الفصل الخامس

(5) الفصل الخامس


رودلف البطل.


رجعت سيلينا بخطواتها للخلف وهي تمد له السترة الواقية مرة أخرى وقالت:


" لن أقصد ما تُعني، لكن أنسى حقيقة مشاعري نحوك وحسب، بالأساس أنا لن أكون شيء بالنسبة لك، فلما كل هذا التعجب يا أميري أنت ستتزوج بعد قليل"

عبث بوجهه وقال:


"لكن أنتِ قلتي لي بأنك تُحبيني"


دق الباب فجأةً، وسمح الأمير للطارق بالدخول، كان رودلف قد أحضر للأمير قلادة أرسلتها له الأميرة نيرفيتا.


" شكرًا لك يا رودلف"


أظهر رودلف استغرابه بأن الأمير ليس مستعد بعد للزفاف، فقال له:


" روديان لمَ لا أراك متحمس اليوم يا صديقي"


أمسك روديان القلادة ووضعها على رقبته وهو يبتسم، ويقول له:


" رودلف أنت تعلم بأني أحب نيرفيتا كثيرًا، وهذا اليوم الذي أحلم به منذ مدة، فأنا اليوم سُأتوج وأكون الأمير الشرعي لمدينة ميرامالا وأخيرًا يا رودلف"


قال رودلف وهو يضع يده على رأسه بسرور:

" اضحكتني يا روديان"


دفع جلاور الباب بقدمة وهو يكمل كلامه:


"هذا الحماس في أحلامك يا أخي العزيز"


أخرج روديان مخالبة، وبدل لون عيناه للون الأحمر وانقض عليه بثانية كأنه فريسته، وضعت سيلينا يدها على عينيها من الخوف، فقال روديان وهو ضاجر منه:


"من سمح لك بالدخول لهنا دون اذن"


يعلم روديان بأن جلاور يمكنه شم رائحة سيلينا بالغرفة أن أقترب أكثر من ذلك، ولو علم بأنه بالداخل سيأخذها معه، لأن من قوانين المدينة بأن الأمير يُهادي أقرب الخدم له لأخوته او لأصدقائه.

تدخل رودلف بالحديث وأبعدهم عن بعضهم وهو يقول:


"أميري أتركه رجاءً، لا نريد شيء يُفسد علينا جمال الليلة"


تراجع جلاور للخلف وهو يُمسك رقبته وينظر على الدماء التي ملئت أصابعه بغضب، فأجاب:


"ستدفع ثمن فعلتك عما قريب يا روديان"


خرج جلاور منزعج من الغرفة، قال رودلف بعدما سخر منه:


"سيكون هذا الهجوم المفاجئ من اجمل الأشياء التي فعلته في يومك هذا يا صديقي"


كان روديان قلبه مع سيلينا، يخشى من أن تكون منزعجة منه بعدما مص دم أخاه أمامها، فقال:


"رودلف بلا مزاح أغرب عن وجهي هيٰ"


وضع رودلف يده على رأسه وفكر قليلًا وقال:


"هل تظن بأن جلاور سيرسل أحد لقتلك اليوم؟"


دفع روديان رودلف خارج الغرفة وهو يقول:


" كفاك سخافة فهو لا يستطيع فعل هذا الشيء بي، أعرف بأنه يكرهني لكنه يخاف مني أيضًا، فأنا أقوى منه أنسيت ذلك، أذا فعل فنحن لدينا حراسة مشددة الليلة، ولا يخاطر من أجل حماية قلبه"


قبل مغادرة رودلف، جاء فالكا والقى التحية على أخاه وصديقه رودلف فقال:


" روديان جيد بأنك لن تتجهز بعد، فأنا أشتريت لك هذا اللباس من أجل حفل الزفاف.


أمسك رودلف منه العلبة بحماس وقال:


" يمكني فتحته يا أميري لكي أراه"


دخل رودلف للغرفة مندفع وهو يحمل العلبة ويضعها على الفراش، لمح سيلينا وهي تقف خلف الستار، فابتسم وفتح العلبة وهو يقول:


" اللباس جيد للغاية يا اخي، والجو جميل جدًا بغرفتك، والهواء يدخل من النافذة بسلاسة عبر الستائر الجميلة"


دخل روديان وهو منزعج من الذي يحدث، ولحقه فالكا وهو مصدوم ويقول:


"كفاك مزاح رودلف وأترك لباس الملك لكي لا ينتزع"

حرك فالكا انفه وبدأ يشم رائحه بشري بالغربة، فصرخ روديان وأخرجهم من الغرفة وهو غاضب:


"أتركوني أنتم الأثنين، أريد الذهاب بمعادي على الزفاف"


غادر فالكا وتبعه رودلف، فتوقف بعدما تجاوز الباب وقال:


" يبدو بأنك كنت تودع حياة العزوبية قبل زفافك يا صديقي"


دخل روديان وأحضر له العلبة وهو يقول:


" أرى بأن هذا اللباس سيليق بكَ كصديقي"


أخذ الصندوق بفرح وقال وهو يتحرك للخروج:


"هل تراضيني لكي أبقى صامتًا؟ ولا أتكلم، لماذا سيلينا بغرفتك فقد أخبرتني بأنك طردتها من هنا، هل تُحبها يا روديان"


أردف روديان وهو يحذره بأن يتكلم بصوت منخفض:


"سأخبرك بكل شيء بعد مراسم الزفاف، لكن أجل أنا أكن لها مشاعر هي أذهب الآن ولا تحرجني أكثر"


وضع رودلف العلبة على الأرض وعانق صديقه وهو يقول:


"وهي أيضًا تُحبك فنحن نعرف ذلك، سيلينا ليست كنيرفيتا خائنة وتمثل عليك محبتها، هي تُحبك بصدق".


الأجواء بالخارج ليست طبيعية، بلحظة غربت الشمس، وأمتلئت السماء بالشعاع الأحمر ودقت الطبول، وبدأت تظهر الوحوش من الجحور، وتهجم على البشريين بالمدينة.


فكوك مملوءة بالدماء، جثث كثيرة بالطرقات، الخوف بدأ يدُب بين الجميع، فهذا قد يُخالف قوانين السلام بالبلدة، ففرح الأمير لا يحق لأي أحد لمس بشري أو مس دمائه.


لكن جلاور أراد الانتقام من روديان بهذا الشكل ليجعل الجميع يكرهه، ويعتقد بأنه هو من أمر رجاله بفعل هذه الجرائم.


نظرت سيلينا من خلف الستار ورأت الأمير جالس حزين على الفراش، فأقتربت منه وهي تقول:


" ماذا حدث يا أميري؟ "


وضع يده على خصلات شعرها وأردف:


"سيلينا آلا تخافين مني بعدما مصصت دم أخي أمامك"

جلست سيلينا تحت أقدامه وهي تقول:


" روديان أنا أعرف جيدًا بأن جلاور يريد أذيتك، وأنا هنا لكي أحذرك من رجاله الذين أرسلهم لكي يقتلوك"


وقف روديان ومد يده لها وهو يقول:


" سيلينا عانقيني من فضلك"


كيف لرجل ضخم وقوي يضعف أمام امرأه بهذا الشكل؟ كان سؤال يطرح نفسه لسنوات، روديان طوال حياته يُقاتل بكل قوة لديه، فوضع القوة عنوان ليغطي احتياجه بأنه يحتاج لمن يسمع قلبه، جاءت سيلينا ولأول مرة شعر بأن هناك من سيغلق الجروح التي بداخله، ويجعله سعيد.


وقفت سيلينا وهي مصدومة وقالت:


"مم.. ماذا تقول؟ "

أخبرها روديان بأن الزفاف سيكون بالمدينة المجاورة من هنا، فتفاجأت سيلينا لأنها كانت تظن بأنه بميرامالا، حزنت لأنها لا تستطيع حضور الزفاف لأن الخدم ليس مرحب بهم الذهاب.


شدها من يدها عليه، ولأول مرة بحياة الأمير يلتصق بأحدهم لكي يشعره بالأمان.


عانقته سيلينا بكل قوة لديها، فهي لا تدري متى ستخرج من ميرامالا ومتى سينتهي دور الأمير، كل الذي تفكر به بأن تعوض مشاعرها بعدما خانها حبيبها بيوم الزفاف.


انتهى العناق رغم طوله فهو لن يكفي للسكينة بعد، فقال روديان بعدما قبل جبهتها:


"سيلينا ابقي هنا لا أريدك بأن تتاذي"


ردت سيلينا بخوف:


"عذرًايا أمير لكن أسمح لي بأن أبقى بجانبك طوال التتويج"


اجابها روديان وهو يذهب لتبديل ثيابه:


"سبق وتم طردك من هنا، أذهبي لو بقيتي معي سيأخذك جلاور بعد انتهاء الزفاف"


ابتسمت سيلينا وقالت:


" هل هذا هو سبب طردك لي من هنا؟ اجبني..! هل كنت تخشى ذهابي رهينة لغرفة أخاك"


أمسك روديان يدها وأخرجها خارج الغرفة وهو يقول:


" لا تفسري اي شيء حدث بأنه حقيقة، فأنتِ بصارة وشخص خطير بالنسبة لي، أظن بأنك لعبتي بي وجعلتني أعانقك وأتصرف بهذا الشكل الغبي معك، اذهبي ولا تعودي لهنا مره أخرى"


طردها روديان وأكمل تبديل ثيابه، صادفت رودلف وهو يتجول بالطرقات، فأمسكت بيه وقالت له:


"رودلف هل تستطيع مساعدتي بشيء؟"


ابتسم وقال له وهو يلقي عليها التحيه بفرح:


"اطلبي ما تريدينه يا زوجه أخي، فأنا معك"


همست بصوت منخفض وأخذت تنظر للوراء كل دقيقة:

" أريد الحديث عن روديان والأشخاص الذي يتأمرون عليه"

فهم بأنها تريد التكلم بمكان بعيد، لأنها لا تريد من أحد بأن يسمع حديثهم، من حُسن الحظ بأن هناك غرفة قريبة منهم كانت فارغة، دخلا وبدأ يتناقشان وبعدها خرج رودلف من الغرفة وهو يركض، نزلت سيلينا للأسفل ووقفت مع روفال بالمطبخ، فقالت لها روفال لأن رأت سيلينا متوترة بعدما أخبرت رودلف بملامح الذي يتأمرون على الملك:


"لا تخافين من أن يراكي أي أحد"


فقالت سيلينا بثقة:


"لم يعد الخوف يسيطر علي، فأنا ما زلت بمنزله"


اشارة روفال بيدها أمام عينيها وهي تقول:


"هوووو بمنزل من! ما الذي ترينه أمامك؟"


تركتها وهي تتحرك بالمكان وتقول بفرح:


"روديان عانقني بكل حب"


خرجت سيلينا من القصر واتجهت ناحية منزل والد روفال وهي سعيدة، قبل أن تصل للمنزل فجأة عبثت بملامحها عندما سمعت حديث الجنود بالمدينة، عندما قالوا بأن الأمير روديان سقط من أعلى القصر وهي تقول بذهول:


"روديان لن يتركني"


ركضت ناحية القصر مرة أخرى وهي تبكي ولا تُبالي بالذي سيحدث حينما تصل، وجدت البوابات مغلقة دخلت من الباب الخلفي للخدم، وذهبت للمكان الذي متجمعون به الجميع، جلست بجانبه ولمست كتفه وهي تبكي وقلبته على وجهه لتكتشف بأنه رودلف الذي فقد حياة، وضع روديان يده عليها وقال:


"سيلينا ماذا حدث؟"


نظر على الشخص الذي أمامها وبعدها، أخرج روديان مخالبة وصرخ على الجنود بأن يُحضروا الطبيب بأسرع وقت لهنا، حمل صديقه على كتفه وذهب لغرفته وتبعته سيلينا.


شردت سيلينا بالحديث الذي دار بينهم، وتذكرت كلماته:


" كيف لي بأن أخدمك يا زوجة أخي؟ "


أخذت انفاسها براحة وهي تظهر ابتسامتها وقالت:


"هل لي بأن أسالك شيء؟"


حنا ظهره وهي يبتسم وقال:


"سال ما بدا لكُ سيدتي"


قالت بلمعان بعينيها وهي تلعبي بفستانها الجميل:


"لما تناديني بزوجة أخيك"


قال رودلف بإندفاع وهو يضربها على كتفها بمزاج:


"لأن روديان..."


قطع كلامه ثم أكمل بموضوع أخر:


"صحيح لماذا أنتِ هنا؟ هل هذه غيرة أم ماذا؟"


أخرجها صوت روديان عندما قال:


"تعرفين بأنه صديقي الوحيد، بالطبع تعرفين كل شيء عني، هل أحببتي مُعاناتي منذ هرب أمي وتركها لي، وبعدها مقتل والد"


دمعت عينيها وتأثرت من شدة حزنه الذي فتح جروحه الماضية، وضعت يدها على يده مردفه:


"روديان لا تقلق سيكون بخير"



شردت سيلينا مرة أخرى في حديثها مع رودلف، تذكرت عندما وضع رودلف يده على قلبه وقال وهو منزعج:

"أكره العيش بدون روديان"


ضجر روديان ووقف وتحرك بالغرفة كالمجنون وهو يقول:

"كفى تضحكين علي، هل تريني بشري ضعيف؟ هل حقًا شبهتني البشر؟ لأني اتهرب من المواجهة، أترك الجميع وأرحل يصمت، ماذا لو مات صديقي بسببي؟"


طرق الحارس الباب وادخل الطبيب للغرفة ورحل، فحص الطبيب رودلف وبعدها ترك يده معلن موته بتسمم، فقال روديان غاضبًا:


"كيف تخبرني بنأ موته بكل هذه السهولة؟ هل جُننت؟ آلا تعرف بأنه صديقي الوحيد "

هدأ روديان قليلًا بعدما ضرب الطبيب بدون وعي قائلًا:

"من فضلك أفحص هذا اللباس جيدًا وأن تحقق الذي ببالي سأحرق المدينة على الجميع"


خرج الطبيب والجميع من الغرفة، وصرخ روديان بأعلى صوت لديه على سيلينا وأمر بإخراجها من القصر.


خرجت سيلينا ودفعوا بها الجنود خارجًا.
..

بعد ساعات

..

طرق أحد الجنود الباب، فقال الأمير بغضب:


"ماذا تريد؟"


أجاب الجندي بخوف شديد وهو يقف خارجًا:


"هل ستكمل الزفاف والحفل؟"


أخرج سيفه وسحب جسده ولفه السيف على رقبته وهو يقول:


"سأكمل وسأكون الملك وبعدها لن أرحم إي شخص ولو كان أخي"


وقف الجندي بمكانه بعدما أبعد عنه السيف وتركه يذهب، نظر عليه نظرة واحدة، صعقته بأرضه وأجاب:


"الفتاة التي تُدعى سيلينا أخبرتني بأن أترك لك هذه الرسالة"


وجدت سيلينا رسالة بعدما نقلوا رودلف للداخل، خبأتها بين ثيابها قبل أن يلمحها أي أحد، ومن ثم قرأتها بالأسفل بصمت، وبعدها أعطتها للجندي مع رسالة أخرى رسمتها له لكي يوصلها للأمير.


تركها الجندي على الطاولة وقدم تحياته ورحل، جلس الأمير بجانب جثة رودلف وحدث نفسه:


« اعذرني يا صديقي لن أستطيع حمايتك، تمنيت بأن تكون جثتي أنا مكانك، كيف سأتحمل الجميع بغيابك؟»


سمع روديان صوتًا يقول له:


"صديقي سلمت لك سيلينا أعتني بها جيدًا، وهي ستملئ غيابي وتشعرك بي، أحبك أخي"


وضعت سيلينا يدها على أذنها لكي تمنع سماع صوت رودلف، والحوار الذي دار بينهم من قبل، لكنها ما أستطاعت، فسمعت:


«انتبهي على روديان فأنا أعلم بأنكِ مختلفة عنا ولستي من عالم ميرامالا، أتذكر بأني رأيت معك شيء صغير تتحدثين عليه، بالحقيقة لم أراه هنا من قبل، يبدوا بأنك من عالم حديث عنا، لا تقلقي لن أخبره بشيء، ولايهم طلاما تُحبينه من قلبك، لكن لا تجعليه يحزن حتى بعد موتي فهو لا يستحق المعانة أكثر، كفاه الذي عاشه منذ صغره».


ردت سيلينا عليه وهي تتلعثم بالكلام"


"لكن لمَ تخبرني بهذا الكلام الآن"


أشار على قلبه وقال:


"هنا بقلبي أشعر بأن هناك معركة ستحدث اليوم، جلاور خطير للغاية، ولا يريد روديان بأن يُصبح الملك"

أجابة عليه بأستغراب وهي تضع يدها على قلبه بتلقائية:

"ماذا ترى بقلبك؟ "

ابعد يدها عنه وقال بمزاح:

"لا يهم لكن تذكري بأن أبناء كولن خطرين، لهذا أخذت هذه السترة التي أحضرها فالكا لروديان"

تنهدت بضجر وهي تتحرك نحوه:

" هل تشك به أيضًا؟ "

قدم تحياته لها وهو يقول:

"سنرى يا زوجة أخي"

سمعت سيلينا صوتًا خارج المنزل، فوقفت بخوف عندما رأتهم يقتربون من الباب ويُحاولون فتحته، وضعت يدها على فمها وكتمت انفاسها والدموع تسيل على وجنتها وتشير برأسا بخوف وتقول بهمس:

«لا تدخلوا رجاءً»

أمسك روديا الورقة وفتحها وبعدها مزقها قطع صغيرة وهو غاضب، وأخذ يُحدث نفسه:


«الوقت ليس مناسب للذي أفكر بفعله، ولكنني سأجعل ميرامالا ممتلئة بالدماء قريبًا».


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي