الفصل الرابع عشر زفاف مارجريت

لاحظ نظراتها إليه، كأنها تلومه بطريقة قاسية ولا يعلم بماذا تفكر هي، رحلت بالفعل ومازال يلازمها شعور الاختناق وهي تأخذ أنفاسها بصعوبة هامسة:

-من الجيد أنهم سوف يذهبوا غدًا.

سحب علي يده وهو يبتسم ساخرًا:

-في الحقيقة لا أعلم ما الذي جعلها معجبة بك هكذا! الفتيات لديهم ذوق غريبن في الحقيقة بعض الفتيات وليس الجميع.

انفعل موسى ولم يعد يطيق حديث ابن عمه:

-هل تعرف كيف تصمت؟ ما شأنك أنت يا علي؟ اخبرني ما الذي تريده؟ تظن أنني في حرب معك بشكل مستمر وهذا غير موجود سوى بعقلك المريض.

ابتسم علي ساخرًا وهو يتحدث إليه ساخرًا:

-هل نسيت نور وكيف سيطرت عليها لتجعلها تبغضني وتتقرب أنت منها؟ إن كنت تنسى فأنا لا أنسى يا موسى، أنا أتذكر هذا دائمًا.

حرك موسى رأسه بعدم استيعاب:

-أنت حقًا لن تتغير، سوف تبقى كما أنت.. غبي.

تركه موسى وذهب من بعدها إلى الكوخ، لا يريد أن يخبره بأمر زواجه من مارجريت وهو لا يعلم هل سيكتم علي السر أم سيفسد كل شيء وهو يشعر أنه في حرب دائمة معه!
------
وصلت رائحة القهوة إلى أنفها لتفتح عينيها بتعجب وتجد نفسها من جديد في غرفة ليث:

-ما الذي حدث؟ هل فقدت الوعي من جديد؟!

أومئ لها وهو يشرب قهوته بهدوء، كان يجلس على كرسي أنيق على بعد منها بينما الخوف يحتل عينيها كما اعتاد منها:

-بماذا تشعرين؟

ابتلعت ما بحلقها وهي تحرك رأسها بحيرة:

-أنا لا أعلم بماذا أشعر، لا أدري الكثير من المشاعر المضطربة داخلي، أتساءل هل يوجد لدي عائلة؟ إن كان هذا صحيح أين كنت؟ لماذا لا يوجد شيء معي؟ من حاول أن يعتدي عليه ومن الذي أراه كلما اغمضت عينيّ؟!

صمتت وهي تتابع تعابير وجهه، حرك رأسه باستنكار:

-مازلتِ تشعرين أنني من فعلتها؟ دعيني أخبركي أن هذا الأمر مستحيل بشتى المقاييس يا فتاة.

حركت هدى رأسها بنفي وهي تخبره ببعض القلق:

-لم أقول هذا، لا أعلم لماذا يضيق صدري بتلك الطريقة؟ الأمر يزعجني ولكن لن تستطيع أن تصل إلى مشاعري وتتفهمها.

وضع ليث كوب قهوته جانبًا واقترب ليصبح أمام السرير التي تنام عليه:

-على العكس أنا أتفهمكي، لا أريد  منكِ شيء سوى الثقة والراحة حتى تستطيعي أن تتذكري، يجب أن توفري إلى نفسكِ الهدوء قبل كل شيء، أنا لا أريد أن أضغط عليكِ ولكن ثقي بي لن تخسري شيء.

كانت تنظر إلى عينيه، رغم أنها جعلتها تشعر بالقلق منذ اللقاء الأول إلا أنها تشعر بالرحة التي لا تعلم سببهها الآن، اومأت له وهي تبتلع ما بحلقها، ذهب تجاه الأريكة وأمسك بحقيبة قماشير ليقترب منها ويضعها بجوارها:

-هذه الحقيبة تحتوي على ملابس لكِ، استعنت بفتاة من البائعين وحاولت أن أجلب كل شيء من الممكن أن تحتاجي إليه، لا أعلم شيء عن الفتيات وليست لدي الخبرة لذلك لا تترددي إن أردتِ شيء ولم أحضره أنا.

اومأت له بحيرة وهي تتحدث ببعض الارتباك:

-شكرًا لك، لقد كنت أشعر بالضيق من هذه الملابس الممزقة.

ابتسم وهو يومئ لها ومن ثم أخذ كوب القهوة ليرتشف منه قليلًا ومن ثم ينظر لها:

-هناك حمام مجاور للغرفة، بدلي ملابسكِ وخذي راحتكِ، أنا سوف أنتظركي بالأسفل، لا تتأخري في الهبوط.

خرج فور انتهائه من حديثه وأخذت هي نفس عميق وهي تشعر بالكثير من التشتت:

-ربما يكون شخص جيد بالفعل، لا يجب عليّ أن أقلق بشأنه هكذا، يجب أن أتعامل معه بشكل طبيعي، أتمنى أن أتذكر كل شيء، أشعر بالاختناق والقلق الشديد.

لم تكن تعلم أن والدتها وشقيقها يبحثوا عنها في كل مكان، داخل أقسام الشرطة والمستشفيات وفي أي مكان من الممكن أن تكون ذهبت إليه، لكن لا يوجد جدوى في النهاية، انتهت من الإستحمام وارتداء الفستان الذي جلبه لها، كان طويل وذات أكمام طويلة، يناسبها تمامًا، شعرت بالكثير من الراحة وهي تهبط وتتابع هذا المنزل، لا تعلم أين هو لتنادي عليه:

-ليث! هل أنت هنا؟

اتاها صوته بالأسفل لتجده يجلس على مائدة الطعام ويبدو أنها في انتظارها، وضعت شعرها خلف أذنها وقد لاحظ أنه مازال مبتل:

-أنا هنا، لماذا لم تجففي شعركِ جيدًا سوف تصيبين بنزلة برد.

حركت هدى رأسها بنفي وهي تمسح على شعرها:

-لقد جففته بالفعل، لن يحدث شيء.

أشار لها أن تجاوره لتناول الطعام وهو يخبرها بهدوء:

-لقد استشرت أحد الأطباء، قال أنه من الأفضل أن تمارسي حياتكِ بشكل طبيعي وسوف تتذكرين كل شيء بالتدريج.

اومأت له وهي تشعر بالكثير من الإحراج، لاحظ ارتباكها ليقرر أن يسألها:

-ما الأمر؟ ما الذي يشغل عقلكِ ويجعلكِ تتشتتين بتلك الطريقة يا ترى؟

حركت هدى رأسها بنفي ومن ثم نظرت له في محاولة منها للهدوء وعدم القلق:

-لا أكذب عليك، لكنني أتساءل كيف تجلس وحدك في هذا المنزل الكبير يا ترى؟!

ابتسم ليث وهو يتناول طعامه بتريث:

-لا أكذب عليكِ الأمر ممل للغاية، أتيت بأكثر من خادم وخادمة ولم أرتاح لهذا، قررت البقاء بمفردي ومن وقت لآخر يأتي أشخاص إلى هنا ويقوموا بتنظيف المنزل وهذا يكفيني.

نظرت إلى الطعام بحيرة وهمت بسؤاله:

-أنت من احضرت هذا الطعام؟

ابتسم وهو يومأ لها بثقة:

-أجل وأثق كل الثقة أنه سوف ينال اعجابكِ.

بدأت في تناول الطعام وبالفعل كان جيد للغاية بالنسبة لها، لقد كانت الأجواء هادئة ومريحة لها كثيرًا حتى سمعوا طرقات على الباب وذهب ليث ليقوم بفتحه لينتشر صوت صديقه في المكان:

-لقد قررت السهر معكم اليوم، قولت لا يصح أن تبقوا معًا دون وجود شخص يعكر صفو مزاجكم.

وقفت هدى مبتعدة عن مائدة الطعام وهي تشعر بالكثير من القلق، اقترب مروان وهو يبتسم باعجاب:

-دعيني أخبركِ أنكِ حقًا جميلة يا فتاة، هذا الفستان الزهري يليق بكِ كثيرًا.

ابتلعت هدى ما بحلقها وقد كان صدرها يعلو ويهبط وهي تجاهد لتنظم أنفاسها، أشار ليث على الطاولة:

-أجلس إن كنت تريد تناول الطعام وتوقف عن الثرثرة عديمة الفائدة.

رمقه مروان بغيظ ومن ثم أعاد النظر إلى هدى التي تشعر بالقلق منه ولم يرتاح قلبها لوجوده أبدًا:

-دعيني أخبركي يا فتاة أنكِ في هذه الفترة القصيرة أخذتِ مني صديقي وهذا الشيء لا يرضيني أبدًا؛ لهذا السبب سوف تجديني بالقرب منكم دائمًا.

اقترب ليث ليقف أمامه بضيق شديد:

-توقف يا مروان وتحدث معي، هي غير مرتاحة وأنت توترها، توقف عن الاقتراب وتحدث معها بتلك الطريقة البغيضة.

تعجب مروان وهو ينظر إلى صديقه هامسًا بحيرة:

-كنت أحاول المزاح معها ليس إلا.

استغلت هدى انشغالهم في الحديث وسحبت نفسها لتصعد على السلم الذي سوف يوصلها إلى الغرفة، اوقفها صوت ليث:

-انتظري يا فتاة لم تكملي طعامكِ.

حركت هدى رأسها بنفي وهي تخبره بسرعة وارتباك شعرت به ينتابها:

-لست جائعة، أنا أريد الراحة إذا سمحت.

اسرعت بالذهاب قبل أن تسمع حديثه وهي تشعر بالكثير من القلق، وضعت يدها على قلبها وهي تحاول أن تطمئن:

-لا يوجد شيء يثير القلق يا فتاة اهدئي وكل شيء سوف يكون على مايرام، هذا الشاب جيد ولن يفكر في الحاق الضرر بكِ أبدًا.

مر الوقت ولم تستمع إلى صوت أي شخص منهم، وجدت طرقات على باب الغرفة، وقفت مبتعدة عن السرير وهي تتحدث بتردد:

-نعم.

سمعت صوت ليث يجيبها:

-افتحي الباب يا فتاة أريد التحدث معكِ لا داعي للخوف، ثقي بي.

اقتربت وقامت بفتح الباب لتجد بين يديه حامل معدني مليء بالطعام:

-يبدو أن هذه الغرفة سوف تصبح كل شيء لكِ، عليكِ أن تنهي طعامكِ، لقد تحدثت مع مروان وجعلته يرحل، هو يحب المزاح ولكنه ليس شخص سيء، لا يوجد داعي للقلق.

اومأت له رغم شعور القلق الملازم لها، تابع حديثه إليها:

-أنا أعلم أنكِ سوف تكوني بخير وسوف تتذكرين كل شيء إن شعرتِ بالراحة، دعينا نطلق عليكِ أحد الأسماء حتى نعرف اسمكِ الحقيقي.

اومأت له ليسألها بتفكير:

-ما الأسم الذي تفضليه يا ترى؟

حركت كتفها بعدم معرفة وهي تنتظر منه اختيار اسم لها ليبتسم قائلًا:

-ما رأيكِ باسم ورد؟ أظنه يليق بكِ كثيرًا.

احمرت وجنتيها وهي تومئ له باستحياء لاحظه ليبتسم، علم أنها ظنت أنه يتغزل بها ولكنه يتحدث بجدية بالفعل! وظه الطعام على الأريكة وأشار لها أن تقترب:

-هيا يا ورد تعالي لتتناولي طعامكِ حتى ترتاحين من وجودي.

نظرت له بانتباه وظهر القلق على عينيها:

-إلى أين سوف تذهب أنت؟!

ضحك ليث وهو يجيبها بتعجب:

-سوف أذهب إلى غرفتي، لا مانع لدي إن كنتِ تريدين أن أبقى معكِ.

عضت على شفتها السفلى باحراج:

-ظننتك سوف ترحل بعيدًا هذا كل شيء.

أومئ ليث إليها بتفهم وهو يتابع تعابير وجهها ويتمنى أن تستعيد حياتها وتتوقف عن القلق الذي يراه بعينيها دائمًا.
-------
أتى اليوم التالي من المفترض أن يقوموا بعمل زفاف مارجريت على فهد، وهو نفسه اليوم الذي سوف يرحل به موسى، ظن أن حفل الزفاف سوف يتم الغاءه لكنه تعجب أن كل شيء يسير كما هو، لا يعلم ما الذي يحدث لها وما الذي تفكر به، تعجب من أصوات الأحتفال المنتشرة والمستمرة وهو يقف أعلى الشلال، حتى أنها لم تأتي لتقوم بتوديعه!

قاطع شروده اقتراب والده وهو يمسك بزراعه:

-هيا يا موسى سوف نذهب الآن، المركب في انتظارنا هيا.

أبعد موسى زراعه عن والده وهو ينظر له بانتباه:

-مارجريت تتزوج يا أبي، لا أعلم ما الذي يحدث، يجب أن أذهب إلى هناك وأرى ما الذي يتم.

انفعل سليم وهو يشعر بالضيق الشديد:

-وما شأنك أنت يا موسى؟ دعها تتزوج هي حرة و..

قاطعه موسى وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا يا أبي هي ليست حرة وأنا لا يمكنني أن أتركها تفعل هذا، من الأكيد حدث شيء غيرها هذا دون إرادة منها ولن أسمح بهذا، سوف أذهب إلى هناك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي