الفصل الحادي والعشرون محاسبة
"هل تشاهد المسلسلات المكسيكية الرخصية بكثرة؟" سألته أرمش عديد المرات بحيرة مما جعله يضحك بعلو وهو ينظر بعيدا عني.
"لقد شعرت بالذنب لوهلة لأنني كنت أتحدث معك بطريقة حقيرة، لكن أتضح أنها الطريقة المناسبة معك." رد يسترق نظرة خاطفة لي بينما يستمر بالابتسام استمتاع.
ابتسمت رغم عني وأنا أراقبه يبتسم بأتساع بينما يحدق في السماء التي تكاتلت فيها الغيوم فجأة معلنة عن أقتراب الشروق.
"لكن سأحادثك بجدية الآن ميلانو. أعلم أنك لا تزاليو مجروحة، وأعلم أنك تشعرين بالوحدة وأن الكل تخلى عنك في الوقت الذي كنت فيه في امس الحاجة إليهم."
كان يصف شعوري بالتدقيق. يقول ما لم أكن قادرة على البوح به، وكأنه أخترق عقلي، وكأنه لامس مشاعري.
"لكن ذلك قد حدث في الماضي، في الماضي ميلانو أتمنى أن تفهمي ذلك. نحن الآن في الحاضر ونتطلع للمستقبل. لن نقوم بإيقاف حياتنا على فترة ربما نساها من كان سبب في دمارها. هذا هو الوقت الذي يجب عليك تغيير نظرة العالم لك ولقول أنك قوية."
أسحب كلامي. هو لم يستطع حتى قراءة عيوني. لم يستطع لمح لمعة الخيبة فيهما حتى.
إذ كنت أنا عمياء عن الحلول، فهو أعمى عن الواقع.
"أنت لا تفهم أي شيء. تصدر أحكام في الوضعيات أنت لم تعشها. لم تشعر بألامها. أنت مجرد مستمع ولست الشخصية." رددت بحدة لكنه ألتزم الصمت ولم ينظر لي. كأنه يتشبث برأيه ويرى أن ردي ليس بمحله.
"كما أني أصبحت قوية بالفعل أركان." أضفت بعد فترة بنبرة أكثر شراسة.
"مادامت تتهربين من مشاكلك وتثيرين الفوضى مع الكل وتخلقين عداوة مع أقرب الناس لك فأنت في نظرهم ضعيفة وهشة لا تعلم كيف تثبت ذاتها وشخصيتها بعد، أنك غير ناضجة وكل ما تفعلينه من أجل جلب الأنظار والاهتمام الذي لم تحصلي عليه."
كان يتحدث مثل طبيبي السابق تماما مما جعلني أشك لوهلة أنه قام السيطرة عليه أو على عقله. أو أنه قام بتحفيظه الكلام قبل أن يقابلني ليكرره على مسامعي بصيغة مختلفة. لكن ذلك مستحيل.
"إذا ما هي الحلول التي تقترحها أيها الأخصائي النفسي؟" سألته ساخرة عن قصد، أعيد ذات السؤال الذي سألته لطبيبي من قبل. ليس وكأنه سيجبني بذات الإجابة.
"أن تصالحي عائلتك وأن تتصالحي مع حاضرك وذاتك وماضيك خاصة." لكن رده قد صدمني تماما. لقد كان مماثل له، وكأنه هو.
لكن طريقة أركان كانت مختلفة عنه لأنه لم يراني ضعيفة، ولم يراني كعميلة سيأخذ منها المال مقابل الاستماع لمشاكلها. بل رأني كميلانو، ميلانو فقط بدون لقب والكر.
"تتحدث وكأن الأمر بتلك السهولة."
"لأنه كذلك بالفعل. خطوة بخطوة ستصلين إلى خط النهاية."
"لم تبدو ناضج جدا الليلة؟" تساءلت محاولة الهروب من الموضوع حتى لا نتعمق فيه أكثر.
ابتسم من جديد بأتساع حينما كشفني.
"أنا هكذا دوما. لكنك أنتِ من تثيرين المشاكل معي وتجعليني أتصرف بطريقة خارج طبيعتي."
"بل أنا اكشف لك حقيقتك البربرية التي تخفيها عن عيون الجميع أيها المجرم." سخرت منه وقد شعرت بالثقل في ذراعي لذلك عدت للأستلقاء من جديد ومراقبة السماء.
"أنتِ فقط من قلت عني هكذا من بين جميع الفتيات اللواتي قبلتهم."
دحرجت عيناي بأستخفاف. أنه نرجسي، مع ذلك هو على حق، بالنظر إلى وقوع رويا الشديد له أدركت أنه بالفعل محط إعجاب الفتيات.
"رويا قد سألت عنك اليوم. يبدو أنها معجبة بك إلى حد كبير. لا أفهم مما هو مصنوع ذوق هذه الفتاة." تحدثت هازئة وقد مر في عقلي عيون وريا الحالمة.
"أنا وسيم وذلك كافي لجعلي كل الفتيات يقعنا في حبي إلا أنت بالطبع لأنك لا تمتين للأنوثة بصلة." كان يتحدث بتكبر وتفاخر عظيمين جعلني أرفع له حاجبي بسخرية. نرجسي.
"أنا لم أخبرك بذلك حتى تتواقع معي أو لتصبح أكثر غرور بل أوصلت مشاعرها لأعرف هيئة خاصتك لأخبرها حتى لا تبقى عالقة مع الأوهام." قلت بخفوت اتجنب النظر إليه.
لم أسأله هذا السؤال من أجل وريا. كنت أشعر بالفضول لمعرفة مشاعر أركان تجاهلها أيضا لذلك سألت.
"هي لطيفة وجميلة لكنها ثرثارة. مثلك. لذلك لا تعجبني."
"إلا تعجبك لأنها جميلة؟" تسائلت بحيرة لأنه من مستحيل أن يقصد أنني لطيفة أو يشير لكوني ثرثارة لأنني بعيدة كل البعد عن هاتين الصفتين.
"أواثقة أيضا من مظهرك أيتها الجثة؟ بجدية هل نظرت إلى نفسك في المرآة من قبل؟ ثم قلت أنها مثلك لأنك ثرثارة." كان جاد جدا أثناء حديثه مما جعلني أشعر بغرابة أكبر.
"أنت حتما ترغب بالموت. لا تنسى أن لوحتك لا تزال عندي. يمكنني تدميرك بكل بساطة." هددته وأنا أستقيم جالسة. ظهري قد ألمني بسبب الأستلقاء المستمر على الأرض الخشنة والباردة.
"بقي بضع دقائق على الشروق." تحدث أركان وهو يستمر بمراقبة السماء. كان شارد مما جعلني أنظر له بغرابة لأنه لم يهددني مثل العادة.
"أتمنى رؤيته في يوما ما." همس بصوت منخفض جدا وكأنه يحدث نفسه مع ذلك أستطعت سماعه. قد تفهمته الآن.
معه حق. لو كنت مكانه لكنت تمنيت ذات الأمنية، تمنيت مراقبة شروق الشمس لمرة واحدة على الأقل. خاصة مع شخصية كأركان تعشق كل ما هو ممنوع ومحضور عليه.
أحتضنت أقدامي وراقبت الأفق معه.
"ستراه." قلت فجأة مما جعله ينظر لي مباشرة بغرابة قبل أن يستوعب أخيرا أنني سمعت أمنيته.
"أنا أصلي داخلي حاليا حتى لا يكتشف أي من في منزل أنني قضيت الليلة خارجا." تحدثت من جديد بتفكير ما أن اعتدل هو الآخر جالسا يريح ذراعه على ركبته.
"أخبرتك عديد المرات أن حراسكم فشلة."
"أعلم." تمتمت وأنا أدحرج عيوني بضجر كونه على حق.
"كيف هو مظهر النهار عندكم؟ أيشبه الليل حينما تنريه الأضواء؟"
"أتعيش في الظلام؟" سألته بغرابة أنظر له.
"منذ أن ولدت وأنا كذلك، كما عشت طول حياتي وحيدا. لذلك أن أتيحت لك الفرصة لتغيير فلا تترددي في أخذ خطوة تجاهه." قال وعلى محياه ابتسامة
ألتحمت عيوننا لثواني من زمن ثم أختفى بعد ذلك لا يترك وراءه أي أثر.
نظرت للأفق حيث لاح خيط برتقالي من بعيد.
مع عدم وجوده حولي شعرت بالفارغ من جديد، شعرت بالوحدة. لأول مرة منذ فترة طويلة أردت من شخص ما أن يستمر بمرافقتي بالرغم من أنني أحب الوحدة. لذلك تمنيت أيضا لو بمقدوره رؤية شروق الشمس. ولو بمقدوري مراقبتها معه.
.
.
.
"قد اتضح أنك أنت من أخذتها؟ لا أصدق! كيف تفعلين هذا بي؟ أتعلمين مدى القلق الذي عصف بي ما لم أجدها؟ لقد ظننت أن كنزي الثمين قد سرق!" أندفعت ماما تتحدث بتوتر ما أن لمحتني واقفة في قمة السلم وأنا أحمل اللوحة.
"براد أسرع بمساعدتها." أمرته مباشر بخوف على لوحتها من الوقوع فورا أن بدأت النزول.
صعد براد إلى الأعلى بخطوات سريعة ثم حمل اللوحه نيابة عني.
"لما أخذتها؟ لو أصابها أي خدش صغير سأحجز كل نقود المتواجدة في حسابك البنكي ميلانو!" هددتني وهي ترفع سبابتها تجاهي.
"أن وجدت فيه أي نقود فهنيئا لك." رددت عليها ببرود أدوس على السطح.
"عزيزتي الجميلة." تحدثت بنبرة درامية غير مهتمة بي وهي تسرع في مساعدة براد حتى يعيدها إلى محلها.
هززت رأسي بيأس وأنا أقلب عيوني في الفضاء أحاول نسيان التلوث الذ رأيته لتو.
يبدو أن أمي تتابع المسلسلات المكسيكية الرخيصة بكثرة.
"إلى أين تعتقدين نفسك ذاهبة؟ لقد سألتك سؤالا ويجب عليك أن تجيبي عليه على الفور! ما الذي جعلك تأخذينها دون أذن مني؟ مالذي فعلته بها؟" أوقفتني ماما تسألني بحدة ما أن بدأت بالمشي بنية الخروج.
استدرت لها بمعالم ضجرة.
أشعر بالنعاس وأنا بالكاد أستطيع الوقوف. كل ما أرغب به الآن هو أنصراف تجاه الجامعة.
"لقد أردت إجراء تجربة صغيرة عليها." أردت تبسيط الأمر بالرغم من أنني في واقع لم أرغب بأجرأ تجربة صغيرة عليها كما قلت، لو لم يظهر أركان لقمت بتشويه اللوحة تماما.
"أستمعي لي جيدا يا فتاة الجماجم! من الآن وصاعدا يمنع عليك فعل أي تجارب في المنزل أو تحنيط الحيوانات أو تجاوز حدودك مع أحد اشقائك! لا تظني أن ما حدث مع نوف سيمر مرور الكرام!" هددتني وهي ترفع سببتها في وجهي بتحذير.
"عليك أن تكوني شاكرة كوني لم أكن في منزل في ذلك اليوم أو لكنت أنا من حطمت حيواناتك المحنطة ولست أنتِ. كان يجب أن أوقفك عند حدك منذ البداية." كانت تتحدث بحدة تتخذ صف ابنها الصغير المدلل والغير مهذب.
ألم ينسوا ما حدث مع تلك الفضدعة بعد؟
أنها تعاملني كقاتلة لمجرد أنني جربت تحنيط فضدعة قبيحة!
أنها مجرد حيوان بالنهاية وليست إنسية!
أفكر أحيانا في رد فعل ماما لو قمت بتحنيط بشري حقيقي أو قمت بإتباعي الطب الجنائي رغم عنها. أراهن أنها ستصاب بسكتة قلبي.
"أي يكن." تمتمت بخفوت وأنا أعقد يداي ناحية صدري.
"من الأفضل أن تكون هذه الإجابة موافقة على كلامي ميلانو." كانت تحدثني بنبرة مهددة. منذ ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه معها وقد تغيرت معاملتها معي تماما تصبح شخصية أكثر تسلط من السابق.
"أجل هي موافقة. في نهاية قد دمرتي مراهقتي وحلمي. لا مانع الآن أيضا من تدمير مواهبي ومنعي من ممارسة هواياتي." تحدثت بنبرة ساخرة ولاذعة أستمر بالتحديق بها دون أن أظهر أي مشاعر على وجهي.
"لتمتلكي هوايات وأحلام ومواهب طبيعية في البداية وحينها لن يقف أي أحد كعائق بينك وبينهم ميلانو." لا تزال تحدثني بحدة، لا تزال تشير ناحيتي بتهديد، لا تزال ترفع لي حواجبها بتحد. كانت تتصرف معي مثل مجرمة تماما. مثل مختلة عقليا.
أتمنى لو بأماكن بابا رؤية هذا الجانب من ماما أيضا لمعرفة حقيقة معشوقته. ليعلم مدى شراسة المرأة التي يحبها.
"هل أنتهيت؟" كنت قد قررت التصرف ببرود وعدم أخذ الأمور على محمل الجد اليوم لأني كنت متعبة للغاية مما دفع ماما لعقد حاجبيها بغرابة من تغيري المفاجئ.
"صباح الخير. هل أنتِ ذاهبة إلى الجامعة؟ أبغلي سلامي إلى صديقتك آيلينا. لقد رأيت صورها. أنها جميلة جدا. تمتلكين ذوق جيدا في أختيار أصدقائك من ناحية المظهر دوما." سمعت صوت كريه. صوت أكثر شخص أمقته في حياتي.
لا أعلم متى وكيف أقحم فرانسيس نفسه في حديثنا فجأة.
وجهت نظري إليه حيث كان واقفا في فوهة المطبخ يتكئ بجسده على إطار الباب وهو يقوم بتناول تفاحة.
"الأكل ممنوع خارج غرفة الطعام فرانسيس." حدثته أمي بصرامة.
لا يبدو أنها غاضبة وتتصرف بصرامة ولؤم معي أنا فقط، بل هي كذلك حتى مع ابنها المدلل والمفضل.
ابتسمت بسخرية حينما فهمت وضعيتها اخيرا. لا بدا أنها وقعت في مأزق كبير في عملها بسبب المشكلة التي حدث ليلة البارحة. أنها تستحق.
"أنها مجرد تفاحة ماما. كما أنني جائع للغاية." تحدث وهو يهز كتفه بعدم اهتمام بينما يستمر بأكل التفاح لا يكترث لنظرات أمي الحادة.
"ألم يحن موعد عودتك للبرازيل؟" تساءلت وأنا أنظر له بكره واضح جعله يبتسم في وجهي باستفزاز.
"أوه! يبدو أني قد نسيت أخبرك أنه تم نقلي للفرع الرئيسي في أرجنتين بعد أن تم تسريح المدير التنفيذي السابق بتهمة الاختلاس." تحدث وهو يبتسم ابتسامة شريرة وقبيحة.
تبا له.
أراهن كونه هو من قام بحياكة مؤامرة ضده. هو تربية ميليسا والكر لذلك لا أستبعد منه أي شيء ليحصل على نفوذ ومنصب أعلى.
"ستصبح مقابلتنا كثيرة من الآن وصاعد يا توأمي." كان سعيدا جدا أثناء تلفظه بذلك.
أظنني قد وقعت في جحيم من جديد. لا أستطيع تصديق أنني سأصبح مجبرة على مقابلة هذا الوجه القبيح وهيئة الكريهة هذه كل يوم. أفضل الذهاب والعيش مع بابا في ثكنات العسكرية على البقاء في هذا السجن مع هذه العائلة.
"أنت مثير للغثيان." همست من أسفل أنفاسي اهز رأسي بعدم تصديق.
"تبدين سعيدة جدا بعودتي ميلانو." تحدث بابتسامة واسعة بالرغم من عيونه التي كانت تلتمع بشر وقد بدأ بالسير خلف السيدة ليدي التي خرجت للتو وهي تجر طاولة الطعام أمامها.
"جدا." رددت عليه باستخفاف وانا اعدل من حبال حقيبتي ثم أخذت خطواتي تجاه الخارج برفقة براد الذي أشرت له بإتباعي.
وعلى غير المعتاد أمي لم تتشبث بي حتى أتناول معهم فطور الصباح، وحينما نزل أوساكا من الأعلى برفقة أوسكار لم يكلف نفسه عناء ألقاء تحية عليا حتى.
أي عائلة سأتصالح معها أركان؟
الجميع بات يكرهني من جديد، حتى الذين لم يفعلوا ذلك من قبل.
"لقد شعرت بالذنب لوهلة لأنني كنت أتحدث معك بطريقة حقيرة، لكن أتضح أنها الطريقة المناسبة معك." رد يسترق نظرة خاطفة لي بينما يستمر بالابتسام استمتاع.
ابتسمت رغم عني وأنا أراقبه يبتسم بأتساع بينما يحدق في السماء التي تكاتلت فيها الغيوم فجأة معلنة عن أقتراب الشروق.
"لكن سأحادثك بجدية الآن ميلانو. أعلم أنك لا تزاليو مجروحة، وأعلم أنك تشعرين بالوحدة وأن الكل تخلى عنك في الوقت الذي كنت فيه في امس الحاجة إليهم."
كان يصف شعوري بالتدقيق. يقول ما لم أكن قادرة على البوح به، وكأنه أخترق عقلي، وكأنه لامس مشاعري.
"لكن ذلك قد حدث في الماضي، في الماضي ميلانو أتمنى أن تفهمي ذلك. نحن الآن في الحاضر ونتطلع للمستقبل. لن نقوم بإيقاف حياتنا على فترة ربما نساها من كان سبب في دمارها. هذا هو الوقت الذي يجب عليك تغيير نظرة العالم لك ولقول أنك قوية."
أسحب كلامي. هو لم يستطع حتى قراءة عيوني. لم يستطع لمح لمعة الخيبة فيهما حتى.
إذ كنت أنا عمياء عن الحلول، فهو أعمى عن الواقع.
"أنت لا تفهم أي شيء. تصدر أحكام في الوضعيات أنت لم تعشها. لم تشعر بألامها. أنت مجرد مستمع ولست الشخصية." رددت بحدة لكنه ألتزم الصمت ولم ينظر لي. كأنه يتشبث برأيه ويرى أن ردي ليس بمحله.
"كما أني أصبحت قوية بالفعل أركان." أضفت بعد فترة بنبرة أكثر شراسة.
"مادامت تتهربين من مشاكلك وتثيرين الفوضى مع الكل وتخلقين عداوة مع أقرب الناس لك فأنت في نظرهم ضعيفة وهشة لا تعلم كيف تثبت ذاتها وشخصيتها بعد، أنك غير ناضجة وكل ما تفعلينه من أجل جلب الأنظار والاهتمام الذي لم تحصلي عليه."
كان يتحدث مثل طبيبي السابق تماما مما جعلني أشك لوهلة أنه قام السيطرة عليه أو على عقله. أو أنه قام بتحفيظه الكلام قبل أن يقابلني ليكرره على مسامعي بصيغة مختلفة. لكن ذلك مستحيل.
"إذا ما هي الحلول التي تقترحها أيها الأخصائي النفسي؟" سألته ساخرة عن قصد، أعيد ذات السؤال الذي سألته لطبيبي من قبل. ليس وكأنه سيجبني بذات الإجابة.
"أن تصالحي عائلتك وأن تتصالحي مع حاضرك وذاتك وماضيك خاصة." لكن رده قد صدمني تماما. لقد كان مماثل له، وكأنه هو.
لكن طريقة أركان كانت مختلفة عنه لأنه لم يراني ضعيفة، ولم يراني كعميلة سيأخذ منها المال مقابل الاستماع لمشاكلها. بل رأني كميلانو، ميلانو فقط بدون لقب والكر.
"تتحدث وكأن الأمر بتلك السهولة."
"لأنه كذلك بالفعل. خطوة بخطوة ستصلين إلى خط النهاية."
"لم تبدو ناضج جدا الليلة؟" تساءلت محاولة الهروب من الموضوع حتى لا نتعمق فيه أكثر.
ابتسم من جديد بأتساع حينما كشفني.
"أنا هكذا دوما. لكنك أنتِ من تثيرين المشاكل معي وتجعليني أتصرف بطريقة خارج طبيعتي."
"بل أنا اكشف لك حقيقتك البربرية التي تخفيها عن عيون الجميع أيها المجرم." سخرت منه وقد شعرت بالثقل في ذراعي لذلك عدت للأستلقاء من جديد ومراقبة السماء.
"أنتِ فقط من قلت عني هكذا من بين جميع الفتيات اللواتي قبلتهم."
دحرجت عيناي بأستخفاف. أنه نرجسي، مع ذلك هو على حق، بالنظر إلى وقوع رويا الشديد له أدركت أنه بالفعل محط إعجاب الفتيات.
"رويا قد سألت عنك اليوم. يبدو أنها معجبة بك إلى حد كبير. لا أفهم مما هو مصنوع ذوق هذه الفتاة." تحدثت هازئة وقد مر في عقلي عيون وريا الحالمة.
"أنا وسيم وذلك كافي لجعلي كل الفتيات يقعنا في حبي إلا أنت بالطبع لأنك لا تمتين للأنوثة بصلة." كان يتحدث بتكبر وتفاخر عظيمين جعلني أرفع له حاجبي بسخرية. نرجسي.
"أنا لم أخبرك بذلك حتى تتواقع معي أو لتصبح أكثر غرور بل أوصلت مشاعرها لأعرف هيئة خاصتك لأخبرها حتى لا تبقى عالقة مع الأوهام." قلت بخفوت اتجنب النظر إليه.
لم أسأله هذا السؤال من أجل وريا. كنت أشعر بالفضول لمعرفة مشاعر أركان تجاهلها أيضا لذلك سألت.
"هي لطيفة وجميلة لكنها ثرثارة. مثلك. لذلك لا تعجبني."
"إلا تعجبك لأنها جميلة؟" تسائلت بحيرة لأنه من مستحيل أن يقصد أنني لطيفة أو يشير لكوني ثرثارة لأنني بعيدة كل البعد عن هاتين الصفتين.
"أواثقة أيضا من مظهرك أيتها الجثة؟ بجدية هل نظرت إلى نفسك في المرآة من قبل؟ ثم قلت أنها مثلك لأنك ثرثارة." كان جاد جدا أثناء حديثه مما جعلني أشعر بغرابة أكبر.
"أنت حتما ترغب بالموت. لا تنسى أن لوحتك لا تزال عندي. يمكنني تدميرك بكل بساطة." هددته وأنا أستقيم جالسة. ظهري قد ألمني بسبب الأستلقاء المستمر على الأرض الخشنة والباردة.
"بقي بضع دقائق على الشروق." تحدث أركان وهو يستمر بمراقبة السماء. كان شارد مما جعلني أنظر له بغرابة لأنه لم يهددني مثل العادة.
"أتمنى رؤيته في يوما ما." همس بصوت منخفض جدا وكأنه يحدث نفسه مع ذلك أستطعت سماعه. قد تفهمته الآن.
معه حق. لو كنت مكانه لكنت تمنيت ذات الأمنية، تمنيت مراقبة شروق الشمس لمرة واحدة على الأقل. خاصة مع شخصية كأركان تعشق كل ما هو ممنوع ومحضور عليه.
أحتضنت أقدامي وراقبت الأفق معه.
"ستراه." قلت فجأة مما جعله ينظر لي مباشرة بغرابة قبل أن يستوعب أخيرا أنني سمعت أمنيته.
"أنا أصلي داخلي حاليا حتى لا يكتشف أي من في منزل أنني قضيت الليلة خارجا." تحدثت من جديد بتفكير ما أن اعتدل هو الآخر جالسا يريح ذراعه على ركبته.
"أخبرتك عديد المرات أن حراسكم فشلة."
"أعلم." تمتمت وأنا أدحرج عيوني بضجر كونه على حق.
"كيف هو مظهر النهار عندكم؟ أيشبه الليل حينما تنريه الأضواء؟"
"أتعيش في الظلام؟" سألته بغرابة أنظر له.
"منذ أن ولدت وأنا كذلك، كما عشت طول حياتي وحيدا. لذلك أن أتيحت لك الفرصة لتغيير فلا تترددي في أخذ خطوة تجاهه." قال وعلى محياه ابتسامة
ألتحمت عيوننا لثواني من زمن ثم أختفى بعد ذلك لا يترك وراءه أي أثر.
نظرت للأفق حيث لاح خيط برتقالي من بعيد.
مع عدم وجوده حولي شعرت بالفارغ من جديد، شعرت بالوحدة. لأول مرة منذ فترة طويلة أردت من شخص ما أن يستمر بمرافقتي بالرغم من أنني أحب الوحدة. لذلك تمنيت أيضا لو بمقدوره رؤية شروق الشمس. ولو بمقدوري مراقبتها معه.
.
.
.
"قد اتضح أنك أنت من أخذتها؟ لا أصدق! كيف تفعلين هذا بي؟ أتعلمين مدى القلق الذي عصف بي ما لم أجدها؟ لقد ظننت أن كنزي الثمين قد سرق!" أندفعت ماما تتحدث بتوتر ما أن لمحتني واقفة في قمة السلم وأنا أحمل اللوحة.
"براد أسرع بمساعدتها." أمرته مباشر بخوف على لوحتها من الوقوع فورا أن بدأت النزول.
صعد براد إلى الأعلى بخطوات سريعة ثم حمل اللوحه نيابة عني.
"لما أخذتها؟ لو أصابها أي خدش صغير سأحجز كل نقود المتواجدة في حسابك البنكي ميلانو!" هددتني وهي ترفع سبابتها تجاهي.
"أن وجدت فيه أي نقود فهنيئا لك." رددت عليها ببرود أدوس على السطح.
"عزيزتي الجميلة." تحدثت بنبرة درامية غير مهتمة بي وهي تسرع في مساعدة براد حتى يعيدها إلى محلها.
هززت رأسي بيأس وأنا أقلب عيوني في الفضاء أحاول نسيان التلوث الذ رأيته لتو.
يبدو أن أمي تتابع المسلسلات المكسيكية الرخيصة بكثرة.
"إلى أين تعتقدين نفسك ذاهبة؟ لقد سألتك سؤالا ويجب عليك أن تجيبي عليه على الفور! ما الذي جعلك تأخذينها دون أذن مني؟ مالذي فعلته بها؟" أوقفتني ماما تسألني بحدة ما أن بدأت بالمشي بنية الخروج.
استدرت لها بمعالم ضجرة.
أشعر بالنعاس وأنا بالكاد أستطيع الوقوف. كل ما أرغب به الآن هو أنصراف تجاه الجامعة.
"لقد أردت إجراء تجربة صغيرة عليها." أردت تبسيط الأمر بالرغم من أنني في واقع لم أرغب بأجرأ تجربة صغيرة عليها كما قلت، لو لم يظهر أركان لقمت بتشويه اللوحة تماما.
"أستمعي لي جيدا يا فتاة الجماجم! من الآن وصاعدا يمنع عليك فعل أي تجارب في المنزل أو تحنيط الحيوانات أو تجاوز حدودك مع أحد اشقائك! لا تظني أن ما حدث مع نوف سيمر مرور الكرام!" هددتني وهي ترفع سببتها في وجهي بتحذير.
"عليك أن تكوني شاكرة كوني لم أكن في منزل في ذلك اليوم أو لكنت أنا من حطمت حيواناتك المحنطة ولست أنتِ. كان يجب أن أوقفك عند حدك منذ البداية." كانت تتحدث بحدة تتخذ صف ابنها الصغير المدلل والغير مهذب.
ألم ينسوا ما حدث مع تلك الفضدعة بعد؟
أنها تعاملني كقاتلة لمجرد أنني جربت تحنيط فضدعة قبيحة!
أنها مجرد حيوان بالنهاية وليست إنسية!
أفكر أحيانا في رد فعل ماما لو قمت بتحنيط بشري حقيقي أو قمت بإتباعي الطب الجنائي رغم عنها. أراهن أنها ستصاب بسكتة قلبي.
"أي يكن." تمتمت بخفوت وأنا أعقد يداي ناحية صدري.
"من الأفضل أن تكون هذه الإجابة موافقة على كلامي ميلانو." كانت تحدثني بنبرة مهددة. منذ ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه معها وقد تغيرت معاملتها معي تماما تصبح شخصية أكثر تسلط من السابق.
"أجل هي موافقة. في نهاية قد دمرتي مراهقتي وحلمي. لا مانع الآن أيضا من تدمير مواهبي ومنعي من ممارسة هواياتي." تحدثت بنبرة ساخرة ولاذعة أستمر بالتحديق بها دون أن أظهر أي مشاعر على وجهي.
"لتمتلكي هوايات وأحلام ومواهب طبيعية في البداية وحينها لن يقف أي أحد كعائق بينك وبينهم ميلانو." لا تزال تحدثني بحدة، لا تزال تشير ناحيتي بتهديد، لا تزال ترفع لي حواجبها بتحد. كانت تتصرف معي مثل مجرمة تماما. مثل مختلة عقليا.
أتمنى لو بأماكن بابا رؤية هذا الجانب من ماما أيضا لمعرفة حقيقة معشوقته. ليعلم مدى شراسة المرأة التي يحبها.
"هل أنتهيت؟" كنت قد قررت التصرف ببرود وعدم أخذ الأمور على محمل الجد اليوم لأني كنت متعبة للغاية مما دفع ماما لعقد حاجبيها بغرابة من تغيري المفاجئ.
"صباح الخير. هل أنتِ ذاهبة إلى الجامعة؟ أبغلي سلامي إلى صديقتك آيلينا. لقد رأيت صورها. أنها جميلة جدا. تمتلكين ذوق جيدا في أختيار أصدقائك من ناحية المظهر دوما." سمعت صوت كريه. صوت أكثر شخص أمقته في حياتي.
لا أعلم متى وكيف أقحم فرانسيس نفسه في حديثنا فجأة.
وجهت نظري إليه حيث كان واقفا في فوهة المطبخ يتكئ بجسده على إطار الباب وهو يقوم بتناول تفاحة.
"الأكل ممنوع خارج غرفة الطعام فرانسيس." حدثته أمي بصرامة.
لا يبدو أنها غاضبة وتتصرف بصرامة ولؤم معي أنا فقط، بل هي كذلك حتى مع ابنها المدلل والمفضل.
ابتسمت بسخرية حينما فهمت وضعيتها اخيرا. لا بدا أنها وقعت في مأزق كبير في عملها بسبب المشكلة التي حدث ليلة البارحة. أنها تستحق.
"أنها مجرد تفاحة ماما. كما أنني جائع للغاية." تحدث وهو يهز كتفه بعدم اهتمام بينما يستمر بأكل التفاح لا يكترث لنظرات أمي الحادة.
"ألم يحن موعد عودتك للبرازيل؟" تساءلت وأنا أنظر له بكره واضح جعله يبتسم في وجهي باستفزاز.
"أوه! يبدو أني قد نسيت أخبرك أنه تم نقلي للفرع الرئيسي في أرجنتين بعد أن تم تسريح المدير التنفيذي السابق بتهمة الاختلاس." تحدث وهو يبتسم ابتسامة شريرة وقبيحة.
تبا له.
أراهن كونه هو من قام بحياكة مؤامرة ضده. هو تربية ميليسا والكر لذلك لا أستبعد منه أي شيء ليحصل على نفوذ ومنصب أعلى.
"ستصبح مقابلتنا كثيرة من الآن وصاعد يا توأمي." كان سعيدا جدا أثناء تلفظه بذلك.
أظنني قد وقعت في جحيم من جديد. لا أستطيع تصديق أنني سأصبح مجبرة على مقابلة هذا الوجه القبيح وهيئة الكريهة هذه كل يوم. أفضل الذهاب والعيش مع بابا في ثكنات العسكرية على البقاء في هذا السجن مع هذه العائلة.
"أنت مثير للغثيان." همست من أسفل أنفاسي اهز رأسي بعدم تصديق.
"تبدين سعيدة جدا بعودتي ميلانو." تحدث بابتسامة واسعة بالرغم من عيونه التي كانت تلتمع بشر وقد بدأ بالسير خلف السيدة ليدي التي خرجت للتو وهي تجر طاولة الطعام أمامها.
"جدا." رددت عليه باستخفاف وانا اعدل من حبال حقيبتي ثم أخذت خطواتي تجاه الخارج برفقة براد الذي أشرت له بإتباعي.
وعلى غير المعتاد أمي لم تتشبث بي حتى أتناول معهم فطور الصباح، وحينما نزل أوساكا من الأعلى برفقة أوسكار لم يكلف نفسه عناء ألقاء تحية عليا حتى.
أي عائلة سأتصالح معها أركان؟
الجميع بات يكرهني من جديد، حتى الذين لم يفعلوا ذلك من قبل.