الفصل التاسع عشر

(19) الفصل التاسع عشر.

الأعترافات الجميلة

بعد مرور ساعات.

"هل أمي بداخل الغرفة بعد؟ "

رم فالكا هذه الكلمات أمام غرفة والدته، أجابه الحارس:

"بكل تأكيد يا أمير فالكا، فكل شيء تحت السيطرة، صحيح حاولت الخروج منذ مدة ونحن أوقفناها ومنعناها من شغلي، دخلت بخوف ومن وقتها لا تخطوا للخارج"

دخل فالكا لغرفة والدته وهو يغلق الباب بغضب، تحرك بكل أرجاء الغرفة وهو يُنادى عليها كالمجنون، وقف أمام باب الحمام بعدما سمع صوت المياه وقال:

"أمي.. أمي ارأيتِ الذي حدث بسبب الجشع الذي يملئكِ وحبك للسلطة، أمي أين أنتِ؟"

لأحظ فالكا عدم سماع أي أصوات، فتح الباب وما وجدها، تمعن جيدًا بالغرفة فلمح بأن النافذة ليست مغلقة، وقف ينظر منها على الأسفل وجد سلالم صغيرة مكنتها من الهرب، خرج فالكا للحارس وقال له:

"أشرح لي أين هي أمي التي تحرسها من الخروج؟

دخل الحارس ونظر وما وجدها أشار له فالكا على النافذة، ذهب ليتفقدها ألقاه فالكا من أعلى ومات بالحال.

وجد جثته مصاص دماء جائع كان يعمل بالحديقة، اقترب منه وشمه بتلذذ ، ثم فتح فمه وبدأ بمصه رويدًا رويدًا وهو سعيد، جاء اصدقائه وشاركاه الوليمة، كل شخص يمص بناحيته ويتلذذون بالدماء وهي تسيل من فمهم.

أغلق فالكا النافذة وهو يضرب يده ببعضها ويُنادي على الخادمة روفال، جاءته وهي تقول:

" أمرك يا جلالة الأمير "

جلس على الأريكة وفتح ذراعيه وهو يقول:

"تعالي لهنا اقتربي أكثر"

اقتربت منه روفال بخوف، عانقها وشم رائحتها فأعجب بها وحرك شفتيه على رقبتها، دخل روديان وأنقذها منه باللحظة الأخيرة عندما طردها قائلًا:

"أذهبي الآن فلدي موضوع أريد الحديث به مع فالكا"

"ركضت روفال وهي تبكي، سأله روديان عن والدته قائلًا:

" أخبرني أين ذهبت كولن فأنا أبحث عنها بالأسفل وما وجدتها؟"

أجابه فالكا وهو يدفعه على صدره ليتراجع للخلف ويمر من جانبه:

"لا أعرف روديان اتركني وشأني"

أغضبه تصرفه فلف يده خلف ظهره وقال وهو يعصر رقبته أسفل ذراعه:

"تعلم بأنه أمر جميل بأن أجدك هنا، فأنا بالأساس أبحث عنك"

وقع قلب فالكا بين يده، تركه روديان وتحرك بالغرفة بخوف:

"لمَ تبحث عني أخي، ماذا فعلت لك؟"

دفعه روديان على الحائط، فتأذت أنفه نادى الملك على الحراس وهو يقول:

"خذوا من هنا واجعلوه بالمكان الذي يستحقه"

جلس فالكا على ركبته وقبل حذائه مردف:

"روديان لا تفعل هذا الشيء قبل أن نجلس ونتناقش بهدوء، أعطني فرصة للدفاع عن نفسي وأخرجهم من هنا إلى أن ننتهي من الحديث"

رمقهم روديان بعينه رمقة واحدة تراجعوا وذهبوا وهم يغلقون الباب خلفهم، قال روديان وهو يخرج رسالة من سترته:

"فالكا البصارة أخبرتني بأنك أنت من فتح علينا جحيم الكهف المغلق، الذي أغلقه ابي منذ سنوات عديدة"
أخذ فالكا وقت لِتشتيت روديان لكي يهرب من النافذة كوالدته، أجابه وهو يتراجع ناحية النافذة:

"أخي هي تكذب عليك، فأنا في القصر منذ أيام لا أخرج ولا أتحرك لأي لمكان".

ركز روديان على حركة فالكا ورأى عينيه على النافذة، سبقه روديان بالحركة وأغلق النافذة قائلًا:

" كفاك كذب يا فالكا، فأنا أعرف الحقيقة كاملة، فأنت من طمع بالحكم وورثي"


تفاجأ فالكا بأنه يعرف فأجاب:

"من أين علمت؟ أقصد لم يحدث ذلك الذي تتحدث عنه، فأنا ما زلت صغير على حكم المدينة"

أجابه روديان بجدية وهو يرسم على كتفه:

أسمعني فالكا جيدًا، أنت من قبل ذهبت للكهف الذي به جلاور، وتشاجرت معه وأغلقت عليه باب الغرفة التي يسجن بها، وقتلت جميع الحرس الذين قد عينتهم بالمكان لِحراسة أخيك، وبعد ذلك ذهبت له دون أن تدخل، وعاودت الذهاب مرة أخرى لهناك ووجدت حينها باب الكهف لا يُفتح معك، لتفتح به الدمار فقد أغلق الكهف للحرب علينا، ها يا فالكا هل تريد سماع المزيد؟ أتذكر بأنك سبق وأتفق مع والدتك هنا بهذه الغرفة على التخلص من جلاور، والتخلص مني وأخذ الحكم لكَ".

جلس فالكا على الأريكة وهي يُفكر بصوت منخفض:

«من تلك العرافة التي أخبرته بكل هذه الأشياء، هل يُعقل بأن تكون سيلينا؟ سمعت من أمي بأنها أخبرت روديان بأنها عرافة منذ أن جاءت»

خرج روديان من الغرفة ودخلوا رجاله وأخذوا فالكا للسرداب الذي ليس له مخرج.

هذا السرداب تدخله الشمس كل يوم بالنهار ومكانه يقع أسفل هذا القصر، فالجميع يعرف أنه عقاب لمصاصي الدماء صرخ فالكا وهو يقول:

"روديان لا تتركني هناك سأحترق أن لسعت الأشعة الفوق البنفسجية جسدي، من فضلك يا روديان"

مد روديان يده وخبط على كتف صديقه رودلف قائلًا:

"أهلًا بعودتك معانا يا رودلف"

ضحك رودلف وأجاب وهو يسخر من دوران فالكا بالغرفة خوفًا من الموت:

"فالكا هل تتذكر اليوم الذي دفعتني به من فوق للقصر؟ تذكر وأيضًا كم من شخص مات بسببك أيها الأحمق الصغير"
ج
لمست الأشعة جسد فالكا تحرك بالغرفة بحثًا على مكان واحد لا تلمسه الشمس، إلى أن تمكنت للشمس منه وأحرقته، تذكر الذي فعله مع والده فتح فمه ورمَ هذه الكلمات ومات بعدها:

"أعتذر منك يا أبي فكم كنت أحمق لأنني سمعت كلام والدتي"

صرخ فالكا وفتح عينيه وهو يحلم بذلك الكابوس، ألتقط كأس من الدماء وشربه رشفة وأحدة، وبعدها نظر للساعة وجدها لم تتخطئ الثالثة فجرًا، أكمل نومه بعدما أغلق باب غرفته وخبأ جسده تحت الفراش.

حاول فالكا النوم ما أستطاع من شدة خوفه، دلف لغرفة والدته ليطمئن وجدها نائمة، عاد لغرفته ونام بسلام.

أخذ البرت سيلينا وحملها على ظهره بقدمه المُصابة لخارج القصر بعد شجاره العنيف مع الملك، لمحها كلا من جريفار وجرما، فحملاها من البرت وقالوا لها بنفس واحد:

"إلى أين ذهبتي مولاتي؟ وماذا حدث لكِ؟ "

أجابهم البرت وهو خائف من فضح أمره:

"انزلقت قدمها وسقطت وتأذت قليلًا، فقط اعتنوا بها إلى اللقاء سأعود لمنزلي"

شدوا البرت وأخذوه إلى منزلهم قصرًا، طلبت سيلينا منهم بأن يترُكاها تتحدث معه بانفراد، سمحوا لهم بدأ البرت بالحديث:

"سيلينا هل تشعرين بالتحسن؟"

يبدو على ملامح سيلينا الانزعاج الشديد، قالت وهي تخرج الرواية من ملابسها:

"كيف علمت بحقيقتي وبأني من عالم حقيقي ليس خيالي مثلكم؟! "

رد البرت وهو يأخذ الرواية من بين يديها:

"عندما قرأت الرواية وجميع مذكراتك، فكان سهل علي فهم الذي تقصدينه، وأنا سبق لي وتعاملت مع أشخاص جاءوا من العالم الحقيقي "

"وأين ذهبوا بعد دخولهم لهنا؟"

بلهفة رمت هذه الكلمات وهي تطلع على عينيه، كان جرح رأسه لا يتوقف عن النزيف، أجابها وهو يسند جسده على النافذة بعدما كتم الدماء بمنديل:

"كانت فتاة مثلك جاءت لمهمة غير مفهومة، تعرفنا على بعضنا وأحببتها كثيرًا، وبيوم اختفت وهي بحضني، عدت الأيام وعلمت منها بأن الملك يُهددها بالقتل أو الذهاب، فقررت الهرب والنجاة بحياتها، ورأيتها وهي تخرج من الرواية أمام عيني"

اتسعت حدقة عينيها وأردفت:

"هل تعرف الطريقة التي خرجت بها؟"

تحرك البرت بقدمه الُمصابة وأمسك الرواية وقلد ما تفعل قائلًا:

" أتذكر عندما بدأت بأحراق أوراق الرواية، حينها خرجت وتركتني"

سقط وهو يتحرك، نزعت شالها وربطته حوله قدمه والآخر حول رقبته وهي تقول:

"هناك سؤال آخر لمَ أخبرت نيرفيتا بأنني من عالم حقيقي، وأيضًا عندما هجم علي روديان بعدما أستيقظ من غيبوبته، لمَ ساعدتني وخلصتني من يده في حين أنك كنت تؤذيني قبلها"

أجابها البرت وهو يُقبل جبهتها:

"لأني أحببتك بصدق، أتعلمين فهي تشبهك كثيرًا ظننت بأنها أنتِ في البداية لكن تصرفاتك مختلفة عنها، وبخصوص غضبي يلزمني التمثيل بالقسوة معك ليجعلوني أحميكِ"

هزت رأسها وبحزن أردفت وهي تَحنُ عليه:

"هل ما زلت تُحبها للآن؟"

دمعت عينيه وتحول لذئب ثم عاد:

"أجل فهي لم تفارق عقلي للحظة، سيلينا أحرقي الرواية وأهربي من ميرامالا واتركينا نتعايش مع بعضنا كما كنا قبل دخولك"

رمى هذه الكلمات وتكأ جسده عليها، ساندته إلى الأريكة مردفه:

"كم يصعب عليك البكاء أنت الآخر، في عالمكم الدموي تعتقدون للأسف بأن التعبير عن المشاعر ضعف، البرت أسمعني أنا مثلك أحببت روديان منذ أن قرأت الرواية لأول مرة، وعندما تواجدت معه أحببته أكثر وشعرت به عندما بادلني نفس المشاعر"

ضحك من كلماتها وقال لها وهو يخرج قلادة من جيبه:

" هذه لكِ ستحميكِ اذا حدث لي شيء، أما روديان فهو أذاكِ كثيرًا ويمكنك استغلال هذه الفرصة لكرهه والنيل منه"

تقهقهت بصوت مرتفع دخلا الرجلين بفضول ينظرون عليهم، أشارت لهم بالخروج وأكملت حديثها لألبرت:

" البرت نحن لا نكره من يُأذينا لأننا كلانا يعرف بأنه غير مدرك للذي يفعله"

شدت عروقه من الغيظ وقال:

" سيلينا في الآخير ستخرجين من هنا وتتركي المدينة، أُخرجي الآن فأنا أقلق من أن يقتلك أحد بعدما أموت، وللأسف اذا حدث لكِ شيء هنا روحك ستموت وجسدك فقط من سيرجع لعالمك وستموتين بكلتا العالمين"

دخل جريفار وهو يتطلع على البرت ويقول بغضب:

"نعتذر منكِ أيتها الجميلة سيلينا لكن زيارته أطالت وسيتعبك بالحديث"

تركها البرت ورحل وهو يحفظ ملامحها خوفًا من ذهابها مثلما نصحها، خرجت سيلينا وهي تقول للرجلين:

" هل تمتلكون جيش كبير للحرب؟ "

أخذوا سيلينا لباب أسفل المبنى الذي هي به، فتح جريفار الباب ونزلت معهم على الدرج، وجدت كمية لا تُعد ولا تُحصى من البشر يقفون وينتظرون أشاره للخروج فقالت بخوف:

"هذا جيش كبير حقًا، لهذا يسمونه باليوم الملعون"

..

فتح جلاور حفرة صغيرة بالحائط بواسطة لوح حديدي صغير مسنن كان بالغرفة قد تركته نيرفيتا له، حمس نفسه وهو يُكمل في فتحها قائلًا:

"هيا جلاور فقد اقتربت من الخروج"

شعرت نيرفيتا بالخوف بعدما غادر الجميع، مدت جسدها على الفراش لأن جسدها يؤلمها، أغمضت عينيها من شدة التعب، جاء روديان من الخارج بشكل مُخيف ضغط على قلبها بقوة كاد ينفجر قائلًا:

"نيرفيتا أين ذهب البرت الوغد؟"

ضربته برأسه وتحركت من الفراش وهي تحمي نفسها منه بعدما اقترب منها ليؤذيها، ابتعدت نيرفيتا كثيرًا عنه وأجابته وهي تأخذ كأس من الدماء لتشربه لكي تقوى:

" البرت ما جاء هنا من الأساس، من الممكن بأنه بغرفته اذهب له هناك لمَ سيأتي لي هنا"

فتح روديان فمه بوجهها ودلف غاضبًا يبحث عنه، خرجت سيلينا وانتظرت روفال بالقرب من منزل والدها، رأتها فقالت لها:

"لما تأخرتِ لهذا الحد، فطلبت من البرت بأن يخبرك بأن تأتي لهنا سريعًا مع شيء مشتعل"

أحضرت روفال معها مُصباح صغير يعمل بالوقود وهي تقول:

بعد ذهابكم من القصر جن جنون الملك وبحث عنكم بنفسه بكل القصر، وعندما هدأ جئت إليكِ خشيه من اللحاق بي فيما بعد، أنظري فالبرت هنا لم يذهب بعد، المسكين يقف خلف هذه الشجرة لكي يحمينا"

أخذت سيلينا منها المصباح، نزعت الزجاج الخارجية التي يُغطي الشعلة، بدأت بحرق الأوراق الأولى من الرواية وهي تقول:

"روفال أهتمي كثيرًا بروديان بعد ذهابي من هنا، والبرت أيضًا فهو رجل صالح ويحتاج حبك"

عانقتها سيلينا واختفت وهي بحضنها بعد انطفأت نيران الرواية بالكامل، أطمأنت روفال بأنها ذهبت ركضت إلى البرت وقالت:

"فقد عادت لعالمها الآن، هيا بنا نعود للمنزل قبلما يمسكنا أحد"

دمعت عينيه البرت وهو يقول بتأثر:

"أعرف بأنه من الجيد بأنها ذهبت لكنني سأشتاق لها كثيرًا"

عانقت روفال البرت وتحركَ بعدما سمعوا صوت خطوات تقترب منهم.

...

جمعت كولن أغراضها وانتهزت فرصة انشغال الجميع بنفسه وبالذي يحدث معه، وغادرت من القصر دون أن يراها أحد.

فور أن رأى روديان البرت هجم عليه وهو يقول:

"أين أخذت مني سيلينا أيها الأحمق فأنا جائع للغاية؟"

نزع البرت الشال من ساقه وأخرج حقنه وغرزها بكتفه الملك وقال بسخرية:

"أخذتها لغرفتها ألن تجدها هناك يا روديان"

جلس البرت على روديان إلى أن سار مفعول الحقنه بجسده، فقدت وعيه لدقائق تركه وهو مطمئن بأنه قد تحسن، استعاد روديان وعيه وتحرك إلى خارج القصر هاربًا.

سار روديان بالطرقات وهو غاضب ليبحث عن سيلينا بكل بمدينة ميرامالا، كلما قابل فتاة تُشبها مص دماءها وانهى حياتها.

الزعر أمتلئ بالطرقات والجميع أصبحن يركضن ويدخلن لمنازلهم محاشاة لمقابلة الملك وموته بين يديه، تعالى أصوات الصُراخ بكل مكان والدماء لونت الطرقات.

...

خرج جلاور من الكهف بعد حفر دام أكثر من خمسة عشر ساعة متواصلة، ذهب للقصر أول شيء لينتقم من كولن وفالكا، صعد لغرفة كولن عن طريق النافذة تسلقها ودفع النافذة بقدمه فتكسرت.

تفاجأه بأن كولن ليست متواجدة بالغرفة، فتح الباب وجد نيرفيتا أمامه وهي تحمل سيفًا بيدها، سحبها للغرفة وهو يكتم نفسها وصُراخها:

" كيف حالك يا نيرفيتا؟ "

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي