الفصل العشرون

قامت "دينا" بسحب "ادهم" من ذراعه وصعدت به إلى غرفتها وأغلقت الباب بالمفتاح، ثم قالت وهي تضع يدها على قلبها:
ـ "أدهم" أنا آسفة لأنني فعلت هذا لكني اود التحدث معك على انفراد.
وقف "أدهم" أمامها وهو يقول:
ـ حسناً.
وجلسا على السرير وبينما كانا يتبادلان الأحاديث قالت "دينا" بتساؤل:
ـ أخبرني ما سبب الخلاف الذي بينك وبين "سيف"؟
عقد "أدهم" حاجبيه وأشاح بوجهه قائلاً:
ـ هل لديكِ رغبةٌ في سماع هذه القصة المملة؟
هزت "دينا" رأسها وهي تجيبه:
ـ نعم خاصةً وأن الكراهية بينكما تدفعني لمعرفة السبب.


بدأ "ادهم" يحكي لها كل ما حدث بالتفصيل وقال:
ـ منذ زمنٍ طويل، كانت والدتي صديقةٌ حميمة لوالدة "سيف" ودرستا معاً، وفي يومٍ من الأيام تزوج والدي من أمي وعمي تزوج صديقتها وكان الزفاف في نفس اليوم من شدة تعلقهما ببعضهم، بعدها بفترةٍ ليست طويلة، أصيب والدي بالمرض وقال الأطباء أن العملية تكلف الكثير من المال، وذهبت والدتي إلى صديقتها طلباً للمساعدة، وكان ردها في ذلك الوقت أنها لا تملك مالاً لكي تقرضها منه، ولأن معارف والدتي قليلون لم تتمكن من توفير المبلغ، وتوفي والدي لأن المرض اشتد عليه، كانت والدتي حاملاً
عندما توفي والدي، وكذلك صديقتها، عندما وصلت صديقة أمي لشهر الولادة أحست بألمٍ فظيع ولم تعرف

ما تفعل، فذهبت تطلب المساعدة من والدتي، أغلقت والدتي الباب في وجه صديقتها التي ظلت تصرخ وتطرق الباب بكل جهدها، ووالدتي غير مبالية بأمرها مطلقاً، حتى جاء أحد الجيران وحملها إلى المستشفى، وذهبت والدتي إلى المستشفى نفسه عندما أحست بقليلٍ من الألم وتمكنت من الذهاب بنفسها، وولدتا في الوقت ذاته.

وصمت "ادهم" عند هذا الجزء, فأقتربت "دينا" منه وسألته بحيرة:
ـ ماذا حدث بعد ذلك؟
إلتمعت عينا "ادهم" وهو يكمل القصة قائلا:
ـ كل واحدةٍ قطعت وعداً على نفسها بأن تربي ابنها على كراهية الآخر، لقد حاول عمي جاهداً أن يقرب "سيف" مني عندما كنا في الخامسة من عمرنا، كنت ألعب معه سراً وإذا رأته والدته تضربه ضرباً مبرحاً، كان يأتي دائماً بالكثير من الكدمات على وجهه، بعد ذلك بدأنا نكره بعضنا تدريجياً بسبب
خلافٍ بين صديقتين لا علاقة لنا به، هذه هي كل القصة.

إتسعت عينا "دينا" ذهولاً وهي تقول:
ـ لا أصدق إنها أغرب قصة سمعتها في حياتي.
تنهد "ادهم" وأخفض حاجبيه وهو يقول مبتسماَ:
ـ أنا سعيدٌ جداً لأنكِ أستمعتِ إلي أشعر بالإرتياح لأنني أخبرتك.
وضعت "دينا" كفها على كفه وهي تقول:
ـ كلما أحتجت إلي ستجدني أمامك.
مد "ادهم" يديه واحتضنها بحب وهو يقول:
ـ شكراً لكِ يا عزيزتي.

دق جرس الساعة عند الثانية عشرة تماماً من منتصف الليل، حينها نهض "ادهم" من على السرير
ونظر لـ "دينا" وهو يقول بصوتٍ هادئ:
ـ لقد تأخر الوقت علي الذهاب الآن.
وقفت "دينا" بجانبه وقالت وهي تخفض رأسها :
ـ حسناً لا بأس.
قام "أدهم" بتقبيلها في جبهتها، ثم أبتعد ملوحاً بيده وهو يقول بمرح:
ـ إلى اللقاء.
لحقت به "دينا" وهي تقول:
ـ سأرافقك.

في تلك الساعة، كان "سيف" يحاول الإتصال على "ملك" لكن بلا جدوى، فقد نسيت أن تأخذ الهاتف معها إلى المستشفى، رمى "سيف" هاتفه على الأريكة في غرفة المعيشة، وتنهد قائلاً بضجر:
ـ أين يمكن أن تكون في هذا الوقت؟

في المستشفى نظر "امجد" إلى الساعة في يده وقال وهو يبتعد عن الجدار:
ـ لا فائدة من بقائنا هنا علينا العودة للمنزل.
رفعت الأم رأسها وقالت محدقةً به:
ـ أنا سأبقى هنا حتى اطمئن على "احمد".
وضعت "ملك" يدها على كتف والدتها وقالت:
ـ عليكِ أن ترتاحي يا والدتي، فأنتِ تبدين متعبة.
عقدت الأم حاجبيها وهي تقول في ضيق:
ـ أنا بخير إذهبا أنتما.
أخذ "أمجد" نفساً عميقاً وجلس على الأرض امام والدته وقال:
ـ أعدكِ بأنني سأحظرك إلى هنا صباح الغد ما رأيك؟
صمتت الأم لبرهة ثم أغمضت عينيها وقالت بإستسلام:
ـ حسناً، أتمنى أن تحافظ على وعدك يا "امجد".
إتسعت شفتي "امجد" مبتسماً وهز رأسه موافقاً وهو يقول:
ـ أعدكِ بذلك.
وأمسك بيدها وساعدها على الوقوف وغادروا المستشفى.

رفعت "هدى" رأسها من على الوسادة وأستغلت الفرصة بما أنه لا يوجد أحدٌ بجوارها، وحين وضعت قدميها على الأرض أحست بالألم ثم قالت بشجاعة وإصرار:
ـ يجب أن أرى "احمد" لن أبالي بالألم.
كانت "هدى" مُصرةً على رؤيته لأنها سمعت الممرضة تقول لزميلتها في العمل بجانب غرفة "هدى":
ـ هناك شابٌ صغير في العناية المركزة حالته سيئة جداً.
مدت "هدى" يديها ممسكة بالجدار وسارت ببطءٍ شديد لأن قدميها مصابتان، بدأ الدم ينزف من قدمها ويخرج من الضماد حين غادرت الغرفة، وكانت تسير وتتلفت حولها لكي لا يراها أحد، حين وصلت "هدى" إلى غرفة "احمد" كانت تتنفس بصعوبة وفتحت الباب بالقوة ودخلت.

اتسعت عيناها حين رأت "احمد" مطروحاً على السرير والجروح تملئ وجهه مع ضماداتٍ كثيرة في جسده، والأجهزة الطبية عليه إقتربت "هدى" قليلاً ووقعت على الأرض لأن قدميها لم تعد قادرة على حملها، إنهمرت الدموع من عينيها وهي تزحف على الأرض للوصول إليه وتقول متألمة:
ـ "احمد" يجب أن .

ومدت يدها وتمسكت بالسرير، وكانت تجلس بجانب "احمد" ووضعت كفها على خده وابتسمت قائلة
بنبرةٍ باكية:
ـ كان يجب أن نموت معا، أليس كذلك؟ لم أكن أريدك أن تصل إلى هذه الحالة.
وعانقته وهي تغمض عينيها، وأغمي عليها وهي بهذا الوضع.

وفي الصباح الباكر دخلت الممرضة بالصدفة إلى غرفة "احمد" وحين رأت "هدى"سقط دفتر الملاحظات من الذي كانت تحمله بيدها على الأرض ونادت الطبيب في الحال، قام الأطباء بإعادة "هدى" إلى غرفتها ووضعها على السرير وغيروا الضمادات التي في قدميها وبعدما إنتهوا قال الطبيب وهو يمسح عرقه:
ـ إنها مجنونة، نهضت بالرغم من إصاباتها.
سألته الممرضة في حيرة:
ـ وما العمل الآن؟ أخشى أن تذهب ثانيةً.
تنهد الطبيب قائلاً:
ـ علينا أن نخبر والديها بالأمر ونرى ما سيفعلانه معها.
نظرت الممرضة إلى "هدى" بإشفاق، ثم خرجت مع الطبيب.

بدأت الإمتحانات النظرية في الجامعة،وكان جميع الطلاب مستعدين، بينما كانا "سما" و"ادم" في طريقهما للخروج من المنزل، سمعا صوت صراخ والدتهما فصعدا إليها بسرعة، ووجداها تقف عند باب غرفة الأب وهي ترتجف، أقترب "ادم" ليرى ماذا هناك، وذُهل حين رأى والده ملقياً على الأرض ولا يتحرك، فرمى "ادم" بحقيبته وركض إلى والده وهو يقول:
ـ والدي ما الذي حدث لك؟
ووضع يده على رأس والده ووجده بارداً جداً فقال بعجل:
ـ علينا نقله إلى المستشفى حالاً.
هزت "سما" رأسها موافقة وهي تقول:
ـ سأطلب من الخدم أن يساعدونا في حمل والدي.
وأخيراً، تم وضع الأب في السيارة وجلسا "ادم" و "سما" في المقدمة والأم تجلس في الخلف مع زوجها.

في الجامعة، تجمع كل الطلاب في القاعات المخصصة لهم لبدء الإختبار، نظر المراقب إلى الساعة بعدما وزع أوراق الأسئلة، وقال بصوتٍ عالٍ:
ـ إبدؤوا الحل.
في الوقت الذي كانا فيه "آدم" و "يما" يجلسان على مقاعد الإنتظار ليطمئنا على حالة والدهما، خرج الطبيب من الغرفة، وحين رآهم ينهضون من على مقاعدهم قال بجدية:
ـ لقد إنخفضت نسبة الدم في جسده ونحن بحاجةٍ لنقل الدم إليه، من منكم يملك نفس الفصيلة؟
كاد "ادم" أن يتكلم، لكن جواب "سما" السريع أوقفه وهو:
ـ أنا أيها الطبيب.
رد عليها الطبيب وهو يدير ظهره:
ـ إذن تعالي معي.
تقدمت "سما" خطوتين للأمام وقالت موجهةً كلامها لـ "آدم" بجدية:
ـ إذهب يا "آدم" لقد بدأ الإختبار.
قال "آدم" في قلق:
ـ لكن ماذا عنكِ؟
ردت عليه "سما" بغضب:
ـ إذهب فقط، لا تبالي بأمري، أرجوك إذهب.
عظ "آدم" شفتيه وقال في ضيق:
ـ حسناً.
وركض مغادراً المستشفى وشغل سيارته وأنطلق مسرعاً إلى الجامعة.

مرت ساعة كاملة على بدء الإختبار ولم يتبقى سوى ساعتان، قام "آدظ" بفتح باب القاعة بقوة، فالتفت إليه المراقب ورمقه باستغراب ثم سأله:
ـ أين كنت يا "آدم"؟
أجابه وهو يتنفس بصعوبة:
ـ أنا آسف لكن أرجوك إسمح لي بالدخول.
أخرج المراقب ورقه الأسئلة ومد يده ليعطيه فظهرت الإبتسامة على وجه "آدم" وهو يقول:
ـ شكراً لك يا سيدي.
قال المراقب بجفاء:
ـ إبدأ حالاً.
جلس "آدم" في مكانه، وحين فتح الأسئلة وقرأها، اتسعت عينيه وقال بداخل نفسه:
ـ لقد درست كل هذا مع "سما".
وبدلاً من كتابة إسمه، كتب اسم "سما" وكأنها هي من أدى الإختبار، وبدأ الحل.

في المستشفى، أخذت الممرضة دماً من "سما" وقامت بفحصه، ثم أرسلته إلى الطبيب، نهضت"سما" من كرسي المريض وخرجت من الغرفة وهي تهمس بداخل نفسها:
ـ أتمنى أن يكون "آدم" قد وصل في الوقت المناسب.

إنتهت ساعات الإمتحان بسرعة ووضع كل الطلاب أقلامهم على الطاولة فقال المراقب:
ـ إجمعوا الأوراق.
قال "آدم" متسائلاً:
ـ هل يمكنني الخروج؟
سمح له المراقب بالمغادرة، ما دام قد انهى الإختبار وخرج "آدم" مسرعا من القاعة، فقال أحد الطلاب باستغراب:
ـ ما الذي جرى له يا ترى؟

بعدما انهت "تالين" إمتحانها، اتجهت نحو "دينا" وسألتها:
ـ كيف كان إختباركِ؟
ردت عليها "دينا" قائلة:
ـ إنه جيد ماذا عنكِ؟
اتسعت شفتي "تالين" وهي تقول:
ـ رائعٌ جداً.

في تلك اللحظة، فتحت "هدى" عينيها ببطء وهمست بداخل نفسها:
ـ أين أنا؟ هل هذه غرفتي أم غرفة "احمد"؟
وحركت عينيها للجهة اليمنى ورأت والدتها تجلس بجانبها وتقول بسعادة:
ـ حمد لله على سلامتك يا "هدى" لقد كنتُ قلقةً عليكِ.
قالت "هدى" بصوتٍ خافت:
ـ هل كان ذلك حلماً؟
وتابعت قائلة بصوتٍ أوضح:
ـ كيف وصلتُ إلى هنا يا أمي؟ أذكر بأنني كنتُ بجانب "احمد".
قاطعتها والدتها قائلة بعصبية:
ـ إياكِ ان تفكري بالذهاب إليه مرةً أخرى، هل هذا واضح؟
عقدت "هدى" حاجبيها وهي ترفع رأسها من على الوسادة وتقول:
ـ لماذا؟ هل تريدون منعي من رؤيته أيضاً؟
وضعت والدتها يديها على كتفي "هدى" وهي تقول بهدوء:
ـ إذا علم والدك بالأمر سيغضب كثيراً وربما ينقلكِ إلى مكانٍ آخر.
إرتجفت شفتي "هدى" وهي تقول بصوتٍ حزين:
ـ أمي أنا أحب "احمد" أرجوكِ دعيني أراه ارجوكِ.
قامت الأم بإحتضان إبنتها الباكية وقالت لها بإشفاق:

ـ حسناً يا "هدى"سأسمح لكِ برؤيته عندما تشفى قدمكِ، إتفقنا؟ هزت "هدى" رأسها موافقة وأستمرت بالبكاء.


في تلك اللحظة، عاد "محمد" إلى المنزل وعلامات الإرهاق على وجهه وحين رأته "دنيا" تركت المذكرات التي بيدها ووضعتها على الطاولة وسألته في حيرة:
ـ ما الأمر؟ تبدو متعباً.
رمى "محمد" بنفسه على الأريكة وهو يقول بصوتٍ مرهق:
ـ إني أبحث عن عمل منذ ساعتين لكني لم أجد من يقبلني عنده.
جلست "دنيا" بجانبه وفكرت قليلاً ثم قالت:
ـ لماذا لا تعمل في شركة والدي؟
ضحك "محمد" بأعلى صوته ثم قال بجدية:
ـ والدكِ؟ سوف يطردني قبل أن يراني.
ابتسمت "دنيا" وهي تقول بثقة:
ـ أعلم هذا لدي خطةٌ جيدة لك.
وأمسكته من يده وأدخلته إلى غرفته ودخلت معه، ثم إلتفتت إليه وهي تغلق الباب وتقول:
ـ أولاً: عليك تغيير مظهرك الخارجي كي لا يعرفك أحد.
أخفض "محمد" حاجبيه وقال في حيرة:
ـ وكيف أفعل هذا؟
ردت عليه "دنيا" بسرعة:
ـ شعرك البني يجب أن يتحول إلى الأسود، وضع النظارات على عينيك، وعليك إرتداء الملابس الرسمية الخاصة بالعمل.
إتسعت عينا "محمد" وهو يسمع كلام "دنيا" المفاجئ، وحالما انتهت سألها:
ـ لكن والدكِ يعرف إسمي، ما العمل؟
وضعت "دنيا" إصبعها على خذها وقالت بحيرة:
ـ أعتقد أن علينا التزوير في هذه الحالة
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي