الحادي والعشرون
(21) الفصل الحادي والعشرون
هل أنتِ صديقتي أم عدوي؟
بعد مرور بعضه أيام.
كان الوضع مستقر بالمدينة، أختفوا رجال الكهف الملعون عن الرؤية بالطرقات، حالة روديان بين هذا وهذا، وسيلينا لم يظهر لها أثر، والأمير فالكا كل ليلة يسهر ويلذذ بشرب دماء الخادمات، أم عن جلاور فهو مُستلقي بجانب نيرفيتا على السرير.
فتح جلاور عينه طاردًا تلك الأفكاره التي تشغل ذهنه قال وهو باسمًا لِيُشتت الذي يقلقه:
"نيرفيتا أنا سعيد للغاية لأنني سأصبح أبا عما قريب ومن الفتاة التي أعشقها بجنون"
قالت له وهي تتحرك من جانبه لتذهب لغرفتها:
"وأنا أيضًا عزيزي سعيدة للغاية، لكن يجب أن أذهب الآن وأرى روديان فعاد منذ وقت ولا يُصدر صوتًا"
ألتفتَ لها بفرح ثم أدرك أنه غاضب منها بعد ذكر اسم روديان، فعقد حاجبيه وهو يرفع أصبعه الصغير في وجهها علامه الخصام الأبدي ويقول:
"تعرفين بأني كنت غاضب منك لأنك أعطيتي روديان القليل من مشاعرك"
اقسمت له نيرفيتا وهي تُقلب شفتيها السفلية:
"صدقًا فأنا بغيابك تَشتت قلبي قليلًا، أعترف لكَ بأنني كنت حمقاء لأن مشاعري مالت مع الوقت لروديان، لكنني محظوظة لأنك تُحبني كل هذا الحب، لكن جلاور أخشي من هجوم روديان مرة أخرى"
لم يرد عليها رغم اقتناعه التام بكلامها وهو لا يرضى أبدا بأن تتأذى نيرفيتا من جانب روديان، لكنه ظل عاقد حاجبيه في غضب عنيد حتى سمع صوت نهنهتها.
فالتفت إليها ونظر لها للحظات ثم اتجه وأغلق الباب وأخرج ورقة من جيب سترته ومزقها وقال باسمًا:
" كل شيء سيكون بخير لكن لا تتركيني مرة أخرى، او تحبين أحدًا غيري"
شعرت نيرفيتا بفرح شديد وكان قلبها يطير من الفرحة، اتجهت ناحيته ومالت عليه لتقبله في خده فقبلها هو الآخر وهو يقول:
"كم أشتقت إليك عزيزتي"
سرحت نيرفيتا بلقائها مع البرت عندما أعطته حبه من الدواء وهي تقول:
"البرت أريدك بأن تفحص هذا الدواء جيدًا، لأني أتساءل عن هدوء جلاور ومساعدته لروديان الغير متوقعة"
أجابها البرت وهو يأخذها منها:
"جيد بأنك أخبرتني قبل أن يتمكن منه الدواء"
..
بين الحين والأخرى كانت تُرسل سيلينا لهم، بعض الرسالة إلى أن انقطعت وأرسلت الآن لهم رسالة تحمل في مضمونها.
« عزيزتي روفال لا أحد يُخبر رويان بأنه قد سُحر، لأنه بهذا السحر والقوة سيتغلب على أصحاب الكهف، وأيضًا بخصوصي أخبراه بأنني قُتلت ولا يعرف بأني من عالم حقيقي أبدًا"
تركت روفال المذكرات بحزن وأمسكت يد باب غرفتها لتخرج، أوقفها صوت البرت عندما نادى عليها قائلًا:
"روفال لا أريد أحد يعرف بأن سيلينا من العالم الحقيقي حت.. "
قاطعته بلهفة وهي ترجع بخطواتها إليه:
" عن أي شيء توصيني، فسيلينا صديقتي الوحيدة هنا، وأنا برغم اشتياقي لها لكني سعيدة بأنها بأمان وعادت تعيش وسط عائلتها مرة أخرى وكم اتمنى لها عيش حياة هادئة عن هنا "
نظر لها نظرة طويلة تتجول فيها جميع المعاني، بُحرية تامة أظهر البرت أعجابة بها، وفضحته عيناه وقالت ما لا يظهره لها فأردف:
"تدرين فكل شيء فيكي مميز وهذا ما يزيد جمالك، لكن بدأ يُزعجني بأنك دائما تفعلين عكس ما تقولي بعينيكِ"
ابتسمت بحياء ثم أشارت لباب الغرفة وغيرت حديثها قائلة:
"أنها مغامرة لذيذة بأن أرى شخص يختفي من أمامي، فخوض التجربة برفقتك جعلها أجمل"
ذهب البرت إليها وعانقها وهو يستريح بحضنها، ويسترجع بعض ذكرياته القليلة معهًا عندما كانت بالقرب منه، بلحظة شعر بأن هناك مذاق جميل لكل شيء متعلق بها، نظرت له بتمعن وهي مبتسمة وقالت:
"ما بكَ اليوم يا البرت، هل أحببتني فجأة؟"
رفع حاجبه في ثقه وقال:
" لم اقل هذا الكلام، لكنني شعرت بأنك فتاة جميلة حقًا لمساعدتك لنا، وعانقتك كشكر على موقفك الإنساني مع سيلينا ليس أكثر من ذلك"
هزت روفال كتفها بهدوء وقالت وهي ناظرة لعينيه مباشرة:
"ألم تلاحظ هذا إلا الآن فأنا جميلة منذ البداية"
ضحك البرت من قلبه ونظرت روفال للسماء فتعمق البرت بالنظر عليها وقال بسخرية بعدما رأته يتطلع عليها:
"فأنتِ لستِ جميلة من الأساس، وأنا كنت أمدحك فقط، أنا ذاهب لأرى روديان وأعرف ماذا حدث له؟ وكيف سنتصرف بشأن أصحاب الكهف الملعون؟"
أمسكت روفال يد البرات واوقفته هي تقول بخوف:
" البرت لا تقترب من روديان كثيرًا، وأنتبه لنفسك جيدًا وأنت معه، فهو الآن لا يدري ما يفعله"
أخذ البرت نفس عميقه وقبل جبهتها قائلا:
" روفال من الجيد بأني تذكرت الآن يتحتم علي الذهاب لجلب نتيجة فحص الدواء الذي يأخذه روديان، لأنني أتوقع شيء خاطئ بالموضوع"
دفعت روفال كلامها مرة وأحدة:
"هل للآن تَشك بجلاور"
ضحك وقال وهو يخرج من الغرفة:
"وما الذي تغير به فهدفه الملك وإلى حين يحدث ذلك سيحاول قتل روديان"
"هل سمعت عن عودة الساحرة يفسكا إلى أرض ميرامالا؟ فسمعت ذلك منذ قليل من الجنود، أنا لا أعرفها لكن هناك أقاويل كثيرة عنها"
شرد البرت قليلًا ثم رد عليها وهو يمسك رأسه:
" ماذا تقولين هل عادت حقًا يفسكا؟ كم أتمنى بأن الذي أُفكر به لم يكن قد حدث، وداعًا الآن روفال أراكِ فيما بعد "
كان روديان يقف في منتصف غرفته وينظر للمرآة ولا يسمع إلا صوت نبضات قلبه العالية، صرخ بصوت مرتفع وهو يدفع بالكأس الذي بيده على الحائط.
آلمه قلبه وهو يتذكر هجومه عليها ومُعانتها وهي تحت شفتيه، كلما أغمض عينيه كلما رأى نظراتها ومص دمها ومن ناحيه أخرى رؤية ملامحها الحزينة كانت تؤثر عليه فقال بغضب:
"كيف لي بأن لا أخرجك من رأسي؟ فأنتِ تقتليني بالبطيء"
شعر روديان بالدوار، فتذكر سيلينا وهي تعانقه دفع كل شيء أمامه إلى أسفل، طرق البرت باب غرفته فأخرجه من تفكيره رد روديان عليه بصوت خشن:
"من الذي بالخارج"
فتح البرت الباب وهو يدخل بحذر:
"جلالة الملك هذا أنا خادمك البرت أتتذكرني!"
صمت روديان وسند يده على النافذة، أكمل البرت:
"جئت إليك لكِ أطمئن عليك فجميعًا قلقون منذ أيام"
عرف البرت بأنه ما زال غاضب بسبب صمته وعدم رده عليه، فأردف لكي يستفزه:
" هل عثرت على سيلينا بالخارج؟ فكنت جاد بقرار بحثك عنها ومضى أيام على هذا الحديث"
لبس سترته على جسده وهو يقول بشرود:
"لم أجدها بأي مكان، أخبرني ماذا تُعني لي سيلينا أشعر بأنها كانت قريبة مني؟ "
أطمئن البرت بأن روديان يداوم على أخذ العلاج، فأراد التأكد:
"بالبداية هل تأخذ علاجك بمعاده؟"
رد روديان وهو يائس:
"أجل أُداوم عليه فمنذ أن أعطاه لي الطبيب وأنا أخذه لكني أنسى قليلًا بعض الأشياء"
رد البرت وهي يضحك:
"تعرف بأنك كنت تُحبها كثيرًا وهي أيضًا تُبادلك نفس المشاعر"
لمعت عينيه وفتح فمه وهو متحمس، ثم قال بنبرة حزينة:
"اذا لمَ هجمت عليها بهذا الشكل وأذيتها"
ضم البرت على شفتيه وأجاب وهو يبدل علبة الدواء من على الطاولة:
"لأن السيف الذي طعنتك به سيلينا لكي تعود لوعيك مسحور باللعنة والخراب، ويؤسفني قول بأنها نيرفيتا من فعلت ذلك بكَ، لتجعل المدينة بأكملها تكرهني، وتعيش مع جلاور وابنه بالقصر من بعدك"
أخبر البرت الملك بأن جلاور هرب من الكهف بعدما أغلق عليه، وجاء للقصر وعرف بأن نيرفيتا حامل بابنه هو، ما تفاجأ الملك ويبدو كأنه طبيعي للغاية وما به شيء.
فعندما ظهرت نتيجة التحاليل وجدنا بأن الحبوب به مادة قاتلة، تظهر مُضاعفاتها بعد أخذ عشر حبيات منها، وللمرة الثانية تحمي نيرفيتا حياة روديان لأنه أحبتك بصدق.
"أتعتقد بأن هناك طريقة لاسترجاع سيلينا وحب أهل ميرامالا؟ "
رمى روديان هذه الكلمات وهو يتناول الدواء الخاص به.
تنهدت البرت بضجر وهو يقول:
"روديان للأسفل أنت أرعبتهم كثيرًا، ومن ناحية أخرى ظهور رجال الكهف وأكلهم للشعب جعلهم يفكرون بأنك أنت من تفعل هذا بهم"
بلع الحبة وأنزل الكأس وعبث بوجهه قائلًا:
"الآن يُمكنني قول بأنني قد خسرت يا البرت"
أشار البرت بيده ولمس كتف نيرفيتا وابتسم لها وهو يقول:
"جلالة الملك لا تنس أخذ الدواء كل ثماني ساعات كما أمر الطبيب، سيساعدك على عودتك بشكل طبيعي، وعندنا تنس أخذه سيعود السحر بالأنتشار وحينها ستصبح وحش قاتل"
...
لحقت نيرفيتا بالبرت وسالته:
"هل الدواء به شيء خاطئ؟"
هز برأسه وهو يخرج العلبة التي أخذها من غرفته:
"أجل فهذه به مادة مميته من الجيد بأنا أكتشفنا قبل أخذه لعشر حبات، لا تقلقي فبدلتها بالدواء الصحيح"
وضعت نيرفيتا يدها فوق قلبها وأردفت:
"أرحتني فكم كنت قلقه عليه"
تعالى صوت ضحكات البرت وهو يقول:
"نرفيتا فأنا أعلم أنك أنتِ من بدلتي السيف الذي به المادة المسحوره، لكني لن أسالك لما فعلت ذلك يكفيني بأن تكوني بأنني على علم بنواياك الحقيقية اتجاه روديان.
رمى البرت العلبة بصندوق الزبالة وافترقوا الأثنين كل واحد منهم بطريق.
خرج فالكا من الخلف ومد يده وأخذ علبه الدواء ووضعها بداخل جيبه، وهو يقول:
"سهلت عليا الكثير يا جلاور"
دخل فالكا غرفه والدته وأردف وهو يمد العلبة:
"أنظري يا أمي فأنا وجدت لكِ ش.."
ما أكمل كلماته وجد الذي يقف أمامه جلاور وليس والدته فقال له:
" جلاور هل هذا أنت؟ لما انت هنا بغرفة والدتي "
أردف جلاور وهو يخطف العلبة من بين يده:
" فالكا أخي العزيز، مرحبا بك فقد تقابلنا أسرع مما بيكون"
أخرج جلاور السيف من خصره وبدأ باللعب به بالهواء، أخرج فالكا أيضًا السيف وهو يقول:
"كم تمنيت بأن تعيش ولا تموت، فعندما ذهبت للكهف في آخر مرة عملت جاهدًا على إخراجك من هناك، لولا أغلاق الباب نفسه من مُلاكه لسبب لا أعرفه"
تقهقها جلاور وقال وهو يُصفق بيده:
"هل تراني طفل صغير أمامك وتضحك عليه بهذه الكلمات"
رد عليه فالكا وهو يتلاشى ضربات السيف:
" لست طفلًا أمامي وأنا أعرف بأنني اخطأت وسمعت كلام والدتي لكن.. "
انفعل عليه جلاور ودفع عليه كأس كان أمامه بالغرفة وهو يردف:
" فأنا لن أصدق هذه التفاهات ولست مجبر على سماعك يا أخي، فصحيح أنت لست أخي الشقيق"
توقف فالكا عن الحركة وقال بنبرة صوت مرتعشة:
" هل أنت أيضًا تعلم بأنني ابن شومار"
كتف جلاور يده أمام صدره وهو ممسك السيف ويقول:
" في الحقيقة ما كنت أعرف إلا منذ بضعة أيام فقط"
أومأ فالكا برأسه وهو يجيب:
" بالتأكيد أخبرتك نيرفيتا بذلك أرى بأن علاقتكم جميلة"
أعطى جلاور ظهره لها استغل فالكا الفرصة وغرز السيف بنصف قلبه وهو يقول بصراخ:
" هيا مت يا جلاور فأنك سبب كل مُعاناتي، أتظن بأنني كنت أُخبرك الحقيقة، صحيح أنا ذهبت أمام الكهف لكني لأتأكد من موتك يا جلاور.
نزع فالكا السيف من قلب جلاور بكل قوة، لدرجة بأن قلبه سقط أمامه، دخلت نيرفيتا وروديان الغرفة وهم في حالة ذهول مما يرونه.
ركضت نيرفيتا وجلست بجانب جلاور وهي تبكي وتصرخ باسمه:
" لماذا فعلت هذا يا فالكا؟ فمها كان هو أخلك"
قال روديان بانفعال:
" أيها الحراس أحضروا للغرفة بالحال، روفال تعالي لهنا"
حضروا الحراس ووقفوا أمام الغرفة بحزن، دخل جارد وهو يقول:
"أمرك سيدي ، سأطلب الطبيب بالحال؟"
تحرك رويان وجلس بجانب جلاور وأردف:
"خد فالكا إلى السرداب الذي بأسفل القصر ليتعاقب على الفصل فعلته"
صرخ فالكا بأعلى صوته وهو يتذكر الحلم ويقول:
"أين أمي أريد رؤيتها؟ لا لم يحدث هذا أتركوني، روديان أؤمرهم بأن يتركوني"
سقطت من جيبه علبة الدواء، لمحتها نيرفيتا خبأتها بين ثيابها دون أن يُلاحظ روديان، حزن روديان على موت جلاور وقال بنبرة حزينة:
"جلاور أنا حزين لفقدانك يا أخي، مهما حدث بيننا فأنا أُحبك"
عانقت نيرفيتا روديان بذراعيها وهي تقول:
"ماذا سنفعل يا روديان؟ هل هناك طريقة لإنقاذه؟ رجاءً أفعل ما بيدك لكي يعيش، فأنت معك شريحته أطلب الطبيب بالحال وأحضره له قلب سليم ليعيش"
جاء الحارس يركض وهو يقول بتوتر:
"جلالة الأمير أصحاب الكهف في طريقهم لأقتحام القصر، فقد عبروا البوابات وقتلوا حارسيها منذ وقت"
تحرك الملك وهو ينظر على جلاور ونيرفيتا قائلًا:
"يجب أن أذهب لمواجهتهم لكسر حاجز خوف الحراس، ابقى بجانبه إلى حين يأتي الطبيب وينقذه"
وجد روديان البرت يقف أمامه فضرب على كتفه ورحل وهو يقول:
"أحمي هذا الجانب وأنا سأذهب لهناك"
دافع روديان والبرت والحراس بكل طاقة لديهم في مواجهتهم وعدم تمكنهم من اقتحام القصر.
لاأُنكر بأن أصحاب الكهف بأرعين كثيرًا بالمبارزة ولا يتعبون، ضرب روديان جرما بالسيف في كتفه فأصابه وكاد ينهي حياته لولًا فراره قائلًا:
"سأقتلك يا روديان"
لحق به روديان وهو يُلقي بالسهام عليه:
"من يدري يا جرما فمن الممكن بأن نهايتك ستكتب على يدي"
جاء صديقه جريفار وحمله وركضًا لبعيد مع انسحاب باقي رجالهم، نظر البرت على روديان فلأحظ سهم مُتطاير يقترب من رأسه أزاحه قائلًا:
"جلالة الملك أجلس بأرضك فهناك سهام بالهواء"
كان فالكا يُلقي بالسهام على روديان ولا يتوقف، إلى حين أن أصابه بساقه، تحول البرت لذئب بشري وركضت ناحية السهام ليعرف بأن فالكا هو الذي يحاول قتلهم فقال له:
"فالكا عزيزي أعطني هذه السهام من يدك"
أجابه وهو يصرخ:
"لا أريد سأقتلكم جميعًا"
وجه فالكا آخر سهم معه نأحية قلب البرت وهو ينوي قتله، ترك أصبعته فتفاداها البرت وهجم عليه وأصابه وكاد يقتله قائلًا:
"أيها الأحمق الصغير كم كنت اتمنى موتك وروديان يمنعني، والآن لا أحد معانا"
يتبع.
هل أنتِ صديقتي أم عدوي؟
بعد مرور بعضه أيام.
كان الوضع مستقر بالمدينة، أختفوا رجال الكهف الملعون عن الرؤية بالطرقات، حالة روديان بين هذا وهذا، وسيلينا لم يظهر لها أثر، والأمير فالكا كل ليلة يسهر ويلذذ بشرب دماء الخادمات، أم عن جلاور فهو مُستلقي بجانب نيرفيتا على السرير.
فتح جلاور عينه طاردًا تلك الأفكاره التي تشغل ذهنه قال وهو باسمًا لِيُشتت الذي يقلقه:
"نيرفيتا أنا سعيد للغاية لأنني سأصبح أبا عما قريب ومن الفتاة التي أعشقها بجنون"
قالت له وهي تتحرك من جانبه لتذهب لغرفتها:
"وأنا أيضًا عزيزي سعيدة للغاية، لكن يجب أن أذهب الآن وأرى روديان فعاد منذ وقت ولا يُصدر صوتًا"
ألتفتَ لها بفرح ثم أدرك أنه غاضب منها بعد ذكر اسم روديان، فعقد حاجبيه وهو يرفع أصبعه الصغير في وجهها علامه الخصام الأبدي ويقول:
"تعرفين بأني كنت غاضب منك لأنك أعطيتي روديان القليل من مشاعرك"
اقسمت له نيرفيتا وهي تُقلب شفتيها السفلية:
"صدقًا فأنا بغيابك تَشتت قلبي قليلًا، أعترف لكَ بأنني كنت حمقاء لأن مشاعري مالت مع الوقت لروديان، لكنني محظوظة لأنك تُحبني كل هذا الحب، لكن جلاور أخشي من هجوم روديان مرة أخرى"
لم يرد عليها رغم اقتناعه التام بكلامها وهو لا يرضى أبدا بأن تتأذى نيرفيتا من جانب روديان، لكنه ظل عاقد حاجبيه في غضب عنيد حتى سمع صوت نهنهتها.
فالتفت إليها ونظر لها للحظات ثم اتجه وأغلق الباب وأخرج ورقة من جيب سترته ومزقها وقال باسمًا:
" كل شيء سيكون بخير لكن لا تتركيني مرة أخرى، او تحبين أحدًا غيري"
شعرت نيرفيتا بفرح شديد وكان قلبها يطير من الفرحة، اتجهت ناحيته ومالت عليه لتقبله في خده فقبلها هو الآخر وهو يقول:
"كم أشتقت إليك عزيزتي"
سرحت نيرفيتا بلقائها مع البرت عندما أعطته حبه من الدواء وهي تقول:
"البرت أريدك بأن تفحص هذا الدواء جيدًا، لأني أتساءل عن هدوء جلاور ومساعدته لروديان الغير متوقعة"
أجابها البرت وهو يأخذها منها:
"جيد بأنك أخبرتني قبل أن يتمكن منه الدواء"
..
بين الحين والأخرى كانت تُرسل سيلينا لهم، بعض الرسالة إلى أن انقطعت وأرسلت الآن لهم رسالة تحمل في مضمونها.
« عزيزتي روفال لا أحد يُخبر رويان بأنه قد سُحر، لأنه بهذا السحر والقوة سيتغلب على أصحاب الكهف، وأيضًا بخصوصي أخبراه بأنني قُتلت ولا يعرف بأني من عالم حقيقي أبدًا"
تركت روفال المذكرات بحزن وأمسكت يد باب غرفتها لتخرج، أوقفها صوت البرت عندما نادى عليها قائلًا:
"روفال لا أريد أحد يعرف بأن سيلينا من العالم الحقيقي حت.. "
قاطعته بلهفة وهي ترجع بخطواتها إليه:
" عن أي شيء توصيني، فسيلينا صديقتي الوحيدة هنا، وأنا برغم اشتياقي لها لكني سعيدة بأنها بأمان وعادت تعيش وسط عائلتها مرة أخرى وكم اتمنى لها عيش حياة هادئة عن هنا "
نظر لها نظرة طويلة تتجول فيها جميع المعاني، بُحرية تامة أظهر البرت أعجابة بها، وفضحته عيناه وقالت ما لا يظهره لها فأردف:
"تدرين فكل شيء فيكي مميز وهذا ما يزيد جمالك، لكن بدأ يُزعجني بأنك دائما تفعلين عكس ما تقولي بعينيكِ"
ابتسمت بحياء ثم أشارت لباب الغرفة وغيرت حديثها قائلة:
"أنها مغامرة لذيذة بأن أرى شخص يختفي من أمامي، فخوض التجربة برفقتك جعلها أجمل"
ذهب البرت إليها وعانقها وهو يستريح بحضنها، ويسترجع بعض ذكرياته القليلة معهًا عندما كانت بالقرب منه، بلحظة شعر بأن هناك مذاق جميل لكل شيء متعلق بها، نظرت له بتمعن وهي مبتسمة وقالت:
"ما بكَ اليوم يا البرت، هل أحببتني فجأة؟"
رفع حاجبه في ثقه وقال:
" لم اقل هذا الكلام، لكنني شعرت بأنك فتاة جميلة حقًا لمساعدتك لنا، وعانقتك كشكر على موقفك الإنساني مع سيلينا ليس أكثر من ذلك"
هزت روفال كتفها بهدوء وقالت وهي ناظرة لعينيه مباشرة:
"ألم تلاحظ هذا إلا الآن فأنا جميلة منذ البداية"
ضحك البرت من قلبه ونظرت روفال للسماء فتعمق البرت بالنظر عليها وقال بسخرية بعدما رأته يتطلع عليها:
"فأنتِ لستِ جميلة من الأساس، وأنا كنت أمدحك فقط، أنا ذاهب لأرى روديان وأعرف ماذا حدث له؟ وكيف سنتصرف بشأن أصحاب الكهف الملعون؟"
أمسكت روفال يد البرات واوقفته هي تقول بخوف:
" البرت لا تقترب من روديان كثيرًا، وأنتبه لنفسك جيدًا وأنت معه، فهو الآن لا يدري ما يفعله"
أخذ البرت نفس عميقه وقبل جبهتها قائلا:
" روفال من الجيد بأني تذكرت الآن يتحتم علي الذهاب لجلب نتيجة فحص الدواء الذي يأخذه روديان، لأنني أتوقع شيء خاطئ بالموضوع"
دفعت روفال كلامها مرة وأحدة:
"هل للآن تَشك بجلاور"
ضحك وقال وهو يخرج من الغرفة:
"وما الذي تغير به فهدفه الملك وإلى حين يحدث ذلك سيحاول قتل روديان"
"هل سمعت عن عودة الساحرة يفسكا إلى أرض ميرامالا؟ فسمعت ذلك منذ قليل من الجنود، أنا لا أعرفها لكن هناك أقاويل كثيرة عنها"
شرد البرت قليلًا ثم رد عليها وهو يمسك رأسه:
" ماذا تقولين هل عادت حقًا يفسكا؟ كم أتمنى بأن الذي أُفكر به لم يكن قد حدث، وداعًا الآن روفال أراكِ فيما بعد "
كان روديان يقف في منتصف غرفته وينظر للمرآة ولا يسمع إلا صوت نبضات قلبه العالية، صرخ بصوت مرتفع وهو يدفع بالكأس الذي بيده على الحائط.
آلمه قلبه وهو يتذكر هجومه عليها ومُعانتها وهي تحت شفتيه، كلما أغمض عينيه كلما رأى نظراتها ومص دمها ومن ناحيه أخرى رؤية ملامحها الحزينة كانت تؤثر عليه فقال بغضب:
"كيف لي بأن لا أخرجك من رأسي؟ فأنتِ تقتليني بالبطيء"
شعر روديان بالدوار، فتذكر سيلينا وهي تعانقه دفع كل شيء أمامه إلى أسفل، طرق البرت باب غرفته فأخرجه من تفكيره رد روديان عليه بصوت خشن:
"من الذي بالخارج"
فتح البرت الباب وهو يدخل بحذر:
"جلالة الملك هذا أنا خادمك البرت أتتذكرني!"
صمت روديان وسند يده على النافذة، أكمل البرت:
"جئت إليك لكِ أطمئن عليك فجميعًا قلقون منذ أيام"
عرف البرت بأنه ما زال غاضب بسبب صمته وعدم رده عليه، فأردف لكي يستفزه:
" هل عثرت على سيلينا بالخارج؟ فكنت جاد بقرار بحثك عنها ومضى أيام على هذا الحديث"
لبس سترته على جسده وهو يقول بشرود:
"لم أجدها بأي مكان، أخبرني ماذا تُعني لي سيلينا أشعر بأنها كانت قريبة مني؟ "
أطمئن البرت بأن روديان يداوم على أخذ العلاج، فأراد التأكد:
"بالبداية هل تأخذ علاجك بمعاده؟"
رد روديان وهو يائس:
"أجل أُداوم عليه فمنذ أن أعطاه لي الطبيب وأنا أخذه لكني أنسى قليلًا بعض الأشياء"
رد البرت وهي يضحك:
"تعرف بأنك كنت تُحبها كثيرًا وهي أيضًا تُبادلك نفس المشاعر"
لمعت عينيه وفتح فمه وهو متحمس، ثم قال بنبرة حزينة:
"اذا لمَ هجمت عليها بهذا الشكل وأذيتها"
ضم البرت على شفتيه وأجاب وهو يبدل علبة الدواء من على الطاولة:
"لأن السيف الذي طعنتك به سيلينا لكي تعود لوعيك مسحور باللعنة والخراب، ويؤسفني قول بأنها نيرفيتا من فعلت ذلك بكَ، لتجعل المدينة بأكملها تكرهني، وتعيش مع جلاور وابنه بالقصر من بعدك"
أخبر البرت الملك بأن جلاور هرب من الكهف بعدما أغلق عليه، وجاء للقصر وعرف بأن نيرفيتا حامل بابنه هو، ما تفاجأ الملك ويبدو كأنه طبيعي للغاية وما به شيء.
فعندما ظهرت نتيجة التحاليل وجدنا بأن الحبوب به مادة قاتلة، تظهر مُضاعفاتها بعد أخذ عشر حبيات منها، وللمرة الثانية تحمي نيرفيتا حياة روديان لأنه أحبتك بصدق.
"أتعتقد بأن هناك طريقة لاسترجاع سيلينا وحب أهل ميرامالا؟ "
رمى روديان هذه الكلمات وهو يتناول الدواء الخاص به.
تنهدت البرت بضجر وهو يقول:
"روديان للأسفل أنت أرعبتهم كثيرًا، ومن ناحية أخرى ظهور رجال الكهف وأكلهم للشعب جعلهم يفكرون بأنك أنت من تفعل هذا بهم"
بلع الحبة وأنزل الكأس وعبث بوجهه قائلًا:
"الآن يُمكنني قول بأنني قد خسرت يا البرت"
أشار البرت بيده ولمس كتف نيرفيتا وابتسم لها وهو يقول:
"جلالة الملك لا تنس أخذ الدواء كل ثماني ساعات كما أمر الطبيب، سيساعدك على عودتك بشكل طبيعي، وعندنا تنس أخذه سيعود السحر بالأنتشار وحينها ستصبح وحش قاتل"
...
لحقت نيرفيتا بالبرت وسالته:
"هل الدواء به شيء خاطئ؟"
هز برأسه وهو يخرج العلبة التي أخذها من غرفته:
"أجل فهذه به مادة مميته من الجيد بأنا أكتشفنا قبل أخذه لعشر حبات، لا تقلقي فبدلتها بالدواء الصحيح"
وضعت نيرفيتا يدها فوق قلبها وأردفت:
"أرحتني فكم كنت قلقه عليه"
تعالى صوت ضحكات البرت وهو يقول:
"نرفيتا فأنا أعلم أنك أنتِ من بدلتي السيف الذي به المادة المسحوره، لكني لن أسالك لما فعلت ذلك يكفيني بأن تكوني بأنني على علم بنواياك الحقيقية اتجاه روديان.
رمى البرت العلبة بصندوق الزبالة وافترقوا الأثنين كل واحد منهم بطريق.
خرج فالكا من الخلف ومد يده وأخذ علبه الدواء ووضعها بداخل جيبه، وهو يقول:
"سهلت عليا الكثير يا جلاور"
دخل فالكا غرفه والدته وأردف وهو يمد العلبة:
"أنظري يا أمي فأنا وجدت لكِ ش.."
ما أكمل كلماته وجد الذي يقف أمامه جلاور وليس والدته فقال له:
" جلاور هل هذا أنت؟ لما انت هنا بغرفة والدتي "
أردف جلاور وهو يخطف العلبة من بين يده:
" فالكا أخي العزيز، مرحبا بك فقد تقابلنا أسرع مما بيكون"
أخرج جلاور السيف من خصره وبدأ باللعب به بالهواء، أخرج فالكا أيضًا السيف وهو يقول:
"كم تمنيت بأن تعيش ولا تموت، فعندما ذهبت للكهف في آخر مرة عملت جاهدًا على إخراجك من هناك، لولا أغلاق الباب نفسه من مُلاكه لسبب لا أعرفه"
تقهقها جلاور وقال وهو يُصفق بيده:
"هل تراني طفل صغير أمامك وتضحك عليه بهذه الكلمات"
رد عليه فالكا وهو يتلاشى ضربات السيف:
" لست طفلًا أمامي وأنا أعرف بأنني اخطأت وسمعت كلام والدتي لكن.. "
انفعل عليه جلاور ودفع عليه كأس كان أمامه بالغرفة وهو يردف:
" فأنا لن أصدق هذه التفاهات ولست مجبر على سماعك يا أخي، فصحيح أنت لست أخي الشقيق"
توقف فالكا عن الحركة وقال بنبرة صوت مرتعشة:
" هل أنت أيضًا تعلم بأنني ابن شومار"
كتف جلاور يده أمام صدره وهو ممسك السيف ويقول:
" في الحقيقة ما كنت أعرف إلا منذ بضعة أيام فقط"
أومأ فالكا برأسه وهو يجيب:
" بالتأكيد أخبرتك نيرفيتا بذلك أرى بأن علاقتكم جميلة"
أعطى جلاور ظهره لها استغل فالكا الفرصة وغرز السيف بنصف قلبه وهو يقول بصراخ:
" هيا مت يا جلاور فأنك سبب كل مُعاناتي، أتظن بأنني كنت أُخبرك الحقيقة، صحيح أنا ذهبت أمام الكهف لكني لأتأكد من موتك يا جلاور.
نزع فالكا السيف من قلب جلاور بكل قوة، لدرجة بأن قلبه سقط أمامه، دخلت نيرفيتا وروديان الغرفة وهم في حالة ذهول مما يرونه.
ركضت نيرفيتا وجلست بجانب جلاور وهي تبكي وتصرخ باسمه:
" لماذا فعلت هذا يا فالكا؟ فمها كان هو أخلك"
قال روديان بانفعال:
" أيها الحراس أحضروا للغرفة بالحال، روفال تعالي لهنا"
حضروا الحراس ووقفوا أمام الغرفة بحزن، دخل جارد وهو يقول:
"أمرك سيدي ، سأطلب الطبيب بالحال؟"
تحرك رويان وجلس بجانب جلاور وأردف:
"خد فالكا إلى السرداب الذي بأسفل القصر ليتعاقب على الفصل فعلته"
صرخ فالكا بأعلى صوته وهو يتذكر الحلم ويقول:
"أين أمي أريد رؤيتها؟ لا لم يحدث هذا أتركوني، روديان أؤمرهم بأن يتركوني"
سقطت من جيبه علبة الدواء، لمحتها نيرفيتا خبأتها بين ثيابها دون أن يُلاحظ روديان، حزن روديان على موت جلاور وقال بنبرة حزينة:
"جلاور أنا حزين لفقدانك يا أخي، مهما حدث بيننا فأنا أُحبك"
عانقت نيرفيتا روديان بذراعيها وهي تقول:
"ماذا سنفعل يا روديان؟ هل هناك طريقة لإنقاذه؟ رجاءً أفعل ما بيدك لكي يعيش، فأنت معك شريحته أطلب الطبيب بالحال وأحضره له قلب سليم ليعيش"
جاء الحارس يركض وهو يقول بتوتر:
"جلالة الأمير أصحاب الكهف في طريقهم لأقتحام القصر، فقد عبروا البوابات وقتلوا حارسيها منذ وقت"
تحرك الملك وهو ينظر على جلاور ونيرفيتا قائلًا:
"يجب أن أذهب لمواجهتهم لكسر حاجز خوف الحراس، ابقى بجانبه إلى حين يأتي الطبيب وينقذه"
وجد روديان البرت يقف أمامه فضرب على كتفه ورحل وهو يقول:
"أحمي هذا الجانب وأنا سأذهب لهناك"
دافع روديان والبرت والحراس بكل طاقة لديهم في مواجهتهم وعدم تمكنهم من اقتحام القصر.
لاأُنكر بأن أصحاب الكهف بأرعين كثيرًا بالمبارزة ولا يتعبون، ضرب روديان جرما بالسيف في كتفه فأصابه وكاد ينهي حياته لولًا فراره قائلًا:
"سأقتلك يا روديان"
لحق به روديان وهو يُلقي بالسهام عليه:
"من يدري يا جرما فمن الممكن بأن نهايتك ستكتب على يدي"
جاء صديقه جريفار وحمله وركضًا لبعيد مع انسحاب باقي رجالهم، نظر البرت على روديان فلأحظ سهم مُتطاير يقترب من رأسه أزاحه قائلًا:
"جلالة الملك أجلس بأرضك فهناك سهام بالهواء"
كان فالكا يُلقي بالسهام على روديان ولا يتوقف، إلى حين أن أصابه بساقه، تحول البرت لذئب بشري وركضت ناحية السهام ليعرف بأن فالكا هو الذي يحاول قتلهم فقال له:
"فالكا عزيزي أعطني هذه السهام من يدك"
أجابه وهو يصرخ:
"لا أريد سأقتلكم جميعًا"
وجه فالكا آخر سهم معه نأحية قلب البرت وهو ينوي قتله، ترك أصبعته فتفاداها البرت وهجم عليه وأصابه وكاد يقتله قائلًا:
"أيها الأحمق الصغير كم كنت اتمنى موتك وروديان يمنعني، والآن لا أحد معانا"
يتبع.