الفص التاسع
(9) الفصل التاسع.
ابقي معي ولا تتركيني فأنا بحاجتك.
في مدينة ميرامالا تلد النساء الأبناء من دون الزواج بآبائهم، فلن يستغرب الطبيب بأنها حامل في الشهور الأولى، لكن الصدمة هنا ظهرت على ملامح وجه روديان، فكان الخبر بالنسبة له كالصاعقة.
روديان ونيرفيتا لم يحدث شيء بينهما على الأطلاق.
خاب ظن الأمير روديان أكثر بعدما علم بأن نيرفيتا ما زالت تخونه مع جلاور.
أعتقد بأنها انهيت كل شيء معه بعد الإعلان عن خطبتهما أمام الجميع، قال روديان للطبيب بصوت خشن:
" سأطلب منك طلب وأرجو منك التفهم بدون أن تستفهم عن السبب"
هز الطبيب رأسه بالموافقة وهو يُجيب بابتسامة:
"أطلب ما تريده جلالة الملك"
أخرج روديان من جيبه الكثير من الأموال وأعطاها له مردف:
"رجاءً لا تخبر أحد عن حمل نيرفيتا، حتى هي سأخبرها أنا بنفسي، لأني صأصنع لها مفاجأة صغيرة"
أخذ الطبيب الأموال بابتسامه تملى شفتيه وعينين تلمعان فرحًا وهو يقول:
"مثلما تريد سيدي، هل تريد مني شيء آخر الآن؟ "
أشار له الملك بالانصراف ومن ثم أوقفته كلماته قبل رحيله من المكان:
"أيها الطبيب أنا لا أريد شيء منك الآن سوأ الصمت، لكن أن أنتشر الخبر، سأعرف بأنك أنت من أوزعته، لأنه لا أحد سيعرف غيرنا، فحينها ستدفع الثمن و... "
قاطعه الطبيب وهو ينظر للخلف:
"فأنتَ الملك من يستطيع عصيانك"
تراجع الطبيب للخلف خوفًا من نظرات روديان بعدما تحول أمامه لشبح شرير، فأكمل وهو يرتجف:
" سيدي لا تقلق مني، بالأساس أن لم أقابلك اليوم"
سمع روديان صوت نيرفيتا فذهب لها وهو يسير بوقار أمامه ووقف بجانبها، فقالت عندما رأته:
"روديان ماذا حدث لي؟ "
فتحت نيرفيتا عينيها ورمت هذه الجملة، امسك روديان بيدها ليطمئنها فقال لها:
"نيرفيتا أنتِ لا ترتاحين هذه الأيام جيدًا وتحتاجين أيضًا للغذاء، فلهذا فقدتي وعيك مجرد تعب بسيط، لكن ليس هناك شيء سيء".
طبطبت على يده وهي تنظر عليه بامتنان، لأنها رأت في عينه الخوف وأردفت:
" روديان شكرًا لوجودك دائما معي"
بدل روديان لون عينيه وأرجعه بلحظة قبل أن تلاحظ وقال:
"صحيح عزيزتي أين ذهبتي في صباح أمس؟ لم أراكي بالقصر! ".
توترت وابعدت نظرها عنه وقالت وهي تغمض عينيها:
"جلاور طلب مني زيارته ووالدتك ألحت علي بالذهاب، صدقني روديان ما كنت أريد الذهاب لكنه أخاك لا تنسى"
وضع روديان يده على ذقنه ونظر عليها من أسفل لأعلى وقال:
"هل تقولين أخي بعدما علمتي بكرهه اتجاهي؟ وبأنه حاول قتلي"
أجابت بصوت منخفض وهي تتراجع للوراء خوفًا منه:
"صدقني أنا... "
جاء جندي من الجنود يركض نحوه والباقية تلحقه فقال له:
" تحياتي أيها الأمير، جاءنا الآن خبر بانتحار الأمير زوليا بداخل الكهف أثناء أعتقاله"
نظر روديان على نيرفيتا ثم إلى الجنود بتشتت وذهب معهم لكي يرى بنفسه الذي حدث، وأخبر جندي من الجنود بأن يقل نيرفيتا للقصر.
نادت عليه نيرفيتا وهي تلحق به:
"روديان هل أتي معك؟ ".
صرخ روديان على الجندي وهو يحرك أصبعه:
" ماذا تنتظر؟ قلت لك خذها للقصر بالحال"
بعد مرور ثلاث ساعات.
دخلت كولن غرفة نيرفيتا بغضب وهي تقول:
"ماذا حدث بينكم؟ وأين ذهبتم؟".
وقفت نيرفيتا ورفعت حاجبيها ودفعتها للخارج بشكل غير لائق بالمرة وكتفت يدها قائلة:
" سيدتي أسالي عن الذي فعله أبنك المدلل"
رفعت يدها في وجهها لتصفعها على وقاحتها معها وقالت:
"كيف تتصرفين معي بهذا الشكل الوقح نيرفيتا؟ ألن تعرفين من أكون!"
اوقفت يدها قبل صفعها، وبنفس الطريقة السيئة عاملتها، بلا تمادت وتصرفت بخبث وأردفت:
" بلا أعرف من تكونين، ولكن أنتِ لا تعرفي بأن ابنك المدلل قتل العم زوليا"
وضعت كولن يدها على فمها وبذهول أجابت:
" هذا الأحمق كيف يقتل عمه؟ "
بينما عينيها على الجنود لأنها تنتظر عوده روديان اجابتها بتستهزاء:
"لثانية سأفكر بأنك متضايقة عليه، أنتِ فقط تعلمين بأنه معه الورقة التي تثبت بأن فالكا ليس ابن رايمبولو، وليس كما أخبرتني بأنه معه ورقه تُدينك لأنك أنتِ من قتلتي الملك.
كادت كولن تسقط لولا أن ساعدتها الجدران ووضعت يدها عليها، فهدأت قليلًا وقالت:
" هل تعلمين من والده الحقيقة؟"
جلست على الأريكة ووضعت قدم فوق قدم بغرور، وهي تقول:
"تقصدين أبي الملك شومار، الشخص الخائن لزوجته المسكينة منذ سنوات"
خرجت كولن وهي بالكاد تمشي على أقدامها، أغلقت نيرفيتا الباب وأخرجت الورقة من الخزانة وشردت وهي تقول:
" الجميع سيدفع الثمن ومن بينهم أبي، سأقف من روديان وأحميه بحياتي أن لزم الأمر"
عندما كانت نيرفيتا بالكهف، وجدت جلاور بحالة صدمة بعدما مص دم زوليا، لاحظت ورقة صغيرة ممتلئة بالدماء قرأتها وعرفت الحقيقة، كانت كولن توهم جلاور أيضًا بخصوص الورقة التي مع زوليا وتُخفي عنه الحقيقة.
أنصدمت نيرفيتا منذ خمس أعوام عندما علمت بأن فالكا ابن شومار، بيوم أرسل على منزل والدها ظرفان يحملان صور تُدين والدها وهو مع كولن، والظرف الآخر به نتيجة الفحوصات التي أجرتها كولن للتأكد من أبوه الطفل، كانت المراسيل بدون أي تفاصيل تستفهم عن المرسل، عندما علمت كرهت والدها وأخذت وعد بأنها لن تخبر والدتها إلا عندما تتزوج لتأخذها وتعيش معها في ميرامالا للأبد.
..
في القصر بالأسفل
..
"على ما تنظرين سيلينا"
جاءت روفال من الخارج بعد غياب ساعات ورمت هذه الكلمات على سيلينا فأجابتها وهي تشغل نفسها بالتنظيف:
"لا أنظر لشيء، كنت أستريح قليلًا، وسأبدا تنضيف الآن"
أمسكت منها الذي بيدها ووضعت الرواية والهاتف الخاص بها أمامها، ارتعبت سيلينا وقالت:
"من أين أتيتي بهم؟ هل ذهبتي لمنزل والدك اليوم؟"
أجابت روفال وهي تمد لها يدها للذهاب لغرفتهما:
"أجل كنت هناك وأريد منك شرح مفصل عنهما، لكن ليس هنا، تعالي معي"
ذهبا للغرفة فقال سيلينا وهي تبكي:
"لا أعرف سبب دخولي لهنا، ظننت بأنه بسبب حماية الملك من الموت"
فتحت روفال الصفحة التي بها يوم مقتل الملك وقالت:
" هل حقًا سيموت الملك على سيف الوريث"
طأطأت رأسها للأسفل وبحزن أجابت:
"لهذا أريده أن يبتعد عن نيرفيتا، لا أريد اي شيء يحدث بينهما"
فكرة المؤلف بالرواية، بأن هناك ملاك سحري يُساعده طوال الأحداث، وعندما يُكشف أمره ويقتلون الملاك، سيبقى الملك وحيد ويُقتل عند أول فرصة بيد الور يث الصغير.
كان السؤال يراودني هل سيلينا هي تلك الملاك التي ذكره المؤلف؟ وهل خروجها من القصة يساوي موتها؟ هناك ألغاز كثيرة لا نعرف لها أجابات، نتركها للأيام تحددها.
طرحت روفال سؤال أخر، وانتظرت رد سيلينا وما أجابت عليها فكررت سؤالها قائلة:
"هل جميع الأحداث التي بالرواية ستحدث؟ الذي أقصده هل أنا سأموت عندما يولد الوريث؟ "
تلعثمت سيلينا وأخذت منها الرواية وقالت:
"هذه رواية خيالية أنا صنعتها منذ وقت وبأحداث وهمية، وأحببت اسم هذه المدينة فجعلته عنوانها"
وقفت أمامها بغرابة ووضعت يدها على كتفها مردفه:
"اذن أخبريني ما هي مدينتك بالتحديد التي أتيتي منها!"
عانقت سيلينا الرواية وقالت وهي تتذكر مدينتها الجميلة وتجمعات عائلتها:
"أنا لست من هذا الزمن، ولدت بعد عشر ألاف سنة من الآن"
شهقت روفال وسقطت على الأرض مغشي عليها، حاولت سيلينا سكب القليل من المياه على وجهها لتستيقظ لكنها ما كانت تستجيب، فقالت سيلينا بصوت مرتفع:
"تفضل يا أمير روديان ما....
بأقل من دقيقة جلست بأرضها بعد ذكر اسمه، وغضبت منها لأنها تكذب عليها وعادت تستلقي على الأرض مرة أخري.
....
في الكهف عند أخيه جلاور.
....
" جلاور ماذا حدث له؟ لماذا قتل نفسه؟ "
رمَ روديان هذه الكلمات وهو يدور حول جثة زوليا بضجر، فقال جلاور بغضب:
"أنت هنا منذ ساعات تقول نفس الكلمات ولا تمل منها، وسأجيبك بنفس أجابتي، أنا لا أعرف السبب الذي دفعه للانتحار وعندما رأيت الدماء ضعفت ومصصت دمه"
حينما وجد روديان الرسالة الثانية التي أرسلتها سيلينا له بيوم مقتل رودلف عن طريق الصدفة، فتحها بلهفة وهو يريد معرفة الذي يكتبه له، فوجد بداخلها تحذير لروديان من عمه حول الزواج من نيرفيتا.
فكر روديان عندما قرأ الرسالة:
«روديان ابن اخي أعرف بأنك لا تُحبني وتعتبرني ضدك، لكن أذا تصدقني أو لا فأنا أحبك واعتبرك كأبن لي، الذي يهم الآن شعوري بأن الأيام المتبقة قليلة وسأغادر ميرامالا للأبد، لهذا أريد حمايتك فابتعد عن نيرفيتا لأنها لا تستحقك وستجعلك تُعاني معها، وأيضا أفتح دفاتر مقتل والدك لأن الحادث كان مدبر وليس عن طريق الصدفة تحياتي عمك زوليا الذي أحبك دون علمك».
"بالتأكيد كان يعلم الحقيقة"
جاء جلاور من الخلف وأجابه وهو يلتصق بكتفه:
" عن اي حقيقة تتكلم يا روديان"
خشب جسده وأمسك يده ودفعه على الحائط وهو يقول:
"ابتعد عني جلاور لا أريد سماع صوتك المزعج هذا مرة أخرى"
أمسك جلاور انفه ومسح الدماء من عليها وهو يشتاط غضبًا منه فرم هذه الكلمات:
"لأنك الملك تتصرف بهذا الشكل، رجع روديان يظهر على حقيقته من جديد، في السابق يا أخي أخذت شريحة قلبي وجعلتني شخص ضعيف، حتى عندما أحببت نيرفيتا أخذتها مني، فأنا أكرهك كثيرًا على كل شيء سيء تفعله به"
صمت روديان وما أجاب عليه، وبعدها صرخ على الحراس بأعلى صوت لديه:
" افتحوا أعينكم عليه جيدًا، ولو سمعت بأنه هرب منكم، سأنهي عليكم جميعًا بدقيقة واحدة"
أجاب أحد الجنود وطأطأ الباقي رأسه لأسفل:
"أمرك يا جلالة الملك"
ظن روديان بأنه سيكتشف شيء جديد بخصوص موت صديقه، فالذي دفعه من أعلى يريد هذه الورقة بالتأكيد، وقبل معرفته بانتحار زوليا، كان يريد مقابلته والتحدث معه عن أمور كثيرة.
...
في قصر الملك روديان
...
أفاقت روفال وهي مندهشة مما سمعته، توقعت بأنها من مدينة أو عالم بعيد لكن زمن مختلف فكانت صدمتها هنا، قالت روفال وهي بحيرة من أمرها:
"ماذا تعنين بأنك ولدتي بعدنا بكل هذه السنوات؟ وحقًا هذا الكتاب وجدته بزمنك يروي قصتنا الحقيقة "
خبأت الرواية والهاتف بملابسها، وأجابتها وهي تضحك بشفتيها نصف ابتسامه:
"مثلما سمعتي يا روفال، لهذا أنا أتصرف بشكل مختلف عنكم، لأنني لا أعرف قواعد هذه المدينة، ارأيتِ كنتي تظلمينني"
لعبت سيلينا بعقل روفال، وجعلتها تصدقها بكذبة صغيرة، فهي لا تعرف الحقيقة كاملة بعد، ولن تعرفها إلا اذا غيرت سيلينا رأيها بأي وقت وأخبرتها، أكملت روفال كلامها:
" سيلينا هل تخبريني بكل الحقيقة الآن؟ ولا تخفين شيء آخر عني"
ازاحت سيلينا عينيها لبعيد ومن ثم قالت بعدما أخرجت زفرات متتالية من فمها:
"بكل تأكيد هذه الحقيقة، لكن أعطيني وعد بأنه ستساعديني دائما ولا تخبري أحد عن شيء مما سمعته اليوم".
وضعت روفال يدها على شعر سيلينا طمأنتها، وطبطبت بيدها الأخرى على كتفها، وعانقتها وهي تخرج هذه الكلمات من فمها:
" سيلينا أنا أحبك، وسبق وأنقذتنني من جلاور عندما كان يلتهمني، لهذا أنا سأرد لك معروفك بأي وقت وبإي زمن"
ارتاحت سيلينا وهدأت أنفاسها، رجعت تتذكر روديان والذي فعله مع نيرفيتا بالصباح، انقلب وجهها بالحزن مردفه:
"شكرًا لك يا صديقتي، فأنا سأخلد للنوم الآن، لأني متعبة ونيرفيتا ما طلبتني منذ مدة في الغالب هي نائمة"
انهت عناقها وأزاحت خصلات شعرها من على وجهها وهي تقول:
" سيلينا أنا أيضًا لستُ من ميرامالا، وأحتفظ بالكثير من الأسرار"
رددت سيلينا كلماتها وهي تضع يدها على رأسها من الصدمة:
"أنتِ لستِ من مدينة ميرامالا"
كانت صدمة سيلينا بأن روفال تم ذكرها بالرواية على أنها من سكان ميرامالا.
فكلما تتعقد الأحداث وتختلف عن الرواية تقلق سيلينا أكثر من فكرة مقتل الملك، وعن كيفية خروجها من هنا التي لم تعرفها للآن، لأنها ما حاولت العثور على طريقة للخروج من الرواية من قبل.
لكنها بدأت تشعر بأن جسدها يختفى لثواني معدودة، وهذا يدل على قرب مهمتها على الأنتهاء وخروجها من الرواية للأبد.
قبلتها روفال على وجنتها، وضمت على يدها باحكام واكملت:
" سيلينا فوالدي الملك شومار حاكم مدينة انتوليسا، لكنه لا يعرفني لأنه كان على علاقة غير شرعية بوالدتي، و عندما ذهبت والدتي للقصر تخبره عن وجودي بعدما أتممت عامي السادس، قتلها ودفنها هناك فهو طاغي ومتحكم "
بأندهاش ذهبت إليها ووقفت أمامها وهي تقول:
"هل حقًا أنتِ ونيرفيتا شقيقتان؟"
ابتلعت ريقها بخوف بعدما رأت ظل على النافذة، فتحتها ببطء لترى من هناك، بشكل سريع ركض شيء غامض لم تتعرف عليه لسرعته، فقالت سيلينا بحيرة:
"من تعتقدين بأنه يتجسس علينا".
كانت روفال قلقه من كشف حقيقتها بهذه السهوله، وبالأخص بأن ابنته تسكن هنا الآن، فقالت وهي ما زالت تنظر على الشخص من النافذة:
" أظن بأنها ليريا صديقه الملكة لأنها من الذئاب المتحولة"
"هل حقًا ليريا من الذئاب المتحولة؟ ولو هي كذلك كيف لها يأن تعيش معنا هنا بميرامالا بدون خوف من الأمير؟! "
يتبع..
ابقي معي ولا تتركيني فأنا بحاجتك.
في مدينة ميرامالا تلد النساء الأبناء من دون الزواج بآبائهم، فلن يستغرب الطبيب بأنها حامل في الشهور الأولى، لكن الصدمة هنا ظهرت على ملامح وجه روديان، فكان الخبر بالنسبة له كالصاعقة.
روديان ونيرفيتا لم يحدث شيء بينهما على الأطلاق.
خاب ظن الأمير روديان أكثر بعدما علم بأن نيرفيتا ما زالت تخونه مع جلاور.
أعتقد بأنها انهيت كل شيء معه بعد الإعلان عن خطبتهما أمام الجميع، قال روديان للطبيب بصوت خشن:
" سأطلب منك طلب وأرجو منك التفهم بدون أن تستفهم عن السبب"
هز الطبيب رأسه بالموافقة وهو يُجيب بابتسامة:
"أطلب ما تريده جلالة الملك"
أخرج روديان من جيبه الكثير من الأموال وأعطاها له مردف:
"رجاءً لا تخبر أحد عن حمل نيرفيتا، حتى هي سأخبرها أنا بنفسي، لأني صأصنع لها مفاجأة صغيرة"
أخذ الطبيب الأموال بابتسامه تملى شفتيه وعينين تلمعان فرحًا وهو يقول:
"مثلما تريد سيدي، هل تريد مني شيء آخر الآن؟ "
أشار له الملك بالانصراف ومن ثم أوقفته كلماته قبل رحيله من المكان:
"أيها الطبيب أنا لا أريد شيء منك الآن سوأ الصمت، لكن أن أنتشر الخبر، سأعرف بأنك أنت من أوزعته، لأنه لا أحد سيعرف غيرنا، فحينها ستدفع الثمن و... "
قاطعه الطبيب وهو ينظر للخلف:
"فأنتَ الملك من يستطيع عصيانك"
تراجع الطبيب للخلف خوفًا من نظرات روديان بعدما تحول أمامه لشبح شرير، فأكمل وهو يرتجف:
" سيدي لا تقلق مني، بالأساس أن لم أقابلك اليوم"
سمع روديان صوت نيرفيتا فذهب لها وهو يسير بوقار أمامه ووقف بجانبها، فقالت عندما رأته:
"روديان ماذا حدث لي؟ "
فتحت نيرفيتا عينيها ورمت هذه الجملة، امسك روديان بيدها ليطمئنها فقال لها:
"نيرفيتا أنتِ لا ترتاحين هذه الأيام جيدًا وتحتاجين أيضًا للغذاء، فلهذا فقدتي وعيك مجرد تعب بسيط، لكن ليس هناك شيء سيء".
طبطبت على يده وهي تنظر عليه بامتنان، لأنها رأت في عينه الخوف وأردفت:
" روديان شكرًا لوجودك دائما معي"
بدل روديان لون عينيه وأرجعه بلحظة قبل أن تلاحظ وقال:
"صحيح عزيزتي أين ذهبتي في صباح أمس؟ لم أراكي بالقصر! ".
توترت وابعدت نظرها عنه وقالت وهي تغمض عينيها:
"جلاور طلب مني زيارته ووالدتك ألحت علي بالذهاب، صدقني روديان ما كنت أريد الذهاب لكنه أخاك لا تنسى"
وضع روديان يده على ذقنه ونظر عليها من أسفل لأعلى وقال:
"هل تقولين أخي بعدما علمتي بكرهه اتجاهي؟ وبأنه حاول قتلي"
أجابت بصوت منخفض وهي تتراجع للوراء خوفًا منه:
"صدقني أنا... "
جاء جندي من الجنود يركض نحوه والباقية تلحقه فقال له:
" تحياتي أيها الأمير، جاءنا الآن خبر بانتحار الأمير زوليا بداخل الكهف أثناء أعتقاله"
نظر روديان على نيرفيتا ثم إلى الجنود بتشتت وذهب معهم لكي يرى بنفسه الذي حدث، وأخبر جندي من الجنود بأن يقل نيرفيتا للقصر.
نادت عليه نيرفيتا وهي تلحق به:
"روديان هل أتي معك؟ ".
صرخ روديان على الجندي وهو يحرك أصبعه:
" ماذا تنتظر؟ قلت لك خذها للقصر بالحال"
بعد مرور ثلاث ساعات.
دخلت كولن غرفة نيرفيتا بغضب وهي تقول:
"ماذا حدث بينكم؟ وأين ذهبتم؟".
وقفت نيرفيتا ورفعت حاجبيها ودفعتها للخارج بشكل غير لائق بالمرة وكتفت يدها قائلة:
" سيدتي أسالي عن الذي فعله أبنك المدلل"
رفعت يدها في وجهها لتصفعها على وقاحتها معها وقالت:
"كيف تتصرفين معي بهذا الشكل الوقح نيرفيتا؟ ألن تعرفين من أكون!"
اوقفت يدها قبل صفعها، وبنفس الطريقة السيئة عاملتها، بلا تمادت وتصرفت بخبث وأردفت:
" بلا أعرف من تكونين، ولكن أنتِ لا تعرفي بأن ابنك المدلل قتل العم زوليا"
وضعت كولن يدها على فمها وبذهول أجابت:
" هذا الأحمق كيف يقتل عمه؟ "
بينما عينيها على الجنود لأنها تنتظر عوده روديان اجابتها بتستهزاء:
"لثانية سأفكر بأنك متضايقة عليه، أنتِ فقط تعلمين بأنه معه الورقة التي تثبت بأن فالكا ليس ابن رايمبولو، وليس كما أخبرتني بأنه معه ورقه تُدينك لأنك أنتِ من قتلتي الملك.
كادت كولن تسقط لولا أن ساعدتها الجدران ووضعت يدها عليها، فهدأت قليلًا وقالت:
" هل تعلمين من والده الحقيقة؟"
جلست على الأريكة ووضعت قدم فوق قدم بغرور، وهي تقول:
"تقصدين أبي الملك شومار، الشخص الخائن لزوجته المسكينة منذ سنوات"
خرجت كولن وهي بالكاد تمشي على أقدامها، أغلقت نيرفيتا الباب وأخرجت الورقة من الخزانة وشردت وهي تقول:
" الجميع سيدفع الثمن ومن بينهم أبي، سأقف من روديان وأحميه بحياتي أن لزم الأمر"
عندما كانت نيرفيتا بالكهف، وجدت جلاور بحالة صدمة بعدما مص دم زوليا، لاحظت ورقة صغيرة ممتلئة بالدماء قرأتها وعرفت الحقيقة، كانت كولن توهم جلاور أيضًا بخصوص الورقة التي مع زوليا وتُخفي عنه الحقيقة.
أنصدمت نيرفيتا منذ خمس أعوام عندما علمت بأن فالكا ابن شومار، بيوم أرسل على منزل والدها ظرفان يحملان صور تُدين والدها وهو مع كولن، والظرف الآخر به نتيجة الفحوصات التي أجرتها كولن للتأكد من أبوه الطفل، كانت المراسيل بدون أي تفاصيل تستفهم عن المرسل، عندما علمت كرهت والدها وأخذت وعد بأنها لن تخبر والدتها إلا عندما تتزوج لتأخذها وتعيش معها في ميرامالا للأبد.
..
في القصر بالأسفل
..
"على ما تنظرين سيلينا"
جاءت روفال من الخارج بعد غياب ساعات ورمت هذه الكلمات على سيلينا فأجابتها وهي تشغل نفسها بالتنظيف:
"لا أنظر لشيء، كنت أستريح قليلًا، وسأبدا تنضيف الآن"
أمسكت منها الذي بيدها ووضعت الرواية والهاتف الخاص بها أمامها، ارتعبت سيلينا وقالت:
"من أين أتيتي بهم؟ هل ذهبتي لمنزل والدك اليوم؟"
أجابت روفال وهي تمد لها يدها للذهاب لغرفتهما:
"أجل كنت هناك وأريد منك شرح مفصل عنهما، لكن ليس هنا، تعالي معي"
ذهبا للغرفة فقال سيلينا وهي تبكي:
"لا أعرف سبب دخولي لهنا، ظننت بأنه بسبب حماية الملك من الموت"
فتحت روفال الصفحة التي بها يوم مقتل الملك وقالت:
" هل حقًا سيموت الملك على سيف الوريث"
طأطأت رأسها للأسفل وبحزن أجابت:
"لهذا أريده أن يبتعد عن نيرفيتا، لا أريد اي شيء يحدث بينهما"
فكرة المؤلف بالرواية، بأن هناك ملاك سحري يُساعده طوال الأحداث، وعندما يُكشف أمره ويقتلون الملاك، سيبقى الملك وحيد ويُقتل عند أول فرصة بيد الور يث الصغير.
كان السؤال يراودني هل سيلينا هي تلك الملاك التي ذكره المؤلف؟ وهل خروجها من القصة يساوي موتها؟ هناك ألغاز كثيرة لا نعرف لها أجابات، نتركها للأيام تحددها.
طرحت روفال سؤال أخر، وانتظرت رد سيلينا وما أجابت عليها فكررت سؤالها قائلة:
"هل جميع الأحداث التي بالرواية ستحدث؟ الذي أقصده هل أنا سأموت عندما يولد الوريث؟ "
تلعثمت سيلينا وأخذت منها الرواية وقالت:
"هذه رواية خيالية أنا صنعتها منذ وقت وبأحداث وهمية، وأحببت اسم هذه المدينة فجعلته عنوانها"
وقفت أمامها بغرابة ووضعت يدها على كتفها مردفه:
"اذن أخبريني ما هي مدينتك بالتحديد التي أتيتي منها!"
عانقت سيلينا الرواية وقالت وهي تتذكر مدينتها الجميلة وتجمعات عائلتها:
"أنا لست من هذا الزمن، ولدت بعد عشر ألاف سنة من الآن"
شهقت روفال وسقطت على الأرض مغشي عليها، حاولت سيلينا سكب القليل من المياه على وجهها لتستيقظ لكنها ما كانت تستجيب، فقالت سيلينا بصوت مرتفع:
"تفضل يا أمير روديان ما....
بأقل من دقيقة جلست بأرضها بعد ذكر اسمه، وغضبت منها لأنها تكذب عليها وعادت تستلقي على الأرض مرة أخري.
....
في الكهف عند أخيه جلاور.
....
" جلاور ماذا حدث له؟ لماذا قتل نفسه؟ "
رمَ روديان هذه الكلمات وهو يدور حول جثة زوليا بضجر، فقال جلاور بغضب:
"أنت هنا منذ ساعات تقول نفس الكلمات ولا تمل منها، وسأجيبك بنفس أجابتي، أنا لا أعرف السبب الذي دفعه للانتحار وعندما رأيت الدماء ضعفت ومصصت دمه"
حينما وجد روديان الرسالة الثانية التي أرسلتها سيلينا له بيوم مقتل رودلف عن طريق الصدفة، فتحها بلهفة وهو يريد معرفة الذي يكتبه له، فوجد بداخلها تحذير لروديان من عمه حول الزواج من نيرفيتا.
فكر روديان عندما قرأ الرسالة:
«روديان ابن اخي أعرف بأنك لا تُحبني وتعتبرني ضدك، لكن أذا تصدقني أو لا فأنا أحبك واعتبرك كأبن لي، الذي يهم الآن شعوري بأن الأيام المتبقة قليلة وسأغادر ميرامالا للأبد، لهذا أريد حمايتك فابتعد عن نيرفيتا لأنها لا تستحقك وستجعلك تُعاني معها، وأيضا أفتح دفاتر مقتل والدك لأن الحادث كان مدبر وليس عن طريق الصدفة تحياتي عمك زوليا الذي أحبك دون علمك».
"بالتأكيد كان يعلم الحقيقة"
جاء جلاور من الخلف وأجابه وهو يلتصق بكتفه:
" عن اي حقيقة تتكلم يا روديان"
خشب جسده وأمسك يده ودفعه على الحائط وهو يقول:
"ابتعد عني جلاور لا أريد سماع صوتك المزعج هذا مرة أخرى"
أمسك جلاور انفه ومسح الدماء من عليها وهو يشتاط غضبًا منه فرم هذه الكلمات:
"لأنك الملك تتصرف بهذا الشكل، رجع روديان يظهر على حقيقته من جديد، في السابق يا أخي أخذت شريحة قلبي وجعلتني شخص ضعيف، حتى عندما أحببت نيرفيتا أخذتها مني، فأنا أكرهك كثيرًا على كل شيء سيء تفعله به"
صمت روديان وما أجاب عليه، وبعدها صرخ على الحراس بأعلى صوت لديه:
" افتحوا أعينكم عليه جيدًا، ولو سمعت بأنه هرب منكم، سأنهي عليكم جميعًا بدقيقة واحدة"
أجاب أحد الجنود وطأطأ الباقي رأسه لأسفل:
"أمرك يا جلالة الملك"
ظن روديان بأنه سيكتشف شيء جديد بخصوص موت صديقه، فالذي دفعه من أعلى يريد هذه الورقة بالتأكيد، وقبل معرفته بانتحار زوليا، كان يريد مقابلته والتحدث معه عن أمور كثيرة.
...
في قصر الملك روديان
...
أفاقت روفال وهي مندهشة مما سمعته، توقعت بأنها من مدينة أو عالم بعيد لكن زمن مختلف فكانت صدمتها هنا، قالت روفال وهي بحيرة من أمرها:
"ماذا تعنين بأنك ولدتي بعدنا بكل هذه السنوات؟ وحقًا هذا الكتاب وجدته بزمنك يروي قصتنا الحقيقة "
خبأت الرواية والهاتف بملابسها، وأجابتها وهي تضحك بشفتيها نصف ابتسامه:
"مثلما سمعتي يا روفال، لهذا أنا أتصرف بشكل مختلف عنكم، لأنني لا أعرف قواعد هذه المدينة، ارأيتِ كنتي تظلمينني"
لعبت سيلينا بعقل روفال، وجعلتها تصدقها بكذبة صغيرة، فهي لا تعرف الحقيقة كاملة بعد، ولن تعرفها إلا اذا غيرت سيلينا رأيها بأي وقت وأخبرتها، أكملت روفال كلامها:
" سيلينا هل تخبريني بكل الحقيقة الآن؟ ولا تخفين شيء آخر عني"
ازاحت سيلينا عينيها لبعيد ومن ثم قالت بعدما أخرجت زفرات متتالية من فمها:
"بكل تأكيد هذه الحقيقة، لكن أعطيني وعد بأنه ستساعديني دائما ولا تخبري أحد عن شيء مما سمعته اليوم".
وضعت روفال يدها على شعر سيلينا طمأنتها، وطبطبت بيدها الأخرى على كتفها، وعانقتها وهي تخرج هذه الكلمات من فمها:
" سيلينا أنا أحبك، وسبق وأنقذتنني من جلاور عندما كان يلتهمني، لهذا أنا سأرد لك معروفك بأي وقت وبإي زمن"
ارتاحت سيلينا وهدأت أنفاسها، رجعت تتذكر روديان والذي فعله مع نيرفيتا بالصباح، انقلب وجهها بالحزن مردفه:
"شكرًا لك يا صديقتي، فأنا سأخلد للنوم الآن، لأني متعبة ونيرفيتا ما طلبتني منذ مدة في الغالب هي نائمة"
انهت عناقها وأزاحت خصلات شعرها من على وجهها وهي تقول:
" سيلينا أنا أيضًا لستُ من ميرامالا، وأحتفظ بالكثير من الأسرار"
رددت سيلينا كلماتها وهي تضع يدها على رأسها من الصدمة:
"أنتِ لستِ من مدينة ميرامالا"
كانت صدمة سيلينا بأن روفال تم ذكرها بالرواية على أنها من سكان ميرامالا.
فكلما تتعقد الأحداث وتختلف عن الرواية تقلق سيلينا أكثر من فكرة مقتل الملك، وعن كيفية خروجها من هنا التي لم تعرفها للآن، لأنها ما حاولت العثور على طريقة للخروج من الرواية من قبل.
لكنها بدأت تشعر بأن جسدها يختفى لثواني معدودة، وهذا يدل على قرب مهمتها على الأنتهاء وخروجها من الرواية للأبد.
قبلتها روفال على وجنتها، وضمت على يدها باحكام واكملت:
" سيلينا فوالدي الملك شومار حاكم مدينة انتوليسا، لكنه لا يعرفني لأنه كان على علاقة غير شرعية بوالدتي، و عندما ذهبت والدتي للقصر تخبره عن وجودي بعدما أتممت عامي السادس، قتلها ودفنها هناك فهو طاغي ومتحكم "
بأندهاش ذهبت إليها ووقفت أمامها وهي تقول:
"هل حقًا أنتِ ونيرفيتا شقيقتان؟"
ابتلعت ريقها بخوف بعدما رأت ظل على النافذة، فتحتها ببطء لترى من هناك، بشكل سريع ركض شيء غامض لم تتعرف عليه لسرعته، فقالت سيلينا بحيرة:
"من تعتقدين بأنه يتجسس علينا".
كانت روفال قلقه من كشف حقيقتها بهذه السهوله، وبالأخص بأن ابنته تسكن هنا الآن، فقالت وهي ما زالت تنظر على الشخص من النافذة:
" أظن بأنها ليريا صديقه الملكة لأنها من الذئاب المتحولة"
"هل حقًا ليريا من الذئاب المتحولة؟ ولو هي كذلك كيف لها يأن تعيش معنا هنا بميرامالا بدون خوف من الأمير؟! "
يتبع..