الفصل الثامن

(8) الفصل الثامن.


شيء خيالي لن يكون في الحسبان.


تراجعت نيرفيتا للوراء فأنصدمت بالطاولة وسقطت على الأرض وهي تقول:

" جلاور أنت أصبح أكثر خطورة"

شرد جلاور وهو يتذكر الذي فعله بزوليا، عندما وقف وهجم عليه بعدما ثبت مخالبة على رقبته، ضغط على قلبه بلوح حديدي كان بقربه، جعله يتأذى ويصرخ بصوت مرتفع، لكن جلاور مسيطر على الكهف، عذبه إلى أن وضع فمه برقبته ومن ثم صدره بعدما فتحه وخلع قلبه أمام عينيه ومن ثم أكله.

نظر عليها بكل مخيف، فرجعت نيرفيتا للوراء أكثر بفزع وهي تقول:

"لماذا فعلت ذلك، فهو عمك؟"

أجابها وجسده غير متوازن:

"لأنه يعرف من قتل والدي"

نظرت عليه من قرب ورأته فاتح فمه والدماء متساقطه حوله فقالت:

"أعرف بأن والدتك هي من قتلت والدك"

صفق بيده وهو ما زال يتأرجح:

" تحياتي لكولن هذا ما كانت تزرعه بداخلنا مجرد الأوهام من خيالها، نيرفيتا فأخي فالكا هو من قتل والدي"

وضعت يدها على فمها وصدمت أكثر وهي تقول:

"لا يعقل الذي تخبرني به"

قبل خمس أعوام من الآن.

كان فالكا ابن العشر أعوام يسير وحيد بحديقة المنزل، رأى عمه زوليا يقتل شخصًا من البشر أمام عينه، شعر بأنه لديه رغبة بتجربة مص دماء البشر كالكبار منذ الصغير.

فقرر التجربة فأثناء تواجده مع والده هجم على بشري وكاد يؤدي بحياته، فعاقبه حينها والده، لأن هناك معاهدات تنص على حماية البشر، في المناسبات العامة أو حماية الخدم الذي يعملون بالقصر بوفاء.

"هذا المعاهدة بيننا وإلى كل ملك يحكم ميرامالا، سنتعايش مع البشر بحرية كأنها مدينتهم هم وبدون اي خسائر لهم، شروطنا هي خدمتنا فقط وعدم الخيانة"

كانت هذه كلمات رايمبولو قبل مقتله.

تضايق الملك من فالكا بعد قتله لبشري، وحينها أرسله للكهف بمفرده بضعه أيام كعقاب، إلى أن أخرجه من هناك عندما طلب منه روديان بأن يخرجه، رغم أنه توسل إليه عدة أشخاص ورفض تخريجه ومن بينهم كولن، لكن كلام روديان مسموح لدى رايمبولو.

كان في داخل فالكا كره منذ الصغر ناحية اخيه روديان، بالتأكيد بسبب والدته وجلاور، فهم من جعلوه يكره روديان.

وبالفعل حاولت كولن التخلص من روديان بشتى الطرق، لكن ما كانت تنجح، إلى يوم الحادث المشؤم الذي راح ضحيته الملك رايمبرلو، ومات على يد ابنه فالكا.

كانت تعلم كولن بأن هناك مكان وحيد تنزل به الشمس بالصباح بسبب وجود فتحه به، وأن ذهب روديان لهناك قد يتأثر بأشعة الشمس اذا لمست جسده ويموت بالحال، كطبيعة مصاص الدماء، فأخبرت فالكا بتنفيذ خطة محكمة صنعتها بوقت طويل.

وبالفعل أخذوا روديان للمكان الذي تدخل به الشمس بالصباح، وذهب روديان دون أن يَشك به، وتبعهم والده لأنه قلق عليهما عندما رأم بالصدفة.

رتبت كولن ابنها فالكا لأنه صغير بالسن ولن يدخل السجن اذا قتل لأنه لن يبلغ بعد وهذا قانون بمدينتهم.

فلاحظ والده رايمبرلو بأن روديان سيتأذى، فسحبه من فوق الفتحة على آخر لحظة وأحترق جسده هو بالكامل، ومات محروقًا حينها وهو يدافع عن ابنه.

وبعد موته صمدت أمه ورفضت الزواج من بعده، لتحنوا على ابنائها وليظل قلبها لهم وحدهم، هذه الحقيقة الخادعة التي أروها لسكان ميرامالا، لهذا كانت تخرج من المدينة لِمواعدة الرجال والزواج بهم بعيدًا عن المدينة.

فاستقرت كولن هناك منذ مدة، لتبدأ حياة جديدة بعيدة عن أعين الناس، وبها الكثير من الطمع وحب الأموال.

بالمناسبة كبر التؤم لوفا وتوبا ابنتاي الملك من زوجته الراحلة نيسران في عالم جديد ما به من أب أو أم، ولكنه كان مريب يحمل في طياته الكثير من الرعب والخوف والألم.

ولأن أخواتها يتقتلون أمامها لكي يحصلون على العرش، وها هي وصية والدهم قضت على مخططات كولن وجلاور، ليعود القتال من جديد.

اما عن دخول سيلينا لهذا العالم ما كان إلا استجابة من طلب روديان، بنفس اليوم الذي جاءت به سيلينا لميرامالا، كان روديان بالمكان الذي حرق به اباه يصرخ بضجر بأعلى صوت ويقول:

"لقد علمت يا أبي بأن نيرفيتا تخدعني، وتخونني مع أخي الذي طالما أحببته وتمنيت له الخير"

تدخل رودلف وهو يحمل أوراق بيده مردف:

"صديقي أعتذر منك أعرف بأنك منزعج، لكن خرجت نتيجة الفحوصات"

علم حينها روديان بأن جلاور ما كان يخونه مع حبيبته فقط، كانت العلاقة متطورة بينهما وسيصبح أيضًا والد ابنها قبل أن تنهي بحياة الصغير.

ضرب روديان يده بالحائط عندما اشتطاط غضبًا، وعبر عن البركان الذي بداخله بأنه خالف وعود المدينة ومص دم من أحد الجنود التي كانت أمامه، تراجع رودلف خوفًا منه مردف:

"روديان يا صديقي أهدا فالذي يحدث سيفتح لك الكثير من المواجهات، بالأخص أذا علم جلاور بأنك خالفت المعاهدة التي كتبها والدك، ربما يأخذ منك الحكم"

نظر روديان على رودلف وترك الجندي الذي يمص به، ظننا بأنه سيشرب دمه وينهي حياته، لكن انتبه روديان بأخر لحظة قبل أن يفعل له شيء، وتركه وهو يقول:

"رودلف أتركني وارحل"

ترك رودلف الأوراق بجانبه وهو يجيب:

"هناك شيء أخير سيدي الأمير، جلاور هو من أراد قتلك عندما كنا بحفل تتويج أمير باسطا"

غادر رودلف سريعًا قبل أن يُجيب، وتحول روديان وثار بالمكان وهو يقول بأعلى صوت مع تكسير المكان:

" روديان سينهي حياتكم جميعًا، فالجميع سيتأذى على يدي"

دخلت سيلينا للرواية، وبدأ دورها وكان ينبغي عليها الصمود وهذه معجزة بالنسبة لفتاة ضعيفة ورقيقة كسيلينا.

لكنها دخلت في هذا العالم في سن صغير _ ثماني عشر عامًا – فهذا ما جعلها تتأقلم في وقتٍ قصيرٍ بالإضافة إلى وجود روديان بطلها بجانبها ساعدها كثيرًا على العيش في هذا العالم.

حياة سيلينا قبل دخولها لميرامالا.

كبرت سيلينا وكبرت معها أحلامها حيث أنهت مرحلة الثانوية، وجاء حُلم الجامعة وكانت تتمنى الالتحاق بكلية اللغات الشرقية جامعة القاهرة، ولكن كانت أمها تتمنى لها أن تلتحق بكلية الحقوق لتأتي لها الكلية التي حلمت بها، وكانت سيلينا في غاية الفرحة لدخولها هذه الكلية.

دخلت سيلينا الجامعة وكانت عالمًا جديدًا عليها حيث رهبة أول يومٍ وإحساس الخجل من الجنس الآخر لاختلاطها بهم لأول مرة، لأن حياتها كانت مُنحصرة عليها وعلى أمها فقط لا ثالث بينهما، فليس لديها أصدقاء أو معارف أو أهل أو أقارب، ولكن بعد التحاقها بالجامعة.

وبمجرد دخولها ومرور أول أسبوع تعرفت على الكثير، وعدى الوقت وتأقلمت إلى أن جاء يوم دخولها للرواية، الذي لا يزال غامض إلى الآن، لما هذا الوقت بالتحديد؟ وماذا تعني كلمات روديان؟ وما علاقتها بذلك.

رجعت نيرفيتا لغرفتها وما وجدت روديان فصرخت قائله:

"سيلينا أين أنتِ"

جاءتها سيلينا تركض بخوف من حدة نبرتها فأردفت:

"أميرتي أنا هنا، تحت أمرك هل تحتاجين لشيء ما؟ "

ذهبت نيرفيتا للطاولة والتقطت كأس به ماء وهي تقول بنفس النبرة الحادة:

" أين الأمير روديان؟ "

استغربت سيلينا من توترها الملحوظ، لأن يداها ترتجف كثيرًا وتكاد تسقط الكاس من بينهم، فسألتها سيلينا بلطف:

"أميرتي هل أنتِ بخير"

أمسكت الكاس ودفعته على الحائط وهي تصرخ بصوت مرتفع قائلة:

"ما دخلك بحالتي، وكيف أكون؟ أنا أسالك عن زوجي، فلتُجيبي أين هو روديان"

دخل روديان للغرفة وعلامات الحيرة تملئه، فرأى ملامح سيلينا تبدلت للحزن فقال بلطف:

"من فضلك سيلينا أُتركينا بمفردنا الآن"

أجابت سيلينا وهي تحني رأسها للأسفل لِتُخفي حزنها عنه:

" أمرك سيدي، اسمح لي بالذهاب عن أذنكما أميرتي"

أمسك روديان بيد نيرفيتا وهو يكمل حديثه:

" نيرفيتا لما جسدك يرتعش، ما بكِ عزيزتي، لما كل هذا الخوف"

ارتمت نيرفيتا جسدها بحضنه وهي تبكي بانهيار، استمر الوضع قليلًا ثم هدأت قليلًا وأجابت بعدما مسحت دموعها:

"أنا متعبة الآن كثيرًا روديان، من فضلك لا تتركني بمفردي، وبالأخص اليوم ابقى معي لحين اغفوا"

كانت صدمة لنيرفيتا عندما علمت بأن فالكا هو من قتل الملك رايمبولو، فهي وكولن فقط يعلمون بأن فالكا ابن شومار والدها وليس ابن الملك رايمبولو.

شعورها بأن أخاها قاتل يجعلها تحزن، والأسوأ بأنه شخص سيء منذ الصغر وتربى على الشر، فمن قبل كانت تنوي أخبار والدها بالأمر بعدما تتزوج من روديان، بعد الذي سمعته تراجعت عن الفكرة قليلًا وتريد دفن الحقيقة بداخلها.

غفت نيرفيتا بين احضان روديان، افاق روديان عندما رأى سيلينا تنظر عليهما من بعيد بحزن، فابتعد عن نيرفيتا وذهب خلفها واوقفها من يدها قائلًا:

" سيلينا لا تذهبي، ابقي قليلًا"

انزلت سيلينا عينيها عن عينيه وابعدت يده عنها:

" لماذا ابقى معك أميري؟ فأنت مع زوجتك لما تحتاج لي"

رفع روديان رأس سيلينا لأعلى وهو يحرك شفتيه بأسف:

"عندما رأيت حالتها هذه للحظة نسيت كل شيء سيء معنًا، للحظة نسيت بأنها..."

قاطعته سيلينا قائلة:

" روديان أنت ما زلت تُحبها، هذه هي الحقيقة، مهما فعلت لك فأنت مغرم بها"

فتح فمه ليرد، ما أعطته فرصة وأكملت سريعًا وهي تكتم دموعها:

"أعتذر لأني قلت لك رويان بلا لقبك، أعتذر منكم أنا سأرحل يا أمير ميرامالا"

عاد وأمسك يدها وهو يقول:

"ألن تبقين هنا وتنامين بالغرفة الداخلية"

بانكسار أجابت:

"لا يا سيدي، فالخدم ينامون بالأسفل، وأنا خادمة زوجتك"

ابعدت يده عنها للمرة الثانية وغادرت وهي تضع يدها على وجهها، لكي تمسح دموعها، فنادى روديان عليها ب:

"سيلينا انتظري قليلًا لا تذهبي رجاءً".

غادرت سيلينا وقلبها يكاد ينفجر من الحزن، استيقظت نيرفيتا وهي تصرخ بصوت مرتفع قائلة:

" روديان، لا تموت وتتركني"

ركض روديان عليها وعانقها وهو يطمئنها:

"لا تخافي عزيزتي فأنا بجانبك، هل رأيتِ كابوس بمنامك؟ "

هزت برأسها، أخذها بحضنه واغلقت عينيها وعادت لتنم، فكر روديان بحديث سيلينا، ويرى بأن قلبه ما زال متعلق بنيرفيتا، برغم كل شيء فعلته معه للآن وحدث نفسه:


«هل ما زلت أحبك حقًا نيرفيتا؟»


استيقظت نيرفيتا عن صوت روديان وهو يحضر لها الطعام الخاص بهم، فتحت عيناها وقبلته وهي مبتسمة، فقال لها:


"صباح الخير عزيزتي، هل نمتي بأمان؟"


أجابته وهي تأخد أنفاسها وتحرك يداها لأعلى لكي تستيقظ:


"أجل عزيزي شكرًا لوجودك بجانبي، فأنا بخير طلاما أنت هنا"


أكلا سويًا ومن ثم تركها بالغرفة لتتجهز للذهاب خارجًا، قررت نيرفيتا بأن تنسى الذي حدث وتبدأ صفحة بيضاء من روديان ومع نفسها أيضًا، وغيرت رأيها بفكرة أخبار والدها عن ابنه فالكا، تجهزت ونزلت وجدت روديان ينتظرها بالأسفل.

وصلت لنهاية الدرج تغزل بها روديان وقبل يدها وعاملها بشكل رومانسي للغاية، فجأة وجد سيلينا تقف أمامه، فأكمل الذي يفعله وأخذها ورحلًا سويًا من القصر وهو يحملها بين يديه.

ذهبت سيلينا للمطبخ والدموع تنهمر على عينيها، فقالت لها روفال:

"ما بكِ لما كل هذه الدموع"

عانقتها سيلينا وهي تُجيب:

"لقد خدعني ظننت بأنه حقًا يُحبني"

ضحكت روفال وشردت بعينيها لبعيد:

"هكذا حياة الأمراء والملوك يوقعون الفتيات بشباكهم ويقضون معهم ليلة سعيدة، ومن ثم يتركوهم ولا يتذكروهم بسؤال مثلما.. "

عقلت روفال الكلام بعقلها ونظرت عليها وأكملت:
" صحيح هل حدث بينكم شيء؟"

بلهفة ردت سيلينا سريعًا وهي تحضر الدماء وتجهز طعامهم:

" بالتأكيد لم يحدث، ماذا الذي تتحدثين عنه؟ هل جننتِ؟ "

ذهبت روفال بعدما نادوا عليها وتركتها بحيرة من أمرها، أخرجت شهقات متتالية وهي تضرب رأسها وتحدث ذاتها:

«يا لك من حمقاء يا سيلينا كيف صدقته؟»

قطع روديان وعدًا من قبل لنيرفيتا، بأن يأخذها لمزرعة الخيول، لكي يتسابقون معًا، وبالفعل أخذها وذهب سويًا لهناك، فرحت نيرفيتا وقبلته على يده وهي تقول:
"روديان شكرًا لك؟"

ابتسم لها روديان ونزل من السيارة وهو يتذكر لحظاته مع رودلف في هذا المكان، أخرجته نيرفيتا من شروده وهي تكلمه:

"روديان هل تسمعني؟"

أجاب روديان وهي مشتت العقل:

"أعتذر منكِ عزيزتي، فهذا المكان يذكرني برودلف، دائما كنا نأتي لهنا ونتسابق"

أمسكت يده بقوة وهي تقول:

"أعرف بأنك لن تتخطى موت رودلف بسهولة، لكنك يمكنك مشاركتي إي شيء كنت تتشارك به معه"

اظهر ابتسامته لها وركبا كل واحد حِصانًا وبدأوا بالسباق، كانت الأوضاع جيدة إلى أن سقطت نيرفيتا من أعلى الحِصان، توقف روديان وذهبت يطمئن عليها في خوف، فجأة وهي متعبة لفظت اسم فالكا.

فقدت وعيها، نادى روديان على الطبيب، وكشف عليها وأخبره بفرح:

"مبارك يا أمير روديان سترزقان بطفل عما قريب، فنيرفيتا حامل وفي الشهور الأولى"

أجاب روديان بصدمة:


"ماذا تعني بكلامك؟ هل حقًا هي حامل"

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي