بيلا، هو لا يعلم ما الذي يريده وما الذي يفعله، لا داعي للتفكير بالأمر حتى.
تعجبت بيلا من حديث والدته اللطيف معها، نظرت لها لتتابع أسماء الحديث:
-هو متزوج منذ أكثر من سنة بأمل، لقد علم أنها لا تنجب مع الأسف، هو يحبها ولا يريد أن يتخلى عنها لذلك هو في صراع شديد، قرر أنه لا يريد أطفال وسوف يساعد آخرين معهم أطفال ولا يستطيعون أطعامهم، لكن أمل لا يفرق معها ولا تراعيه أبدًا، لا بأس لا تشغلي بالكِ بهذا، هيا لنقوم بعمل شيء نشربه لنا.
كانت بيلا تشعر بالحزن من أجله، حتى أن الدموع قد اجتمعت بعينيها وهي متأثرة على حالته، لاحظت أسماء هذا لتبتسم؛ فهي ترى أنها فتاة لطيفة مهذبة وهذا يسعدها، لقد أحسن أنس الأختيار أخيرًا.
كانت تقف في المطبخ تساعدها، نظرت إلى ساعة الحائط ومن ثم نظرت إلى أسماء بحيرة:
-ألم يتأخر أنس؟ إلى أين ذهب؟!
حركت أسماء رأسها بإستياء وهي تعلم أن ابنها لا يطيق الجلوس في المنزل:
-لأنه جلس بالخارج كثير من الوقت مؤكد قد ذهب ليرى أصدقاءه، لن يعود الآن فاللقاء بعد غياب يأخذ الكثير من الوقت.
شعرت بيلا بالضيق لأنها شعرت أنها اغضبته، لا تعلم ما الذي كان يجب عليها أن تفعله، لكنها تحب حديث بدر كأخ كبير تقدره وتحترمه كثيرًا، لا تجد به ما يمنعها من الإنصات إليه!
مر الكثير من الوقت، كانت بيلا تنتظر عودته دون جدوى، اصبحت الواحدة بعد منتصف الليل والجميع قد ذهبوا للنوم، عداها هي التي تشعر بالقلق من تأخره في هذا البرد القارص، ارتدت منامة شتوية وهبطت وهي تعدل من شعرها لينسدل ويجعلها تنعم بالمزيد من الدفء، فتحت باب المنزل وهي تنظر حولها دون جدوى.
لا تجد له أثر ولا تستمع إلى صوت أقدامه حتى، دلفت إلى المنزل من جديد وقبل أن تصعد للطابق العلوي الذي يوجد به كافة الغرف توقفت عندما رأت بدر يجلس أمام المدفئة قديمة الطراز، يشعل المزيد من الحطب لينعم بالدفء.
ظلت تقف في مكانها، تنظر له بتعجب، انعكس اشتعال النيران على وجهه وكأن هناك ضوء أصفر اللون مسلط عليه وقد زاده الأمر هيبة غريبة وكأنه خلق من فولاذ.
كانت بيلا تتعجب من سكونه، بقيت واقفة في مكانها تريد أن ترى كم من الوقت سيظل ماكث هكذا وبتلك الطريقة يا ترى! هل من الممكن أن يطول الوقت به أكثر من ساعة؟ حركت رأسها بعدم استيعاب، لم تكن تصدق أنه يجلس فقط ينظر إلى النيران.
كان بدر شارد الذهن تمامًا، لم يكن يشعر بوجودها، يتذكر كيف تغيرت حياته بعد موت والده، أصبح هو عمدة لتلك القرية، الجميع يعتمد عليه، يستمرون بالشكوى إليه ولا أحد يسأله عن حاله، أو بماذا يشعر؟
كل هذا لا يهمهم فقط يفكرون بمصلحتهم، حتى والدته هي لم تفكر يومًا في الحديث معه وسؤاله عن حاله، كل ما في الأمر أنهم يروه جبل من فولاذ، غير قابل للأنكسار.
أغمض عينيه وهو يتذكر زواجه بأمل، يظل يفكر لكثير من الوقت هل تسرع؟ هل كان مخطأ؟ هو تزوجها لأنها ابنة لعائلة معروفة بالقرى المجاورة، على كل حال لم تكن سيئة لكنه يفتقد لجزء كبير لا يعرف ما هو، ليس الإنجاب كما يظن الكثيرون إنما حياته الزوجية الذي كان يقرأ عنها ويتمناها.
سمعت بيلا صوت سيارة في هذا الوقت، وقفت أمام المنزل، علمت أنها سيارة أنس، لم تفكر في شيء واندفعت تجاه الباب لتفتحه، بالفعل كان أنس ابتسمت وهو اقترب بتعجب:
-لماذا أنتِ مستيقظة حتى الآن؟!
حركت رأسها بغيظ شديد منه:
-تسألني لماذا أنا مستيقظة؟! لقد قلقت بشأنك يا أنس، لم تعود وقد أوشك أذان الفجر.
اندفعت إليه لتعانقه وتتعلق به، كان بدر يراهم وهو يجلس على بعد منهم، استفاق من شروده على ركضها وفتحها للباب، كاد أن يتحرك وهو يشعر ببعض القلق، لكنه جلس في مكانه عندما رأى أنس وعندما رأها تتحدث إليه.
بقى في مكانه يحدق بهم لثوانِ ومن بعدها وقف وصعد الدرج ليدخل إلى غرفته، لا داعي لسهره كل هذا الوقت واهداره في التفكير الذي سيجعله يفقد عقله عن قريب.
احضرت بيلا الطعام إلى أنس، كانت ترى أين تحفظه أسماء لتتمكن من احضاره له، كان أنس يبتسم وهو يراها سعيدة بوجوده جوارها:
-لم أتخيل أنكِ ستشتاقين لي إلى هذا الحد!
ابتسمت بيلا وهي تنظر له، اومأت عدة مرات:
-هذا المكان لا يعنيني، أنا هنا فقط لأجلك أنت يا أنس، لا لشيء آخر.
ابتسم أنس ووقف بجوارها وهي تقطع له بعض الفاكهة التي كان يفضل تناولها كثيرًا في الخارج:
-ها أنا قد انتهيت من تقطيع التفاح لك، معه بعض من قطع الموز.
ابتسم أنس واقترب ليقوم بتقبيل وجنتها:
-شكرًا لكِ يا حبيبتي.
ابتسمت بيلا وقد احمرت وجنتها، كشف أنس كتفها لتنظر له بتعجب:
-ما الذي تفعله أنت يا أنس؟!
ابتسم أنس وهو يأتي بسكينة ويقوم بتسخينها على شعلة الغاز، عقدت بيلا حاجبيها بتعجب شديد:
-ما الذي تفعله أنت؟! بماذا تفكر يا ترى؟
ضحك أنس وهو يراها خائفة، تحدث قائلًا وهو يبتسم:
-لا داعِ للقلق يا حبيبتي، سوف أنحت حرفي على جسدكِ، أجل سوف يؤلمكِ قليلًا لكنكِ سوف تكونين على مايرام في النهاية.
ابتعدت بيلا وهي تنظر له، ظنت أنه يمزح لكنه مؤكد لن يقوم بهذا وهو يجعل السكينة تلتهب ليمزح معها!
اقترب منها وهو ممسك بالسكينة، كانت ملامحه هادئة للغاية، ابتعدت بيلا عنه بتعجب وهي تحاول أن تسيطر على نفسها:
-ماذا بك يا أنس؟ توقف عن هذا الجنون!
أمسك أنس بيدها، ظهر الحزن على عينيه، لا تعلم هل يمزح معها أم يختبرها، عقلها ينكر أن يكون هذا الحديث جدي، تحدث أنس إليها:
-أريد أن أطبع أول حرف من اسمي على جسدكِ، لن يؤلمكِ كثيرًا، هل نسيتِ أنني قومت بعمل وشم على زراعي بأول حرف من اسمكِ؟!
ابتلعت بيلا ما بحلقها، بدأت يدها في الارتجاف بشكل ملحوظ، حركت رأسها بنفي وهي لا تدعم حديثه:
-لا يا أنس، لا أريد هذا، سوف يؤلمني كثيرًا، لا أرغب في فعل شيء كهذا.
أخذ أنس نفس عميق والضيق يعتلي وجهه، حرك رأسه بنفي:
-لا أريد أن أغضب منكِ يا بيلا، لن تموتِ، سيكون كل شيء على مايرام وسوف تثبتين أنكِ تثقين بي.
أمسك بذراعها، وبالفعل بدأ ما كان ينويه، كادت أن تصرخ، لكنها عضت على ذراعها وهو يحاول أن ينتهِي سريعًا، تساقطت دموعها واصبحت تحاول أن تفلت منه، لكنه كان يثبتها جيدًا حتى انتهى، أتت لتضع يدها على الجرح فأمسك بيدها وهي تبكي بإنهيار:
-لا تضعي يدكِ عليه، سوف يؤلمكِ أكثر يا بيلا.
نظرت له، كانت عينيها مليئة بالألم والخذلان، لم تكن تتخيل أنه سيقوم بجرحها بتلك الطريقة وكل ما يفعله هو الابتسام، يبتسم وكأنه فعل شيء كان يحلم به، حتى أنه لم يهتم لرفضها!
ضحك أنس وهو يرى نظراتها، حرك رأسه ساخرًا:
-ماذا بكِ؟ كأني قومت بقتلكِ يا فتاة، قولي لي ما الذي تفكرين به؟! فعلت هذا كله لأني أحبكِ يا بيلا.
ركضت للأعلى دون أن تتحدث معه بكلمة واحدة، كانت تشعر أن عقلها قد توقف عن العمل، بينما هو شعر بالضيق الشديد من رد فعلها ومن تسرعه، ما فائدة ما فعله الأن؟ كل ما حدث أنه جعلها تنفر منه ولن تذعن له كما كان يفكر!
أخذ نفس عميق وهو يشعر بالكثير من الإحباط، لقد كانت تنتظره، احضرت له الطعام كان بإمكانه أن يقضي معها المزيد من الوقت، يتحدثون أو يلهون، لكنه تصرف بشكل غبي لا يعلم كيف فكر هكذا؟ كأن القدر من تحكم بالأمور لتسير بتلك الطريقة!
كانت بيلا تقف في الغرفة التي قامت أسماء بتحضيرها لها، كانت تشعر بالكثير من الحزن والألم، ازالت المنامة الشتوية لترى كتفها كيف أصبح، لقد كان جرحها عميق للغاية، المها الحرق، انتشرت بقعة حمراء حوله لتشعرها بالألم أكثر.
لم تحتمل أن تضع شيء على كتفها، بدلت منامتها لأخرى ذات كتف مكشوف، حركت رأسها بغضب واستنكار شديد وهي تنوي أن لا تغفر له شيء كهذا، وجدت باب غرفتها يُفتح ورأته أمامها، نظرت له بغضب قائلة:
-كيف تدخل فجأة ودون أن تدق الباب، من سمح لك بهذا من الأساس؟ أخرج أنا لا أريد أن أراك مرة أخرى.
اقتربت ودفعته، دموعها ما زالت تتساقط، شعر بالضيق الشديد، لقد تسرع في هذا الفعل الغريب، لا يفهم ما الذي جعله يتصرف هذا التصرف الأحمق، شعر أن العالم يدور من حوله وقد أصاب قلبه الكثير من الضيق، أخذ نفس عميق، ومن ثم أمسك يدها برجاء قائلًا:
-أنا أعتذر منكِ، أنا أسف يا حبيبتي سامحيني أرجوكِ.
نظرت إلى عينيه، كانت عينيها ممتلئة بالدموع، يرق لها حال كل من وقعت عينيه عليها، اقترب وقام بضمها، لمس كتفها بعفوية دون إرادة منه ليجدها تقوم بدفعه بقوة متألمة، تحدثت بغضب:
-ابتعد يا أنس، أنا حقًا لم أعد افهمك، لم أعد أفهم إن كنت تحبني أم لا حتى!
أخذ أنس نفس عميق، نظر لها وقد ظهر على وجهه الكثير من الغضب:
-كل هذا لماذا؟ ألا تحبيني يا بيلا! شيء كهذا يجعلكِ سعيدة ولا يستحق كل هذا الغضب.
نظرت له وهي تحرك رأسها بعدم استيعاب، حركت رأسها بنفي:
-قل لي، كيف يجعلني سعيدة؟ كيف وأنت امسكت بي دون إرادة مني لتفعل شيء قاسي مثل هذا؟ أنت احرقت كتفي بالسكين وتقول لي عليّ أن أكون سعيدة؟ ماذا بعد هذا؟ هل عليّ أن أقدم لك الشكر على أفعالك البعيدة كل البعد عن النُبل؟!
أخرج هاتفه وتحدث مع زوجته التي تجلس في أحد القرى المجاورة عند عائلتها، والتي ذهبت من أجل زفاف هناك لأحد أقاربها تريد أن تحضره بينما بدر لا يفضل شيء كهذا.
دلف للمنزل وسمع ضحكات بيلا الرنانة، يبدو أن هناك أشياء كثيرة عليه أن يعتاد عليها منذ اليوم، يتساءل ما الذي سوف يحدث عندما تعود زوجته، هو يعلم أن وقتها سوف تزداد المشاكل بينهم أكثر وربما يقوم بتطليقها مرة أخرى! اقترب وما إن رأته أسماء حتى ابتسمت وهي تشير له بالأقتراب:
-تعالى يا بُني لقد كنت أنا وبيلا نشاهد ألبوم صور العائلة، كنا نضحك عليك أتذكر تلك الصورة التي كنت ترتدي فيها فستان وتضع مساحيق التجميل لتبدو كالدمى؟!
سألته والدته لتنفجر ضاحكة من جديد، ضحكت بيلا معها حتى اوشكت دموعها على التساقط، أثار هذا الشيء إحراج وأنفعال بدر في وقت واحد:
-أمي أنا لم أفعل شيء كهذا، أنتِ من كنتِ تفعلين أشياء غريبة في صغرنا، ليس ذنبنا أنكِ لم ترزقي بفتاة!
ضحكت أسماء وهي تعلم أنه يريد أن يزعجها كما تسببت في ازعاجه، لكنها تعلم أيضًا أنه لن ينجح، كانت بيلا تستمر في تقليب الصور وهي تتأمل كل صورة بتمعن وتحاول منع ضحكاتها، سحب بدر ملف الصور من يدها صارخًا:
-ليس من حقكِ أن تشاهدي هذا على راحتكِ، من تكونِ أنتِ لتتدخلين وتقتحمي خصوصيتنا!
نظرت بيلا له وقد بدأت إبتسامتها في التلاشي شيئًا فشيئًا، لاحظت أسماء هذا لتقف وهي تنظر له بغضب شديد:
-ما الذي تفعله أنت يا بدر هل فقدت عقلك؟ اخبرني ما الذي حدث؟ ألم تشاهده أمل أم ماذا!
غضب بدر عندما وجد أن والدته تقارن بين أمل زوجته وبين بيلا التي يشعر تجاهها بكثير من النفور، صعد إلى غرفته دون أن يتحدث بالمزيد، اقتربت أسماء من بيلا وهي تحاول أن تجعلها تتجاهل حديث بدر وطريقته الفظة، حركت رأسها بغيظ:
-لا تأخذي حديثه على محمل الجد يا بيلا، هو لا يعلم ما الذي يريده وما الذي يفعله، لا داعي للتفكير بالأمر حتى.
تعجبت بيلا من حديث والدته اللطيف معها، نظرت لها لتتابع أسماء الحديث:
-هو متزوج منذ أكثر من سنة بأمل، لقد علم أنها لا تنجب مع الأسف، هو يحبها ولا يريد أن يتخلى عنها لذلك هو في صراع شديد، قرر أنه لا يريد أطفال وسوف يساعد آخرين معهم أطفال ولا يستطيعون أطعامهم، لكن أمل لا يفرق معها ولا تراعيه أبدًا، لا بأس لا تشغلي بالكِ بهذا، هيا لنقوم بعمل شيء نشربه لنا.
كانت بيلا تشعر بالحزن من أجله، حتى أن الدموع قد اجتمعت بعينيها وهي متأثرة على حالته، لاحظت أسماء هذا لتبتسم؛ فهي ترى أنها فتاة لطيفة مهذبة وهذا يسعدها، لقد أحسن أنس الأختيار أخيرًا.
كانت تقف في المطبخ تساعدها، نظرت إلى ساعة الحائط ومن ثم نظرت إلى أسماء بحيرة:
-ألم يتأخر أنس؟ إلى أين ذهب؟!
حركت أسماء رأسها بإستياء وهي تعلم أن ابنها لا يطيق الجلوس في المنزل:
-لأنه جلس بالخارج كثير من الوقت مؤكد قد ذهب ليرى أصدقاءه، لن يعود الآن فاللقاء بعد غياب يأخذ الكثير من الوقت.
شعرت بيلا بالضيق لأنها شعرت أنها اغضبته، لا تعلم ما الذي كان يجب عليها أن تفعله، لكنها تحب حديث بدر كأخ كبير تقدره وتحترمه كثيرًا، لا تجد به ما يمنعها من الإنصات إليه!
مر الكثير من الوقت، كانت بيلا تنتظر عودته دون جدوى، اصبحت الواحدة بعد منتصف الليل والجميع قد ذهبوا للنوم، عداها هي التي تشعر بالقلق من تأخره في هذا البرد القارص، ارتدت منامة شتوية وهبطت وهي تعدل من شعرها لينسدل ويجعلها تنعم بالمزيد من الدفء، فتحت باب المنزل وهي تنظر حولها دون جدوى.
لا تجد له أثر ولا تستمع إلى صوت أقدامه حتى، دلفت إلى المنزل من جديد وقبل أن تصعد للطابق العلوي الذي يوجد به كافة الغرف توقفت عندما رأت بدر يجلس أمام المدفئة قديمة الطراز، يشعل المزيد من الحطب لينعم بالدفء.
ظلت تقف في مكانها، تنظر له بتعجب، انعكس اشتعال النيران على وجهه وكأن هناك ضوء أصفر اللون مسلط عليه وقد زاده الأمر هيبة غريبة وكأنه خلق من فولاذ.
كانت بيلا تتعجب من سكونه، بقيت واقفة في مكانها تريد أن ترى كم من الوقت سيظل ماكث هكذا وبتلك الطريقة يا ترى! هل من الممكن أن يطول الوقت به أكثر من ساعة؟ حركت رأسها بعدم استيعاب، لم تكن تصدق أنه يجلس فقط ينظر إلى النيران.
كان بدر شارد الذهن تمامًا، لم يكن يشعر بوجودها، يتذكر كيف تغيرت حياته بعد موت والده، أصبح هو عمدة لتلك القرية، الجميع يعتمد عليه، يستمرون بالشكوى إليه ولا أحد يسأله عن حاله، أو بماذا يشعر؟
كل هذا لا يهمهم فقط يفكرون بمصلحتهم، حتى والدته هي لم تفكر يومًا في الحديث معه وسؤاله عن حاله، كل ما في الأمر أنهم يروه جبل من فولاذ، غير قابل للأنكسار.
أغمض عينيه وهو يتذكر زواجه بأمل، يظل يفكر لكثير من الوقت هل تسرع؟ هل كان مخطأ؟ هو تزوجها لأنها ابنة لعائلة معروفة بالقرى المجاورة، على كل حال لم تكن سيئة لكنه يفتقد لجزء كبير لا يعرف ما هو، ليس الإنجاب كما يظن الكثيرون إنما حياته الزوجية الذي كان يقرأ عنها ويتمناها.
سمعت بيلا صوت سيارة في هذا الوقت، وقفت أمام المنزل، علمت أنها سيارة أنس، لم تفكر في شيء واندفعت تجاه الباب لتفتحه، بالفعل كان أنس ابتسمت وهو اقترب بتعجب:
-لماذا أنتِ مستيقظة حتى الآن؟!
حركت رأسها بغيظ شديد منه:
-تسألني لماذا أنا مستيقظة؟! لقد قلقت بشأنك يا أنس، لم تعود وقد أوشك أذان الفجر.
اندفعت إليه لتعانقه وتتعلق به، كان بدر يراهم وهو يجلس على بعد منهم، استفاق من شروده على ركضها وفتحها للباب، كاد أن يتحرك وهو يشعر ببعض القلق، لكنه جلس في مكانه عندما رأى أنس وعندما رأها تتحدث إليه.
بقى في مكانه يحدق بهم لثوانِ ومن بعدها وقف وصعد الدرج ليدخل إلى غرفته، لا داعي لسهره كل هذا الوقت واهداره في التفكير الذي سيجعله يفقد عقله عن قريب.
احضرت بيلا الطعام إلى أنس، كانت ترى أين تحفظه أسماء لتتمكن من احضاره له، كان أنس يبتسم وهو يراها سعيدة بوجوده جوارها:
-لم أتخيل أنكِ ستشتاقين لي إلى هذا الحد!
ابتسمت بيلا وهي تنظر له، اومأت عدة مرات:
-هذا المكان لا يعنيني، أنا هنا فقط لأجلك أنت يا أنس، لا لشيء آخر.
ابتسم أنس ووقف بجوارها وهي تقطع له بعض الفاكهة التي كان يفضل تناولها كثيرًا في الخارج:
-ها أنا قد انتهيت من تقطيع التفاح لك، معه بعض من قطع الموز.
ابتسم أنس واقترب ليقوم بتقبيل وجنتها:
-شكرًا لكِ يا حبيبتي.
ابتسمت بيلا وقد احمرت وجنتها، كشف أنس كتفها لتنظر له بتعجب:
-ما الذي تفعله أنت يا أنس؟!
ابتسم أنس وهو يأتي بسكينة ويقوم بتسخينها على شعلة الغاز، عقدت بيلا حاجبيها بتعجب شديد:
-ما الذي تفعله أنت؟! بماذا تفكر يا ترى؟
ضحك أنس وهو يراها خائفة، تحدث قائلًا وهو يبتسم:
-لا داعِ للقلق يا حبيبتي، سوف أنحت حرفي على جسدكِ، أجل سوف يؤلمكِ قليلًا لكنكِ سوف تكونين على مايرام في النهاية.
ابتعدت بيلا وهي تنظر له، ظنت أنه يمزح لكنه مؤكد لن يقوم بهذا وهو يجعل السكينة تلتهب ليمزح معها!
اقترب منها وهو ممسك بالسكينة، كانت ملامحه هادئة للغاية، ابتعدت بيلا عنه بتعجب وهي تحاول أن تسيطر على نفسها:
-ماذا بك يا أنس؟ توقف عن هذا الجنون!
أمسك أنس بيدها، ظهر الحزن على عينيه، لا تعلم هل يمزح معها أم يختبرها، عقلها ينكر أن يكون هذا الحديث جدي، تحدث أنس إليها:
-أريد أن أطبع أول حرف من اسمي على جسدكِ، لن يؤلمكِ كثيرًا، هل نسيتِ أنني قومت بعمل وشم على زراعي بأول حرف من اسمكِ؟!
ابتلعت بيلا ما بحلقها، بدأت يدها في الارتجاف بشكل ملحوظ، حركت رأسها بنفي وهي لا تدعم حديثه:
-لا يا أنس، لا أريد هذا، سوف يؤلمني كثيرًا، لا أرغب في فعل شيء كهذا.
أخذ أنس نفس عميق والضيق يعتلي وجهه، حرك رأسه بنفي:
-لا أريد أن أغضب منكِ يا بيلا، لن تموتِ، سيكون كل شيء على مايرام وسوف تثبتين أنكِ تثقين بي.
أمسك بذراعها، وبالفعل بدأ ما كان ينويه، كادت أن تصرخ، لكنها عضت على ذراعها وهو يحاول أن ينتهِي سريعًا، تساقطت دموعها واصبحت تحاول أن تفلت منه، لكنه كان يثبتها جيدًا حتى انتهى، أتت لتضع يدها على الجرح فأمسك بيدها وهي تبكي بإنهيار:
-لا تضعي يدكِ عليه، سوف يؤلمكِ أكثر يا بيلا.
نظرت له، كانت عينيها مليئة بالألم والخذلان، لم تكن تتخيل أنه سيقوم بجرحها بتلك الطريقة وكل ما يفعله هو الابتسام، يبتسم وكأنه فعل شيء كان يحلم به، حتى أنه لم يهتم لرفضها!
ضحك أنس وهو يرى نظراتها، حرك رأسه ساخرًا:
-ماذا بكِ؟ كأني قومت بقتلكِ يا فتاة، قولي لي ما الذي تفكرين به؟! فعلت هذا كله لأني أحبكِ يا بيلا.
ركضت للأعلى دون أن تتحدث معه بكلمة واحدة، كانت تشعر أن عقلها قد توقف عن العمل، بينما هو شعر بالضيق الشديد من رد فعلها ومن تسرعه، ما فائدة ما فعله الأن؟ كل ما حدث أنه جعلها تنفر منه ولن تذعن له كما كان يفكر!
أخذ نفس عميق وهو يشعر بالكثير من الإحباط، لقد كانت تنتظره، احضرت له الطعام كان بإمكانه أن يقضي معها المزيد من الوقت، يتحدثون أو يلهون، لكنه تصرف بشكل غبي لا يعلم كيف فكر هكذا؟ كأن القدر من تحكم بالأمور لتسير بتلك الطريقة!
كانت بيلا تقف في الغرفة التي قامت أسماء بتحضيرها لها، كانت تشعر بالكثير من الحزن والألم، ازالت المنامة الشتوية لترى كتفها كيف أصبح، لقد كان جرحها عميق للغاية، المها الحرق، انتشرت بقعة حمراء حوله لتشعرها بالألم أكثر.
لم تحتمل أن تضع شيء على كتفها، بدلت منامتها لأخرى ذات كتف مكشوف، حركت رأسها بغضب واستنكار شديد وهي تنوي أن لا تغفر له شيء كهذا، وجدت باب غرفتها يُفتح ورأته أمامها، نظرت له بغضب قائلة:
-كيف تدخل فجأة ودون أن تدق الباب، من سمح لك بهذا من الأساس؟ أخرج أنا لا أريد أن أراك مرة أخرى.
اقتربت ودفعته، دموعها ما زالت تتساقط، شعر بالضيق الشديد، لقد تسرع في هذا الفعل الغريب، لا يفهم ما الذي جعله يتصرف هذا التصرف الأحمق، شعر أن العالم يدور من حوله وقد أصاب قلبه الكثير من الضيق، أخذ نفس عميق، ومن ثم أمسك يدها برجاء قائلًا:
-أنا أعتذر منكِ، أنا أسف يا حبيبتي سامحيني أرجوكِ.
نظرت إلى عينيه، كانت عينيها ممتلئة بالدموع، يرق لها حال كل من وقعت عينيه عليها، اقترب وقام بضمها، لمس كتفها بعفوية دون إرادة منه ليجدها تقوم بدفعه بقوة متألمة، تحدثت بغضب:
-ابتعد يا أنس، أنا حقًا لم أعد افهمك، لم أعد أفهم إن كنت تحبني أم لا حتى!
أخذ أنس نفس عميق، نظر لها وقد ظهر على وجهه الكثير من الغضب:
-كل هذا لماذا؟ ألا تحبيني يا بيلا! شيء كهذا يجعلكِ سعيدة ولا يستحق كل هذا الغضب.
نظرت له وهي تحرك رأسها بعدم استيعاب، حركت رأسها بنفي:
-قل لي، كيف يجعلني سعيدة؟ كيف وأنت امسكت بي دون إرادة مني لتفعل شيء قاسي مثل هذا؟ أنت احرقت كتفي بالسكين وتقول لي عليّ أن أكون سعيدة؟ ماذا بعد هذا؟ هل عليّ أن أقدم لك الشكر على أفعالك البعيدة كل البعد عن النُبل؟!