الفصل الثامن عشر

دقت "سما" باب غرفة "آدم" فإذن لها بالدخول،وحين دخلت رأته منهمكاً في الدراسة ويجلس على الأرض
والأوراق تحيط به فأقتربت منه وهي تحمل مذكراتها وتقول بتسائل:
ـ هل يمكنني الدراسة معك؟
رد عليها "آدم" وهو يرفع رأسه ناظراً إليها:
ـ بالطبع يمكننا أن ندرس معاً.
بعد مرور وقت على بدأهما وضعت "سما" القلم على الأرض وقالت:
ـ أشعر بأن "رغد" تخفي شيئاً ما.
قال لها "آدم" وهو يكتب:
ـ لماذا تظنين ذلك؟
أخفضت "سما" حاجبيها وقالت بحيرة:
ـ لا أعلم لكنني أراها دائماً في غرفتها وتغلق الباب على نفسها.
إتسعت شفتي "آدم" مبتسماً، ووضع يده على رأس "سما"وهو يقول:
ـ لا داعي للقلق عندما ننهي إختبارنا سنسألها.
هزت "سما" رأسها موافقة، وأكملت ما بدأته مع "آدم".

في ذلك الحين، كانت "دنيا" تجلس في منزل "محمد" وتحاول الإتصال على والدها بدون فائدة، وبينما
كانت تجلس على الأريكة جلس "محمد" بجانبها وسألها:
ـ هل تلقيتِ رداً؟
أخفضت "دنيا" رأسها وقالت بحزن:
ـ كلا حتى هاتف المنزل لم يرد عليه أحد.
وضع "محمد" كفه على يدها وهو يقول بثقة:
ـ سوف يتصلون بكِ عما قريب إصبري فقط.
فجأةً رن هاتف "دنيا" النقال وهو في يدها فردت بسرعة قائلة:
ـ نعم أهلاً أمي.
إنتقل إلى مسامعها صوت الأم الحزين وهي تقول:
ـ "دنيا" أين أنتِ؟ لماذا لم ترجعي بعد؟
سألتها "دنيا" في قلق:
ـ ما الأمر يا والدتي؟
أجابتها الأم بنفس النبرة السابقة:
ـ إن والدك مريض وهو بحاجةٍ إليكم جميعاً هيا عودي بسرعة.
نهضت "دنيا" من على الأريكة وهي تقول:
ـ حسناً سأعود حالاً.
وعندما أغلقت الخط، نظرت إلى "محمد" الذي وقف أمامها قائلاً وهو يضع يديه على كتفيها:
ـ يمكنك الذهاب يا "دنيا"وحاولي أن تقنعي والدكِ بتقبل هذا الأمر.
أشاحت "دنيا" بوجهها عن عينيه وهي تقول:
ـ سأحاول من أجلك يا "محمد".
وعانقا بعضهما، ثم عادت "دنيا" للمنزل.

وقفت "هدى" أمام المرآة في الشقة وقالت متسائلة وهي ترتب شعرها:
ـ لماذا أحضرتني إلى هنا؟
وقف "احمد" خلفها وهو يقول ببرود:
ـ لقد إشتقت إليكِ هذا كل ما في الأمر.
أدارت "هدى" جسدها إليه وهي تقول باستغراب:
ـ هل أنت جاد يا "احمد"؟ جئت بي إلى هنا لأنك إشتقت إلي فقط.
إبتسم "احمد" في وجهها وهو يقول رداً عليها:
ـ بالطبع! هل أزعجكِ هذا الأمر يا عزيزتي؟
وضعت "هدى" رأسها على كتفه الأيمن وأغمضت عينيها قائلة:
ـ هل تعلم أنك أيقظتني من نومي؟
أمسك "احمد" بيدها التي على كتفه الآخر وقال بهدوء:
ـ نعم يمكننا أن ننام معاً الآن.
قام "احمد" بحمل "هدى" بين ذراعيه، وأستلقيا على السرير سويةً وهما يمسكان بأيدي بعضهما ويتبادلان الإبتسامات، ثم قاما بتغطية أنفسهم بالبطانية القطنية.

دخلت "هند" إلى غرفتها الجديدة،وكان السرير مقابل للنافذة مع مكتب صغير وخزانة للملابس،كانت
الغرفة صغيرة لكنها رضيت بها لأنه لا يوجد مكانٌ آخر تذهب إليه وغيرت ملابسها ثم استلقت على السرير ولم تتمكن من إغلاق عينيها لأنها لم تعتد على هذا الوضع بعد.

وصلت "دنيا" إلى المنزل، وحين دخلت رأت والدتها تجلس على الأريكة في الصالة فسألتها:
ـ والدتي أين أبي؟
إلتفتت إليها والدتها ونهضت وهي تجيبها بهدوء:
ـ لقد نام قبل قليل.
اخفضت "دنيا" رأسها وقالت:
ـ هكذا إذن.
اقتربت الأم من "دنيا" وسألتها بجفاء:
ـ أخبريني الآن ما الذي حدث بينك وبين والدك؟
حركت "دنيا" شفتيها وهي ترفع رأسها قائلة بقلق وإرتباك:
ـ لم، لم يحدث شيء.
صرخت والدتها في وجهها قائلة بعصبية:
ـ كيف لم يحدث شيء؟ لقد وجدت والدك مرمياً على الأرض بعد ذهابك إلى الجامعة.
إتسعت عينا "دنيا" وهي تقول:
ـ كل ما حدث هو أنه رآني مع شاب.
وسكتت قليلاً ثم تابعت بنبرةٍ جادة:
ـ والدي منعني من مرافقة ذلك الشاب، لكنني لم أقم بإطاعته وذهبت لم أكن أعلم بأن هذا سيؤثر عليه، كما أنه طلب مني عدم العودة إلى هنا مجدداً حتى
أنهي العلاقة مع ذلك الشاب.
سألتها والدتها في سرعة:
ـ ما اسم ذلك الشاب؟
أجابتها "دنيا" قائلة:
ـ "محمد"
حدقت الأم بـ "دنيا" لبعض الوقت ثم ربتت على كتفيها وقالت:
ـ إذهبي لغرفتك الآن وغداً سنكمل حديثنا.
صعدت "دنيا" إلى غرفته وكانت قلقة من الغد ومن ردة فعل والدها.

طلع الفجر وتساقطت قطرات الندى على أوراق الأشجار الخضراء وانتشر الضباب قليلاً واختفى
عند إشراقة الشمس.

إستيقظت "رغد" باكراً في ذلك اليوم، وفتحت هاتفها النقال قبل أن تنهض من سريرها، ووجدت رسالة جديدة، وحين فتحتها قرأت المكتوب:
-صباح الخير "رغد" إشتقت إليكِ متى سأراك؟

كانت هذه الرسالة من "سامر" فردت عليه برسالةٍ اخرى كتبت فيها:
- اليوم عند برج المدينة سأكون بإنتظارك.

في ذلك الحين قامت "ملك" بدق باب غرفة "احمد" وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
ـ "احمد" هيا إنهض؟
وانتظرت قليلاً لكنها لم تتلقى أي رد، فأعادت الدق بشكل أقوى ولم تتحمل الإنتظار فدخلت ووجدت الغرفة على حالها منذ الأمس وبنفس الترتيب فحركت شفتيها وقالت متسائلة بحيرة:
ـ أين ذهب هذا الفتى؟
وبحثت عنه في كل المنزل ولم تعثر عليه، ثم نزلت إلى والدتها التي تقوم بإعداد الإفطار في المطبخ وسألتها قائلة:
ـ أمي ألا تعلمين أين "احمد"؟
أفلتت الأم ما بيدها وألتفتت إلى "ملك" قائلة باستغراب:
ـ أليس في غرفته؟
هزت "ملك" رأسها بـلا وهي تجيب:
ـ وغرفته ما تزال على حالها منذ الأمس.
تسمرت الأم في مكانها وقالت بقلق:
ـ هذا مستحيل إذهبي يا "ملك" وأيقظي "امجد" بسرعة.

صعدت "ملك" بسرعة إلى غرفة شقيقها "امجد" وأيقظته وأخبرته عن "احمد"، قام "امجد" بالنهوض وتبديل ملابسه وعندما نزل سمع الهاتف يرن فرفع السماعة وانتقل إلى مسامعه صوت شخصٍ يقول باحترام:
ـ هل هذا منزل عائلة السيد "احمد"؟
رد عليه "امجد" بنبرةٍ مستغربة:
ـ نعم من أنت يا سيدي؟
قال له الشخص بهدوء:
ـ إن السيد "احمد" يسكن في فندقنا ولم يدفع أجرة السكن منذ شهر.
قاطعه "امجد" قائلاً بعجلة:
ـ ماذا؟ أي فندقٍ هذا؟
أخبره الرجل بالعنوان فخرج "امجد" مسرعاً ولحقت به "ملك" متسائلة:
ـ ماذا هناك يا "امجد"؟ أين "أحمد"؟
ركب "امجد" سيارته وشغلها وأنطلق دون أن يستمع إلى أسئلة "ملك" وعندما ذهب وقفت"ملك" في حيرة:
ـ ماذا حدث يا ترى؟
وصل "امجد" إلى الفندق في أقل من عشر دقائق لأنه كان مسرعاً جداً ليرى ما يفعله "احمد" هناك.

في اللحظة التي نزل فيها "امجد" من السيارة توقفت سيارةٌ سوداء خلف سيارته ونزل منها والد "هدى" وقف "امجد" عند المسؤول عن الفندق وسأل في نفس الوقت الذي سأل به الأب وبالمصادفة كان السؤال
نفسه وهو:
ـ أين الشقة رقم 112؟
نظر "امجد" إلى الأب ذو الملامح الجادة وسأله بإستغراب:
ـ ما الذي تريده يا سيدي؟
رد عليه الأب قائلاً بنبرةٍ غاضبة:
ـ لقد هربت إبنتي "هدى" من البيت وتلقيت إتصالاً من أحدهم يقول بأنها هنا.
قال المسؤول عن الفندق لهما:
ـ هذا صحيح السيد "احمد" والآنسة "هدى" يسكنان هنا، ولم يدفعا الأجر حتى الآن.

إتجهى "امجد" إلى المصعد وتبعه والد "هدى" في الوقت نفسه، خرج "أحمد" برفقة "هدى" من الشقة ووقفا عند المصعد وضغط "احمد" الزر و"هدى"
تمسك بذراعه الأخرى، وحين فُتح الباب إتسعت عيني "احمد" و"هدى" عندما رأوا من يقف أمامهما، قال "احمد" بارتباك وهو يحدق بنظرات شقيقه الغاضبة:
ـ "امجد"؟
وضعت "هدى" يدها على صدرها وهي ترتجف قائلة:
ـ والدي؟
إقترب "امجد" وهو يقول بهدوء محافظاً على أعصابه:
ـ تعاليا معنا،يجب ان ننهي هذه المهزلة.
أمسك "احمد" بيد "هدى" وركض معها هارباً ولحقا به الإثنان، نزل "احمد" عبر الدرج مسرعاً ولم يفلت
ليد "هدى" مطلقاً وخرجا راكضين من الفندق، وحين وقفا في الخارج التفتا خلفهما وهما يتنفسان بصعوبة.

ولفت نظر "احمد" شخصٌ ينزل من دراجته النارية ويدخل إلى السوق وأستغل هذه الفرصة وجعل "هدى"تركب في الخلف وهو ركب في الأمام وأنطلق وهو يسمع شقيقه يقول بعصبية:
ـ توقف يا "احمد" نحن لن نقتلك.
قال والد "هدى" بغضب:
ـ لو أمسكت بهما،سوف يدفعان الثمن.
وركب الأب في نفس سيارة "امجد" وأنطلق مسرعاً للحاق بهما.

في الطريق، قالت "هدى" وهي متمسكةٌ بـ "احمد":
ـ عليك أن تتوقف لا فائدة من الهرب.
صرخ "احمد" قائلاً بعصبية:
ـ كلا."امجد" سيقتلني بالتأكيد.
وزاد من السرعة وأغمضت "هدى" عينيها وهي تصرخ وتقول:
ـ "أحمد" توقف أرجوك.
عظ "احمد" شفتيه وهو يعقد حاجبيه قائلاً:
ـ لا يمكنني ذلك.
وفجأةً إنحنى "احمد" بالدراجة وتوقف وهو يخفض رأسه قائلاً:
ـ أعتقد بأنكِ محقة، لا فائدة من الهرب.

استغرب "امجد" حين رأى "احمد" قد توقف، فأوقف سيارته ونزل مع الرجل وحين أقترب منهما قال
"احمد" مبتسماً وهو ينظر إلى شقيقه:
ـ هل تعتقد بأنني سأستسلم لكما؟
وتابع بعدما تحولت ملامحه للجدية:
ـ لن أقوم بإعادة "هدى" أبداً.
لكمه "امجد" في وجهه بقوة وخرج الدم من فمه ثم سحبه من ملابسه وهو يقول:
ـ لقد قمت بتشويه سُمعتنا بتصرفاتك الطائشة.
وركله في بطنه، فسقط "احمد" على الأرض متألماً وحين رأى الأب يقترب من "هدى" نهض بسرعة ووقف أمامه وهو يمد يديه قائلاً:
ـ قلت لن أسمح لكما بلمس "هدى" حتى لو قمتم بقتلي.

كانت "هدى" تحدق بـ "احمد" بينما كان والدها يقول ببرود:
ـ إبتعد عنها يا فتى وإلا.
قاطعه "احمد" قائلاً بغضب:
ـ إفعل ما شئت يا سيدي لن أبتعد أبدا، أنا أحب "هدى".
داهمه الأب بصفعةٍ على وجهه وحاول إبعاده عنها لكنه احتضنها أمامه وهو يقول:
ـ إفعل ما شئت بي لكن لا تقترب منها.
جاء إليه "امجد" وسحبه بالقوة من كتفه واستمر في ضربه وأستغل الأب هذه الفرصة وسحب "هدى"
من شعرها وهي تصرخ وصفعها في خذها بقوة وأدخلها إلى السيارة وهي تقول:
ـ لا أريد "احمد" ساعدني أرجوك.

وقع "احمد" على الأرض والدم ينزف من رأسه من شدة الضربات التي حصل عليها من شقيقه الأكبر، وبقي يحدق بـ "هدى" الباكية داخل السيارة ويقول بإرهاق:
ـ آسف، أنا آسف"هدى".
رفع "امجد" شقيقه "احمد" من يده وهو لا يقوى على الحراك وأدخله إلى السيارة نفسها بجانب "هدى"
التي إمتلئت عينيها بالدموع حين رأته على هذه الحالة وقالت بغضب عندما حرك "امجد" السيارة:
ـ إنكم وحوشٌ بشرية.
صرخ والدها عليها وهو يجلس في المقدمة:
إخرسي يا "هدى".
قاطعته "هدى" وهي تهز رأسها نفياً:
ـ لن أسكت ولن أغفر لكما طوال حياتي.
وأحتضنت "احمد" وهي تبكي بحرارة فلم يرد عليها والدها، لأنها لن تفلت من العقاب في المنزل.

وضع "احمد" يده على خذ "هدى" ومسح دموعها وهو يقول بصوتٍ خافت وبالكاد سمعته:
ـ لا تبكي يا "هدى" لن أسمح لأحدٍ بأخذكِ مني.
ورفع رأسه مبتسماً لها والكدمات تملئ وجهه وقال بصوتٍ منخفض جداً:
ـ سنموت معاً "هدى".
فهمت "هدى" ما قاله "احمد" لها من حركة شفتيه، فعقدت حاجبيها وهزت رأسها موافقة ووضعت
ذراع "احمد" على كتفها الأيسر وبكل شجاعة فتحت الباب والسيارة تسير بسرعة فصرخ "امجد" قائلاً:
ـ ما الذي تفعلينه؟
قفزت "هدى" مع "احمد" من السيارة وأوقف "امجد" السيارة بصعوبة، تقلبا على أرض الشارع وأغمي عليهما، خرج "امجد" من السيارة مسرعاً مع الأب وحين رأوهما ظهرت علامات الخوف والفزع على وجههما, لأن مظهر "احمد" و "هدى" المُلقيان على الأرض كان يوحي بأنهما قد ماتا وتجمع الناس عليهما وأنهار والد "هدى" وجلس على الأرض وهو يبكي على إبنته بحرارة،وتم استدعاء سيارة الإسعاف وتم نقلهما إلى المستشفى.

وصلت "رغد" إلى برج المدينة وتلفتت حولها ولم ترى أحداً ينظر إليها وبعد مرور خمس دقائق من
الإنتظار سمعت صوت "سامر" يقول متسائلاً:
ـ يا آنسة؟
فنظرت خلفها وأتسعت عينيها وهي تقول:
ـ هل أنت"سامر"؟
عدل "سامر" وقفته المائلة وقال مبتسماً:
ـ نعم سعدت برؤيتك "رغد".
لم تتمكن "رغد" من إمساك نفسها وأحتضنت "سامر" وهي تقول:
ـ أخيراً إلتقيت بك.
قام "سامر" بوضع يده على رأسها من الخلف ويقول:
ـ وأنا أيضاً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي