الفصل الواحد والعشرون غضب

ذهبت عنبر إلى غرفتها وعقلها منشغل طوال الوقت بكل شيء حدث لا تعلم كيف تدخل جاسر وانقذ كل شيء بتلك السرعة، تذكرت عندما اخبرها أنه شعر بالقلق عليها عندما لم تدخل سريعًا، سمعت طرقات على الباب وعلمت أن شمس تناديها لتناول العشاء، لن تكن لتهبط لكنها قررت أنها ستشاركهم.

جلس وكان جاسر يجلس على بعد منها، تحدث ناصر إلى والدتها وقد كان يظهر عليه الضيق:

-هل أخذتِ الطعام إلى غرفة عاصم وغرام؟ لن يستطيع عاصم أن يهبط بسبب قدمه.

أومأت له والدتها، كانت تشعر بالكثير من الضيق كلما تذكرت ما حدث، تحدثت عنبر بتردد:

-يبدو أنني فهمت كل شيء بشكل خاطئ، لا أصدق ان غرام من الممكن أن تقتل.

نظروا لها وتعجب جاسر من حديثها، يعلم أن هذا لن يغير شيء ولكنها لا تعرف ما الذي تفعله، الجميع صامت ولا أحد يتحدث، نظرت عنبر إلى جاسر وكانت تشعر بالراحة أن عائلتها لم تشكك به.

في غرفة عاصم كان يتناول الطعام وهو يشعر بالضيق:

-اخبريني يا غرام ما الذي يحدث لكِ؟ تشردين كثيرًا، اخبريني بماذا تشردي وأين يذهب عقلكِ يا ترى؟!

حركت غرام رأسها بنفي وهي تتناول طعامها، لقد كانت شاردة بجلال، تحسب لخطواتها القادمة والذي لا يعرف عنها عاصم أي شيء، إن كان أحد سوف يتخلص من جلال فهذا الشخص هي وليس أحد غيرها.

انتهى عاصم من تناول طعامه ووضع الملعقة جانبًا:

-كان الحساء لذيذ ألا توافقيني الرأي؟

اومأت غرام له، كان يلاحظ هدوئها، يعلم أنها تفكر في شيء ولكنها ترفض أن تبوح به، عقد عاصم حاجبيه:

-غرام! تبدين في عالم آخر تمامًا، اخبريني ما الذي يحدث لكِ؟

حركت غرام رأسها بنفي وهي تشعر بالكثير من الضيق:

-يكفي يا عاصم ماذا بك؟ أنت تصر عليّ وهذا الأمر يخنقني، توقف عن الضغط عليّ.

رمقها عاصم بغضب وهو يحذرها بسبابته:

-اخفضي صوتكِ هذا يا غرام، أنا المخطأ لأنني أهتم لأمركِ.

تجاهل النظر لها وهي كانت على وشك التحدث معه، لكنها فضلت الصمت، تعلم أنه من الصعب عليه أن يتقبل ما يدور بعقلها، صمتت ولا يوجد خيار آخر لها، عليها أن تجعله يبغضها أكثر من أجل أن لا يتألم، حركت رأسها بعدم تصديق وهي لا تعلم كيف جعلها تفكر به قبل أن تفكر بنفسها.

انتهت من تناول طعامها وقبل أن تخرج من الغرفة اوقفها صوته:

-دعي الطعام هنا لا تهبطي، سوف يصعد أحد ويمكنهم أن يأخذوه بدلًا عنكِ

حركت غرام رأسها بنفي وهي تخبره ببساطة:

-أنا سوف أهبط.

لم تنتظر حديثه وتركته وهو يتوعد لها، لا يعلم لماذا تصر على اغضابه لهذا الحد، هو قلق بشأنها وهي لا تهتم بشيء سوى نفسها، تمنى لو كانت الأمور بخير، تمنى لو كان عشق فتاة أخرى، أي فتاة غيرها لكن سريعًا نهره عقله وهو يخبره أنها كانت ستعاني كثيرًا مع جلال:

-ما هذا الجنون يا عاصم، مازلت تفكر بها بعد كل شيء حدث! أشعر أنني على وشك أن أفقد عقلي بسببها ومع ذلك أفكر بها بهذا الشكل!

هبطت غرام وقابلت شمس على السلم، اعترضت شمس طريقها وهي ترمقها باستحقار شديد:

-أنا أشفق على عاصم حقًا، أتساءل كيف انبهر بفتاة مثلكِ؟ اخبريني يا غرام كيف فعلتيها وجعلتيه يغرم بكِ؟

ابتسمت غرام وهي تجيبها بهدوء شديد:

-لأنني مختلفة عنكِ يا شمس، أعلم أن السؤال الذي تريدي أن تسأليه هو لماذا احبني أنا ولم يحبكي، ببساطة لأنني لست أنتِ يا شمس.

رمقتها شمس بغضب وهي ترفع يدها لتحذرها:

-لا تجعليني أفقد عقلي معكِ، أنا أعلم أنكِ قتلتي منير وماجد مهما أنكر عاصم هذا.

اجابتها غرام على الفور وهي تضحك:

-ببساطة لأنكِ تريدي أن تصدقي هذا يا شمس، انتهى الأمر أنا ليس لدي وقت، في الأصل عاصم لم يكن يريد خروجي من الغرفة لأنه لا يحتمل فراقي، لكن هذا كان ضروري، لن أبقى مسجونة هنا.

اقتربت شمس منها لتقف أمامها وهي تكاد تموت غيظًا:

-سوف أكون السبب في هلاك شخص مثلكِ إن كان هذا الأمر صحيح يا غرام.

ابتسمت غرام بتحدي وهي تنظر لها:

-اعتبريه صحيح يا عزيزتي، اريني ما الذي سوف تفعليه؟

قاطعهم صوت ناصر الذي صعد ليرى عاصم ولكنه تفاجئ بشمس وغرام على وشك أن يتشاجرا:

-توقفوا عن الحديث واخبروني ما الذي يحدث هنا؟ هل تتشاجرا الآن؟

حركت غرام رأسها بنفي وهي تنظر إلى شمس:

-لا يوجد شيء يا عمي، لا أعرف إن كان لديك علم ام لا لكن حب شمس لعاصم قد تحول إلى غيرة لا تُحتمل، أنا أريد أن أقول لها أن تتوقف وتتجاهل وجودي، أنا على وشك أن أهبط لأضع باقي الطعام في المطبخ ولا أريد شيء آخر.

هبطت غرام من بعدها، كانت تشعر بالكثير من الغضب وهي ترى شمس تعشق زوجها، سحقت أسنانها وهي تحاول أن تنظم أنفاسها، بقيت في المطبخ قليلًا حتى شعرت بخطوات أقدام لتهم بالخروج، لكنها وجدت ناصر أمامها، تعجبت وبادر هو بالحديث:

-غرام علينا أن نتحدث سويًا، أنا أرغب فب التحدث معكِ في أمر ضروري.

تعجبت غرام ولكنها اومأت له وهي تعلم سؤاله المعتاد، تبعته للمكتب بعد أن أشار لها لتتبعه، تحدث وهو يجلس على الأريكة:

-لقد تراجعت عن الذهاب إلى عاصم ورؤيته قبل أن أتحدث معكِ، تعلمين الشيء الوحيد الذي يهمني سعادة ابنائي فقط.

اومأت له غرام وهي تقترب لتجلس على طرف الأريكة:

-أجل بالطبع افهمك.

أخذ ناصر نفس عميق وهو يتابع حديثه:

-عندما طلب عاصم الزواج بكِ ترددت في البداية؛ لأنني لا أثق في جلال وأعلم أنه سيء وجميع من حوله يشبهوه، لكن لا أنكر انني ارتحت لكِ يا غرام، لا أعلم كيف حدث هذا، لكن أنا ارتحت لكِ كثيرًا ولم أعارض عاصم.

كانت تنظر له بانتباه ولم تدوم راحتها عندما تابع هو حديثه:

-الآن يا غرام اخبريني ما الذي قالته عنبر، ما الذي حدث بالتفصيل؟ من الأفضل أن تكوني صريحة معي قبل أي فرد هنا، أنا لا أريد أن أضركي بأي طريقة، صدقيني أنا لست سيء أبدًا.

أخذت غرام نفس عميق وهي تشعر بالكثير من الارتباك:

-أنا لا أعلم التفاصيل، يمكنك ان تتحدث مع عاصم.

حرك ناصر رأسه بنفي وعدم اقتناع:

-إن كان هناك شخص يعلم كافة التفاصيل؛ فهذا الشخص هو أنتِ يا غرام، لقد احببتي عاصم بصدق، ليس لدي أدنى شك في هذا، أعلم انكِ احببتيه بصدق يا غرام، لكن هناك أشياء سيئة يمكنها أن تقضي على هذا الحب صدقيني.

نظرت غرام إلى ناصر وقد كانت عينيها تبعث بالكثير من النظرات المشتعلة:

-حبي الخاص لا يتم القضاء عليه، إنه شيء قوي للغاية يا عمي.

نظر ناصر لها بجدية وهو يشعر بالضيق الشديد من مراوغتها:

-أنا أتحدث بجدية يا غرام، الأمور سوف تخرج عن السيطرة، سوف يصيبكي الأذى وكذلك يصيب عاصم، هو ليس شخص سيء أبدًا، لا يستحق كل هذا العناء، عاصم لم يضر أحد يومًا.

نظرت غرام له بجدية وهي تشعر بالكثير من الضيق:

-لم أخبره أن يبقى معي، أنا أردت الذهاب، لقد فعلت كل شيء من الممكن أن يحميه لكن هذا لم يفرق أبدًا، هو رفض تركي، يمكنك أن تتحدث معه، أنت يمكنك أن ترشده لا دخل لي.

وقفت وهي على وشك الخروج واعترض ناصر طريقها وهو يشعر بالكثير من الغضب:

-أنا لم أكمل حديثي، لا يمكنكي أن تذهبي بتلك السهولة، غرام عليكِ أن تخبريني بخطتكِ مع جلال، ما الذي كان يحدث بينكم.

نظرت غرام له وهي تشعر بالكثير من الضيق، اقتربت لتقف امامه مباشرة:

-اخبرني يا عمي ما الذي تريد أن تسمعه؟ تريد أن أقول أنني قتلت ماجد ومنير بأمر من جلال؟ تريد أن أقول لك أنه استغلني الاستغلال الأبشع وأنا كالساذجة؟ تردني أن اخبرك أنني نادمة على الاقتراب من ماجد ومنير؟

ابتسمت ساخرة وهي تحرك رأسها بنفي وسريعًا تحولت إبتسامتها لضحكات:

-لن أقولها يا عمي، هل تعلم لماذا لن أفعل؟ لأنهم يستحقوا العذاب، يستحقوا الموت دون رحمة، أنا لست نادمة لأنهم لم يكونوا جيدين، هم حاولوا الاقتراب مني بأقذر الطرق عندما علموا أنني وحيدة، هم لم يكونوا جيدين وهذا أثبت لي حديث جلال.

كان ناصر يتابعها وهو ثابتًا، يشعر أنه أمام فتاة مختلة عقليًا، كلما مر الوقت يتأكد من شكوكه، هي تحتاج إلى طبيبة نفسية، انفعلت وهي تتابع حديثها وتكشف عنقها ومن ثم كتفها:

-أنظر هذا الجرح كان صعب للغاية، أخذ الكثير من الأيام والكثير من الغرز ليطيب، كان مؤلم حد البشاعة وكنت وحدي تمامًا، كنت بعيدة عن جلال لأنه لا يختلف عنهم، جلست في شقتي بمفردي أعاني من ألمي وأداويه بطريقتي، أنت لا تفهم ما كان يحدث لي، لا يمكنك أن تفهم أي شيء.

نظرت له وقد اشتعلت نظراتها من جديد وهي تومأ:

-اخبرني الآن من فعل هذا؟ لماذا أسرد عليك هذه الحادثة؟ ببساطة لأن ماجد هو من فعلها قبل أن يموت بيوم واحد، حاول التعرض لي، قام بضربي، حاول نزع ملابسي وصدمني بالمرآه المدببة وعندما رآني غارقة في دمائي هو هم بالفرار.

سحقت أسنانها وهي تتابع حديثها وقد رأى الحقد داخل عينيها:

-لقد تعافيت على نفسي، سحقت ألمي وأنا أذهب لأنفذ المهمة رغم أن قلبي كان يؤلمني وكانت المرة الأولى التي أفعل بها شيء كهذا.

رأى الدموع داخل عينيها كأنها تحبسها، كأنها تستطيع التحكم بها ومنعها، تابعت حديثها بانفعال:

-أنت تخاف على ابنائك، تخشى عليهم من الحزن أما أنا لم يكن هناك من يقلق بشأني ولا أرغب في شخص ليهتم بي، لقد كرهني جلال في جميع الرجال ومع ذلك لم يكن أمامي سوى الوثوق به، هل تدرك مدى الصعوبة في هذا؟

أخذ ناصر نفس عميق وهو يتابعها، ابتسمت ساخرة وهي تنظر إليه:

-لن يفرق معك حالي، سوف يكون آخر همك هذا، لكن أنا لسة بكاذبة ولست جبانة، لقد سجلت مقطع صوتي واعطيته إلى عاصم، كان به اعترافي بكل شيء، كان يدينني ويدين جلال ومن بعدها ذهبت، علم جلال أن أمري قد انكشف وظننت أنني أقوم بتهديده بالمقطع.

حاولت غرام أن تهدأ من أنفاسها وهي تشعر بالكثير من الضيق، تابعت حديثها:

لكن ما حدث أنه قام بضربي واختطافي بعد أن خدرني، أتصل بعاصم وكنت أنهره عن المجيء لكنه لم يستمع لي، أتى وقد اصابه الرصاص الخاص بجلال، أتى من أجلي رغم أنه يعلم أنه معرض للموت، أشعر بالألم لكنني أستطيع التحمل.

اومأت ومازالت تنظر إلى ناصر:

-يمكنني أن أعطيك وعد أنني سوف أفعل أي شيء من أجل عاصم، لن اجعل شيء آخر يصيبه، لكن عدني أنني عندما أخرج من هذا المنزل لن تجعل عاصم يلحق بي من أجل سلامته.

عقد ناصر حاجبيه وتحدث أخيرًا وهو ينظر لها وقد عادت الثقة تلمع داخل عينيها بدلًا عن الحزن والألم الذي كام يسيطر عليها:

-ما الذي تنوي على فعله يا غرام؟

ابتسمت بثقة وهي تنظر له:

-رغم أنني لا أخبر أحد بخطتي القادمة، لكن أنا سوف أخبرك، سوف أتخلص من جلال بنفسي، بطريقة مناسبة تليق به، يجب على كل هذا أن ينتهي وعلى عاصم أن يبقى على مايرام.

بدى على ناصر الضيق وقد شعر بالشفقة عليها، لا يعلم متى استطاعت أن تجذب انتباهه لها، تحدث بانفعال واضح:

-كيف سيكون على مايرام بعد كل هذا يا غرام، عاصم يحبكي بصدق، للمرة الأولى هو يحب شخص وللمرة الأولى يضحي من أجل شخص، هو حتى يحميكي من عائلته.

ابتلعت غرام ما بحلقها وتحدثت به بهدوء وهي مقتنعة تمامًا بما تقوله:

-عاصم لن يتدمر، سوف أجعله يكرهني قبل أن أذهب، سوف يبغضني كثيرًا وربما يقوم بطردي، لكن لا تجعله يذهب خلفي إن ساقه الحنين إليّ.

أخذ ناصر نفس عميق والضيق يعتلي صدره، تحركت غرام في هذا الوقت وخرجت من غرفة المكتب، لكنها صدمت بوقوف شهاب أمامها وقد احتدت عينيه:

-اخبريني هل الشيء الذي سمعته حقيقي؟

عقدت غرام حاجبيها وهي تسأله ببراءة:

-وهل لدي علم بما سمعت أنت يا ترى؟

دفعها شهاب وهو يحذرها:

-لا تدعي الغباء يا غرام، أنا في الأصل أرغب في تهشيم وجهكِ قبل أن أسألكي.

رأت غرام شمس تقف على السلم وهي تسمع ما يحدث، علمت في هذا الوقت أنها من اخبرت شهاب بحديث عنبر، استفاقت على قبض شهاب على زراعها وهو يتحدث بغضب:

-اجيبيني ما الذي تعرفيه عن حادثة ماجد أخي ومنير؟

دفعت يده بقوة وهي تتحدث بانفعال واضح:

-يدك إن تجرأت وقربتها مني أنا سوف أقوم بكسرها، لا تعبث معي، أذهب بما لديك للشرطة إن كنت واثق من هذا الهراء.

تركته وصعدت من بعدها إلى غرفتها مع عاصم، وجدته يكاد أن يشتعل من الغضب، اوشكت على الحديث، لكنها قررت أنها سوف تتجاهله، عليه أن يبغضها أكثر، تحدث بعد أن فشل في تجاهلها:

-ما الذي جعلكِ تتأخرين بالأسفل يا غرام؟

نظرت له للحظات رافعة حاجبيها ومن ثم تجاهلته من جديد، انفعل وهو يصرخ بها:

-غرام لا تفقديني عقلي، اخبريني ما الذي كنتِ تفعليه كل هذا الوقت؟

اقتربت غرام وهي تمثل اللامبالاة، جلست بجواره وهي تجيبه ببرود شديد:

-تشاجرت مع شمس، اخبرتها أنها تركض خلفك وتريد أن تكون لها لأنني أعلم أنها تحبك، ذهبت من بعدها للمطبخ، أتى عمي ناصر وذهبنا إلى المكتب، قال أن أخبره بالحقيقة وبالفعل أنا قولت له كل شيء، تعجب أنك لم تخبره بالحقيقة لكنني قولت أنك مجرد جبان.

اتسعت أعين عاصم بعدم استيعاب بينما هي ضحكت وهي تشير عليه:

-أنظر تبدو مصدوم للغاية وكأنك لم تكن تدري يا عاصم، ما الذي حدث لك تبدو مذهول.

حرك عاصم رأسه بعدم استيعاب وعينيه مسلطة عليها:

-أنتِ ما الذي تقوليه؟ هل فقدتي عقلكِ يا غرام؟ كفاكِ هذا المزاج السخيف.

ضحكت غرام وهي تحرك رأسها بفقدان أمل:

-تظن أنني أمزح معك يا عاصم؟ أنظر لي هل يبدو وجهي مضحك يا ترى؟

حركت رأسها بنفي وهي تتابع ضحكاتها:

-لا أظن هذا أبدًا.

أمسك بيدها وهو يحاول أن يتمالك أعصابه، لا يريد أن يشعرها بالإهانة وهو يعلم أنها لن تغفر له هذا:

-غرام لا تغضبيني أنا أتحدث بهدوء حتى الآن، لا تجعلي الأمور تزداد سوءً بيننا.

نظرت غرام إلى عينيه مباشرة وهي تحرك رأسها بنفي والألم يعتصر قلبها:

-أقول الحقيقة، لك أن تصدقها ولك أن لا تفعل، أنت حر يا عاصم، لا دخل لي بك.

سحق عاصم أسنانه وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-هل أنتِ مدركة للشيء الذي فعلتيه؟ أنتِ فقدتي عقلكِ وأول شخص سوف يتدمر هو أنتِ.

حركت كتفها غير مبالية وهي تنظر إلى يده الممسكة بيدها، تمنت لو كان يمكنها الاقتراب منه وضمه، شعرت بالحزن أنه لا يستطيع التحرك كثيرًا:

-هناك شيء آخر يا عاصم، لقد قابلني شهاب و..

قاطع حديثها والغضب يسيطر عليه:

-لا تقولي أنكِ اخبرتيه الآن بما حدث يا غرام.

قاطعهم صوت الباب ولم ينتظر أن يأذن أحد له بالدخول ودلف شهاب على الفور وهو منفعل:

-اخبرني يا عاصم عن هذا الشيء الذي سمعته أنا؟ ما الذي يحدث وكيف تتزوج بتلك الفتاة، مؤكد كنت تعلم أنها هي السببب في كل كارثة حدثت.

حاول عاصم أن يسيطر على نفسه وهو يرى غرام جالسة ببرود شديد ولم تفعل أي شيء:

-ما الذي جرح وجهك هكذا يا شهاب.

وضع شهاب يده على وجهه، تذكر كل شيء حدث، تذكر ما فعله وغضب عنبر وتعرض جاسر له ووقوفه أمامه، حاول أن يبدو طبيعي وهو يعلم أن عنبر لن تقول شيء وقد تأكد عندما اتصلت به شمس واخبرته أنها تريد أن تراه وأن الأمر متعلق بأخيه وابن عمته.

تعجب عاصم من شروده وكانت غرام تتابع ما يحدث بهدوء، وقفت وهي تنوي تركهم ولكن اوقفها قبض شهاب على زراعها وهو يحرك رأسه بنفي:

-إلى أين؟ أنتِ لن تذهبي إلى أي مكان قبل أن أعرف كل شيء حدث.

دفعته غرام بغضب وقد صرخت به بطريقة مبالغة:

-إياك أن تقترب وتلمسني، إياك أن تفعل شيء كهذا مرة أخرى، إن وضعت يدك عليّ سوف أقوم بكسرها.

تفاجأ عاصم بصراخها ولا ينكر أنه على وشك القيام وضرب شهاب، انفعل وهو يراها تخرج من الغرفة:

-شهاب لا تجعلني أفقد عقلي وأبرحك ضربًا، يدك لا تمتد عليها ما الذي تريد أن تقوله اخبرني؟

ابتلع شهاب ما بحلقه وهو يشعر بالكثير من الارتباك:

-أنا سمعت حديث جعلني أجن، لم أقصد شيء، لم أكن أقصد التعرض لها يا عاصم، هي جعلت قلبي ينتفض بصراخها وأنا لم أقصد أي شيء.

تحدث عاصم بغضب شديد:

-إن لم يكون لديك دليل على هذا الهراء الذي يُقال عليك أن تلتزم الصمت يا شهاب، أنا أحذرك للمرة الأخيرة لا تقترب من غرام ولا تزعجها بأي شكل، لا يمكنني أن أغفر هذا لك، هل تفهم؟!

أخذ شهاب نفس عميق وهو يحاول الهدوء، اقترب من عاصم وهو يومأ:

-اخبرني لماذا تفوهت شمس بهذا الحديث إذًا؟

حرك عاصم كتفه بهدوء وهو يشعر بالضيق:

-لا دخل لك بشمس يا شهاب، إنها مسئلة شخصية وأنا سوف أتعامل معها جيدًا.

ابتلع شهاب ما بحلقه وهو يشعر أنه قد تسرع في كل شيء حدث، شرد في عنبر، لا يعلم ما الذي سوف يحدث إن رأته، تمنى لو لم يسوء الوضع.

كانت غرام في الأسفل عندما أشار لها جاسر أن تقترب وبالفعل ذهبت معه للحديقة وهي ترمقه بغضب:

-أنت من دمرت كل شيء مع عنبر؟

حرك جاسر رأسه بنفي وسرد لها كيف كان حديثهم ولم يتخيل أن يصمت عاصم ولم يخبر أحد، تأففت غرام وهي تتحدث بانفعال واضح:

-على كل حال لم يعد الأمر يفرق معي يا جاسر، لن أبقى طويلًا هنا.

تعجب جاسر ولكنه لم يعطي لحديثها كامل انتباهه بسبب شروده في كل ما حدث مع عنبر، بدأ في الحديث وسرد لها كل شيء حدث، اتسعت أعينها بصدمة:

-كيف تجرأ على شيء كهذا؟ ألم يشعر بالخوف؟ لم يؤنبه ضميره أبدًا؟ هذا الحقير جعلني أريد قتله، هل تعلم يا جاسر؟

انتبه لها وهو يرى الغضب ستطاير من عينيها، انفعلت وهي تضرب الأرض بقدمها:

-لست نادمة وإن عاد بي الزمن سوف أقضي على المدعو شهاب هذا، لا يبدو شخص جيد ليتني كسرت زراعه عندما تجرأ ولمسني.

تحدث جاسر وهو يضع يده أمامها:

-غرام انظري لي، عليكِ أن تهدأي، لا يمكنكي أن تفكري وأنتِ غاضبة وإلا سوف تدمري كل شيء حتى نفسكِ.

تجاهلت غرام حديثه وهي تنظر له بجدية:

-انتبه لي يا جاسر إنها النهاية وعليك أن تفعل ما أريد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي