الفصل الثاني
وبعد فترة كانت قد هدأت وهو ينظر لها، ولكنه لم يوضح إهتمامه بها، عندما كانت تأكل الشوكولاته ولطخت حول فمها وهو يضحك على شكلها المضحك، فنظرت له بتساؤل وقالت:
-على ماذا تضحك يا ماهر؟
تحدث ببرود شديد:
_لا شيء ، لم أنتِ فضولية إلى هذا الحد؟
تجاهلته واستمرت بأكل الشوكولاته بغيظ شديد، فعقد حاجبه وضحك.
فتحدثت بغضب:
_أيها الغليظ اصمت أنت تثير غضبي، لماذا تنظر إلي وتضحك أتراني مهرجاً؟
ماهر: بالطبع أراك هكذا، انظري إلى الشوكولاتة التي لطخت فمك.
ابتلعت لعابها بصعوبة وهي تتخيل شكلها، وكان الجميع ينظر لها ويضحك.
فقالت بهمس:
_أشعر نفسي وكأنني طفلة ٌ في الخامسة من عمري.
سمعها ماهر وابتسم وأخرج منديل من جيبه، واقترب منها ليزيل أثار الشوكولاة من على وجهها، فنظرت إليه بصدمة وهي تشعر بقشعريرة تسري في جسدها؛ من قربه، وكانت دقات قلبها تتسارع كالطبول،ولم تعلم لماذا يحدث لها كل هذا حينما يقترب منها.
أما عنه فكان غارقاً في عينيها التي أسرته من النظره الأولى ، وما زال يمرر المنديل على وجهها، حتى أزال آثار الشوكولا، وجلس على مقعده مرة ثانية ووضع يده على صدره، الذي كان يعلو ويهبط من قربهما.
وبعد فترة وصلوا إلى روسيا، فنزل ماهر وخلفه مروان وحمزه ، ثم نزلت هي خلفهم وظلت تسير ولم تجد مريم، شعرت بالخوف لمجرد أنها وحيدة في دولة غريبة، لم تقف عن السير ووصلت إلى مكان ليس به أي شخص وسمعت صوت نباح الكلاب.
ميسون وجسدها يرتجف من الخوف:
_يا الله ماذا سأفعل أنا أخاف من الكلاب كثيراً.
نظرت خلفها ووجدت مجموعه من الكلاب الشرسة تركض باتجاهها ، ركضت وصوت صراخها يعلو ويعلو.
وهي تقول بصراخ ممزوج بخوف:
_النجده أنقذوني يا بشر!
ولم تجد أحدٌ بهذا المكان ومن شدة خوفها، سقطت أرضا وهجم عليها الكلب وغرز أنيابه برجلها صرخت بشدة وهي الدموع تغرق وجهها، والدماء تخرج بغزارة، وقفت سيارة كبيرة ونزل ماهر بسرعة وهو يطلق النار على جسد الكلاب، حتى تخلصا منهم وركض نحوها وهي تغمض عيونها بألم.
نظر لجرح رجلها وأخرج منديل ولفه حول الجرح؛ لكي يوقف النزيف.
فتحدث بخوف وقلق شديد: م... ميسون إفتحي عيناك ولا تغلقيهم ستكونين بخير.
ثم وجها كلامه لمروان: ساعدني، إفتح باب السيارة.
خرج مروان عن تفكيره، وهو يتعجب من تصرفات أخاه ولأنه للمرة الأولى الذي يجده يهتم بإمر فتاة لهذه الدرجة.
فتح باب السيارة ووضعوا ميسون على المقعد وجلس ماهر بجانبها وهو يضع رأسها فوق رجله.
مروان أسرع إلى المستشفى.
قاد السيارة وماهر يضرب على وجنيتها بخفه ويضع بعض من قطرات الماء على وجهها ويحاول أن يجعلها تستعيد وعيها.
- ميسون افتحي عينك، ارجوكي !
لا تقلق يا أخي، ستكون بخير الإصابة لم تكن بالغه لما انت مهتم بها إلى هذا الحد أتحبها ؟!
فرد قائلا بغضب: أصمت أيها الاحمق ، ألا تعرف أي شيئا سوى الثرثرة، لما تسير مثل السلحفاء هكذا أسرع.
أسرع مروان وبعد مدة قليله وصل، ونزل ماهر وهو يحمل ميسون على ذراعه والخوف ظاهر على ملامح وجهه.
- اين الأطباء؟
جاء الأطباء والممرضين ووضعها على النقالة، ودلفوا بها إلى غرفه العمليات وبدأوا بتطهير وعلاج الجرح وهو في الخارج يجفف عرقه الذي ينصب منه، وضربات قلبه مسموعة، وضع مروان يده على كتفه وجلس بجانبه.
- ماذا بك يا اخي ؟ لا اعرف ماذا حدث لي صدقني.
- حسنا لا تقلق، لم أركَ قلقاً إلى هذا الحد من قبل.
_انا لست قلقاً، لكنني شعرت أنها وحيدة، وحزنت عليها كثيرا.
منذ متى وأنت تحزن على أي شخص، ألم تقل أن قلبك حجر لا يحزن ولا يتأثر بشيء؟
تحدث ماهر وهو يحاول الهروب من حديث أخاه, أما مروان فالتزم الصمت، وأغلق هذا الحديث التافه.
لكنه تابع مدافعا عن نفسه:
_أعرف ماذا تريد، هل تعتقد أنني واقع في حبها؟ أنت أحمق، يستحيل أن أقع بالحب يكفيني الجروح التي تملأ قلبي، لست مستعداً لخسارة من سأحبها بسبب أعمالي.
- معك حق، أعتذر لأنني جعلتك تتذكر ألم الماضي.
ظلا جالسين حتى خرج الطبيب من الغرفة فوقف ماهر بلهفةٍ مليئةٍ بالخوف.
هرع ماهرإلى الطبيب وقال له بلهفة :
_أخبرني هل هي بخير؟
- نعم إنها بخير وبعد مدة ستستيقظ، جرحها لم يكن عميقاً.
_حسنا، هل يمكنني الدخول؟
-نعم، ولكن لا تستغرق وقتا طويلا في التحدث معاها.
دلف ماهر إلي الغرفة وهو يراها نائمة مثل الملاك، شدّه شعرها الحرير الذي يلمع بشدة وبشرتها البيضاء التي تشع بالنور.
وفجأة رن الهاتف الخاص بميسون فأخرجه ماهر من جيبه وجده على الأرض بجانبها عندما سقطت على الأرض، فتح المكالمة وسمع صوت فتاة تصرخ بشده وترشق الكلام دون توقف:
-يا لكِ من غبيه، لماذا لم تردِ على اتصالاتي، هل أنت بخير، انتظرتك بالمطار كثيراً، أين أنت الآن؟
فقاطعها:
_ميسون بالمستشفى، لقد اصيبت بسبب الكلب، إن كانت تهمك، فتعالي على الفور إنها تحتاجك.
- من أنت؟ هل هي بخير، ما هو عنوان المستشفى؟
قال لها العنوان وأغلق الهاتف وجلس أمام ميسون وأمسك يدها وقبلهما بلطف وأرجع خصلات شعرها الذهبي خلف أذنيها، وظل يحدق بها، وكأنه يحفظ ملامح وجهها.
-لا أعلم ما الذي يحذبني إليك، فعندما أنظر لعينيك أشعر وكأنني أغوص فيهما، كم شعرت بالخوف وأنا أرى الكلب ينهش في جسدك، لم نتقابل كثيرا ولم أعرف شيئاً عنك سوى اسمك.
صمت قليلاً ثم قال في نفسه:
-"مشاعر مختلطة، أشعر بها حينما أراك وأشعر وكأن العالم توقف، لا يوجد فتاة شعرت معها مثلما شعرت معك، أتمنى أن نلتقي مجددا، أعدك، سأراقبك دائماًوحتى أتأكد أنك في أمان، أنا الآن فوداعا أيتها الجميلة.
قال هذا وخرج من الغرفة وسار نحو غرفة الاستقبال؛ ليدفع تكاليف المستشفى، وفي هذه اللحظة دلفت مريم الغرفه ووجدت ميسون تفتح عينيها ببطئ ، اقتربت منها وهي حزينة وتحمل نفسها المسؤولية، بسبب ما حدث لصديقتها، حيث جلست أمامها والدموع تغرق وجهها.
"عزيزتي، أنا أعتذر كثيراً، كان هذا بسببي كان يجب عليّ أن أسرع أكثر، لقد تأخرت عليك سامحيني".
أمسكت ميسون يدها بضعف وتحدثت بحنان:
_لا يا عزيزتي، هذا قدري وليس لك ذنب لا تحملي نفسك المسؤولية لا أحب أن دموعك الغالية.
تذكرت فحأة وقالت بلهفة:
_صحيح أين ماهر؟ قبل أن أفقد وعي سمعته يتحدث إلي، أنا لا أراه.
- لا اعلم ولكن أظن أنه نفس الشخص الذي رد على المكالمة وأخبرني بالحادثة، هل تعرفينه؟
_لا، رأيته مرتين وهو من أنقذني في كل مرة، أريد أن أشكره ثم نخرج من هنا.
سكتت لبرهة وهي تفكر كيف ستسير على رجليها المصابة، شعرت بالألم الشديد وتذكرت ذلك المنظر البشع والكلب ينهش بجسدها ونظرت أسفلها بحزن، ثم رفعت مريم وجهها وهي تضع أصابعها عليه بخنان وتنظر لها بإبتسامه وقالت:
-توجد طريقة واحدة لكي تشكريه؟
قالت بلهفة:
_وما هي؟
أجابتها مريم بجنون:
- سأحضر كرسي متحرك وأنت تجلسين عليه وسأدفعك ثم أجري بك وسنلاحقه، انتظري دقائق.
ضحكت ميسون وهي تنظر لحركات وجهها وعندما انتهت من حديثها فوراً أحضرت الكرسي وساعدت ميسون؛ لتجلس عليه، ودفعتها للأمام بسرعة وهي تتحرك وانتهت من الممر الأول وهناك كان ماهر يقف وخلفه مروان وحمزه ، حيث وقف حينما رأها، أمسك حمزه يده وضغط عليهم قائلاً وهو يجز على أسنانه:
_هيا يا أخي كي لا نتأخر.
ميسون بإبتسامه:
_أشكرك من كل قلبي دائماً تنقذني، لا أعلم ما كان سيحدث لو لم تكن قربي حينها.
ماهر:
_لا داعي للشكر، أتمنى لكِ الشفاء العاجل.
مدت يدها لكي تصافحه ابتسم وصافحها وشعر بإحساس جميل كما شعر أيضا بارتعاش في جسدها، ابتسم، وكأنه نسي الوقت حينما تلامست أيديهم والتقت أعينهم في نظرة مليئةٍ بأشياءَ كثيرة.
لكنها كسرت ذلك الصمت بسؤالها:
_هل تسكن هنا؟
نظر لها وابتسم ولم يتفوه بحرف، لقد كان سؤالاً ليس له جواب، وما يعرفه فقط هو أنه هنا؛ ليعيش.
وبدلاً من أن يجيب على سؤالها قرر أن يثمل في بحر عينيها، ونظرت هي له بوجنتيها المشتعلة من شدة خجلها.
ومن صوب أخر.. في قصر بعيد وفي جناح يسوده الظلام كانت تجلس تلك الفتاة التي تدعى رولا وهي تضع ساقيها فوق بعضهم وعينيها مليئة بنظرات الانتقام والدموع عالقة بمقلتيها، رافضةً أن تنزل.
لكن صوت طرقات الباب كسر صمتها وتفكيرها، حيث دلف الخادم وهو يتحدث باحترام:
_سيدتي لقد جاء الجاسوس الذي جعلناه يراقب عدوك، وهو يريد التحدث معك الآن.
مسحت دموعها:
-حسناً، أدخله.
وما هي إلا ثوان، دلف ذلك الجاسوس وهو منحني الرأس، وهو نفس الشخص الذي كان يعذبه ماهر وجاء لينفذ ما قيل له.
تحدثت رولا بغضب شديد:
_ هل جئت إلى هنا؛ لتظل صامتا.
- أعتذر سيدتي انتظرت إذنك لأتحدث، سمعته يتحدث مع شخص ما، وهو يقول أنه سيتخلى عن صفقة الأسلحه لك.
وقفت رولا بدهشة قائلة:
_ألا تعلم لماذا فعل ذلك، هل لديك أي معلومات أخرى؟
- لا يا سيدتي.
فتحت خزانتها وأخرجت بعض المال وأعطته له وقالت له والعبوس يملأ ملامحها:
_هذه مكافأتك وإذا علمت بأي شيءٍ تعال وأخبرني فوراً.
-أشكرك حسناً سيدتي.
وانصرف الجاسوس، وترك عندها أفكار الحيرة بما قاله.
أما رجال ماهر فكانوا يراقبوه وأخذوه مجدداً الى القبو.
وفي الجناح كانت رولا تسير للأمام ثم تستدير للخلف وهي تفكر:
" لماذا فعل ماهر هذا؟ قلبي ليس مطمئن لفعلته، يبدو أنها لعبة كبيرة من ألعابه.
أخرجت هاتفها واتصلت على أخيها صدقي:
- مرحبا صدقي أين هو قاتل أبي.
_اخر معلومات أعلمها أنه بالقصر ومريض جداً وترك لنا الصفقة.
- وهل أنت مقتنع بكل هذا؟
_لا يا أختي أنا أبحث وسأرسل الجواسيس، لكن الحراسة شديدة للغاية ومن الصعب اقتحام قصره، وأنا أحيك حيلاً كثيرة، وفي أقرب وقت سأسمعك خبر انتهائه ورحيله عن هذا العالم.
رولا بصوت باكي:
_ألم أقل لك لا تفكر في أذيته؟ صدقني ستخسرني للأبد، بالرغم من أنه قاتل أبي ولكنني أحبه ولم أستطع أن أكرهه، أخي لا تحرمني منه، إنني أتألم لرحيل أبي، فلا تحرمني من الإنسان الذي أحببته أكثر من نفسي أيضاً
غضب كثيرا من ردها فكيف لها أن تحبه بالرغم من أنه قاتل والدها ولم يفهم مشاعرها تلك.
وقال لها غاضباً:
_رولا أنت مجنونة، صحيح، ألا تتذكرين كل الآلام التي سببها لنا، فكيف تحبيه، أنه لا يراكِ من الأساس، أنصحك تراجعي عن هذا الجنون.
فتحدثت بحزن مليءٍ بالألم:
_قلبي ليس بيدي، حاولت أن أكرهه ولكن بلا فائده، فإذا كنت تحبني فعلاً فلا تقتله، أتوسل إليك.
صدقي بنفاذ صبر:
_حسنا اهدئي أعدك بأنني لن أؤذيه إلا بإذنك.
مسحت دموعها بكفيها وهي تبتسم:
_أشكرك.
ومن ناحيةٍ أخرى في منزل بسيط كان حمزه واقفاً بغضب أمام ماهر يقول له:
_لماذا فعلت هذا، لماذا أرسلت الجاسوس لهم وماذا يدور في عقلك؟
- كيف تسألني هذا يا حمزة؟ وأنت من جعلني أصل لهذه المرحلة من الذكاء، ويجب أن تفهم ما أفكر به.
زفر حمزة بضيقٍ شديد قائلاً:
_تحدث بشكلٍ مباشر واترك هذه الألغاز ، أنا غاضبٌ جداّ، وأنت بارد هكذا، وتراقب تلك الفتاة الشقراء، أريد إجابات واضحة لكل هذه الأسئلة؟
- حسنا اجلس وسأروي لك ما يدور في عقلي وكل النتائج التي ستترتب على خطتي.
جلسا وبدأ ماهر يتحدث فانصدم حمزه عندما سمع آخرَ شيءٍ يمكن أن يتوقعه.
-على ماذا تضحك يا ماهر؟
تحدث ببرود شديد:
_لا شيء ، لم أنتِ فضولية إلى هذا الحد؟
تجاهلته واستمرت بأكل الشوكولاته بغيظ شديد، فعقد حاجبه وضحك.
فتحدثت بغضب:
_أيها الغليظ اصمت أنت تثير غضبي، لماذا تنظر إلي وتضحك أتراني مهرجاً؟
ماهر: بالطبع أراك هكذا، انظري إلى الشوكولاتة التي لطخت فمك.
ابتلعت لعابها بصعوبة وهي تتخيل شكلها، وكان الجميع ينظر لها ويضحك.
فقالت بهمس:
_أشعر نفسي وكأنني طفلة ٌ في الخامسة من عمري.
سمعها ماهر وابتسم وأخرج منديل من جيبه، واقترب منها ليزيل أثار الشوكولاة من على وجهها، فنظرت إليه بصدمة وهي تشعر بقشعريرة تسري في جسدها؛ من قربه، وكانت دقات قلبها تتسارع كالطبول،ولم تعلم لماذا يحدث لها كل هذا حينما يقترب منها.
أما عنه فكان غارقاً في عينيها التي أسرته من النظره الأولى ، وما زال يمرر المنديل على وجهها، حتى أزال آثار الشوكولا، وجلس على مقعده مرة ثانية ووضع يده على صدره، الذي كان يعلو ويهبط من قربهما.
وبعد فترة وصلوا إلى روسيا، فنزل ماهر وخلفه مروان وحمزه ، ثم نزلت هي خلفهم وظلت تسير ولم تجد مريم، شعرت بالخوف لمجرد أنها وحيدة في دولة غريبة، لم تقف عن السير ووصلت إلى مكان ليس به أي شخص وسمعت صوت نباح الكلاب.
ميسون وجسدها يرتجف من الخوف:
_يا الله ماذا سأفعل أنا أخاف من الكلاب كثيراً.
نظرت خلفها ووجدت مجموعه من الكلاب الشرسة تركض باتجاهها ، ركضت وصوت صراخها يعلو ويعلو.
وهي تقول بصراخ ممزوج بخوف:
_النجده أنقذوني يا بشر!
ولم تجد أحدٌ بهذا المكان ومن شدة خوفها، سقطت أرضا وهجم عليها الكلب وغرز أنيابه برجلها صرخت بشدة وهي الدموع تغرق وجهها، والدماء تخرج بغزارة، وقفت سيارة كبيرة ونزل ماهر بسرعة وهو يطلق النار على جسد الكلاب، حتى تخلصا منهم وركض نحوها وهي تغمض عيونها بألم.
نظر لجرح رجلها وأخرج منديل ولفه حول الجرح؛ لكي يوقف النزيف.
فتحدث بخوف وقلق شديد: م... ميسون إفتحي عيناك ولا تغلقيهم ستكونين بخير.
ثم وجها كلامه لمروان: ساعدني، إفتح باب السيارة.
خرج مروان عن تفكيره، وهو يتعجب من تصرفات أخاه ولأنه للمرة الأولى الذي يجده يهتم بإمر فتاة لهذه الدرجة.
فتح باب السيارة ووضعوا ميسون على المقعد وجلس ماهر بجانبها وهو يضع رأسها فوق رجله.
مروان أسرع إلى المستشفى.
قاد السيارة وماهر يضرب على وجنيتها بخفه ويضع بعض من قطرات الماء على وجهها ويحاول أن يجعلها تستعيد وعيها.
- ميسون افتحي عينك، ارجوكي !
لا تقلق يا أخي، ستكون بخير الإصابة لم تكن بالغه لما انت مهتم بها إلى هذا الحد أتحبها ؟!
فرد قائلا بغضب: أصمت أيها الاحمق ، ألا تعرف أي شيئا سوى الثرثرة، لما تسير مثل السلحفاء هكذا أسرع.
أسرع مروان وبعد مدة قليله وصل، ونزل ماهر وهو يحمل ميسون على ذراعه والخوف ظاهر على ملامح وجهه.
- اين الأطباء؟
جاء الأطباء والممرضين ووضعها على النقالة، ودلفوا بها إلى غرفه العمليات وبدأوا بتطهير وعلاج الجرح وهو في الخارج يجفف عرقه الذي ينصب منه، وضربات قلبه مسموعة، وضع مروان يده على كتفه وجلس بجانبه.
- ماذا بك يا اخي ؟ لا اعرف ماذا حدث لي صدقني.
- حسنا لا تقلق، لم أركَ قلقاً إلى هذا الحد من قبل.
_انا لست قلقاً، لكنني شعرت أنها وحيدة، وحزنت عليها كثيرا.
منذ متى وأنت تحزن على أي شخص، ألم تقل أن قلبك حجر لا يحزن ولا يتأثر بشيء؟
تحدث ماهر وهو يحاول الهروب من حديث أخاه, أما مروان فالتزم الصمت، وأغلق هذا الحديث التافه.
لكنه تابع مدافعا عن نفسه:
_أعرف ماذا تريد، هل تعتقد أنني واقع في حبها؟ أنت أحمق، يستحيل أن أقع بالحب يكفيني الجروح التي تملأ قلبي، لست مستعداً لخسارة من سأحبها بسبب أعمالي.
- معك حق، أعتذر لأنني جعلتك تتذكر ألم الماضي.
ظلا جالسين حتى خرج الطبيب من الغرفة فوقف ماهر بلهفةٍ مليئةٍ بالخوف.
هرع ماهرإلى الطبيب وقال له بلهفة :
_أخبرني هل هي بخير؟
- نعم إنها بخير وبعد مدة ستستيقظ، جرحها لم يكن عميقاً.
_حسنا، هل يمكنني الدخول؟
-نعم، ولكن لا تستغرق وقتا طويلا في التحدث معاها.
دلف ماهر إلي الغرفة وهو يراها نائمة مثل الملاك، شدّه شعرها الحرير الذي يلمع بشدة وبشرتها البيضاء التي تشع بالنور.
وفجأة رن الهاتف الخاص بميسون فأخرجه ماهر من جيبه وجده على الأرض بجانبها عندما سقطت على الأرض، فتح المكالمة وسمع صوت فتاة تصرخ بشده وترشق الكلام دون توقف:
-يا لكِ من غبيه، لماذا لم تردِ على اتصالاتي، هل أنت بخير، انتظرتك بالمطار كثيراً، أين أنت الآن؟
فقاطعها:
_ميسون بالمستشفى، لقد اصيبت بسبب الكلب، إن كانت تهمك، فتعالي على الفور إنها تحتاجك.
- من أنت؟ هل هي بخير، ما هو عنوان المستشفى؟
قال لها العنوان وأغلق الهاتف وجلس أمام ميسون وأمسك يدها وقبلهما بلطف وأرجع خصلات شعرها الذهبي خلف أذنيها، وظل يحدق بها، وكأنه يحفظ ملامح وجهها.
-لا أعلم ما الذي يحذبني إليك، فعندما أنظر لعينيك أشعر وكأنني أغوص فيهما، كم شعرت بالخوف وأنا أرى الكلب ينهش في جسدك، لم نتقابل كثيرا ولم أعرف شيئاً عنك سوى اسمك.
صمت قليلاً ثم قال في نفسه:
-"مشاعر مختلطة، أشعر بها حينما أراك وأشعر وكأن العالم توقف، لا يوجد فتاة شعرت معها مثلما شعرت معك، أتمنى أن نلتقي مجددا، أعدك، سأراقبك دائماًوحتى أتأكد أنك في أمان، أنا الآن فوداعا أيتها الجميلة.
قال هذا وخرج من الغرفة وسار نحو غرفة الاستقبال؛ ليدفع تكاليف المستشفى، وفي هذه اللحظة دلفت مريم الغرفه ووجدت ميسون تفتح عينيها ببطئ ، اقتربت منها وهي حزينة وتحمل نفسها المسؤولية، بسبب ما حدث لصديقتها، حيث جلست أمامها والدموع تغرق وجهها.
"عزيزتي، أنا أعتذر كثيراً، كان هذا بسببي كان يجب عليّ أن أسرع أكثر، لقد تأخرت عليك سامحيني".
أمسكت ميسون يدها بضعف وتحدثت بحنان:
_لا يا عزيزتي، هذا قدري وليس لك ذنب لا تحملي نفسك المسؤولية لا أحب أن دموعك الغالية.
تذكرت فحأة وقالت بلهفة:
_صحيح أين ماهر؟ قبل أن أفقد وعي سمعته يتحدث إلي، أنا لا أراه.
- لا اعلم ولكن أظن أنه نفس الشخص الذي رد على المكالمة وأخبرني بالحادثة، هل تعرفينه؟
_لا، رأيته مرتين وهو من أنقذني في كل مرة، أريد أن أشكره ثم نخرج من هنا.
سكتت لبرهة وهي تفكر كيف ستسير على رجليها المصابة، شعرت بالألم الشديد وتذكرت ذلك المنظر البشع والكلب ينهش بجسدها ونظرت أسفلها بحزن، ثم رفعت مريم وجهها وهي تضع أصابعها عليه بخنان وتنظر لها بإبتسامه وقالت:
-توجد طريقة واحدة لكي تشكريه؟
قالت بلهفة:
_وما هي؟
أجابتها مريم بجنون:
- سأحضر كرسي متحرك وأنت تجلسين عليه وسأدفعك ثم أجري بك وسنلاحقه، انتظري دقائق.
ضحكت ميسون وهي تنظر لحركات وجهها وعندما انتهت من حديثها فوراً أحضرت الكرسي وساعدت ميسون؛ لتجلس عليه، ودفعتها للأمام بسرعة وهي تتحرك وانتهت من الممر الأول وهناك كان ماهر يقف وخلفه مروان وحمزه ، حيث وقف حينما رأها، أمسك حمزه يده وضغط عليهم قائلاً وهو يجز على أسنانه:
_هيا يا أخي كي لا نتأخر.
ميسون بإبتسامه:
_أشكرك من كل قلبي دائماً تنقذني، لا أعلم ما كان سيحدث لو لم تكن قربي حينها.
ماهر:
_لا داعي للشكر، أتمنى لكِ الشفاء العاجل.
مدت يدها لكي تصافحه ابتسم وصافحها وشعر بإحساس جميل كما شعر أيضا بارتعاش في جسدها، ابتسم، وكأنه نسي الوقت حينما تلامست أيديهم والتقت أعينهم في نظرة مليئةٍ بأشياءَ كثيرة.
لكنها كسرت ذلك الصمت بسؤالها:
_هل تسكن هنا؟
نظر لها وابتسم ولم يتفوه بحرف، لقد كان سؤالاً ليس له جواب، وما يعرفه فقط هو أنه هنا؛ ليعيش.
وبدلاً من أن يجيب على سؤالها قرر أن يثمل في بحر عينيها، ونظرت هي له بوجنتيها المشتعلة من شدة خجلها.
ومن صوب أخر.. في قصر بعيد وفي جناح يسوده الظلام كانت تجلس تلك الفتاة التي تدعى رولا وهي تضع ساقيها فوق بعضهم وعينيها مليئة بنظرات الانتقام والدموع عالقة بمقلتيها، رافضةً أن تنزل.
لكن صوت طرقات الباب كسر صمتها وتفكيرها، حيث دلف الخادم وهو يتحدث باحترام:
_سيدتي لقد جاء الجاسوس الذي جعلناه يراقب عدوك، وهو يريد التحدث معك الآن.
مسحت دموعها:
-حسناً، أدخله.
وما هي إلا ثوان، دلف ذلك الجاسوس وهو منحني الرأس، وهو نفس الشخص الذي كان يعذبه ماهر وجاء لينفذ ما قيل له.
تحدثت رولا بغضب شديد:
_ هل جئت إلى هنا؛ لتظل صامتا.
- أعتذر سيدتي انتظرت إذنك لأتحدث، سمعته يتحدث مع شخص ما، وهو يقول أنه سيتخلى عن صفقة الأسلحه لك.
وقفت رولا بدهشة قائلة:
_ألا تعلم لماذا فعل ذلك، هل لديك أي معلومات أخرى؟
- لا يا سيدتي.
فتحت خزانتها وأخرجت بعض المال وأعطته له وقالت له والعبوس يملأ ملامحها:
_هذه مكافأتك وإذا علمت بأي شيءٍ تعال وأخبرني فوراً.
-أشكرك حسناً سيدتي.
وانصرف الجاسوس، وترك عندها أفكار الحيرة بما قاله.
أما رجال ماهر فكانوا يراقبوه وأخذوه مجدداً الى القبو.
وفي الجناح كانت رولا تسير للأمام ثم تستدير للخلف وهي تفكر:
" لماذا فعل ماهر هذا؟ قلبي ليس مطمئن لفعلته، يبدو أنها لعبة كبيرة من ألعابه.
أخرجت هاتفها واتصلت على أخيها صدقي:
- مرحبا صدقي أين هو قاتل أبي.
_اخر معلومات أعلمها أنه بالقصر ومريض جداً وترك لنا الصفقة.
- وهل أنت مقتنع بكل هذا؟
_لا يا أختي أنا أبحث وسأرسل الجواسيس، لكن الحراسة شديدة للغاية ومن الصعب اقتحام قصره، وأنا أحيك حيلاً كثيرة، وفي أقرب وقت سأسمعك خبر انتهائه ورحيله عن هذا العالم.
رولا بصوت باكي:
_ألم أقل لك لا تفكر في أذيته؟ صدقني ستخسرني للأبد، بالرغم من أنه قاتل أبي ولكنني أحبه ولم أستطع أن أكرهه، أخي لا تحرمني منه، إنني أتألم لرحيل أبي، فلا تحرمني من الإنسان الذي أحببته أكثر من نفسي أيضاً
غضب كثيرا من ردها فكيف لها أن تحبه بالرغم من أنه قاتل والدها ولم يفهم مشاعرها تلك.
وقال لها غاضباً:
_رولا أنت مجنونة، صحيح، ألا تتذكرين كل الآلام التي سببها لنا، فكيف تحبيه، أنه لا يراكِ من الأساس، أنصحك تراجعي عن هذا الجنون.
فتحدثت بحزن مليءٍ بالألم:
_قلبي ليس بيدي، حاولت أن أكرهه ولكن بلا فائده، فإذا كنت تحبني فعلاً فلا تقتله، أتوسل إليك.
صدقي بنفاذ صبر:
_حسنا اهدئي أعدك بأنني لن أؤذيه إلا بإذنك.
مسحت دموعها بكفيها وهي تبتسم:
_أشكرك.
ومن ناحيةٍ أخرى في منزل بسيط كان حمزه واقفاً بغضب أمام ماهر يقول له:
_لماذا فعلت هذا، لماذا أرسلت الجاسوس لهم وماذا يدور في عقلك؟
- كيف تسألني هذا يا حمزة؟ وأنت من جعلني أصل لهذه المرحلة من الذكاء، ويجب أن تفهم ما أفكر به.
زفر حمزة بضيقٍ شديد قائلاً:
_تحدث بشكلٍ مباشر واترك هذه الألغاز ، أنا غاضبٌ جداّ، وأنت بارد هكذا، وتراقب تلك الفتاة الشقراء، أريد إجابات واضحة لكل هذه الأسئلة؟
- حسنا اجلس وسأروي لك ما يدور في عقلي وكل النتائج التي ستترتب على خطتي.
جلسا وبدأ ماهر يتحدث فانصدم حمزه عندما سمع آخرَ شيءٍ يمكن أن يتوقعه.