الفصل الواحد والعشرون انتحار

نظر ليث إلى عايدة لبعض الوقت وهو يلاحظ أنه لا يروق لها وربما هذا بسبب حبها إلى مازن الذي لاحظه ليلة أمس! ترك كل شيء جانبًا ليتحدث وهو ينظر تجاه هدى:

-هذا ليس كل شيء، أنا أحبها.

اتسعت أعين هدى وقد بدت متفاجأة من تصريحه هذا بينما هو ابتسم وهو يومئ لها بصدق:

-هذه الحقيقة أنا أشعر أنني لا يمكنني الاستغناء عنكِ، لا شيء مفروض عليكِ يا هدى ولكنني سوف أكون أكثر شخص سعيد في هذه الحياة إن قبلتي الزواج بي.

ابتسمت هدى وهي تقترب منه تحت أنظار الجميه ومن بينهم مروان صديق ليث الذي يقف أمام الباب ولم ينتبه أحد له، أمسك سليم بيد هدى ليمنعها من التقدم أكثر ومن ثم نظر إلى ليث:

-هذا الأمر جدي للغاية ولا يمكنك أن تتعامل معه بهذا الاستهتار، هدى لا تتذكر شيء، كل ما في الأمر أنها ترتاح لك لأنها كانت معك منذ أن فتحت عينيها وهي لا تتذكر أي شيء، عندما تعود لها الذاكرة أنا واثق كل الثقة أنها لن تكون بنفس المشاعر تجاهك.

لم يجد ليث ما يقوله وبالضبط هذا الشيء الوحيد الذي يجعله خائف ولا يعلم ما الذي يجب أن يحدث في هذه الحالة، قاطعهم صوت مروان الذي اقترب:

-لن يتم الزواج بين يوم وليلة، على الأقل وافق ودعهم يتعرفون أكثر في فترة الخطوبة لا أجد في هذا الشيء أي مشكلة.

سحق سليم أسنانه وهو ينظر له بغضب:

-ومن تكون أنت الآخر؟

اجابه مروان مبتسمًا وهو يمد يده إلى سليم:

-أعرفك بنفسي أنا مروان صديق ليث المقرب، لقد وجدنا هدى سويًا.

نظر سليم إليه بجفاء ويبدو أنه لا ينوي مصافحته، أمسك ليث بيد مروان لينزلها وهو لا يريد أن تتوتر الأمور أكثر من هذا، تحدثت هدى في هذا الوقت وهي تحاول أن تقوم بسحب يدها من يد سليم:

-إذا سمحت دعني، أنا أعرف ما الذي أريده و..

صرخ سليم بها ولم يعد يحتمل كل شيء يحدث:

-اصمتي يا هدى، أنتِ لا تعرفين شيء، هذه ليست أنتِ، لا يمكنني أن أترككي تأخذين مثل هذا القرار في هذا الوقت الغير عادي بالنسبة إلى عقلكِ.

أخذت هدى نفس عميق وهي تحاول أن تسيطر على أعصابها وقد كانت ترتجف من صراخ سليم:

-أنا لا أريد سماع هذا الحديث أنا لا أشعر بالراحة ولا احد يفهم ما أمر به أنا وحدي.

حرك سليم رأسه بنفي ومازال ممسك بيدها وهو يتحدث ناظرًا إلى عينيها مباشرة:

-حبيبتي لا يمكنكي أن تتخذي مثل هذا القرار المصيري في هذا الوقت، هدى أنا والدكِ وأكثر شخص يهتم إليكِ وإلى مصلحتكِ، لا يجب أن يكون لديكِ شك في شيء كهذا.

ابتلعت هدى ما بحلقها وفي داخلها الكثير من المشاعر المبعثرة، تحدث ليث وهو يقترب ليقف أمام كلًا من سليم وهدى مباشرة:

-عمي أرجوك استمع لي، أنا لن أقوم باختطافها والذهاب، كل مافي الأمر أنني أرغب في التواصل معها، سوف أساعدها في تذكر كل شيء، إن حكم الأمر يمكننا أن نسافر للخارج إن كان هناك علاجها، صدقني أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلها.

ابتسمت هدى وهي تنظر له وقد لمعت عينيها بسعادة لاحظها الجميع، تحدثت عايدة بانفعا وهي تلاحظ غضب مازن الشديد:

-الشيء الذي تفعله يا ليث لا أجد مبرر له سوى أنه شيء وقح ولا يصح لك فعله، أنت تريد الزواج بفتاة في حكم المخطوبة ولا تفكر حتى مجرد التفكير في شيء كهذا!

قبض ليث على يده وهو يشعر بالغضب من تلك السيرة، لا يعلم لماذا لم يخطر في باله أن يضع نفسه محل مازن، بدى هذا الأمر صعب للغاية ومشاعره بأكملها تبغضه كل البغض:

-أنا قولت لن أغصبها على شيء لو لم أكن أعرف أنها تحتاجني كما أحاج إليها لم أكن لأتي إلى هنا، عليكم أن تعلموا هذا.

كان سليم يشعر بأن هدى تحاول أن تفلت يدها من بين يديه، قبض على يدها أكثر فتأوهت بألم وهي تنظر له، شعر أنها على وشك البكاء وهي تسحب يدها بألم ليزداد في الضغط عليها وهو يريد منها التوقف، قاطعه سحب ليث لها وهو يتحدث بانفعال صدم الجميع:

-توقف عن هذا!  لماذا تضغط على يدها بتلك الطريقة؟ ألم ترى الألم على وجهها؟ أنا حقًا لا أفهمكم وأشعر أنني على وشك أن أفقد عقلي!

تمسكت هدى بزراعه وهي تبتعد لتبقى خلفه دافنة وجهها به وهي تهمس إليه بين دموعها:

-لا تذهب.

اقترب علي وهو يلاحظ معاناة الجميع في التعامل معها، حاول أن يحل الأمر دون مشاكل:

-أظن أنك رجل واعي والشيء الذي يحدث هو ضد مصلحتها وضد الجميع، إذا سمحت إنهي هذا النقاش الآن ودعنا نتحدث فيما بعد.

أومئ مروان وهو يقترب ليقف بين سليم الذي أوشك على الانفجار وبين ليث المتمسك بهدى ولا يريد تركها:

-دعنا نذهب الآن يا ليث، على الأقل دعهم يفكروا في الأمر جيدًا.

قاطعهم صوت هدى الباكي:

-أنا لا أعرف ما الذي يحدث لي ولكنني غير مطمئنة، أرجوك يا ليث لا تذهب هكذا.

اقترب مازن وقد فقد أعصابه ليتحكم به الغضب وعلى الفور قام بامساك زراع هدى ليسحبها إليه في انفعال واضح:

-انظري لي يا هدى، نحن كنّا على وشك عقد خطوبتنا، نحن في نفس الجامعة وكنّا طوال الوقت معًا، أنتِ تحبيني كثيرًا بل كنتِ تعشقيني يا فتاة لا تفعلي هذا.

دفعته هدى بنفور شديد ليقوم سليم بسحبها إلى الغرفة قائلًا بغضب شديد ولهجة آمرة لا تقبل النقاش:

-هذه الفتاة هي ابنتي، لا أريد لأي شخص أن يتدخل بيننا، أنا أحذركم، الجميع يخرج الآن من منزلي، لن تتم خطبتها لشخص قبل أن تستعيد ذاكرتي وتكون في حال أفضل يكفي أن تقرر وقتها ما تريد وما تنفر منه.

ادخلها إلى الغرفة ومن ثم أغلق الباب عليها ليغادرهم ليث بغضب وتبعه مروان في محاولة منه لتهدأته وهو يخبره أن ما حدث كان أمر طبيعي للغاية وأن هدى متمسكة به وهذا يجب أن يجعله سعيد.

لم يكن يعطي أي إهتمام إلى حديث صديقه بل كان عقله مشتت بما يقوله الجميع، كأن القدر يواجهه بالحقيقة وأن سبب تعلقها به هو عدم تذكرها لا أكثر، ربما غن عادت لها الذاكرة سوف تبغضه وتجد أنه يحاول التفرقة بينها وبين عائلتها!
-----
استيقظ موسى وقد شعر بالكثير من الحيرة وهو يرى الشمس على وشك الغروب، نظر حوله وتعجب من عدم وجود مارجريت، أخذ نفس عميق ومن ثم قام باخراجه وهو يشعر بالغيظ:

-لم تفكر في أخذ إجازة من عملها اليوم، هذه الفتاة حقًا لا فائدة بها، لكن جيد أنها ذهبت حتى لا نتشاجر وتجعل الدماء تحترق داخل عروقي.

لفت انتبهه المريلة التي لطالما قامت بعقدها حول خصرها وبجوارها ورقة لم يراها ليلة أمس، توقع أنه جواب منها وهذا جعله يبتسم وفي ذات الوقت قد اصابه التعجب:

-ما الذي سيجعلها تكتب لي يا ترى؟!

أمسك بالورقة وما إن بدأ في القراءة حتى اتسعت عينيه بصدمة وهو لا يصدق ما توصل إليه عقل هذه الفتاة وهي تقول:

-زوجي العزيز، نعم أنت زوجي وعزيزي، أعلم أنك تورطت في هذا المكان بسببي وبسبب اعجابي الشديد بك، كانت رغبتي في بقاؤك بجواري تغلب كل شيء، مع ذلك غلبها العشق الذي لم يمس قلبي يومًا سوى معك، صدق أو لا تصدق أنت حبي الأول وعشقي الأخير، سوف أعفيك من هذا الزواج الأبدي بموتي، أعلم أنني لست غاضبة أو مستاءة منك، بل كل ما يسيطر عليّ هو امتناني الشديد للوقت الذي قضته معك.. زوجتك مارجريت.

ركض خارج الكوخ وكلماتها تتردد في أذنه، لم يجد أي فتاة هنا عكس العادة وهذا جعله يرتاب أكثر، سمع صوت صفير غريب الهيئة وهم بالاتجاه نحوه ليجد فتاة تقف على جذع شجرة مرتفع وهي تتحدث إلى الجميع بالأسفل وقد علم من الواقفين أنها تدعى ياسمين:

-لا داعي لإثارة الفوضى الملكة مارجريت لم تعد هنا ولكن في أقرب وقت سيتم تدبير كل شيء ويعود النظام كما كان وأفضل.

كان يشعر بقلبه على وشك الخروج وقد تحول وجهه وسيطر عليه الخوف، يدعو بداخل قلبه أن تكون على مايرام وأن لا يصيبها أي مكروه رغم أن كل شيء حوله يقوده للقلق حتى الموت، اقترب من ياسمين فور هبوطها وهو يتحدث بانفاس متلاحقة:

-أين مارجريت؟

رمقته بنظرة امتلأت بالكثير من اللوم والعتاب، تحدث من جديد بصوت خرج مرتجف دون إرادة منه:

-أرجوكِ اخبريني هل هي بخير؟

تحدثت الأخرى إليه بعدم استيعاب:

-أنا لا أعلم ما الذي خط ببالك لتسألني أنا هذا السؤال! ألا يجب أن تكون أنت أكثر شخص يعلم كل شيء عن حالتها يا ترى؟ زوجتك حاولت الانتحار وللمرة الأولى تكون الملكة مارجريت بهذا الضعف وقد القت بنفسها في الشلال دون تردد، لم تسبح يومًا ولا تعلم شيء عن السباحة، هي ارادت الموت ولو لم يكن فهد هنا كنّا سنفقدها.

كان القلق يسيطر عليه وقد ساندته مشاعر الغيرة الشديدة، حاول أن يتجاهل كل شيء وكل شيء يريده أن يراها أمامه ويطمئن عليها:

-أين هي الآن وماذا يعني هذا الحديث الذي قولتيه فوق هذا الجذع؟!

أخذت نفس عميق ومن ثم اخرجته بهدوء وهي تخبره ببساطة:

-مارجريت الآن هي فتاة ضعيفة اقدمت على الانتحار ولم تفكر في أي شيء آخر من المستحيل أن تبقى مسؤولة عن هذه الجزيرة، سوف تعتاد على هذا وربما يجعلها هذا الشيء تستفيق.

لقد خسرت مركزها من أجله، لقد اقدمت على الانتحار دون التفكير في أي شيء، لا يعلم ما الذي يجب أن يقوله ولكنه تحدث بانفعال هذه المرة:

-اخبريني أين هي؟ يجب أن أراها وأتحدث معها، عليها أن تستفيق.
-----
تحدث سليم وهو يحاول عدم الغضب حتى لا ينفعل ويزيد من خوفها فتزداد الأمور سوءً:

-حبيبتي لقد تحدثت في كثير من الأمور، تحدثت بهدوء وأنا أخبركي لماذا لا يصح أن تذهبي مع ليث، هو يظل غريب عنكِ.

نظرت هدى إليه برجاء استشفه من عينيها وامتلأ به حديثها:

-هو طلب أن يتزوجني وأنا لا أطيق النظر تجاه مازن، شعور سيء ينتابني تجاهه صدقني.

زفر سليم بارهاق شديد ولم يكن ينقصه ما  يحدث:

-لا تفكري في أي شيء الآن يا حبيبتي، لقد جعلته يذهب هو الآخر، لن يضايقكي أحد يا أميرتي، أرجوكِ يا هدى لا تخافي مني، أنا لا يمكنني أن أتحمل نظراتكِ تلك، أنتِ تطعنيني ولا أستطيع التحدث، مجرد التحدث صعب للغاية.

كانت تلاحظ ارهاق ملامحه، شعرت أنه بالفعل يتألم لحالتها كثيرًا، ابتلعت ما بحلقها قائلة:

-لا تحزن يا أبي أنا بخير، لن أكون فتاة سيئة، صدقني لا أتعمد أي شيء، كل ما في الأمر أن مشاعر غريبة تنتابني، يسيطر القلق على قلبي وهذا الأمر ليس سهل صدقني.

أومئ سليم وهو يربت على يدها بحنان، يعلم أنها محقة وتحاول وصف ما تشعر به ليتحدث إليها قائلًا:

-أنا هنا بجواركِ ولن أتخلى عنكِ مهما حدث يا هدى اطمئني.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي