الفصل الأول
الفصل الاول.
أعلى التل حيث كانت السماء صافية والجو منعش، كانت تقف تلك الفتاة البريئة ويبدو على ملامح وجهها الحزن الشديد وهي تنظر إلى البحر أسفلها، وفجأة وبينما تركز نظرها إلى الأسفل سقطت من أعلى منحدر التل وغاص جسدها في مياه البحر.
وفي تلك اللحظة كان ذلك الوسيم ذو العضلات يجلس على قاربه وهو يتأمل جمال الطبيعة من حوله، عندها شاهد تلك التي سقطت في الماء أمامه، فتح عيناه على وسعها ظننًا أنها انتحرت، خلع قميصه وقفز في الماء وبدأ بالغوص وهو يبحث عنها، حتى وجدها ولف ذراعه حول جسدها الضئيل مقارنة بجسده العملاق وخرج بها إلى الشاطئ.
بدأ يضرب بخفة على وجنيتها وظل يضغط على صدرها وهو يقوم بالإسعافات الأولية لها، حتى أخرجت الماء من فمها، وبدأت تسعل لتفتح عيناها وتغلقهما، ثم بعد أن هدأت نوبة السعال نظرت في وجهه باستغراب.
لفت انتباهه لو عينيها العسليتان، وخاصتاه تدقق في كل إنش من وجهها، اقترب منها وهو يضع بعض من خصلات شعرها الذهبي خلف أذنيها فقال:
- من انتِ، ولماذا وقعتي في الماء، هل كنتِ تريدين إنهاء حياتك؟!
أجابت بغضب طفيف: نعم كنت أريد أن اتخلص من هذه الحياة، لماذا انقذتني؟!
-يبدو أنك حمقاء، الكثيرون يتمنون أن يعيشوا ويحافظوا على صحتهم، وأنت تريدين التخلص من حياتك، يا لك من معتوهة.
غرقت عيناها بالدموع: أنت لا تعلم ما في حياتي، لم استطيع المواصلة لقد انتهى كل شيء جميل.
- توقفي، لا افهم شيء من بكائك، لكن لا تفكري بالانتحار، فتاة جميلة مثلك لماذا تريده، انهضي وعودي إلى منزلك، لا شيء يستحق أن تنهي حياتك من أجله.
أنهى حديثه ثم وقف واندهشت من عضلات صدره ومعدته السداسية وبالطبع كان وسيم الشكل، شعره يتساقط على وجهه والماء ينساب منه، جسده يلمع مع أثر أشعة الشمس، فتحت فمها وهى تائهة في جماله.
حدثت نفسها " يا الله أنه جميل جدًا، ولكن يبدو غاضبًا لما كل هذا الغضب وأيضًا لا يبتسم".
سندت نفسها بكفيها لكي تقف، ولكنها صرخت فالتفت لها.
قال بغضب: ماذا بك، لما كل هذا الصراخ؟
أردفت ببكاء: لقد انجرحت قدمي من أثر الصخر بالماء، ولا استطيع السير على قدماي ماذا أفعل؟ هل سأظل جالسة على الرمال! كيف سأعود إلى منزلي؟
-لا اعلم هل تسأليني؟
ميسون: وهل يوجد أحد غيرك بهذا المكان؟ ارجوك ساعدني.
رد وهو يسير: لا.
أجابت بحزن: هل انت معتاد عن التخلي عن أي شخص يطلب مساعدتك، كنت أظنك شجاع وتحب الخير، بعد ما انقذتني.
وقف عن السير والتفت لها ونظر إلى قدميها التي تنزف، ثم اقترب منها ومازال متكهم الملامح، نزل إلى مستواها، وحملها بين ذراعيه دون أن يتفوه بحرفٍ واحد.
ميسون بابتسامة: اشكرك ايها الوسيم، ارجوك خذني إلى منزلي، لن انسى معروفك ابدًا.
ماهر بصوت حاد: هل تظنين أنني حارسك الشخصي، انتِ تخرجيني عن هدوئي.
ميسون: إذا هل ستتركني؟ كيف سأصل إلى منزلي؟ لا تتخلى عني، اعلم انك لا تعرفني، لا تحرجني أنا لا اعرف هذه المنطقة جيدًا.
ماهر: يا لك من عنيدة، حسنّا توقفي عن الثرثرة.
ظل يسير بينما يحملها وهي تشعر بتسارع دقات قلبها من قربهما، تتأمل ملامح وجهه، حتى وصل إلي سيارته، نظر إلى الحارس الذي فتح باب السيارة وعلى الفور وضعها على المقعد، ثم أخذ منشفته وجففه جسده وركب بجانبها ليقوم بعدها بارتداء قميصه.
فسأل ماهر: أين منزلك؟
قالت له العنوان وذهب السائق إليه، وبعد فترة من الصمت وصلوا، نزلت ميسون وهي تقفز وتئن بإلمٍ، راقبها حتى وقفت أمام منزلها وأشارت بيدها له بمعنى إلى اللقاء، لم يعطها أي اهتمام، أغلق زجاج النافذة وانطلق إلى قصره.
دلفت ميسون الى منزلها ووجدت عائلتها التي تتكون من جدتها، ووالدها ووالدتها وشقيقتها وابن العم وكانوا يتناولوا الغذاء.
وبعد أن جلست نظر الجميع إليها في صمت، عندها تحدث والدها بقلق: اين كنتِ يا ابنتي، لقد قلقت عليكي، تركتي المنزل وكانت عيونك حزينه، هل انتي بخير؟
ميسون بهدوء: أجل أنا بخير يا أبي لا تقلق، أنا بخير وأرجو منك أن توافق على طلبي أريد الذهاب إلى روسيا، صديقتي دعتني إلى هناك لإثبات نفسي مرة ثانية.
أجاب والدها المدعو نوري:
_لا، أنت تعلمين أنني أخاف عليك من أي شيء، فأنت نبض قلبي، وسأظل قلقًا عليكِ وأنت بعيدة عني، كما أنني سوف أفتقدك، وأفتقد مرحك، ودلالك وعنادك وضحكتك ومشاغبتك.
نهضت من مكانها وحاوطت وجهه بكفيها وتحدثت بحنان:
_ وأنا أيضا سأفتقدك يا أبي العزيز، ولكني أريد تحقيق حلمي بعد فشلي، أريد أن أنجح فلا تحرمني من ذلك، سعادتي مع تحقيق حلمي، وأنت بذلك تحطمني دون أن تعلم.
نظر لعينيها التي تمتلئ بالترجي والحزن والدموع، فهو يعرفها أنها ستظل تصر على طلبها، حتى يوافق وهو لا يريد حزنها.
نوري بحزن:
_حسنا عزيزتي أنا موافق، ولكن عليكِ أن تحدثيني كل يوم، سأفتقدك كثيراً، وسيكون المنزل تعيس بدونك.
ميسون:
_لا يا أبي، أختي سلمى معك وكذلك أمي وجدتي، أنت تعلم بأني أحبك كثيرا، ولكنك تعلم بأنني سأكون سعيدة وأنا في طريقي؛ لإثبات نجاحي.
نوري:
_حسنا عزيزتي.
دلفت نور الي الغرفة ووجدت كل عائلتها تتحدث، فوقفت في المنتصف وشرحت قرارها لهم ثم ودعتهم بالدموع وبدأت تجمع ثيابها بحقيبة السفر.
ومن ناحيةٍ أخرى بداخل قصر ماهر كان يجلس في مكتبه يتابع أعماله؛ ليظهر على شاشه هاتفه أن المتصل حمزة ابن خاله فتح المكالمة.
ماهر:
_مرحباً حمزة، ماذا تريد ألا تمل من الاتصال؟ لقد تجاهلت مكالمتك أكثر من مره لم ِ أنت عنيد هكذا يا رجل؟
حمزة بعصبية:
_أيها البارد، اسمعني حياتك الآن في خطر وستسافر في الغد إلى روسيا، لقد قال لي الجاسوس أن رولا وصدقي سيقتلونك أنت وعائلتك للإنتقام من موت والدهم على يدك، أنت أحمق، فبسببك وصلنا الى هذا الحد، لماذا قتلته؟ نحن بأكملنا سندفع الثمن بسبب اخطاءك، ما ذنبنا لكي نموت معك، إن غضبك يعمي عيونك، لدرجة أنك تقتل اي شخص، لماذا لم تفكر؟ والآن لا يوجد سوى حل واحد.
ماهر: ما هو الحل؟ أصبح رأسي يؤلمني بسبب شدة عصبيتك يا رجل، اهدأ وقلي منذ متى تخاف من الموت فنحن حياتنا دائما في خطر، أنت من علمتني قواعد اللعبة، فلا تخف كل شيء سيكون على ما يرام.
حمزه بغضب:
_ما هذا البرود؟ حياتنا في خطر وأنت هادئ للغاية، أنت تفقدني صوابي، الحل هو أن نسافر إلى روسيا أنا وأنت وزوجتي وأخوك، أما بخصوص عمتي فسأرسلها لمكانٍ سري وأنا جهزت كل شئ.
ماهر:
_حسنا اهدأ.
هنا أغلق هاتفه وهو يزفر بضيق.
ماهر في نفسه:
" لا أعلم من أين تأتي كل هذه المصائب، أخشى أن بحر الدماء سيرجع مرة ثانية، ولابد أن أجد حلاً لهذه المصائب."
..هناك في غرفة ميسون كانت تحدث صديقتها بكل سعاده.
ميسون:
_مريم أنا سعيدةّ للغايه وأنت جهزي كل شيء سأحتاجه للسفر واحجزي لي تذكرة الطائرة.
مريم:
_كل شيءٍ على ما يرام، سانتظرك بفارغ الصبر ، لقد اشتقت لك كثيرا، وبمجرد وصولك ستجديني في المطار وقد جهزت لك مفاجأهً ستعجبك.
ميسون:
_ كم أحبك مريم، قبلاتي حياتي،أما الآن فسأنام.
أما في ذلك القصر، كان ماهر في قبو يسوده الظلام وبيده سوط ويضرب بأقصى قوة ذلك الشخص الذي خانه، والشخص يصرخ ويتوسل له أن يسامحه.
الشخص بإنهيار وبكاء:
_كفى يا زعيم، جسدي يؤلمني كثيرا، وأنا أعتذر، أرجوك ارحمنى، وسأفعل أي شيءٍ ستطلبه منى، الرحمة يا سيدي.
ماهر بقسوة وعيون نارية:
_أيها الجاسوس اللعين من سمح لك بالتحدث عني واخبار صدقي ورولا بمكاني الآن، الخيانة عندى ليس لها سماح، سأجعلك تتمنى الموت ولا تجده، سأعذبك.
وانهال عليه مرة ثانية بالسوط وبدأ يمسك رأس الشخص ويضعه في حوضٍ مليءٍ بالماء كثيراً، وعندما يجده يختنق ثم يرفع رأسه حتى أنه لم يدعه يلتقط أنفاسه، وبقي يضع رأسه بالماء هكذا كثيراً.
ثم أمسك الملح وبدأ يضعه على جروحه وصرخات الرجل تعلو وتعلو وكأن حكمت انتزع من قلبه الرحمة.
الشخص ببكاء وألم:
_ أرجوك سامحنى.
كان جلد الرجل ينزف الكثير من الدماء وماهر لا يرحمه ثم توقف عن الضرب لبرهة وفجأةً جاءت إلى رأسه خطة، ورمى السوط من يده.
ماهر بمكر:
_إذا كنت تريد أن أعفو عنك لتكون حراً فيجب عليك تنفيذ ما سأقوله.
الرجل بلهفة والم:
_سأفعل أي شيءٍ، طلباتك يا سيدي.
ماهر:
_ستذهب إلى ......
أنهى كلامه وانصدم الرجل من طلبه.
ماهر:
_أرى ملامح الصدمه على وجهك، هل تريد أن أعذبك؟
الرجل بخوف:
_لا، لا... سأنفذ هذا الأمر الصعب ولكنه سيكون ثمناً لحياتي.
ماهر:
_إذاً نفذ ، وإذا فكرت بتركي أو خيانتي صدقني فلن أتردد في قتل أطفالك ولن أكتفى بموتك سأظل أعذبك حتى تموت، وأعلم أنك مراقب في جميع الأحوال.
الرجل بألم:
_حسنا لا تقلق.
ماهر:
_ سيكون معك طبيب يعتني بك ومن الغد ستبدأ بتنفيذ ما قلته لك.
ماهر في نفسه:
" ستندمون ".
ثم استدعى الحرس وأخبرهم أن يراقبوا ذلك الأسير، ويعتنون بجروحه ومن الغد سينفذ كل شيء.
في صباح يوم جديد أشرقت الشمس، واستيقظ ماهر وبدأ بممارسة الرياضة، بعد فترة أخذ حماماً دافئاً وخرج وهو يجفف شعره ولبس بدلته التي زادته وسامة، نزل الى حديقة القصر ووجد أخاه الذى يدعى مروان، وأيضا حمزه.
حمزه:
_ كل شيء على ما يرام.
ثم وجه كلامه للحرس بحدة وتحذير: _فلتحملوا هذه الحقائب ولا تخبروا أحداً بمغادرتنا وإذا سألكم أحد قولوا له بأننا قد ذهبنا لنتمم صفقة عمل،هيا احملوا هذه الحقائب وضعوها في السيارات وإذا تجرأ أحد على التفوه بحرفٍ واحدٍ لأي أحد، فسأكرر تحذيركم بأنه سيكون عقاباً أسوأ مما تتوقعون، فالخيانه ثمنها عذابك وموتك وعذاب أقرب الأشخاص إليكم.
انتهى من حديثه وركب في سيارة كبيرة ورائعة، حيث جلس بجانب مروان وماهر وذهبوا إلى المطار وركبوا الطائرة، وجلس حكمت على المقعد ووضع رأسه عليه؛ لكي يستريح وأغمض عيونه وهو يأخذ شهيقاً وزفيراً.
وفي تلك اللحظة دلفت ميسون وهي تركض وتبحث بعينها عن مقعد؛ لتلتقط أنفاسها بسرعة، واقتربت منها مضيفة الطائرة.
ثم تحدثت:
_عن ماذا تبحثين، هل يمكنني مساعدتك؟
ميسون:
_ أجل أحتاج الى مساعدتك، أريد أن أجلس بجانب النافذة وكل المقاعد امتلأت هل يمكنكِ البحث معي؟
المضيفة:
_حسناً سيري خلفي.
بدأوا يتفقدون كل المقاعد، حتى رأوا ماهر وكان مغلق عينيه حيث كان مقعده بجانبه نافذة، جلست وفتح عينيه ووجد من جلست أمامه، لم يرَ وجهها؛ لأنها انحنت وهي تمسك بهاتفها الذى وقع لم يهتم لها فأرجع رأسه مرة ثانية وأغمض عينيه ووضع يده على قلبه بألم.
فقال في نفسه:
"أجل إن هذا الرجل القاسي، كان مجروحاً، ولم يظهر هذا لأحد"
صدر صوت يقول:
_أعزائي الركاب يرجى ربط أحزمة الأمان حفاظاً على سلامتكم.
اقترب مروان حينما وجد ماهر يتألم ووضع يده فوق خاصته.
مروان بقلق:
_أخي، هل أنت بخير؟
ماهر:
_أجل اجلس مكانك دعني وشأني.
جلس مروان في مقعده بجانب حمزة، وبدأت الطائرة ترتفع، أما هي حينها بدأت دقات قلبها تتسارع بخوفٍ شديد فصرخت بشدة، حيث جعلت الجميع ينظر لها.
وضعت يدها على فمها وغرزت مخالبها بقوة في يد ماهر؛ من شدة خوفها، ففتح عينيه من الألم الذي سببته له ونظر لها كثيراً وهي مغمضةٌ عيناها برعب، وجسدها يرتعش و تجز على أسنانها لكنه لم يتفوه بحرف وظل يحدق بها وهي تهمس لنفسها بخوف.
ميسون بخوف:
_أمي تعالي، إن ابنتك خائفةٌ للغاية، ليتني سمعت حديثك يا أبي ولم أسافر، أشعر أنني سأموت من الخوف، وهاهو قلبي لا يهدأ.
ابتسم ابتسامة طفيفة وهو يضع يده فوق خاصتها، حتى يقلل من قلقها وخوفها، ففتحت عيناها وهي تنظر له ومازالت مخالبها بيده ووجدته ذلك الوسيم الذى رأته في البحر، شعرت ببعض الاطمئنان.
ميسون بخوف:
_لا تتركني، أنا خائفه.
ماهر:
_حسنا اهدئي.
نظرت لمخالبها التي جرحت يده فأبعدت يده بسرعة وهي مصدومه من فعلتها.
ميسون بأسف:
_أعتذر، لم أقصد، فعلت هذا بسبب خوفي سأضع لاصق عليه.
أخرجت من حقيبتها الصغيرة لاصقاًطبياً ووضعته فوق جرحه ومروان وحمزه ينظران لها بدهشة.
ميسون بإبتسامة أظهرت جمالها:
_أنا أخاف من الطائره بشده، شكراً؛ لأنك جعلتني أشعر بالاطمئنان.
هز رأسه وابتسم وكان رائع جدا،
نظرت إليه وابتسمت له وأخذت تتأمله.
ولأنها أول مرة تراه يبتسم حيث تلاقت أعينهما في نظرةٍ طويلةٍ مليئةٍ بمعانٍ كثيرةٍ، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب حمزه ومروان؛ لأنهما لأول مرة يشاهدانه يبتسم لفتاة.
أعلى التل حيث كانت السماء صافية والجو منعش، كانت تقف تلك الفتاة البريئة ويبدو على ملامح وجهها الحزن الشديد وهي تنظر إلى البحر أسفلها، وفجأة وبينما تركز نظرها إلى الأسفل سقطت من أعلى منحدر التل وغاص جسدها في مياه البحر.
وفي تلك اللحظة كان ذلك الوسيم ذو العضلات يجلس على قاربه وهو يتأمل جمال الطبيعة من حوله، عندها شاهد تلك التي سقطت في الماء أمامه، فتح عيناه على وسعها ظننًا أنها انتحرت، خلع قميصه وقفز في الماء وبدأ بالغوص وهو يبحث عنها، حتى وجدها ولف ذراعه حول جسدها الضئيل مقارنة بجسده العملاق وخرج بها إلى الشاطئ.
بدأ يضرب بخفة على وجنيتها وظل يضغط على صدرها وهو يقوم بالإسعافات الأولية لها، حتى أخرجت الماء من فمها، وبدأت تسعل لتفتح عيناها وتغلقهما، ثم بعد أن هدأت نوبة السعال نظرت في وجهه باستغراب.
لفت انتباهه لو عينيها العسليتان، وخاصتاه تدقق في كل إنش من وجهها، اقترب منها وهو يضع بعض من خصلات شعرها الذهبي خلف أذنيها فقال:
- من انتِ، ولماذا وقعتي في الماء، هل كنتِ تريدين إنهاء حياتك؟!
أجابت بغضب طفيف: نعم كنت أريد أن اتخلص من هذه الحياة، لماذا انقذتني؟!
-يبدو أنك حمقاء، الكثيرون يتمنون أن يعيشوا ويحافظوا على صحتهم، وأنت تريدين التخلص من حياتك، يا لك من معتوهة.
غرقت عيناها بالدموع: أنت لا تعلم ما في حياتي، لم استطيع المواصلة لقد انتهى كل شيء جميل.
- توقفي، لا افهم شيء من بكائك، لكن لا تفكري بالانتحار، فتاة جميلة مثلك لماذا تريده، انهضي وعودي إلى منزلك، لا شيء يستحق أن تنهي حياتك من أجله.
أنهى حديثه ثم وقف واندهشت من عضلات صدره ومعدته السداسية وبالطبع كان وسيم الشكل، شعره يتساقط على وجهه والماء ينساب منه، جسده يلمع مع أثر أشعة الشمس، فتحت فمها وهى تائهة في جماله.
حدثت نفسها " يا الله أنه جميل جدًا، ولكن يبدو غاضبًا لما كل هذا الغضب وأيضًا لا يبتسم".
سندت نفسها بكفيها لكي تقف، ولكنها صرخت فالتفت لها.
قال بغضب: ماذا بك، لما كل هذا الصراخ؟
أردفت ببكاء: لقد انجرحت قدمي من أثر الصخر بالماء، ولا استطيع السير على قدماي ماذا أفعل؟ هل سأظل جالسة على الرمال! كيف سأعود إلى منزلي؟
-لا اعلم هل تسأليني؟
ميسون: وهل يوجد أحد غيرك بهذا المكان؟ ارجوك ساعدني.
رد وهو يسير: لا.
أجابت بحزن: هل انت معتاد عن التخلي عن أي شخص يطلب مساعدتك، كنت أظنك شجاع وتحب الخير، بعد ما انقذتني.
وقف عن السير والتفت لها ونظر إلى قدميها التي تنزف، ثم اقترب منها ومازال متكهم الملامح، نزل إلى مستواها، وحملها بين ذراعيه دون أن يتفوه بحرفٍ واحد.
ميسون بابتسامة: اشكرك ايها الوسيم، ارجوك خذني إلى منزلي، لن انسى معروفك ابدًا.
ماهر بصوت حاد: هل تظنين أنني حارسك الشخصي، انتِ تخرجيني عن هدوئي.
ميسون: إذا هل ستتركني؟ كيف سأصل إلى منزلي؟ لا تتخلى عني، اعلم انك لا تعرفني، لا تحرجني أنا لا اعرف هذه المنطقة جيدًا.
ماهر: يا لك من عنيدة، حسنّا توقفي عن الثرثرة.
ظل يسير بينما يحملها وهي تشعر بتسارع دقات قلبها من قربهما، تتأمل ملامح وجهه، حتى وصل إلي سيارته، نظر إلى الحارس الذي فتح باب السيارة وعلى الفور وضعها على المقعد، ثم أخذ منشفته وجففه جسده وركب بجانبها ليقوم بعدها بارتداء قميصه.
فسأل ماهر: أين منزلك؟
قالت له العنوان وذهب السائق إليه، وبعد فترة من الصمت وصلوا، نزلت ميسون وهي تقفز وتئن بإلمٍ، راقبها حتى وقفت أمام منزلها وأشارت بيدها له بمعنى إلى اللقاء، لم يعطها أي اهتمام، أغلق زجاج النافذة وانطلق إلى قصره.
دلفت ميسون الى منزلها ووجدت عائلتها التي تتكون من جدتها، ووالدها ووالدتها وشقيقتها وابن العم وكانوا يتناولوا الغذاء.
وبعد أن جلست نظر الجميع إليها في صمت، عندها تحدث والدها بقلق: اين كنتِ يا ابنتي، لقد قلقت عليكي، تركتي المنزل وكانت عيونك حزينه، هل انتي بخير؟
ميسون بهدوء: أجل أنا بخير يا أبي لا تقلق، أنا بخير وأرجو منك أن توافق على طلبي أريد الذهاب إلى روسيا، صديقتي دعتني إلى هناك لإثبات نفسي مرة ثانية.
أجاب والدها المدعو نوري:
_لا، أنت تعلمين أنني أخاف عليك من أي شيء، فأنت نبض قلبي، وسأظل قلقًا عليكِ وأنت بعيدة عني، كما أنني سوف أفتقدك، وأفتقد مرحك، ودلالك وعنادك وضحكتك ومشاغبتك.
نهضت من مكانها وحاوطت وجهه بكفيها وتحدثت بحنان:
_ وأنا أيضا سأفتقدك يا أبي العزيز، ولكني أريد تحقيق حلمي بعد فشلي، أريد أن أنجح فلا تحرمني من ذلك، سعادتي مع تحقيق حلمي، وأنت بذلك تحطمني دون أن تعلم.
نظر لعينيها التي تمتلئ بالترجي والحزن والدموع، فهو يعرفها أنها ستظل تصر على طلبها، حتى يوافق وهو لا يريد حزنها.
نوري بحزن:
_حسنا عزيزتي أنا موافق، ولكن عليكِ أن تحدثيني كل يوم، سأفتقدك كثيراً، وسيكون المنزل تعيس بدونك.
ميسون:
_لا يا أبي، أختي سلمى معك وكذلك أمي وجدتي، أنت تعلم بأني أحبك كثيرا، ولكنك تعلم بأنني سأكون سعيدة وأنا في طريقي؛ لإثبات نجاحي.
نوري:
_حسنا عزيزتي.
دلفت نور الي الغرفة ووجدت كل عائلتها تتحدث، فوقفت في المنتصف وشرحت قرارها لهم ثم ودعتهم بالدموع وبدأت تجمع ثيابها بحقيبة السفر.
ومن ناحيةٍ أخرى بداخل قصر ماهر كان يجلس في مكتبه يتابع أعماله؛ ليظهر على شاشه هاتفه أن المتصل حمزة ابن خاله فتح المكالمة.
ماهر:
_مرحباً حمزة، ماذا تريد ألا تمل من الاتصال؟ لقد تجاهلت مكالمتك أكثر من مره لم ِ أنت عنيد هكذا يا رجل؟
حمزة بعصبية:
_أيها البارد، اسمعني حياتك الآن في خطر وستسافر في الغد إلى روسيا، لقد قال لي الجاسوس أن رولا وصدقي سيقتلونك أنت وعائلتك للإنتقام من موت والدهم على يدك، أنت أحمق، فبسببك وصلنا الى هذا الحد، لماذا قتلته؟ نحن بأكملنا سندفع الثمن بسبب اخطاءك، ما ذنبنا لكي نموت معك، إن غضبك يعمي عيونك، لدرجة أنك تقتل اي شخص، لماذا لم تفكر؟ والآن لا يوجد سوى حل واحد.
ماهر: ما هو الحل؟ أصبح رأسي يؤلمني بسبب شدة عصبيتك يا رجل، اهدأ وقلي منذ متى تخاف من الموت فنحن حياتنا دائما في خطر، أنت من علمتني قواعد اللعبة، فلا تخف كل شيء سيكون على ما يرام.
حمزه بغضب:
_ما هذا البرود؟ حياتنا في خطر وأنت هادئ للغاية، أنت تفقدني صوابي، الحل هو أن نسافر إلى روسيا أنا وأنت وزوجتي وأخوك، أما بخصوص عمتي فسأرسلها لمكانٍ سري وأنا جهزت كل شئ.
ماهر:
_حسنا اهدأ.
هنا أغلق هاتفه وهو يزفر بضيق.
ماهر في نفسه:
" لا أعلم من أين تأتي كل هذه المصائب، أخشى أن بحر الدماء سيرجع مرة ثانية، ولابد أن أجد حلاً لهذه المصائب."
..هناك في غرفة ميسون كانت تحدث صديقتها بكل سعاده.
ميسون:
_مريم أنا سعيدةّ للغايه وأنت جهزي كل شيء سأحتاجه للسفر واحجزي لي تذكرة الطائرة.
مريم:
_كل شيءٍ على ما يرام، سانتظرك بفارغ الصبر ، لقد اشتقت لك كثيرا، وبمجرد وصولك ستجديني في المطار وقد جهزت لك مفاجأهً ستعجبك.
ميسون:
_ كم أحبك مريم، قبلاتي حياتي،أما الآن فسأنام.
أما في ذلك القصر، كان ماهر في قبو يسوده الظلام وبيده سوط ويضرب بأقصى قوة ذلك الشخص الذي خانه، والشخص يصرخ ويتوسل له أن يسامحه.
الشخص بإنهيار وبكاء:
_كفى يا زعيم، جسدي يؤلمني كثيرا، وأنا أعتذر، أرجوك ارحمنى، وسأفعل أي شيءٍ ستطلبه منى، الرحمة يا سيدي.
ماهر بقسوة وعيون نارية:
_أيها الجاسوس اللعين من سمح لك بالتحدث عني واخبار صدقي ورولا بمكاني الآن، الخيانة عندى ليس لها سماح، سأجعلك تتمنى الموت ولا تجده، سأعذبك.
وانهال عليه مرة ثانية بالسوط وبدأ يمسك رأس الشخص ويضعه في حوضٍ مليءٍ بالماء كثيراً، وعندما يجده يختنق ثم يرفع رأسه حتى أنه لم يدعه يلتقط أنفاسه، وبقي يضع رأسه بالماء هكذا كثيراً.
ثم أمسك الملح وبدأ يضعه على جروحه وصرخات الرجل تعلو وتعلو وكأن حكمت انتزع من قلبه الرحمة.
الشخص ببكاء وألم:
_ أرجوك سامحنى.
كان جلد الرجل ينزف الكثير من الدماء وماهر لا يرحمه ثم توقف عن الضرب لبرهة وفجأةً جاءت إلى رأسه خطة، ورمى السوط من يده.
ماهر بمكر:
_إذا كنت تريد أن أعفو عنك لتكون حراً فيجب عليك تنفيذ ما سأقوله.
الرجل بلهفة والم:
_سأفعل أي شيءٍ، طلباتك يا سيدي.
ماهر:
_ستذهب إلى ......
أنهى كلامه وانصدم الرجل من طلبه.
ماهر:
_أرى ملامح الصدمه على وجهك، هل تريد أن أعذبك؟
الرجل بخوف:
_لا، لا... سأنفذ هذا الأمر الصعب ولكنه سيكون ثمناً لحياتي.
ماهر:
_إذاً نفذ ، وإذا فكرت بتركي أو خيانتي صدقني فلن أتردد في قتل أطفالك ولن أكتفى بموتك سأظل أعذبك حتى تموت، وأعلم أنك مراقب في جميع الأحوال.
الرجل بألم:
_حسنا لا تقلق.
ماهر:
_ سيكون معك طبيب يعتني بك ومن الغد ستبدأ بتنفيذ ما قلته لك.
ماهر في نفسه:
" ستندمون ".
ثم استدعى الحرس وأخبرهم أن يراقبوا ذلك الأسير، ويعتنون بجروحه ومن الغد سينفذ كل شيء.
في صباح يوم جديد أشرقت الشمس، واستيقظ ماهر وبدأ بممارسة الرياضة، بعد فترة أخذ حماماً دافئاً وخرج وهو يجفف شعره ولبس بدلته التي زادته وسامة، نزل الى حديقة القصر ووجد أخاه الذى يدعى مروان، وأيضا حمزه.
حمزه:
_ كل شيء على ما يرام.
ثم وجه كلامه للحرس بحدة وتحذير: _فلتحملوا هذه الحقائب ولا تخبروا أحداً بمغادرتنا وإذا سألكم أحد قولوا له بأننا قد ذهبنا لنتمم صفقة عمل،هيا احملوا هذه الحقائب وضعوها في السيارات وإذا تجرأ أحد على التفوه بحرفٍ واحدٍ لأي أحد، فسأكرر تحذيركم بأنه سيكون عقاباً أسوأ مما تتوقعون، فالخيانه ثمنها عذابك وموتك وعذاب أقرب الأشخاص إليكم.
انتهى من حديثه وركب في سيارة كبيرة ورائعة، حيث جلس بجانب مروان وماهر وذهبوا إلى المطار وركبوا الطائرة، وجلس حكمت على المقعد ووضع رأسه عليه؛ لكي يستريح وأغمض عيونه وهو يأخذ شهيقاً وزفيراً.
وفي تلك اللحظة دلفت ميسون وهي تركض وتبحث بعينها عن مقعد؛ لتلتقط أنفاسها بسرعة، واقتربت منها مضيفة الطائرة.
ثم تحدثت:
_عن ماذا تبحثين، هل يمكنني مساعدتك؟
ميسون:
_ أجل أحتاج الى مساعدتك، أريد أن أجلس بجانب النافذة وكل المقاعد امتلأت هل يمكنكِ البحث معي؟
المضيفة:
_حسناً سيري خلفي.
بدأوا يتفقدون كل المقاعد، حتى رأوا ماهر وكان مغلق عينيه حيث كان مقعده بجانبه نافذة، جلست وفتح عينيه ووجد من جلست أمامه، لم يرَ وجهها؛ لأنها انحنت وهي تمسك بهاتفها الذى وقع لم يهتم لها فأرجع رأسه مرة ثانية وأغمض عينيه ووضع يده على قلبه بألم.
فقال في نفسه:
"أجل إن هذا الرجل القاسي، كان مجروحاً، ولم يظهر هذا لأحد"
صدر صوت يقول:
_أعزائي الركاب يرجى ربط أحزمة الأمان حفاظاً على سلامتكم.
اقترب مروان حينما وجد ماهر يتألم ووضع يده فوق خاصته.
مروان بقلق:
_أخي، هل أنت بخير؟
ماهر:
_أجل اجلس مكانك دعني وشأني.
جلس مروان في مقعده بجانب حمزة، وبدأت الطائرة ترتفع، أما هي حينها بدأت دقات قلبها تتسارع بخوفٍ شديد فصرخت بشدة، حيث جعلت الجميع ينظر لها.
وضعت يدها على فمها وغرزت مخالبها بقوة في يد ماهر؛ من شدة خوفها، ففتح عينيه من الألم الذي سببته له ونظر لها كثيراً وهي مغمضةٌ عيناها برعب، وجسدها يرتعش و تجز على أسنانها لكنه لم يتفوه بحرف وظل يحدق بها وهي تهمس لنفسها بخوف.
ميسون بخوف:
_أمي تعالي، إن ابنتك خائفةٌ للغاية، ليتني سمعت حديثك يا أبي ولم أسافر، أشعر أنني سأموت من الخوف، وهاهو قلبي لا يهدأ.
ابتسم ابتسامة طفيفة وهو يضع يده فوق خاصتها، حتى يقلل من قلقها وخوفها، ففتحت عيناها وهي تنظر له ومازالت مخالبها بيده ووجدته ذلك الوسيم الذى رأته في البحر، شعرت ببعض الاطمئنان.
ميسون بخوف:
_لا تتركني، أنا خائفه.
ماهر:
_حسنا اهدئي.
نظرت لمخالبها التي جرحت يده فأبعدت يده بسرعة وهي مصدومه من فعلتها.
ميسون بأسف:
_أعتذر، لم أقصد، فعلت هذا بسبب خوفي سأضع لاصق عليه.
أخرجت من حقيبتها الصغيرة لاصقاًطبياً ووضعته فوق جرحه ومروان وحمزه ينظران لها بدهشة.
ميسون بإبتسامة أظهرت جمالها:
_أنا أخاف من الطائره بشده، شكراً؛ لأنك جعلتني أشعر بالاطمئنان.
هز رأسه وابتسم وكان رائع جدا،
نظرت إليه وابتسمت له وأخذت تتأمله.
ولأنها أول مرة تراه يبتسم حيث تلاقت أعينهما في نظرةٍ طويلةٍ مليئةٍ بمعانٍ كثيرةٍ، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب حمزه ومروان؛ لأنهما لأول مرة يشاهدانه يبتسم لفتاة.