الفصل الثالث والعشرون خيانة ياسمين

حاول موسى أن يجعلها تطمئن وهو لا يعلم ماذا من الممكن أن تخطط له تلك الفتاة المدعوة ياسمين؟ لماذا أتت بمارجريت إلى هنا وقامت بعزلها عن الجميع قائلة أن هذا لمصلحتها؟ الكثير من الأسئلة تدور في عقله بلا إجابة واحدة، أخذ نفس عميق ومن ثم تحدث وهو يقوم بمحاوطة كتفها:

-بماذا تشعرين؟ ألاحظ أنكِ لستِ بخير.

نظرت له بأعينناعسة:

-في الحقيقة أريد النوم، لا أعلم ماذا يحدث لي ولكن يبدو أن جسدي يحتاج إلى الماء والطعام، أشعر بالعالم يدور بي.

لقد لاحظ هذا بالفعل، هي على وشك فقدان وعيها ويشعر بارتجاء جسدها بين يديه ليتمسك بها وهو يناديها بحزم خالطه القلق:

-مارجريت انظري لي! اخبريني ما الذي يحدث لكِ؟ لقد اوشكنا على الوصول افتحي عينيكِ ولا تنامي.

نظرت له بارهاق شديد ويبدو أنها تقاوم دون فائدة لتفقد وعيها بين يديه ويسقط معها وقد انهكه التعب هو الآخر، شعر بالكثير من الغضب وهو يتذكر وجه ياسمين الذي بغضها كثيرًا وتوعد لها في داخله، لن يغفر لها ما فعلته مع مارجريت ومعه!
------
مر اليوم وقد هدأت حالة هدى كثيرًا بعد حديثها مع سليم، شعرت بالراحة التي لم تشعر بها من قبل، حاولت أن تأخذ أنفاسها دون التفكير في أي شيء وقد نجحت في هذا، لا تنكر أنها مشتاقة كثيرًا إلى ليث ولكنها لن تتحدث مع سليم في هذا الأمر من جديد، تمنت أن يحاول ليث من أجلها مرة أخرى.

كانت على وشك النوم لتجد والدتها تقتحم الغرفة وقد بدى عليها الانفعال:

-هدى يجب علينا أن نتحدث الآن، سوف نتحدث ومن بعدها سوف أترككي لتنامي هيا تعالي معي حتى لا تستيقظ حبيبة من نومها.

اومأت هدى لها رغم شعورها بالكثير من التردد ومن ثم تبعتها إلى الصالون، حاولت عايدة أن تهدأ وهي تعلم أن هدى تراها كما لو كانت شخص غريب عنها وليست والدتها:

-أنا أتفهم جيدًا ما تمري به يا حبيبتي، أنا والدتكِ ولن يخاف عليكِ شخص بمقدار خوفي عليكِ.

اومأت هدى له وهي لا تعلم إلى أين تريد أن تصل بحديثها، تابعت عايدة وهي تنظر إليها بانتباه:

-أنا لا أريدكي أن تتخذي رد فعلت لن يناسبكي فيما بعد، أنتِ كنتِ معجبة بمازن وكنّا نراه شخص جيد، أتى طلب يدكِ وكان يحاول أن يجدكي معنا لولا وجوده لم تكوني بيننا الآن.

ابتلعت هدى ما بحلقها وهي تعلم  من الأكيد أن والدتها محقة وتقول كيف كانت حياتها، لكنها لا تعلم ما هذا النفور الذي ينتابها تجاه الرجال وبالأخص هو؟!

استفاقت على صوت والدتها التي امسكت بيدها وهي تريدها أن تنتبه لها:

-لا أتعمد ضغطكِ أنا أحاول أن أفكر معكِ وأعيد لكِ بعض الذكريات، لا أريدكي أن تدمري حياتكِ يا هدى بتلك الطريقة دون أن تعي ما تفعلي.

حركت هدى رأسها بنفي وهي تحاول أن تجد الكلمات المناسبة:

-أنا لا أفعل شيء، حتى إن كنت لا أتذكر فأنا هنا ومن الأكيد أنني لن أدمر حياتي.

ابتسمت عايدة لها وقربت يدها منها حتى تقوم بتمريرها على شعرها:

-لقد كنتِ هذه الفتاة الرائعة دائمًا يا هدى، اسمعي لي إذًا.

كانت هدى تنظر لها بانتباه وهي تحاول أن تفعل ما الذي تريده والدتها، ظهر القلق عليها قبل أن تحسم أمرها قائلة:

-أنا أريدكي أن تخبري والدكِ أنكِ موافقة على الزواج بمازن إن تحدث معكِ في الأمر في أي وقت.

اتسعت أعين هدى وقد ابتعدت عنها بصدمة وهي تحرك رأسها باستنكار شديد:

-ما الذي تقوليه؟ أنا غير موافقة، لماذا يجب أن أقول شيء لا أريده؟!

أخذت عايدة نفس عميق وهي تحاول أن تهدأ وتجعلها تهدأ:

-حبيبتي اسمعيني مازن في حالة صعبة للغاية، وجدته أرسل لي الكثير من الرسائل، حتى أنه هدد أن ينتحر، لا يمكننا أن نظلم هذا الشخص معنا وهو الذي حاول كثيرًا من أجلكِ.

ابتلعت هدى ما بحلقها في صعوبة وهي تحرك رأسها بنفي:

-كيف تطلبين مني أن أتزوجه وأنا لا أريده؟!

امسكت عايدة بيد ابنتها وهي تحرك رأسها بنفي في محاولة منها في امتصاص غضب وانفعال ابنتها:

-اسمعيني يا هدى أنتِ لن تتزوجي به قبل أن تريدي هذا، لكن على الأقل اعطيه الفرصة، فرصة واحدة ولن تخسري شيء من بعدها صدقيني.

شعرت هدى بالكثير من التشتت، لا تعلم بماذا عليها أن تجيب والدتها، شعور أنها تحت الأمر الواقع جعل رؤيتها بأكملها تختلف.

حاوطت عايدة وجه ابنتها وهي تحاول أن تجعلها تهدأ بعد أن رأت التشتت والقلق داخل عينيها:

-لا يوجد ما يدعي للقلق، فقط فرصة وسوف تقررين كل شيء في فترة الخطوبة، من المستحيل أن أتسبب في أي ضرر لكِ افهمي هذا يا هدى.

ابتعدت هدى وهي تريد أن تنهي هذا النقاش:

-لا أريد التحدث في هذا الأمر الآن أنا أرغب في النوم وبشدة.

تركتها هدى وذهبت إلى الغرفة سريعًا حتى لا تبدأ عايدة في التحدث من جديد، أخذت عايدة نفس عميق وقد شعرت بالكثير من الندم لأنها تحدثت معها في هذا الوقت، شعرت أنه كان يجب عليها أن تنتظر حتى تتحسن حالتها، لكن في النهاية لا يصمت مازن وهو يصر على جعلها تتحدث معها.
-----
فتحت مارجريت عينيها، شعرت بيديه تحاوطها وكأنه يخشى هربها، ابتلعت ما بحلقها في صعوبة بالغة:

-ما الذي حدث؟ أنا أريد الماء.

استفاق على صوتها ليعتدل ويجلب لها الماء في حركة سريعة، نظرت له وهي تتعجب من وجودهم داخل الكوخ الخاص بهم، شربت الكثير من المياه وكانت أعين موسى تتابعها بحزن لما سيضطر أن يقوله وعليها أن تعرف به.

رأها تقف بصعوبة وهي تتجه إلى الطاولة لتتناول بعض التفاح، علم أنها جائعة ولا تستطيع السيطرة على هذا، اقتربت منه وهي تمد له بعض التفاح:

-تناول هذا حتى نحضر طعام، وجهك يبدو عليه الارهاق يا موسى، لا ترفض.

استمع لها وهو يشعر بالضيق الشديد، جلست بجواره أثناء تناولها التفاح معه:

-موسى أنا أشعر بأن هناك شيء في داخلي غير متزن، أشعر بالضعف الشديد.

نظر لها وهو يعلم السبب خلف هذا، لم يكن فقدانها للوعي ليلة أمس بسبب احتياجها للماء أو للطعام بل كان الأمر أصعب من هذا؛ فمارجريت لم تعد الملكة، حتى أن قوتها الخارجة التي كانت تفتخر بها قد ذهبت مع منصبها التي استلمته ليديا عن طريق ياسمين.

كان يتذكر حديث مارجريت عن ياسمين وكيف هي صديقتها وهذا ما جعل صدمته تزداد، استفاق على صوتها المرتجف:

-ما الأمر يا موسى؟ أنا أتحدث إليك أقول أنني لست بخير، هناك شيء غريب يحدث.

ابتلع ما بحلقه وهو يقرب يده منها ليحاوط وجهها، حاول أن يجعلها تطمئن:

-لا بأس يا مارجريت، سوف تكوني بخير، عليكِ أن ترتاحي فقط، لا تستسلمي لهذا الشعور واسترخي.

امسكت بيده ولاحظ أنها تقبض عليها بقوة ليرى الألم ينعكس على وجهها، تذكر حديث نرجس ليلة أمس وهي تخبره من بين دموعها على كل ما خططوا له بعد أن علموا أن مارجريت اقدمت على الانتحار.

اقنعوا الجميع أن مارجريت اصابها الضعف واليأس ولم تعد تليق ببهجة جزيرة الزهور، ابتسم ساخرًا وهو لا يصدق ما يحدث، ربما فشل في العثور على البهجة، انتشله من تشتته صوت مارجريت المهتز:

-ضمني بقوة يا موسى، أشعر بأنني أتجمد من البرد.

قرر أنه سيجعلها تستريح وما إن تذهب إلى النوم سوف يذهب ليتحدث إلى نرجس بخصوص هذا الأمر.
-----
انتهى ليث من ارتداء ملابسه الرسمية وهو يحاول أن يبعدها عن عقله، لا يعلم كيف أصبح المنزل الذي يسكنه ويرتاح به مصدر لاختناقه من بعدها، كأنها تركت ظلها هنا ليصيبه بالجنون حتى تعود إليه، قاد السيارة وهو يتساءل هل من الممكن أن تعود إليه حقًا؟!

وجد نفسه أمام منزلها لا يعلم كيف، شعر بالتشتت ولا يعلم هل يرحل أم قاده القدر إلى هنا لغرض ما، تحامل على نفسه وهو يتمنى أن لا يتم طرده وإهانة كرامته من جديد، طرق الباب وهو يستمع إلى صوت ضحكات لا يميزها من كثرتها لكنه توقف مكانه عندما رأى أمامه مازن ولم تتلاشى ضحكته وهو يسأله:

-لقد كنّا سعداء لكن يبدو أن لهذا الرجل رأي آخر يا عمي سليم.

اقترب سليم ليرى ليث ولكن هو واثق أن زوجته لم تستدعيه كما فعلت مع مازن وجعلته يتوعد لها على وضعه أمام الأمر الواقع:

صباح الخير يا عمي كيف حالك؟

كان هذا سؤال ليث الذي رد سليم عليه باقتضاب:

-أنا بخير، اخبرني يا ليث هل يوجد شيء؟

شعر ليث بالاحراج وهو يرى مازن يبتسم بخبث ويبدو أنه استطاع الفوز بهذه العائلة، فكر ليث في طلبه وكيف سيكون سخيف إن اخبره أنه يريد أن يرى ابنته؟!

ابتلع ما بحلقه وحاول أن يجد حجة مناسبة:

-في الحقيقة أردت أن أسأل هدى عن مفاتيح سيارتي البيضاء، أظن أنها احتفظت بها في مكان ما في المنزل ولا أعرف أين أجدها.

لقد شعر بالضيق من كذبته، هو من اعطاها المفاتيح من قبل واخبرها أن تخبأها داخل الخزانة بغرفته ومع ذلك فضل التعامل كشخص فقد ذاكرته، ذهب سليم حتى يسألها واقتربت هي بعد أن علمت أنه هنا، ظهر على وجهها إبتسامة بثت بها اشتياقها الشديد إليه:

-أنت كويس؟

هذا السؤال الذي صدر منها بعفوية وهي تريد أن تعرف إن كان على مايرام أم لا جعله يبتسم وهو يرد عليها:

-أنا بخير لأنني أراكي الآن على مايرام، هل مازلتِ تشعرين بالقلق أو يؤلمكِ شيء ما يا ترى؟!

حركت هدى رأسها بنفي وهي تتحدث بارتباك لرؤيتها الجميع وهم يحدقون بها:

-أنا بخير لا داعي للقلق يا ليث.

لاحظ ليث نظرات والدها التي لا تبشر بالخير ليسألها بهدوء:

-في الحقيقة لا أتذكر أين ذهبت مفاتيح السيارة البيضاء، أين وضعتيها يا ترى؟!

صمتت للحظات وهي تقوم بتدليك جبينها:

-أظن أنها في خزانة الغرفة التي تنام بها، أذكر أنني وضعتها هناك هل بحثت عنها؟!

كاد يحرك رأسه نافيًا ولكنه حاول أن يستغل الفرصة قدر المستطاع:

-بحثت ولم أجدها، في الحقيقة أنا بحاجة ماسة لها يا هدى وشعرت أنكِ سوف تفيديني، أظن أنها كانت معكِ.

أومأت له وهي تتذكر أنها وضعتها في الخزانة:

-لقد وضعتها في الخزانة أنا واثقة من هذا، يمكنني أن أتي معك لأجدها لا تقلق.

أومئ ليث لها وحاول الهدوء وهو يشعر بقلبه على وشك أن يخرج من محله، لكن أتى رد والدها حازمًا:

-لا يمكنكي أن تذهبي معه يا هدى، هذه أشياؤه وهذا منزله يجدها بمعرفته هذا الشيء لا يخصنا.

عقب مازن وهو يرمق ليث بغضب ويبدو أنه قد فهم أنها حجة وليس أكثر من هذا:

-أباكِ معه حق يا هدى، لا يصح أن تذهبي مع هذا الرجل وتبقي معه بمفردكِ.

تحدثت هدى بانفعال ويبدو أنها لا تتقبل حديثه ليشعر ليث بالراحة جراء هذا:

-أنا كنت في منزله، لم يحدث أي شيء يضايقني، أنا أثق به ولا تتدخل أنت.

تدخلت عايدة في هذا الوقت وهي تتحدث إليها بانفعال واضح:

-ما الذي تفعليه أنتِ يا هدى؟ هل فقدتي عقلكِ تحدثي معه بشكل لائق.

ظهر الضيق على وجه هدى وقبض ليث على يده بقوة وهو يرى أن مازن يبتسم فقط لأنه حظى بثقة والدتها! قاطع شرودهم صوت سليم الحازم:

-أنت تريد أشيائك وأنتِ تريدي الذهاب إذًا! حسنًا سوف أتي معكِ لنرى هذا الأمر ومن ثم نعود.

ابتسمت هدى وقد تهلل وجهها وهي تومئ له، لقد بدأ سليم في التردد بخصوص حالتها، هل يجب أن يعطي إلى ليث الفرصة ليقوم بخطبتها أم ستلومه فيما بعد إن عادت الذاكرة لها وارادت مازن؟!

كان ليث يفكر كيف يمكنه أن يستميل والدها ليجعله يعلم أن نيته خير لها وأنه لا يريد سوى فرصة واحدة ليبقى بجوارها، لا يعلم متى حدث هذا وانقلبت أحواله ليتعلق بها هكذا ولكنه يعرف جيدًا أنه لن يسمح لها أن تذهب وتبقى لرجل غيره مهما حدث.
------
في مكان آخر كان موسى ذاهب أمام كوخ نرجس حتى يتحدث معها ويعرف المزيد عن حالة مارجريت والشيء السيء التي تمر به، شعور بالضيق أصابه كلما فكر أنها سوف تعرف كل شيء لتصدم في صديقتها ياسمين:

-لا أعرف كيف استطاعت أن تقوم بخيانتها وهي صديقتها المقربة؟ كيف ساندت ليديا وتخلت عنها وكيف قبلت ليديا بهذا الأمر؟ كانت تبدو لي فتاة جيدة ومسالمة!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي