الفصل الخامس من أجلي

رفضت هدى رفض تام أن يوصلها مازن، لم ينجح في اقناعها وانتهى الأمر وهي تخرج من السيارة لتصعد الى شقتها، حرك رأسه بضيق شديد وهو يعلم كل العلم أن مهمته لن تكون سهلة، عليه أن ينجح في التأثير عليها.

وصل الى شقته الذي يتشاركها مع صديقه المقرب علاء الذي كان يتناول كأس من النبيذ، ابتسم مازن وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-تجلس وكأنك متفرغ تماما ولا يوجد لديك شيء، اخبرني هل حضرت الغداء يا علاء؟ أشك في هذا.

حرك علاء رأسه بنفي وهو يشعر بالكثير من الضيق:

-أنا جلست هنا لأنك كما ترى قومت بضربي ولحقت بي الكثير من الجروح، لا يمكنني أن أقوم بعمل أي شيء.

حرك مازن رأسه بخيبة أمل وغيظ من صديقه:

-الجروح في وجهك اخبرني هل ستطهوا الطعام بوجهك؟

لم يجيبه علاء وهو يستمر في الشرب من زجاجة النبيذ الخاصة به، اقترب مازن ليجلس بجواره وهو يتابع حديثه بمكر:

-حسنا لن أخبرك بالشيء الذي فعلته اليوم مع هدى.

اتسعت أعين علاء وهو ينظر الى مازن بعدم استيعاب:

-ما الذي تقصده هل قابلتها؟

أومأ مازن له وهو يتحدث بخبث شديد:

-نعم قابلتها وأوصلتها الى شقتها، لم أذهب أنا وهي إلى الجامعة قضينا اليوم بالكامل بمفردنا.

حرك علاء رأسه بعدم استيعاب، لا يصدق أن هدى تجاوبت مع مازن بتلك السرعة؟ حرك رأسه باستنكار:

-من المستحيل أن يحدث هذا، ليس من السهل أن تتقبلك هدى بهذه السرعة! الأمر ليس منطقي أبدًا يا مازن.

نظر مازن له بغيظ وقد جعله الغرور يتراجع عن اخباره بالحقيقة:

-هذا ما حدث، تعلم أنني لا أكذب عليك يا علاء، إن أردت أن تصدق فصدق وإن لم تريد فعلى راحتك.

تركه ليدخل الى غرفته؛ حتى يقوم بتبديل ثيابه بينما علاء كان يفكر في حديث مازن، يتساءل بحيرة كيف لفتاة مثل هدى أن توافق على الذهاب معه بتلك السهولة؟

--------

أتى اليوم التالي وقد نام موسى مع والده وصديقه في كوخ بينما سامح وابنه علي في كوخ آخر، تحدث سليم إلى ابنه بحيرة:

-أراك تبتسم دون سبب، أتساءل هل كان يومك ممتع إلى هذا الحد يا موسى؟

نظر موسى بإنتباه إلى والده، لم يجد ما يقول؛ فهو مازال عالق بالقرب من الشلال، كان المشهد من هناك مثالي وهذا ليس كل شيء، حديث مارجريت وحكمتها قد نالت اعجابه كثيرا، تحدث صقر في هذا الوقت ولم ينام بعد:

-أظن أن السبب في ظهور هذه الابتسامة الشاردة هي الملكة مارجريت يا سليم وليس يومه.

اعتدل موسى وهو لا يريدهم أن يسيئوا الفهم:

-توقف عن التحدث في تلك النقطة يا عمي، لا يوجد أي شيء من هذا، أيضا الملكة مارجريت ملكة رائعة أنا أحترمها.

تحدث صقر ببراءة مصطنعة وهو يخبره بهدوء:

-لم أقل شيء يا موسى لا تسيء فهمي.

نظر موسى له وقد لاحظ نظراته الماكرة ليعض على شفته السفلى بغيظ:

-حسنا يا عمي لن أتحدث معك مرة أخرى.

ضحك صقر غامزًا له:

-الفتاة جميلة لا يوجد أي اختلاف على هذه النقطة، لكن دعني أخبرك إن علم علي بهذا سوف تكون المنافسة بينكم شرسة.

وقف موسى بانفعال واضح وهو يتذكر طريقة علي:

-أنا لا يمكنني أن أعرف كيف يمكنه أن يتعامل بتلك الطريقة مع أي فتاة، أنا لا أفكر بها بشكل سيء أبدًا، كل ما في الأمر أنني أراها شخص مميز، هم لديهم عادات خاصة قد نالت اعجابي ولم أجد في هذا مشكلة.

اقترب سليم من موسى ليجلس بجواره وهو ينظر له منبهًا:

-أعلم أنك شخص عاقل للغاية يا موسى، أعلم أن لديك شخصية فريدة من نوعها، لا أريدك أن تتقرب من أي فتاة هنا بشكل زائد، في النهاية نحن أيام وسوف نرحل، لا نرغب في جعلك تخسر قلبك على كل حال.

حرك موسى رأسه باستنكار وقد زاد تعجبه:

-أنا لا أعرف ما الذي حدث لكل هذا يا أبي، اخبرني ماذا لو كنت مثل علي؟

نظر له سليم وهو يتحدث بصدق:

-ربما وقتها سوف يكون الأمر سهل عليّ؛ لأنني في هذه الحالة كنت سأضمن أن قلبك لن ينجرح حتى لو جرحت أنت.

حرك موسى رأسه وهو يشعر بالضيق من حديث والده ومن تفكير الجميع، تابع سليم حديثه وهو ينظر تجاه موسى:

-إن حدث واحببت فتاة من هنا لا تخبرها يا موسى، تعالى وقل لي وحاول أن تحفظ قلبك بقدر المستطاع، أنا لا أريد أن أخسرك يا بني.

أومأ موسى ولم يعطي بالا لحديث والده؛ فكل ما يهمه أن ينتهي هذا النقاش الذي يراه سخيف ولن ينفعه في شيء.

أمسك سليم بيد موسى وهو يخبره بجدية رأها داخل عينيه:

-أن يحب المرء لن يكون الوضع جيد؛ ببساطة لأنه سوف يبدأ في المعاناة المصاحبة لهذا الحب، لكن أن تحب فتاة من جزيرة الزهور هذا الهلاك بعينه، نحن اتينا من أجل موسم التفاح لا تنسى هذا.

قام سليم من بعدها ليتجه الى فراشه وهو يشعر بالكثير من التشتت ويتمنى أن يبقى موسى كما هو ولا يتغير ويصبح نسخة أسوء من علي.

أتى اليوم التالي وقد استيقظ موسى قبل الجميع كما اعتاد في أيام ذهابه للعمل، ترك الجميع في الكوخ وذهب إلى الشلال يتابع تدفق المياه، سمع صوت فتاة بالقرب منه:

-أنت الغريب التي تتحدث عنه جزيرة الزهور؟

انتبه لها وقد وجد أنها كغالبية الفتيات على الجزيرة، كانت عينيها من لون العسل تحدق به وكأنها للمرة الأولى ترى رجل، ابتسم في وجهها وهو يجيبها:

-نعم هذا أنا.

سألته الفتاة بفضول وهي تنظر حولها كما لو كانت على وشك أن تخبره بسر خطير:

-هل اعجبت بالملكة مارجريت؟

تعجب موسى من سؤالها وتابعت هي الحديث:

-الكثير من الأشخاص يقولون هذا، لقد رأوكم وأنتم تسيروا معا ليلة أمس، هل هذا صحيح؟

حرك موسى رأسه بنفي واجابها ببساطة:

-لا يوجد شيء كهذا يا فتاة، حتى أنني لم أرى الملكة سوى ليلة أمس كيف يمكنني أن أحبها بهذه السرعة يا ترى؟

ابتلعت الفتاة ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الإستياء، ظهر هذا بوضوح على وجهها، اقترب منها موسى وهو يسألها:

-ما الأمر لماذا يبدو عليكِ الحزن، هل تريدي مني أن أحبها؟

نظرت حولها من جديد وهي تحرك رأسها بنفي:

-الأمر ليس كذلك، كل ما في الأمر أننا نتمنى أن يزيد نسل هذه الجزيرة بطريقة أدمية.

تساءل موسى في هذا الوقت ما المقصود ولكنه انتبه في هذا الوقت أن لا وجود لأي رجل على هذه الجزيرة، قرر سؤالها وقد اصابته الحيرة:

-أنا لا أرى أي رجل هنا هل جميعكم فتيات؟

حركت رأسها بنفي وقد بدت شاردة في شيء ما لا يعرفه، اجابته وهي تشبك أصابعها مع بعضها البعض:

-هناك رجال على أطراف الجزيرة من الطرف الآخر، هل ترى هذا الشلال؟ له نهاية يقف عندها الرجال، دعك من هذا أيها الغريب أنا أريد أن أطلب شيء منك.

تعجب موسى وهو يومأ لها، لكنه صدم من طلبها وهي تقول:

-أنا أريد منك أن تتزوج بي.

تفاجأ موسى من طلبها، شعر بالحيرة الشديدة وهو يرى وجهها قد تحول للون الأحمر، تحدثت من جديد وقد رأى الخوف والرجاء داخل عينيها:

-أرجوك تزوج بي.

ابتلع موسى ما بحلقه وهو يتحدث بحيرة:

-هل هناك شيء لا أعرفه هو السبب في طلبكِ الغريب هذا؟ أم أنها عادات هذه الجزيرة؟

اوشكت أن تتحدث من جديد ولكن اوقفها صوت مارجريت وهي تناديها وقد بدت غاضبة كثيرا:

-ليديا اخبريني ما الذي تفعليه هنا تاركة عملك؟ إن حدث مكروه لأشجارك سوف تكوني المسؤولة الوحيدة هنا.

نظرت لها ليديا ومن ثم نظرت تجاه موسى وقد بدت خائبة الأمل:

-سوف أذهب يا ملكتي.

رحلت ونظر موسى إلى مارجريت بحيرة شديدة:

-ما الذي يحدث هنا؟

عقدت مارجريت حاجبيها وهي تدعي عدم الفهم:

-لا أعلم ماذا تقصد؟

نظر موسى لها وقد شعر ببعض التردد قبل أن يقترب ويقف أمامها:

-لقد بدت هذه الفتاة خائفة أكثر من اللازم، اخبريني هل تقومي بمعاقبتهم هنا يا ترى؟

ضحكت مارجريت وهي تطالعه بعدم تصديق:

-هل أبدو لك شريرة إلى هذا الحد يا ترى؟

حرك موسى رأسه بنفي، لاحظت شروده، علمت أنه سوف يفكر في حديث ليديا كثيرًا، شعرت بالكثير من الراحة أنها أتت في الوقت المناسب ولم تخبره بشيء آخر، تحدثت مارجريت إليه مجددا وهي تحتفظ بثباتها وبالابتسامة التي تزين ثغرها:

استيقظت عائلتك وخمنت أنك هنا بالقرب من النهر، هيا تعالى حتى تتناول الطعام.

أومأ لها وسار ولم ينظر لها، كأنه في عالم آخر لا تعرف به وليس معها، حاولت أن تقوم بتشتيت عقله:

-هل لديك أخوة يا ترى؟

انتبه موسى لها ومن ثم أومأ وهو يجيبها:

نعم لدي ثلاثة أخوة، لم يتمكن أحد من المجيء بسبب الدراسة.

عقدت حاجبيها وهي تنظر له وكأنها تنتظر المزيد من الحديث منه:

-هل جميعهم شباب مثلك؟ أم يوجد فتاة؟!

اجابها موسى دون النظر لها وقد اصابه حديث ليديا بالتشتت، لا يمكنه أن ينسى نظرات عينيها التي تستغيث به:

-لدي حازم هو أخ وحيد وأختين هدى وحبيبة ماذا عنكِ؟

حركت كتفها بعدم اكتراث وهي تخبره ببساطة:

-لا أعرف.

تعجب موسى من اجابتها، لكن بدى له أنها لا تعرف بالفعل! سألها من جديد بحيرة:

-كيف لا تعرفين، هل فقدتي عائلتك يا ترى؟ هل يعيشوا في مكان آخر لا تعلمي عنه شيء؟

أومأت مارجريت ولا يبدو أن هذا يشكل فارق معها:

-أجل آنه شيء كهذا يا موسى، لا تهتم أنا لا أحب التحدث عن حياتي على كل حال هي مملة.

ضحك موسى وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-كيف تقولين هذا؟ حياتك بالفعل جميلة، حياة هادئة والكثير يتمنوا شيء كهذا أيتها الملكة.

حركت رأسها باستنكار وهي تنظر له:

-دعني أحذرك إياك أن تتمنى شيء كهذا، لن تكون سعيد وقتها.

أوشك موسى على التحدث لكن قاطع هذا اقتراب رجل جامد الهيئة والملامح:

-مارجريت ما الذي يحدث هنا بالضبط؟

ظهر القلق والارتباك الشديد على وجه مارجريت، لا يعلم موسى ما الذي يحدث لكنه لم يرتاح ابدًا، اقترب منه هذا الرجل وعلى وجهه تعلو الابتسامة الصفراء:

-ما الأمر إلى من تنظر بتلك الطريقة؟ ألا أعجبك أيها الغريب؟

انفعلت مارجريت وهي تقف أمامه:

-فهد ما الأمر توقف عن هذا الأسلوب، أنت لست مراهق لتلك الأفعال.

سحب فهد زراعها بقوة وهو ينظر لها وقد تحدث إليها بهجوم كما لو أنها ارتكبت جريمة ما:

-أنا أحذركي يا مارجريت إن كان هذا الشاب من بين الجنود السابقين، سوف أنهي حياتك معهم هذه المرة، لا تتركي طيبة قلبكِ تتحكم بكِ يا زوجتي المستقبلية.

قام موسى بدفعه بقوة وقد شعر بالكثير من الغضب وهو يراه يوجه الإهانة إلى مارجريت:

-ما الذي تحاول أن تفعله أنت؟ هل تحاول أن تثبت أنك رجل بتلك الافعال؟ لا تقترب وتضع يدك عليها.

ابتسم فهد ساخرًا وهو لا يصدق أن موسى تجرأ ليتحدث معه بتلك الطريقة:

-هل فقدت عقلك أيها الرجل؟ يبدو أنك ترغب في الموت.

هم بالاقتراب ولكن وقفت مارجريت في مواجهته وهي تتحدث بغضب:

-فهد يكفي هذا، هم ضيوف وأيام وسوف يرحلون، توقف عن هذه الافعال وأهتم بتنظيم الطلبيات والمطلوب للبلاد العربية.

أومأ فهد وجعلها تظن أنه على وشك أن يرحل ولكنه بسرعة قام بلكم موسى بكل قوته جعلت الآخر يهوى أرضا، اغمضت مارجريت عينيها بضيق بينما فهد ابتسم لها وهو يقوم بتحذيرها:

-عندما يأتي أحد الى هنا اهتمي بتعليمهم كيف يلتزموا حدودهم.

قبل أن يهجم موسى عليه ويرد له لكمته كان فهد قد رحل، نظرت مارجريت إلى وجه موسى بضيق وهي ترى أنفه وفمه ينزفوا، حاولت الهدوء وهي تنظر حولها، لم تجد شيء يمكنه أن يساعده في مسح هذه الدماء على الأقل، قامت بقطع قطعة من قماش فستانها واقتربت من موسى لتعطيها له، قام باخذها وبداخله الكثير من الحيرة بينما هي تحدثت بضيق:

-لم يكن عليك التحدث إليه، كان عليك أن تتجاهله تمامًا يا موسى.

نظر لها وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب وقد رأته غاضب كثيرًا، حتى أنه صرخ في وجهها:

-ما الذي تريديني أن أفعله، أرى أمامي شخص يقوم بمضايقة فتاة هل تريدي مني أن أكون هادئ يا ترى؟

لا تعلم مارجريت ما الذي تقوله، لكنها شعرت بالسعادة، لم يدافع أحد عنها من قبل، تملكتها الحيرة وهي تتساءل كيف يكون هذا الشخص بتلك الجرأة يا ترى؟ قاطع شرودها اقتراب سليم المفاجئ ليقوم بسحب موسى والقلق يظهر عليه:

-ما هذا يا موسى؟ ما الذي حدث لك لماذا تتساقط الدماء من وجهك بتلك الطريقة؟!

حرك موسى رأسه بنفي وهو يحاول أن يجعله يطمئن:

-لا يوجد شيء يا أبي لا داعي للقلق.

انفعل سليم وهو يحرك رأسه بلوم وكأنه يتحدث مع طفل صغير وليس إلى رجل مسؤول:

-أنظر إلى وجهك واخبرني كيف لا يوجد شيء يا موسى؟

وجه نظره إلى مارجريت وتحدث بغضب وقد ارتفع صوته ليصرخ في وجهها:

-لماذا أنتِ صامتة؟ انظري لي واخبريني ما الأمر ولماذا حدث شيء كهذا له؟

نظرت مارجريت إلى موسى ومن ثم نظرت تجاه سليم:

-لقد تشاجر مع أحد الرجال على الجزيرة.

تعجب سليم وهو يعلم أن موسى لا يحب الشجار وليس من هذا النوع أبدًا، نظر لها وهو يسألها من جديد:

-ما الذي حدث ليتشاجر أيتها الملكة؟ من أجل ماذا يتشاجر؟!

أتت الاجابة التي لا يفهمها ومع ذلك كانت قادرة على جعله يرتبك، بينما مارجريت قد ثبتت عينيها تجاه موسى:

-تشاجر من أجلي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي