الفصل الرابع صديقة جديدة
كانت الهمسات التي تصدر في ممرات حيالي تثير أعصابي.
لم أنم جيداً ليلة البارحة بسبب فرانسيسكو ولا طاقة لي لإثارة أي فوضى أو التشاجر مع أحد الآن وهؤلاء الحمقى يزيدون أمر سوءً.
أنهم يجبرونني على أقتراف مشاكل وأنا حتماً لا أريد. أو ربما أريد؟
وقفت أمام شاشة التلفاز العملاقة التي كانت معلقة في الممر ليسرع الطلاب بالأبتعاد من أمامي يفسحون لي المجال للعبور.
أبقيت ملامحي على حالها عبوسة وتقدمت أراقب مجموعة من شباب ترتدي أزياء ذهبية وعليها الشعار الخاص بالجامعة. لا بدا أنه أحد النوادي.
كان يقود المجموعة شاب أسود البشرة بعيون زرقاء مثالية فاتنة. وابتسامته ناصعة البياض كانت أكثر أغراءً.
كانت هنالك نافذة صغيرة متواجدة في الركن الشاشة لأحد القنوات الأخبارية بينما يثرثر فيها الرجل أربعيني حيالهم.
"بعيدًا عن كونها جامعة لعلم الكيمياء ألا أنها أيضاً مهتمة بالنوادي، ليست نوادي خاصة بالدراسة، بل نوادي خاصة بأشياء تهم المراهقين والشباب."
جذب أنتباهي ثرثارة فتاة ما من جانبي تعرفني سبب الفوضى التي وجدت الطلاب عليها.
"أكثر ناديين مثيرين للاهتمام لدينا هما نادي الموسيقى بسبب المغنية الشابة والفنانة آيلينا ونادي فريق كرة السلة الذي يقوده اللاعب السابق للمنتخب الوطني جومرد. لذلك دوما ما تجيدين مقالات أو سبق صحافي حيال جامعتنا وخصوصا طلابها."
لم أبدي ردة فعل، بل ظللت صامتة كإشارة لها لأن تكمل حديثها وتعرفني عن الشاب أسمر أكثر.
"جومرد قد أعتزل كرة القدم ليكمل مسيرته الدراسية بعد أن تعرض لإصابة كانت ستمنعه من المشي من جديد، مع ذلك هو دوما ما ينجح في جذب اهتمام الصحافة له."
شعرت بها تبلل شفتيها ثم أكملت: "هو من أب أفريقي وأم أرجنتينية لذلك يمتلك هذا المزيج المثالي من لون الأسود ولون الأزرق. يبدو الأمر وكأنه يمتلك سحر خاص يجعل الجميع منجذب له. هو وآيلينا كذلك."
هي أشبعت فضولي ناحية الشاب بالفعل لكنها فتحت آخر ناحيتها هي.
نقلت نظري من الشاب الأسمر الطويل ذو العيون الزرقاء الفاتنة إلى الفتاة صاحبة النظرات التي كانت واقفة بجانبي بطبيعية وعدم اهتمام عكس البقية الذين أبتعدوا عن دائرتي.
لا بدا أنها لا تعرف هويتي أو ابنة من أكون.
ثم من سمح لها بالحديث معي؟
"ما اسمك؟" سألتها فجأة بدون مقدمات.
"هيغل."
"وماذا تعمل عائلتكِ؟"
دماء والكر تجري في عروقي ماذا أفعل؟
"أبي يمتلك مخبز صغيراً في الشارع المتواجد خلف الجامعة." ردت بغرابة وهي تعقد حاجبيها بحيرة من سؤالي.
"عذرا لكني لا أحدث العامة." رددت عليها أتجاهلها تماماً وأسير بعيدًا عنها أتركها بعيون وفاه مفتوحين بصدمة.
حينما تعيش داخل عائلة والكر الصارمة ستفهم حتماً أنه يمنع إقامة علاقات مع أي كان ألا إذ كانت توجد مصلحة منه.
لكن نستثني أمي من تلك القاعدة لأنها تصادق كل شخص وتهتم لأمرهم جميعاً ولا تمانع مجالسة العامة. هي خارجة عن قواعد عائلة والكر، لا تشترك معهم في شيء سوى في القوة وغرابة الأطوار.
وبما أنني ابنة عاصية لكلام والديها لم أقم صداقة سوى مع باغيير.
كنت رافضة لتعرف على أي من ابناء زملاء أبي في الجيش والذي يعرفني عليهم في كل مناسبة تسمح له.
أنا أكره العلاقات، أكره أنخراط وسط مجموعات. لا أريد تكوين صداقة مهما حدث. فأنا مستعدة لقطع لسان أي من يحاول المزاح معي بسخافة.
"هذه المحفظة ثقيلة جداً." تمتمت وأنا أعدل من حبال حقيبتي.
"كان عليا أصطحاب براد لحرم الجامعة حتى يحملها نيابة عني. هل من ضروري أن أخذها معي أساسا؟"
فجأة توقفت عن السير حينما لمحت شعر أشقر بشع عرفت صاحبته جيداً.
ابتسمت بلؤم شديد حينما لمحتني من خلف كتفها بعد أن نظر لي رفاقها بتوتر.
تصلب جسدها وأرتعشت أطرافها ثم بقيت على حالها تمنحني ظهرها لا تستدير لي رغما علمها بأنني أنظر إليها.
"أنتِ." تحدثت وسط الرواق المملوء بالطلاب أنظر لها.
كل الضجيج أنعدم وأختفى من المكان وحتى صوت أنفاسهم المضطربة قد ابتلاعوها حتى لا يثيروا أي صوت وبذلك لا يجذبون اهتمامي.
تعلموا درسهم سريعًا على ما يبدو.
"أنا؟" تساءلت الفتاة أخرى بتوتر وهي تشير ناحية نفسها بسبابتها لأهز رأسي لها بنفي وأرفع يدي ناحية الساقطة الأخرى.
"بل تلك." قلت أخفض يدي ناحية الأسفل مجددًا لأستمع إلى صوتها وهي تقوم ببلع لعابها برهبة.
"أليس صدفة أن اسم مانويلا وميلانو متقربان يا صاحبة الذوق الرفيع؟" تساءلت هازئة حينما أستدارت الفتاة التي تشاجرت معها ليلة البارحة تناظرني بعيون متوترة.
كانت تحتضن كتبها بقوة ناحية صدرها بينما بشرتها البيضاء وأقدامها العارية لمعت أسفل أنوار الممر القوية بسبب العرق المتصبب منها بتوتر.
عيونها البنية لانت بخوف.
"لكن اسم مانويلا بشع، كحال شعركِ وذوقكِ. لكن يوجد سؤال يصيبني بالحيرة في كل مرة أقابلكِ فيها. هل تمتلكين مرآة في غرفتك؟لأني أشك أن هنالك عاقلة ستقوم بصبغ شعرها بمثل لون خاصتكِ. لأنه كما قلت لك، قبيح."
كانت صامتة تماماً بينما أقوم بأهانتها أمام الطلبة.
تستحق ذلك.
كنت أفكر في كمية الفتيات التي تنمرت عليهن وجعلت منهن يشعرن بذات الشعور.
هؤلاء الناس يحتاجون أن يتذقوا ذلك الطعم المرير من ذات الملعقة حتى لا يقترفوا أخطاء أخرى مشابهة لها من جديد.
"مانويلا." همست الفتاة التي دافعت عني البارحة بانكسار حينما أخفضت رفيقتها رأسها إلى الأسفل بحياء وخوف.
"تعالي وأحملي حقيبتي. أنها ثقيلة ألمت أكتافي وجعلتني أشعر بالتعب." قلت لتنظر لثانية من زمن لرفيقاتها الذين هزوا لها رأسها بموافقة إلا واحدة.
ثم ناظرتني بتوتر وتفكير ومن بعدها أبتلعت ريقها برهبة وهي تقترب مني بخطوات مرتجفة.
ابتسمت بلؤم داخليا.
أن ظللت أثير مشاكل في صفوف الطلاب سأطرد حتماً وأشوه سمعة عائلتي ولن يسمحوا لي بالخروج من جديد بكل تأكيد.
عليا أن أحاول جاهدة جعلهم يفهمون أن ابنتهم مريضة نفسية ومعتلة أجتماعيا.
نزعت حقيبتي من على كتفاي ثم أوقعتها على الأرض عن عمد.
حشرت يداي في جيوب سترتي ثم بدأت بالمشي بينما مانويلا تلك قد ألتقطتها من الأرض تتبعني من الخلف بصمت.
الممرات التي عبرت من خلالها كانت صامتة أيضاً وذلك أعجبني. جعلني أشعر بنفوذي.
ابتسمت ببرود في وجوه طلاب فصلي وأنا أدخل إلى المدرجات.
صعدت إلى نفس المكان الذي جلست به ليلة البارحة ثم أخذت ركن بجانب النافذة.
"ضعيه وأذهبي." قلت لمانويلا التي ظلت تنظر لي بتوتر قبل أن تضع حقيبتي على الطاولة وتسرع بالرحيل.
واحدة بأخرى مانويلا.
لقد أنتقمت منكِ.
وأفضل جزء هو أنني أصبحت الخطر المحدق بطلاب هذه الجامعة.
أسترخيت في جلستي ووضعت الموسيقى على أعلى درجاتها.
حتى الأستاذ حينما دخل لم يعرني أي اهتمام بل أعتبرني غير موجودة تماماً. بينما المدرجات والمقاعد كانت فارغة من حولي بسبب تهرب الطلبة مني.
كم هذا رائع.
لا يبدو أن عامي سيكون ممل كما كنت أظن.
.
.
.
"هل أنتِ عمياء؟" تساءلت أحداهن فور أن أصطدمت بها دون قصد.
عليكِ أن تنتبهي أكثر لطريقكِ ميلانو وتوقفي عن التحديق بحذاءك مثل المغلفة.
يبدو أن مانويلا ليست مخطئة حينما قالت ذلك في المرة الماضية.
لكن أي حمقاء مستعدة للتخلي عن كرامتها في مقابل حادث صغير؟
رفعت عيوني الباردة ناحيتها حيث كانت أطول مني نظرا لأنها ترتدي كعب عالي.
جمعت حواجبها بغرابة كمن تسترجع ذاكرتها، وكأنها شاهدتني من قبل.
"كرري ما قلته من جديد؟" سألتها بنبرة متحدية لترفع لي حاجبها بعدم تصديق.
أنا وقحة.
أعلم.
وقبل أن تتفوه بكلمة صدر صوت ذكوري في الأرجاء لم أميز صاحبه لأنني ظللت أحدق في صاحبة الشعر الأزرق.
الكلمات التي خرجت من شفتيه جعلتها تتصنم في مكانها.
والتي كانت عبارة عن: "أنها ميلانو والكر."
أحب حينما يلفظ أحدهم اسمي بكل ذلك الكم الهائل من الخوف، حينما تتجمد أطراف الواقف أمامي. هنالك كاريزما، قوة ونفوذ في تلك الكلمات الثلاث.
ميلانو لوحدها كابوس، ومع لقب والكر أنها الجحيم بعينه.
لكني في نهاية المطاف قررت تجاهل الأمر وعدم أعطاءه أكثر من حجمه لأنه توجد كبرى شرسة بأنتظاري في المنزل.
"ميلانو والكر؟" تردد صوتاً أنوثي عذب في المكان، كان شديد النعومة والأنوثة على عكس صوتي ذا البحة الثقيلة. لدقيقة شككت أنني أنثى بسبب صوتها.
فجأة أطلت فتاة شابة من خلف الخائفة الواقفة أمامي.
أنها___
أنا غير مصدقة.
هي___
ابتسمت بأتساع وقد برز صف اسنانها الحادة الغير منتظمة.
"أنا آيلينا دولوريس." عرفتني عن نفسها بابتسامة بعد أن أبتعدت صديقتها تحتمي خلف ظهرها.
كانت ذات الفنانة التي ظهرت على شاشة صباحا. لقد علمت هويتها من اللحظة الأولى.
لكن حينما رأيتها ترتدي جاكيت الجلد الموقعة من قبل جان تيتش قد أبتلعت كلماتي.
أقراطها على شكل جماجم وزينتها داكنة. سروالها الأسود الممزق وحذاءها ذو كعب العالي أسود لامع يمتلك الكثير من السلاسل الحديدة.
مظهرها قد أعجبني وخاصة وشم الأفعى على رقبتها والحلق الفضي عند بطنها قد أسرني كليا. كما كانت ترتدي قلادة على هيئة سلاسل حديدة حول خصرها.
نموذج الملابس الذي أفضله تماماً.
"جان تيتش؟ أختيار مميز." تحدثت بهدوء رغم الحماس المشتعل داخلي لأسمع شهقات مصدومة ترن من حولي. وكأن لا أحد توقع ردة فعلي هذه.
عفوا، هذا ثاني يوماً لي هنا! كيف لكم أن تحكموا عليا بهذه السرعة بسبب أستاذ سخيف وطالبة متنمرة؟ خصوصاً هما من أفتعالا المشاكل معي أولا.
"حقاً؟ شكراً لكِ." ردت بابتسامة قد أنكمشت عيونها الخضراء الواسعة أثرها.
"لم أتوقع أن هنالك طالب في هذه الجامعة يعرف جان تيتش غيري. أنا سعيدة إن هنالك أحدا مثلي."
"نحن عملة نادرة. فشباب هذا الجيل يمتلكون ذوق بشع. لذلك لن تجدي الكثير منهم يتابعونه أو يحبون موضة الغرانج والبانك. يروقهم موضة الهيب هوب وارتسي أكثر."
"لديكِ وجهة نظر مقبولة." قالت تمدحني وهي ترفع حواجبها بأعجاب لي.
"في الواقع هو خالي، شقيق أمي بالتبني. في المرة القادمة حينما يقيم عرض أزياء ذكريني أن أحضر دعوة مخصصة لكِ." عرضت عليا لا تزيح تلك الابتسامة.
رمشت عدة مرات بعدم تصديق.
دعوة خاصة لجان تيتش؟
لي أنا؟
لا أستطيع التصديق!
"أما أنكِ لا ترغبين بذلك؟" تساءلت بتوتر وقد بدأت تختفي ابتسامتها تدريجيا حينما طال صمتي.
تمزحين يا فتاة؟
أنا مستعدة حتى لتبادل القبل مع خالك وليس حضور عرضه فقط!
لكن أنا ابنة والكر.
لذلك تماسكت أمامها وقلت بثبات: "سيكون ذلك رائع. كنت أرغب منذ مدة بالفعل بزيارة أحد عروضه والحصول على توقيع خاص على جاكيت المتعقبة التي أصدرها ضمن عرض القاتلين الوهميين قبل ثلاثة أشهر."
هذه المرة هي من رمشت بعدم تصديق تحاول أستيعاب ما قلته.
كل ما جاءني منها هو أوه صغيرة جعلتني أشعر بالتوتر وبجلد الذات.
هل ما قلته أحمق جداً؟
أنا لم أخرج منذ شهور من المنزل ومعتادة على حديث أما مع باغيير أو براد وكلاهما صامتان لذلك أفتقر جداً إلى أساليب التواصل الأجتماعي، ولهذا السبب أيضاً أبدو وقحة جداً.
لكن توتري زال فور أن ابتسمت في وجهي بود.
"لم أتوقع أن تكوني معجبة بخالي إلى هذا الحد! سيكون مسروراً ما أن أعرفه أن لديه معجبة مثلكَ. تمتلك نظرة ثاقبة حيال الموضة بأنواعها."
رجاءً أوصلي له قبلاتي وأحضاني أيضاً.
وحتى__
كلا.
كوني عاقلة ميلانو.
أي سخافة تفكرين بها الآن؟
صحيح أن خالها وسيم، ذا مظهر ظلامي ومصمم أزياء معروف، نشترك في ذات الذوق سوء في الموسيقى، السينما أو الكتب، وكلانا نربي حيوانات مفترسة في المنزل وهو رجل رائع للغاية لكن ذلك لا يمنحك الحق بالتحرش به أمام ابنة شقيقته.
"اتفقنا إذاً ميلانو؟" تساءلت وهي تمد لي يدها لتصافحني بينما ترسم لي أكبر ابتسامة قد رأيتها على الإطلاق.
اتفقنا؟
على ماذا بضبط؟
على زواجي بخالها صحيح؟
تبا للكاريزما التي صنعتها خلال يوماً واحداً، ففي هذه اللحظة ستنهار فور أن أصافحها أمام كل هذه العيون المبهمة والمتعجبة، والتي أقسم أنها تظن أنني سأرفض مصافحتها.
"اتفقنا." رددت بهدوء وأنا أريح يدي داخل كفها، أتلمس ملمس جلد شخص بشري لأول مرة منذ أشهر طويلة.
سحبت يدي من خاصتها حينما رن الجرس لتستدير حولها تحتضن كتبها إلى صدرها وهي تراقب الطلاب الذين ظلوا يشاهدوننا دون أن يتحركوا إلى صفوفهم.
شعرت بالحياء لذلك تراجعت إلى الخلف وبذلك عاد الضوء للسطوع في وجهي بعد أن حجبتني بظلها نظرا لأنها كانت أطول مني بسبب كعبها العالي.
"سعيدة بالحصول على صديقة مثلك ميلانو والكر. وداعا." تحدثت وهي تسحب صديقتها التي صدمتني قبل دقائق وهي تلوح لي بابتسامة واسعة.
مهلا ماذا؟
أي صديقة تتحدث عنها هذه الساذجة؟
لقد صافحتك بسبب خالك لا أكثر!
تبا!
لم أرد للأمور أن تصل إلى هذه النقطة على الإطلاق.
أرتخت أكتفاي إلى الأسفل بيأس.
أسحب كلامي.
عامي سيكون صاخبا ومملوء بالفوضى.
لم أنم جيداً ليلة البارحة بسبب فرانسيسكو ولا طاقة لي لإثارة أي فوضى أو التشاجر مع أحد الآن وهؤلاء الحمقى يزيدون أمر سوءً.
أنهم يجبرونني على أقتراف مشاكل وأنا حتماً لا أريد. أو ربما أريد؟
وقفت أمام شاشة التلفاز العملاقة التي كانت معلقة في الممر ليسرع الطلاب بالأبتعاد من أمامي يفسحون لي المجال للعبور.
أبقيت ملامحي على حالها عبوسة وتقدمت أراقب مجموعة من شباب ترتدي أزياء ذهبية وعليها الشعار الخاص بالجامعة. لا بدا أنه أحد النوادي.
كان يقود المجموعة شاب أسود البشرة بعيون زرقاء مثالية فاتنة. وابتسامته ناصعة البياض كانت أكثر أغراءً.
كانت هنالك نافذة صغيرة متواجدة في الركن الشاشة لأحد القنوات الأخبارية بينما يثرثر فيها الرجل أربعيني حيالهم.
"بعيدًا عن كونها جامعة لعلم الكيمياء ألا أنها أيضاً مهتمة بالنوادي، ليست نوادي خاصة بالدراسة، بل نوادي خاصة بأشياء تهم المراهقين والشباب."
جذب أنتباهي ثرثارة فتاة ما من جانبي تعرفني سبب الفوضى التي وجدت الطلاب عليها.
"أكثر ناديين مثيرين للاهتمام لدينا هما نادي الموسيقى بسبب المغنية الشابة والفنانة آيلينا ونادي فريق كرة السلة الذي يقوده اللاعب السابق للمنتخب الوطني جومرد. لذلك دوما ما تجيدين مقالات أو سبق صحافي حيال جامعتنا وخصوصا طلابها."
لم أبدي ردة فعل، بل ظللت صامتة كإشارة لها لأن تكمل حديثها وتعرفني عن الشاب أسمر أكثر.
"جومرد قد أعتزل كرة القدم ليكمل مسيرته الدراسية بعد أن تعرض لإصابة كانت ستمنعه من المشي من جديد، مع ذلك هو دوما ما ينجح في جذب اهتمام الصحافة له."
شعرت بها تبلل شفتيها ثم أكملت: "هو من أب أفريقي وأم أرجنتينية لذلك يمتلك هذا المزيج المثالي من لون الأسود ولون الأزرق. يبدو الأمر وكأنه يمتلك سحر خاص يجعل الجميع منجذب له. هو وآيلينا كذلك."
هي أشبعت فضولي ناحية الشاب بالفعل لكنها فتحت آخر ناحيتها هي.
نقلت نظري من الشاب الأسمر الطويل ذو العيون الزرقاء الفاتنة إلى الفتاة صاحبة النظرات التي كانت واقفة بجانبي بطبيعية وعدم اهتمام عكس البقية الذين أبتعدوا عن دائرتي.
لا بدا أنها لا تعرف هويتي أو ابنة من أكون.
ثم من سمح لها بالحديث معي؟
"ما اسمك؟" سألتها فجأة بدون مقدمات.
"هيغل."
"وماذا تعمل عائلتكِ؟"
دماء والكر تجري في عروقي ماذا أفعل؟
"أبي يمتلك مخبز صغيراً في الشارع المتواجد خلف الجامعة." ردت بغرابة وهي تعقد حاجبيها بحيرة من سؤالي.
"عذرا لكني لا أحدث العامة." رددت عليها أتجاهلها تماماً وأسير بعيدًا عنها أتركها بعيون وفاه مفتوحين بصدمة.
حينما تعيش داخل عائلة والكر الصارمة ستفهم حتماً أنه يمنع إقامة علاقات مع أي كان ألا إذ كانت توجد مصلحة منه.
لكن نستثني أمي من تلك القاعدة لأنها تصادق كل شخص وتهتم لأمرهم جميعاً ولا تمانع مجالسة العامة. هي خارجة عن قواعد عائلة والكر، لا تشترك معهم في شيء سوى في القوة وغرابة الأطوار.
وبما أنني ابنة عاصية لكلام والديها لم أقم صداقة سوى مع باغيير.
كنت رافضة لتعرف على أي من ابناء زملاء أبي في الجيش والذي يعرفني عليهم في كل مناسبة تسمح له.
أنا أكره العلاقات، أكره أنخراط وسط مجموعات. لا أريد تكوين صداقة مهما حدث. فأنا مستعدة لقطع لسان أي من يحاول المزاح معي بسخافة.
"هذه المحفظة ثقيلة جداً." تمتمت وأنا أعدل من حبال حقيبتي.
"كان عليا أصطحاب براد لحرم الجامعة حتى يحملها نيابة عني. هل من ضروري أن أخذها معي أساسا؟"
فجأة توقفت عن السير حينما لمحت شعر أشقر بشع عرفت صاحبته جيداً.
ابتسمت بلؤم شديد حينما لمحتني من خلف كتفها بعد أن نظر لي رفاقها بتوتر.
تصلب جسدها وأرتعشت أطرافها ثم بقيت على حالها تمنحني ظهرها لا تستدير لي رغما علمها بأنني أنظر إليها.
"أنتِ." تحدثت وسط الرواق المملوء بالطلاب أنظر لها.
كل الضجيج أنعدم وأختفى من المكان وحتى صوت أنفاسهم المضطربة قد ابتلاعوها حتى لا يثيروا أي صوت وبذلك لا يجذبون اهتمامي.
تعلموا درسهم سريعًا على ما يبدو.
"أنا؟" تساءلت الفتاة أخرى بتوتر وهي تشير ناحية نفسها بسبابتها لأهز رأسي لها بنفي وأرفع يدي ناحية الساقطة الأخرى.
"بل تلك." قلت أخفض يدي ناحية الأسفل مجددًا لأستمع إلى صوتها وهي تقوم ببلع لعابها برهبة.
"أليس صدفة أن اسم مانويلا وميلانو متقربان يا صاحبة الذوق الرفيع؟" تساءلت هازئة حينما أستدارت الفتاة التي تشاجرت معها ليلة البارحة تناظرني بعيون متوترة.
كانت تحتضن كتبها بقوة ناحية صدرها بينما بشرتها البيضاء وأقدامها العارية لمعت أسفل أنوار الممر القوية بسبب العرق المتصبب منها بتوتر.
عيونها البنية لانت بخوف.
"لكن اسم مانويلا بشع، كحال شعركِ وذوقكِ. لكن يوجد سؤال يصيبني بالحيرة في كل مرة أقابلكِ فيها. هل تمتلكين مرآة في غرفتك؟لأني أشك أن هنالك عاقلة ستقوم بصبغ شعرها بمثل لون خاصتكِ. لأنه كما قلت لك، قبيح."
كانت صامتة تماماً بينما أقوم بأهانتها أمام الطلبة.
تستحق ذلك.
كنت أفكر في كمية الفتيات التي تنمرت عليهن وجعلت منهن يشعرن بذات الشعور.
هؤلاء الناس يحتاجون أن يتذقوا ذلك الطعم المرير من ذات الملعقة حتى لا يقترفوا أخطاء أخرى مشابهة لها من جديد.
"مانويلا." همست الفتاة التي دافعت عني البارحة بانكسار حينما أخفضت رفيقتها رأسها إلى الأسفل بحياء وخوف.
"تعالي وأحملي حقيبتي. أنها ثقيلة ألمت أكتافي وجعلتني أشعر بالتعب." قلت لتنظر لثانية من زمن لرفيقاتها الذين هزوا لها رأسها بموافقة إلا واحدة.
ثم ناظرتني بتوتر وتفكير ومن بعدها أبتلعت ريقها برهبة وهي تقترب مني بخطوات مرتجفة.
ابتسمت بلؤم داخليا.
أن ظللت أثير مشاكل في صفوف الطلاب سأطرد حتماً وأشوه سمعة عائلتي ولن يسمحوا لي بالخروج من جديد بكل تأكيد.
عليا أن أحاول جاهدة جعلهم يفهمون أن ابنتهم مريضة نفسية ومعتلة أجتماعيا.
نزعت حقيبتي من على كتفاي ثم أوقعتها على الأرض عن عمد.
حشرت يداي في جيوب سترتي ثم بدأت بالمشي بينما مانويلا تلك قد ألتقطتها من الأرض تتبعني من الخلف بصمت.
الممرات التي عبرت من خلالها كانت صامتة أيضاً وذلك أعجبني. جعلني أشعر بنفوذي.
ابتسمت ببرود في وجوه طلاب فصلي وأنا أدخل إلى المدرجات.
صعدت إلى نفس المكان الذي جلست به ليلة البارحة ثم أخذت ركن بجانب النافذة.
"ضعيه وأذهبي." قلت لمانويلا التي ظلت تنظر لي بتوتر قبل أن تضع حقيبتي على الطاولة وتسرع بالرحيل.
واحدة بأخرى مانويلا.
لقد أنتقمت منكِ.
وأفضل جزء هو أنني أصبحت الخطر المحدق بطلاب هذه الجامعة.
أسترخيت في جلستي ووضعت الموسيقى على أعلى درجاتها.
حتى الأستاذ حينما دخل لم يعرني أي اهتمام بل أعتبرني غير موجودة تماماً. بينما المدرجات والمقاعد كانت فارغة من حولي بسبب تهرب الطلبة مني.
كم هذا رائع.
لا يبدو أن عامي سيكون ممل كما كنت أظن.
.
.
.
"هل أنتِ عمياء؟" تساءلت أحداهن فور أن أصطدمت بها دون قصد.
عليكِ أن تنتبهي أكثر لطريقكِ ميلانو وتوقفي عن التحديق بحذاءك مثل المغلفة.
يبدو أن مانويلا ليست مخطئة حينما قالت ذلك في المرة الماضية.
لكن أي حمقاء مستعدة للتخلي عن كرامتها في مقابل حادث صغير؟
رفعت عيوني الباردة ناحيتها حيث كانت أطول مني نظرا لأنها ترتدي كعب عالي.
جمعت حواجبها بغرابة كمن تسترجع ذاكرتها، وكأنها شاهدتني من قبل.
"كرري ما قلته من جديد؟" سألتها بنبرة متحدية لترفع لي حاجبها بعدم تصديق.
أنا وقحة.
أعلم.
وقبل أن تتفوه بكلمة صدر صوت ذكوري في الأرجاء لم أميز صاحبه لأنني ظللت أحدق في صاحبة الشعر الأزرق.
الكلمات التي خرجت من شفتيه جعلتها تتصنم في مكانها.
والتي كانت عبارة عن: "أنها ميلانو والكر."
أحب حينما يلفظ أحدهم اسمي بكل ذلك الكم الهائل من الخوف، حينما تتجمد أطراف الواقف أمامي. هنالك كاريزما، قوة ونفوذ في تلك الكلمات الثلاث.
ميلانو لوحدها كابوس، ومع لقب والكر أنها الجحيم بعينه.
لكني في نهاية المطاف قررت تجاهل الأمر وعدم أعطاءه أكثر من حجمه لأنه توجد كبرى شرسة بأنتظاري في المنزل.
"ميلانو والكر؟" تردد صوتاً أنوثي عذب في المكان، كان شديد النعومة والأنوثة على عكس صوتي ذا البحة الثقيلة. لدقيقة شككت أنني أنثى بسبب صوتها.
فجأة أطلت فتاة شابة من خلف الخائفة الواقفة أمامي.
أنها___
أنا غير مصدقة.
هي___
ابتسمت بأتساع وقد برز صف اسنانها الحادة الغير منتظمة.
"أنا آيلينا دولوريس." عرفتني عن نفسها بابتسامة بعد أن أبتعدت صديقتها تحتمي خلف ظهرها.
كانت ذات الفنانة التي ظهرت على شاشة صباحا. لقد علمت هويتها من اللحظة الأولى.
لكن حينما رأيتها ترتدي جاكيت الجلد الموقعة من قبل جان تيتش قد أبتلعت كلماتي.
أقراطها على شكل جماجم وزينتها داكنة. سروالها الأسود الممزق وحذاءها ذو كعب العالي أسود لامع يمتلك الكثير من السلاسل الحديدة.
مظهرها قد أعجبني وخاصة وشم الأفعى على رقبتها والحلق الفضي عند بطنها قد أسرني كليا. كما كانت ترتدي قلادة على هيئة سلاسل حديدة حول خصرها.
نموذج الملابس الذي أفضله تماماً.
"جان تيتش؟ أختيار مميز." تحدثت بهدوء رغم الحماس المشتعل داخلي لأسمع شهقات مصدومة ترن من حولي. وكأن لا أحد توقع ردة فعلي هذه.
عفوا، هذا ثاني يوماً لي هنا! كيف لكم أن تحكموا عليا بهذه السرعة بسبب أستاذ سخيف وطالبة متنمرة؟ خصوصاً هما من أفتعالا المشاكل معي أولا.
"حقاً؟ شكراً لكِ." ردت بابتسامة قد أنكمشت عيونها الخضراء الواسعة أثرها.
"لم أتوقع أن هنالك طالب في هذه الجامعة يعرف جان تيتش غيري. أنا سعيدة إن هنالك أحدا مثلي."
"نحن عملة نادرة. فشباب هذا الجيل يمتلكون ذوق بشع. لذلك لن تجدي الكثير منهم يتابعونه أو يحبون موضة الغرانج والبانك. يروقهم موضة الهيب هوب وارتسي أكثر."
"لديكِ وجهة نظر مقبولة." قالت تمدحني وهي ترفع حواجبها بأعجاب لي.
"في الواقع هو خالي، شقيق أمي بالتبني. في المرة القادمة حينما يقيم عرض أزياء ذكريني أن أحضر دعوة مخصصة لكِ." عرضت عليا لا تزيح تلك الابتسامة.
رمشت عدة مرات بعدم تصديق.
دعوة خاصة لجان تيتش؟
لي أنا؟
لا أستطيع التصديق!
"أما أنكِ لا ترغبين بذلك؟" تساءلت بتوتر وقد بدأت تختفي ابتسامتها تدريجيا حينما طال صمتي.
تمزحين يا فتاة؟
أنا مستعدة حتى لتبادل القبل مع خالك وليس حضور عرضه فقط!
لكن أنا ابنة والكر.
لذلك تماسكت أمامها وقلت بثبات: "سيكون ذلك رائع. كنت أرغب منذ مدة بالفعل بزيارة أحد عروضه والحصول على توقيع خاص على جاكيت المتعقبة التي أصدرها ضمن عرض القاتلين الوهميين قبل ثلاثة أشهر."
هذه المرة هي من رمشت بعدم تصديق تحاول أستيعاب ما قلته.
كل ما جاءني منها هو أوه صغيرة جعلتني أشعر بالتوتر وبجلد الذات.
هل ما قلته أحمق جداً؟
أنا لم أخرج منذ شهور من المنزل ومعتادة على حديث أما مع باغيير أو براد وكلاهما صامتان لذلك أفتقر جداً إلى أساليب التواصل الأجتماعي، ولهذا السبب أيضاً أبدو وقحة جداً.
لكن توتري زال فور أن ابتسمت في وجهي بود.
"لم أتوقع أن تكوني معجبة بخالي إلى هذا الحد! سيكون مسروراً ما أن أعرفه أن لديه معجبة مثلكَ. تمتلك نظرة ثاقبة حيال الموضة بأنواعها."
رجاءً أوصلي له قبلاتي وأحضاني أيضاً.
وحتى__
كلا.
كوني عاقلة ميلانو.
أي سخافة تفكرين بها الآن؟
صحيح أن خالها وسيم، ذا مظهر ظلامي ومصمم أزياء معروف، نشترك في ذات الذوق سوء في الموسيقى، السينما أو الكتب، وكلانا نربي حيوانات مفترسة في المنزل وهو رجل رائع للغاية لكن ذلك لا يمنحك الحق بالتحرش به أمام ابنة شقيقته.
"اتفقنا إذاً ميلانو؟" تساءلت وهي تمد لي يدها لتصافحني بينما ترسم لي أكبر ابتسامة قد رأيتها على الإطلاق.
اتفقنا؟
على ماذا بضبط؟
على زواجي بخالها صحيح؟
تبا للكاريزما التي صنعتها خلال يوماً واحداً، ففي هذه اللحظة ستنهار فور أن أصافحها أمام كل هذه العيون المبهمة والمتعجبة، والتي أقسم أنها تظن أنني سأرفض مصافحتها.
"اتفقنا." رددت بهدوء وأنا أريح يدي داخل كفها، أتلمس ملمس جلد شخص بشري لأول مرة منذ أشهر طويلة.
سحبت يدي من خاصتها حينما رن الجرس لتستدير حولها تحتضن كتبها إلى صدرها وهي تراقب الطلاب الذين ظلوا يشاهدوننا دون أن يتحركوا إلى صفوفهم.
شعرت بالحياء لذلك تراجعت إلى الخلف وبذلك عاد الضوء للسطوع في وجهي بعد أن حجبتني بظلها نظرا لأنها كانت أطول مني بسبب كعبها العالي.
"سعيدة بالحصول على صديقة مثلك ميلانو والكر. وداعا." تحدثت وهي تسحب صديقتها التي صدمتني قبل دقائق وهي تلوح لي بابتسامة واسعة.
مهلا ماذا؟
أي صديقة تتحدث عنها هذه الساذجة؟
لقد صافحتك بسبب خالك لا أكثر!
تبا!
لم أرد للأمور أن تصل إلى هذه النقطة على الإطلاق.
أرتخت أكتفاي إلى الأسفل بيأس.
أسحب كلامي.
عامي سيكون صاخبا ومملوء بالفوضى.