الفصل الثاني
(2) الفصل الثاني.
تذوقت دمك.
في أقل من ثانية تم فتح باب الخزانة عليها، رفعت يديها بخوف مخفية وجهها، ولكن كيف لها أن تختبئ من مصاص دماء يقتفي رائحتها عن بعد أمتار؟
قال جلاور وهو يسخر من حجمها:
"انظروا من هنا، حمل وديع يختبئ في الخزانة."
تحولت عيناه للون الأحمر، وأخذ ينظر إليها كفريسة، ومن ثم أخرجها ممسكاً بها من رقبتها مشيراً بيده الأخرى للحارس واردف:
"اتركني الآن وأرسل رسالة لعمي وأخبره الآن بالمخطط الذي سنفعله؛ لقد حان موعد مساعدته لي."
تعالا صوت سيلينا بالقصر وهي تتكلم بلغتها وتقول:
"ماذا ستفعلون له؟ رجاءً لا تؤذه. "
جلست على ركبتها أسفل قدم جلاور واردفت:
" فهو أخاك يا أمير جلاور، فقط اتركه يعيش ولا تفعل مثلما فعل الكاتب بالرواية وانهاء حياته".
أحنى الحارس جسده وقال بعدما صمتت:
"أمرك سيدي، فنحن ننتظر هذا اليوم منذ فترة."
خرج الحارس، وترك جلاور سيلينا ودفعها على الأرض أمامه وهو يتغزل بها ويقول:
" أتعرفين فأنتِ جميلة للغاية، ولا أشعر بأنك من سكان مدينة ميرامالا."
اغمضت سيلينا عيناها وضمت يدها على القلادة التي ترتديها بعنقها وقالت في داخلها:
«روديان أرجوك انقذني ولا تدعه يقتلني»
خبئ جلاور مخالبة وبدأ يتقرب من سيلينا ليستغلها قبل النيل منها، حاولت سيلينا تذكر الذي سيحدث للخادمة بالرواية؛ لكنها من توترها ما عادت تتذكر شيء.
تكلمت بلغتها العادية وبقيت تصرخ وتردد بخوف:
"روديان استيقظ هيا."
وقف جلاور بأرضه، وهو يوجه جهة أذنه نحوها ويقول بسخرية:
"ماذا تقصدين بكلامك؟ ولما لا أفهم حديثك!"
صمتت وهي تتراجع بخطواتها للخلف نحو الباب، فهي تحاول كسب وقت لتتمكن من الهرب، فأردف وهو يضحك:
"أنتِ تتميزين بملامح غريبة عنا كانت تجعلني أشك بكِ بالبداية، لكنني تأكدت عندما سمعت كلماتك الغير مفهومة، هل أنتِ من النبلاء الذي يسكنون خارج المملكة؟ ولماذا كنتِ في سوق بيع البشر؟"
في هذا اللحظة كان روديان ما يزال مستلقياً على الفراش ولا يشعر بشيء، أما جلاور فقد اقترب من الهجوم على سيلينا، والفتاة خائفة وتبكي بصوت مرتفع وتردد اسم روديان باستمرار.
عرف بمخططها واغلق الباب وقال:
"توقفي عن ذكر اسمه أيتها الحمقاء البائسة."
كتمت أنفاسها وهي تزحف على الأرض، اقترب منها جلاور أكثر وأمسك بذقنها، كان على وشك تقبيلها فأتته ضربة عنيفة جعلته يتدحرج إلى الجانب الآخر.
ثم رأى روديان بعينيه اللامبالية يقف أمامها كالجبل.
مد روديان يده لسيلينا وسحبها نحوه بقوة:
"هل أنتِ بخير؟"
أومأت برأسها فشعر روديان بشيء خاطئ يحدث فأردف:
"أنا فعلت ذلك لأنك الآن خادمتي، ومن حقي أنا وحدي، فحتى لو كان أخي هو من يريد أخذك مني، في قانوننا ليس مسموح لأحد بأخذ شيء ينتمي لشخص آخر. "
أصدر جلاور صوت من فمه، فأمسكه روديان من ثيابه، وأخرجه من الغرفة بغضب وأغلق الباب بالقفل من الداخل، من أجل أن لا يزعجهم مرة أخرى.
ارتعبت سيلينا بعد غلقه للباب محدثه نفسها:
« سحقًا لا بد وأنه جائع وسيشرب دمائي حتى ينهي حياتي.»
فكرت بتوتر ثم جلست على ركبتيها وخبئت وجهها بيديها، وهي تترجاه بأن يتركها هذا الوحش وشأنها.
سمعت صوت شيء يرتطم بالأرض، رفعت رأسها للأعلى، وجدت روديان بجانبها فاقداً لوعيه.
بدأت تتنفس براحة وتشعر ببشاعة الذي حدث معها للآن، عندما شعرت بتحسن ذهبت تتفقد أنفاسه، وجدتها ضعيفة وعندما حركت يدها على جبهته وذراعه، كانت حرارته مرتفعة، ففكرت:
«كيف لمصاص دماء أن يتقلب جسده هكذا؟ هل كل ما أعرفه عنهم مجرد خرافات؟»
حدقت به وفتحت عينيها بدهشة مردفه:
«صحيح، روديان نصف بشري، كدت أنسى ذلك، وهو لا يعلم، يجب أن أخفض صوتي لكي لا يسمعني أحد»
ثم وضعت يدها على وجهه وهمست في صوت مسموع:
"لا أعرف لما أنا هنا، صحيح أنني كنت أحبك من الرواية لأنك تنتصر على الكل؛ ولكن حياتي بخطر معك، والاسوأ بأني لا أعرف كيفية الخروج من هذه الرواية!"
خرجت من الغرفة وهي تسير على أطراف أقدامها، اعتقدت بأنه ستخرج لأنها تتذكر مداخل ومخارج القصر جيدًا.
تفادت جميع الحرس الذي يتحركون ذهابا بالفتيات للأعلى، إلى أن وصلت للباب وضعت يدها عليها، ورأت يد الحارس تمسك ملابسها، فقالت بخوف وهي تنظر للخلف:
"هل لك بأن تسمح لي بالذهاب من فضلك؟"
وضع طوق حديدي على رقبتها وأقترب منه وهو يغلق الباب بيده ويقول:
"سأترك لكن بشرط تنسي الذي سيحدث الآن"
رفعت قدمها للأعلى وركلته على بطنه وركضت لغرفة الأمير، نادى الحارس على أصدقائه واردف:
"تحركوا سريعًا وأمسكوا بها، لا تضعوها تفلت من بين ايديكم"
بينما هي على الدرج اصطدمت بالأمير جلاور اظهر ابتسامته وهو يشم رائحتها ويقول:
"ها هي الأميرة الفاتنة أخيرًا بين احضاني بدون مجهود".
دفعته على الدرج وسقط وتأذى قليلًا، اكملت لغرفة روديان وهي تتطلع خلفها، جاء الحارس وكان هي وشك التصويب عليها بالأبرة المنومة، اغلقت الباب بالمفتاح وجلست خلفه تلتقط انفاسها.
تنهدت بضجر وهي تتحرك نحوه:
"على الأقل أنت أنقذتني منذ قليل، ولن أدعك في خطر وتموت اليوم، في تفاصيل الراوية فأن أخاك سيحاول جعلك تعاني كثيرًا، حتى يطعنك في آخر فصل في قلبك وتموت على الفور."
قبلته على وجنته وهي تكمل:
" أعدك بأني سأغير نهايتك كما أغير تفاصيل الرواية الآن."
نظرت في الأرجاء، ووجدت حماماً داخلياً، جلبت منه الماء البارد في وعاء، خلعت شالها عن عنقها ورأت دم علمت بأنها تأذت من ذلك الحارس.
ما اهتمت بنفسها ووضعته في الماء وبدأت بتخفيف حرارته، استمرت على هذا الوضع طوال الليل، إلى أن غفت دون أن تدرك.
..
طلع الصباح على غرفة الأمراء، في العادة هي معتمه ولا تدخلها شمس إلا يوم الشمس المثلجة، تُضيء الشمس القصر بأكمله ويصبح مشع في كل مكان.
طرق الحارس باب الغرفة، فتحت عينيها ووجدت بأنها تنام على صدره، ابتعدت وهي خائفة من أن يستيقظ ويجدها بهذا القرب منه.
ذهب صوت الطرق فنظرت حولها ومن ثم خطر على بالها أنه مات وقالت بخوف:
«لا يعقل الذي أفكر به! لا يمكن لهذا أن يحدث»
أقتربت بأذنها من وجهه تتفقد انفاسه وهي تهمس:
"روديان، لا تجعلني أقلق عليك."
فتح عيناه وبثانية قلبها على الأرض وهو يعتليها، فشهقت الأخرى من الدهشة.
انزعج بعدما نظر في عينيها، وهو يقول:
"أنا أشعر بالاستياء كلما رأيتك، لما تورطت واشتريتك"
رمشت بخوف وشاهد البراءة في عينيها، لتقول:
"ماذا فعلت لك؟"
ابتعد عنها وقال ساخطاً بعد راء الدماء على رقبتها:
"لا أعرف لماذا أنا أبقيكِ في غرفتي حتى"
ابتسمت وقالت له وهي تقف أمامه:
"ربما لأن أخاك حاول قتلي!؟"
أخرج روديان ثيابه من الخزانة ليقول:
"اتركيني وشأني فأنا جائع. "
أسرعت إلى الحمام وأغلقت على نفسها، وتركت الآخر في صدمة من تصرفها، عرف أنها لا تريد الخروج بسبب الخوف.
بدل ثيابه وحمل شالها المبلل عن الأرض، وأخذ ينظر اليه بتعجب! وقال:
"انتِ.. يمكنك الخروج الآن"
أصبحت أمامه، وهزت رأسه وهي تستمع له:
"ماتفسير وجود هذا مبللاً على الأرض؟ هل كنت تبكين على نفسك؟"
رمقته بتعجب وبعدها جلست على الفراش وهي عابثة بأصابعها السبابة تلمسهم ببعض:
"بعدما تركنا أخاك فقدت وعيك، وكانت حرارتك مرتفعة، لهذا بللت شالي لتخفيض حرارتك"
أمسكها روديان من يدها وقال لها:
"أنا لا أمرض يا هذه"
شعرت سيلينا بالخوف، فسألها بذات النبرة:
"من أنتِ؟"
ردت بينما تتعمد عدم النظر في وجهه:
"أنا… أنا… سيلينا"
أجابها وهو يضغط على ذراعها:
"لماذا تلبسين هكذا! وملامحك مختلفة عنا، حتى أنك تفهمين حديثي بصعوبة، من أين جئتي؟"
لم ترد عليه، فأكمل:
"هل أنتِ حقًا لستي من هذه المدينة؟"
مجدداً، لا جواب منها.
ترك يدها وهمَ على المغادرة بعدما سال ريقه، أوقفه صوتها عندما قالت:
"أنا جائعة لم أكل شيئاً منذ أن وصلت، هل يمكن أن أجد الطعام هنا؟"
رجع لها وهو يقول:
"هل تعلمين بأننا لا نأكل الطعام؟ أم أنك تدعين الجهل؟"
ردت بحماس:
"أجل أعرف ذلك، ولكن ما رأيك أن تجرب تناوله معي ستحبه كثيراً"
كتم غضبه من طريقة حديثها مع أمير مبجل مثله وقال:
"فمنذ ١٩عام لم يأت أي طعام لغرفتي، هل تريدين مخالفة نظامنا؟ اذهبِ للأسفل وتناولي ما تشائين مع الخدم ما شأني بكِ"
حكت وجهها وقالت:
"ولكن من المحتمل أن أرى أخاك و عندها سيقوم بامتصاص دمي بكل تأكيد"
عندما نطقت بذلك، اشعلت نار الغيرة في قلبه، انقلب لون عينيه وشدها نحوه ليغرس أنيابه في عنقها.
فتحت فمها بألم فظيع يجتاح عنقها:
"أنت تؤلمني.. اتركني.. أرجوك"
ابتسم بخبث وقال لها بعد أن مسح الدماء من شفتيه:
"عليكِ أن تخافي مني أكثر، ولا تقتربي مني كثيرًا"
أمسكت رقبتها لتقوم بوضع شالها مكان العضة، لتقول في نفسها:
«لن أسامحك طوال حياتي على فعلتك هذه»
تركها وغادر دون أن يقول شيئاً لها، وبعد مضي نصف ساعة، ارتعبت عندما سمعت صوت طرقات على الباب.
فدخل شخص عملاق للغرفة، رفعت رأسها من خلف الفراش وتنهدت براحة بعد أن رأته يمسك بيده الطعام.
ترك ما جاء به على الطاولة ورحل، خرجت من خلف الفراش وذهبت وهي تركض لإغلاق الباب بإحكام.
ومن ثم جلست على الكرسي أمام المائدة وهي تتألم من وجع عنقها:
"صحيح أنا جائعة للغاية، ولكن عندما أتناول الطعام، سيظن بأني سامحته ويعود ويشرب من دمي مرة أخرى"
تركت الطعام من يدها، وأردفت:
"للأسف ما قرأته بالرواية يوضح بأنهم لا يوجد لهم قوانين تمنعهم من عدم إيذاء البشر، فهم يتلذذون بمص الدماء منا، كيف سأعيش معه وأنا خائفة هكذا؟ وكيف سأتمكن من الهرب؟"
سمعت صوت أقدام من الخارج مع حديث يروى، وقفت بخوف خلف الباب لتسمع الحديث الذي يقال وبيدها سكين تم إحضاره مع المائدة:
"ماذا حدث أخبرني؟ لماذا روديان ذهب إلى قصر عمي جرير"
رد الحارس الشخصي لـ جلاور:
"لا اعلم سيدي، ولكني لاحظت بأن صحته تحسنت كثيراً في هذا الصباح"
رد جلاور وهو يحك ذقنه مفكراً:
"هل سيخبره عمي بتلك الرسالة؟"
قلق جلاور ووضع يده على رأسه مكملاً تفكيره:
"لا أعتقد حدوث ذلك الشيء، ولو حدث سيحفر قبره بنفسه"
أزاحت سيلينا رأسها من الباب بعدما اختفى الصوت، فانخفض توترها قليلًا، لكن نبضاتها ما زالت تتسارع وهي تقول:
«فكري يا سيلينا بطريقة جيدًا تخلصك من هذا العالم الدموي، لكي تعودي إلى بلدتك بسلام»
شعرت بمعدتها تكاد تتمزق من الجوع، فحاولت أن تأكل، لتتراجع لهناك.
اردفت وهي تفك الشال وتصرخ من الوجع وتقول:
"لم يعد لي شهية للأكل، فقريباً سوف أصبح طعاماً"
أخرجت سيلينا الرواية من ملابسها، وبدأت تقرأ بصمت، فجأة صعقت عندما أعادة قرائت الفصول التي قرأتها من قبل وهي تقول:
"كيف حدث ذلك؟"
فمعظم الأشياء تغيرت بالرواية منذ دخولها لمدينة ميرامالا.
وقفت تنظر للمدينة من النافذة، تبدلت ملامحها وأظهرت ابتسامة خفيفة برغم التعب الذي يظهر عليها وقالت:
"لم أتخيل بأن هذه المدينة ستكون جميلة هكذا، ما أراه أبدع من الخيال بمراحل"
فجأة التئم الجرح وسقط الشال بدون أن تلمسه، ذهبت تنظر بالمرآة صعقت عندما ما وجدت أثر الجرح وقالت بفرح:
"هل أنا لا أموت هنا حقًا؟"
ألقت سيلينا جسدها على الفراش، وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم، وكأن شيء ما يسحب جسدها لبعيد.
يتبع.
تذوقت دمك.
في أقل من ثانية تم فتح باب الخزانة عليها، رفعت يديها بخوف مخفية وجهها، ولكن كيف لها أن تختبئ من مصاص دماء يقتفي رائحتها عن بعد أمتار؟
قال جلاور وهو يسخر من حجمها:
"انظروا من هنا، حمل وديع يختبئ في الخزانة."
تحولت عيناه للون الأحمر، وأخذ ينظر إليها كفريسة، ومن ثم أخرجها ممسكاً بها من رقبتها مشيراً بيده الأخرى للحارس واردف:
"اتركني الآن وأرسل رسالة لعمي وأخبره الآن بالمخطط الذي سنفعله؛ لقد حان موعد مساعدته لي."
تعالا صوت سيلينا بالقصر وهي تتكلم بلغتها وتقول:
"ماذا ستفعلون له؟ رجاءً لا تؤذه. "
جلست على ركبتها أسفل قدم جلاور واردفت:
" فهو أخاك يا أمير جلاور، فقط اتركه يعيش ولا تفعل مثلما فعل الكاتب بالرواية وانهاء حياته".
أحنى الحارس جسده وقال بعدما صمتت:
"أمرك سيدي، فنحن ننتظر هذا اليوم منذ فترة."
خرج الحارس، وترك جلاور سيلينا ودفعها على الأرض أمامه وهو يتغزل بها ويقول:
" أتعرفين فأنتِ جميلة للغاية، ولا أشعر بأنك من سكان مدينة ميرامالا."
اغمضت سيلينا عيناها وضمت يدها على القلادة التي ترتديها بعنقها وقالت في داخلها:
«روديان أرجوك انقذني ولا تدعه يقتلني»
خبئ جلاور مخالبة وبدأ يتقرب من سيلينا ليستغلها قبل النيل منها، حاولت سيلينا تذكر الذي سيحدث للخادمة بالرواية؛ لكنها من توترها ما عادت تتذكر شيء.
تكلمت بلغتها العادية وبقيت تصرخ وتردد بخوف:
"روديان استيقظ هيا."
وقف جلاور بأرضه، وهو يوجه جهة أذنه نحوها ويقول بسخرية:
"ماذا تقصدين بكلامك؟ ولما لا أفهم حديثك!"
صمتت وهي تتراجع بخطواتها للخلف نحو الباب، فهي تحاول كسب وقت لتتمكن من الهرب، فأردف وهو يضحك:
"أنتِ تتميزين بملامح غريبة عنا كانت تجعلني أشك بكِ بالبداية، لكنني تأكدت عندما سمعت كلماتك الغير مفهومة، هل أنتِ من النبلاء الذي يسكنون خارج المملكة؟ ولماذا كنتِ في سوق بيع البشر؟"
في هذا اللحظة كان روديان ما يزال مستلقياً على الفراش ولا يشعر بشيء، أما جلاور فقد اقترب من الهجوم على سيلينا، والفتاة خائفة وتبكي بصوت مرتفع وتردد اسم روديان باستمرار.
عرف بمخططها واغلق الباب وقال:
"توقفي عن ذكر اسمه أيتها الحمقاء البائسة."
كتمت أنفاسها وهي تزحف على الأرض، اقترب منها جلاور أكثر وأمسك بذقنها، كان على وشك تقبيلها فأتته ضربة عنيفة جعلته يتدحرج إلى الجانب الآخر.
ثم رأى روديان بعينيه اللامبالية يقف أمامها كالجبل.
مد روديان يده لسيلينا وسحبها نحوه بقوة:
"هل أنتِ بخير؟"
أومأت برأسها فشعر روديان بشيء خاطئ يحدث فأردف:
"أنا فعلت ذلك لأنك الآن خادمتي، ومن حقي أنا وحدي، فحتى لو كان أخي هو من يريد أخذك مني، في قانوننا ليس مسموح لأحد بأخذ شيء ينتمي لشخص آخر. "
أصدر جلاور صوت من فمه، فأمسكه روديان من ثيابه، وأخرجه من الغرفة بغضب وأغلق الباب بالقفل من الداخل، من أجل أن لا يزعجهم مرة أخرى.
ارتعبت سيلينا بعد غلقه للباب محدثه نفسها:
« سحقًا لا بد وأنه جائع وسيشرب دمائي حتى ينهي حياتي.»
فكرت بتوتر ثم جلست على ركبتيها وخبئت وجهها بيديها، وهي تترجاه بأن يتركها هذا الوحش وشأنها.
سمعت صوت شيء يرتطم بالأرض، رفعت رأسها للأعلى، وجدت روديان بجانبها فاقداً لوعيه.
بدأت تتنفس براحة وتشعر ببشاعة الذي حدث معها للآن، عندما شعرت بتحسن ذهبت تتفقد أنفاسه، وجدتها ضعيفة وعندما حركت يدها على جبهته وذراعه، كانت حرارته مرتفعة، ففكرت:
«كيف لمصاص دماء أن يتقلب جسده هكذا؟ هل كل ما أعرفه عنهم مجرد خرافات؟»
حدقت به وفتحت عينيها بدهشة مردفه:
«صحيح، روديان نصف بشري، كدت أنسى ذلك، وهو لا يعلم، يجب أن أخفض صوتي لكي لا يسمعني أحد»
ثم وضعت يدها على وجهه وهمست في صوت مسموع:
"لا أعرف لما أنا هنا، صحيح أنني كنت أحبك من الرواية لأنك تنتصر على الكل؛ ولكن حياتي بخطر معك، والاسوأ بأني لا أعرف كيفية الخروج من هذه الرواية!"
خرجت من الغرفة وهي تسير على أطراف أقدامها، اعتقدت بأنه ستخرج لأنها تتذكر مداخل ومخارج القصر جيدًا.
تفادت جميع الحرس الذي يتحركون ذهابا بالفتيات للأعلى، إلى أن وصلت للباب وضعت يدها عليها، ورأت يد الحارس تمسك ملابسها، فقالت بخوف وهي تنظر للخلف:
"هل لك بأن تسمح لي بالذهاب من فضلك؟"
وضع طوق حديدي على رقبتها وأقترب منه وهو يغلق الباب بيده ويقول:
"سأترك لكن بشرط تنسي الذي سيحدث الآن"
رفعت قدمها للأعلى وركلته على بطنه وركضت لغرفة الأمير، نادى الحارس على أصدقائه واردف:
"تحركوا سريعًا وأمسكوا بها، لا تضعوها تفلت من بين ايديكم"
بينما هي على الدرج اصطدمت بالأمير جلاور اظهر ابتسامته وهو يشم رائحتها ويقول:
"ها هي الأميرة الفاتنة أخيرًا بين احضاني بدون مجهود".
دفعته على الدرج وسقط وتأذى قليلًا، اكملت لغرفة روديان وهي تتطلع خلفها، جاء الحارس وكان هي وشك التصويب عليها بالأبرة المنومة، اغلقت الباب بالمفتاح وجلست خلفه تلتقط انفاسها.
تنهدت بضجر وهي تتحرك نحوه:
"على الأقل أنت أنقذتني منذ قليل، ولن أدعك في خطر وتموت اليوم، في تفاصيل الراوية فأن أخاك سيحاول جعلك تعاني كثيرًا، حتى يطعنك في آخر فصل في قلبك وتموت على الفور."
قبلته على وجنته وهي تكمل:
" أعدك بأني سأغير نهايتك كما أغير تفاصيل الرواية الآن."
نظرت في الأرجاء، ووجدت حماماً داخلياً، جلبت منه الماء البارد في وعاء، خلعت شالها عن عنقها ورأت دم علمت بأنها تأذت من ذلك الحارس.
ما اهتمت بنفسها ووضعته في الماء وبدأت بتخفيف حرارته، استمرت على هذا الوضع طوال الليل، إلى أن غفت دون أن تدرك.
..
طلع الصباح على غرفة الأمراء، في العادة هي معتمه ولا تدخلها شمس إلا يوم الشمس المثلجة، تُضيء الشمس القصر بأكمله ويصبح مشع في كل مكان.
طرق الحارس باب الغرفة، فتحت عينيها ووجدت بأنها تنام على صدره، ابتعدت وهي خائفة من أن يستيقظ ويجدها بهذا القرب منه.
ذهب صوت الطرق فنظرت حولها ومن ثم خطر على بالها أنه مات وقالت بخوف:
«لا يعقل الذي أفكر به! لا يمكن لهذا أن يحدث»
أقتربت بأذنها من وجهه تتفقد انفاسه وهي تهمس:
"روديان، لا تجعلني أقلق عليك."
فتح عيناه وبثانية قلبها على الأرض وهو يعتليها، فشهقت الأخرى من الدهشة.
انزعج بعدما نظر في عينيها، وهو يقول:
"أنا أشعر بالاستياء كلما رأيتك، لما تورطت واشتريتك"
رمشت بخوف وشاهد البراءة في عينيها، لتقول:
"ماذا فعلت لك؟"
ابتعد عنها وقال ساخطاً بعد راء الدماء على رقبتها:
"لا أعرف لماذا أنا أبقيكِ في غرفتي حتى"
ابتسمت وقالت له وهي تقف أمامه:
"ربما لأن أخاك حاول قتلي!؟"
أخرج روديان ثيابه من الخزانة ليقول:
"اتركيني وشأني فأنا جائع. "
أسرعت إلى الحمام وأغلقت على نفسها، وتركت الآخر في صدمة من تصرفها، عرف أنها لا تريد الخروج بسبب الخوف.
بدل ثيابه وحمل شالها المبلل عن الأرض، وأخذ ينظر اليه بتعجب! وقال:
"انتِ.. يمكنك الخروج الآن"
أصبحت أمامه، وهزت رأسه وهي تستمع له:
"ماتفسير وجود هذا مبللاً على الأرض؟ هل كنت تبكين على نفسك؟"
رمقته بتعجب وبعدها جلست على الفراش وهي عابثة بأصابعها السبابة تلمسهم ببعض:
"بعدما تركنا أخاك فقدت وعيك، وكانت حرارتك مرتفعة، لهذا بللت شالي لتخفيض حرارتك"
أمسكها روديان من يدها وقال لها:
"أنا لا أمرض يا هذه"
شعرت سيلينا بالخوف، فسألها بذات النبرة:
"من أنتِ؟"
ردت بينما تتعمد عدم النظر في وجهه:
"أنا… أنا… سيلينا"
أجابها وهو يضغط على ذراعها:
"لماذا تلبسين هكذا! وملامحك مختلفة عنا، حتى أنك تفهمين حديثي بصعوبة، من أين جئتي؟"
لم ترد عليه، فأكمل:
"هل أنتِ حقًا لستي من هذه المدينة؟"
مجدداً، لا جواب منها.
ترك يدها وهمَ على المغادرة بعدما سال ريقه، أوقفه صوتها عندما قالت:
"أنا جائعة لم أكل شيئاً منذ أن وصلت، هل يمكن أن أجد الطعام هنا؟"
رجع لها وهو يقول:
"هل تعلمين بأننا لا نأكل الطعام؟ أم أنك تدعين الجهل؟"
ردت بحماس:
"أجل أعرف ذلك، ولكن ما رأيك أن تجرب تناوله معي ستحبه كثيراً"
كتم غضبه من طريقة حديثها مع أمير مبجل مثله وقال:
"فمنذ ١٩عام لم يأت أي طعام لغرفتي، هل تريدين مخالفة نظامنا؟ اذهبِ للأسفل وتناولي ما تشائين مع الخدم ما شأني بكِ"
حكت وجهها وقالت:
"ولكن من المحتمل أن أرى أخاك و عندها سيقوم بامتصاص دمي بكل تأكيد"
عندما نطقت بذلك، اشعلت نار الغيرة في قلبه، انقلب لون عينيه وشدها نحوه ليغرس أنيابه في عنقها.
فتحت فمها بألم فظيع يجتاح عنقها:
"أنت تؤلمني.. اتركني.. أرجوك"
ابتسم بخبث وقال لها بعد أن مسح الدماء من شفتيه:
"عليكِ أن تخافي مني أكثر، ولا تقتربي مني كثيرًا"
أمسكت رقبتها لتقوم بوضع شالها مكان العضة، لتقول في نفسها:
«لن أسامحك طوال حياتي على فعلتك هذه»
تركها وغادر دون أن يقول شيئاً لها، وبعد مضي نصف ساعة، ارتعبت عندما سمعت صوت طرقات على الباب.
فدخل شخص عملاق للغرفة، رفعت رأسها من خلف الفراش وتنهدت براحة بعد أن رأته يمسك بيده الطعام.
ترك ما جاء به على الطاولة ورحل، خرجت من خلف الفراش وذهبت وهي تركض لإغلاق الباب بإحكام.
ومن ثم جلست على الكرسي أمام المائدة وهي تتألم من وجع عنقها:
"صحيح أنا جائعة للغاية، ولكن عندما أتناول الطعام، سيظن بأني سامحته ويعود ويشرب من دمي مرة أخرى"
تركت الطعام من يدها، وأردفت:
"للأسف ما قرأته بالرواية يوضح بأنهم لا يوجد لهم قوانين تمنعهم من عدم إيذاء البشر، فهم يتلذذون بمص الدماء منا، كيف سأعيش معه وأنا خائفة هكذا؟ وكيف سأتمكن من الهرب؟"
سمعت صوت أقدام من الخارج مع حديث يروى، وقفت بخوف خلف الباب لتسمع الحديث الذي يقال وبيدها سكين تم إحضاره مع المائدة:
"ماذا حدث أخبرني؟ لماذا روديان ذهب إلى قصر عمي جرير"
رد الحارس الشخصي لـ جلاور:
"لا اعلم سيدي، ولكني لاحظت بأن صحته تحسنت كثيراً في هذا الصباح"
رد جلاور وهو يحك ذقنه مفكراً:
"هل سيخبره عمي بتلك الرسالة؟"
قلق جلاور ووضع يده على رأسه مكملاً تفكيره:
"لا أعتقد حدوث ذلك الشيء، ولو حدث سيحفر قبره بنفسه"
أزاحت سيلينا رأسها من الباب بعدما اختفى الصوت، فانخفض توترها قليلًا، لكن نبضاتها ما زالت تتسارع وهي تقول:
«فكري يا سيلينا بطريقة جيدًا تخلصك من هذا العالم الدموي، لكي تعودي إلى بلدتك بسلام»
شعرت بمعدتها تكاد تتمزق من الجوع، فحاولت أن تأكل، لتتراجع لهناك.
اردفت وهي تفك الشال وتصرخ من الوجع وتقول:
"لم يعد لي شهية للأكل، فقريباً سوف أصبح طعاماً"
أخرجت سيلينا الرواية من ملابسها، وبدأت تقرأ بصمت، فجأة صعقت عندما أعادة قرائت الفصول التي قرأتها من قبل وهي تقول:
"كيف حدث ذلك؟"
فمعظم الأشياء تغيرت بالرواية منذ دخولها لمدينة ميرامالا.
وقفت تنظر للمدينة من النافذة، تبدلت ملامحها وأظهرت ابتسامة خفيفة برغم التعب الذي يظهر عليها وقالت:
"لم أتخيل بأن هذه المدينة ستكون جميلة هكذا، ما أراه أبدع من الخيال بمراحل"
فجأة التئم الجرح وسقط الشال بدون أن تلمسه، ذهبت تنظر بالمرآة صعقت عندما ما وجدت أثر الجرح وقالت بفرح:
"هل أنا لا أموت هنا حقًا؟"
ألقت سيلينا جسدها على الفراش، وأغمضت عينيها مستسلمة للنوم، وكأن شيء ما يسحب جسدها لبعيد.
يتبع.