الفصل التاسع عشر

إنتشرت الغيوم السوداء في السماء وأصبح الجوجميلاً مع هبوب نسمات ريحٍ باردة، في تلك الأثناء دخلت "دنيا" إلى غرفة الطعام، وكان جميع أفراد العائلة هناك، وحين رآها والدها تحولت ملامحه إلى الغضب
ثم قال ببرود:
ـ من سمح لكِ بالعودة إلى هنا؟ هل أنهيتِ علاقتك مع ذلك الحقير؟
إقتربت "دنيا" من والدها الذي يجلس على الكرسي الأخير في الطاولة وانحنت أمامه قائلةً بأسف:
ـ سامحني يا والدي.
أخفض الأب عينيه وهو يقول:
ـ لن أسامحكِ حتى تنسي ذلك الشخص.
رفعت "دنيا" رأسها لتنظر لوالدها ثم قالت بجدية:
ـ اعذرني لكني لن أترك "محمد".
ضرب والدها بيده على الطاولة وهو يقول بعصبية:
ـ إذن لماذا رجعتِ إلى هنا؟
وقفت الأم في قلق وهي تقف خلف "دنيا":
ـ نفذي ما يقوله والدكِ يا "دنيا".
قالت "دنيا" في ضيق وإنزعاج:
ـ لقد أتيت إلى هنا لإقناع والدي بتقبل هذا الأمر.
نهض والدها من مكانه وقال لها غاضباً:
ـ أخرجي من هنا حالاً.
قالت له "دنيا" بثقة:
ـ إذا خرجت الآن سأعيش مع "محمد" إلى الأبد.
صفعها والدها على وجهها وهو يتنفس بصعوبة ويقول:
ـ إذهبي إلى الجحيم إذا أردتي ذلك.
خرجت "دنيا" من الغرفة راكضة فجلس الأب على الكرسي ووضع يده على رأسه قائلاً:
ـ تباً سأصاب بالجنون بسببها.
غادرت "دنيا" المنزل وهي تبكي وبدأ صوت الرعد يُسمع بوضوح وتساقط المطر بغزارة.

وقفا "سامر" و"رغد" تحت إحدى الأشجار وهما مبللان بالمطر فقالت "رغد" بسعادة:
ـ الجو جميلٌ جداً اليوم.
وضع "سامر" معطفه على رأس "رغد" وأبتسم قائلاَ:
ـ لا اريدكِ أن تصابي بالبرد يا عزيزتي.
وجلسا على الأرض معاً فأخذت "رغد" الجزء المتبقي من المعطف ووضعته على رأس "سامر" وابتسمت قائلة:
ـ أنا أيضاً لا اريدك أن تصاب بالبرد.
فرح "سامر" كثيراً واحتضنها بحب وهو يهمس قائلاً:
ـ شكراً لكِ "رغد".

في ذلك الحين فتح "أدهم" مظلته ونزل من السيارة وفتح الباب الآخر ونزلت "دينا" ووقفت بجانبه وهي تشير للمنزل المقابل وتقول:
ـ هذا هو منزلي.
نظر إليه "أدهم" وقال بسعادة:
ـ إنه رائع.
وأمسكت بيده وسارا معاً إلى الداخل قامت "دينا" بإدخال "أدهم" إلى غرفة الضيوف وطلبت منه الجلوس على الأريكة الذهبية ثم قالت:
ـ سأعود حالاً إنتظرني هنا.
وخرجت من الغرفة، ظل "أدهم" يتأمل الغرفة ذات الأضواء الذهبية ولفت نظره صورة على المكتبة المقابلة له فنهض من مكانه وأخذ الصورة من مكانها واتسعت شفتيه مبتسماً وهو يرى صورة "دينا" مع أختها وسط الإطار وهما صغيرتان، فقال بداخل نفسه:
ـ إنها تبدو أجمل الآن.
وفجأةً دخلت فتاةٌ بدت عليها العجلة وهي تقول:
ـ "دينا" لقد.
وسكتت حين رأت "أدهم" يلتفت إليها ويقول:
ـ ستعود "دينا" بعد قليل.
إحمر وجه الفتاة خجلاً وقالت متسائلة بإحراج:
ـ من أنت يا سيدي؟
رد عليها بهدوء وهو يعيد الصورة:
ـ أنا "ادهم" صديق "دينا" في الجامعة.
إتسعت شفتيها ضاحكة وهي تهمس بسعادة بداخل نفسها:
ـ إنه شابٌ وسيم كم أحسد "دينا"!
ثم سمعت صوت "دينا" تقول باستغراب:
ـ ما الذي تفعلينه هنا؟
قالت الفتاة في ضجر:
ـ لا شيء.
وغادرت الغرفة وأغلقت الباب، هز "ادهم" كتفيه قائلاً:
ـ لا أعلم ما الذي كانت تريده.
ضحكت "دينا" عليه وهي تقول:
ـ لا تهتم لأمرها.

في تلك اللحظة، إتصل "آدم" على "تالين" وهو في السيارة وحين ردت عليه سألها قائلاً:
ـ ما الذي تفعله حبيبتي في هذا الوقت؟
تحول وجه "تالين" إلى اللون الوردي من شدة الخجل وردت عليه قائلة:
ـ لا شيء أبداً يا .
وتوقفت عن الكلام لأنها أحست بإحراجٍ شديد، فقال لها "آدم" ضاحكاً:
ـ أتمنى أن أسمعها منكِ أيضاً.
وقفت "تالين" أمام النافذة وهي تحدثه قائلة:
ـ "آدم" يا حبيبي.
إبتسم "آدم" وهو يوقف السيارة عند باب منزل "تالين" وبالمصادفة رأته، واتسعت عينيها ومن شدة
ذهولها أسقطت الهاتف من يدها بدون ان تشعر وقالت بسعادة:
ـ "آدم" هنا.
وأخذت معطفها بسرعة وخرجت راكضة وحين خرجت من المنزل وفتحت الباب نزل "آدم" من السيارة وهو يحمل المظلة أما "تالين" فقد غطت شعرها بالمعطف، وعندما أقترب منها قال بهدوء:
ـ لقد إشتقت إليكِ.
اخفضت "تالين" رأسها في الوقت الذي احتضنها "آدم" ووضعت يديها خلف ظهره وقالت بإرتياح:
ـ وأنا أيضاً.
ثم أمسك بيدها وفتح لها باب السيارة وركبت بجانبه في المقدمة، وفي الطريق سألته "تالين" في حيرة:
ـ أين سنذهب؟
أجابها "آدم" وهو ينظر للأمام:
ـ سوف نتناول الغذاء وحين يتوقف المطر، سنذهب إلى الشاطئ.
ظهرت علامات السعادة على وجه "تالين" ونظرت إلى يد "آدم" التي يتكئ بها، فوضعت كفها على يده
ببطء فنظر إليها وهو يبتسم قائلاً:
ـ أنتِ خجولةٌ جداً يا "تالين".
أخفضت "تالين" عينيها ولم تتمكن من الرد عليه.

وصلت "ملك" مع والدتها إلى المستشفى بعدما تلقوا إتصالاً من "امجد" وقال فيه:
ـ إن حالة "احمد" سيئة عليكم أن تأتوا إلى المستشفى حالاً.
توقفت "ملك" عن الركض عندما رأت "امجد" متكئاً على الجدار وعلى وجهه علامات الحزن وملابسه ملطخة بالدم لأن قام بحمل "احمد" إلى السيارة، وقفت الأم بجانبه وسألته بقلق:
ـ كيف حال "احمد"؟ وأين هو الآن؟
أشاح "امجد" بوجهه وهو يرد عليها:
ـ لقد قال الطبيب إن نسبة نجاته من الخطرثلاثون بالمائة لأن معظم أعضاء جسده قد تحطمت وحالته سيئة للغاية وهو في غيبوبةٍ الآن ولا أحد يعلم متى سينهض.

إنهمرت الدموع من عيني الأم وهي تسمع كلام "امجد" وسألته بنبرة باكية:
ـ هل يمكنني رؤيته؟
هز "امجد" رأسه بـلا، ثم قال:
ـ لا يمكننا رؤيته اليوم، أعتذر لقول هذا، لكن "احمد" بين الحياة والموت.
صرخت "ملك" في وجه "امجد" قائلة:
ـ لماذا تقول هذا؟ سوف ندعوا له بالشفاء العاجل.
قال "امجد" بنبرةِ غاضبة:
ـ لو أنه لم يقم بحماية تلك الفتاة لكان الوضع أفضل بكثير.
سألته "ملك" في حيرة:
ـ أي فتاةٍ تقصد؟
حكى لها "امجد" كل ما حدث بالتفصيل وعندما إنتهى، جلست الأم على مقعد الإنتظار وهي تقول
بندم:
ـ لماذا فعل ذلك؟ ما الذي طلبه "احمد" ورفضنا أن نعطيه؟
وأستمرت بالبكاء وجلست "ملك" بجانبها واحتضنتها وحاولت أن تهدأها قليلاً.

من جهةٍ أخرى، كان والداي "هدى" يجلسون بجانبها وهي مستلقيةٌ على السرير ولم تستيقظ بعد، لكن حالتها لم تكن سيئة كـ "احمد"كل ما حدث لها هو أنها أصيبت في رأسها وكتفيها مع بعض الجروح في كلتا قدميها، إستيقظت "هدى" لكنها لم تفتح عينيها لأنها سمعت والدتها تقول:
ـ لماذا فعلت هذا؟
أجابها الأب قائلاً في ضيق:
ـ هذه نهاية إهمالكِ لها كان عليك أن تنتبهي لتصرفاتها.
صرخت الأم قائلة بغضب:
ـ وأنت أيضاً اللوم يقع عليك، لأنك تسافر دائماً وتضع كل المسؤولية على عاتقي.
قاطعتهما "هدى" قائلة ببرود:
ـ أخرجا من هنا.
فالتفتا إليها وتابعت قائلة وهي تفتح عينيها:
ـ أريد أن أبقى لوحدي غادرا حالاً.
خرجا الإثنان بدون أن ينطقا بكلمة لأنهما على علمٍ بحالتها،امتلأت عينا "هدى" بالدموع وهي تهمس بداخل نفسها:
ـ لماذا لا أزال على قيد الحياة؟ وأين "أحمد"؟

في أحد المطاعم الراقية جلست "تالين" مع "آدم" مقابلان لبعضهما، ثم سألها:
ـ ماذا ستطلبين الآن؟
فتحت "تالين" قائمة الأصناف وابتسمت قائلة:
ـ هناك أصنافٌ جديدة.
قام "آدم" بسحب الكرسي الذي يجلس عليه ووضعه بجانبها وجلس، حدقت به "تالين" باستغراب وقالت:
ـ هل أنت جاد؟
رد عليها "اد" ضاحكاً:
ـ بالتأكيد.
ثم أختارا معاً ما سيتناولانه وأخبروا النادل ثم عاد "ادم" إلى مكانه.

توقف المطر أخيراً وخرجت "رغد" مع "سامر" من تحت الشجرة وقالت وهي تمد يديها:
ـ الجو رائع.
ونظرت إلى السماء ورأت قوس قزح وأشارت إليه وهي تقول:
ـ إنه قوس قزح، أنظر يا "سامر".
وقف "سامر" بجانبها ورفع رأسه للسماء وهو يقول:
ـ إنه رائع حقاً.
ثم نظر إلى "رغد" وسألها:
ـ إلى أين تودين الذهاب الآن؟
فكرت "رغد" قليلاً، ثم قالت مبتسمة:
ـ أريدك أن تأخذني في نزهة لأرى معالم المدينة، لأنني لم آتي إلى هنا منذ زمن.
أمسك "سامر" بيدها وركض بها وهو يقول بمرح:
ـ هيا بنا سأريك أشياء جميلة.

وصلت "دنيا" لمنزل "محمد" ودقت الجرس ففتح لها "محمد" الباب ورفع حاجبيه حين رآها مبللة من المطر ووجهها مليءٌ بالدموع فقال وهو يمسك بيدها:
ـ تعالي إلى الداخل كي لا تصابي بالبرد.
بعد مرور وقت إرتدت "دنيا" ثوباً أعطتها إياه والدته ثم غطت جسدها بالمعطف وجلست على الأريكة،
وضع "محمد" كأسٌ به قهوة ساخنة على الطاولة أمامها ثم قال:
ـ ستشعرين بالدفء عندما تشربين هذا.
قالت له "دنيا" بصوتٍ خافت:
ـ شكراً لك "محمد"
وجلس بجانبها ووضع كفه على كتفها الأيسر وسألها:
ـ أخبريني ما الذي حدث؟
ردت عليه "دنيا" وعيناها تمتلئ بالدموع:
ـ لقد رفض والدي لا يريد مني أن أرافقك.
وتابعت وهي تنظر إليه والدموع تنهمر من عينيها:
ـ لا يمكنني فعل ذلك أنا أحبك يا "محمد".
إرتجفت شفتيه ولم يعرف ماذا يقول، فاحتضنها وقال:
ـ لا بأس سأكون بجانبكِ دائماً.

في ذلك الحين، ركبت "نورا" مع "مروان" على قاربٍ أبيض صغير يسير على ضفاف النهر، بينما كانا فيه أنزلت "نورا" يدها إلى النهر وابتسمت وهي تخفض عينيها قائلة:
ـ إنه بـارد.
جلس "مروان" أمامها ومد يده إلى خذها وقال بحنان:
ـ مثلكِ تماماً يا عزيزتي.
إحمر وجه "نورا" خجلاً ثم ردت عليه قائلة وهي تضع كفها على يده:
ـ أشكرك يا "مروان".
أخرجت "نورا" علبةً مربعة الشكل ومتوسطة الحجم من حقيبتها ومغلفة باللون الزهري مع شريط
بلون السماء، نظر إليها "مروان" بإستغراب ثم سألها:
ـ ما هذا؟
اتسعت شفتي "نورا" مبتسمة وهي تقول:
ـ لقد أعددتُ هذا لك.
وحين فتحتها رأى فيها كل الأصناف التي يحبها وقال بسعادة:
ـ إنها جميلة.
قالت له "نورا" بخجل:
ـ أتمنى أن تعجبك.
التمعت عينا "مروان" وهو يقول بلطف:
ـ بالطبع ستعجبني لأنكِ اعددتها بنفسكِ يا عزيزتي.
ثم تناولا الغذاء معاً وهما على القارب وسط النهر ومع نسمات الهواء الباردة.

وصلت "تالين" مع "آدم" إلى شاطئ البحر ونزلا من السيارة معاً، غطست "تالين" بقدمها على البحر وقالت:
ـ إنه باردٌ كالثلج.
وقف "آدم" بجانبها وانحنى نحو البحر وأخذ القليل من الماء في يده وقام برشه على "تالين" وهو يضحك قائلاً:
ـ عليكِ أن تشعري ببرودته أكثر.
فتحت "تالين" شعرها وهو مبلل وقامت بأخذ الماء في كلتا يديها وصبته على رأسه وهي تقول في مكر
وتبتسم:
ـ أعتقد أنك تحبه هكذا أليس كذلك؟
نظر "آدم" إلى الجهة الأخرى، بعدما سمع صوتاً غريباً، وحين التفت رأى شخصان يركبان في الزورق الكهربائي السريع ويسيران في البحر، فأشار إليه قائلاً:
ـ لنركب في هذه ما رأيك؟
ظهرت السعادة على وجهها وهي تقول بمرح:
ـ هيا بنا.
واستأجر "ادم" واحداً ووقف عليه في المقدمة و"تالين" تتمسك به من الخلف، ثم قال وهو يشغله:
ـ هل أنتِ مستعدة؟
هزت رأسها وهي تقول:
ـ نعم.
إنطلق "آدم" بسرعةٍ كبيرة وكان كلما يميل بالزورق ينزل عليها الماء كالمطر وهما يضحكان واستمتعا بوقتهما كثيراً وبقيا يلعبان فيه مدة عشر دقائق، ثم عادا إلى الشاطئ وهما متعبان، ورجعا للمنزل في المساء بعدما هبط الظلام.

دخلت "رغد" مع "سامر" إلى محل الألعاب الإلكترونية، وتحدا بعضهما ففاز "سامر" في لعبة القتال على"رغد" ثم اشتروا الطعام وتناولاه معاً، وشربا العصير من نفس الكوب، وألتقطا الصور وعادا للمنزل في وقتٍ متأخر.

تناول "ادهم" العشاء مع عائلة "دينا" وبعدما انتهوا، قامت الأم بتقديم الشاي لهم، ثم قالت أخت "دينا" متسائلة:
ـ "أدهم"هل تحب "دينا" فعلاً؟
إحمر وجه "دينا" خجلاً وقالت لشقيقتها بإرتباك:
ـ ما هذا السؤال؟
نهضت الأخت من مكانها وجلست بجانب "أدهم" وهي تقول:
ـ هيا أخبرني.
أجابها "أدهم" بكل ثقة:
ـ بالطبع أحبها "دينا" حبي الأول ولا يمكنني التفريط فيه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي