الحادي عشر
وهناك في السينما حيث دلفا داخلها بعد أن دفع ماهر ثمن التذاكر، كانت الأضواء طفيفة، فجلسا بجانب بعضهما وكانا يأكلان الفوشار وهي تضع رأسها على كتفه، راحت تشاهد الفيلم وهي مشبكة أصابعها بخاصته وهو ينظر لها بحب.
-أنا سعيدةٌ جداً بجانبك، أشعر وكأنني بالجنة، لا أريد أن تنتهي هذه الأيام الجميلة، أتمنى أن يتوقف الوقت.
_ لن تنتهي، سنكون مع بعض دائماً ولن يفرقنا شيءٌ سوى الموت.
قالت بانزعاج:
-لا تتحدث عن الموت مرةً ثانيةً.
_ حسنا، ابتسمي.
ابتسمت وحاوط كتفيها بيده مستمتعين بالفيلم.
وهكذا مرت الأيام، والأحداث تتكرر هكذا، حيث كانت ميسون قد انتهت من كتابة الأغنية وتتدرب كل يوم مع ماهر في أماكن مختلفة.
وذات مرة، كانا يقفان أمام البحر الذي كان يسوده اللون الأسود، ونسيم الهواء يطير فوقف شعرها وهو ينظر لها بهيام، وكانت تغني وهو ينصت لها، وتعبر بيديها عن مدى سعادتها وهو واقف يشاهدها، أنهت أغنيتها ونظرت لها قائلةً بمكر:
_يبدو أنني أؤثر بك كثيراً، أيها العاشق الولهان.
_ نعم أنت تفعلين بي الكثير، هيا تعالي الي هنا.
ضحكت برقة ثم ركضت بحب قائلةً:
_حبيبي، اِلحق بي إذا كنت تريديني.
وقف وركض خلفها وهي تركض وتضحك اقتربت من البحر ومدت يدها في المياه وبدأت ترميها عليه، وهو يضحك ويسرع خطواته تجاهها حد امسك بها وحملها على كتفه وهي تضرب بيديها بخفة على ظهره ودخل بها الماء.
قالت بمرح وصوتٍ عالي:
_ لا، لا، ماهر أرجوك اخرج من هنا أنا لا أحب الماء، وجسدي يبرد وسأمرض.
_ أنتهى الأمر وحان وقت العقاب، ألم تريدي اللعب معي، سأريكِ اللعب على أصوله.
وبدون سابق انذار دفعها بخفة في الماء وأصبح يدغدغها وهي تضحك بقهقهة، فراحت تتحدث بكلمات متقطعة من أثار الضحك:
_كفى، توقف، سيقف قلبي من الضحك.
_ لن أتركك.
صرخت برجفة من برودة الماء:
_ الجو بارد، دعني أخرج فأنا أشعر بالبرودة تسري في كامل جسدي.
وبدأ جسدها يرتجف بشدة، وشفاها وأسنانها تصطك من أثر البرودة،وعندما رأها هكذا وخاف عليها بعدما تبللت ثيابها بالماء حملها وخرج بها وتوجه إلى السيارة ووضعها على المقعد.
وقال بخوف:
_أأنتِ بخير؟ انا أعتذر لم أقصد أن تصلي لهذه المرحلة.
تلونت شفاها باللون الأزرق وقالت بضعف:
_لا تقلق أنا بخير.
فأمسك بمعطفه ووضعه فوقها ولفت هي ذراعيها حول عنقه ما أشعره باحساس رائع جدا.
وضعها في السيارة، وأغلق أبوابها ثم فتح المكيف فيها وجعل حرارته دافئة ثم أمسك يديها، وبدأ يدلكها بيده كي تشعر بالدفء.
كم كانت عيناه مليئتين بالقلق عندما قال لها:
_ ستكونين بخير، لن أفعل ذلك مجدداً، أردت أن أصنع ذكرى جميلة بيننا، ولم اعتقد بأنك ستصابين بالبرد.
ابتسمت بخفة قائلةً:
_أصبحت بخير، رغم كل البرد لكنني أحببت هذه اللحظات بشدة، فأنت رومانسي، رغم أنك تبدو للعالم وكأنك غامض ومجهول الهوية ولا تبسم أبداً، أجل هذا القناع خدعنا جميعاً.
ضحك بشدة وكان وسيماً للغاية وهي شردت به قائلاً:
-كم تبدو وسيماً، وأنت تضحك هكذا، لديك غمازات جعلتني أحبك أكثر، تقول عني جميلة وأنت تفوقني جمالاً.
ضحك مرة ثانية وهي وضعت يدها على وجهها بخجل وهو يقهقه ناظراً لها.
_ تغازليني وتخجلين.
أبعد يدها عن وجهها قائلاً بحب وهو ينظر لعينيها:
_والسيف في الغمض لا تخشى مضاربه،
وسيف عينيكِ في الحالتين بتُار.
إن المفاتن في عينيك مخمرةٌ
من نظرةٍ منكِ يغدو المرء سكران.
كانت عسليتها تحدق به وتحدثت:
_يا لك من شاعر جميل.
لمس وجهها قائلاً:
_لاجلك ألفتُ الشعر.
-هل هذه أول مرة تقول الشعر.
أومأ برأسه مبتسماً، فابتسمت له بحب وقالت:
-هيا بنا لنعد لقد نعست، وأريد النوم ويجب ان أبدل ثيابي.
_سأشتاق لكِ.
-بهذه السرعة، انا قضيت اليوم بأكمله معك.
_لكنني لم اشعر بالاشباع منك أريد البقاء معكِ ليلاً ونهاراً، نهرب من العالم، ونعيش في جزيرةٌ خاصة بنا.
-تبدو فكرة مجنونة ولذيذة، لكن لدي عائلتي احبها كثيراً، ولدي عملي كما أريد تحقيق أهدافي، سنمل إذا ابتعدنا عن البشر.
_لن اجعلكِ تملين وكلما مللت حبي، سأجدده مرةً ثانيةً.
ابتسمت وأكمل القيادة حتى أوصلها لمنزل مريم.
نزلت وودعته ودلفت للداخل، أما هو فذهب إلى منزله.
انتهى ذلك اليوم الذي نامت في نهايته ميسون وهي تشعر بأنها ملكت السعادة رغم تسلل الرشح إلى أنفها.
مريم:
_ما هذا الحب الأرعن الذي يسبب الضرر لصاحبته.
ضحكت ميسون وغطت في نوم عميق.
وفي صباح اليوم الجديد استيقظت ميسون وبدأت بالعزف على البيانو وهي تغني فاليوم كان موعد ظهورها على التلفاز وكانت متوترة جداً.
اقتربت منها مريم وهي تعانقها؛ لتقوي ثقتها بنفسها قائلةً:
_ لماذا ميسون خائفة وقلقة؟
-لا اعلم، أشعر وكأنها مرتي الأولى التي سأظهر بها على التلفاز.
_لم أعتد على رؤيتك هكذا، أين هي ميسون التي تمتلك ثقةً بنفسها تفوق الحدود.
فابتسمت قائلةً:
_هاهي ذي موجودة صديقتي.
_هيا اشربي قهوتك لكي يكون مزاجك رائع فتبهرينا بجمال صوتك، أنا متحمسة للغاية.
-وأنا أيضا، هذا الأسبوع مضى بصعوبة وقد تعبت فيه كثيراً، كل يومٍ أذهب للسيد الكسندر وأتدرب على الأغنية حتى انتهينا من التسجيل وتم نسخها، أتمنى أن تنال اعجاب الجميع.
_ لا تقلقي انت تعبتي وسيكافأك الله ولن يضيع جهدك.
-اشكرك على دعمك ووقوفك بجانبي.
_هل أنتِ مجنونة؟ كيف تشكريني؟ لا يوجد بيننا هذا الحديث، نحن أخوه.
حضنتها بحب وبادرت ميسون بإغلاق يديها حولها ثم ابتعدت مريم قائلةً:
_هيا ادخلي غرفتك فقد اشترى ماهر لكِ فستاناً جميلاً وأرسله مع الحارس، ياإلهي ذوقه راقي جداً! بسرعة بدلي ثيابك وأنا سأبدل أيضا.
-حسنا.
دلفت كل واحدة الى غرفتها وبدأت تلبس ثيابها.
وعندما خرجت ميسون كانت قد ارتدت فستاناً اسوداً يصل للركبة، ويبرز بياض بشرتها وكان يلمع، وبدت به كالنجمة ووضعت بعضاً من مساحيق التجميل، وصففت شعرها بطريقة جعلتها فاتنة الجمال وارتدت المجوهرات التى ارسلها ماهر لها مع الفستان وأيضا الحذاء الاسود، وأخيراً انتهت ونظرت لنفسها في المرآه وهي تدور بفرحة.
-أنا جميلة جداً، والفستان يناسبني ماهر سيجعلني افقد عقلي باهتمامه بي.
وفجأه سمعت صوت سيارتة التي توقفت أمام المنزل، فخرجت ميسون فرحة، عندما سمعت صوت زمور السيارة ونظرت في المرآة وراحت تتجمل وتتأكد من زينتها، ثم خرحت إليه بسرعة تركض كالطفلة.
ورأتها مريم التي بدت جميلة أيضاً حيث كانت ترتدي فستاناً احمراً طويلاً واوقفتها، ثم اصدرت صوت إعجابٍ وهي تدور حولها قائلةً:
_لو كنت رجلاً لتزوجتك في هذه اللحظة.
ضحكت الاثنين وصمتا حينما سمعوا صوت ماهر الذي قال:
_لا هي لن تكون لأحد غيري.
حملقت به ميسون ومريم بتفاجؤ من كلامه،
ثم اقترب من ميسون وقبل يديها وأخرج علبة حمراء من جيبة وفتحها، وهي وضعت يديها على فمها بدهشة ولمعت عيناها بالدموع والفرحة، فعاود تقبيل يدها ثانيةً.
_هذه هدية بسيطة مني، اتمنى ان يعجبك لقد اشتريت هذا الخاتم لكِ.
ألبسها الخاتم وهي نظرت له وعانقته بفرحة قائلةً:
_ انت مصدر سعادتي.
إبتعد عنها وفحصها بعينه وكان ينظر لها بإعجاب شديد قائلاً: يالكِ من جميلةٌ جداً الا تتعبين وانت تحملين كل هذا الجمال، عيونك وطن مذهلة وكأنها مقتبسة من ضوء القمر.
صقفت مريم بفرحة قائلاً:
_أنتما مناسبان لبعضٍ جداً، كم تأثرت بكلماتك يا ماهر، أتمنى لكم السعادة.
ثم أكملت حديثها بمرح:
_ ما كل هذا الحب يكفي هكذا سنتأخر.
قالت ميسون بحدة:
_ لماذا أنت هكذا، تقضين على اللحظات الرومانسية الجميلة.
ماهر:
_معكِ حق يا لكِ من مزعجة، لن أتحدث أمامها مرة ثانية.
مريم:
_انت لا تخجل يا أخي، دائماً تغازلها أمامي.
فقال ماهر بسخرية:
_انت التي لا تخجل، من المفترض أن تتركينيا بمفردنا حينما نتحدث، لكنكِ مزعجة.
قاطعتهم ميسون بحدة:
_يكفي هذا، هيا بنا سنتأخر، وأنت يا ماهر لا تتحدث معي أمامها هكذا، لقد سافر زوجها وتركها لفترة لعلها تتعلم الغزل.
مريم:
_لا هو رومانسي للغاية وانا لستُ رقيقة.
ميسون:
_ لا ستكونين رقيقة ولطفية عندما أتفرغ لكِ.
ضحك الجميع ثم توجهوا نحو السيارة وركبت ميسون بجانب ماهر أما مريم ففي الخلف، وانطلقوا الي الاستديو، وفي طريقهم كانت ميسون تشرب العصير وهي تراجع الأغنية وتغني وهما يسمعانها حتى انتهت.
ماهر:
_ رائعة ستفوزين نحن معك.
ميسون:
_أنا متحمسة أشكركم على وقوفقكم بجانبي.
ابتسموا وبعدة فترةٍ قليلة وصلوا، وقام الكسندر باستقبالهم ورحب بهم قائلاً:
_مرحبا بكم لقد اضاء الاستديو بنوركم، تفضلوا سنبدأ بعد خمسة عشر دقيقة جهزي نفسك.
ابتسمت قائلةً:
_انا جاهزة.
_حسنا.
دلفوا للداخل وفي غرفة الاستراحة الكسندر يتحدث أمام المتابعين والكاميرات تصوره ويظهر على التلفاز.
الكسندر:
_بحضوركم اليوم تأكدت أن هذا البرنامج يحبه الجميع، أشكركم على دعمكم المتواصل لنا، اقدم لكم اليوم صوت فتاة ليس له وصف، جاءت من تركيا الى روسيا لكى تبهرنا بجماله، شخصية موهوبة ورائعة دعونا نرحب بها، استقبلوا معي ميسون.
صفق الجميع، فدخلت ميسون وأخذت المايك وابتسمت حيث بدأ طاقم العمل
يعزف على الموسيقى، الجيتار والبيانو ثم بدأت تغني وهي تصدر صوتاً رائعاً نابع من أعماق قلبها.
_بقيت وحيدة على حافة الجرف.
وحيدة تحت ضوء النجوم.
وأنا انتظر يداً دافئة تمسك بيدي، أمسكت بي يد الموت.
وحيدة في الأعماق المظلمة.
صمتت لبرهة وهي تنظر لأعين الجميع التي مليئةً بالاعجاب، وماهر يصفق لها هو ومريم ويدعموها وهي تبتسم، والموسيقى تعلو وتهبط وأكملت غناءها.
لا تذهب يا حبيبي.
ماذا سأفعل من دونك؟
أرجوك ابتسم يا حبيبي العنيد.
حتى إن لم تتمكن من إيجادي في يومٍ ما.
سأحبك إلى الأبد لا تنسى ذلك.
لا تذهب يا حبيبي.
ماذا سأفعل من دونك؟
انتهت أغنيتها ووجدت الجميع يصفق لها بحرارة ويصفرون دليلاً على إعجابهم بصوتها الرائع فابتسمت واقترب الكسندر وأمسك المذياع ثم قال بلطف ممزوج بالسعادة:
_أتمنى أن تنال الأغنية إعجابكم، لقد قمنا بنسخ العديد منها ويمكنكم شراءالكاسيت،اتمنى لكم ليلة سعيدة معنا، وأشكركم.
ركضت ميسون نحو ماهر بسعادة و احتضنه بكل فرح وهو يبادلها كل المشاعر وقالت له:
-احبك، كم أنا سعيدة للغاية! لقد حققت إنجازاً كبيراً، لقد نجحتُ، أجل نجحت.
وفجأة، تحولت ملامح وجهها من الفرحة للصدمة حينما رأت عثمان يقترب منها بغضب، وسرعان ما ابتعدت عن ماهر وهي تبتلع لعابها بتوتر، لاحظ ماهر تغيرها الشديد.
ماهر: ماذا بكِ؟
اقترب عثمان وهو يضع يديه بجيبة ويتحدث بسخرية:
_هل تظنين أنكِ نجحتي، لقد تصرفتِ بذكاء هذه المرة، لكن لن أدع فرحتك تكتمل.
وبدون سابق انذار كان ملقي على الارض من أثر لكمة ماهر القوية في وجهه، وضع عثمان يده على شفاه ووجد دمه عليها فوقف ورفع يده؛ ليضرب ماهر، لكنه لم يدعه يضربه وبدأ ماهر يضربه بعنف قائلاً بكل غضب:
-لقد تعرفت عليك، انت الذي دمرت حياة ميسون، انت عثمان إذاً، لن أدعك تنجو بفعلتك، كيف تتجرأ وتقول لها هذا، هل تظن نفسك رجل، هي من صنعتك ايها الجبان الحقير.
إبتعد عنها، وإذا اقتربت منها مرةً أخرى سأقتلك وألقي جثتك للكلاب، إذا حاولت أن تؤذيها أو تجعلها تخزن سأعاقبك اسوأ عقاب، وأجعلك تندم وتتمنى الموت ولن تجده.
مع كل كلمة يقولها، كان ينهال عليه بالضرب وميسون تحاول ابعاده، لكنها لم تنجح وكان الجميع قد خرج من الاستديو فنادت على مريم التى كانت تتحدث في هاتفها مع زوجها.
فتحدثت ميسون وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من أثار الركض :
_ مريم ساعديني، ماهر هجم على عثمان وسيقتله.
ركضت الاثنتان وخلفهم الكسندر وحراسه، ودلفوا إليه فوجدوا عثماناً يلتقط أنفاسه بصعوبه والدماء تخرج منه بغزارة وماهر لم يتوقف عن الضرب اقتربت ميسون وقالت ببكاء:
-ماهر أرجوك، ابتعد عنه سيموت، لا تتصرف بغباء.
وبدأ الجميع يفك الاشتباك وبعد محاولات نجحوا، فماهر لم سهلاً بل وقوي جداً، ابتعد عنه وحمل الرجال عثمان وطلبوا له الإسعاف، بينما ماهر اقترب من ميسون التي تبكي.
_توقفي عن البكاء، اعدك أنه سيبتعد عنكِ وستنجحين، ولن يعترض طريقك مرةً ثانيةً، لقد تعلم الدرس.
-لماذا تصر أن تدمر كل شيء جميل، كنت سعيدة منذ دقائق والان حطمت سعادتي بضربك له تجاهله.
_ عزيزتي كان يجب أن اتخلص منه حتى لا يقترب منكِ مجدداً، انسي الأمر، وابتسمي لا أحب أن أرى الدموع تلمع في عينك، فابتسمت له وضمها وقال لها بحب متناسيا كل ما حصل:
_لقد أحضرت لكِ مفاجأة جميلة جداً، واثق أنها ستنال اعجابك، هيا بنا إلى السيارة لتشاهدي المفاجأة، من اليوم ستتبدل حياتك كثيراً.
أمسك يديها وركضا تجاه السيارة، ثم ركباها فقادها بسرعةٍ كبيرةٍ جداً وهي متحمسة جدا وتخمن ما قد تلك المفاجأة؟ ويدور في عقله أشياء كثيرة، مر وقتٌ قليلٌ حتى وصلا فأوقف السيارة ثم نزل وفتح لها الباب.
وصرخت بفزع، عندما فعل آخر شيء يمكن أن تتوقعه.
-أنا سعيدةٌ جداً بجانبك، أشعر وكأنني بالجنة، لا أريد أن تنتهي هذه الأيام الجميلة، أتمنى أن يتوقف الوقت.
_ لن تنتهي، سنكون مع بعض دائماً ولن يفرقنا شيءٌ سوى الموت.
قالت بانزعاج:
-لا تتحدث عن الموت مرةً ثانيةً.
_ حسنا، ابتسمي.
ابتسمت وحاوط كتفيها بيده مستمتعين بالفيلم.
وهكذا مرت الأيام، والأحداث تتكرر هكذا، حيث كانت ميسون قد انتهت من كتابة الأغنية وتتدرب كل يوم مع ماهر في أماكن مختلفة.
وذات مرة، كانا يقفان أمام البحر الذي كان يسوده اللون الأسود، ونسيم الهواء يطير فوقف شعرها وهو ينظر لها بهيام، وكانت تغني وهو ينصت لها، وتعبر بيديها عن مدى سعادتها وهو واقف يشاهدها، أنهت أغنيتها ونظرت لها قائلةً بمكر:
_يبدو أنني أؤثر بك كثيراً، أيها العاشق الولهان.
_ نعم أنت تفعلين بي الكثير، هيا تعالي الي هنا.
ضحكت برقة ثم ركضت بحب قائلةً:
_حبيبي، اِلحق بي إذا كنت تريديني.
وقف وركض خلفها وهي تركض وتضحك اقتربت من البحر ومدت يدها في المياه وبدأت ترميها عليه، وهو يضحك ويسرع خطواته تجاهها حد امسك بها وحملها على كتفه وهي تضرب بيديها بخفة على ظهره ودخل بها الماء.
قالت بمرح وصوتٍ عالي:
_ لا، لا، ماهر أرجوك اخرج من هنا أنا لا أحب الماء، وجسدي يبرد وسأمرض.
_ أنتهى الأمر وحان وقت العقاب، ألم تريدي اللعب معي، سأريكِ اللعب على أصوله.
وبدون سابق انذار دفعها بخفة في الماء وأصبح يدغدغها وهي تضحك بقهقهة، فراحت تتحدث بكلمات متقطعة من أثار الضحك:
_كفى، توقف، سيقف قلبي من الضحك.
_ لن أتركك.
صرخت برجفة من برودة الماء:
_ الجو بارد، دعني أخرج فأنا أشعر بالبرودة تسري في كامل جسدي.
وبدأ جسدها يرتجف بشدة، وشفاها وأسنانها تصطك من أثر البرودة،وعندما رأها هكذا وخاف عليها بعدما تبللت ثيابها بالماء حملها وخرج بها وتوجه إلى السيارة ووضعها على المقعد.
وقال بخوف:
_أأنتِ بخير؟ انا أعتذر لم أقصد أن تصلي لهذه المرحلة.
تلونت شفاها باللون الأزرق وقالت بضعف:
_لا تقلق أنا بخير.
فأمسك بمعطفه ووضعه فوقها ولفت هي ذراعيها حول عنقه ما أشعره باحساس رائع جدا.
وضعها في السيارة، وأغلق أبوابها ثم فتح المكيف فيها وجعل حرارته دافئة ثم أمسك يديها، وبدأ يدلكها بيده كي تشعر بالدفء.
كم كانت عيناه مليئتين بالقلق عندما قال لها:
_ ستكونين بخير، لن أفعل ذلك مجدداً، أردت أن أصنع ذكرى جميلة بيننا، ولم اعتقد بأنك ستصابين بالبرد.
ابتسمت بخفة قائلةً:
_أصبحت بخير، رغم كل البرد لكنني أحببت هذه اللحظات بشدة، فأنت رومانسي، رغم أنك تبدو للعالم وكأنك غامض ومجهول الهوية ولا تبسم أبداً، أجل هذا القناع خدعنا جميعاً.
ضحك بشدة وكان وسيماً للغاية وهي شردت به قائلاً:
-كم تبدو وسيماً، وأنت تضحك هكذا، لديك غمازات جعلتني أحبك أكثر، تقول عني جميلة وأنت تفوقني جمالاً.
ضحك مرة ثانية وهي وضعت يدها على وجهها بخجل وهو يقهقه ناظراً لها.
_ تغازليني وتخجلين.
أبعد يدها عن وجهها قائلاً بحب وهو ينظر لعينيها:
_والسيف في الغمض لا تخشى مضاربه،
وسيف عينيكِ في الحالتين بتُار.
إن المفاتن في عينيك مخمرةٌ
من نظرةٍ منكِ يغدو المرء سكران.
كانت عسليتها تحدق به وتحدثت:
_يا لك من شاعر جميل.
لمس وجهها قائلاً:
_لاجلك ألفتُ الشعر.
-هل هذه أول مرة تقول الشعر.
أومأ برأسه مبتسماً، فابتسمت له بحب وقالت:
-هيا بنا لنعد لقد نعست، وأريد النوم ويجب ان أبدل ثيابي.
_سأشتاق لكِ.
-بهذه السرعة، انا قضيت اليوم بأكمله معك.
_لكنني لم اشعر بالاشباع منك أريد البقاء معكِ ليلاً ونهاراً، نهرب من العالم، ونعيش في جزيرةٌ خاصة بنا.
-تبدو فكرة مجنونة ولذيذة، لكن لدي عائلتي احبها كثيراً، ولدي عملي كما أريد تحقيق أهدافي، سنمل إذا ابتعدنا عن البشر.
_لن اجعلكِ تملين وكلما مللت حبي، سأجدده مرةً ثانيةً.
ابتسمت وأكمل القيادة حتى أوصلها لمنزل مريم.
نزلت وودعته ودلفت للداخل، أما هو فذهب إلى منزله.
انتهى ذلك اليوم الذي نامت في نهايته ميسون وهي تشعر بأنها ملكت السعادة رغم تسلل الرشح إلى أنفها.
مريم:
_ما هذا الحب الأرعن الذي يسبب الضرر لصاحبته.
ضحكت ميسون وغطت في نوم عميق.
وفي صباح اليوم الجديد استيقظت ميسون وبدأت بالعزف على البيانو وهي تغني فاليوم كان موعد ظهورها على التلفاز وكانت متوترة جداً.
اقتربت منها مريم وهي تعانقها؛ لتقوي ثقتها بنفسها قائلةً:
_ لماذا ميسون خائفة وقلقة؟
-لا اعلم، أشعر وكأنها مرتي الأولى التي سأظهر بها على التلفاز.
_لم أعتد على رؤيتك هكذا، أين هي ميسون التي تمتلك ثقةً بنفسها تفوق الحدود.
فابتسمت قائلةً:
_هاهي ذي موجودة صديقتي.
_هيا اشربي قهوتك لكي يكون مزاجك رائع فتبهرينا بجمال صوتك، أنا متحمسة للغاية.
-وأنا أيضا، هذا الأسبوع مضى بصعوبة وقد تعبت فيه كثيراً، كل يومٍ أذهب للسيد الكسندر وأتدرب على الأغنية حتى انتهينا من التسجيل وتم نسخها، أتمنى أن تنال اعجاب الجميع.
_ لا تقلقي انت تعبتي وسيكافأك الله ولن يضيع جهدك.
-اشكرك على دعمك ووقوفك بجانبي.
_هل أنتِ مجنونة؟ كيف تشكريني؟ لا يوجد بيننا هذا الحديث، نحن أخوه.
حضنتها بحب وبادرت ميسون بإغلاق يديها حولها ثم ابتعدت مريم قائلةً:
_هيا ادخلي غرفتك فقد اشترى ماهر لكِ فستاناً جميلاً وأرسله مع الحارس، ياإلهي ذوقه راقي جداً! بسرعة بدلي ثيابك وأنا سأبدل أيضا.
-حسنا.
دلفت كل واحدة الى غرفتها وبدأت تلبس ثيابها.
وعندما خرجت ميسون كانت قد ارتدت فستاناً اسوداً يصل للركبة، ويبرز بياض بشرتها وكان يلمع، وبدت به كالنجمة ووضعت بعضاً من مساحيق التجميل، وصففت شعرها بطريقة جعلتها فاتنة الجمال وارتدت المجوهرات التى ارسلها ماهر لها مع الفستان وأيضا الحذاء الاسود، وأخيراً انتهت ونظرت لنفسها في المرآه وهي تدور بفرحة.
-أنا جميلة جداً، والفستان يناسبني ماهر سيجعلني افقد عقلي باهتمامه بي.
وفجأه سمعت صوت سيارتة التي توقفت أمام المنزل، فخرجت ميسون فرحة، عندما سمعت صوت زمور السيارة ونظرت في المرآة وراحت تتجمل وتتأكد من زينتها، ثم خرحت إليه بسرعة تركض كالطفلة.
ورأتها مريم التي بدت جميلة أيضاً حيث كانت ترتدي فستاناً احمراً طويلاً واوقفتها، ثم اصدرت صوت إعجابٍ وهي تدور حولها قائلةً:
_لو كنت رجلاً لتزوجتك في هذه اللحظة.
ضحكت الاثنين وصمتا حينما سمعوا صوت ماهر الذي قال:
_لا هي لن تكون لأحد غيري.
حملقت به ميسون ومريم بتفاجؤ من كلامه،
ثم اقترب من ميسون وقبل يديها وأخرج علبة حمراء من جيبة وفتحها، وهي وضعت يديها على فمها بدهشة ولمعت عيناها بالدموع والفرحة، فعاود تقبيل يدها ثانيةً.
_هذه هدية بسيطة مني، اتمنى ان يعجبك لقد اشتريت هذا الخاتم لكِ.
ألبسها الخاتم وهي نظرت له وعانقته بفرحة قائلةً:
_ انت مصدر سعادتي.
إبتعد عنها وفحصها بعينه وكان ينظر لها بإعجاب شديد قائلاً: يالكِ من جميلةٌ جداً الا تتعبين وانت تحملين كل هذا الجمال، عيونك وطن مذهلة وكأنها مقتبسة من ضوء القمر.
صقفت مريم بفرحة قائلاً:
_أنتما مناسبان لبعضٍ جداً، كم تأثرت بكلماتك يا ماهر، أتمنى لكم السعادة.
ثم أكملت حديثها بمرح:
_ ما كل هذا الحب يكفي هكذا سنتأخر.
قالت ميسون بحدة:
_ لماذا أنت هكذا، تقضين على اللحظات الرومانسية الجميلة.
ماهر:
_معكِ حق يا لكِ من مزعجة، لن أتحدث أمامها مرة ثانية.
مريم:
_انت لا تخجل يا أخي، دائماً تغازلها أمامي.
فقال ماهر بسخرية:
_انت التي لا تخجل، من المفترض أن تتركينيا بمفردنا حينما نتحدث، لكنكِ مزعجة.
قاطعتهم ميسون بحدة:
_يكفي هذا، هيا بنا سنتأخر، وأنت يا ماهر لا تتحدث معي أمامها هكذا، لقد سافر زوجها وتركها لفترة لعلها تتعلم الغزل.
مريم:
_لا هو رومانسي للغاية وانا لستُ رقيقة.
ميسون:
_ لا ستكونين رقيقة ولطفية عندما أتفرغ لكِ.
ضحك الجميع ثم توجهوا نحو السيارة وركبت ميسون بجانب ماهر أما مريم ففي الخلف، وانطلقوا الي الاستديو، وفي طريقهم كانت ميسون تشرب العصير وهي تراجع الأغنية وتغني وهما يسمعانها حتى انتهت.
ماهر:
_ رائعة ستفوزين نحن معك.
ميسون:
_أنا متحمسة أشكركم على وقوفقكم بجانبي.
ابتسموا وبعدة فترةٍ قليلة وصلوا، وقام الكسندر باستقبالهم ورحب بهم قائلاً:
_مرحبا بكم لقد اضاء الاستديو بنوركم، تفضلوا سنبدأ بعد خمسة عشر دقيقة جهزي نفسك.
ابتسمت قائلةً:
_انا جاهزة.
_حسنا.
دلفوا للداخل وفي غرفة الاستراحة الكسندر يتحدث أمام المتابعين والكاميرات تصوره ويظهر على التلفاز.
الكسندر:
_بحضوركم اليوم تأكدت أن هذا البرنامج يحبه الجميع، أشكركم على دعمكم المتواصل لنا، اقدم لكم اليوم صوت فتاة ليس له وصف، جاءت من تركيا الى روسيا لكى تبهرنا بجماله، شخصية موهوبة ورائعة دعونا نرحب بها، استقبلوا معي ميسون.
صفق الجميع، فدخلت ميسون وأخذت المايك وابتسمت حيث بدأ طاقم العمل
يعزف على الموسيقى، الجيتار والبيانو ثم بدأت تغني وهي تصدر صوتاً رائعاً نابع من أعماق قلبها.
_بقيت وحيدة على حافة الجرف.
وحيدة تحت ضوء النجوم.
وأنا انتظر يداً دافئة تمسك بيدي، أمسكت بي يد الموت.
وحيدة في الأعماق المظلمة.
صمتت لبرهة وهي تنظر لأعين الجميع التي مليئةً بالاعجاب، وماهر يصفق لها هو ومريم ويدعموها وهي تبتسم، والموسيقى تعلو وتهبط وأكملت غناءها.
لا تذهب يا حبيبي.
ماذا سأفعل من دونك؟
أرجوك ابتسم يا حبيبي العنيد.
حتى إن لم تتمكن من إيجادي في يومٍ ما.
سأحبك إلى الأبد لا تنسى ذلك.
لا تذهب يا حبيبي.
ماذا سأفعل من دونك؟
انتهت أغنيتها ووجدت الجميع يصفق لها بحرارة ويصفرون دليلاً على إعجابهم بصوتها الرائع فابتسمت واقترب الكسندر وأمسك المذياع ثم قال بلطف ممزوج بالسعادة:
_أتمنى أن تنال الأغنية إعجابكم، لقد قمنا بنسخ العديد منها ويمكنكم شراءالكاسيت،اتمنى لكم ليلة سعيدة معنا، وأشكركم.
ركضت ميسون نحو ماهر بسعادة و احتضنه بكل فرح وهو يبادلها كل المشاعر وقالت له:
-احبك، كم أنا سعيدة للغاية! لقد حققت إنجازاً كبيراً، لقد نجحتُ، أجل نجحت.
وفجأة، تحولت ملامح وجهها من الفرحة للصدمة حينما رأت عثمان يقترب منها بغضب، وسرعان ما ابتعدت عن ماهر وهي تبتلع لعابها بتوتر، لاحظ ماهر تغيرها الشديد.
ماهر: ماذا بكِ؟
اقترب عثمان وهو يضع يديه بجيبة ويتحدث بسخرية:
_هل تظنين أنكِ نجحتي، لقد تصرفتِ بذكاء هذه المرة، لكن لن أدع فرحتك تكتمل.
وبدون سابق انذار كان ملقي على الارض من أثر لكمة ماهر القوية في وجهه، وضع عثمان يده على شفاه ووجد دمه عليها فوقف ورفع يده؛ ليضرب ماهر، لكنه لم يدعه يضربه وبدأ ماهر يضربه بعنف قائلاً بكل غضب:
-لقد تعرفت عليك، انت الذي دمرت حياة ميسون، انت عثمان إذاً، لن أدعك تنجو بفعلتك، كيف تتجرأ وتقول لها هذا، هل تظن نفسك رجل، هي من صنعتك ايها الجبان الحقير.
إبتعد عنها، وإذا اقتربت منها مرةً أخرى سأقتلك وألقي جثتك للكلاب، إذا حاولت أن تؤذيها أو تجعلها تخزن سأعاقبك اسوأ عقاب، وأجعلك تندم وتتمنى الموت ولن تجده.
مع كل كلمة يقولها، كان ينهال عليه بالضرب وميسون تحاول ابعاده، لكنها لم تنجح وكان الجميع قد خرج من الاستديو فنادت على مريم التى كانت تتحدث في هاتفها مع زوجها.
فتحدثت ميسون وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة من أثار الركض :
_ مريم ساعديني، ماهر هجم على عثمان وسيقتله.
ركضت الاثنتان وخلفهم الكسندر وحراسه، ودلفوا إليه فوجدوا عثماناً يلتقط أنفاسه بصعوبه والدماء تخرج منه بغزارة وماهر لم يتوقف عن الضرب اقتربت ميسون وقالت ببكاء:
-ماهر أرجوك، ابتعد عنه سيموت، لا تتصرف بغباء.
وبدأ الجميع يفك الاشتباك وبعد محاولات نجحوا، فماهر لم سهلاً بل وقوي جداً، ابتعد عنه وحمل الرجال عثمان وطلبوا له الإسعاف، بينما ماهر اقترب من ميسون التي تبكي.
_توقفي عن البكاء، اعدك أنه سيبتعد عنكِ وستنجحين، ولن يعترض طريقك مرةً ثانيةً، لقد تعلم الدرس.
-لماذا تصر أن تدمر كل شيء جميل، كنت سعيدة منذ دقائق والان حطمت سعادتي بضربك له تجاهله.
_ عزيزتي كان يجب أن اتخلص منه حتى لا يقترب منكِ مجدداً، انسي الأمر، وابتسمي لا أحب أن أرى الدموع تلمع في عينك، فابتسمت له وضمها وقال لها بحب متناسيا كل ما حصل:
_لقد أحضرت لكِ مفاجأة جميلة جداً، واثق أنها ستنال اعجابك، هيا بنا إلى السيارة لتشاهدي المفاجأة، من اليوم ستتبدل حياتك كثيراً.
أمسك يديها وركضا تجاه السيارة، ثم ركباها فقادها بسرعةٍ كبيرةٍ جداً وهي متحمسة جدا وتخمن ما قد تلك المفاجأة؟ ويدور في عقله أشياء كثيرة، مر وقتٌ قليلٌ حتى وصلا فأوقف السيارة ثم نزل وفتح لها الباب.
وصرخت بفزع، عندما فعل آخر شيء يمكن أن تتوقعه.