الفصل السابع عشر وجدها
قام موسى بطرق باب الكوخ الخاص بمارجريت ليسمع صوتها الهادئ الذي اعتاد عليه:
-تفضل بالدخول.
دخل وهو يحترق غضبًا أما هي فلم تلتفت وهي تقوم بوضع الزهور بجوار الغرفة، لم تلتفت إليه وهي كانت على ثقة أنه سوف يأتي إليها فور ذهابهم، قام بسحبها بقوة لتسقط الزهور الحمراء من يدها، أما هو رمقها بغضب شديد:
-لماذا فعلتِ هذا بي؟ لقد دمرتِ حياتي بأكملها، لماذا فعلتِ كل هذا يا مارجريت؟
ابتلعت ما بحلقها وهي تلاحظ بروز عروق رقبته وهو يرمقها بغضب، تحدثت بصوت مرتجف:
-أنا لم أفعل شيء، حتى أنني اوشكت على الزواج بفهد وتمزيق هذا العقد الذي بيننا ولكنك أنت من أتيت وفعلت كل هذا.
ضحك ساخرًا ليزداد قلقها وهي ترى الغضب مازال يظهر عليه وينعكس بوضوح على جسده المتشنج:
-أنا! نعم وما الذي سوف تقوليه أنتِ لتظهري نفسكِ كفتاة بريئة لا دخل لها بأي شيء، اللعنة عليكِ يا مارجريت، في حياتي كلها لم أجد فتاة خبيثة مثلكِ أنتِ، لم تفكري في اخباري أن بزواجي من أي فتاة هنا سوف أُسجن إلى الأبد.
نظرت له وقد حجبت عنها الرؤية غمامة من الدموع:
-أنت احببت هذا العالم يا موسى، لم تكن نافر منه كما أنت الآن.
قبض على زراعها بشكل أقوى وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-لا تجعليني أفقد عقلي وتوقفي عن التعامل كفتاة غبية، أنا لا أريد أن أقوم بصفعكِ رغم أنكِ تستحقين هذا.
تساقطت دموعها وهي تراه ينظر لها ببغض شديد، دفعها وهو يخلل شعره بأصابعه، قبض عليه كما لو كان على وشك اقتلاعه، اقتربت منه وهي تضع يدها أمامه:
-أرجوك أهدء يا موسى، لقد تراجعت عن زواجي بك عندما فكرت مع نفسي وكنت على وشك تقطيع العقد قبل أن يعرف به أحد ويصبح رسمي ولكن أنت أتيت أمام الجميع وتحدثت، صدقني رغم ارادتِ بالزواج منك يا موسى كنت غير راضية عن معاناتك.
صرخ بها من جديد وهو يقترب لتبتعد هي بخطوات قلقة:
-ببساطة لأنني لا أعرف شيء عن كل هذا، ظننت أنني أساعدكي، ظننت أنكِ تستحقين المساعدة، لكن في النهاية أنتِ لا تستحقين أي شيء جيد، من جديد تثبتين لي أنني شخص غبي لوثوقي بكِ.
نظرت له بدموع تتسابق على وجنتيها:
-يكفي يا موسى، كل شيء حدث كان بدون ارادتي، ماذا كنت تريدني أن أفعل وأنا أرى حياتي تتدمر أمام عينيّ كالباقي هنا؟ مع ذلك أنا تراجعت في اللحظات الأخيرة وأنت أتيت من بعدها يا موسى، لا تلومني أنا لم أعد أحتمل.
رمقها بتقزز كبير وهو يحرك رأسه ببغض لها:
-أنا حقًا أشعر بالاشمأزاز منكِ لا أعلم كيف تعاطفت معكِ.
تركها وخرج من بعدها، لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله، سوف يذهب إلى الرجل الأربعيني ليقول له قواعد هذا العالم لعله يجد ثغرة تنجيه من كل هذا.
-----
انتهى ليث من تناول طعامه مع هدى، كان يبتسم وهو يراها تتابع هذا الفيلم بأعين منتبهة وتعابير وجهها تتغير مع تعابير وجوه الممثلين، تجلس بجواره ولا تشعر بوجوده حتى أنها لم تلاحظ انتبهه لها وتسليط نظره عليها:
-يبدو أن الفيلم مشوف كثيرًا يا ورد!
لم يجد منها أي رد وأوشك على الضحك ولكنه تركها مندمجة كما هي وذهب إلى المطبخ حتى يحضر لها عصير أو بعض التسالي، شعر بخيبة الأمل عندما لم يعثر على شيء وقد انتهى الفيلم، انتبهت أنه على وشك الخروج، شعرت بالتعجب وهي تقف:
-ما هذا، متى ذهبت وقومت بتغيير ملابسك؟!
ابتسم لها وهو يهندم شعره المرفوع لأعلى:
-لقد ذهبت وقومت بتبديل ملابسي وعلى وشك الخروج من أجل شراء بعض الأشياء.
ظهر الضيق والقلق على وجهها وهو تعجب من هذا، اقترب منها وهو يتساءل بحيرة:
-ما الذي ازعجكِ لا أفهم؟ هل تفكرين في شيء يعكر من صفو مزاجكِ؟!
حركت هدى رأسها بنفي وهي تنظر إلى وجهه:
-لا يوجد شيء، أنا فقط متعجبة أنت سوف تذهب في هذا الوقت وتتركني بمفردي، لا أعلم ولكنني أشعر بالقلق في هذا الوقت المتأخر.
ابتسم وهو يحرك رأسه بنفي:
-لا يوجد داعي لأي قلق، يمكنكي أن تأتي معي وسوف يكون كل شيء بخير وقتها أنا سوف أشتري بعض الأشياء ونأتي.
اومأت له وهي تشعر بالكثير من الراحة:
-يبدو هذا الأمر جيد يا ليث.
يعجبه نطقها باسمه، ربما يجذبه براءتها لا يعلم، لكنه يعلم أنه سوف يستمتع بصحبتها معه، على كل حال هي سوف تجلس معه لمزيد من الوقت وسوف يرى ما سيحدث.
انتشله صوتها من شروده الذي لا يعلم كم من الوقت دام:
- ما الأمر هل هناك شيء يزعجك؟ لا تريدني أن أذهب معك؟
يلاحظ أن لديها الكثير من الشكوك تجاهه، لا يعلم لماذا هو دونًا عن الجميه، صمت وهو يوبخ نفسه أنه لم يرى تعاملها مع أحد غيره وحتى صديقه لم تتمكن من التحدث معه وعلى الفور تهرب من أمامه:
-بالطبع أريد مجيئك معي يا ورد،على كل حال أنا لا أحب البقاء بمفردي رغم مصادفة الظروف لهذا بشكل شبه دائم.
-----
كان سليم في حالة يرثى لها عندما وصل إلى منزله بمفرده دون ابنه وقد صُعق عندما علم بغياب هدى عن المنزل منذ أيام، كان المنزل منطفئ بحزنهم ودموع عايدة التي لم تتوقف وهي تلقي بنفسها بين يديه لتبدأ نوبة من الانهيار:
-لقد فقدت ابنتي يا سليم، أنا فقدت هدى لا أعلم أين هي لم تذهب للجامعة ولم نعثر على أي شيء يخصها، أنا أشعر أنني على وشك الموت، لم ننم منذ أيام وقلبي يتمزق، أرجوك ساعدني.
كانت تستنجد به رغم علمها بعجزه عن مساعدتها، هو الذي عجز عن انقاذ ابنه من هذا العالم الذي ذهب إليه بكلمل ارادته ولم يستمع إلى أحد، شعر أن الموت أهون من هذا العذاب ولم يكن منه سوى الصمت.
تحدث حازم بألم وقد تحول الأبيض في عينيه إلى اللون الأحمر وكأن عينيه على وشك الانفجار من كثرة بُكائه:
-لقد استعنى برجال الشرطة، مازال البحث عنها مستمر يا أبي، لقد جعلني الضابط أطمئن قليلًا عندما قال أنه سوف يجدها.
ابتعد سليم قليلًا عن عايد وهو يقوم بمسح دموعها وهو يحرك رأسه بنفي:
-لن نفقدها يا عايدة، هدى سوف تعود، أنا لن أستريح قبل أن أعثر عليها، أنا سوف أقلب هذا العالم رأس على عقب، لن يستريح بالي قبل أن أجدها وسوف أبدأالآن بالبحث عنها، سوف أتتبع كاميرات المراقبة في جميع الشوارع لو اضطررت لفعلها.
تحدثت حبيبة من بين دموعها:
-أنت من الممكن أن تفقد وعيك يا أبي لقد أتيت من سفر للتو وأين موسى أنا لم أراه؟!
انتبهت عايدة له وقد لاحظت غياب ابنها، صمت سليم جعل قلبهم يرتجف ولكنه تدارك ما يحدث ليخبرهم:
-موسى قرر أنه لن ينهي رحلته الآن هو لم يأتي اليوم وسوف يأتي في يوم آخر لو كان يعلم ما يحدث هنا لم يكن لينتظر.
كان قلبه يناجي ربه أن يكون كل شيء على مايرام، لم يكن يريد أكثر من هذا وهو يشعر بالكثير من العجز أمام عائلته وهو يكذب عليهم حتى لا تسوء حالتهم، يكفي أنهم مروا بأيام صعبة بدون وجوده ودعمه لهم.
مرت الأيام وكانت الأصعب على الإطلاق، عائلة سليم تنهار يومًا بعد يوم ولا يستطيع أحد المساعدة، أما عن موسى فبدأ العمل كرجل من رجال هذه الجزيرة وعندما يجد نفسه متفرغًا يذهب إلى هذا الرجل الأربعيني الذي يدعى صقر وقد منع نفسه عن لقاء مارجريت ولو صدفة.
يتناول الطعام بمفرده، ينام في الكوخ الخاص بالغرباء والذي كان يمكث به مع عائلته دون أن يذهب لها ويشاركها الكوخ الخاص بها، تركته وهي تعلم أنه مازال في حالة من عدم الاستيعاب وهو يرى حياته قد تبدلت بين اليوم والليلة.
أما عن هدى لا تعلم كيف وقعت في حب ليث بهذه السرعة، بدأت حالتها في الهدوء، تنتظر عودته من العمل لتبقى بجواره باقي اليوم، أما عنه فلقد اعتاد وجودها وشعر بأنه بات يدمنه:
-ماذا تفعلين يا ورد في الصباح الباكر؟
بهت وجهها وهي لاحظ زيه الرسمي:
-مستحيل أن تذهب! قولت أن يوم الجمعة إجازتك! بقد استيقظت باكرًا حتى أعد لك الطعام الجيد قبل أن تذهب للصلاة!
اقترب منها وهو يجيبها بأسف:
-لن أتأخر إنه موعد غاية في الأهمية ومع الأسف يجب أن أذهب.
ابتلعت ما بحلقها وقد ظهر الحزن على وجهها ليزفر بضيق شديد:
-يا إلهي ماذا أفعل معكِ؟ حسنًا يا ورد لن أذهب إلى أي مكان.
نظرت لها بعدم استيعاب ووجدته يخرج هاتفه ليتحدث إلى شخص ما قائلًا:
-أعتذر عن المجيء لدي شيء غاية في الأهمية لا أستطيع تركه ويمكننا اللقاء يوم الأحد أتمنى أن لا تنزعج وتقدر موقفي.
اعتذر للرجل على الطرف الآخر بطريقة مهذبة وما إن انتهى من حديثه معه حتى نظر لها ليجدها تبتسم بسعادة كبيرة وهي على وشك الضحك:
-أنا حقًا لا أصدق أنك بقيت من أجلي يا ليث، سوف نقضي الكثير من الوقت الممتع و..
قاطعهم طرقات على الباب لتختفي ضحكاتها وينزعج هو:
-سوف أذهب لأرى من بالخارج.
اتجه إلى الباب وهي تشاهد ما يحدث، ما إن فتح الباب حتى رأى أمامه شاب طويل القامة يظهر على وجهه الإرهاق وتحدث بتحفز:
-أنت ليث عرفات أليس كذلك؟
أومئ ليث له وأتت أعين مازن في هذا الوقت على هدى التي تشاهد كل شيء من بعيد بملامح مرتبكة، اندفع للداخل:
-هدى هذه أنتِ حقًا حمدًا لله أنكِ بخير.
كاد ليث أن يمنعه من التقدم ولكنه علم أنه يعرفها، تساءل هل اسمها هدى حقًا؟ تحدث مازن والدموع بعينيه:
-لقد شعرنا بالرعب من غيابكِ يا حبيبتي وفرغت الكثير من الكاميرات بمساعدة أصدقائي حتى وجدت هذه السيارة وأتيت بمعلومات عن مالكها ولحسن الحظ وجدتكِ هنا.
كانت تشعر بارتجاف قلبها ولاحظت وضعه ليده على خصرها أما الأخرى على وجنتها وهو يقترب منها لتدفعه وتركض لتختبأ بليث بانفعال عفوي:
-لا لا أنا لا أريد هذا، لا يقترب لا تدعه.
ابتلع ليث ما بحلقه وهو يشعر بالعالم يدور به كلما فكر أنها سوف تغادره:
-من تكون أنت؟ ماذا تقرب لها؟!
تعجب من اقتراب هدى من ليث بتلك الطريقة:
-هدى ما الذي يحدث لكِ أنتِ؟!
نظر ليث له بغضب قائلًا:
-هي لديها فقدان في الذاكرة وما تفعله يؤثر عليها، من تكون أنت وأين باقي عائلتها؟!
تفاجأ مازن من هذا ولكن يبدو منطقي على كل حال وفاجأه حديث ليث:
-لن أستطيع تركها لك، أذهب وأحضر عائلتها.
انفعل مازن وقد جعله فقدانها لذاكرتها يتجرأ أكثر:
-أنا خطيبها كنا على وشك الخطبة قبل أن تغيب، ابتعدي عنه يا هدى لماذا تتمسكين به بتلك الطريقة وأين حجابكِ يا فتاة؟!
وضعت يدها على شعرها بعفوية وما إن اقترب مازن حتى اندفعت إلى ليث لتدفن نفسها به فينفعل ليث وهو يضمها بعفوية:
-لا يوجد أي دليل على حديثك هذا، أذهب وأحضر عائلتها ووقتها يمكننا متابعة الحديث.
ابتلع مازن ما بحلقه وهو يسحق أسنانه بغضب ومن ثم رحل، نظرت هدى إلى ليث بخوف شديد:
-قلبي يرتجف لا أريد الذهاب معه، لا أعرفه أقسم لك لا أتذكره.
حاوط وجهها قائلًا برجاء:
-لن يحدث شيء أنا هنا وهو رحل، ربما يكون صادق ويأتي بعائلتكِ يا ورد.
ابتلعت ما بحلقها والكثير من المشاعر تنتابعها وتفشل في السيطرة عليها:
-لا أعلم ماذا سوف يحدث لي إن فعل هذا، هل تظن أنني سوف أتذكرهم؟!
نظر لها وهو يشعر بالكثير من التشتت، ابتلع ما بحلقه وهو يعانق وجهها بيديه ويتساءل هل ستتركه حقًا ليعود وحيد من جديد؟ أخذ نفس عميق واخرجه ببطء وهو يتحدث في محاولة منه لجعلها تخرج من هذه الحالة:
-دعينا نتجاهل ما حدث ونتناول طعامنا في هدوء، سوف يعودوا إن كانوا عائلتكِ وعليهم أن يثبتوا هذا لي، لا تقلقي لن أترككي.
ابتسمت له وهي تومئ براحة وبالفعل جلسوا ليتناولوا الطعام معًا.
-------
اقتربت مارجريت حيث عمل موسى وهي تراه مشغول في جمع التفاح داخل صناديق، لم يكن يرتدي سوى بنطال عمله الأسود، نادته بصوت قلق:
-موسى هل يمكنك ان تأتي قليلًا؟
نظر موسى تجاهها وشعر بالكثير من الضيق، لا يعلم ماذا يقول وما الذي عليه فعله وهي تناديه امام باقي الرجال على الجزيرة، اقترب منها وهو ينفض يده من مياه الشلال:
-ما الأمر ما الذي تريديه يا ترى؟!
-تفضل بالدخول.
دخل وهو يحترق غضبًا أما هي فلم تلتفت وهي تقوم بوضع الزهور بجوار الغرفة، لم تلتفت إليه وهي كانت على ثقة أنه سوف يأتي إليها فور ذهابهم، قام بسحبها بقوة لتسقط الزهور الحمراء من يدها، أما هو رمقها بغضب شديد:
-لماذا فعلتِ هذا بي؟ لقد دمرتِ حياتي بأكملها، لماذا فعلتِ كل هذا يا مارجريت؟
ابتلعت ما بحلقها وهي تلاحظ بروز عروق رقبته وهو يرمقها بغضب، تحدثت بصوت مرتجف:
-أنا لم أفعل شيء، حتى أنني اوشكت على الزواج بفهد وتمزيق هذا العقد الذي بيننا ولكنك أنت من أتيت وفعلت كل هذا.
ضحك ساخرًا ليزداد قلقها وهي ترى الغضب مازال يظهر عليه وينعكس بوضوح على جسده المتشنج:
-أنا! نعم وما الذي سوف تقوليه أنتِ لتظهري نفسكِ كفتاة بريئة لا دخل لها بأي شيء، اللعنة عليكِ يا مارجريت، في حياتي كلها لم أجد فتاة خبيثة مثلكِ أنتِ، لم تفكري في اخباري أن بزواجي من أي فتاة هنا سوف أُسجن إلى الأبد.
نظرت له وقد حجبت عنها الرؤية غمامة من الدموع:
-أنت احببت هذا العالم يا موسى، لم تكن نافر منه كما أنت الآن.
قبض على زراعها بشكل أقوى وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:
-لا تجعليني أفقد عقلي وتوقفي عن التعامل كفتاة غبية، أنا لا أريد أن أقوم بصفعكِ رغم أنكِ تستحقين هذا.
تساقطت دموعها وهي تراه ينظر لها ببغض شديد، دفعها وهو يخلل شعره بأصابعه، قبض عليه كما لو كان على وشك اقتلاعه، اقتربت منه وهي تضع يدها أمامه:
-أرجوك أهدء يا موسى، لقد تراجعت عن زواجي بك عندما فكرت مع نفسي وكنت على وشك تقطيع العقد قبل أن يعرف به أحد ويصبح رسمي ولكن أنت أتيت أمام الجميع وتحدثت، صدقني رغم ارادتِ بالزواج منك يا موسى كنت غير راضية عن معاناتك.
صرخ بها من جديد وهو يقترب لتبتعد هي بخطوات قلقة:
-ببساطة لأنني لا أعرف شيء عن كل هذا، ظننت أنني أساعدكي، ظننت أنكِ تستحقين المساعدة، لكن في النهاية أنتِ لا تستحقين أي شيء جيد، من جديد تثبتين لي أنني شخص غبي لوثوقي بكِ.
نظرت له بدموع تتسابق على وجنتيها:
-يكفي يا موسى، كل شيء حدث كان بدون ارادتي، ماذا كنت تريدني أن أفعل وأنا أرى حياتي تتدمر أمام عينيّ كالباقي هنا؟ مع ذلك أنا تراجعت في اللحظات الأخيرة وأنت أتيت من بعدها يا موسى، لا تلومني أنا لم أعد أحتمل.
رمقها بتقزز كبير وهو يحرك رأسه ببغض لها:
-أنا حقًا أشعر بالاشمأزاز منكِ لا أعلم كيف تعاطفت معكِ.
تركها وخرج من بعدها، لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله، سوف يذهب إلى الرجل الأربعيني ليقول له قواعد هذا العالم لعله يجد ثغرة تنجيه من كل هذا.
-----
انتهى ليث من تناول طعامه مع هدى، كان يبتسم وهو يراها تتابع هذا الفيلم بأعين منتبهة وتعابير وجهها تتغير مع تعابير وجوه الممثلين، تجلس بجواره ولا تشعر بوجوده حتى أنها لم تلاحظ انتبهه لها وتسليط نظره عليها:
-يبدو أن الفيلم مشوف كثيرًا يا ورد!
لم يجد منها أي رد وأوشك على الضحك ولكنه تركها مندمجة كما هي وذهب إلى المطبخ حتى يحضر لها عصير أو بعض التسالي، شعر بخيبة الأمل عندما لم يعثر على شيء وقد انتهى الفيلم، انتبهت أنه على وشك الخروج، شعرت بالتعجب وهي تقف:
-ما هذا، متى ذهبت وقومت بتغيير ملابسك؟!
ابتسم لها وهو يهندم شعره المرفوع لأعلى:
-لقد ذهبت وقومت بتبديل ملابسي وعلى وشك الخروج من أجل شراء بعض الأشياء.
ظهر الضيق والقلق على وجهها وهو تعجب من هذا، اقترب منها وهو يتساءل بحيرة:
-ما الذي ازعجكِ لا أفهم؟ هل تفكرين في شيء يعكر من صفو مزاجكِ؟!
حركت هدى رأسها بنفي وهي تنظر إلى وجهه:
-لا يوجد شيء، أنا فقط متعجبة أنت سوف تذهب في هذا الوقت وتتركني بمفردي، لا أعلم ولكنني أشعر بالقلق في هذا الوقت المتأخر.
ابتسم وهو يحرك رأسه بنفي:
-لا يوجد داعي لأي قلق، يمكنكي أن تأتي معي وسوف يكون كل شيء بخير وقتها أنا سوف أشتري بعض الأشياء ونأتي.
اومأت له وهي تشعر بالكثير من الراحة:
-يبدو هذا الأمر جيد يا ليث.
يعجبه نطقها باسمه، ربما يجذبه براءتها لا يعلم، لكنه يعلم أنه سوف يستمتع بصحبتها معه، على كل حال هي سوف تجلس معه لمزيد من الوقت وسوف يرى ما سيحدث.
انتشله صوتها من شروده الذي لا يعلم كم من الوقت دام:
- ما الأمر هل هناك شيء يزعجك؟ لا تريدني أن أذهب معك؟
يلاحظ أن لديها الكثير من الشكوك تجاهه، لا يعلم لماذا هو دونًا عن الجميه، صمت وهو يوبخ نفسه أنه لم يرى تعاملها مع أحد غيره وحتى صديقه لم تتمكن من التحدث معه وعلى الفور تهرب من أمامه:
-بالطبع أريد مجيئك معي يا ورد،على كل حال أنا لا أحب البقاء بمفردي رغم مصادفة الظروف لهذا بشكل شبه دائم.
-----
كان سليم في حالة يرثى لها عندما وصل إلى منزله بمفرده دون ابنه وقد صُعق عندما علم بغياب هدى عن المنزل منذ أيام، كان المنزل منطفئ بحزنهم ودموع عايدة التي لم تتوقف وهي تلقي بنفسها بين يديه لتبدأ نوبة من الانهيار:
-لقد فقدت ابنتي يا سليم، أنا فقدت هدى لا أعلم أين هي لم تذهب للجامعة ولم نعثر على أي شيء يخصها، أنا أشعر أنني على وشك الموت، لم ننم منذ أيام وقلبي يتمزق، أرجوك ساعدني.
كانت تستنجد به رغم علمها بعجزه عن مساعدتها، هو الذي عجز عن انقاذ ابنه من هذا العالم الذي ذهب إليه بكلمل ارادته ولم يستمع إلى أحد، شعر أن الموت أهون من هذا العذاب ولم يكن منه سوى الصمت.
تحدث حازم بألم وقد تحول الأبيض في عينيه إلى اللون الأحمر وكأن عينيه على وشك الانفجار من كثرة بُكائه:
-لقد استعنى برجال الشرطة، مازال البحث عنها مستمر يا أبي، لقد جعلني الضابط أطمئن قليلًا عندما قال أنه سوف يجدها.
ابتعد سليم قليلًا عن عايد وهو يقوم بمسح دموعها وهو يحرك رأسه بنفي:
-لن نفقدها يا عايدة، هدى سوف تعود، أنا لن أستريح قبل أن أعثر عليها، أنا سوف أقلب هذا العالم رأس على عقب، لن يستريح بالي قبل أن أجدها وسوف أبدأالآن بالبحث عنها، سوف أتتبع كاميرات المراقبة في جميع الشوارع لو اضطررت لفعلها.
تحدثت حبيبة من بين دموعها:
-أنت من الممكن أن تفقد وعيك يا أبي لقد أتيت من سفر للتو وأين موسى أنا لم أراه؟!
انتبهت عايدة له وقد لاحظت غياب ابنها، صمت سليم جعل قلبهم يرتجف ولكنه تدارك ما يحدث ليخبرهم:
-موسى قرر أنه لن ينهي رحلته الآن هو لم يأتي اليوم وسوف يأتي في يوم آخر لو كان يعلم ما يحدث هنا لم يكن لينتظر.
كان قلبه يناجي ربه أن يكون كل شيء على مايرام، لم يكن يريد أكثر من هذا وهو يشعر بالكثير من العجز أمام عائلته وهو يكذب عليهم حتى لا تسوء حالتهم، يكفي أنهم مروا بأيام صعبة بدون وجوده ودعمه لهم.
مرت الأيام وكانت الأصعب على الإطلاق، عائلة سليم تنهار يومًا بعد يوم ولا يستطيع أحد المساعدة، أما عن موسى فبدأ العمل كرجل من رجال هذه الجزيرة وعندما يجد نفسه متفرغًا يذهب إلى هذا الرجل الأربعيني الذي يدعى صقر وقد منع نفسه عن لقاء مارجريت ولو صدفة.
يتناول الطعام بمفرده، ينام في الكوخ الخاص بالغرباء والذي كان يمكث به مع عائلته دون أن يذهب لها ويشاركها الكوخ الخاص بها، تركته وهي تعلم أنه مازال في حالة من عدم الاستيعاب وهو يرى حياته قد تبدلت بين اليوم والليلة.
أما عن هدى لا تعلم كيف وقعت في حب ليث بهذه السرعة، بدأت حالتها في الهدوء، تنتظر عودته من العمل لتبقى بجواره باقي اليوم، أما عنه فلقد اعتاد وجودها وشعر بأنه بات يدمنه:
-ماذا تفعلين يا ورد في الصباح الباكر؟
بهت وجهها وهي لاحظ زيه الرسمي:
-مستحيل أن تذهب! قولت أن يوم الجمعة إجازتك! بقد استيقظت باكرًا حتى أعد لك الطعام الجيد قبل أن تذهب للصلاة!
اقترب منها وهو يجيبها بأسف:
-لن أتأخر إنه موعد غاية في الأهمية ومع الأسف يجب أن أذهب.
ابتلعت ما بحلقها وقد ظهر الحزن على وجهها ليزفر بضيق شديد:
-يا إلهي ماذا أفعل معكِ؟ حسنًا يا ورد لن أذهب إلى أي مكان.
نظرت لها بعدم استيعاب ووجدته يخرج هاتفه ليتحدث إلى شخص ما قائلًا:
-أعتذر عن المجيء لدي شيء غاية في الأهمية لا أستطيع تركه ويمكننا اللقاء يوم الأحد أتمنى أن لا تنزعج وتقدر موقفي.
اعتذر للرجل على الطرف الآخر بطريقة مهذبة وما إن انتهى من حديثه معه حتى نظر لها ليجدها تبتسم بسعادة كبيرة وهي على وشك الضحك:
-أنا حقًا لا أصدق أنك بقيت من أجلي يا ليث، سوف نقضي الكثير من الوقت الممتع و..
قاطعهم طرقات على الباب لتختفي ضحكاتها وينزعج هو:
-سوف أذهب لأرى من بالخارج.
اتجه إلى الباب وهي تشاهد ما يحدث، ما إن فتح الباب حتى رأى أمامه شاب طويل القامة يظهر على وجهه الإرهاق وتحدث بتحفز:
-أنت ليث عرفات أليس كذلك؟
أومئ ليث له وأتت أعين مازن في هذا الوقت على هدى التي تشاهد كل شيء من بعيد بملامح مرتبكة، اندفع للداخل:
-هدى هذه أنتِ حقًا حمدًا لله أنكِ بخير.
كاد ليث أن يمنعه من التقدم ولكنه علم أنه يعرفها، تساءل هل اسمها هدى حقًا؟ تحدث مازن والدموع بعينيه:
-لقد شعرنا بالرعب من غيابكِ يا حبيبتي وفرغت الكثير من الكاميرات بمساعدة أصدقائي حتى وجدت هذه السيارة وأتيت بمعلومات عن مالكها ولحسن الحظ وجدتكِ هنا.
كانت تشعر بارتجاف قلبها ولاحظت وضعه ليده على خصرها أما الأخرى على وجنتها وهو يقترب منها لتدفعه وتركض لتختبأ بليث بانفعال عفوي:
-لا لا أنا لا أريد هذا، لا يقترب لا تدعه.
ابتلع ليث ما بحلقه وهو يشعر بالعالم يدور به كلما فكر أنها سوف تغادره:
-من تكون أنت؟ ماذا تقرب لها؟!
تعجب من اقتراب هدى من ليث بتلك الطريقة:
-هدى ما الذي يحدث لكِ أنتِ؟!
نظر ليث له بغضب قائلًا:
-هي لديها فقدان في الذاكرة وما تفعله يؤثر عليها، من تكون أنت وأين باقي عائلتها؟!
تفاجأ مازن من هذا ولكن يبدو منطقي على كل حال وفاجأه حديث ليث:
-لن أستطيع تركها لك، أذهب وأحضر عائلتها.
انفعل مازن وقد جعله فقدانها لذاكرتها يتجرأ أكثر:
-أنا خطيبها كنا على وشك الخطبة قبل أن تغيب، ابتعدي عنه يا هدى لماذا تتمسكين به بتلك الطريقة وأين حجابكِ يا فتاة؟!
وضعت يدها على شعرها بعفوية وما إن اقترب مازن حتى اندفعت إلى ليث لتدفن نفسها به فينفعل ليث وهو يضمها بعفوية:
-لا يوجد أي دليل على حديثك هذا، أذهب وأحضر عائلتها ووقتها يمكننا متابعة الحديث.
ابتلع مازن ما بحلقه وهو يسحق أسنانه بغضب ومن ثم رحل، نظرت هدى إلى ليث بخوف شديد:
-قلبي يرتجف لا أريد الذهاب معه، لا أعرفه أقسم لك لا أتذكره.
حاوط وجهها قائلًا برجاء:
-لن يحدث شيء أنا هنا وهو رحل، ربما يكون صادق ويأتي بعائلتكِ يا ورد.
ابتلعت ما بحلقها والكثير من المشاعر تنتابعها وتفشل في السيطرة عليها:
-لا أعلم ماذا سوف يحدث لي إن فعل هذا، هل تظن أنني سوف أتذكرهم؟!
نظر لها وهو يشعر بالكثير من التشتت، ابتلع ما بحلقه وهو يعانق وجهها بيديه ويتساءل هل ستتركه حقًا ليعود وحيد من جديد؟ أخذ نفس عميق واخرجه ببطء وهو يتحدث في محاولة منه لجعلها تخرج من هذه الحالة:
-دعينا نتجاهل ما حدث ونتناول طعامنا في هدوء، سوف يعودوا إن كانوا عائلتكِ وعليهم أن يثبتوا هذا لي، لا تقلقي لن أترككي.
ابتسمت له وهي تومئ براحة وبالفعل جلسوا ليتناولوا الطعام معًا.
-------
اقتربت مارجريت حيث عمل موسى وهي تراه مشغول في جمع التفاح داخل صناديق، لم يكن يرتدي سوى بنطال عمله الأسود، نادته بصوت قلق:
-موسى هل يمكنك ان تأتي قليلًا؟
نظر موسى تجاهها وشعر بالكثير من الضيق، لا يعلم ماذا يقول وما الذي عليه فعله وهي تناديه امام باقي الرجال على الجزيرة، اقترب منها وهو ينفض يده من مياه الشلال:
-ما الأمر ما الذي تريديه يا ترى؟!