الفصل الثامن عشر الدفاع عن زوجته
كان يقف أمامها على بعد من الرجال وعينيه مثبتة عليها، يراها قلقة لا تستطيع مواكبة ما يحدث ومن الصعب عليها النظر في عينيه:
-أنت بخير؟
التوت شفتيه بإبتسامة ساخرة وهو يرمقها بغضب شديد جعلها تبتلع ما بحلقها بقلق، حاولت أن تجاري حالة الغضب التي تتحكم به وهي تخبره بهدوء:
-أنا أعرف أنك غير راضٍ، أعرف أنك تود مغادرة هذا العالم، للمرة الأولى أنا أبحث عن ثغرة في القوانين من أجلك، أعلم أنه من الصعب عليّ رؤيتك تعاني هنا وبسببي.
قلب عينيه بملل ليتحدث من بعدها بنفاذ صبر:
-دعيني أخبركي أنني لا أرغب في سماع هذا الحديث الذي يتكرر كلما رأيت وجهكِ به، لقد سئمت من كل شيء يخصكِ، الأمر بات واضحًا أمام عينيّ وكما قولت لكِ من قبل أنتِ أكثر النساء شر وأكثرهم أنانية.
كادت أن تتحدث لكنه تابع حديثه ليقاطعها:
-لا لا لستِ أكثر النساء شر بل أنتِ أكثرشرًا من البشرية بأكملها.
نظرت له وقد حجبت عينيها غيمة من الدموع وهي تلومه بنظراتها ليبتسم ساخرًا:
-لا أصدق كيف كنت أحمق وأنا أنخدع بنظرات عينيكِ تلك! دعينا ننهي هذا الفيلم عديم الفائدة ولا تريني وجهكِ، مرة أخرى.
التفت ليغادر بينما هي لم تنتظر ولم تفكر سوى بألمه الذي يظهر بوضوح في عينيه وهي تعلم كل العلم أنها وحدها من تسببت به، قامت بضمه ليتصلب جسده وهو لم يتوقع هذا منها بعد كل شيء قاله:
-أعلم أن أسفي لن يغير أي شيء، أنا أعلم هذا جيدًا صدقني يا موسى، لكن كل شيء كان دون إرادة مني، لقد شعرت بالندم وتراجعت عن هذا الزواج، أنت بنفسك أتيت ورأيتني على وشك أن أتزوج بفهد دون تردد وأنت من قومت بمقاطعة هذا الزواج أمام الجميع.
أغمض عينيه بنفور وهو يتذكر كيف تدخل ظنًا منه أنه يساعدها ويساعد نفسه حتى لا يشعر بالذنب تجاهها وهي تتزوج بحقير لا تحبه، تابعت حديثها شاعرة بالألم:
-لقد جن جنون فهد وأصبح يقوم بافساد كل شيء أقوم به، يتسبب في اهانتي ويضايقني وهو لم يرى ما حدث سوى إهانة له، لم يكن يعلم أنني بالفعل كنت أنوي الزواج به، ظن أنني قد اتفقت معك لنتسبب في اهانته، لا يوجد مشكلة لدي لقد اعتدت على معاملته السيئة لي، لكنني لا أرغب في رؤيته وهو يضرك بشيء.
التفت موسى لها ليرى أثار الدموع على وجنتيها، لقد شعر بالفعل بدموعها الساخنة على ظهره ليتشتت، حرك رأسه بنفي وهو يسحق أسنانه:
-مهما حدث أنتِ الآن زوجتي كيف يتجرأ ويتعرض لكِ؟
لا تنكر أنها تشعر بالسعادة، بعد كل شيء حدث اهتمامه هذا يسعد قلبها وهي تشعر بأن حظ الدنيا قد أصبح من نصيبها، حاولت ايجاد الكلمات المناسبة ولكنه تحدث بغضب وهو يفكر بفهد ليس إلا:
-سوف أنتهي من العمل اليوم وأتي إلى الكوخ الخاص بكِ لن أسمح بجعله يتمادى أكثر من هذا.
نظرت له وقد لمعت عينيها، استطاع أن يرى سعادتها التي تشبه الأطفال إلى حد كبير، تحدث باقتضاب إليها ومازال يشعر بالبغض لكل شيء فعلته:
-سوف أكمل عملي وأنتِ غادري.
اومأت له وهي تعلم أن لا سبيل لمجادلته في هذا الوقت تحديدًا، ربما يتساءل لماذا أتت في هذا الوقت بالتحديد إليه ولكنها تعلم جيدًا أن لديها إجابة واحدة لا غير وهي اشتياقها الشديد له، لقد اشتاقت لكل شيء به بالفعل ووجدت قدماها تقودها إلى محل عمله.
-----
مرت الساعات ثقيلة عليهم وهما يجلسون معًا، هو يشعر بالقلق من فقدانها وقد اعتاد عليها وعلى وجودها معه، بينما هي تشعر بالرعب من الذهاب مع غرباء عنها لمجرد أنهم يقولوا أنهم عائلتها! أمسك بيدها عندما لاحظ شرودها ليحاول جعلها تطمئن:
-أنا هنا لن يحدث أي شيء سيء، أنتِ بخير وهذا أهم شيء أليس كذلك يا ورد؟
ابتسمت له وهو يومئ لها بينما هي ضغطت على يده أكثر وقربتها من وجهها بعفوية لتلمس وجنتها، ابتسم لها بحنان وقرب يدها من شفتيه ليقوم بتقبيلها، سمعوا طرقات على الباب وشعروا بارتجاف قلبهم، وقف ليث مستعد لفتح الباب أما هي أمسكت بيده وهي تحرك رأسها بنفي.
هي لا تعلم ما تفعله بسبب فقدانها لذاكرتها، يعلم إن فرق بينها وبين عائلتها لن تسامحه أبدًا مهما حدث، تحدث بهدوء إليها:
-لا يوجد داعي للقلق سوف أرى من بالخارج، ربما يكون شيء ضروري.
ذهب وهي اقتربت لتتابع ما يحدث، رأت رجل وامرأة يقتربون مع هذا الغريب الذي أتى وأراد أخذها معه لتختبئ بليث، تحدث الرجل برجاء:
-مازن قال أن ابنتي هنا، قال أنها قد فقدت ذاكرتها والكثير من هذا الحديث أين هي؟
نظر ليث له والتفت ليراها واقفة، لم ينتظروا واسرعت عايدة بالاقتراب لتقوم بضمها ودموعها تتساقط في تتابع غير عابئة بشيء:
-يا حبيبتي حمدًا لله أنكِ بخير وأنني أراكي الآن أمامي سالمة.
ابتلعت هدى ما بحلقها بوجل شديد:
-هل أنتِ أمي حقًا؟
ابتعدت عايدة وقد اعتصر قلبها الألم وهي تستمع إلى صوتها القلق:
-أنتِ حقًا لا تتذكريني؟ كيف حدث هذا يا هدى، كيف وصلت حالتكِ إلى هذه المرحلة؟!
لم يكن لديها أي إجابة واقترب سليم منها يضع يده على شعرها ويسحبها إلى حضنه لتقوم بدفعه وعلى الفور ذهبت تجاه ليث بعفوية وانفاسها تتسارع بخوف شديد:
-لا تقترب، لا تدعه يقترب مني لا أعرف صدقني لا..
قاطع سليم حديثها بعدم استيعاب وهو في حالة من الصدمة، حبس دموعه بصعوبة أثناء رؤيته لها:
-ما الذي تقوليه يا هدى؟ أنا والدكِ يا حبيبتي، لا داعي للخوف كل شيء سوف يكون على مايرام.
تحدث ليث وهو يحاول أن يكتسب بعض الوقت:
-أريد أن أرى ما يثبت أنكم عائلتها بالفعل.
اقتربت عايدة وهي تقوم بفتح حقيبة يدها وتقديم الصور وشهادة ميلادها وكل شيء يثبت بوضوح أنها ابنتهم، تحدث مازن في هذا الوقت بصوته الذي لم يخلو من السخرية:
-لقد جعلتهم يحضروا كل شيء الآن هل ستجعلنا نأخذها معنا أم نستعين بالشرطة، لا أظن أن تصل الأمور إلى هذا الحد أليس كذلك؟
نظر ليث تجاهها وهو لا يعطي إهتمام لحديث مازن، تحدث إليها بصوت ملأه الألم:
-بالفعل أنتِ ابنتهم يا ورد..
تحدث مازن وهو يشعر بالكثير من الغضب من تعلق هدى بهذا الرجل:
-ورد! من تكون ورد هذه؟ هل اطلقت عليها هذا الاسم لتلهي عقلها عن تذكر حقيقتها ومن تكون هي؟!
انفعل ليث وهو ينظر له ويحذره بعينيه قبل كلماته:
-أنا أحذرك من التمادي أكثر، وقتها لن أرحمك وسوف تندم أشد الندم.
التوت شفايف الآخر بابتسامة ساخرة وهو يلاحظ معاناة ليث في تركها، اقترب سليم وهو لا يعجبه كل ما يحدث:
-هدى نحن عائلتكِ يا حبيبتي لا يوجد داعي للقلق، حتى إن لم تتذكري شيء لا مشكلة، نحن سوف نبقى بجانبكِ حتى تتذكرين كل شيء على راحتكِ.
ابتلعت هدى ما بحلقها وقد بدأت دموعها في التساقط وهي تنظر إلى ليث بقلق:
-هل أذهب؟
شعر بقلبه يتمزق وهو يراها تسأله بتلك الطريقة وهذا القلق الذي تستغيث به منه، حاول التحدث لتتدخل والدتها قائلة:
-حبيبتي لا أريدكي أن تشعري بكل هذا القلق، كل شيء سوف يكون على مايرام ونحن معكِ، دعينا نذهب من هنا وسوف نتحدث في كل شيء.
تحدث ليث وهو يحاول أن يتشبث بلحظاته الأخيرة معها:
-سوف أوصلكم بسيارتي.
تحدث مازن من جديد ببغض له:
-لا حاجة لنا بسيارتك، لقد اتينا بسيارتي وسوف نعود بها.
تحدث ليث غير مهتم به وهو ينظر إلى سليم:
-منذ أول مرة عندما استفاقت من اعمائها وهي معي، لقد اعتادت عليّ وأظن توصيلها إلى المنزل لن يتسبب في أي مشكلة.
نظر سليم إلى هدى وبالفعل رأها تنظر إلى ليث وهي تشعر بالكثير من الحزن، هي لا تريد أن تأتي معهم وهذا واضح عليها! هو يعلم أنها لا تعرفهم وربما تعلقها بهذا الرجل لأنها عرفته في هذه الفترة التي اختفت بها، وافق سليم على اصطحابهم وتبعهم مازن بسيارته وهو يتمنى أن تبقى هدى فاقدة للذاكرة وإلا سوف يقع في ورطة وقتها، هو ندم على كل شيء وكل مايريده أن يتم خطبته منها ومن ثم عقد القران وزواجهم.
كان ليث يتابع هدى من وقت لآخر في مرآه السيارة الأمامية ليجد عينيها مثبتة عليه، تارة يبتسم لها ليشعرها بالأمان وتارة يمنع نفسه عن التأثر وهو لا يعلم ما تلك المشاعر التي تقوده إلى ضمها أمام والديها؟! وصل إلى منزلهم وشعر بالراحة أنه استطاع معرفة الطريق إلى منزلهم، هبطوا جميعًا ونظرت هدى له بقلق:
-أنت سوف ترحل الآن؟
ابتلع ما بحلقه بثبات وهو يومئ لها، اقتربت وقد تساقطت دموعها دون ارادة منها ومن ثم قامت بضمه:
-أنا لا أعلم لماذا يحدث هذا ولا أتذكر أي شيء وأشعر بالكثير من القلق، لكن أعلم أنك تمتلك أجمل شخصية وأنك أفضل رجل يمكنني أن أقابله في حياتي كلها.
شعر ليث بالكثير من الاحراج بالأخص وهو يرى انزعاج والدها الشديد وهو يسحبها:
-حبيبتي هذا لا يصح، حتى إذا كان شخص جيد لا يمنع أنه غريب عنكِ.
تبادلت معه الانظار ومن ثم ابتلعت ما بحلقها بقلق بينما هو ابتسم لعلها تطمئن:
-أبقي بخير واعتني بنفسكِ.
اقترب مازن وهو يبتسم في وجهه محاولًا كظم غيظه الشديد:
-شكرًا لك يا سيد ليث، لقد اعتنيت بخطيبتي ولا أعلم ما الذي كان سيحدث لو لم تكن موجود.
بغضه ليث كثيرًا ليومئ له في هدوء وهو غير مرحب به، تحدث سليم وهو يشعر بالاحراج:
-يمكنك أن تأتي وتشرب معنا بعض القهوة إن كان لديك وقت.
علم ليث أنهم يريدوا الصعود وقد شعر بالاحراج وهو يقول له:
-هل هذا ممكن؟
تعجبت عايدة من تمسكه بهم ولكنها تعلم أن ابنتها السبب، لقد كانت تلاحظ نظراتهم إلى بعضهم البعض وشعرت بعدم الرضا وهي ترى ما يحدث يؤثر على مازن كثيرًا ويجعله يوشك على الانفجار.
------
وصل موسى أمام الكوخ ليستمع إلى صوت مارجريت تصرخ بانفعال:
-لقد انتهينا، لم يعد لديك الحق لتتحكم بي دعني وشأني وتوقف عن اللحاق بي والاقتراب من هذا الكوخ.
سمع صوت فهد يتحدث صارخًا هو الآخر:
-تعلمين أنني أحبكي تعلمين أن كل ما أريد هو الحصول عليكِ، لقد كان هذا حلمي وأنتِ التي تمردتي على هذا.
تدخل موسى على الفور وهو يشتعل غضبًا من تجرأ فهد وهو يعلم أن مارجريت زوجته، أمسك عنقه وهو يضغط عليه بغضب شديد:
-أنت كيف تتجرأ وتأتي إلى هنا؟! هذه الفتاة التي تتجرأ وتتحدث معها هي زوجتي هل تفهم؟!
ابتسم فهد ساخرًا وهو يمسك يد موسى ويحاول أن يبعدها عن عنقه:
-زوجتك؟ أنت حت لم تفكر الاقتراب من هذا الكوخ، لا تظن أنني غبي لقد فعلت هذا من أجل أن تجعلها تبتعد عني والدليل على حديثي أنك أردت المغادرة بعدها كالأحمق.
قام موسى بلكمه بقوة ودفعه للخارج وقد صرخ به بغضب يكاد أن يجعل الأشجار تهتز:
-لا يوجد لك شأن بكل هذا، أنا لا أسمح لك بالتمادي عليّ أو على زوجتي بحد سواء، في المرة القادمة أنا سوف أقوم بقتلك.
أغلق باب الكوخ وحاول أن يقوم بتنظيم أنفاسه وهو يشعر بالكثير من الغضب، اقتربت مارجريت منه بقلق:
-موسى..
التفت لها ليسألها بعفوية:
-هل أنتِ بخير؟
حركت رأسها بنفي والدموع بعينيها لتقترب وتقوم بضمه من بعدها، لا تعلم ما الذي حدث لها ولكنها لم تكن ضعيفة أبدًا في غيابه بل كانت ترد على فهد بشراستها المعهودة عليها، تحدث موسى وهو يربت على شعرها ظنًا منه أنها تبكي خوفًا من فهد:
-توقفي عن البكاء، هذا الحقير لن يستطيع التسبب لكِ في أي أذى طالما أنا هنا، لا تقلقي.
حركت رأسها بنفي ومازالت تضمه قائلًا:
-أنا لست خائفة من فهد يا موسى، أنا زوجتك ولا يمكنني أن أخاف من شخص مثله وأنا أنتمي إليك، لقد شعرت بالضيق لشديد من حالتك، أنت هنا تدافع عني من جديد ولكنك هنا دون إرادة منك، أنا حقًا أشعر بالحزن ولا أكذب مثلما قولت لي.
أغمض موسى عينيه بضيق شديد وهو يسحق أسنانه:
-من الأفضل أن تتوقفي عن الحديث في هذا الأمر، أنا في الأصل لا ينقصني هذا، توقفي عن البكاء فورًا يا مارجريت.
ابتعدت عنه قليلًا لتتمكن من النظر داخل عينيه وقد رأى الصدق يلمع في عينيها وهي تخبره:
-لم أكن أريد لكل هذا أن يحدث صدقني، كل ما في الأمر أنك شخص رائع، لم أصدق أنني انجرفت خلف مشاعري لتكون النتيجة كارثية بالنسبة لك.
انتبه لها وهو يتأمل عينيها البنية قائلًا بتعجب شديد:
-هذا يعني أنكِ تحبيني؟!
نظرت مارجريت له وشعرت بالكثير من التخبط، عينيه دائمًا تجعلها تعجز عن الحديث، حاولت أن تجد الكلمات المناسبة، لكنه قاطه شرودها من جديد قائلًا:
-ما الأمر يا مارجريت هل الحديث صعب للغاية؟
ابتلعت ما بحلقها وهي تبعد عينيها عنه في محاولة منها للحديث دون التشتت به:
-ليس صعب أنا..
قاطعها وهو يمسك بذقنها ليقوم برفع وجهها له:
-انظري لي وأنتِ تتحدثين دعيني أرى عينيكِ الجميلة.
تعجبت من هذا وتعجبت أكثر من رؤيته يبتسم بتلك الطريقة ولم يمر الكثير من الوقت حتى صدمها برد فعله.
-أنت بخير؟
التوت شفتيه بإبتسامة ساخرة وهو يرمقها بغضب شديد جعلها تبتلع ما بحلقها بقلق، حاولت أن تجاري حالة الغضب التي تتحكم به وهي تخبره بهدوء:
-أنا أعرف أنك غير راضٍ، أعرف أنك تود مغادرة هذا العالم، للمرة الأولى أنا أبحث عن ثغرة في القوانين من أجلك، أعلم أنه من الصعب عليّ رؤيتك تعاني هنا وبسببي.
قلب عينيه بملل ليتحدث من بعدها بنفاذ صبر:
-دعيني أخبركي أنني لا أرغب في سماع هذا الحديث الذي يتكرر كلما رأيت وجهكِ به، لقد سئمت من كل شيء يخصكِ، الأمر بات واضحًا أمام عينيّ وكما قولت لكِ من قبل أنتِ أكثر النساء شر وأكثرهم أنانية.
كادت أن تتحدث لكنه تابع حديثه ليقاطعها:
-لا لا لستِ أكثر النساء شر بل أنتِ أكثرشرًا من البشرية بأكملها.
نظرت له وقد حجبت عينيها غيمة من الدموع وهي تلومه بنظراتها ليبتسم ساخرًا:
-لا أصدق كيف كنت أحمق وأنا أنخدع بنظرات عينيكِ تلك! دعينا ننهي هذا الفيلم عديم الفائدة ولا تريني وجهكِ، مرة أخرى.
التفت ليغادر بينما هي لم تنتظر ولم تفكر سوى بألمه الذي يظهر بوضوح في عينيه وهي تعلم كل العلم أنها وحدها من تسببت به، قامت بضمه ليتصلب جسده وهو لم يتوقع هذا منها بعد كل شيء قاله:
-أعلم أن أسفي لن يغير أي شيء، أنا أعلم هذا جيدًا صدقني يا موسى، لكن كل شيء كان دون إرادة مني، لقد شعرت بالندم وتراجعت عن هذا الزواج، أنت بنفسك أتيت ورأيتني على وشك أن أتزوج بفهد دون تردد وأنت من قومت بمقاطعة هذا الزواج أمام الجميع.
أغمض عينيه بنفور وهو يتذكر كيف تدخل ظنًا منه أنه يساعدها ويساعد نفسه حتى لا يشعر بالذنب تجاهها وهي تتزوج بحقير لا تحبه، تابعت حديثها شاعرة بالألم:
-لقد جن جنون فهد وأصبح يقوم بافساد كل شيء أقوم به، يتسبب في اهانتي ويضايقني وهو لم يرى ما حدث سوى إهانة له، لم يكن يعلم أنني بالفعل كنت أنوي الزواج به، ظن أنني قد اتفقت معك لنتسبب في اهانته، لا يوجد مشكلة لدي لقد اعتدت على معاملته السيئة لي، لكنني لا أرغب في رؤيته وهو يضرك بشيء.
التفت موسى لها ليرى أثار الدموع على وجنتيها، لقد شعر بالفعل بدموعها الساخنة على ظهره ليتشتت، حرك رأسه بنفي وهو يسحق أسنانه:
-مهما حدث أنتِ الآن زوجتي كيف يتجرأ ويتعرض لكِ؟
لا تنكر أنها تشعر بالسعادة، بعد كل شيء حدث اهتمامه هذا يسعد قلبها وهي تشعر بأن حظ الدنيا قد أصبح من نصيبها، حاولت ايجاد الكلمات المناسبة ولكنه تحدث بغضب وهو يفكر بفهد ليس إلا:
-سوف أنتهي من العمل اليوم وأتي إلى الكوخ الخاص بكِ لن أسمح بجعله يتمادى أكثر من هذا.
نظرت له وقد لمعت عينيها، استطاع أن يرى سعادتها التي تشبه الأطفال إلى حد كبير، تحدث باقتضاب إليها ومازال يشعر بالبغض لكل شيء فعلته:
-سوف أكمل عملي وأنتِ غادري.
اومأت له وهي تعلم أن لا سبيل لمجادلته في هذا الوقت تحديدًا، ربما يتساءل لماذا أتت في هذا الوقت بالتحديد إليه ولكنها تعلم جيدًا أن لديها إجابة واحدة لا غير وهي اشتياقها الشديد له، لقد اشتاقت لكل شيء به بالفعل ووجدت قدماها تقودها إلى محل عمله.
-----
مرت الساعات ثقيلة عليهم وهما يجلسون معًا، هو يشعر بالقلق من فقدانها وقد اعتاد عليها وعلى وجودها معه، بينما هي تشعر بالرعب من الذهاب مع غرباء عنها لمجرد أنهم يقولوا أنهم عائلتها! أمسك بيدها عندما لاحظ شرودها ليحاول جعلها تطمئن:
-أنا هنا لن يحدث أي شيء سيء، أنتِ بخير وهذا أهم شيء أليس كذلك يا ورد؟
ابتسمت له وهو يومئ لها بينما هي ضغطت على يده أكثر وقربتها من وجهها بعفوية لتلمس وجنتها، ابتسم لها بحنان وقرب يدها من شفتيه ليقوم بتقبيلها، سمعوا طرقات على الباب وشعروا بارتجاف قلبهم، وقف ليث مستعد لفتح الباب أما هي أمسكت بيده وهي تحرك رأسها بنفي.
هي لا تعلم ما تفعله بسبب فقدانها لذاكرتها، يعلم إن فرق بينها وبين عائلتها لن تسامحه أبدًا مهما حدث، تحدث بهدوء إليها:
-لا يوجد داعي للقلق سوف أرى من بالخارج، ربما يكون شيء ضروري.
ذهب وهي اقتربت لتتابع ما يحدث، رأت رجل وامرأة يقتربون مع هذا الغريب الذي أتى وأراد أخذها معه لتختبئ بليث، تحدث الرجل برجاء:
-مازن قال أن ابنتي هنا، قال أنها قد فقدت ذاكرتها والكثير من هذا الحديث أين هي؟
نظر ليث له والتفت ليراها واقفة، لم ينتظروا واسرعت عايدة بالاقتراب لتقوم بضمها ودموعها تتساقط في تتابع غير عابئة بشيء:
-يا حبيبتي حمدًا لله أنكِ بخير وأنني أراكي الآن أمامي سالمة.
ابتلعت هدى ما بحلقها بوجل شديد:
-هل أنتِ أمي حقًا؟
ابتعدت عايدة وقد اعتصر قلبها الألم وهي تستمع إلى صوتها القلق:
-أنتِ حقًا لا تتذكريني؟ كيف حدث هذا يا هدى، كيف وصلت حالتكِ إلى هذه المرحلة؟!
لم يكن لديها أي إجابة واقترب سليم منها يضع يده على شعرها ويسحبها إلى حضنه لتقوم بدفعه وعلى الفور ذهبت تجاه ليث بعفوية وانفاسها تتسارع بخوف شديد:
-لا تقترب، لا تدعه يقترب مني لا أعرف صدقني لا..
قاطع سليم حديثها بعدم استيعاب وهو في حالة من الصدمة، حبس دموعه بصعوبة أثناء رؤيته لها:
-ما الذي تقوليه يا هدى؟ أنا والدكِ يا حبيبتي، لا داعي للخوف كل شيء سوف يكون على مايرام.
تحدث ليث وهو يحاول أن يكتسب بعض الوقت:
-أريد أن أرى ما يثبت أنكم عائلتها بالفعل.
اقتربت عايدة وهي تقوم بفتح حقيبة يدها وتقديم الصور وشهادة ميلادها وكل شيء يثبت بوضوح أنها ابنتهم، تحدث مازن في هذا الوقت بصوته الذي لم يخلو من السخرية:
-لقد جعلتهم يحضروا كل شيء الآن هل ستجعلنا نأخذها معنا أم نستعين بالشرطة، لا أظن أن تصل الأمور إلى هذا الحد أليس كذلك؟
نظر ليث تجاهها وهو لا يعطي إهتمام لحديث مازن، تحدث إليها بصوت ملأه الألم:
-بالفعل أنتِ ابنتهم يا ورد..
تحدث مازن وهو يشعر بالكثير من الغضب من تعلق هدى بهذا الرجل:
-ورد! من تكون ورد هذه؟ هل اطلقت عليها هذا الاسم لتلهي عقلها عن تذكر حقيقتها ومن تكون هي؟!
انفعل ليث وهو ينظر له ويحذره بعينيه قبل كلماته:
-أنا أحذرك من التمادي أكثر، وقتها لن أرحمك وسوف تندم أشد الندم.
التوت شفايف الآخر بابتسامة ساخرة وهو يلاحظ معاناة ليث في تركها، اقترب سليم وهو لا يعجبه كل ما يحدث:
-هدى نحن عائلتكِ يا حبيبتي لا يوجد داعي للقلق، حتى إن لم تتذكري شيء لا مشكلة، نحن سوف نبقى بجانبكِ حتى تتذكرين كل شيء على راحتكِ.
ابتلعت هدى ما بحلقها وقد بدأت دموعها في التساقط وهي تنظر إلى ليث بقلق:
-هل أذهب؟
شعر بقلبه يتمزق وهو يراها تسأله بتلك الطريقة وهذا القلق الذي تستغيث به منه، حاول التحدث لتتدخل والدتها قائلة:
-حبيبتي لا أريدكي أن تشعري بكل هذا القلق، كل شيء سوف يكون على مايرام ونحن معكِ، دعينا نذهب من هنا وسوف نتحدث في كل شيء.
تحدث ليث وهو يحاول أن يتشبث بلحظاته الأخيرة معها:
-سوف أوصلكم بسيارتي.
تحدث مازن من جديد ببغض له:
-لا حاجة لنا بسيارتك، لقد اتينا بسيارتي وسوف نعود بها.
تحدث ليث غير مهتم به وهو ينظر إلى سليم:
-منذ أول مرة عندما استفاقت من اعمائها وهي معي، لقد اعتادت عليّ وأظن توصيلها إلى المنزل لن يتسبب في أي مشكلة.
نظر سليم إلى هدى وبالفعل رأها تنظر إلى ليث وهي تشعر بالكثير من الحزن، هي لا تريد أن تأتي معهم وهذا واضح عليها! هو يعلم أنها لا تعرفهم وربما تعلقها بهذا الرجل لأنها عرفته في هذه الفترة التي اختفت بها، وافق سليم على اصطحابهم وتبعهم مازن بسيارته وهو يتمنى أن تبقى هدى فاقدة للذاكرة وإلا سوف يقع في ورطة وقتها، هو ندم على كل شيء وكل مايريده أن يتم خطبته منها ومن ثم عقد القران وزواجهم.
كان ليث يتابع هدى من وقت لآخر في مرآه السيارة الأمامية ليجد عينيها مثبتة عليه، تارة يبتسم لها ليشعرها بالأمان وتارة يمنع نفسه عن التأثر وهو لا يعلم ما تلك المشاعر التي تقوده إلى ضمها أمام والديها؟! وصل إلى منزلهم وشعر بالراحة أنه استطاع معرفة الطريق إلى منزلهم، هبطوا جميعًا ونظرت هدى له بقلق:
-أنت سوف ترحل الآن؟
ابتلع ما بحلقه بثبات وهو يومئ لها، اقتربت وقد تساقطت دموعها دون ارادة منها ومن ثم قامت بضمه:
-أنا لا أعلم لماذا يحدث هذا ولا أتذكر أي شيء وأشعر بالكثير من القلق، لكن أعلم أنك تمتلك أجمل شخصية وأنك أفضل رجل يمكنني أن أقابله في حياتي كلها.
شعر ليث بالكثير من الاحراج بالأخص وهو يرى انزعاج والدها الشديد وهو يسحبها:
-حبيبتي هذا لا يصح، حتى إذا كان شخص جيد لا يمنع أنه غريب عنكِ.
تبادلت معه الانظار ومن ثم ابتلعت ما بحلقها بقلق بينما هو ابتسم لعلها تطمئن:
-أبقي بخير واعتني بنفسكِ.
اقترب مازن وهو يبتسم في وجهه محاولًا كظم غيظه الشديد:
-شكرًا لك يا سيد ليث، لقد اعتنيت بخطيبتي ولا أعلم ما الذي كان سيحدث لو لم تكن موجود.
بغضه ليث كثيرًا ليومئ له في هدوء وهو غير مرحب به، تحدث سليم وهو يشعر بالاحراج:
-يمكنك أن تأتي وتشرب معنا بعض القهوة إن كان لديك وقت.
علم ليث أنهم يريدوا الصعود وقد شعر بالاحراج وهو يقول له:
-هل هذا ممكن؟
تعجبت عايدة من تمسكه بهم ولكنها تعلم أن ابنتها السبب، لقد كانت تلاحظ نظراتهم إلى بعضهم البعض وشعرت بعدم الرضا وهي ترى ما يحدث يؤثر على مازن كثيرًا ويجعله يوشك على الانفجار.
------
وصل موسى أمام الكوخ ليستمع إلى صوت مارجريت تصرخ بانفعال:
-لقد انتهينا، لم يعد لديك الحق لتتحكم بي دعني وشأني وتوقف عن اللحاق بي والاقتراب من هذا الكوخ.
سمع صوت فهد يتحدث صارخًا هو الآخر:
-تعلمين أنني أحبكي تعلمين أن كل ما أريد هو الحصول عليكِ، لقد كان هذا حلمي وأنتِ التي تمردتي على هذا.
تدخل موسى على الفور وهو يشتعل غضبًا من تجرأ فهد وهو يعلم أن مارجريت زوجته، أمسك عنقه وهو يضغط عليه بغضب شديد:
-أنت كيف تتجرأ وتأتي إلى هنا؟! هذه الفتاة التي تتجرأ وتتحدث معها هي زوجتي هل تفهم؟!
ابتسم فهد ساخرًا وهو يمسك يد موسى ويحاول أن يبعدها عن عنقه:
-زوجتك؟ أنت حت لم تفكر الاقتراب من هذا الكوخ، لا تظن أنني غبي لقد فعلت هذا من أجل أن تجعلها تبتعد عني والدليل على حديثي أنك أردت المغادرة بعدها كالأحمق.
قام موسى بلكمه بقوة ودفعه للخارج وقد صرخ به بغضب يكاد أن يجعل الأشجار تهتز:
-لا يوجد لك شأن بكل هذا، أنا لا أسمح لك بالتمادي عليّ أو على زوجتي بحد سواء، في المرة القادمة أنا سوف أقوم بقتلك.
أغلق باب الكوخ وحاول أن يقوم بتنظيم أنفاسه وهو يشعر بالكثير من الغضب، اقتربت مارجريت منه بقلق:
-موسى..
التفت لها ليسألها بعفوية:
-هل أنتِ بخير؟
حركت رأسها بنفي والدموع بعينيها لتقترب وتقوم بضمه من بعدها، لا تعلم ما الذي حدث لها ولكنها لم تكن ضعيفة أبدًا في غيابه بل كانت ترد على فهد بشراستها المعهودة عليها، تحدث موسى وهو يربت على شعرها ظنًا منه أنها تبكي خوفًا من فهد:
-توقفي عن البكاء، هذا الحقير لن يستطيع التسبب لكِ في أي أذى طالما أنا هنا، لا تقلقي.
حركت رأسها بنفي ومازالت تضمه قائلًا:
-أنا لست خائفة من فهد يا موسى، أنا زوجتك ولا يمكنني أن أخاف من شخص مثله وأنا أنتمي إليك، لقد شعرت بالضيق لشديد من حالتك، أنت هنا تدافع عني من جديد ولكنك هنا دون إرادة منك، أنا حقًا أشعر بالحزن ولا أكذب مثلما قولت لي.
أغمض موسى عينيه بضيق شديد وهو يسحق أسنانه:
-من الأفضل أن تتوقفي عن الحديث في هذا الأمر، أنا في الأصل لا ينقصني هذا، توقفي عن البكاء فورًا يا مارجريت.
ابتعدت عنه قليلًا لتتمكن من النظر داخل عينيه وقد رأى الصدق يلمع في عينيها وهي تخبره:
-لم أكن أريد لكل هذا أن يحدث صدقني، كل ما في الأمر أنك شخص رائع، لم أصدق أنني انجرفت خلف مشاعري لتكون النتيجة كارثية بالنسبة لك.
انتبه لها وهو يتأمل عينيها البنية قائلًا بتعجب شديد:
-هذا يعني أنكِ تحبيني؟!
نظرت مارجريت له وشعرت بالكثير من التخبط، عينيه دائمًا تجعلها تعجز عن الحديث، حاولت أن تجد الكلمات المناسبة، لكنه قاطه شرودها من جديد قائلًا:
-ما الأمر يا مارجريت هل الحديث صعب للغاية؟
ابتلعت ما بحلقها وهي تبعد عينيها عنه في محاولة منها للحديث دون التشتت به:
-ليس صعب أنا..
قاطعها وهو يمسك بذقنها ليقوم برفع وجهها له:
-انظري لي وأنتِ تتحدثين دعيني أرى عينيكِ الجميلة.
تعجبت من هذا وتعجبت أكثر من رؤيته يبتسم بتلك الطريقة ولم يمر الكثير من الوقت حتى صدمها برد فعله.