الفصل الخامس عشر يلحق بها
لم تصدق غرام أنه الآن بدأ في استغلالها لمصلحته وحتى يوقع جلال في فخه وينتقم منه، شعرت أن العالم كله يدور بها، اقتربت من السرير وكل ما تريده هو النوم وعدم التفكير في أي شيء، شعرت بيده تقوم بسحبها:
-أين تذهبين أنتِ يا ترى؟
نظرت له وعلم أن هناك ما سيجرحها، هو لن يتركها بعد كل شيء عرفه:
-أريد النوم يا عاصم، أرجوك دعنا نؤجل الحديث في أي شيء الآن و..
قاطعها عاصم وهو يقوم بدفعها لتسقط على الأرض وهو يطالعها باشمأزاز:
-لا تنامي هنا، هذا السرير سوف أنام عليه ولا أقبل أن تجاورني فتاة مثلكِ.
كانت الصدمة تسيطر عليها، أما هو ابتسم ساخرًا:
-لم أعد أنخدع بعينيكِ الجميلة يا غرام، وفريها إلى نفسكِ.
وقفت غرام ولم تتحدث بل ذهبت بجوار السرير لتنام أرضًا دون شيء، اغمضت عينيها وتمنت لو تختفي من العالم بأكمله في هذا الوقت، كان يراقبها وهي لم تفتح عينيها، لاحظ دموعها التي تنساب رغم عينيها المغلقة، نام فوق السرير وهو يتذكر المرة الأولى التي وقعت عينيه عليها وكيف كان ينجذب.
مرت ساعتين وهي لم تتحرك بل ذهبت في نوم عميق، كان ينظر لها وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب، لم يكن يتخيل أن تكون بهذا السوء، لم يكن يتخيل أنه ينخدع عن طريقها هي! جلس بجوارها وهو يفكر في حديثها.
مع الأسف يعلم أنها وقعت في حبه ولهذا السبب بالتحديد هي كشفت كل شيء له، أخذ نفس عميق بألم، تحدث هامسًا:
-ليتني لم أحبكي يا غرام، ليتني رفضت مجيئكِ إلى هنا، أنا نادم كثيرًا، بسببكِ أنا خسرت الكثير، خسرت ماجد هو كان أعز صديق لي.
بقى في مكانه وقد تساقطت دموعه ليقم بمسحها سريعًا، دون قصد اصطدمت يده بها لينتفض جسدها وهي تجلس بسرعة وقد تعالت أنفاسها، علم أنها كانت في كابوس وهي نظرت له بتعجب:
-ما الذي تفعله هنا يا عاصم؟
ابتلع ما بحلقه وهو ينظر لها بغضب:
-ماذا؟ ما شأنكِ أنتِ يا ترى؟
نظرت له بتعجب وتحدثت وقد فاض بها:
-أنت هنا بجواري، قولت لي نامي على الأرض وأنا فعلت ماذا تريد أنت؟
نظر لها وهو يقترب منها ساخرًا ويده تقترب من وجنتها:
-ألستِ زوجتي! من حقي أن أفعل ما أريد وأقول ما أريد أيضًا، أنا حر في حياتي وحياتكِ أيتها الخائنة.
نظرت إلى يده وعادت الدموع إلى عينيها وهي تسمع حديثه، نظرت إلى عينيه التي تصرخ بعكس ما ينطق به لسانه:
-ما الذي تريده يا عاصم؟ توقف عن هذه الأفعال أرجوك، لا تتحدث بما يقتلني أكثر.
قبض على شعرها وقد سيطر عليه الغضب:
-الأسوء في كل هذا أنني لا أستطيع أن أفعل شيء لكِ، لا يطاوعني قلبي البغيض، أرغب في قتلكِ، جعلتيني في كابوس بشع لا مفر منه.
اغمضت عينيها بألم قبل أن تفتحها وتواجه نظراته من جديد:
-لقد كانوا يستحقوا القتل بالفعل، لقد كانوا مجرد قذرة، لم يعطفوا عليّ عندما علموا أنني يتيمة وأعيش بمفردي بل حاولوا استغلالي أسوء استغلال، أنت لا تعرف شيء وهم لا يستحقون تعاطفك.
صرخ عاصم في وجهها وهو يحذرها:
-أصمتِ قبل أن أقضي عليكِ، لا أريد كلمة منكِ ولا أصدقكي.
تحدثت من بين شهقاتها بألم:
-أنا من اخبرتك بالحقيقة ولست كاذبة، أنا نادمة أنني احببتك وقد تيقنت أنك قذر مثلهم تمامًا يا عاصم، أفعل ما تريد دون أن تتصرف بهذا الشكل لتغطي على رغبتك.
كان ينظر لها بعدم تصديق، هل تظن أنه يفعل هذا للتقرب منها؟ دفعها وهو يحرك رأسه بنفي:
-أنتِ مختلة يا غرام، أنا أتحدث بجدية أنتِ فتاة مريضة، سوف أتخلص من جلال بنفسي أما أنتِ سوف تنالين العقاب المناسب بعده.
أتى اليوم التالي واستيقظ عاصم قبل منها، كان سيخرج من الغرفة لكنه اقترب وقام بتحريكها:
-غرام استيقظي الآن.
دفعت يده ونامت على الجهة الأخرى وهي تأن بألم، أمسك بيدها وصدق عندما شعر بحرارتها الشديدة:
-أنتِ ساخنة!
اجابته من بين نعاسها:
-شعرت بالبرد في الليل، دعني أنام الآن لم أنم جيدًا.
سحبها عاصم بغضب:
-استفيقي عليكِ أن تتحسني حتى تنجزي مهمتكِ، لست متفرغ لكِ.
لم يأتيه الرد، لاحظ أنها تتعرق وتهمس بأشياء غير مفهومة:
-غرام انظري لي.
فتحت عينيها وهي تأن بألم وتدفعه بعيدًا عنها:
-دعني يا جلال، لا شأن لك بي، أبتعد.
أمسك بيدها وهو يتحدث بغضب:
-توقفي عن تلك الأفعال وكفاكِ تمثيل.
دفعته بقوة وهي تبعد وجهه:
-لا تقترب مني، لن أسمح لك يا جلال، ابتعد.
انفعل عاصم وهو يمسك بيدها ليجدها غابت عن الوعي من جديد وجسدها يزداد تعرقًا خرج عاصم من الغرفة وأخبر والده أن يطلب الطبيب لها، عاد ووجدها تقف أمام الخزانة:
-إلى أين سوف تذهبين؟
نظرت له وقد كان وجهها شاحب للغاية:
-جلال.
انفعل عاصم وهو يرفع صوته بغضب:
-لست جلال أنا عاصم انظري لي.
اومأت له وهي تخرج الفستان التي أتت به:
-سوف أذهب إلى جلال، هو يحبني، سوف يعتني بي كالسابق، أخرج أريد تبديل ملابسي.
اقترب عاصم وهو يسحبها على السرير:
-ارتاحي أنتِ لستِ على مايرام، لست بحالتكِ الطبيعية.
قبضت على يده بقوة وهي تجلس:
-ألم لا يُحتمل، أشعر بالبرد الشديد، ساعدني.
بدأ جسدها في الأرتجاف وأسرع هو باحضار الثلج ليضعه على جبينها:
-سوف تكونين بخير.
امسكت بيده لتطبع قبلة عليها بألم:
-سامحني يا عاصم، أنا أستحق هذا صدقني.
غابت عن الوعي من جديد تاركة إياه مبعثر المشاعر، أتى الطبيب وقام بفحصها والجميع يشعرون بالقلق، كتب لها بعض الأدوية ومن ثم رحل، بدأت حرارتها في الانخفاض عندما اعطوها الدواء وجعل عاصم الجميع يذهب، كانت شمس تريد أن تبقى معه لكنه رفض، جلس بجوارها على السرير وهي فتحت عينيها لتلتقي به.
لاحظ تهجم ملامحها، رأى خوفها منه وهي تجلس بفزع وتنظر حولها:
-ما الذي حدث؟
كان ثابتًا حتى تأكد أنها لا تتذكر مرضها:
-كان لديكِ حمى وأتى الطبيب لفحصكِ، أظن أنكِ تحسنتي الآن.
ابتلعت ما بحلقها وهي تشعر بالإرهاق الشديد:
-لم أشعر بنفسي، شكرًا لجلب الطبيب لي.
نظر لها ومن ثم ابتسم ساخرًا:
-لم يكن من أجلكِ، بس من أجل أنتقامي يا غرام، وجودكِ سوف يسهل عليّ المهمة.
لقد نجح في جعلها تتألم من جديد، حاولت أن تتمالك أعصابها لكنها فشلت لتتساقط دموعها، قبض على يده وهو يوبخ نفسه على مشاعره تجاهها، نظرت له برجاء:
-حديثك هذا ألطف حديث أسمعه الآن يا عاصم، لك أن تتخيل ما حدث لي وما مر عليّ، أنا أتألم من مجرد الذكرى، جلال رغم بشاعته كنت أصنفه كرجل لطيف يحبني.
ابتسم عاصم ساخرًا ولم ينسى مناداتها له:
-لذلك كنتِ تناديه أثناء الحمى وكنتِ ترتدين ملابسكِ للذهاب له؟
لم تتذكر هذا ولا تعرف ماذا تقول، حاولت أن تتحدث بعقل:
-عندما أمرض كان يساعدني كثيرًا، ربما لهذا السبب كنت أناديه.
حرك عاصم كتفه بلامبالاة:
-على كل حال لا يهمني الأمر، أنا فقط بحاجة إليكِ، لذلك أعتني بكِ، لولا هذا لكنت تركتكِ تموتين.
نظرت له وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا أصدقك أنت تكذب يا عاصم؛ لأنك تحبني لا تستطيع أن تفعل شيء أنا واثقة.
نظر لها وهو يقترب منها ويتحدث بتهكم:
-تقولين واثقة؟!
اومأت له وهو قبض على زراعها الأيمن:
-أستطيع أن أنهيكي متى اردت لا تراهني على حبي لأنه لم يعد موجود.
اومأ غرام وهي تبتسم وتمد له هاتفها:
-تفضل هنا سوف تجد الدليل الذي سيدين جلال بالجامل وسوف تجد اعترافي بأنني انتحرت بعد شعةري بالذنب، لا تقلق كل شيء في صفك.
تعجب عاصم وهو يمسك بهاتفها بينما هي أمسكت بالكوب الموضوع على الحامل الخشبي بجوار السرير وقامت بكسره بقوة عليه، صدم عاصم من فعلتها ولم تأخذ الكثير من الوقت وهي تحمل زجاجة وتقوم بجرح يدها بعنف، أمسك بيدها بقوة وهي تحاول أن تتحرر منه:
-دعني يا عاصم، ليس لك شأن بي، أخذت ما تريد وأنا لا يوجد لدي المزيد لأقوله، اتركني.
صفعها عاصم بقوة وهو يصرخ بها:
-كفى يا غرام، ألا تفهمين؟ كيف تفعلين هذا وتريدي أن تنهي حياتكِ أيتها الغبية؟ انظري لقد جرحتي نفسكِ يا غرام ماذا لو كان الجرح عميق؟
ألقى الزجاجة بغضب وهي لم تتوقف عن البكاء، أتى بعلبة الأسعافات وبدأ في معالجة جرحها، كانت صامتة، لا تنظر له حتى، تحدق في سقف الغرفة ولا يعلم أنها بالفعل ترغب في الموت.
استفاقت غرام من نومها، شعرت بيده تحيط بها، للمرة الأولى تستيقظ قبله، ابتعدت يده وهي تشعر بالألم يسير في جسدها، حاولت أن تسير برفق دون أن يستيقظ وقد نجحت في الخروج من الغرفة.
رأتها عنبر واقتربت منها على الفور:
-كيف حالكِ يا غرام؟ كدنا نموت قلقًا عليكِ، لقد كان عاصم يعاني وهو عاجز عن فعل شيء لمساعدتكِ.
حركت غرام رأسها بايجاب وهي لا تعلم ماذا تقول، هبطت وحاولت عنبر منعها من الذهاب لكنها اخبرتها أنه أمر ضروري، لم تجد عنبر سبيل سوى الذهاب إلى غرفة شقيقها واخباره.
حركت عاصم ليستيقظ على الفور:
-ما الأمر يا عنبر؟ أين غرام؟!
اجابته بقلق وهي تلاحظ فزعه:
-غرام خرجت من المنزل، حاولت أن أمنعها، لكنها اخبرتني أنها تريد الذهاب لتجلب شيء.
وقف عاصم وعندما رأى هاتفها بجواره علم ما تنوي على فعله، علم أنها ربما تكون في خطر وربما تنهي حياتها، أخذ هاتفه وركض للخارج وهو يتمنى أن يلحق بها، صعد بسيارته وبالفعل ما إن وصل على الطريق حتى رأها تصعد في تاكسي وتبعها هو.
كان يتساءل إلى أين سوف تذهب، يتمنى أن لا تفعل شيء يصعب الأمور أكثر، وصلت إلى حي شعبي ووجدها تتحدث مع السائق وتشير له للأعلى، يبدو أن لا مال لديها وتحاول كسب بعض الوقت، هبط عاصم من سيارته وما إن رأته هي حتى اسرعت بالصعود، وضع هو المال للسائق ولحق بها.
كانت تعلم وجهتها جيدًا بينما هو انفعل:
-غرام توقفي، لا يمكنكي أن تذهبي متى شأتي، هل فقدتي عقلكِ؟
وصلت للطابق الأخير واسرعت إلى غرفتها على السطح، لحق بها ولكنها اغلقت الباب بسرعة ودموعها تتساقط بألم:
-لن أفتح لك يا عاصم.
طرق الباب عليها وهو يشعر بالتعجب من هذا المكان الغريب:
-غرام افتحي الباب ودعينا نتحدث، أنتِ تتصرفين بشكل خاطئ ولن يساعدكي هذا.
صرخت غرام بغضب شديد:
-دعني وشأني يا عاصم، لا أريد التحدث الآن، لا دخل لك بي.
طرق على الباب بقوة وهو يشعر بالغضب:
-لا تنسي أنكِ زوجتي يا غرام، لا تنسي أنكِ مرهونة بي ولا أسمح لزوجتي أن تبقى هنا.
فتحت الباب والدموع تلمع في عينيها:
-ما الذي تريده؟ أذهب وأبلغ الشرطة، لقد اعترفت بكل شيء، تركت لك الهاتف، لم يعد شيء يفرق معي، أنا لا أريد شيء منك سوى أن تتركني لمصيري يا عاصم، هذه حكايتي أنا.
أمسك عاصم بيدها وهو يتحدث بغضب:
-دعينا نؤجل الحديث الآن، مازلتي مريضة يا غرام لا يمكنكي أن تتصرفي بهذا الشكل.
دفعته بقوة وبالفعل لاحظ قوة زراعها عندما كاد أن يتراجع:
-لا شأن اك بي، لم أعد أحتمل شيء، دعني وشأني، أنا في انتظار الموت، في انتظار الشرطة وسوف تكون انتقمت يا عاصم.
انفعل عاصم وهو يمسك بزراعيها والغضب يسيطر عليه:
-لستِ حرة، بعد كل شيء حدث لستِ حرة يا غرام، سوف تفعلين ما أقوله أنا، لا يمكنكي أن تضعي المزيد من الخطط وتنتظرين مني أن أقوم بالسير عليها.
نظرت له وقد ارتجف صوتها أثناء حديثها:
-أنت تحبني يا عاصم، لا يمكنك أن تراني أعاني أنت تحبني.
قامت بضمه وانهارت في البكاء:
-أسفة يا عاصم، سامحني أرجوك، أعلم أنني اخطأت، كان ضميري يؤلمني طوال الوقت، كنت أشعر بالألم، عليك أن تتفهمني أرجوك ولا تكن قاسي معي.
دفعها عاصم والغضب يسيطر عليه:
-لا أعلم كيف لفتاة مثلكِ أن تفعل كل هذا، لا أعلم كيف تجرأتي وكيف أتى لكِ قلب لتقتلي بتلك السهولة، لا أعلم كيف وقعت في فخ عينيكِ البريئة تلك.
نظرت له وقد ظهر عليها الألم، صرخت بانفعال واضح:
-لم تعيش بدلًا عني لذلك لا يمكنك أن تتحدث هكذا، أنت لم تمر بكل ما مررت به أنا يا عاصم، أكثر شخص وثقت به هو جلال، لقد كان أكثر شخص أمن لي مع كل شيء يفعله، هل تدرك هذا؟!
كانت منتبه لها بينما هي تبكي بانهيار:
-أرجوك يكفي كل شيء مررت به يا عاصم، دعني وشأني، دعني أسلم نفسي للشرطة ولا تجعلني أراك مجددًا، رؤيتي لك تصعب الأمور عليّ، صدقني تؤلم جدًا.
شعر بقلبه على وشك الخروج من أجلها، نهر نفسه عن التعاطف معها بينما هي كانت تبكي وهي تمسك بزراعه، فاجأهم صوت غليظ:
-ما الذي يحدث هنا؟ هل تظنين أنكِ يمكنكي أن تفعلي ما تريدي يا غرام؟ لقد أجرت لكِ الغرفة ولكن مجيء رجل إلى هنا ليس مسموح أبدًا، هل ترغبين في المبيت في الشارع اليوم؟
مسحت غرام دموعها وقد انفعلت:
-لم يدخل حتى، توقف عن هذا يا ماهر ولا تسيء الفهم.
التفت له عاصم والغضب يقطر من عينيه:
-ماذا تريد أنت؟ أنا زوجها ما الذي ترغب به؟
ابتسم ماهر ساخرًا:
-وهل سوف أصدق هذا؟ هي ليست متزوجة، إن كانت ستتزوج فلن تتزوج بغيري، أليس كذلك يا غرام.
سحقت أسنانها وهي تنظر له بغضب:
-اللعنة عليك يا ماهر، أنت وجلال في ذات اليوم.
دفعه عاصم وهو على وشك قتله:
-هذه زوجتي، لا أسمح لك بالتفوه بنصف كلمة بشأنها، إن أردت التحدث تحدث معي، هي لن تبقي هنا بعد اليوم.
حاوطت غرام رأسها والضيق يحتل قلبها، تمنت لو تختفي تمامًا، وجودها مع عاصم يزيد الأمور صعوبة عليها، لا يمكنها أن تبقى أمامه دون أن تحبه أكثر وكلما رأت الكره في عينيه يؤلمها قلبها كثيرًا.
علم ماهر أن عاصم لا يمزح وربما يكون بالفعل زوجها، قرر الرحيل الآن ورؤية ما سيحدث وهل سوف تذهب معه أم لا.
-أين تذهبين أنتِ يا ترى؟
نظرت له وعلم أن هناك ما سيجرحها، هو لن يتركها بعد كل شيء عرفه:
-أريد النوم يا عاصم، أرجوك دعنا نؤجل الحديث في أي شيء الآن و..
قاطعها عاصم وهو يقوم بدفعها لتسقط على الأرض وهو يطالعها باشمأزاز:
-لا تنامي هنا، هذا السرير سوف أنام عليه ولا أقبل أن تجاورني فتاة مثلكِ.
كانت الصدمة تسيطر عليها، أما هو ابتسم ساخرًا:
-لم أعد أنخدع بعينيكِ الجميلة يا غرام، وفريها إلى نفسكِ.
وقفت غرام ولم تتحدث بل ذهبت بجوار السرير لتنام أرضًا دون شيء، اغمضت عينيها وتمنت لو تختفي من العالم بأكمله في هذا الوقت، كان يراقبها وهي لم تفتح عينيها، لاحظ دموعها التي تنساب رغم عينيها المغلقة، نام فوق السرير وهو يتذكر المرة الأولى التي وقعت عينيه عليها وكيف كان ينجذب.
مرت ساعتين وهي لم تتحرك بل ذهبت في نوم عميق، كان ينظر لها وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب، لم يكن يتخيل أن تكون بهذا السوء، لم يكن يتخيل أنه ينخدع عن طريقها هي! جلس بجوارها وهو يفكر في حديثها.
مع الأسف يعلم أنها وقعت في حبه ولهذا السبب بالتحديد هي كشفت كل شيء له، أخذ نفس عميق بألم، تحدث هامسًا:
-ليتني لم أحبكي يا غرام، ليتني رفضت مجيئكِ إلى هنا، أنا نادم كثيرًا، بسببكِ أنا خسرت الكثير، خسرت ماجد هو كان أعز صديق لي.
بقى في مكانه وقد تساقطت دموعه ليقم بمسحها سريعًا، دون قصد اصطدمت يده بها لينتفض جسدها وهي تجلس بسرعة وقد تعالت أنفاسها، علم أنها كانت في كابوس وهي نظرت له بتعجب:
-ما الذي تفعله هنا يا عاصم؟
ابتلع ما بحلقه وهو ينظر لها بغضب:
-ماذا؟ ما شأنكِ أنتِ يا ترى؟
نظرت له بتعجب وتحدثت وقد فاض بها:
-أنت هنا بجواري، قولت لي نامي على الأرض وأنا فعلت ماذا تريد أنت؟
نظر لها وهو يقترب منها ساخرًا ويده تقترب من وجنتها:
-ألستِ زوجتي! من حقي أن أفعل ما أريد وأقول ما أريد أيضًا، أنا حر في حياتي وحياتكِ أيتها الخائنة.
نظرت إلى يده وعادت الدموع إلى عينيها وهي تسمع حديثه، نظرت إلى عينيه التي تصرخ بعكس ما ينطق به لسانه:
-ما الذي تريده يا عاصم؟ توقف عن هذه الأفعال أرجوك، لا تتحدث بما يقتلني أكثر.
قبض على شعرها وقد سيطر عليه الغضب:
-الأسوء في كل هذا أنني لا أستطيع أن أفعل شيء لكِ، لا يطاوعني قلبي البغيض، أرغب في قتلكِ، جعلتيني في كابوس بشع لا مفر منه.
اغمضت عينيها بألم قبل أن تفتحها وتواجه نظراته من جديد:
-لقد كانوا يستحقوا القتل بالفعل، لقد كانوا مجرد قذرة، لم يعطفوا عليّ عندما علموا أنني يتيمة وأعيش بمفردي بل حاولوا استغلالي أسوء استغلال، أنت لا تعرف شيء وهم لا يستحقون تعاطفك.
صرخ عاصم في وجهها وهو يحذرها:
-أصمتِ قبل أن أقضي عليكِ، لا أريد كلمة منكِ ولا أصدقكي.
تحدثت من بين شهقاتها بألم:
-أنا من اخبرتك بالحقيقة ولست كاذبة، أنا نادمة أنني احببتك وقد تيقنت أنك قذر مثلهم تمامًا يا عاصم، أفعل ما تريد دون أن تتصرف بهذا الشكل لتغطي على رغبتك.
كان ينظر لها بعدم تصديق، هل تظن أنه يفعل هذا للتقرب منها؟ دفعها وهو يحرك رأسه بنفي:
-أنتِ مختلة يا غرام، أنا أتحدث بجدية أنتِ فتاة مريضة، سوف أتخلص من جلال بنفسي أما أنتِ سوف تنالين العقاب المناسب بعده.
أتى اليوم التالي واستيقظ عاصم قبل منها، كان سيخرج من الغرفة لكنه اقترب وقام بتحريكها:
-غرام استيقظي الآن.
دفعت يده ونامت على الجهة الأخرى وهي تأن بألم، أمسك بيدها وصدق عندما شعر بحرارتها الشديدة:
-أنتِ ساخنة!
اجابته من بين نعاسها:
-شعرت بالبرد في الليل، دعني أنام الآن لم أنم جيدًا.
سحبها عاصم بغضب:
-استفيقي عليكِ أن تتحسني حتى تنجزي مهمتكِ، لست متفرغ لكِ.
لم يأتيه الرد، لاحظ أنها تتعرق وتهمس بأشياء غير مفهومة:
-غرام انظري لي.
فتحت عينيها وهي تأن بألم وتدفعه بعيدًا عنها:
-دعني يا جلال، لا شأن لك بي، أبتعد.
أمسك بيدها وهو يتحدث بغضب:
-توقفي عن تلك الأفعال وكفاكِ تمثيل.
دفعته بقوة وهي تبعد وجهه:
-لا تقترب مني، لن أسمح لك يا جلال، ابتعد.
انفعل عاصم وهو يمسك بيدها ليجدها غابت عن الوعي من جديد وجسدها يزداد تعرقًا خرج عاصم من الغرفة وأخبر والده أن يطلب الطبيب لها، عاد ووجدها تقف أمام الخزانة:
-إلى أين سوف تذهبين؟
نظرت له وقد كان وجهها شاحب للغاية:
-جلال.
انفعل عاصم وهو يرفع صوته بغضب:
-لست جلال أنا عاصم انظري لي.
اومأت له وهي تخرج الفستان التي أتت به:
-سوف أذهب إلى جلال، هو يحبني، سوف يعتني بي كالسابق، أخرج أريد تبديل ملابسي.
اقترب عاصم وهو يسحبها على السرير:
-ارتاحي أنتِ لستِ على مايرام، لست بحالتكِ الطبيعية.
قبضت على يده بقوة وهي تجلس:
-ألم لا يُحتمل، أشعر بالبرد الشديد، ساعدني.
بدأ جسدها في الأرتجاف وأسرع هو باحضار الثلج ليضعه على جبينها:
-سوف تكونين بخير.
امسكت بيده لتطبع قبلة عليها بألم:
-سامحني يا عاصم، أنا أستحق هذا صدقني.
غابت عن الوعي من جديد تاركة إياه مبعثر المشاعر، أتى الطبيب وقام بفحصها والجميع يشعرون بالقلق، كتب لها بعض الأدوية ومن ثم رحل، بدأت حرارتها في الانخفاض عندما اعطوها الدواء وجعل عاصم الجميع يذهب، كانت شمس تريد أن تبقى معه لكنه رفض، جلس بجوارها على السرير وهي فتحت عينيها لتلتقي به.
لاحظ تهجم ملامحها، رأى خوفها منه وهي تجلس بفزع وتنظر حولها:
-ما الذي حدث؟
كان ثابتًا حتى تأكد أنها لا تتذكر مرضها:
-كان لديكِ حمى وأتى الطبيب لفحصكِ، أظن أنكِ تحسنتي الآن.
ابتلعت ما بحلقها وهي تشعر بالإرهاق الشديد:
-لم أشعر بنفسي، شكرًا لجلب الطبيب لي.
نظر لها ومن ثم ابتسم ساخرًا:
-لم يكن من أجلكِ، بس من أجل أنتقامي يا غرام، وجودكِ سوف يسهل عليّ المهمة.
لقد نجح في جعلها تتألم من جديد، حاولت أن تتمالك أعصابها لكنها فشلت لتتساقط دموعها، قبض على يده وهو يوبخ نفسه على مشاعره تجاهها، نظرت له برجاء:
-حديثك هذا ألطف حديث أسمعه الآن يا عاصم، لك أن تتخيل ما حدث لي وما مر عليّ، أنا أتألم من مجرد الذكرى، جلال رغم بشاعته كنت أصنفه كرجل لطيف يحبني.
ابتسم عاصم ساخرًا ولم ينسى مناداتها له:
-لذلك كنتِ تناديه أثناء الحمى وكنتِ ترتدين ملابسكِ للذهاب له؟
لم تتذكر هذا ولا تعرف ماذا تقول، حاولت أن تتحدث بعقل:
-عندما أمرض كان يساعدني كثيرًا، ربما لهذا السبب كنت أناديه.
حرك عاصم كتفه بلامبالاة:
-على كل حال لا يهمني الأمر، أنا فقط بحاجة إليكِ، لذلك أعتني بكِ، لولا هذا لكنت تركتكِ تموتين.
نظرت له وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا أصدقك أنت تكذب يا عاصم؛ لأنك تحبني لا تستطيع أن تفعل شيء أنا واثقة.
نظر لها وهو يقترب منها ويتحدث بتهكم:
-تقولين واثقة؟!
اومأت له وهو قبض على زراعها الأيمن:
-أستطيع أن أنهيكي متى اردت لا تراهني على حبي لأنه لم يعد موجود.
اومأ غرام وهي تبتسم وتمد له هاتفها:
-تفضل هنا سوف تجد الدليل الذي سيدين جلال بالجامل وسوف تجد اعترافي بأنني انتحرت بعد شعةري بالذنب، لا تقلق كل شيء في صفك.
تعجب عاصم وهو يمسك بهاتفها بينما هي أمسكت بالكوب الموضوع على الحامل الخشبي بجوار السرير وقامت بكسره بقوة عليه، صدم عاصم من فعلتها ولم تأخذ الكثير من الوقت وهي تحمل زجاجة وتقوم بجرح يدها بعنف، أمسك بيدها بقوة وهي تحاول أن تتحرر منه:
-دعني يا عاصم، ليس لك شأن بي، أخذت ما تريد وأنا لا يوجد لدي المزيد لأقوله، اتركني.
صفعها عاصم بقوة وهو يصرخ بها:
-كفى يا غرام، ألا تفهمين؟ كيف تفعلين هذا وتريدي أن تنهي حياتكِ أيتها الغبية؟ انظري لقد جرحتي نفسكِ يا غرام ماذا لو كان الجرح عميق؟
ألقى الزجاجة بغضب وهي لم تتوقف عن البكاء، أتى بعلبة الأسعافات وبدأ في معالجة جرحها، كانت صامتة، لا تنظر له حتى، تحدق في سقف الغرفة ولا يعلم أنها بالفعل ترغب في الموت.
استفاقت غرام من نومها، شعرت بيده تحيط بها، للمرة الأولى تستيقظ قبله، ابتعدت يده وهي تشعر بالألم يسير في جسدها، حاولت أن تسير برفق دون أن يستيقظ وقد نجحت في الخروج من الغرفة.
رأتها عنبر واقتربت منها على الفور:
-كيف حالكِ يا غرام؟ كدنا نموت قلقًا عليكِ، لقد كان عاصم يعاني وهو عاجز عن فعل شيء لمساعدتكِ.
حركت غرام رأسها بايجاب وهي لا تعلم ماذا تقول، هبطت وحاولت عنبر منعها من الذهاب لكنها اخبرتها أنه أمر ضروري، لم تجد عنبر سبيل سوى الذهاب إلى غرفة شقيقها واخباره.
حركت عاصم ليستيقظ على الفور:
-ما الأمر يا عنبر؟ أين غرام؟!
اجابته بقلق وهي تلاحظ فزعه:
-غرام خرجت من المنزل، حاولت أن أمنعها، لكنها اخبرتني أنها تريد الذهاب لتجلب شيء.
وقف عاصم وعندما رأى هاتفها بجواره علم ما تنوي على فعله، علم أنها ربما تكون في خطر وربما تنهي حياتها، أخذ هاتفه وركض للخارج وهو يتمنى أن يلحق بها، صعد بسيارته وبالفعل ما إن وصل على الطريق حتى رأها تصعد في تاكسي وتبعها هو.
كان يتساءل إلى أين سوف تذهب، يتمنى أن لا تفعل شيء يصعب الأمور أكثر، وصلت إلى حي شعبي ووجدها تتحدث مع السائق وتشير له للأعلى، يبدو أن لا مال لديها وتحاول كسب بعض الوقت، هبط عاصم من سيارته وما إن رأته هي حتى اسرعت بالصعود، وضع هو المال للسائق ولحق بها.
كانت تعلم وجهتها جيدًا بينما هو انفعل:
-غرام توقفي، لا يمكنكي أن تذهبي متى شأتي، هل فقدتي عقلكِ؟
وصلت للطابق الأخير واسرعت إلى غرفتها على السطح، لحق بها ولكنها اغلقت الباب بسرعة ودموعها تتساقط بألم:
-لن أفتح لك يا عاصم.
طرق الباب عليها وهو يشعر بالتعجب من هذا المكان الغريب:
-غرام افتحي الباب ودعينا نتحدث، أنتِ تتصرفين بشكل خاطئ ولن يساعدكي هذا.
صرخت غرام بغضب شديد:
-دعني وشأني يا عاصم، لا أريد التحدث الآن، لا دخل لك بي.
طرق على الباب بقوة وهو يشعر بالغضب:
-لا تنسي أنكِ زوجتي يا غرام، لا تنسي أنكِ مرهونة بي ولا أسمح لزوجتي أن تبقى هنا.
فتحت الباب والدموع تلمع في عينيها:
-ما الذي تريده؟ أذهب وأبلغ الشرطة، لقد اعترفت بكل شيء، تركت لك الهاتف، لم يعد شيء يفرق معي، أنا لا أريد شيء منك سوى أن تتركني لمصيري يا عاصم، هذه حكايتي أنا.
أمسك عاصم بيدها وهو يتحدث بغضب:
-دعينا نؤجل الحديث الآن، مازلتي مريضة يا غرام لا يمكنكي أن تتصرفي بهذا الشكل.
دفعته بقوة وبالفعل لاحظ قوة زراعها عندما كاد أن يتراجع:
-لا شأن اك بي، لم أعد أحتمل شيء، دعني وشأني، أنا في انتظار الموت، في انتظار الشرطة وسوف تكون انتقمت يا عاصم.
انفعل عاصم وهو يمسك بزراعيها والغضب يسيطر عليه:
-لستِ حرة، بعد كل شيء حدث لستِ حرة يا غرام، سوف تفعلين ما أقوله أنا، لا يمكنكي أن تضعي المزيد من الخطط وتنتظرين مني أن أقوم بالسير عليها.
نظرت له وقد ارتجف صوتها أثناء حديثها:
-أنت تحبني يا عاصم، لا يمكنك أن تراني أعاني أنت تحبني.
قامت بضمه وانهارت في البكاء:
-أسفة يا عاصم، سامحني أرجوك، أعلم أنني اخطأت، كان ضميري يؤلمني طوال الوقت، كنت أشعر بالألم، عليك أن تتفهمني أرجوك ولا تكن قاسي معي.
دفعها عاصم والغضب يسيطر عليه:
-لا أعلم كيف لفتاة مثلكِ أن تفعل كل هذا، لا أعلم كيف تجرأتي وكيف أتى لكِ قلب لتقتلي بتلك السهولة، لا أعلم كيف وقعت في فخ عينيكِ البريئة تلك.
نظرت له وقد ظهر عليها الألم، صرخت بانفعال واضح:
-لم تعيش بدلًا عني لذلك لا يمكنك أن تتحدث هكذا، أنت لم تمر بكل ما مررت به أنا يا عاصم، أكثر شخص وثقت به هو جلال، لقد كان أكثر شخص أمن لي مع كل شيء يفعله، هل تدرك هذا؟!
كانت منتبه لها بينما هي تبكي بانهيار:
-أرجوك يكفي كل شيء مررت به يا عاصم، دعني وشأني، دعني أسلم نفسي للشرطة ولا تجعلني أراك مجددًا، رؤيتي لك تصعب الأمور عليّ، صدقني تؤلم جدًا.
شعر بقلبه على وشك الخروج من أجلها، نهر نفسه عن التعاطف معها بينما هي كانت تبكي وهي تمسك بزراعه، فاجأهم صوت غليظ:
-ما الذي يحدث هنا؟ هل تظنين أنكِ يمكنكي أن تفعلي ما تريدي يا غرام؟ لقد أجرت لكِ الغرفة ولكن مجيء رجل إلى هنا ليس مسموح أبدًا، هل ترغبين في المبيت في الشارع اليوم؟
مسحت غرام دموعها وقد انفعلت:
-لم يدخل حتى، توقف عن هذا يا ماهر ولا تسيء الفهم.
التفت له عاصم والغضب يقطر من عينيه:
-ماذا تريد أنت؟ أنا زوجها ما الذي ترغب به؟
ابتسم ماهر ساخرًا:
-وهل سوف أصدق هذا؟ هي ليست متزوجة، إن كانت ستتزوج فلن تتزوج بغيري، أليس كذلك يا غرام.
سحقت أسنانها وهي تنظر له بغضب:
-اللعنة عليك يا ماهر، أنت وجلال في ذات اليوم.
دفعه عاصم وهو على وشك قتله:
-هذه زوجتي، لا أسمح لك بالتفوه بنصف كلمة بشأنها، إن أردت التحدث تحدث معي، هي لن تبقي هنا بعد اليوم.
حاوطت غرام رأسها والضيق يحتل قلبها، تمنت لو تختفي تمامًا، وجودها مع عاصم يزيد الأمور صعوبة عليها، لا يمكنها أن تبقى أمامه دون أن تحبه أكثر وكلما رأت الكره في عينيه يؤلمها قلبها كثيرًا.
علم ماهر أن عاصم لا يمزح وربما يكون بالفعل زوجها، قرر الرحيل الآن ورؤية ما سيحدث وهل سوف تذهب معه أم لا.