الفصل التاسع عشر مشاعر مارجريت
صدمت مارجريت وهي تراه يبعدها عنه ناظرًا لها ببغض وكلماته كالرصاص تصيب قلبها دون رحمة:
-لا يمكنني أن أصدق هذا! أنتِ تفكرين! وهل فتاة مثلكِ تعرف الحب لتفكري في إجابة؟ أم أنكِ تحاولين ايجاد الرد المنطقي لتخرجي نفسكِ من هذا المأزق؟!
نظرت له بلوم شديد ولا تعلم ما الذي يجب أن يحدث حتى تصدق أنه لم يتعمد جرحها أبدًا:
-أنا لم أقصد أي شيء كل ما في الأمر أنني شعرت بحاجتي الشديدة إليك، أنت لم تمر بكل شيء مررت به أنا والجميع هنا.
انفعل موسى وهو يجلس فوق السرير بعد أن شعر أنه يرغب في صفعها لعله يرتاح من غضبه الشديد منها:
-توقفي عن قول هذا الحديث التافه لأنه لن يفرق معي ولا يعني لي شيء.
نظرت له بلوم شديد ووجدته يتجاهل النظر لها، اقتربت بحذر لتجلس بجواره وهي تبتلع ما بحلقها بكثير من الارتباك:
-معك الحق لتغضب ولتعاملني كما تشاء، أنا لا أعارضك في هذا، لكن عليك أن تعلم أنني بالفعل احببتك.
نظر لها بانتباه بينما هي تساقطت دموعها بألم:
-صدق أو لا تصدق أنا احببتك بصدق وكنت مستعدة لأن أتزوج من فهد لأبعدك عن هذا العالم، أعترف أن تفكيري في البداية كان أناني وتعمدت أنني لا أريد اخبارك، أعترف أنني رغبت في ابعادك عن عائلتك فقط لتبقى معي، لكن في نهاية الأمر لم أستطيع صدقني.
نظر لها وهو يشعر بالكثير من الضيق بينما هي تتابع حديثها بندم استشعره في حديثها:
-سوف أحاول اصلاح الشيء الذي فسد بسببي أنا أعدك ولكن لا تكن قاسي معي، يكفي أنني أراك بهذا الحزن ولا أستطيع أن أفعل أي شيء، هذا صعب على قلبي للغاية صدقني يا موسى.
التزم الصمت ورأها تجفف دموعها وهي تخبره بثبات اعتاد عليه منها وقد علم أنها تتعمد اظهاره في أغلب أوقاتها:
-يمكنك الخروج الآن، لا تجبر نفسك على البقاء أكثر من هذا، أنا بخير وعلى كل حال هذا الأمر لا يهمك أليس كذلك؟
نظر موسى لها للحظات قبل أن يتحدث بضيق شديد:
-ألم تسمعي ما قاله فهد؟ أنا لن أذهب ومن الأفضل أن تعتادي على وجودي معكِ في هذا الكوخ حتى أتمكن من الذهاب بعيدًا عن هذه الجزيرة، أنا حقًا أشعر بالكثير من الضيق يا له من لعنة صعب زوالها.
كانت تتابعه وهو يتحدث بانفعال، تجاهلت الحديث معه وهي تراه لا يغير شيء، وقف وهو يأخذ أنفاسه ويخرجها بهدوء، سمعوا طرقات على باب الكوخ وما إن فتح الباب حتى وجد ليديا تقف أمامه:
-مرحبًا يا موسى كيف حالك؟ لقد أتيت لرغبتي في التحدث معك هل هذا ممكن؟!
أومئ لها وقبل أن يخرج تحدثت مارجريت بعفوية:
-إلى أين سوف تذهب أنت؟ أنا لا أريد البقاء هنا بمفردي في هذا الوقت سوف أذهب معكم.
حرك موسى رأسه بتعجب شديد، لقد بات لا يفهمها ولا يفهم ما الذي ترغب به بالضبط، لقد كانت تجلس بمفردها طوال الوقت والآن تصر على ملازمته! تحدثا مارجريت بغطرسة وهي تنظر إلى ليديا بتعجب:
-ما الأمر؟ ماذا تريدين من تزوجي يا ترى؟ لا تخفي شيء يا ليديا تعرفين أنني الملكة وأنني قادرة على معرفة كل شيء يدور هنا.
كانت تتابعها بأعين متفحصة أما الأخرى كانت تشعر بالغضب والخوف في وقت واحد، لقد اجبرها فهد على الذهاب وقلب مزاجهم ليغضبهم أكثر وهو يعلم أن مارجريت تشعر بالغيرة على موسى! ابتسمت ليديا باصطناع قائلة:
-أنا أسفة يا ملكة مارجريت لقد أردت التحدث مع موسى للقليل من الوقت و..
قاطعتها مارجريت بنبرة قاسية لا تقبل المزيد:
-عندما تنادي اسمه قولي السيد موسى، لا أريد أن أذكر لكِ هذا مرة أخرى.
نظرت ليديا لها وهي تشعر بالكثير من القلق وهي تومئ لها بصمت:
-أنا أسفة.
لاحظ موسى نظرات مارجريت وهو يشعر بالضيق الشديد من غطرستها، حاول أن لا يتحدث معها أمام أحد الغرباء حتى لو كانت هذه الفتاة ليديا، لم تجد الأخرى فرصة للتحدث معه وحاولت أن تكتسب بعض الوقت في قربه.
لقد ارسلها فهد لتشعر مارجريت بالغضب والغيرة وبالتالي ينشئ شجار بيهم، لكن كيف لها أن تقف أمام مارجريت يا ترى؟ هذا الأمر مستحيل، هي حتى لا تستطيع الرد على حديثها إن كان لاذعًا.
اقترب موسى لها وهو يحاول أن يحجبها عن نظرات مارجريت حتى لا تُصاب بالمزيد من القلق والارتباك:
-هل تريدي أن تقولي شيء؟ لا تترددي يا ليديا أنا أستمع لكِ.
طريقته الودودة إلى ليديا جعلت مارجريت على وشك أن تحرقهم سويًا بنظراتها المشتعلة غضبًا، ابتسمت ليديا وهي تنظر له مباشرة وقالت برقة مبالغ بها:
-في الحقيقة كان لدي الفضول لأعرف لماذا تزوجت بها ولماذا وافقت أن تبقى هنا إلى الأبد هل عالمك سيء يا ترى؟
شعر موسى بنيران الغضب تشتعل في داخله، لقد عادت لتذكره بالشيء الذي يجاهد حتى يبعده عن عقله تمامًا، تحدث بهدوء حاول أن يحافظ عليه:
-على العكس عالمي المميز لا يوجد مثله وليس بسوء هذا العالم، كل ما في الأمر أنني بقيت هنا عن طريق الصدفة.
نظرت مارجريت له وهي تعلم أنه يتعمد جرحها بحديثه، لا يمكنها أن تلومه وهو الذي عانى بسببها ومن أجلها.
--------
كان اليوم صعب للغاية على كلًا من ليث وهدى، لم تكن تستطيع النوم، تتقلب في فراشها وتلاحظها حبيبة التي اقتربت لتجلس بجوارها على السرير:
-ما الأمر يا هدى اخبريني هل تفكرين في شيء يسبب لكِ كل هذا الازعاج يا ترى؟
نظرت لها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، تتساءل ها عليها أن تخبرها أم تلتزم الصمت، لاحظت حبيبة ترددها وتلك النظرات القلقة التي تندلع من عينيها، بادرت من جديد في سؤالها ببعض القلق:
-هل حقًا لا تتذكريني يا هدى؟ يبدو هذا الأمر غريب للغاية صدقيني.
ابتلعت هدى ما بحلقها مرارًا وهي تنظر لها وقد تسارعت انفاسها لتتوقف حبيبة عن الضغط عليها:
-حسنًا لا يوجد مشكلة، لن أتحدث معكِ إن كنتِ لا تريدين هذا.
بينما في غرفة كلًا من عايدة وسليم كانت تبتسم براحة بعد أن انتهت من قضاء صلاتها:
-أنا حقًا لا أصدق أن بعد هذه الأيام الصعبة ابنتي عادت إلى أخضاننا يا سليم، رغم قهرتي من عدم تذكرها لي إلى أنني أشعر بالراحة لإنها بخير وهذا كافي بالنسبة لي، أنا حقًا يزداد حبي إلى مازن هذا الشاب استطاع أن يفرغ جميع الكاميرات بالقرب من الجامعة كما قال حتى عثر عليها وهي بخير.
رأت سليم شارد تمامًا وهو يفكر في حديث ليث إليه قبل أن يغادر، لقد طلب منه التحدث بمفردهم وبدأ في سرد ما قالته الطبيبة التي قامت بفحص هدى، يتساءل ما الذي حدث لتتعرض ابنته إلى محاولة اعتداء وصدمة جعلتها تفقد ذاكرتها؟ ندم بشدة على تحديه للجميع وذهابه للاستمتاع بموسم التفاح وفي النهاية لم يستطيع العودة مع ابنه وهناك من تجرأ وحاول الاقتراب من ابنته.
استفاق على يد عايدة التي تمسك بزراعه بحنان وهي تسأله:
-ما الأمر يا سليم؟ لماذا لا تتحدث معي هل حدث شيء لا أعرفه؟!
نظر لها وإلى الآن لم يخبرها بأمر زواج موسى من فتاة بالعالم الآخر وسجنه في جزيرة الزهور إلى الأبد، لقد كان هذا الحمل ثقيل للغاية عليه، لم يجد فائدة من الحديث على كل حال ليلتزم الصمت، قام بغصب إبتسامة لترتسم على شفتيه عنوة وهو يحرك رأسه نافيًا:
-لا يا حبيبتي، توقفي عن التفكير، لم ننم لأيام جيدًا يمكنكي أن تحظي ببعض الراحة.
نظرت له وهي تشعر بالكثير من التشتت:
-أنا أشتاق إلى موسى كثيرًا، لم يبتعد عن حضني كل هذه الأيام من قبل، أنا حقًا اشتقت له كثيرًا.
شعر سليم أن العالم بأكمله أجمع على سحق قلبه دون رحمة، ربت على يدها وهو يتحدث بهدوء عكس النيران المشتعلة داخله:
-لا بأس يا عايدة، إن لم يعود في القريب العاجل سوف أذهب بنفسي وأحاول أن أقوم باحضاره.
اومأت له رغم شعورها بالضيق الشديد وهناك ما يخبرها أن هناك شيء يخفيه عنها، ربما يتعامل بشكل طبيعي لكن قلبها غير مطمئن لكل شيء يحدث.
------
نامت مارجريت فوق السرير وهي تشعر بالكثير من الارتباك كلما وجدت موسى يقترب، جلس بجوارها وهي قامت بترك شعرها لينسدل حولها بعشوائية، نظر لها ويبدو أنه يحاول السيطرة على أعصابه:
-متى سوف تتوقفين عن التعامل بتلك الغطرسة مع الجميع يا ترى؟ إلى متى سوف تتعاملين بتلك الطريقة؟!
اجابته بعدم اكتراث وهي تغمض عينيها:
-هذه طريقتي لا يمكنك أن تغيرها من يوم وليلة، الجزيرة هنا تابعة لي وأنا ملكتها، لا يمكنك أن تتدخل في هذا الأمر حتى إن كنت زوجي وحتى لو اخطأت بحقك، أعلم يا موسى أنني لا أسمح لك بمحاسبتي.
ابتسم موسى ساخرًا وهو يشعر بالكثير من الغيظ منها، يراها على وشك أن تنام بهدوء وكأنها ملاك بريء لم تتسبب في تدمير حياته:
-يا لكِ من شخصية متناقضة يا مارجريت، اللعنة على هذا اليوم الذي رأيتكِ به، أنا حقًا نادم أشد الندم.
وجدها ترد عليه من جديد بعدم اكتراث:
-كان من الممكن أن أتجادل معك ولكنني أفضل أن تتذكر ماذا كان جوابي على حديثك المكرر هذا.
شعر بالغيظ من طريقتها التي تستفزه كثيرًا وانفعل وهو يقترب منها:
-انظري لي وأنا أتحدث معكِ أنا حقًا أشعر بالصدمة من وقاحتكِ الزائدة تلك.
لم تفتح عينيها وحاولت السيطرة على نفسها حتى لا تتطور الأمور وينتهي الأمر بشجار عنيف بينهم، تحدث موسى من جديد وقد بدى عليه الضيق:
-للمرة الأخيرة أقول لكِ انظري لي يا مارجريت وتوقفي عن التعامل بتلك الطريقة الباردة.
لم يحصل منها على إجابة ليشعر بالغيظ ومن ثم اقترب وعلى الفور قام بمحاوطتها لتتسع عينيها وهي تفتحها ناظرة له بعدم استيعاب، لاحظ نظراتها وابتلع ما بحلقه وهو يتحدث إليها بأنفاس متسارعة من قربهم إلى بعضهم البعض:
-ألم أقل انظري لي يا مارجريت؟
احمرت وجنتيها وللمرة الأولى يكون بهذا القرب، شعرت بأنفاسها على وشك أن تغادرها وهي تضع يدها على كتفه لتبعده في فعل عفوي منها:
-ما الذي تريده أنت؟ هل تحاول أن تعاقبني يا ترى؟
عينيها تسلبه أنفاسه، استطاع أن يشعر بهذا، لا يعلم كيف اختفى غضبه منها، يتساء بداخل عقله وهو على وشك الجنون:
-ماذا بكِ يا مارجريت؟ لماذا تجذبيني بتلك الطريقة دونًا عن الجميع؟ ما الذي تمتلكيه أنتِ ولا تمتلكه فتاة أخرى غيركِ؟!
كانت تلاحظ شروده وهو ينظر لها ليزداد توترها، أخذ نفس عميق وهو يقترب منها أكثر هامسًا:
-أنتِ لستِ جميلة، أجل أنتِ لستِ جميلة.
نظرت له بغضب وهي تدفعه أكثر:
-هل تحاول أن تقنع نفسك بهذا يا ترى؟ ابتعد عني يا موسى أنا حقًا بغضت قربك كثيرًا.
قرب يده من وجهها ومن ثم قام بتمرير إبهامه على شفتيها بحب وهو يتأمل عينيها:
-كاذبة يا مارجريت، أستطيع أن أعرف هذا، أنتِ تحبيني، عينيكِ تلمع من أجلي دائمًا، أنتِ فتاة كاذبة يا مارجريت.
ابتلعت ما بحلقها وهي تنظر إلى عينيه التي لمعت من أجلها، شعرت بأنفاسها تتعالى والكثير من القلق ينتابها، تحدثت بصوت مرتجف:
-دعني يا موسى ابتعد إن كنت لا تحبني، أنا لن أقبل بهذا، أعلم أنني لست فتاة للتسلية ولا تجعلني أتعامل معك بعنف سوف تكرهني بسببه.
نظر موسى لها والكثير من اللوم يندلع من مقلتيه، دفن وجهه بعنقها لتشعر بتسارع أنفاسه، لا تنكر أنها تحبه، لا تعرف متى ولا تعلم كيف ولكنها تظل الحقيقة، هي تحبه، تحدث إليها بهدوء قبل أن يبتعد عنها:
-ليتني لم أقابلكِ يا مارجريت، ربما كنت سأعيش وأنا أقسم أنها الرحلة الأجمل على الإطلاق ولكن لسوء الحظ أنا قابلتكِ.
تساقطت دموعها وهو يعلم أنها سوف تعاني من حديثه اللاذع كثيرًا، دفعته ليبتعد ويتركها وعلى الفور اعطته ظهرها لتترك دموعها تنساب على وسادتها، تحدث بألم وهو يلاحظ ارتجاف جسدها بسبب بكائها:
-لا تبكي يا مارجريت، يكفي أنا لم أعد أحتمل كل شيء يحدث.
تصاعد صوت بكائها وهي تشعر بالكثير من الحيرة وتتساءل هل من الممكن أن يهتم لدموعها حقًا؟! شعرت بيده على شعرها واقترب ليتحدث إليها بهدوء اعتادته من شخصيته التي كانت مسالمة بالنسبة إليها:
-أنا لن أقترب منكِ من جديد، أنا لم أكن أتعمد هذا الشيء حقًا صدقيني.
يا له من أحمق هل يظن أن هذا بسبب قربه منها؟ لا يوجد أحد يتمنى قربه ومجاورته بمقدار ما تتمناه هي، تتساءل كيف أوصله عقله لهذا وهو الذي يعلم أنها تحبه، لا يفرق معها حديثه عن كونها لا تعرف الحب، لا يفرق هذا أبدًا وهي على يقين تام أنه يفعل هذا فقط من أجل أن يؤلمها:
-إذا سمحت يا موسى لا تتحدث معي، لن تستمع إلى صوتي ونام، أنا بخير ولا يوجد ما سيجعلك تشعر بالذنب تجاهي، تصبح على خير.
شعر موسى أنه يريد التحدث معها، شعر أنه يريد معانقتها! منع نفسه بصعوبة وهو يحاول أن يرتب أفكاره، تارة يريد توبيخها وتارة يشعر بالحزن تجاه ما يحدث معها وما تعانيه، شعر أنه على وشك الجنون ليخلل شعره بأصابعه في ارهاق تمنى لو يتخلص منه سريعًا.
-لا يمكنني أن أصدق هذا! أنتِ تفكرين! وهل فتاة مثلكِ تعرف الحب لتفكري في إجابة؟ أم أنكِ تحاولين ايجاد الرد المنطقي لتخرجي نفسكِ من هذا المأزق؟!
نظرت له بلوم شديد ولا تعلم ما الذي يجب أن يحدث حتى تصدق أنه لم يتعمد جرحها أبدًا:
-أنا لم أقصد أي شيء كل ما في الأمر أنني شعرت بحاجتي الشديدة إليك، أنت لم تمر بكل شيء مررت به أنا والجميع هنا.
انفعل موسى وهو يجلس فوق السرير بعد أن شعر أنه يرغب في صفعها لعله يرتاح من غضبه الشديد منها:
-توقفي عن قول هذا الحديث التافه لأنه لن يفرق معي ولا يعني لي شيء.
نظرت له بلوم شديد ووجدته يتجاهل النظر لها، اقتربت بحذر لتجلس بجواره وهي تبتلع ما بحلقها بكثير من الارتباك:
-معك الحق لتغضب ولتعاملني كما تشاء، أنا لا أعارضك في هذا، لكن عليك أن تعلم أنني بالفعل احببتك.
نظر لها بانتباه بينما هي تساقطت دموعها بألم:
-صدق أو لا تصدق أنا احببتك بصدق وكنت مستعدة لأن أتزوج من فهد لأبعدك عن هذا العالم، أعترف أن تفكيري في البداية كان أناني وتعمدت أنني لا أريد اخبارك، أعترف أنني رغبت في ابعادك عن عائلتك فقط لتبقى معي، لكن في نهاية الأمر لم أستطيع صدقني.
نظر لها وهو يشعر بالكثير من الضيق بينما هي تتابع حديثها بندم استشعره في حديثها:
-سوف أحاول اصلاح الشيء الذي فسد بسببي أنا أعدك ولكن لا تكن قاسي معي، يكفي أنني أراك بهذا الحزن ولا أستطيع أن أفعل أي شيء، هذا صعب على قلبي للغاية صدقني يا موسى.
التزم الصمت ورأها تجفف دموعها وهي تخبره بثبات اعتاد عليه منها وقد علم أنها تتعمد اظهاره في أغلب أوقاتها:
-يمكنك الخروج الآن، لا تجبر نفسك على البقاء أكثر من هذا، أنا بخير وعلى كل حال هذا الأمر لا يهمك أليس كذلك؟
نظر موسى لها للحظات قبل أن يتحدث بضيق شديد:
-ألم تسمعي ما قاله فهد؟ أنا لن أذهب ومن الأفضل أن تعتادي على وجودي معكِ في هذا الكوخ حتى أتمكن من الذهاب بعيدًا عن هذه الجزيرة، أنا حقًا أشعر بالكثير من الضيق يا له من لعنة صعب زوالها.
كانت تتابعه وهو يتحدث بانفعال، تجاهلت الحديث معه وهي تراه لا يغير شيء، وقف وهو يأخذ أنفاسه ويخرجها بهدوء، سمعوا طرقات على باب الكوخ وما إن فتح الباب حتى وجد ليديا تقف أمامه:
-مرحبًا يا موسى كيف حالك؟ لقد أتيت لرغبتي في التحدث معك هل هذا ممكن؟!
أومئ لها وقبل أن يخرج تحدثت مارجريت بعفوية:
-إلى أين سوف تذهب أنت؟ أنا لا أريد البقاء هنا بمفردي في هذا الوقت سوف أذهب معكم.
حرك موسى رأسه بتعجب شديد، لقد بات لا يفهمها ولا يفهم ما الذي ترغب به بالضبط، لقد كانت تجلس بمفردها طوال الوقت والآن تصر على ملازمته! تحدثا مارجريت بغطرسة وهي تنظر إلى ليديا بتعجب:
-ما الأمر؟ ماذا تريدين من تزوجي يا ترى؟ لا تخفي شيء يا ليديا تعرفين أنني الملكة وأنني قادرة على معرفة كل شيء يدور هنا.
كانت تتابعها بأعين متفحصة أما الأخرى كانت تشعر بالغضب والخوف في وقت واحد، لقد اجبرها فهد على الذهاب وقلب مزاجهم ليغضبهم أكثر وهو يعلم أن مارجريت تشعر بالغيرة على موسى! ابتسمت ليديا باصطناع قائلة:
-أنا أسفة يا ملكة مارجريت لقد أردت التحدث مع موسى للقليل من الوقت و..
قاطعتها مارجريت بنبرة قاسية لا تقبل المزيد:
-عندما تنادي اسمه قولي السيد موسى، لا أريد أن أذكر لكِ هذا مرة أخرى.
نظرت ليديا لها وهي تشعر بالكثير من القلق وهي تومئ لها بصمت:
-أنا أسفة.
لاحظ موسى نظرات مارجريت وهو يشعر بالضيق الشديد من غطرستها، حاول أن لا يتحدث معها أمام أحد الغرباء حتى لو كانت هذه الفتاة ليديا، لم تجد الأخرى فرصة للتحدث معه وحاولت أن تكتسب بعض الوقت في قربه.
لقد ارسلها فهد لتشعر مارجريت بالغضب والغيرة وبالتالي ينشئ شجار بيهم، لكن كيف لها أن تقف أمام مارجريت يا ترى؟ هذا الأمر مستحيل، هي حتى لا تستطيع الرد على حديثها إن كان لاذعًا.
اقترب موسى لها وهو يحاول أن يحجبها عن نظرات مارجريت حتى لا تُصاب بالمزيد من القلق والارتباك:
-هل تريدي أن تقولي شيء؟ لا تترددي يا ليديا أنا أستمع لكِ.
طريقته الودودة إلى ليديا جعلت مارجريت على وشك أن تحرقهم سويًا بنظراتها المشتعلة غضبًا، ابتسمت ليديا وهي تنظر له مباشرة وقالت برقة مبالغ بها:
-في الحقيقة كان لدي الفضول لأعرف لماذا تزوجت بها ولماذا وافقت أن تبقى هنا إلى الأبد هل عالمك سيء يا ترى؟
شعر موسى بنيران الغضب تشتعل في داخله، لقد عادت لتذكره بالشيء الذي يجاهد حتى يبعده عن عقله تمامًا، تحدث بهدوء حاول أن يحافظ عليه:
-على العكس عالمي المميز لا يوجد مثله وليس بسوء هذا العالم، كل ما في الأمر أنني بقيت هنا عن طريق الصدفة.
نظرت مارجريت له وهي تعلم أنه يتعمد جرحها بحديثه، لا يمكنها أن تلومه وهو الذي عانى بسببها ومن أجلها.
--------
كان اليوم صعب للغاية على كلًا من ليث وهدى، لم تكن تستطيع النوم، تتقلب في فراشها وتلاحظها حبيبة التي اقتربت لتجلس بجوارها على السرير:
-ما الأمر يا هدى اخبريني هل تفكرين في شيء يسبب لكِ كل هذا الازعاج يا ترى؟
نظرت لها وهي تشعر بالكثير من الارتباك، تتساءل ها عليها أن تخبرها أم تلتزم الصمت، لاحظت حبيبة ترددها وتلك النظرات القلقة التي تندلع من عينيها، بادرت من جديد في سؤالها ببعض القلق:
-هل حقًا لا تتذكريني يا هدى؟ يبدو هذا الأمر غريب للغاية صدقيني.
ابتلعت هدى ما بحلقها مرارًا وهي تنظر لها وقد تسارعت انفاسها لتتوقف حبيبة عن الضغط عليها:
-حسنًا لا يوجد مشكلة، لن أتحدث معكِ إن كنتِ لا تريدين هذا.
بينما في غرفة كلًا من عايدة وسليم كانت تبتسم براحة بعد أن انتهت من قضاء صلاتها:
-أنا حقًا لا أصدق أن بعد هذه الأيام الصعبة ابنتي عادت إلى أخضاننا يا سليم، رغم قهرتي من عدم تذكرها لي إلى أنني أشعر بالراحة لإنها بخير وهذا كافي بالنسبة لي، أنا حقًا يزداد حبي إلى مازن هذا الشاب استطاع أن يفرغ جميع الكاميرات بالقرب من الجامعة كما قال حتى عثر عليها وهي بخير.
رأت سليم شارد تمامًا وهو يفكر في حديث ليث إليه قبل أن يغادر، لقد طلب منه التحدث بمفردهم وبدأ في سرد ما قالته الطبيبة التي قامت بفحص هدى، يتساءل ما الذي حدث لتتعرض ابنته إلى محاولة اعتداء وصدمة جعلتها تفقد ذاكرتها؟ ندم بشدة على تحديه للجميع وذهابه للاستمتاع بموسم التفاح وفي النهاية لم يستطيع العودة مع ابنه وهناك من تجرأ وحاول الاقتراب من ابنته.
استفاق على يد عايدة التي تمسك بزراعه بحنان وهي تسأله:
-ما الأمر يا سليم؟ لماذا لا تتحدث معي هل حدث شيء لا أعرفه؟!
نظر لها وإلى الآن لم يخبرها بأمر زواج موسى من فتاة بالعالم الآخر وسجنه في جزيرة الزهور إلى الأبد، لقد كان هذا الحمل ثقيل للغاية عليه، لم يجد فائدة من الحديث على كل حال ليلتزم الصمت، قام بغصب إبتسامة لترتسم على شفتيه عنوة وهو يحرك رأسه نافيًا:
-لا يا حبيبتي، توقفي عن التفكير، لم ننم لأيام جيدًا يمكنكي أن تحظي ببعض الراحة.
نظرت له وهي تشعر بالكثير من التشتت:
-أنا أشتاق إلى موسى كثيرًا، لم يبتعد عن حضني كل هذه الأيام من قبل، أنا حقًا اشتقت له كثيرًا.
شعر سليم أن العالم بأكمله أجمع على سحق قلبه دون رحمة، ربت على يدها وهو يتحدث بهدوء عكس النيران المشتعلة داخله:
-لا بأس يا عايدة، إن لم يعود في القريب العاجل سوف أذهب بنفسي وأحاول أن أقوم باحضاره.
اومأت له رغم شعورها بالضيق الشديد وهناك ما يخبرها أن هناك شيء يخفيه عنها، ربما يتعامل بشكل طبيعي لكن قلبها غير مطمئن لكل شيء يحدث.
------
نامت مارجريت فوق السرير وهي تشعر بالكثير من الارتباك كلما وجدت موسى يقترب، جلس بجوارها وهي قامت بترك شعرها لينسدل حولها بعشوائية، نظر لها ويبدو أنه يحاول السيطرة على أعصابه:
-متى سوف تتوقفين عن التعامل بتلك الغطرسة مع الجميع يا ترى؟ إلى متى سوف تتعاملين بتلك الطريقة؟!
اجابته بعدم اكتراث وهي تغمض عينيها:
-هذه طريقتي لا يمكنك أن تغيرها من يوم وليلة، الجزيرة هنا تابعة لي وأنا ملكتها، لا يمكنك أن تتدخل في هذا الأمر حتى إن كنت زوجي وحتى لو اخطأت بحقك، أعلم يا موسى أنني لا أسمح لك بمحاسبتي.
ابتسم موسى ساخرًا وهو يشعر بالكثير من الغيظ منها، يراها على وشك أن تنام بهدوء وكأنها ملاك بريء لم تتسبب في تدمير حياته:
-يا لكِ من شخصية متناقضة يا مارجريت، اللعنة على هذا اليوم الذي رأيتكِ به، أنا حقًا نادم أشد الندم.
وجدها ترد عليه من جديد بعدم اكتراث:
-كان من الممكن أن أتجادل معك ولكنني أفضل أن تتذكر ماذا كان جوابي على حديثك المكرر هذا.
شعر بالغيظ من طريقتها التي تستفزه كثيرًا وانفعل وهو يقترب منها:
-انظري لي وأنا أتحدث معكِ أنا حقًا أشعر بالصدمة من وقاحتكِ الزائدة تلك.
لم تفتح عينيها وحاولت السيطرة على نفسها حتى لا تتطور الأمور وينتهي الأمر بشجار عنيف بينهم، تحدث موسى من جديد وقد بدى عليه الضيق:
-للمرة الأخيرة أقول لكِ انظري لي يا مارجريت وتوقفي عن التعامل بتلك الطريقة الباردة.
لم يحصل منها على إجابة ليشعر بالغيظ ومن ثم اقترب وعلى الفور قام بمحاوطتها لتتسع عينيها وهي تفتحها ناظرة له بعدم استيعاب، لاحظ نظراتها وابتلع ما بحلقه وهو يتحدث إليها بأنفاس متسارعة من قربهم إلى بعضهم البعض:
-ألم أقل انظري لي يا مارجريت؟
احمرت وجنتيها وللمرة الأولى يكون بهذا القرب، شعرت بأنفاسها على وشك أن تغادرها وهي تضع يدها على كتفه لتبعده في فعل عفوي منها:
-ما الذي تريده أنت؟ هل تحاول أن تعاقبني يا ترى؟
عينيها تسلبه أنفاسه، استطاع أن يشعر بهذا، لا يعلم كيف اختفى غضبه منها، يتساء بداخل عقله وهو على وشك الجنون:
-ماذا بكِ يا مارجريت؟ لماذا تجذبيني بتلك الطريقة دونًا عن الجميع؟ ما الذي تمتلكيه أنتِ ولا تمتلكه فتاة أخرى غيركِ؟!
كانت تلاحظ شروده وهو ينظر لها ليزداد توترها، أخذ نفس عميق وهو يقترب منها أكثر هامسًا:
-أنتِ لستِ جميلة، أجل أنتِ لستِ جميلة.
نظرت له بغضب وهي تدفعه أكثر:
-هل تحاول أن تقنع نفسك بهذا يا ترى؟ ابتعد عني يا موسى أنا حقًا بغضت قربك كثيرًا.
قرب يده من وجهها ومن ثم قام بتمرير إبهامه على شفتيها بحب وهو يتأمل عينيها:
-كاذبة يا مارجريت، أستطيع أن أعرف هذا، أنتِ تحبيني، عينيكِ تلمع من أجلي دائمًا، أنتِ فتاة كاذبة يا مارجريت.
ابتلعت ما بحلقها وهي تنظر إلى عينيه التي لمعت من أجلها، شعرت بأنفاسها تتعالى والكثير من القلق ينتابها، تحدثت بصوت مرتجف:
-دعني يا موسى ابتعد إن كنت لا تحبني، أنا لن أقبل بهذا، أعلم أنني لست فتاة للتسلية ولا تجعلني أتعامل معك بعنف سوف تكرهني بسببه.
نظر موسى لها والكثير من اللوم يندلع من مقلتيه، دفن وجهه بعنقها لتشعر بتسارع أنفاسه، لا تنكر أنها تحبه، لا تعرف متى ولا تعلم كيف ولكنها تظل الحقيقة، هي تحبه، تحدث إليها بهدوء قبل أن يبتعد عنها:
-ليتني لم أقابلكِ يا مارجريت، ربما كنت سأعيش وأنا أقسم أنها الرحلة الأجمل على الإطلاق ولكن لسوء الحظ أنا قابلتكِ.
تساقطت دموعها وهو يعلم أنها سوف تعاني من حديثه اللاذع كثيرًا، دفعته ليبتعد ويتركها وعلى الفور اعطته ظهرها لتترك دموعها تنساب على وسادتها، تحدث بألم وهو يلاحظ ارتجاف جسدها بسبب بكائها:
-لا تبكي يا مارجريت، يكفي أنا لم أعد أحتمل كل شيء يحدث.
تصاعد صوت بكائها وهي تشعر بالكثير من الحيرة وتتساءل هل من الممكن أن يهتم لدموعها حقًا؟! شعرت بيده على شعرها واقترب ليتحدث إليها بهدوء اعتادته من شخصيته التي كانت مسالمة بالنسبة إليها:
-أنا لن أقترب منكِ من جديد، أنا لم أكن أتعمد هذا الشيء حقًا صدقيني.
يا له من أحمق هل يظن أن هذا بسبب قربه منها؟ لا يوجد أحد يتمنى قربه ومجاورته بمقدار ما تتمناه هي، تتساءل كيف أوصله عقله لهذا وهو الذي يعلم أنها تحبه، لا يفرق معها حديثه عن كونها لا تعرف الحب، لا يفرق هذا أبدًا وهي على يقين تام أنه يفعل هذا فقط من أجل أن يؤلمها:
-إذا سمحت يا موسى لا تتحدث معي، لن تستمع إلى صوتي ونام، أنا بخير ولا يوجد ما سيجعلك تشعر بالذنب تجاهي، تصبح على خير.
شعر موسى أنه يريد التحدث معها، شعر أنه يريد معانقتها! منع نفسه بصعوبة وهو يحاول أن يرتب أفكاره، تارة يريد توبيخها وتارة يشعر بالحزن تجاه ما يحدث معها وما تعانيه، شعر أنه على وشك الجنون ليخلل شعره بأصابعه في ارهاق تمنى لو يتخلص منه سريعًا.