الفصل السادس عشر
زفرت الهواء بضيق وأنا أسير في الشارع ذهابا وايابا منتظرة من أركان الظهور.
لقد سبق واتفقنا على التقابل في الشارع الذي يلي منزلنا حتى نذهب سويا إلى حفلة ايلينا بعد أن نجح في إقناعي، على وجه التحديد تهديدي.
نفخت الهواء من جديد بسخط أتوقف في مكاني بينما أركل الحصى من أسفل أقدامي بقوة.
"أي لعنة قد أصبت بها جعلتني أتورط مع مجرم مثله؟" همست بضيق أدس يداي في جيوب سروالي.
"أتمنى إن تصدمه سيارة. أتمنى أن يخطفه أحد المجرمين الذين كان يلعب معهم ليتاجر بأعضاءه. أتمنى أن يقع عليه نيزك المهم إلا..."
"ميلانو والكر."
قطع سلسلة أمنياتي المتعلقة بأختفاء أركان صوته وهو يناديني بحماس ثم لمحته قادم من آخر الشارع راكضا وقد شقت ابتسامة بلهاء وجهه.
"يا إلهي لتدعسه سيارة وتخلصني منه رجاء." همست من أسفل أنفاسي بتمني حينما قطع الطريق.
لكن لسوء حظي الشارع كان خاليا من البشر والسيارات.
"مرحبا." تحدث لاهثا وهو يبطء من سرعته ما أن بدأ بالأقتراب مني.
"بئسا لك." قلت مما جعله يقهقه ضاحكا يتوقف أمامي.
"كيف حالك؟" تساءل بابتسامته المستفزة المعتادة.
"كيف سيكون حالي وقد ألتقيت بكَ؟ أنه أشبه بيوم عطلة ماطر." تحدثت بضجر وقد بدأت بالسير معه.
"أنا نعمة ستكونين شاكرة على وجودها فيما بعد." تحدث لا يبذل أي جهد في أخفاء الغرور من نبرته.
ألقيت نظرة خاطفه عليه حيث كان يرتدي سروال جينز طويل وأسود اللون كان ممزق عند ركبتين وقميص أبيض اللون به كلمات أنجليزية بألوان صاخبة. فوقه كان يلبس سترة حمراء بقلنسوة مع زينة باللون الذهبي عند جيوبه وسلاسله.
بدا كمراهق.
"أحمق. عفن. أنت تلوث بصري يسير على أقدامه." تحدثت بقرف وأنا أبتعد عنه قدر المستطاع بينما أرفع له طرف شفتي بأشمئزاز.
"ما خطبي؟ أنا وسيم." تحدث مستنكرا وهو يعقد حاجبيه بحيرة بينما يقوم بتمشيط لحيته يتفقد ما أن كان هنالك شيء ما عالقا بها.
"ملابسك رخيصة وطفولية. أنها لا تناسب عمرك وخاصة لحيتك." تحدثت بأشمئزاز وأنا أرميه بنظرات مزدرئة.
"ما الخطب لحيتي وملابسي؟ حاولت أن تكون شبابية حتى تناسب جو المراهقين خاصتكم." تحدثت باستفهام وهو يتفقد ملابسه.
"أريد أن اصحح لك معلوماتك وأقول لك أن المراهقين لا يسمح لهم بأرتياد النوادي الليلية. كما أنني في عشرين من عمري، لقد تجاوزت مرحلة مراهقة بالفعل فلا تفكر مجددا بنعتي بذلك وإلا قتلتك!" رددت عليه بفتور أسرع بالمشي أتجاوزه.
"على الأقل ملابسي أفضل من ملابس العزاء خاصتك. تبدو حية وليس كفن لجثة منتقلة." صاح من خلفي بأستياء يجعلني أتسمر مكاني بدهشة.
"ما القرف الذي سمعته لتو؟" همست وأنا ألقي نظرة خاطفة على ملابسي.
كانت ألبس قميص قصير يكشف بطني بأكمام طويلة واسعة ورقبة مكشوفة ذات ياقة عارية تصل إلى شق صدري. بينما ألتف حول بطني شريطين أسودين رقيقين تابعين له.
نسقت برفقته سروال أسود واسع وطويل، وحذاء فضي بكعب عالي أعلاه خيوط قد عقدتها حول سروالي من الأسفل ليمنحه مظهر أكثر عصرية.
أن ملابسي رائعة.
فكيف له أن يقول أنه كفن؟
"لا تمتلك نظرة فنان! توقف عن تفلسف في شيء لا شأن لك..."
"توقفي عن كلام يا صرصار ولنسرع." قاطعني بحماس يباغتني بقفزة من الخلف كاد يحطم بها أكتافي بينما يقوم ببعثرة شعري.
"كيف تجرؤ؟ هل تر..."
"تاكسي." قاطعني للمرة الثالثة على توالي وهو يهرب بعيدا عني بعد أن لمح تاكسي قادمة من بداية الشارع.
"هاي أركان! كيف تجرؤ على مقاطعة حديثي بأستمرار؟ أنت ميت!" صرخت به وأنا أقوم بملحقته بينما هو كان يقهقه بأستمتاع يركض بأقصى سرعة لديه يهرب بعيدا عني بإتجاه التاكسي التي أوقفها.
أظن أن رجل تاكسي قد ظن أننا مجنونان أو لصان لذلك حرك تاكسي خاصته سريعا وهرب منا.
.
.
.
"هذه الأجواء لا تناسبني." تحدثت بتردد ما أن توقفنا أمام النادي الذي ستقيم فيه آيلينا حفلتها. كان صاخبا من الخارج، تندفع الموسيقى من أبوابه بقوة. كما كان مملوء بالناس والأضواء.
حينما نظرت له للمرة الأولى شعرت وكأنني أقف أمام نهاية العالم. عالمي.
حفلتها أبتدأت من ساعة منتصف الليل ومن مفترض أن تستمر إلى الثانية صباحا. والساعة الآن تشير إلى الواحدة لذلك أظن أنها في إستراحة الآن.
"لما توقفتي؟ هيا لندخل." تحدث أركان من جانبي وهو يمسك ساعدي يجرني خلفه إلا أنني سحبت ذراعي من خاصته أتجمد في مكاني واقفة بينما أنظر إلى نادي بتوتر. لا أريد الدخول.
المكان مملوء بالأشخاص وهذا لا يناسبني.
"ما الخطب؟" تساءل بحيرة يوجه اهتمامه لي.
"لا أعلم. لكن لا أرغب بالدخول أركان. أكره تجمعات. يشعرني ذلك بتوتر، أشعر وكأنني في حالة خطر." صارحته وقد علقت عيوني على المدخل حيث كان يتدافع منه الكثير من الشباب.
"لا حاجة لقلق ميلانو. لن تكوني في خطر. أنا معك." حاول طمئتني وهو يرسم ابتسامة صغيرة ودودة.
"أنت هو أكبر خطر بالنسبة لي."
ابتسامته سقطت مباشرة مع ردي.
"أنت لا تستحقين أبدا وجودي في حياتك. لا تقدرين نعمة شاب وسيم وقوي يتسكع معك في الأنحاء."
تجاهلت نبرته المستفزة وكلامه الأحمق لأني كنت مشغولة بشخص أخر بالفعل، بمن هو أهم منه. مشغولة بجومرد لاعب كرة القدم الأسمر الذي سبق ورأيته في شاشة الجامعة.
لم يكن بأستطاعتي نسيانه خاصة مع كرات الكرسيتال اللامعة التي تحملها عيناه.
كان جومرد واقف في فوهة المدخل مع أحد الشباب الذي قد سبق وأستلف سيجارة منه. دخن منها لثواني قليلة وثم أعادها له وربت على ظهره أخر وهو يتحدث بشيء ما قبل أن يعود معه لداخل.
"مالذي يفعله هنا؟" همست وأنا أتابعه بعيوني بينما تقدمت بعض خطوات إلى الأمام.
ما هذا السؤال السخيف ميلانو؟
هو شخصية مشهورة بالجامعة بكل تأكيد سيكون مدعو إلى حفلة كهذه.
"من تقصدين؟" تساءل أركان من خلفي بغرابة.
"هيا لندخل." تحدثت أتجاهله أسرع بالدخول بالرغم من القلق الذي قبع بداخلي.
وجدت أخيراً شيء أقوم بإلهاء نفسي به لبقية الليلة.
"هاي! ميلانو!" أنتظري صاح الثاني من خلفي وهو يقوم بتتبعي.
.
.
.
"ليس سيء كما كنت أظن." همست وأنا أقف عند المدخل بينما امرر نظري على جمهور الذي تجمع عند ساحة الرقص.
جمعيهم أرتدوا ملابس من نوعية بانك بالرغم منها غير منسقة إلا أنها ليست بذلك السوء.
"لقد أتضح أن كل المراهقين مشعوذين مثلك." تحدث أركان بقرف من خلفي.
"لنتفق على شيء أركان أنت في حال سبيلك وأنا..."
لا يوجود اتفاق أو ما شابه. لقد وصلنا مع بعضنا وسنكمل مع بعضنا. أو ربما تريدين مني الإتصال بلوسيو؟" قاطعني يتحدث بنبرة ساذجة متعمدة وهو يسحب الهاتف من جيبه.
"تبا لك."
وما أن هم بالرد قاطعته أسحبه بفضاضة إلى داخل الحلبة أجره خلفي حتى لا أترك له فرصة للرد أو أن حديثنا سينتهي بعراك ومحاولة قتل مثل كل مرة.
"ميلانو!" صرخت بأحدهن باسمي تجذب انتباهي.
توجه نظري ناحية الفتاة ذات الشعر الأزرق رفيقة آيلينا المقربة. كانت تلوح لي بابتسامتها الخرقاء المعتادة. أنا بالكاد أعتدت على آيلينا فمن أين ظهرت هذه الآن؟
ومنذ متى كنت مقربة من تلك الساذجة حتى تناديني بودية هكذا بين الناس؟
كانت واقفة قرب المسرح عند طاولة مستديرة برفقتها الكثير من الأشخاص الذي وجه لي أنظارهم بغرابة من أمرهم. هم يعرفون اسمي لكن لا يعرفون شكلي.
"صديقتك جميلة." تحدث أركان من خلفي بابتسامة.
رمقته من خلف كتفي بسخط ومن ثم تركته أسير بإتجاه صديقة آيلينا. ليس من أجلها بالطبع بل من أجل جومرد الواقف في مجموعتها.
لوحت لي بابتسامتها البلهاء المعتادة بينما كانت تحمل كأس من الخمر في يدها الأخرى. أكره هذه الأجواء أنها تثير أشمئزازي.
"آيلينا ستكون سعيدة بمجيئك حتما. لقد كانت بأنتظارك منذ بداية السهرة." تحدثت بحماس ما أن وقفت أمامها.
لكني لم أكن مشغولة بها أبدا، بل كل اهتمامي كان موجه للشاب الأسمر الذي يتحدث مع فتاة قصيرة صهباء.
"رفاق هذه ميلانو والكر التي سبق وحدثتكم عنها." فور أن تلفظت لقب والكر الجميع قد ترك ما كان يفعله واستدار لي ينظر لي باهتمام حتى جومرد.
"أنت هي ابنة الجنرال؟" تساءل أحد الشباب بدهشة. كان طويل القامة ونحيف البنية بشعر بني مجعد. كان يرتدي حلق دائري في أذنه اليسرى وملابسه كانت براقة للغاية.
تقدم ليقف بجانب صديقة آيلينا والتي حسب ما أذكر اسمها وريا. أستند بذراعه على كتفها والأخرى كان هو الآخر يحمل كأس من الخمر.
"رائع. لقد تجاوزت توقعاتي. ظننتك مدللة شقراء تحب الملابس المبهرجة الوردية لكنك صفعت كل تخيلاتي عنك. أنت أجمل مما تخيلت." تحدث بلسان ثقيل وابتسامة ناعسة. يبدو أنه ثمل.
"توقف جيس عن التحدث مع الفتاة بهذه الطريقة وابتعد عني رائحتك مقرفة." صرحت وريا عما كان في خاطري بنبرة مشمئزة وهي تدفع ذراعه من على كتفها ومن ثم ضربته.
"تشرفت بلقائك أنا جومرد." من بين كل تعليقات المركبة التي صدرت عن رفاق وريا لم يجذبني سوى جومرد الذي تحدث بلباقة وابتسامة واسعة.
لم يسعني الوقت للرد عليه لأن هنالك طفيلي قد نسيت أن القدر أجبره على الالتصاق بي.
"كيف تذهبين من دوني؟ كان من الصعب العثور عليك وسط كومة المشعوذين هؤلاء! كلكم ترتدون الأسود وكأنكم في جنازة وليس في حفلة! بدأت أندم على مرافقتك!"
تذمر صوت رجولي من خلفي لاستدير مباشرة لأركان الذي كان يسير بإتجاهي بينما عيونه كانت مثبتة على ملابسه يقوم تعديلها وتفقدها.
"من هذا؟" تساءلت وريا بفضول.
"أنه جحيمي." رددت عليها بتلقائية وأنا أتفحصه بكره.
"ما خطب هذه النظرة؟" تساءل بغرابة فور أن توقف أمامي.
"هل أنت توأم ميلانو؟" تساءلت وريا مباشرة بأندفاع.
"كلا. لم قد تشبهني رفيقتك بفرانسيس؟" تساءل بحيرة من أمره وأمران القرف كانت بادية على وجهه.
استدرت له بكامل جسدي هذه المرة وحدقت به من أسفل رموشي بحدة.
"ما الخطب مع أخي؟" تساءلت وقد حرصت أن لا يسمع حديثي إلا هو.
"عذرا. منذ متى تنادينه بأخي؟ ظننت انه أكثر شخص تكرهينه في الوجود! كل ما في الأمر أن شقيقك نسخة طبق الأصل منك وأنا لا أريد بأي طريقة كانت أن يتم تشبيه بغريبة أطوار مثلك." تحدث بعد أن أنخفض إلى مستواي.
"عليك أن تكون شاكرا أننا بين الناس." كلمته بنبرة محذرة.
"وعليك أن تشكريني لأني سأمتنع عن أظهر حقيقتك المشوهة أمام الفتى المعجبة به." رد عليا وهو يرفع حاجبه لي بتحاذق.
نظرت له بدهشة.
لا استطيع تصديق أن هذا الرجل أن كان حقيقي لو لا أن الكل يراه مثلي. لوهلة ظننت أنني أتوهم وجوده. لأنه يعلم أدق التفاصيل عني.
لكن بدا الأمر لي الآن وكأنه يقرأ الأفكار. بدا وكأنه سحري كما يقول.
" ماذا تقصد؟" أجبته وقد حاولت أن أبدو متماسكة أمامه حتى لا أظهر أنني متوترة.
"عيونك مرآة. تعكس كل ما يدور في خالجك. ميلانو أنت شفافة وسهلة القراءة." رد وقد رسم ابتسامته المستفزة المعتادة. ربما هيأ لي أنها كذلك لأني كنت أراه كشيطان الآن.
"لا تحاول المراوغة أركان. أنا غير معجبة بأحد. ولن أفعل يوما." أجبته بدوري وأنا أرفع حاجبي له بتحذير ابتسم وهو يعتدل في واقفته يمرر عيونه في المكان.
"الشاب الأسمر ذو العيون الزرقاء. أنه ليس بذلك السوء. لكنك أنتِ كذلك ميلانو. وبسبب هذ لن ينظر لكِ على الإطلاق." تحدث يحافظ على ابتسامته البريئة مما جعل ملامحي تسقط. هو على حق.
لكني لم أفكر قط في ارتباط به. أنا حتى لم أعترف لنفسي أنني معجبة به. كل ما جذبني فيه هو مظهره لا أكثر.
"ميلانو." صوت آيلينا قد أنقذني من الموقف الموتر الذي كنت فيه.
استدرت لها وأنا أحاول جاهدة رسم ابتسامة لكني قد فشلت.
"سررت بحضورك." تحدثت بعد أن أنقضت عليا تحتضنني في عناق خانق.
في هذه اللحظة شعرت وكأنه تم أعتصاري مثل ليمونة.
كيف سأقول لها أني أكره الأحضان والقبل...
لم أكمل فكرتي حتى ووجدتها تتراجع خطوة إلى الوراء بينما تنحني لتقبيلي.
أنا على حافة الانهيار.
"كنت بأنتظارك منذ بداية السهرة؟ لم تأخرت؟ هل كل شيء بخير؟ هل حصل مكروه لك في طريق؟ لقد فكرت حتى أنك لن تأتي." ثرثرت وهي تقوم بامساك كلا يداي بلطافة.
لم هي قلقة عليا لهذا الحد؟
"كنت بأنتظار أحدهم." تحدثت وأنا أنظر بجانبية لأركان الذي كانت عيونه مثبتة على طاولة القمار. أنا أعلم لماذا يفكر ولن أسمح له.
"مهلا لحظة. لأول مرة أرى آيلينا تتحدث بودية مع شخص غير وريا. كما أنها كانت قلقة عليها. أنها نهاية العالم حتما."
كان المتحدث المدعو بجيس الذي أدرك حديثها أخيرا. كان يشير بيده التي تحمل كأس الشراب ناحيتنا ويتكلم بتفاجئ بينما وضع يده على فمه بصدمة يترنح في مكانه بأستمرار.
"بالفعل." تحدث شاب أخر. كان هو الذي خرج برفقة جومرد سابقا.
"تجاهليهم." تحدثت آيلينا وهو تدحرج عينيها في فضاء بضجر.
زينتها كانت داكنة ولامعة، طغى عليها اللون الأسود والرمادي. فستانها أسود قصير يصل إلى منتصف أفخاذها، به معلقات وسلاسل فضية تناسب مكياجها. لكنها حطمت تلك الألوان بحذاء عالي الكعب لون أحمر قاني يشبه الدماء.
مظهرها كان مثاليا.
"لم تعرفين بعد عن صديقك؟" تساءلت وريا بفضول وقد لمحت برايق أعجابها بمظهر أركان في عيونها.
"أنه أركان." تحدثت بابتسامة صفراء بعد أن سحبته بكم سترته بعنف حتى يهتم بنا.
"ويكون؟" سألتني آيلينا بفضول.
"صديقها." كذب وهو يبتسم ابتسامة براقة نبيلة عن قصد حتى يثير إعجاب وريا. هو أيضا كان يبدو عليه الإعجاب بها.
الخرقاء وريا قد اتسعت ابتسامتها ثم قالت مباشرة بحماس ودون تفكير: "لحسن حظي. لقد أعجبت به من اللحظة الأولى، لكني قد ظننته حبيب ميلانو. أخيرا القدر قد ابتسم لي والرجل الذي أعجبت به ليس م
لقد سبق واتفقنا على التقابل في الشارع الذي يلي منزلنا حتى نذهب سويا إلى حفلة ايلينا بعد أن نجح في إقناعي، على وجه التحديد تهديدي.
نفخت الهواء من جديد بسخط أتوقف في مكاني بينما أركل الحصى من أسفل أقدامي بقوة.
"أي لعنة قد أصبت بها جعلتني أتورط مع مجرم مثله؟" همست بضيق أدس يداي في جيوب سروالي.
"أتمنى إن تصدمه سيارة. أتمنى أن يخطفه أحد المجرمين الذين كان يلعب معهم ليتاجر بأعضاءه. أتمنى أن يقع عليه نيزك المهم إلا..."
"ميلانو والكر."
قطع سلسلة أمنياتي المتعلقة بأختفاء أركان صوته وهو يناديني بحماس ثم لمحته قادم من آخر الشارع راكضا وقد شقت ابتسامة بلهاء وجهه.
"يا إلهي لتدعسه سيارة وتخلصني منه رجاء." همست من أسفل أنفاسي بتمني حينما قطع الطريق.
لكن لسوء حظي الشارع كان خاليا من البشر والسيارات.
"مرحبا." تحدث لاهثا وهو يبطء من سرعته ما أن بدأ بالأقتراب مني.
"بئسا لك." قلت مما جعله يقهقه ضاحكا يتوقف أمامي.
"كيف حالك؟" تساءل بابتسامته المستفزة المعتادة.
"كيف سيكون حالي وقد ألتقيت بكَ؟ أنه أشبه بيوم عطلة ماطر." تحدثت بضجر وقد بدأت بالسير معه.
"أنا نعمة ستكونين شاكرة على وجودها فيما بعد." تحدث لا يبذل أي جهد في أخفاء الغرور من نبرته.
ألقيت نظرة خاطفه عليه حيث كان يرتدي سروال جينز طويل وأسود اللون كان ممزق عند ركبتين وقميص أبيض اللون به كلمات أنجليزية بألوان صاخبة. فوقه كان يلبس سترة حمراء بقلنسوة مع زينة باللون الذهبي عند جيوبه وسلاسله.
بدا كمراهق.
"أحمق. عفن. أنت تلوث بصري يسير على أقدامه." تحدثت بقرف وأنا أبتعد عنه قدر المستطاع بينما أرفع له طرف شفتي بأشمئزاز.
"ما خطبي؟ أنا وسيم." تحدث مستنكرا وهو يعقد حاجبيه بحيرة بينما يقوم بتمشيط لحيته يتفقد ما أن كان هنالك شيء ما عالقا بها.
"ملابسك رخيصة وطفولية. أنها لا تناسب عمرك وخاصة لحيتك." تحدثت بأشمئزاز وأنا أرميه بنظرات مزدرئة.
"ما الخطب لحيتي وملابسي؟ حاولت أن تكون شبابية حتى تناسب جو المراهقين خاصتكم." تحدثت باستفهام وهو يتفقد ملابسه.
"أريد أن اصحح لك معلوماتك وأقول لك أن المراهقين لا يسمح لهم بأرتياد النوادي الليلية. كما أنني في عشرين من عمري، لقد تجاوزت مرحلة مراهقة بالفعل فلا تفكر مجددا بنعتي بذلك وإلا قتلتك!" رددت عليه بفتور أسرع بالمشي أتجاوزه.
"على الأقل ملابسي أفضل من ملابس العزاء خاصتك. تبدو حية وليس كفن لجثة منتقلة." صاح من خلفي بأستياء يجعلني أتسمر مكاني بدهشة.
"ما القرف الذي سمعته لتو؟" همست وأنا ألقي نظرة خاطفة على ملابسي.
كانت ألبس قميص قصير يكشف بطني بأكمام طويلة واسعة ورقبة مكشوفة ذات ياقة عارية تصل إلى شق صدري. بينما ألتف حول بطني شريطين أسودين رقيقين تابعين له.
نسقت برفقته سروال أسود واسع وطويل، وحذاء فضي بكعب عالي أعلاه خيوط قد عقدتها حول سروالي من الأسفل ليمنحه مظهر أكثر عصرية.
أن ملابسي رائعة.
فكيف له أن يقول أنه كفن؟
"لا تمتلك نظرة فنان! توقف عن تفلسف في شيء لا شأن لك..."
"توقفي عن كلام يا صرصار ولنسرع." قاطعني بحماس يباغتني بقفزة من الخلف كاد يحطم بها أكتافي بينما يقوم ببعثرة شعري.
"كيف تجرؤ؟ هل تر..."
"تاكسي." قاطعني للمرة الثالثة على توالي وهو يهرب بعيدا عني بعد أن لمح تاكسي قادمة من بداية الشارع.
"هاي أركان! كيف تجرؤ على مقاطعة حديثي بأستمرار؟ أنت ميت!" صرخت به وأنا أقوم بملحقته بينما هو كان يقهقه بأستمتاع يركض بأقصى سرعة لديه يهرب بعيدا عني بإتجاه التاكسي التي أوقفها.
أظن أن رجل تاكسي قد ظن أننا مجنونان أو لصان لذلك حرك تاكسي خاصته سريعا وهرب منا.
.
.
.
"هذه الأجواء لا تناسبني." تحدثت بتردد ما أن توقفنا أمام النادي الذي ستقيم فيه آيلينا حفلتها. كان صاخبا من الخارج، تندفع الموسيقى من أبوابه بقوة. كما كان مملوء بالناس والأضواء.
حينما نظرت له للمرة الأولى شعرت وكأنني أقف أمام نهاية العالم. عالمي.
حفلتها أبتدأت من ساعة منتصف الليل ومن مفترض أن تستمر إلى الثانية صباحا. والساعة الآن تشير إلى الواحدة لذلك أظن أنها في إستراحة الآن.
"لما توقفتي؟ هيا لندخل." تحدث أركان من جانبي وهو يمسك ساعدي يجرني خلفه إلا أنني سحبت ذراعي من خاصته أتجمد في مكاني واقفة بينما أنظر إلى نادي بتوتر. لا أريد الدخول.
المكان مملوء بالأشخاص وهذا لا يناسبني.
"ما الخطب؟" تساءل بحيرة يوجه اهتمامه لي.
"لا أعلم. لكن لا أرغب بالدخول أركان. أكره تجمعات. يشعرني ذلك بتوتر، أشعر وكأنني في حالة خطر." صارحته وقد علقت عيوني على المدخل حيث كان يتدافع منه الكثير من الشباب.
"لا حاجة لقلق ميلانو. لن تكوني في خطر. أنا معك." حاول طمئتني وهو يرسم ابتسامة صغيرة ودودة.
"أنت هو أكبر خطر بالنسبة لي."
ابتسامته سقطت مباشرة مع ردي.
"أنت لا تستحقين أبدا وجودي في حياتك. لا تقدرين نعمة شاب وسيم وقوي يتسكع معك في الأنحاء."
تجاهلت نبرته المستفزة وكلامه الأحمق لأني كنت مشغولة بشخص أخر بالفعل، بمن هو أهم منه. مشغولة بجومرد لاعب كرة القدم الأسمر الذي سبق ورأيته في شاشة الجامعة.
لم يكن بأستطاعتي نسيانه خاصة مع كرات الكرسيتال اللامعة التي تحملها عيناه.
كان جومرد واقف في فوهة المدخل مع أحد الشباب الذي قد سبق وأستلف سيجارة منه. دخن منها لثواني قليلة وثم أعادها له وربت على ظهره أخر وهو يتحدث بشيء ما قبل أن يعود معه لداخل.
"مالذي يفعله هنا؟" همست وأنا أتابعه بعيوني بينما تقدمت بعض خطوات إلى الأمام.
ما هذا السؤال السخيف ميلانو؟
هو شخصية مشهورة بالجامعة بكل تأكيد سيكون مدعو إلى حفلة كهذه.
"من تقصدين؟" تساءل أركان من خلفي بغرابة.
"هيا لندخل." تحدثت أتجاهله أسرع بالدخول بالرغم من القلق الذي قبع بداخلي.
وجدت أخيراً شيء أقوم بإلهاء نفسي به لبقية الليلة.
"هاي! ميلانو!" أنتظري صاح الثاني من خلفي وهو يقوم بتتبعي.
.
.
.
"ليس سيء كما كنت أظن." همست وأنا أقف عند المدخل بينما امرر نظري على جمهور الذي تجمع عند ساحة الرقص.
جمعيهم أرتدوا ملابس من نوعية بانك بالرغم منها غير منسقة إلا أنها ليست بذلك السوء.
"لقد أتضح أن كل المراهقين مشعوذين مثلك." تحدث أركان بقرف من خلفي.
"لنتفق على شيء أركان أنت في حال سبيلك وأنا..."
لا يوجود اتفاق أو ما شابه. لقد وصلنا مع بعضنا وسنكمل مع بعضنا. أو ربما تريدين مني الإتصال بلوسيو؟" قاطعني يتحدث بنبرة ساذجة متعمدة وهو يسحب الهاتف من جيبه.
"تبا لك."
وما أن هم بالرد قاطعته أسحبه بفضاضة إلى داخل الحلبة أجره خلفي حتى لا أترك له فرصة للرد أو أن حديثنا سينتهي بعراك ومحاولة قتل مثل كل مرة.
"ميلانو!" صرخت بأحدهن باسمي تجذب انتباهي.
توجه نظري ناحية الفتاة ذات الشعر الأزرق رفيقة آيلينا المقربة. كانت تلوح لي بابتسامتها الخرقاء المعتادة. أنا بالكاد أعتدت على آيلينا فمن أين ظهرت هذه الآن؟
ومنذ متى كنت مقربة من تلك الساذجة حتى تناديني بودية هكذا بين الناس؟
كانت واقفة قرب المسرح عند طاولة مستديرة برفقتها الكثير من الأشخاص الذي وجه لي أنظارهم بغرابة من أمرهم. هم يعرفون اسمي لكن لا يعرفون شكلي.
"صديقتك جميلة." تحدث أركان من خلفي بابتسامة.
رمقته من خلف كتفي بسخط ومن ثم تركته أسير بإتجاه صديقة آيلينا. ليس من أجلها بالطبع بل من أجل جومرد الواقف في مجموعتها.
لوحت لي بابتسامتها البلهاء المعتادة بينما كانت تحمل كأس من الخمر في يدها الأخرى. أكره هذه الأجواء أنها تثير أشمئزازي.
"آيلينا ستكون سعيدة بمجيئك حتما. لقد كانت بأنتظارك منذ بداية السهرة." تحدثت بحماس ما أن وقفت أمامها.
لكني لم أكن مشغولة بها أبدا، بل كل اهتمامي كان موجه للشاب الأسمر الذي يتحدث مع فتاة قصيرة صهباء.
"رفاق هذه ميلانو والكر التي سبق وحدثتكم عنها." فور أن تلفظت لقب والكر الجميع قد ترك ما كان يفعله واستدار لي ينظر لي باهتمام حتى جومرد.
"أنت هي ابنة الجنرال؟" تساءل أحد الشباب بدهشة. كان طويل القامة ونحيف البنية بشعر بني مجعد. كان يرتدي حلق دائري في أذنه اليسرى وملابسه كانت براقة للغاية.
تقدم ليقف بجانب صديقة آيلينا والتي حسب ما أذكر اسمها وريا. أستند بذراعه على كتفها والأخرى كان هو الآخر يحمل كأس من الخمر.
"رائع. لقد تجاوزت توقعاتي. ظننتك مدللة شقراء تحب الملابس المبهرجة الوردية لكنك صفعت كل تخيلاتي عنك. أنت أجمل مما تخيلت." تحدث بلسان ثقيل وابتسامة ناعسة. يبدو أنه ثمل.
"توقف جيس عن التحدث مع الفتاة بهذه الطريقة وابتعد عني رائحتك مقرفة." صرحت وريا عما كان في خاطري بنبرة مشمئزة وهي تدفع ذراعه من على كتفها ومن ثم ضربته.
"تشرفت بلقائك أنا جومرد." من بين كل تعليقات المركبة التي صدرت عن رفاق وريا لم يجذبني سوى جومرد الذي تحدث بلباقة وابتسامة واسعة.
لم يسعني الوقت للرد عليه لأن هنالك طفيلي قد نسيت أن القدر أجبره على الالتصاق بي.
"كيف تذهبين من دوني؟ كان من الصعب العثور عليك وسط كومة المشعوذين هؤلاء! كلكم ترتدون الأسود وكأنكم في جنازة وليس في حفلة! بدأت أندم على مرافقتك!"
تذمر صوت رجولي من خلفي لاستدير مباشرة لأركان الذي كان يسير بإتجاهي بينما عيونه كانت مثبتة على ملابسه يقوم تعديلها وتفقدها.
"من هذا؟" تساءلت وريا بفضول.
"أنه جحيمي." رددت عليها بتلقائية وأنا أتفحصه بكره.
"ما خطب هذه النظرة؟" تساءل بغرابة فور أن توقف أمامي.
"هل أنت توأم ميلانو؟" تساءلت وريا مباشرة بأندفاع.
"كلا. لم قد تشبهني رفيقتك بفرانسيس؟" تساءل بحيرة من أمره وأمران القرف كانت بادية على وجهه.
استدرت له بكامل جسدي هذه المرة وحدقت به من أسفل رموشي بحدة.
"ما الخطب مع أخي؟" تساءلت وقد حرصت أن لا يسمع حديثي إلا هو.
"عذرا. منذ متى تنادينه بأخي؟ ظننت انه أكثر شخص تكرهينه في الوجود! كل ما في الأمر أن شقيقك نسخة طبق الأصل منك وأنا لا أريد بأي طريقة كانت أن يتم تشبيه بغريبة أطوار مثلك." تحدث بعد أن أنخفض إلى مستواي.
"عليك أن تكون شاكرا أننا بين الناس." كلمته بنبرة محذرة.
"وعليك أن تشكريني لأني سأمتنع عن أظهر حقيقتك المشوهة أمام الفتى المعجبة به." رد عليا وهو يرفع حاجبه لي بتحاذق.
نظرت له بدهشة.
لا استطيع تصديق أن هذا الرجل أن كان حقيقي لو لا أن الكل يراه مثلي. لوهلة ظننت أنني أتوهم وجوده. لأنه يعلم أدق التفاصيل عني.
لكن بدا الأمر لي الآن وكأنه يقرأ الأفكار. بدا وكأنه سحري كما يقول.
" ماذا تقصد؟" أجبته وقد حاولت أن أبدو متماسكة أمامه حتى لا أظهر أنني متوترة.
"عيونك مرآة. تعكس كل ما يدور في خالجك. ميلانو أنت شفافة وسهلة القراءة." رد وقد رسم ابتسامته المستفزة المعتادة. ربما هيأ لي أنها كذلك لأني كنت أراه كشيطان الآن.
"لا تحاول المراوغة أركان. أنا غير معجبة بأحد. ولن أفعل يوما." أجبته بدوري وأنا أرفع حاجبي له بتحذير ابتسم وهو يعتدل في واقفته يمرر عيونه في المكان.
"الشاب الأسمر ذو العيون الزرقاء. أنه ليس بذلك السوء. لكنك أنتِ كذلك ميلانو. وبسبب هذ لن ينظر لكِ على الإطلاق." تحدث يحافظ على ابتسامته البريئة مما جعل ملامحي تسقط. هو على حق.
لكني لم أفكر قط في ارتباط به. أنا حتى لم أعترف لنفسي أنني معجبة به. كل ما جذبني فيه هو مظهره لا أكثر.
"ميلانو." صوت آيلينا قد أنقذني من الموقف الموتر الذي كنت فيه.
استدرت لها وأنا أحاول جاهدة رسم ابتسامة لكني قد فشلت.
"سررت بحضورك." تحدثت بعد أن أنقضت عليا تحتضنني في عناق خانق.
في هذه اللحظة شعرت وكأنه تم أعتصاري مثل ليمونة.
كيف سأقول لها أني أكره الأحضان والقبل...
لم أكمل فكرتي حتى ووجدتها تتراجع خطوة إلى الوراء بينما تنحني لتقبيلي.
أنا على حافة الانهيار.
"كنت بأنتظارك منذ بداية السهرة؟ لم تأخرت؟ هل كل شيء بخير؟ هل حصل مكروه لك في طريق؟ لقد فكرت حتى أنك لن تأتي." ثرثرت وهي تقوم بامساك كلا يداي بلطافة.
لم هي قلقة عليا لهذا الحد؟
"كنت بأنتظار أحدهم." تحدثت وأنا أنظر بجانبية لأركان الذي كانت عيونه مثبتة على طاولة القمار. أنا أعلم لماذا يفكر ولن أسمح له.
"مهلا لحظة. لأول مرة أرى آيلينا تتحدث بودية مع شخص غير وريا. كما أنها كانت قلقة عليها. أنها نهاية العالم حتما."
كان المتحدث المدعو بجيس الذي أدرك حديثها أخيرا. كان يشير بيده التي تحمل كأس الشراب ناحيتنا ويتكلم بتفاجئ بينما وضع يده على فمه بصدمة يترنح في مكانه بأستمرار.
"بالفعل." تحدث شاب أخر. كان هو الذي خرج برفقة جومرد سابقا.
"تجاهليهم." تحدثت آيلينا وهو تدحرج عينيها في فضاء بضجر.
زينتها كانت داكنة ولامعة، طغى عليها اللون الأسود والرمادي. فستانها أسود قصير يصل إلى منتصف أفخاذها، به معلقات وسلاسل فضية تناسب مكياجها. لكنها حطمت تلك الألوان بحذاء عالي الكعب لون أحمر قاني يشبه الدماء.
مظهرها كان مثاليا.
"لم تعرفين بعد عن صديقك؟" تساءلت وريا بفضول وقد لمحت برايق أعجابها بمظهر أركان في عيونها.
"أنه أركان." تحدثت بابتسامة صفراء بعد أن سحبته بكم سترته بعنف حتى يهتم بنا.
"ويكون؟" سألتني آيلينا بفضول.
"صديقها." كذب وهو يبتسم ابتسامة براقة نبيلة عن قصد حتى يثير إعجاب وريا. هو أيضا كان يبدو عليه الإعجاب بها.
الخرقاء وريا قد اتسعت ابتسامتها ثم قالت مباشرة بحماس ودون تفكير: "لحسن حظي. لقد أعجبت به من اللحظة الأولى، لكني قد ظننته حبيب ميلانو. أخيرا القدر قد ابتسم لي والرجل الذي أعجبت به ليس م