الفصل العشرون أعتراف

استيقظ ليث من نومه وهو يشعر بالكثير من الارهاق، لا يعلم ما الذي حدث له ولكنه ليس على مايرام ولم يستطيع النوم سوى في الصباح الباكر، سمع طرقات على الباب وذهب ليقوم بفتحه بملل:

-ما الأمر؟

نظر مروان إليه بتعجب وهو يراها قد استيقظ للتو، لم تكن هذه عادة ليث على كل حال:

-ما الأمر؟ الساعة الآن الواحدة مساءً وأنت لست في الشركة، حتى أنك لم تتحدث معي وتخبرني بأمر تغيبك! أليس هذا الأمر غريب؟!

شعر ليث بالضيق وذهب تجاه المطبخ ليقوم بضبط ماكينة القهوة:

-اخبرني ما الذي تريده يا مروان، أنا لست في مزاج جيد.

نظر مروان حوله وسأله بحيرة:

-اخبرني أين تلك الفتاة؟ 

لم يجيبه ليث ولم يلتفت له ليقترب مروان بحيرة:

-ما الأمر هل رحلت يا ترى؟!

شرب ليث بعض المياه وكذلك لم يجد منه أي إجابة، اقترب منه بلوم شديد:

-رحلت إذًا يا ليث هل تذكرت كل شيء يا ترى؟

حرك ليث رأسه بنفي ومن ثم اجابه بشرود وهو يخلل شعره بأصابعه:

-عثرت عائلتها عليها، كان هذا بمساعدة من خطيبها، لا أصدق حقًا هذا.

نظر مروان له وحاول أن يرسم إبتسامة خرجت منه حزينة وهو يقترب ليضع يده على كتفه:

لا بأس يا ليث هونها على نفسك، لا شيء يستحق أن تفهم بنفسك هذا، أنت مؤكد لم تعشقها في هذا الوقت القصير.

حاول ليث أن يتمالك أعصابه ولكن خرج منه حديثه حزينًا لا يعلم كيف يمكنه أن يتجاوز هذا الشعور السيء الذي انتابه:

-أنا لا أ'لم ما الذي يحدث لي يا مروان، اعتدت على وجودها بشكل غريب، أنا حتى فكرت في الزواج بها، لكن أتى خطيبها ليدمر كل شيء، حتى خططي قد دمرها.

انتهى من صنع قهوته وذهب ليجلس على الأريكة وهو يشعر بالكثير من الضيق، حاول مروان التحدث ولكنه اكتفى بالجلوس بجواره وهو يستمع إلى ليث الذي تابع حديثه قائلًا:

-لقد كان كل شيء معها مختلف، لا أعلم ما الشيء الموجود بها ولا تملكه فتاة أخرى، لكنها استطاعت أن تؤثر بي كما لو لم يفعل أحد من قبل، صدقني كل شيء معها يقودني إلى عشقها دون مبالغة.

ابتسم مروان وهو يفكر في حديث ليث ليتحدث إليه:

-هي لا تتذكر شيء ومن الأكيد أن تكون ناسية لأمر خطيبها هذا يا ليث، عليك أن تذهب وكأنك تطمئن على حالتها، عليك أن تتحدث معها وتفهم مشاعرها.

حرك ليث رأسه بنفي وتحدث بانفعال واضح:

-وماذا لو اعجبت بي وعادت ذاكرتها لها؟ ما العمل حينها يا مروان قل لي؟ لن أستطيع تقبل أن تتغير مشاعرها عندما تتذكر وتبغضني أو تعود لتتذكره وتشتاق إلى حياتها القديمة! الأمر ليس سهل كما تظن أنت لن أقبلها على كرامتي ولن أقبل أن أعيش مع إنسانة لا تحبني.

حرك مروان رأسه بنفي وهو يجيبه بهدوء:

-أنت لن تتزوجها بين يوم وليلة، على الأقل تحدث معها حتى لا تندم فيما بعد يا ليث، لم تكن يومًا هذا الرجل المتردد، لم أعتاد عليك هكذا ولن أسمح بأن تتحول إلى هذا الشخص الضعيف.

رمقه ليث بغيظ وحاول أن يلهي عقله وهو يشرب البعض من قهوته، شرد بها، لا يعلم لماذا شرد في تمسكها به ونفورها من مازن، لقد جعله هذا الأمر يتأثر بحديث صديقه كثيرًا:

-سوف أتحدث معها، لكن لا أظن أن عائلتها سوف توافق على هذا، هم متحفظون بعض الشيء يا مروان.

أومئ مروان وهو يمرر إبهامه على ذقنه بتفكير:

-ربما عليك أن تتحدث مع والديها وتأخذ الإذن منهم، دعني أذهب معك وأرى كيف تسير الأمور هناك ما رأيك؟

نظر ليث له ومازال يشعر بالكثير من التشتت، أومئ وهو يقوم بارجاع ظهره للخلف في محاولة منه ليسترخي.

في هذا الوقت كان سليم ينادي على هدى من أجل تناولها للطعام، اقتربت وهي تضع شعرها خلف أذنها في ارتباك ظهر على وجهها بوضوح، أشار لها سليم بالجلوس بجواره لتقترب وتبعها حازم ليجلس بجوارها من الجهة الأخرى.

كان يلاحظ الجميع عدم راحتها، تحدثت عايدة إليها بحنان:

-ما الذي يشغل عقلكِ يا حبيبتي؟ هناك شيء ترغبين في قوله؟!

حركت هدى رأسها بنفي وتحدثت بصوت مختنق:

-لا شيء، في الحقيقة أنا أ{يد أن أرى ليث.

انتبهوا لها وهم يتبادلوا النظرات، شعرت بأنهم سيرفضوا لتتابع حديثها:

-أنا أرغب في التحدث معه ربما للمرة الأخيرة، إذا سمحتم.

أخذ سليم نفس عميق وهو يحضر حديثه معها ويختار الكلمات المناسبة:

-حبيبتي هذا الرجل لم يعد يعني لنا شيء، هو اعتنى بكِ في فترة كان من الضروري أن يكون هناك شخص جيد معكِ وانتهى الأمر، أنتِ قبل فقدانكِ للذاكرة كنتِ تنتظرين عودتي من الخارج حتى تتحدثين معي بأمر خطبتكِ قالت والدتكِ هذا.

اومأت عايدة لها بينما هدى ابتلعت ما بحلقها وهي تحاول عدم الانهيار من كل هذا الضغط، تحدثت بصوت مرتجف وهي لا تنظر في وجوههم:

-لا أريد الزواج بهذا الشخص، لا أعرفه وأشعر بالكثير من القلق.

سمعوا طرقات على الباب في هذا الوقت ليتحدث سليم والضيق يعتلي صدره من كل هذا الضغط، حاول الصمود ليقول:

-أذهب يا حازم واستقبل علي لقد قولت له أن يأتي ويتناول وجبة الإفطار معنا عندما كان يصر على المجيئ بالأمس من أجل الاطمئنان على هدى.

ذهبت حبيبة على الفور إلى غرفتها مع هدى لترتدي ملابس مناسبة للقاؤه وتضع غطاء الرأس، بينما هدى بقيت كما هي وهي تمسح عينيها حتى لا تسقط دموعها، تعجب سليم من جلوسها ليتحدث:

ألأم تذهبي لتبدلي تلك الملابس البيتية يا هدى؟ ما الأمر؟!

نظرت له بانتباه وهي تومئ بقلق لتتركهم وعايدة وضعت غطاء الرأس على رأسها فوق هذه العباءة المحتشمة، فتح حازم الباب ورحب بعلي الذي دخل وهو يلقي السلام عليهم ومن ثم نظر تجاه سليم:

-أين تلك الفتاة التي عكرت صفو مزاجنا لأيام وليالي يا ترى؟!

اجابه سليم باستياء:

-ترتدي ملابس مناسبة وسوف تخرج، لا أوصيك يا علي لا تضايقها وكن على علم أنها لا تتذكرك فلا تكن سخيف وتزعجها.

أومئ علي له وهو يلاحظ استياء الجميع ليسألهم باهتمام:

-هل حالتها سيئة إلى هذا الحد يا ترى؟!

أومأت عايدة ومن ثم تحدثت بحزن:

-هي متعلقة بالرجل الذي وجدها واعتنى بها الفترة الماضية يا علي، لا نعلم كيف يمكننا أن نتصرف تجاه هذا الأمر وهي التي لم تتوقف عن طلبها له منذ الصباح الباكر.

عقد علي حاجبيه بحيرة وهو يفرق نظراته بينهم:

-غريب هذا الأمر وليس من المعقول أن نزعج هذا الرجل ونتوسله أن يأتي ويكمل اهتمامه بها، الأمر ليس منطقي أبدًا.
-------
استفاقت من نومها لتجد نفسها نائمة على زراعه الممتد، ستبقى متعجبة من حالتها الغريبة في حضوره، لا تعلم ما الذي يحدث لها ويجعلها تتشتت بتلك الطريقة كلما كانت بالقرب منه، حاولت أن تعتدل لكنها توقفت عن المحاولة عندما وجدت يده تحاوطها.

ترددت في التحدث إليه حتى يبتعد وهي تراه نائم بهذا العمق، استرخت وهي متعجبة من ضمه لها، تتساءل هل هذه صدفة وربما لم يشعر بتحركه بتلك الطريقة أم تعمد أن يقربها منه دون أن تشعر وقد انهكها البكاء قبل أن تنام بهذا العمق!

استغلت الوقت وهي تتأمل ملامحه التي بدت لها أكثر جاذبية عن قرب، تساءلت داخل عقلها في استياء حقيقي هل من الممكن أن يكون باغض لها حقًا؟ هل مشاعره لم تتحرك نحوها ولم يشعر بأي حب تجاهها؟! الكثير من الأسلة تنهال وهي تحمل عبء كل نقاش سوف يدور بينهم وستبقى هي المذنبة في عينيه:

-ليتك تبقى بهذا الهدوء وأنت مستيقظ وتراني يا موسى، أظن أنها سوف تبقى أمنية إلى الأبد.

أخذت  نفس عميق لتخرجه من بعدها وقد ملأها شعور الخيبة، حاولت أن تتجاهل كل شيء ويكفي أنها بهذا القرب منه وهو هادئ دون غضب أو نظرات من اللوم تجعلها تكره ذاتها، لقد تمنت أن تموت قبل أن تقع معه في هذا الألم، توقفت عن التفكير للحظات قبل أن تتسع عينيها لتصيح داخل عقلها:

-ربما هذا هو الحل الوحيد.

فتح موسى عينيه بعد أن شعر باضطراب حركتها وابتلعت هي ما بحلقها بوجل عندما التقت عينيها بعينيه ولم تنتظر لتتحدث إليه بعفوية:

-لقد وجدت الحل يا موسى، سوف تعود إلى عالمك من جديد.

تعجب ومازال عقله مشتت ولم يستفق بشكل كامل، اجابها بنعاس وهو يقربها منه أكثر هامسًا:

-اليوم اجازتي دعينا ننم لبعض الوقت، منذ أن ذهبت عائلتي لم أنم بهذا العمق.

أغمض عينيه ويبدو أنه بالفعل يريد النوم ولا يرغب في أي نقاش بخصوص أي شيء سوف يعكر صفو مزاجه، ابتسمت وهي تتأمل وجهه، لقد اسكتها وربما هذا هو الشيء الصحيح مثلما قامت بتوريطه دون معرفة مسبقة منه سوف تعود لتفعلها وتحرره ليتفاجئ.

لن تخبره أن موتها هو الحل الوحيد للتحرر من هذا الزواج وفعل الشيء الذي يريده، حاولت أن لا تفكر في شيء آخر وقد عزمت أن تنهي هذا الأمر، انتظرت حتى تأكدت من ذهابه إلى النوم بشكل عميق واقتربت منه بتردد حتى استطاعت أن تقوم بتقبيله ومن ثم حاولت التحرر من بين يديه ليتحدث بانزعاج أثناء نومه:

-لا أعلم لماذا ترغبين في الاستيقاظ الآن؟ على راحتكِ يا مارجريت.

ابتسمت بحزن وهي تنظر له، تلك النبرة وهذا الصدق بصوته يخبرها أنه يريدها بالقرب منه، ربما يكون صوته هو آخر صوت ستسمعه قبل أن تقوم بالقاء نفسها من فوق الشلال الذي شهد على لقاءاتهم سويًا وعلى لحظات كاد قلبها أن يخرج من فرط السعادة، ابتعدت عنه وعينيها مثبتة عليه، سارت للخلف وهي تتهمس إلى نفسها:

-ستكون هذه اللحظات هي لحظاتنا الأخيرة معًا وأتمنى أن لا تنساني أبدًا يا أجمل ما مر طوال عامي الخامس والعشرون بعد المئتان!
-----
كانت هدى تستمع إلى حديثهم بقلب منتبه وفكر شارد، كما ترى لقد انقلب كل شيء رأس على عقب بفقدانها الذاكرة، تشعر بحب الجميع لها وهي أيضًا تراهم لطفاء أكثر من اللازم ولكن سعادتها غير كاملة بغيابه، وحده يستطيع التأثير بها ولكن ما السبب؟ هذا تمامًا ما تجهله.

تحدثت عايدة وهي تريد أن تجمع مازن وهدى معًا؛ فهي تراه أكثر شخص يستحقها:

-لقد أرسل مازن رسالة لي من أجل الاطمئنان على هدى واخبرته أن يأتي ليراها.

نظر سليم لها بضيق وهو يعلم أن حالة ابنته الآن  لا تسمع لها أن تلتقي بأي شخص مهما كانت هويته سوى ليث! تحدث علي بتعجب في هذا الوقت:

-من يكون مازن هذا؟ ولماذا يريد أن يراها من أين يعرفها؟!

اجابته حبيبة وهي تنظر تارة له وتارة إلى شقيقتها وتتمنى أن تتأثر به بشكل إيجابي:

-إنه شاب جيد للغاية، تقدم إليها عندما كنتم في جزيرة الزهور وكانت أمي تؤجل الأمر لحين عودة أبي.

بات سليم يغضب من تذكر ما حدث في هذه الجزيرة بينما علي أومئ بصمت وهو يتذكر تحذير سليم له، لقد استجاب إلى رغبته ولم يفصح لأي شخص عن الشيء الذي حدث معهم.

نظرت هدى إلى سليم كما لو كانت تريد شيء ما، كره سليم أنه يستطيع أن يفهمها دون مجهود منه، علم أنها ترغب في التحدث مع ليث ولم يكن منه سوى تجاهل أمر يراه لن ينعكس عليها سوى بالسوء.

مر الوقت وسمعوا طرقات على الباب ولم يكن سوى مازن الذي تبادل السلام مع الجميع حتى اقترب من هدى باسمًا:

-لقد عاد وجهكِ ينير عالمنا، لا تعلمين كيف أشعر بالسعادة، أنا حقًا لا أصدق أنكِ أخيرًا معنا يا هدى، كانت الليالي الماضية باردة للغاية أكثر من برد يناير.

كانت تنظر له بأعين شاردة، شعرت بقلبها يرتجف ولا تعلم ما السبب، لاحظ سليم تبدل ملامحها للضيق، لم يعجبه هذا ليقترب أثناء شرودها ويحاوط كتفيها بيده، في نفس التوقيت كان ليث يدق الباب وفتح علي فيراها وهي تدفع يد سليم وتهب واقفة بانفعال عفوي منها:

-لا أحد يقترب مني، أنا لا أشعر بالراحة، لا أحد يفعل هذا.

حديثها كان مبعثر واحتلت الصدمة أعين سليم والجميه بينما هي تساقطت دموعها بارتباك شديد ووحده ليث الذي يعرف حالة الفزع التي تنتابها بالأخص أنها لا تتذكرهم، وجد نفسه يتحدث بعفوية وهو يقترب ضاربًا بتفكيره وبرأي صديقه عرض الحائط:

-أنا أريد الزواج بورد..  أقصد هدى وأرجوك أن توافق. 

صدمت هدى كصدمة الجميع ولم ينتظر مازن الذي اقترب وهو يقوم بدفعه بقوة:

-أنت من تظن نفسك؟ كيف تتجرأ وتأتي لتقوم بطلب الزواج من خطيبتي؟ مؤكد أنت فقدت عقلك كليًا.

أعاد ليث الدفعة له وهو يتحدث إليه بتحذير:

-لا تجعلني أفقد أعصابي حتى لا أبرحك ضربًا في منزلها، شيء آخر دعني أخبرك به هذه الفتاة ليست خطيبتك هي حتى لا تتذكرك.

تحدثت عايدة بانفعال ويبدو أنها غير راضية:

-أنت من استطعت أن تؤثر عليها واليوم تأتي حتى تنتزعها من بين أحضاننا من تكون أنت؟

نظر ليث لها وقد وضع في رأسه نظرات هدى القلقة ليتحدث بهدوء حتى لا يجعلها تنهار:

-أنا لم أفعل أي شيء لها أو شيء يؤثر عليها، كل ما في الأمر أنني كنت أحاول مساعدتها ولم أتركها بمفردها لكثير من الوقت، هي لديها نوبة فزع تأتي لها وكما اخبرت والدها الطبيبة قالت أن هذا أثر صدمة تعرضت لها من محاولة اعتداء وأدت إلى سوء حالتها، أنا أعرف كل شيء تمر به.

ابتسمت عايدة ساخرة رغم صدمتها وذهولها بحديث ليث:

-وهل هذا الشيء الذي سيدفعك للزواج بها يا ترى؟ تتقدم للزواج بها لأنك تعرف ما تمر به وتعرف حالتها والكثير من هذا الحديث؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي